1- حيث أن ربنا يسوع المسيح قد أعطانا وصية أن نحب بعضنا بعض كما هو نفسه أحبنا، وكما علّمنا بواسطة بولس الرسول أن نحتمل بعضنا البعض في المحبة، فإنني أُلبي بسرعة أمر تقواكم في المسيح(30) فيما يخص المعمودية الجليلة جدًا التي بحسب إنجيل ربنا يسوع المسيح، ليس كأني قادر على التحدث عنها عن جدارة، بل سأقدم مشاركتي مثل الأرملة التي قدمت الفلسين، ولأجل هذه المهمة فأنا أحتاج لصلوات من يحبون الرب لكي بنعمة إله الصلاح وابنه يعلّمنا الروح القدس ويذكّرنا بكل ما سمعناه من الرب (انظر يو 14: 26؛ 16: 13) وليهدي نفوسنا في طريق السلام (لو 1: 79) وللكلمة الصحيحة لبنيان الإيمان. وهكذا يمكن أن يتم فينا وفيكم هذا المثل "أعط حكيمًا فيكون أوفر حكمة" (أم 9: 9). ومع ذلك ينبغي أن نعرف أنه يجب أولًا التتلمذ قبل التقدم إلى المعمودية الجديرة بالإعجاب، فهكذا كانت بالحق الوصية التي أعطاها بنفسه يسوع المسيح ربنا وإلهنا الابن الوحيد لله الحي إلى تلاميذه (انظر مت 28: 18). لذلك نحن مُلزمون أن نسلّمكم على انفراد نفس الكلمات التي قالها الرب شخصيًا بخصوص من يريدون أن يصيروا تلاميذ له، وعلى الأقل فمن ضمن أقواله العديدة ذكرنا منها البعض.
ومن ثمّ فإن الميلاد من فوق يتضمن رؤية ملكوت السموات (يو 3: 3)، بينما الولادة من الماء والروح تتضمن هذا الأمر الذي هو الدخول في هذا الملكوت (يو 3: 5)، ويتراءى لي أنه يلزم أن أقدم لكم بعضًا من الأقوال الكثيرة التي تختص بملكوت السموات، لكي لا نكون محرومين منه بأية طريقة كانت "لأن في الحياة ما هو في متناول اليد وإن كان قليلًا فهو ليس بالشيء اليسير" كما قال أحد حكماء زماننا، والخبرة التي عند غالبية الناس نفسها تصادق على هذا. بل من الممكن التيقن أكثر وبصورة مؤكدة جدًا بحسب الفحص الدقيق الذي كان يخضع له الكهنة (بني هارون)، مثلهم في ذلك مثل الحيوانات المقدمة للذبح. فإن وجد فيهم عيب صغير وتشويه واضح ولو كان أثره ليس في عضو بأكمله بل في جزء منه ولو في حلمة الأذن -كما هو مكتوب- فلا يتقدم هذا الإنسان إلى الكهنوت ولا ذلك الحيوان كان يُقبل كذبيحة، والرسول قال "إن هذه الأمور جميعها أصابت آبائنا مثالًا وكتُبت لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور" (1كو 10: 11)، والرب أظهر بوضوح أنها أمور أعظم من تلك بقوله "ههنا أعظم من الهيكل" (مت 12: 6)، وذهب الرب إلى أبعد من هذا فأظهر لنا ضرورة أن ننشغل بدقة أكثر بنفوسنا وأمر خلاصها وذلك بقوله لنا "من يودعونه كثيرًا يطالبونه بأكثر" (لو 12: 48).

2- لنتكلم إذن عن ملكوت السموات. إن ربنا يسوع المسيح صعد إلى الجبل وابتدأ تعليمه بالتطويبات وأول التطويبات التي أعلنها كانت تختص بوعد ملكوت السموات إذ قال "طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات" (مت 5: 3)، وفي مرة أخرى أنبأ بواسطة مثل الراعي (الذي يفصل بين الخراف والجداء) عن البركة التي ستُعطى في وقت المجازاة، فأعلن "تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المُعدّ لكم منذ تأسيس العالم، لأني جعت فأطعمتموني..." (مت 25: 34-35). وفي إنجيل لوقا، كان الوقت والمكان (لإلقاء التطويبات) مختلفين (عما ورد في إنجيل متى) كما يشير إلى ذلك النص، فشرح الرب من جديد التطويبات وقال "طوباكم أيها المساكين بالروح لأن لكم ملكوت السموات" [(لو 6: 20) بحسب النص]. وأيضًا قال "لا تخف أيها القطيع الصغير لأن أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت. بيعوا ما لكم وأعطوا صدقة. اعملوا لكم أكياسًا لا تفنى وكنزًا لا ينفد في السماوات" (لو 12: 32-33)، لذلك فإن من يسلك بهذه الطريقة أو بطريقة مشابهة سيُعتبر أهلًا لملكوت السموات.
لكن الشروط التي يلزم استيفائها للدخول إلى هذا الملكوت أظهرها الرب في إنجيل متى، فقد أعلن "إن لم يزد برّكم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات" (مت 5: 20)، وقال أيضًا "إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات" (مت 18: 3)، وأيضًا قال "من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله" (مر 10: 15)، وفي موضع آخر في إنجيل يوحنا قال لنيقوديموس "إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يو 3: 3)، وأضاف بعد ذلك قوله "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3: 5).
3- إن كانت الشروط هكذا كلها هدفٌ لحكم وحيد (الذي هو الحرمان من الدخول إلى ملكوت الله) فمن الواضح أن إهمال أحدها يتضمن خطورة هكذا عظيمة كإهمال كل الشروط. وإن كان الرب أعلن "لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (مت 5: 18)، فكم ينطبق بالأكثر هذا التصريح على الإنجيل، ثم أن الرب بنفسه قال لنا "السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول" (مت 24: 35). ومن هنا تجاسر يعقوب الرسول وأعطى هذا الحكم "لأن من حفظ كل الناموس وإنما عثر في واحدة فقد صار مجرمًا في الكل" (يع 2: 10). لقد تكلم يعقوب الرسول بهذه الكيفية إذ قد تعلم من الوعيد الذي وجهه الرب إلى بطرس بعد أن طوّبه وكرّم شهادته وأعطاه وعودًا تفوق قامة البشر (مت 16: 17-19)، إذ قال له "إن كنت لا أغسلك فليس لك معي نصيب" (يو 13: 8). وبولس الرسول -وهو الذي أكمل نقائص شدائد المسيح في جسمه لأجل جسده الذي هو الكنيسة (كو 1: 24)- قال من جانبه بمهابة متكلمًا في المسيح (انظر 2كو 13: 3) عن الأسباب التي لا يعتبر لأجلها المرء جديرًا بملكوت السموات، والتي تتضمن الحكم بالموت الأبدي. فأحيانًا كان يعلن بصيغة مبدأ قائلًا "الذين يعملون مثل هذه الأعمال يستوجبون الموت" (رو 1: 32)، أما بالنسبة لماذا لم يقل "من يعملون هذه الأعمال" فذلك لأن كل شخص له عينان (لنظر مثل هذه الأعمال بالذات). وأحيانًا يقول "إن الذين يفعلون مثل هذه الأعمال لا يرثون ملكوت الله" (غلا 5: 21)، وفي مرة أخرى يقول بطريقة أكثر شمولية "إن الظالمين لا يرثون ملكوت الله" (1كو 6: 9)، وفي مواضع أخرى يتكلم بطريقة مشابهة. أما بالنسبة لربنا يسوع المسيح فقد جعل فكره هكذا معروفًا في إنجيل لوقا إذ قال "ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله" (لو 9: 62). إلا أنه ينبغي بالضرورة هنا أن نورد ملاحظة: فإن حكمه هنا ليس لنقائص أو لأفعال عديدة (خاطئة)، بل حكمه المخيف والقاطع هنا ينطبق على عمل وحيد، وهذا العمل (غير مقبول له) حتى لو كان من الأعمال المسموح بها [توديع أهل البيت (لو 9: 61)]، وكان لا يسبب إلا تأخيرًا بسيطًا أو حتى هيّنًا بالنسبة للطاعة التامة والتلقائية والثابتة الواجبة علينا بالضرورة للرب لأسباب عديدة. وهكذا كل هذه الكلمات والتي تشابهها تعلّمنا أنه ينبغي أن نستوفي وبحسب الأصول كل الشروط المقرونة بوعد ملكوت السموات والتي عدم استيفائها فيه رفض لنعمة هذا الملكوت، وينبغي الاعتناء بتحاشي كل ما يعوق وراثة هذا الملكوت. حينئذ يمكن للمرء أن يأمل بأن يُعتبر جديرًا لهذا الوعد. لأن الجهاد الذي يُسلّم إليه المرء من أجل أن يرضي الله ينبغي أن يكون ليس فقط خاليًا من كل مكر، بل ينبغي أيضًا أن يكون بلا عيب أو ملامة من جهة كل كلام الله (ووصاياه).
إن بولس الرسول بعد أن تأمل الحب العظيم وغير الموصوف الذي أظهره الله ومسيحه لنا لكي يبررنا ويخلصنا، أعلن بعد ذلك "ولسنا نجعل عثرة في شيء لئلا تُلام الخدمة. بل في كل شيء نُظهر أنفسنا كخدام الله" (2كو 6: 3-4).
4- بالمثل فإن المسكين بالروح إن لم يولد من الماء والروح لن يستطيع -بسبب الحكم الإلهي بضرورة العماد- من الدخول في ملكوت السموات (انظر مت 5: 3؛ يو 3: 5)، وبالمثل أيضًا إن لم يزد برّه على برّ الكتبة والفريسيين (مت 5: 20)، أو إن لم يستوف الشروط السابق ذكرها، فإنه بسبب هذا الحكم المشابه في كل الحالات (الخمس التي تم ذكرها) يُعتبر غير جدير لهذا الملكوت. فإنه مكتوب أن المسيح أراد أن تظهر كنيسته أمامه مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك بل تكون مقدسة وبلا عيب (أف 5: 27). والكتاب يتضمن كلمات عديدة من هذا النمط، فمن يقرأونها بانتباه شديد سيقتنعون بأكثر قوة أنه ينبغي استيفاء كل الشروط لكي يُعتبر المرء جديرًا بملكوت السموات. ولكن الذين ولدوا من فوق وامتلأوا برًّا وأدركوا غاية الكمال في كل الأعمال الصالحة التي طوّبها الرب وكل أعمال البر الأخرى وتمموا هذه الأعمال وأعمال أخرى مشابهة بنيّة خالصة، فهذا سوف أوضحه عندما أتحدّث بنعمة الله عن الولادة الجديدة.

