St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   bible-history-edersheim-1
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تاريخ العهد القديم للعلامة ألفريد إدرشيم: الجزء الأول: عالم ما قبل الطوفان وتاريخ رؤساء الآباء الأولين - القمص أنجيلوس المقاري

1- الفصل الأول: الخلقة - الإنسان في جنة عدن - السقوط (تك1-3)

 

الفصل الأول

الخلقة - الإنسان في جنة عدن - السقوط (تك1-3)

 

"يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن بأنه موجود وأنه يجازي الذين يطلبونه" (عب 11: 6)، لذلك الكتاب المقدس الذي يحتوي على التسجيل المسُتعلن لتعاملات الله ومقاصده مع الإنسان، يبدأ بخبر الخليقة. "لأن أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته" (رو 1: 19).

الحقائق العظمى الأربعة التي لها بصمتها على كل جزء من الاستعلان، تأتي إلينا من أقدم رواية كتابية مثل الأنهار الأربعة التي تنبع في جنة عدن. أول هذه الحقائق هو خلقة كل الأشياء بقوة كلمة الله، الثانية هي انحدار كل البشر من أبوين مشتركين آدم وحواء، الثالثة هي ارتباطنا بآدم كرأس لجنسنا، ومن خلاله تورطت كل البشرية في خطيته وسقوطه، والرابعة هي أنه لمن انحدر من آدم ولكن بدون خطيته، ينبغي له بالتألم أن يحررنا من نتائج وعواقب السقوط، وبكونه آدم الثاني يصير سبب خلاص أبدي لكل من يتكلون عليه ويثقون به. ويمكن أن يُضاف لهذه الحقائق الأربعة الأساسية حقيقة خامسة وهي تأسيس يوم في الأسبوع ليكون يوم راحة مقدسة لله.

يكاد من المستحيل علينا تخيل فروق أعظم مما بين روايات الوثنيين عن منشأ كل الأشياء والرواية الكتابية. فالروايات الوثنية ممتلئة بسخافات ضخمة حتى أن المرء لا يملك إلا أن يعتبرها خرافات وأساطير، بينما الرواية الكتابية في غاية البساطة وفي نفس الوقت مملوءة جلالًا، وتكاد تجبرنا على أن نسجد وننحني ونركع أمام الرب خالقنا.

ولكون هذا كان في الواقع الهدف الموضوع في الحسبان وليس تعليمًا علميًا أو إشباع فضولنا، يلزمنا توقع أن نجد في الإصحاح الأول من سفر التكوين فقط الخطوط العريضة لما حدث دون الدخول في أي تفاصيل مرتبطة بالخلقة.

على هذه النقاط يوجد متسع هائل لهذه النوعية من المعلومات مما يمكن للعلم أن يمدنا بها فيمكن تعلم الكثير من دراسة الأرض والطبيعة بعد عملية تدقيق وغربلة لما نقرأه وندرسه. لكن لم يحن بعد ذلك الوقت ولذلك ينبغي لنا أن نأخذ حذرنا من بعض المقولات المندفعة وغير المضمونة أو ليس لها ما يسندها وتُقال على هذه المواضيع.

السفر يضع أمامنا تتابع خلقة كل الأشياء -إن جاز القول- في سلم تصاعدي إلى أن نصل في النهاية إلى الإنسان قمة وذروة أعمال الله، والذي خالقه عيّنه ليكون سيد لكل المخلوقات (مز 8: 3-8). تخيل البعض أن ستة أيام الخليقة تمثّل فترات كثيرة جدًا أكثر منها أيام بالمعنى الحرفي خصوصًا على أساس الافتراض بالقدم الشديد لكوكبنا والعصور العظيمة المختلفة أو الفترات، حيث كل عصر أو فترة منها تنتهي بتطور عظيم يبدو أن أرضنا اجتازته قبل أن تصل لحالتها الراهنة وتصير مؤهلة لسكنى الإنسان. لكن لا يوجد حاجة لأن نلجأ
إلى مثل هذه النظرية.