![]() |
حيث أن تقواكم كما قلتم لنا سابقًا وطالبتمونا وأعطيتمونا أمرًا أن نشرح المعمودية الجليلة جدًا والتي بحسب الإنجيل، فإنني اعتقد أنه من المنطقي بعد كل ما قلناه عن ملكوت السموات أن ندرس أيضًا في عجالة الفرق بين معمودية موسى ومعمودية يوحنا (المعمدان)، حينئذ نصير بنعمة الله مؤهلين لأن نفهم إعجاز معمودية ربنا يسوع المسيح التي تفوق كليهما في سمو مجدها الذي لا يُقارن. فقد أعلن الابن الوحيد لله الحي "ههنا أعظم من الهيكل" (مت 12: 6)، ثم أضاف قوله "وهوذا أعظم من يونان ههنا" (مت 12: 42). والرسول بعد أن وصف المجد الذي شمل موسى بينما كان يتم خدمة الناموس، ذاك المجد الذي بسببه لم يستطع بنو إسرائيل أن ينظروا وجه موسى (2كو 3: 7)، أضاف هذا الاعتراض المهيب "فإن الممُجدّ أيضًا لم يُمجد من هذا القبيل لسبب المجد الفائق" (2كو 3: 10).
إن يوحنا المعمدان أعظم مواليد النساء (مت 11: 11)، شهد أيضًا فقال مرة "ينبغي أن ذاك يزيد وإني أنا أنقص" (يو 3: 30)، وفي وقت آخر قال "أنا أعمدكم بماء للتوبة ولكنه سيعمدكم بالروح القدس ونار" (مت 3: 11)، وأكثر من كلمة بهذا المعنى قالها قد ذُكرت في مواضع أخرى.
وبناء عليه، فبقدر ما أن الروح القدس متميز عن الماء، هكذا بالتأكيد من يعتمد من الروح القدس متميز عمن يعتمد بالماء، وهذه الإشارة تنطبق على قيمة المعمودية نفسها، بحيث أنه إذ قد عرف -يوحنا المعمدان- قدر نفسه، هذا الرجل الذي له مثل هذه الشخصية المهيبة والعظيمة، والذي أعطى الرب عنه هذه الشهادة (بكونه أعظم مواليد النساء) استطاع أن يقول سابقًا وبدون خزي "إنني لست أهلًا أن أحلّ سيور حذائه" (لو 3: 16).
5- لذلك فكل هذا يبيّن سمو المعمودية التي بحسب إنجيل المسيح. ولو أنه من المستحيل أن نقدّرها حق قدرها، ومع ذلك فإننا من باب التقوى والمنفعة بحسب إمكانياتنا، أي بالقدر الذي به يجعلنا الله قادرين أن نتحدث عنها بحسب الكتب المقدسة نفسها. وعلى ذلك فإن المعمودية التي سلّمها لنا موسى كانت تمّيز أولًا بين الخطايا، إذ لم تكن كلها تستوجب نعمة الغفران (بنفس الدرجة) وبالتالي كان الأمر يتطلب ذبائح مختلفة، وكانت هذه المعمودية مدققة جدًا في ملاحظة الطقوس. وكانت تستبعد إلى وقت معين من كان في حالة دنس ونجاسة وكانت تفرض مراعاة ثابتة للأيام والسواعي، ولذلك فكل من نالوها فقد نالوها كختم لتطهيرهم.
إن معمودية يوحنا كانت أسمى من معمودية موسى من عدة أوجه، فقد كانت لا تميز إطلاقًا بين مختلف الخطايا ولم تتطلب ذبائح متنوعة ولم تراعٍ بتدقيق موضوع الطقوس، ولم تقتض أي ملاحظة للأيام والسواعي، وبدون التقيد بأي شكل يعيق نعمة الله ومسيحه، لذلك فما أن يحضر الشخص حالًا ويعترف بخطاياه التي فعلها -مهما كانت خطاياه كثيرة وثقيلة- كان يعتمد في نهر الأردن وينال في الحال غفران خطاياه. لكن معمودية الرب لها قيمة أعظم من كل شيء بشري، فهي ترتفع في المجد فوق كل ما يمكن للإنسان أن يرغبه ويتمناه، وفيما يتعلق بالنعمة والقوة (الكامنة فيها) فهي لها سمو يفوق ما للشمس من سمو على النجوم. لنتذكر بالأحرى كلمات (الرسل) القديسين، فهي تشرح لنا بوضوح شديد هذا السمو الذي لا يُقارن.
حسنًا! فهذا السمو لا يجعلنا نصمت بسببه(32)، بل لنسترشد بنفس كلمات ربنا يسوع المسيح ولنترك أنفسنا نهتدي بها -كما عبر مرآة في لغز (1كو 13: 12)- فجب علينا التحدث ليس لكي نقلل ونُخلّ بهذا المجد بتفسيراتنا المعطاة بشخصنا الهزيل وكلامنا الحقير (2كو 10: 10)، بل لكي نُظهر دهشتنا من هذا الوجه أيضًا من نحو عظم طول أناة الله الصالح ومحبته للبشر إذ يحتمل تلعثمنا عندما نتحدث عن عظائم حبه ونعمته في يسوع المسيح.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

6- لقد قال ربنا يسوع المسيح "إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يو 3: 3)، وأضاف بعد ذلك قوله "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3: 5). ومن ناحية أخرى بعد قيامته من بين الأموات وإذ قد تمت عنه هذه النبوة التي فاه بها الله الآب على لسان داود فقال "أنت ابني أنا اليوم ولدتك. اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا لك وأقاصي الأرض ملكًا لك" (مز 2: 7)، هذه النبوة التي صارت مرئية أمام كل الأعين، حينئذ خاطب الرب يسوع تلاميذه وكأنه عكس ما أوصاهم به سابقًا عندما منعهم من أن يمضوا إلى طريق الأمم، فقد أعطاهم الأمر التالي "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 28: 19).
إنني اعتقد أنه يجب بمعونة الإيمان أن نفهم قيمة كل كلمة من هذه الكلمات ونستوعبها ثم نقولها بالقدر الذي سيُعطى لنا عند افتتاح الفم والتكلم (أف 6: 19) وذلك استجابة لصلوات الجميع. لأنه مكتوب إن لم تؤمنوا فلن تفهموا (إش 7: 9)[س]، ومكتوب أيضًا "آمنت لذلك تكلمت" (مز 116: 10).
ولكن فيما يختص بالكلمات والتعبيرات وكذلك الأمور المألوفة التي تختص بالله ومسيحه والأنبياء القديسين والمبشرين والرسل، فإن الكتاب المقدس المُلهم بروح الله يستخدمها -بحسب رأيي- ليس بسذاجة أو اعتباطًا أو بطريقة عشوائية بل بطريقة مرتبة من الروح القدس بقصد التقوى. ومن جهة أخرى فالكتاب يستخدمها ليس في معناها الشامل ولكن جزئيًا فقط وبالقدر الذي كل منها يساهم في تقديمه (لتوضيح) العقيدة السليمة، فيقود النفس إلى دوافع تقوّية لكي تتشبع بالشرائع وعقائد التقوى.
لذلك يلزم أننا نحن أنفسنا نفحص بتدقيق شديد كل نص نقتبسه ونحدد المعنى الذي يخدم دعوتنا السماوية. وهذه المهمة يمكن أن نستوفيها إن أعطانا الابن الوحيد لله الحي -كاستجابة للصلوات الجماعية التي تقدمونها عنا- القوة لكي تتحقق فينا أيضًا كلمة الرسول القائلة "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (في 4: 13).

7- لذلك لنأت إلى "الميلاد من فوق". وفي اعتقادي أن هذا التعبير يشير إلى إصلاح الميلاد السابق الذي قد تم في دنس الخطايا، وقد قال أيوب "ليس أحد خال من الدنس ولو كانت حياته يومًا واحدًا فقط" [(أي 14: 4)[س]، وداود ينتحب قائلًا "بالإثم حُبل بي وفي الخطايا ولدتني أمي" [(مز 50: 7)[س]. والرسول من جانبه يؤكد بتخشع "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله. متبررين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدّمه كفّارة بالإيمان بدمه" (رو 3: 23-25). وبه أيضًا قد مُنح غفران الخطايا لمن يؤمنون، حيث أن الرب نفسه قال "هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا" (مت 26: 28)، وهوذا هذه الكلمات الأخرى للرسول تشهد أيضًا "إذ سبق فعيّننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته. لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب. الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته التي أجزلها لنا" (أف 1: 5-8). وكذلك كما أن تمثالًا انكسر وتفتت إلى أجزاء صغيرة وفقد الشكل الممجد للملك، يستعيد شكله بين يدي الصانع الحكيم والعامل الماهر الذي يستعيد مجد التمثال الأصلي الذي صنعه ويرجعه إلى سابق مجده، كذلك نحن أيضًا بعد أن عانينا عصياننا للوصية ما أشار إليه الكتاب بقوله "والإنسان في كرامة ولا يفهم يشبه البهائم عديمة العقل ويصير مثلها" (مز 48: 12). لذلك ينبغي لنا أن نستعيد مجدنا الأول، الذي هو صورة الله، لأن الكتاب يقول أن الله خلق الإنسان على صورته كشبهه (تك 1: 26). كيف يمكن أن يتحقق الرجوع إلى الصورة (الأصلية)؟
يعلمنا بولس الرسول هذا الأمر بقوله "فشكرًا لله أنكم كنتم عبيدًا للخطية ولكنكم أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها" (رو 6: 17). وهكذا كما أن الشمع الموضوع في فراغات الصورة المحفورة يأخذ شكل الفراغات في هذا النقش، كذلك نحن أيضًا إن سلّمنا نفوسنا لصورة التعليم الإنجيلي، فسنصير مطابقين لها في كياننا الداخلي ونكمل ما قاله نفس الرسول بصيغة آمرة إذ قد أعلن "اخلعوا عنكم الإنسان العتيق مع أعماله، والبسوا الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه" (انظر كو 3: 9-10). وقد صاغ الرسول العديد من الوصايا على هذا النمط.

8- ماذا تعني "الولادة من الماء" (يو 3: 5)؟ إن بولس المتكلم فيه المسيح يعلّمنا إياها متكلمًا بصيغة تعليمية قائلًا [3- أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ. 4- فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ بِمَجْدِ الآبِ هَكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ. 5- لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ. 6- عَالِمِينَ هَذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ. 7- لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيَّةِ. 8- فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ الْمَسِيحِ نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ. 9- عَالِمِينَ أَنَّ الْمَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يَمُوتُ أَيْضًا. لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدُ. 10- لأَنَّ الْمَوْتَ الَّذِي مَاتَهُ قَدْ مَاتَهُ لِلْخَطِيَّةِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا لِلَّهِ. (رو 6: 3-10).]. كل هذه الكلمات تُريكم وتبيّن لكم بالمثل ماذا يعني بالتحديد الولادة من فوق.

ولكن كان من المستحيل الولادة من فوق بدون النعمة الآتية من قبل الله، كما أظهر ذلك الرسول بنفسه في تصريحاته الأولى وفصوله التي أضافها على موضوع المعمودية. لقد بدأ بالقول [8- وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا. 9- فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُتَبَرِّرُونَ الآنَ بِدَمِهِ نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْغَضَبِ. 10- لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ. (رو 5: 8-10).]
9- والرسول ينطق بأفكار عديدة على هذا النمط، تلك التي تقدم بوضوح وبهاء العظمة التي لا يُنطق بها للمحبة الإلهية للبشر التي منحت لنا غفران الخطايا، وبالمثل منحت لنا القوة والقدرة على إتمام الأعمال البارة لمجد الله ومسيحه على رجاء الحياة الأبدية بتوسط يسوع المسيح ربنا، هذه الوساطة التي أكدّها الرسول فقال "فَإِذًاكَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ هَكَذَا بِبِرٍّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ" (رو 5: 18). وبعد أن شرح ما يترتب على الصيغة التعليمية، حينئذ أعلن "أم تجهلون أيها الإخوة أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته؟" (رو 6: 3). لماذا هذه الكلمات؟ لكي بتمهيد النعمة نحن نساهم بما يجب علينا، بمعنى أن نساهم بأعمالنا التي ننجزها بروح الإيمان وبالمحبة، وهكذا يُسرّ الله ويفيض إلى الكمال محبته لنا في المسيح. لذلك يلزم جهاد عظيم وقانوني، لكي لا نقبل باطلًا مثل هذه النعمة العظيمة التي هي محبة الله لنا في المسيح. ونفس الرسول قال "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه. فإذ نحن عاملون معه نطلب أن لا تقبلوا نعمة الله باطلًا" (2كو 5: 21 - 6: 1). هذه المساهمة تقدم وبطريقة غير ملومة إن روعيت بالضبط الكلمات التي قالها الرسول على المعمودية في تصريحاته الأولى وكذلك تصريحاته التي أرفقها إلى نفس الموضوع (في مواضع أخرى)، وإن كنا نقبل -بإيمان وبمقتضى نفس نعمة الله المعطاة بيسوع المسيح ربنا في الروح القدس- الكلمات التي أضافها إليها.
وهكذا بعد أن آمنا نستطيع أن نفهم بنعمة الله، وما قد اُعتبرنا مؤهلين لفهمه نستطيع أن نتممه في محبة المسيح الذي قال "إن علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه" (يو 13: 17)، والنبي يشهد كذلك قائلًا "فطنة جيدة لكل عامليها" (مز 111: 10). إن الابن الوحيد لله الحي نفسه صرّح بحكم رهيب وحتمي بقوله "وأما ذلك العبد الذي يعلم إرادة سيده ولا يستعد ولا يفعل بحسب إرادته فيُضرب كثيرًا" (لو 12: 47)، بل أنه لم يستثني من العقوبة من تصرف رديئًا عن جهل (لو 12: 48).