فأول عدد في سفر التكوين يسرد ببساطة الحقيقة العامة: "في البدء -أيًا كان هذا البدء- خلق الله السموات والأرض"، ثم في العدد الثاني نجد الأرض وصفت كما لو في ختام آخر تطور عظيم، سابق للحالة الحاضرة للأشياء: "وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ"، ولذلك يمكن أن يكون قد مر فترة زمنية غير محددة وتغيرات كثيرة بين خلقة الأرض والسماء المذكورة في (ع1)، والحالة الهيولية والمشوشة لأرضنا والموصوفة في (ع2). أما بالنسبة للتاريخ المحدد للخلقة الأولى، يمكننا أن نؤكد دون أن يجانبنا الصواب أنه ليس لدينا بعد المعرفة الكافية لأن نصل إلى أي استنتاج جدير حقًا بالثقة.

لكنه أمر في غاية الأهمية بالنسبة لنا أن نعرف أن الله هو "خالق الجميع بيسوع المسيح" (أف 3: 9)، وأنه في المسيح يسوع "الكل به وله قد خُلق" (كو 1: 16)، وأنه "منه وبه وله كل الأشياء" (رو 11: 36)، وانظر أيضًا (1كو 8: 6؛ عب 1: 2؛ يو 1: 3).

St-Takla.org Image: The First Day of Creation: It is the first day. Light is divided from the darkness. As a chorus of angels praises the Lord, Lucifer and the rebel angels are cast from Heaven. Immediately, the traitors assume the forms of hideous beasts. (Genesis 1:1–5) - Morgan Bible (image 1), medieval illuminated manuscript, 13th century. صورة في موقع الأنبا تكلا: اليوم الأول من الخلق: انفصل النور عن الظلمة. وبينما تسلح جوقة من الملائكة الرب، طرد لوسيفر والملائكة المتمردون من السماء. وعلى الفور، اتخذ الخونة أشكال وحوش بشعة. (تكوين 1: 2-5) - نسخة مورجان للكتاب المقدس (صورة 1)، مخطوطة مزخرفة من العصور الوسطى، القرن الثالث عشر.

St-Takla.org Image: The First Day of Creation: It is the first day. Light is divided from the darkness. As a chorus of angels praises the Lord, Lucifer and the rebel angels are cast from Heaven. Immediately, the traitors assume the forms of hideous beasts. (Genesis 1:1–5) - Morgan Bible (image 1), medieval illuminated manuscript, 13th century.

صورة في موقع الأنبا تكلا: اليوم الأول من الخلق: انفصل النور عن الظلمة. وبينما تسلح جوقة من الملائكة الرب، طرد لوسيفر والملائكة المتمردون من السماء. وعلى الفور، اتخذ الخونة أشكال وحوش بشعة. (تكوين 1: 2-5) - نسخة مورجان للكتاب المقدس (صورة 1)، مخطوطة مزخرفة من العصور الوسطى، القرن الثالث عشر.

هذا يعطي ليس فقط وحدة لكل الخليقة بل أيضًا يضعها في ارتباط حي مع ربنا يسوع المسيح. وفي نفس الوقت علينا أيضًا أن نضع في بالنا على الدوام أنه "بالإيمان نفهم أن العالمين أُتقنت بكلمة الله حتى لم يتكون ما يُرى مما هو ظاهر" (عب 11: 3). كل شيء خرج من يدي الله كان حسنًا جدًا، وهو يتجاوب تمامًا مع الغرض الذي تعيّن له. "وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابِعَ وَقَدَّسَهُ لأَنَّهُ فِيهِ اسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ اللهُ خَالِقًا" (تك 2: 2-3).

إنه بناءًا على هذا التأسيس الأصلي للسبت بكونه يوم راحة مقدسة أن حفظنا ليوم الرب قائم بصفة نهائية، فالتغير في اليوم المحدد من السابع إلى أول الأسبوع قد سببته قيامة ربنا يسوع والتي بها ليس فقط الخليقة الأولى، بل أيضًا الخليقة الجديدة قد اكتملت نهائيًا. (انظر إش 65: 17).