10- ولكي تكون الكلمات والأمور المألوفة -كما سبق أن قلت- المرشد الذي يقتادنا إلى فهم العقيدة الخلاصية بثقة تامة في الحق في موضوع المعمودية بالذات، فلننتبه حسنًا إلى كل ما تشير إليه الكلمات والأمور المألوفة ونقبل كل فكر يتوافق مع التقوى التي هي هدفنا.
يعلن الرسول: لقد اعتمدنا (أو اصطبغنا) (رو 6: 3)، لكي بهذه الكلمة نتعلّم بالطريقة التي قيلت فنستخدمها بطريقة مشابهة. إن الصوف عندما يُنقع في الصبغة يُغيّر لونه. فبالأولى حيث أن يوحنا المعمدان ينُبئ بخصوص الرب بقوله "هو يعمدكم بالروح القدس وبنار" (مت 3: 11)، فلنأخذ هذه النبوة مرشدًا لنا لتضيء لنا نور المعرفة لكي يصير النور العظيم سهل الإدراك (أي يُفهم بسهولة) بالنسبة لنا، ولنعبّر عن هذا الأمر بالطريقة التالية: هوذا قطعة حديد إن غطسّناها في النار المتوهجة بفعل الريح، فمن السهولة جدًا فصل الشوائب التي يمكن أن توجد فيها وتتنقى بمنتهى السهولة، ولا يتغير لونها فحسب، بل إنها تعبر من الصلابة والمقاومة إلى حالة أكثر ليونة فتصير بذلك مؤهلة أكثر للعمليات اليدوية للصانع وتتشكل بطريقة فائقة وفقًا لرغبة صاحبها، ومن اللون الأسود ستصير أكثر لمعانًا ولا تصير حمراء اللون مع بريق فحسب، بل إنها أيضًا تضئ وتصل حرارتها إلى الأشياء التي تحيط بها.
كذلك فإنها نتيجة لازمة عندما يغطس الإنسان في معمودية النار أي في الكلمة المرّبية(33) التي تفضح خبث الخطايا وتكشف نعمة الأعمال البارة وبها يشعر المرء بالبغضة والكراهية للكذب (مز 119: 163) بحسب كلمات الكتاب، فيصل المرء إلى وضع يشتهي فيه بشغف أن يتطهر بالإيمان في قوة دم ربنا يسوع المسيح. والرب نفسه قال "هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا" (مت 26: 28)، والرسول يشهد بقوله "الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا" (أف 1: 7) وهو لا يختص فقط بأن يُطهّر من كل إثم وخطية، بل أيضًا من كل دنس الجسد والروح (2كو 7: 1).

وإذ ذاك عندما يعتمد الإنسان لموت الرب (رو 6: 3)، يلزم بالضرورة التأهب للموت معه، أي الموت للخطية ولذاته وللعالم لكي ينال جزئيًا ختم الحياة بحسب التجسد (الإلهي) في قلبه وكلمته وأفعاله، ومن ناحية أخرى يطابق تعليم ربنا يسوع كمطابقة الشمع على الصورة المحفورة ويتم فيه ما هو مكتوب "فشكرًا لله أنكم كنتم عبيدًا للخطية ولكنكم أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها" (رو 6: 17)، وكذلك نُعتبر جديرين لحفظ الكلمة التي أضافها الرسول بصورة مضغمة "فُدفنا معه بالمعمودية للموت (لماذا؟) حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدّة الحياة" (رو 6: 4).

إنها لضرورة لازمة أن من مات يُدفن ومن دُفن بشبه الموت يقوم بنعمة الله في المسيح. إن وجه إنسانه الداخلي لم يعد يبدو مظلمًا بسبب خطاياه، بل حيث أن النار تحرق خطاياه فإنه ينال عنها الغفران بفضل دم المسيح، ومن ذلك الوقت وعلى مدى كل حياته تتلألأ كل أعماله البارة في المسيح أكثر من أي حجر ثمين لامع.
11- إذًا فلنتخلى عن قساوة العصيان ولنُظهر طاعة وخضوعًا للوصايا التي أُعطيت لنا ونجعل الروح متلألئة، ولنتحفظ من سلطان الظلمة (كو 1: 13) الذي يجتذب المرء إلى الموت -لأن أجرة الخطية هي موت (رو 6: 23)- حتى تتحقق فينا أيضًا كلمة الرسول القائلة "اُبتلع الموت إلى غلبة. أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟" (1كو 15: 54-55). فإذ نطيع الرب -شمس البر- ننال منه النور الذي يجمّلنا بعطيتي البصيرة والقوة ونتبرر فيه، فلا نكتفي بالتلألؤ في أنفسنا أكثر من الثلج (مز 51: 7)، لأن الله -الذي هو مُنزّه عن الكذب قد أعطانا هذا الوعد فقال "إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج" (إش 1: 18)- ولننير أيضًا القريبين منا سواء بسماعنا كلمة الرب القائلة "أنتم نور العالم" (مت 5: 14)، أو بسماعنا وإتمامنا هذه الكلمة الأخرى "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت 5: 16)، حينئذ وبدون شك يشهد لنا الرسول أيضًا بهذه الكلمات "لكي تكونوا بلا لوم وبسطاء أولادًا لله بلا عيب في وسط جيل معوج وملتو تضيئون بينهم كأنوار في العالم ومقدمين لهم كلمة الحياة لافتخاري في يوم المسيح" (في 2: 15-16).

ولكن بأي طريقة ستكون جدّة حياتنا واضحة ليس فقط عند مقارنتها بحياة الوثنيين وأهل العالم، بل في المقارنة الأكثر دقة مع من تبرروا بحسب الناموس؟ لأنه ليس فقط ينبغي علينا ألا نسعى إلى زيادة ممتلكاتنا واقتناء المزيد كما يعمل أهل العالم، بل ينبغي ألا ندّعي ملكية ما اكتسبناه وهو ملك لنا. ليتنا نكون غيورين في إعطاء المحتاجين أكثر وأكثر مما يأمر به الناموس، ونفعل الخير ليس فقط لقريبنا، بل نمتد أيضًا بالتزامنا حتى إلى أعدائنا والأشرار ونتطابق مع وصية ربنا يسوع المسيح القائلة "كونوا رحماء كما أن أباكم أيضًا رحيم" (لو 6: 36). كيف لا نسلك في جدّة الحياة (رو 6: 4) ولا نزيد على الكتبة والفريسيين في عمل البرّ بينما نحن نقبل كلمات الرب القائلة [38- سمعتم إنه قيل عين بعين وسن بسن. 39- وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضًا. 40- ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضًا. 41- ومن سخرك ميلًا واحدًا فاذهب معه اثنين.] (مت 5: 38-41).؟ ونحن ليس فقط لا ننتقم ممن يسيئون إلينا مثلما يفعل الكتبة والفريسيون الذين يفعلون هذا الأمر بسماح من الناموس، بل أيضًا نُظهر صبرًا عظيمًا متسلحين بشجاعة جسورة لنتحمل مثل هذه الأضرار وما هو أسوأ منها. وهكذا نتمم في دفعة كلا الشيئين: الموت حيث لا ندع الغضب يثيرنا ضد من لطمنا اللطمة الأولى، وبالحياة الجديدة (التي نلناها) في الرب نقدم له أيضًا الخد الآخر.
12- كيف لا يكون أيضًا قد مات للناموس ذاك الذي لا يسترد ما سُلب منه؟ وكيف لا يحيا في المسيح من قد تخلى عن ردائه؟ فلنتعلم إذن أن نراعي التفوق على البر الذي بحسب الناموس.

إنه واجب علينا ليس فقط أن نُصلب للعالم، بل أيضًا أن نموت للناموس، فهذا ما يمكن أن نتعلمه من الرسول أيضًا إذ يقول "أنا صُلبت للعالم والعالم لي فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ" (غلا 6: 14؛ 2: 20)، ومرة أخرى يقول "لأني مت بالناموس لأحيا لله. مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ" (غلا 2: 19-20). وفي موضع آخر بعد أن تخلى عن ألقابه العظيمة التي اكتسبها بحسب الناموس، يؤكد بقوله "بل أني أحسب كل شيء أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح وأوجد فيه وليس لي برّي الذي من الناموس بل الذي بإيمان المسيح، البرّ الذي من الله بالإيمان. لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهًا بموته، لعلي أبلغ إلى قيامة الأموات" (في 3: 8-11). وبعد ذلك بقليل مُريدًا أن يعلّمنا أن نفكر مثله فيؤكد بأكثر صراحة "فليفتكر هذا جميع الكاملين منّا" (في 3: 15).
13- وأيضًا في موضع آخر يصرّح بأكثر حماس كرجل يشرح تعليمًا إلزاميًا فيقول [4- إذًا يا إخوتي أنتم أيضًا قد متم للناموس بجسد المسيح لكي تصيروا لآخر للذي قد أُقيم من الأموات لنثمر لله. 5- لأنه لما كنا في الجسد كانت أهواء الخطايا التي بالناموس تعمل في أعضائنا لكي نثمر للموت. 6- وأما الآن فقد تحررنا من الناموس إذ مات الذي كنا ممسكين فيه حتى نعبد بجدة الروح لا بعتق الحرف. (رو 7: 4-6). لأن الحرف -أي الناموس- يقتل، ولكن الروح -أي كلمة الرب- تُحيي (2كو 3: 6). إن الرب نفسه يقول "الجسد لا يفيد شيئًا. الروح هو الذي يحيي. الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (يو 6: 63)، وبطرس الرسول كشهادة لهذه الكلمات قال "يا رب إلى من نذهب كلام الحياة الأبدية عندك. ونحن قد آمنا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الله الحي" (يو 6: 68-69). وإذ نحن مقتنعون بصدق هذه الكلمات لنعطي مزيدًا من العناية والاهتمام لحفظها، وهكذا من ناحية نستطيع الهرب من هذا الحكم الرهيب المصحوب بالوعيد والمكتوب نبويًا بواسطة موسى النبي الذي يقول "إن نبيًا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم له تسمعون في كل ما يكلمكم به. ويكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تباد من الشعب" (أع 3: 22-23)، ومن ناحية أخرى نهرب من هذا الحكم الآخر الأكثر رعبة والمنطوق بعبارات صريحة من قبل يوحنا المعمدان أعظم مواليد النساء إذ قال "الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية والذي لا يؤمن بالابن لن يرى الحياة بل يمكث عليه غضب الله" (يو 3: 36).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

ولكي نتحاشى الظن بأن مثل هذا الموت والدفن في المعمودية يؤدي بنا إلى الفساد والانحلال ويسبب لنا حزنًا، فإن الحياة الجديدة على العكس تلقي بذارها بفيض فتقوّي رجاءنا في القيامة المجيدة، لذلك يضيف الرسول هذه الكلمة "إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضًا بقيامته" (رو 6: 5). فإن كان الموت -فعلًا- هو بمثابة هذا التشابه مع موت المسيح وقد دُفنا معه، فنحن معه نسلك في جدّة الحياة (رو 6: 4)، (لذلك) فإن ما ينتظرنا ليس هو الفساد الذي هو من خاصية الجثة، وبالنسبة إلى الدفن فنحن نتصوره كما لو كان بالتحديد عملية إنبات بذور في الأرض (لتحيا بعد ذلك). نعم أن نميت ذواتنا بأنفسنا من جهة الأمور الممنوعة ونجعل إيماننا ظاهرًا بأعمال المحبة، فنحن نصير مؤهلين لأن ننطق بنفس الرجاء ذات كلمات الرسول القائلة "فإن سيرتنا نحن هي في السموات التي منها أيضًا ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع المسيح، الذي سيغيّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شيء" (في 3: 20-21)، "وهكذا نكون كل حين مع الرب" (1تس 4: 17).
إن ربنا يسوع نفسه قد سأل لنا من أبيه هذه السعادة عندما صلّى هكذا "أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا" (يو 17: 24)، وقد جعل هذا الأمر أيضًا -بالنسبة لنا- محل أمر ووعد (بآن واحد) عندما يقول "إن كان أحد يخدمني فليتبعني. وحيث أكون أنا هناك أيضًا يكون خادمي" (يو 12: 26). وبولس الرسول من جانبه قد شهادته متنبئًا في المسيح فكتب التالي: [15- فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب أننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين. 16- لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولًا. 17- ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء وهكذا نكون كل حين مع الرب. (1تس 4: 15-17).]
14- وهكذا الذين قد حفظوا الكلمة القائلة "لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته" سيتم لهم حينئذ هذا الوعد (الذي ورد في الشطر الثاني) "نصير أيضًا (مشابهين له) بقيامته" (رو 6: 5)، وذلك بحسب ما هو مؤكد أيضًا في نص آخر يقول فيه "إن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضًا معه. إن كنا نصبر فسنملك أيضًا معه" (2تي 2: 11-12).

لكن الرسول كان يعرف أنه مفيد جدًا للسامعين لأمانهم أن يسمعوا تكرار نفس الأمور، واسترجاع نفس الأفكار يولّد فيهم ضمانًا ثابتًا جدًا في الحق، فنحن نسمعه يقول لنا "كتابة هذه الأمور إليكم ليست عليّ ثقيلة وأما لكم فهي مؤّمنة" (في 3: 1). ونحن قد تعلّمنا أيضًا (هذا التكرار) من يوسف عند تفسيره للحلم أمام فرعون. لهذا السبب فإن بولس الرسول إذ أخذ نموذج رواية الحلم الذي تكرر للملك، فإنه يعطينا نفس التعليم عن المعمودية مكررًا مبادئه الأولى فقال "عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليبطل جسد الخطية كي لا نعود نُستعبد أيضًا للخطية" (رو 6: 6). وهكذا نتعلم من هذه الكلمات أن العماد في المسيح هو اعتماد لموته، فالعماد ليس فقط دفن مع المسيح للاتحاد به، بل هو أولًا صلب معه، الأمر الذي ينبغي أيضًا أن نتعلمه، لأنه كما أن من صُلب يصير غريبًا عن الأحياء، كذلك أيضًا من صُلب مع المسيح بشبه موته يصير غريبًا عمّن يعيشون بحسب الإنسان العتيق. إن الرب قد أوصانا بأن نأخذ حذرنا من الأنبياء الكذبة (مت 7: 15)، والرسول من جانبه يقول لنا "تجّنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب وليس حسب التعليم الذي أخذه منا" (2تس 3: 6). لأن الكيان البشري المدعو الإنسان العتيق يبيّن أنه كله معًا يقترف الخطايا وينجس كل أعضائه كلٍ بدوره.
15- وبالمثل فإن المصلوب عندما يصيبه حكم الموت، فإنه بالتأكيد ينفصل عن كل رفاقه القدامى ويرتفع عن الكائنات الأخرى التي تذهب وتجيء على الأرض، هكذا أيضًا من صُلب مع المسيح بالمعمودية يوجد منفصلًا دفعة واحدة عن كل الأشخاص الذين يعيشون بحسب هذا الدهر، إذ قد رفع مشاعره إلى فوق نحو المواطنة السماوية بطريقة يستطيع أن يقول فيها عن حق ويقين في المسيح "إن سيرتنا (موطننا) نحن هي في السموات" (في 3: 20). إن الرسول يضيف أيضًا قوله "لأن الذي مات قد تبرأ من الخطية" (رو 6: 7). وهو يريد أن يقول بهذا أنه قد انفصل وتحرر وتطهر ليس فقط من كل خطية سواء بالفعل أو بالقول، بل أيضًا من كل فكر شهواني. وفي نص آخر يصرّح بالآتي "ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" (غلا 5: 24).
نحن الذين ننال معمودية الماء ندفن الجسد بالتأكيد، حيث أن المعمودية صورة (مثال) للصلب والموت والسقوط والقيامة من الأموات كما هو مكتوب... والرسول أيضًا يقول "أميتوا أعضاءكم التي على الأرض"، ونحن بدون شك نفعل هذا إن راعينا ولو في وقت متأخر عهد المعمودية، ويكمل الرسول كلامه قائلًا "الزنى النجاسة الهوى الشهوة الردية الطمع الذي هو عبادة الأوثان. الأمور التي من أجلها يأتي غضب الله" (كو 3: 5-6)، بل وذهب الرسول أبعد من هذا إذ أضاف بطريقة أكثر شمولية كلمة "على أبناء المعصية" [تابع (كو 3: 6)]. إنه يعتبر أن اللذة الزائلة التي تدنس الفكر شيء لم يعد يسبب إزعاج لمن هو متحد مع المسيح متشبهًا به في الموت والذي باتحاده معه يبغض ويكره كل خبث، حتى ولو مجرد فكر شهواني، مُظهرًا (بهذا) طهارة قلبه. فمثل هذا الإنسان يمكنه أن يقول مع داود "قلب معوج يبعد عني. الشرير لا أعرفه" (مز 101: 4) إذ حتى عندما يقترب منه فإنه لا ينعطف نحوه بأي شكل.