من بين كل أعمال الله فقط "الإنسان خُلق على صورة الله. على صورة الله خلقه" (تك 1: 27). هذا التعبير يشير ليس للعقل الذي حباه الله به وحسب، والخلود الذي أسبغه للإنسان، بل أيضًا يشير إلى الكمال الأخلاقي والطبيعة الروحية التي اقتناها الإنسان في البدء. فكل ما كان يحيط به يتطابق ويتوافق مع حالته السعيدة. الله "وضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها" (تك 2: 15)، وأعطاه رفيق متجانس له ويلائمه في شخص حواء، التي تعرف عليها آدم بكونها عظم من عظمه ولحم من لحمه.

مثلما أن الله بفرزه ليوم السبت جعل العبادة هي العلاقة الملائمة بين الإنسان وخالقه، كذلك أيضًا هو أرسى في الجنة المجتمع المدني بتأسيس سر الزواج وتكوين الأسرة (قارن مر 10: 6، 9). ويتبقى الآن فقط أن يتم اختبار طاعة الإنسان لله ولأعداده لامتيازات أسمى وأعظم من تلك التي استمتع بها من قبل.

لكن الشر كان حادث فعلًا في هذا العالم الذي لنا، لأن إبليس وملائكته قد تمردوا على الله. إن السرد الكتابي لتجربة الإنسان غاية في الاختصار والبساطة. فقد قيل لنا إن "شجرة معرفة الخير والشر قد وُضعت في وسط جنة عدن"، ومنع الله آدم من أن يأكل من ثمر هذه الشجرة وإلا يقع عليه عقاب الموت. ومن ناحية أخرى كانت توجد أيضًا "شجرة الحياة" في الجنة، ربما كرمز وعربون لحياة أسمى، كان ينبغي لنا أن نرثها لو أن أبوينا الأولين استمرا في طاعتهما لله.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

لقد جاءت هذه التجربة مبكرًا جدًا. فقد اقترب المحتال في شكل حية إلى حواء. وأنكر عليها تهديدات الله وخدعها من جهة النتائج الحقيقية المترتبة من الأكل من الثمرة المحرمة. وهذا تبعه إغراء لحواسها فقاد حواء إلى الأكل ثم أغوت زوجها فأكل مثلها. وكان لخطيتهما عاقبتها المباشرة. فهما كانا يهدفان إلى أن يكونا كآلهة، وبدلًا من أن يخضعا تمامًا لأمر الرب، تصرفا بمعزل عنه. والآن انفتحت أعينهما فعلًا كما وعدهما المجرب بمعرفة الخير والشر، لكن فقط بالمعرفة الأثيمة للخطية والتي لقنتهما في الحال رغبة أن يختفيا عن حضرة الله.

هكذا بتغربهما وحيدانهما عن الله، صوت ضميرهما الذي أدانهما، وحزنهما وخزيهما أعطى البرهان والدليل على أن التهديد الإلهي "يوم تأكل منها موتًا تموت" قد تحقق بالفعل. إن الحكم بالموت الذي نطقه الله الآن على أبوينا الأولين قد امتد إلى طبيعتهما الجسدية والروحية، إلى الجزء المائت والجزء الخالد. ففي اليوم الذي أخطأ فيه الإنسان مات بالجسد والنفس والروح.

ولأن آدم رأس جنسنا كان يمثل كل الجنس البشري، وكما أننا من خلاله كان يمكننا أن ندخل إلى حالة أسمى وأسعد لو استمر في طاعته، كذلك الآن عواقب خطيته قد امتدت لنا جميعًا، وكما "بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ" (رو 5: 12)، بل حتى الخليقة ذاتها، التي وُضعت تحت سيادته وسيطرته "قد أُخضعت للبُطل" (رو 8: 20)، وحلّت عليها اللعنة كقول الله لآدم: "ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك وشوكًا وحسكًا تنبت لك" (تك 3: 17-18).