إذ قد اتحدنا مع المسيح بشبه موته، فنحن بالتأكيد سنقوم معه، وهذا هو بالضبط المغزى المنطقي لمثل هذا الاتحاد. بالنسبة للدهر الحاضر فنحن نطابق كياننا الداخلي على المسيح على قياس تأنسه سائرين في جدّة الحياة حتى إلى الوفاة ومتأكدين تمامًا من صدق كلماته، لكي نكون مستحقين أن نقول بصدق "أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ" (غلا 2: 20)، وبالنسبة للدهر الآتي سيصير المرء مثله تمامًا، والرسول أكدّ هذا عندما قال "إن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضًا معه. إن كنا نصبر فسنملك أيضًا معه" (2تي 2: 11-12)، وبنفس الطريقة فإنه يعطينا ضمانًا أكيدًا بقوله لنا "إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضًا بقيامته" (رو 6: 5). وهو يكرر نفس التعليم ليعلّمنا مثل هذه المعمودية بطريقة تؤثر فينا وتلزمنا بالأكثر فيضيف هذه الكلمات [إن المسيح بعدما أُقيم من الأموات لا يموت أيضًا لا يسود عليه الموت بعد. لأن الموت الذي ماته قد ماته للخطية مرة واحدة والحياة التي يحياها فيحياها لله. كذلك أنتم أيضا احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا. (رو 6: 9-11).].
16- هكذا إذًا، بعد أن قدمنا تدبير ربنا يسوع المسيح نفسه فيما يختص بغفران خطايانا بفضل التجسد الذي أفضى به إلى الموت، فإن الرسول لكي يؤثر فينا ومن باب أولى يلزمنا أعطانا هذا التعليم الحتمي التنفيذ قال "احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا" (رو 6: 11). إنه لا يريد إلا أن صورة المسيح الذي مات بسببنا وقام من الأموات لأجلنا لا تموت بعد، ونحن أيضًا الذين اعتمدنا بشبه موته نموت عن الخطية، إذ بصعودنا ثانية من جرن المعمودية، نقوم من الأموات بطريقة ما، فنحيا لله في المسيح يسوع ولا نعود نموت بعد، بمعنى لا نعود نخطئ لأن "النفس التي تخطئ هي تموت" (حز 18: 4)، وبالمثل كما أن الموت الذي لم يعد له بعد سلطان عليه، كذلك الخطية لا يكون لها بعد سلطان علينا، بمعنى أننا لا نقترفها مرة ثانية، وحيث أن "من يفعل الخطية هو عبد للخطية" (يو 8: 34)، لذلك فلننفصل عن مثل هذه العبودية بكل الطرق، كما أظهر الرسول ذلك عندما قال "ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" (غلا 5: 24)، ونحيا لله في المسيح يسوع الذي حررنا بحسب ما هو مكتوب "المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا" (غلا 3: 13)، بل نحن أيضًا قد تحررنا من الخطية، بالتأكيد بفضل نعمة ربنا يسوع المسيح بحسب ما هو مكتوب "كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة، هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سيُجعل الكثيرون أبرارًا" (رو 5: 19)، والرسول يقول لنا أيضًا "اثبتوا إذًا في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضًا بنير عبودية" (غلا 5: 1).

وكما أن المسيح "مات للخطية مرة واحدة، والحياة التي يحياها فيحياها لله" (رو 6: 10)، كذلك نحن أيضًا في معمودية الماء التي هي صورة لصليبه وموته، نموت للخطية مرة واحدة ونأخذ حذرنا لكي لا نعود بعد إلى الخطية. لنحيا دومًا لله في المسيح يسوع الذي قال "إن كان أحد يخدمني فليتبعني" (يو 12: 26). لأجل هذا نراعي أولًا هذا الأمر للرب نفسه الذي قال "ليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت 5: 16) وبعدها وصية الرسول التي كتبها وتقول "إن كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئًا فافعلوا كل شيء لمجد الله" (1كو 10: 31). بناء عليه نحن نتمم كل من هذه الوصايا إن كان لنا أفكار تليق بدعوتنا السماوية، وإن كنا نسلك بطريقة تليق بإنجيل المسيح (في 1: 27) فنصير قادرين على أن نقول بالحق "لأن محبة المسيح تحصرنا كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم، بل للذي مات لأجلهم وقام" (2كو 5: 14-15)، وهكذا بهذه الطريقة تتم الكلمة "اثبتوا في محبتي. إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما إني أنا قد حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته" (يو 15: 9-10).
17- "ولسنا نجعل عثرة في شيء لئلا تُلام الخدمة، بل في كل شيء نُظهر أنفسنا كخدام الله" (2كو 6: 3-4)، ولنُظهر إخلاص وصدق تعهدنا في المعمودية بحفظ كلمات الحثّ التي وجهها الرسل لكل من اتحدوا مع المسيح وقاموا معه إذ قال "إذًا لا تملكن الخطية في جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواتها. ولا تقدموا أعضاءكم آلات إثم للخطية بل قدموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات وأعضاءكم آلات بر لله" (رو 6: 12-13)، والرسول يقول أيضًا "فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الأرض" (كو 3: 1-2).

لذلك ببعض الكلمات المذكورة لتذكرتنا، في اعتقادي أن الرسول قد جزم أننا لا نستطيع أن ندفع المقابل للنعمة النابعة من المحبة الإلهية السخية للبشر، النعمة التي ظهرت في محبة المسيح يسوع ربنا الذي أطاع إلى الموت وصار لنا كما هو مكتوب فداء من الإثم (تي 2: 14)، خلاصًا من الموت الذي ملك منذ التعدي القديم (رو 5: 14)، مصالحة مع الله (رو 5: 11)، وقدرة على مرضاة الله، عطية البرّ وحياة مشتركة مع القديسين في الأبدية وميراث ملكوت السموات، وكذلك خيرات أخرى بلا عدد والتي ستصير هي مكافأتنا، وقد علمنا من ناحية أخرى -بطريقة حكيمة وقوية بالكلمات التي أضافها معًا إلى تلك- مغزى معمودية الماء التي هي اعتماد لموت ربنا يسوع المسيح.
وبهذا علّمنا (الرسول) أن نأخذ حذرنا لئلا ننال باطلًا نعمة بمثل هذه الطبيعة الجليلة وهذه الأهمية (2كو 6: 1)، وهو قد قال بالفعل الكلمة التي قد ذكرتها منذ وقت قليل مضى وهي "إذًا لا تملكن الخطية في جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواتها. ولا تقدموا أعضاءكم آلات إثم للخطية بل قدموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات وأعضاءكم آلات بر لله" (رو 6: 12-13).

18- وهكذا يفصلنا (الرسول) تمامًا من كل خطية وأيضًا عن كل برّ بحسب الناموس، وهو يحضّنا من ناحية أخرى بقوة ناحية البرّ الذي هو بحسب الله بجمعه التهديد المخيف مع الوعد المبارك والمرغوب فيه كما يلي "لأن أجرة الخطية هي موت. وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا" (رو 6: 23). لذلك أيضًا يقتدي بالرب ويعلّمنا أن نتجاوز البرّ الذي بحسب الناموس فيضيف الكلمات الآتية: [1- أَمْ تَجْهَلُونَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ لأَنِّي أُكَلِّمُ الْعَارِفِينَ بِالنَّامُوسِ أَنَّ النَّامُوسَ يَسُودُ عَلَى الإِنْسَانِ مَا دَامَ حَيًّا. 2- فَإِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي تَحْتَ رَجُلٍ هِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِالنَّامُوسِ بِالرَّجُلِ الْحَيِّ. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَ الرَّجُلُ فَقَدْ تَحَرَّرَتْ مِنْ نَامُوسِ الرَّجُلِ. 3- فَإِذًا مَا دَامَ الرَّجُلُ حَيًّا تُدْعَى زَانِيَةً إِنْ صَارَتْ لِرَجُلٍ آخَرَ. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَ الرَّجُلُ فَهِيَ حُرَّةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى إِنَّهَا لَيْسَتْ زَانِيَةً إِنْ صَارَتْ لِرَجُلٍ آخَرَ. 4- إِذًا يَا إِخْوَتِي أَنْتُمْ أَيْضًا قَدْ مُتُّمْ لِلنَّامُوسِ بِجَسَدِ الْمَسِيحِ لِكَيْ تَصِيرُوا لآِخَرَ لِلَّذِي قَدْ أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لِنُثْمِرَ لِلَّهِ. 5- لأَنَّهُ لَمَّا كُنَّا فِي الْجَسَدِ كَانَتْ أَهْوَاءُ الْخَطَايَا الَّتِي بِالنَّامُوسِ تَعْمَلُ فِي أَعْضَائِنَا لِكَيْ نُثْمِرَ لِلْمَوْتِ. 6- وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ تَحَرَّرْنَا مِنَ النَّامُوسِ إِذْ مَاتَ الَّذِي كُنَّا مُمْسَكِينَ فِيهِ حَتَّى نَعْبُدَ بِجِدَّةِ الرُّوحِ لاَ بِعِتْقِ الْحَرْفِ. (رو 7: 1-6).].
إن هذه الكلمات تعلّمنا أن نُبدي إعجابنا للمحبة الإلهية التي لا يُعبّر عنها والتي لله في المسيح يسوع وتعلّمنا أن نطّهر ذواتنا بمخافة عظيمة من كل دنس الجسد والروح (2كو 7: 1).
19- إن الفرق بين الحرف والروح يشير إليه أيضًا الرسول في صيغة حكم (جازم) في موضع آخر حيث يقارن بين الناموس والإنجيل فيقول "إن الحرف يقتل ولكن الروحي يحيي" (2كو 3: 6). إنه يدعو الناموس بالحرف كما هو واضح من الكلام السابق واللاحق، ويقصد بالروح تعليم الرب، لأن الرب نفسه قال "الكلام الذي أكلّمكم به هو روح وحياة" (يو 6: 63).
إن كان بعض الناس الذين عاهدوا الله عند معموديتهم أن لا يعيشوا فيما بعد لأنفسهم بل للذي مات من أجلهم وقام، ومع تحفظهم وتدقيقهم الشديد للسلوك في سبل البرّ القانونية، ومع ذلك وجدوا تحت دينونة اقتراف الزنا، كما سبق القول بكل وضوح، فماذا يمكن أن يُقال إذًا عمّن يسلكون بتقليد (وصايا) الناس؟
أما بخصوص البرّ الناموسي فإن الرسول يعلن بمنتهى الحزم قائلًا [8- بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ. 9- وَأُوجَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ لِي بِرِّي الَّذِي مِنَ النَّامُوسِ، بَلِ الَّذِي بِإِيمَانِ الْمَسِيحِ، الْبِرُّ الَّذِي مِنَ اللهِ بِالإِيمَانِ. (في 3: 8-9).]

حسنًا! ففيما يختص بالتقاليد (تعاليم ووصايا) البشرية، فإن إدانتها ظاهرة بوضوح من كلمات الرب "لماذا تتعدون وصية الرب بسبب تقليدكم؟" (مت 15: 3)، أما بالنسبة لمشورات الحكمة البشرية، فإن الرسول علّمنا بتعبيرات أكثر شدة وذلك عندما قال "إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية بل قادرة بالله على هدم حصون. هادمين ظنونًا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله" (2كو 10: 4-5). وأيضًا مشيرًا إلى الآراء الفردية في موضوع البرّ بصفة عامة حتى ولو كان يتم السعي إليه باجتهاد وغيرة لأجل الله فيقول "لأني أشهد لهم أن لهم غيرة الله ولكن ليس حسب المعرفة. لأنهم إذ كانوا يجهلون برّ الله ويطلبون برّ أنفسهم لم يخضعوا لبرّ الله" (رو 10: 2-3).
من هذه النصوص ونصوص أخرى مشابهة يظهر بوضوح إدانة من يريدون المراوغة فيما يختص بأحكام الله، لأنه مكتوب "ويل للحكماء في أعين أنفسهم والفهماء عند ذواتهم" (إش 5: 21)، والرب يعلن بوضوح أكثر "من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله" (مر 10: 15).

لذلك يلزم الحذر حفظًا للنقاوة من كل الأشياء الآتية جميعها: الشهوات التي يثيرها الشيطان، افتخارات هذا العالم، وأيضًا من التقاليد البشرية والرغبات الذاتية مهما ظهر صلاحها وشرعيتها، إن سببت ولو تأخيرًا طفيفًا في السرعة التلقائية التي ينبغي أن نُظهرها نحو مشيئة الله. إن الذين اعترفوا بموتهم ودفنهم واتحادهم وقيامتهم مع المسيح يمكنهم حينئذ وبكل حرية أن يقولوا بالحق "لقد صُلبت للعالم، بل بالأحرى للشيطان، والعالم صُلب لي فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ" (غلا 2: 20). وبهذه الكلمات نتعلّم أن نتخطى البر الذي بحسب الناموس لكي نكون مستحقين لملكوت السموات.

20- ما من شك في أن اللحظة قد حانت الآن لنشرع في موضوع آخر وبإيماننا في المسيح نصل إلى معرفة وفهم ماذا يعني أن يعتمد المرء باسم الآب والابن والروح (مت 28: 19). ويلزم أولًا أن نشير إلى المجد الخاص لكل أقنوم ندعو به(34).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

ثانيًا ينبغي أن نعلم تمامًا أن الرب نفسه أظهر أهمية المعمودية بالروح القدس وذلك عندما قال "المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح" (يو 3: 6). وهكذا فإنه بالتشبيه بما هو مألوف من جهة الولادة الجسدية وتتابعها كمثال توضيحي، يمكننا أن ننال فهمًا واضحًا وصحيحًا للتعليم الروحي المعنّي هنا. فنحن نعلم بالفعل ومقتنعون تمامًا أنه كما أن المولود من الجسد يشارك الطبيعة التي ولد منها، هكذا أيضًا نحن المولودين من الروح يلزم أن نكون بنفس الطريقة من الروح. لكن هذا الروح ليس بحسب المجد العظيم الذي للروح القدس والذي لا يمكن أن يدركه العقل البشري، والذي ينظر الآن في لغز في مختلف المواهب الروحية التي أعطاها الله لكل واحد للمنفعة (1كو 12: 7؛ 13: 12) بتوسط مسيحه وفي الاستغلال العملي لكل المواهب في هيئة أعمال نافعة، وعلى نفس النمط أيضًا تتم ملاحظة الحقائق الأخرى المُعبّر عنها. فالروح يختص بتذكيرنا وتعليمنا الوصايا الإلهية التي أعلنها ربنا يسوع المسيح، إذ أن ربنا يسوع المسيح نفسه قال لنا "الروح القدس يعلّمكم ويذكّركم بكل ما قلته لكم" (يو 14: 26)، ثم أن الرسول الذي يعلّمنا باستفاضة أكثر ما هي توجهات الذهن التي تصير لمن هو مولود من الروح فيكتب في موضع آخر "وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول اناة..." (غلا 5: 22)، وقد قال سابقًا "إذا انقدتم بالروح فلستم تحت الناموس" (غلا 5: 18)، وبعدها بقليل يقول "إن كنا نعيش بالروح فلنسلك أيضًا بحسب الروح" (غلا 5: 25). وهو أيضًا يكتب قائلًا "لنا مواهب مختلفة بحسب النعمة المعطاة لنا، أنبوة فبالنسبة إلى الإيمان. أم الخدمة ففي الخدمة" (رو 12: 6-7).
21- بهذه النصوص ونصوص أخرى مشابهة يقول لنا الرب أن المولود من الروح هو روح، والرسول يعطي لنا شهادة مطابقة لذلك حيث يقول [14- بِسَبَبِ هَذَا أَحْنِي رُكْبَتَيَّ لَدَى أَبِي رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ،. 15- الَّذِي مِنْهُ تُسَمَّى كُلُّ عَشِيرَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَعَلَى الأَرْضِ. 16- لِكَيْ يُعْطِيَكُمْ بِحَسَبِ غِنَى مَجْدِهِ أَنْ تَتَأَيَّدُوا بِالْقُوَّةِ بِرُوحِهِ فِي الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ،. 17- لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ. (أف 3: 14-17).]. وهكذا "إن كنا نعيش بالروح فلنسلك أيضًا بحسب الروح" (غلا 5: 25)، وإذ صرنا هكذا مؤهلين لأن نُعدّ موضعًا للروح القدس (فينا) نصير بذلك قادرين على الاعتراف بالمسيح لأن "ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس" (1كو 12: 3). هذا هو إذن التعليم الذي أعطاه الرب بنفسه وبواسطة الرسول لمن قد ولدوا من الروح لكي يصيروا روحًا.