لكن الله لرحمته اللانهائية لم يترك الإنسان ليهلك في خطيته. فهو فعلًا طُرد من الفردوس الذي لم يعد هو أهلًا له. لكن قبل طرده، نطق باللعنة على الشيطان الذي أغواه وأعطى الإنسان وعد ثمين بأن نسل المرأة له يسحق رأس الحية، بمعنى أن مخلصنا المبارك الذي ولد من امرأة سيخلصنا من سلطان الخطية والموت بطاعته وموته وقيامته.

بل الكد والتعب الذي حُكم به عليه الآن، كان في هذه الأحوال نعمة (مرافقة). لذلك عندما غادر أبوينا الأولين جنة عدن لم يكونا بلا رجاء ولا تم طرحهما في الظلمة الخارجية. فقد حملا معهما وعد بفادي وضمان بالهزيمة النهائية للعدو العظيم وأيضًا تأسيس إلهي ليوم السبت ليكون للعبادة، ولرابطة الزواج التي بها يتحدون في عائلات. هكذا تم وضع كل أسس الحياة المسيحية بكل سماتها في جنة عدن.

لا تزال هناك نقاط أخرى لها أهمية عملية يمكن أن نخرج بها. انحدار كل البشرية من أبوينا الأولين يحدد علاقتنا الروحية بآدم. في آدم كلنا أخطأنا وسقطنا. لكنها من ناحية أخرى تحدد أيضًا علاقتنا الروحية بالرب يسوع المسيح بكونه آدم الثاني وهي العلاقة التي تستقر على نفس الأسس بالضبط. لأنه "كما لبسنا صورة الترابي، سنلبس أيضًا صورة السماوي" (1كو 15: 49)، و"كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيحيا الجميع" (1كو 15: 22)، "لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة، هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سيُجعل الكثيرون أبرارًا" (رو 5: 19).

إن انحدار كل البشرية من آدم وحواء فقط كان في الأوقات الماضية محل شك من البعض رغم أن الكتاب المقدس يعلّم بوضوح أنه الله "صنع من دم واحد كل أمة من الناس يسكنون على كل وجه الأرض" (أع 17: 26)، فمن الملاحظ أن هذا الإنكار الذي يقينًا لم يشارك فيه قط فطاحل العلماء، تم التخلي عنه مؤخرًا ويمكننا القول أنه يكاد يكون تُرك على نطاق شامل، والوحدة الأصلية للجنس البشري بكونه ينحدر من أصل واحد باتت حقيقة مقبولة بصفة عامة.

وهنا علاوة على ذلك نلتقي للمرة الأولى بالتشابه الغريب للدين الإلهي المستعلن، الذي جعل الوثنية تشابه جدًا وفي نفس الوقت لا تشابه بالمرة ديانة العهد القديم. فكما في نفس الإنسان نرى خرائب وأطلال ما كان قبل السقوط، كذلك في الأساطير والتقاليد التي لمختلف الديانات القديمة نتعرف على أصداء ما سمعه البشر من فم الله في الأصل.

ليس فقط في جنس واحد، بل تقريبًا كل الأمم احتفظت في تقاليدها ببعض من التشابه المعتم للحالة المقدسة والسعيدة - والتي يمكن أن ندعوها العصر الذهبي- والتي فيها التواصل بين السماء والأرض لم ينكسر، وجاء فيها كلام عن خطية لاحقة وسقوط البشرية. وكل الأمم أيضًا تعتز بإيمان باهت في حالة عودة آتية ما لهذه الحالة السعيدة، أي بنوع من فداء قادم، مثلما أن كل الناس في عمق قلوبهم لديهم على الأقل توق باهت لفادي ومخلّص.

وأثناء ذلك كان هذا الوعد العظيم الأولي "نسل المرأة يسحق رأي الحية" سيقف كمنارة مضيئة لكل البشرية في طريقها، يتوهج أكثر وأكثر، أولًا في الوعد لسام، بعد ذلك لإبراهيم، ثم في نبوة يعقوب، ويستمر هكذا عبر رموز الناموس إلى وعود الأنبياء إلى أن أشرق في ملء الزمان شمس البر والشفاء تحت جناحيه! (انظر ملا 4: 3).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/bible-history-edersheim-1/creation.html

تقصير الرابط:
tak.la/yxg5rmv