وهوذا في الولادة الروحية سنتمثل أيضًا بالولادة الجسدية وذلك أولًا بأن ننقل موضع إقامتنا ونغير طريقة معيشتنا بأن نتأيد بالقوة بالروح في إنساننا الباطن (أف 3: 16) بطريقة نستطيع أن نقول فيها "فإن سيرتنا نحن هي في السموات" (في 3: 20). حينئذ بينما نحن نجر جسدنا كظل من موضع لآخر على الأرض، إلا أننا نبقي نفوسنا مستوطنة في معية السمائيين. ثانيًا نغيّر رفقائنا (الأرضيين)، لأن داود يقول [5- الَّذِي يَغْتَابُ صَاحِبَهُ سِرًّا هَذَا أَقْطَعُهُ. مُسْتَكْبِرُ الْعَيْنِ وَمُنْتَفِخُ الْقَلْبِ لاَ أَحْتَمِلُهُ. 6- عَيْنَايَ عَلَى أُمَنَاءِ الأَرْضِ لِكَيْ أُجْلِسَهُمْ مَعِي. السَّالِكُ طَرِيقًا كَامِلًا هُوَ يَخْدِمُنِي. 7- لاَ يَسْكُنُ وَسَطَ بَيْتِي عَامِلُ غِشٍّ. الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَذِبِ لاَ يَثْبُتُ أَمَامَ عَيْنَيَّ. (مز 101: 5-7).]. وهو يعبّر بنفس الطريقة عن هذا الأمر في مواضع أخرى. أما بالنسبة للرسول فهو يعطينا هذه الوصية الأكثر فعّالية فيقول "إن كان أحد مدعوًا أخًا زانيًا أو طماعًا أو شتّامًا أو سكيرًا أو خاطفًا، أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا" (1كو 5: 11).
22- ويحدث كثيرًا أيضًا أن نفس الرسول ينطق أحكامًا مماثلة عند ملاقاته لأشخاص مماثلين. وبعد أن شرح النعمة العظيمة والمجيدة التي لمحبة المسيح للبشر، يعلّمنا بطريقة واضحة وأكيدة مع من وأي نوع من الناس ينبغي لنا أن نعيش فيقول: [14- لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الِاثْنَيْنِ وَاحِدًا، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ. 15- أَيِ الْعَدَاوَةَ. مُبْطِلًا بِجَسَدِهِ نَامُوسَ الْوَصَايَا فِي فَرَائِضَ، لِكَيْ يَخْلُقَ الِاثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ إِنْسَانًا وَاحِدًا جَدِيدًا، صَانِعًا سَلاَمًا،. 16- وَيُصَالِحَ الِاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ، قَاتِلًا الْعَدَاوَةَ بِهِ. 17- فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ الْبَعِيدِينَ وَالْقَرِيبِينَ. 18- لأَنَّ بِهِ لَنَا كِلَيْنَا قُدُومًا فِي رُوحٍ وَاحِدٍ إِلَى الآبِ. 19- فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلًا، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ،. 20- مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ،. 21- الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا يَنْمُو هَيْكَلًا مُقَدَّسًا فِي الرَّبِّ. (أف 2: 14-21).]

وإذ قد اتحدنا مع المسيح بشبه موته (رو 6: 5)، ونلنا المعمودية باسم الروح القدس، وولدنا من فوق في إنساننا الباطن بفضل تجديد ذهننا (رو 12: 2)، ومبنيين على أساس الرسل والأنبياء (أف 2: 20)، حينئذ نصير مؤهلين لنوال المعمودية باسم ابن الله الوحيد ونستطيع أن نتقدم لننال الهبة العظيمة التي بخصوصها سلّمنا الرسول هذا التعليم الذي فيه يقول "لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غلا 3: 27)، حيث "ليس يوناني ويهودي، ختان وغرلة، بربري وسكيثي، عبد وحر، بل المسيح الكل وفي الكل" (كو 3: 11).
23- والآن يلي هذا الأمر بالضرورة أن من قد ولد، حتمًا يرتدي أيضًا لباسًا. ولنأخذ مجرد مثال توضيحي يشرح هذا الأمر. إذا أحضرت لوحًا من الخشب أو من أي مادة أخرى، فإذ قد نزعت منه حوافه المتعرجة وسوّيت أجزاءه الخشنة، يمكن له حينئذ أن يتهيأ ليحمل صورة تمثّل هيئة الملك، وآنذاك فإن الفرق في مادة اللوح سواء من الخشب أو الذهب لا يقلل من قيمة الصورة المرسومة إذ أن مطابقة الصورة للأصل وجودة وروعة فن رسمها يجعل الفرق في مادة اللوح أمرًا غير مهم أيًا كان هذا الفرق واضحًا، إذ أن المشاهدين سينبهرون إعجايًا بالتشابه في حد ذاته وستصير الصورة مُعبّرة وناطقة بعظمة وسلطان الملك، ونفس الأمر يسري على من نال المعمودية سواء يوناني أو يهودي، رجل أو امرأة، عبد أو حر، بربري أو سكيثي، أو أي شخص آخر يحمل اسم جنس آخر.
لأنه في لحظة خلع الإنسان العتيق مع ممارساته -بفضل دم المسيح وتعاليمه- فلبس الإنسان الجديد في الروح القدس والذي هو مخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق (أف 4: 24) والذي يتحدد للمعرفة حسب صورة خالقه (كو 3: 10)، ونصير أهلًا لنوال الرضى كما علّمنا الرسول بقوله [28- وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ. 29- لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ. (رو 8: 28-29).]

24- حينئذ عندما تكون النفس قد توشحت بابن الله، تصير مؤهلة للمرحلة النهائية والكاملة وتعتمد باسم الآب، وربنا يسوع المسيح أُعطي السلطان -بشهادة يوحنا الرسول- أن نصير أولادًا لله (يو 1: 12). نعم فعندما يصرّح الرب قائلًا "اخرجوا من وسطهم واعتزلوا ولا تمسوا نجسًا فأقبلكم وأكون لكم أبًا وأنتم تكونون لي بنين وبنات يقول الرب القادر على كل شيء" (2كو 6: 17-18)، فهذا الأمر يتحقق بنعمة ربنا يسوع المسيح نفسه الابن الوحيد لله الحي الذي فيه "لا الختان ينفع شيئًا ولا الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة" (غلا 5: 6) كما هو مكتوب.

من السهل علينا -بفضل هذا الإيمان- أن نتمم الكلمة التي ألحقها في الحال ربنا يسوع المسيح إلى وصية العماد وفيها يقول "علّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (مت 28: 20). والرب نفسه قد حدد وصية حفظ الوصايا كإثبات لحبنا له عندما قال "إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي" (يو 14: 15)، وأيضًا قال "الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني" (يو 14: 21)، وأيضًا "إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي" (يو 14: 23). ويؤكد أيضًا بطريقة أكثر قوة وفعّالية فيقول "اثبتوا في محبتي. إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما أني أنا قد حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته" (يو 15: 9-10). لكن إذا كان حفظ الوصايا علامة أساسية ودليل على حبنا لله، فإنها من ناحية أخرى سبب عظيم للخوف، إذ بدون الحب فحتى أكثر الأعمال فعالية للمواهب العظيمة للنعمة والقدرات فائقة القوة والإيمان نفسه والوصية ذاتها التي يمكنها أن تجعل الإنسان كاملًا ستكون عديمة الجدوى، لأن بولس الرسول المتكلم فيه المسيح يعلن: [1- إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَقَدْ صِرْتُ نُحَاسًا يَطِنُّ أَوْ صَنْجًا يَرِنُّ. 2- وَإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ وَأَعْلَمُ جَمِيعَ الأَسْرَارِ وَكُلَّ عِلْمٍ وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ الإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ الْجِبَالَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلَسْتُ شَيْئًا. 3- وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئًا. (1كو 13: 1-3).].
إنني اعتقد أن الرسول بتعبيره عن نفسه بهذه الطريقة المحددة كان يتذكر -آنذاك- كلمات الرب القائلة: [22- كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ 23- فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ! (مت 7: 22-23).]
25- لذلك فإنه من الواضح والمقطوع به أنه بدون الحب فحتى لو تم مراعاة الطقوس وتأدية الأعمال البارة وحُفظت وصايا الرب وأُجريت عجائب عظيمة، فكل هذه الأعمال ستُحسب كأعمال إثم، ليس لسبب كائن في أعمال البرّ أو لمواهب الروح ذاتها، بل لأن الذين يؤدون مثل هذه الأعمال هدفهم تعظيم ذاتهم كما يشير إليهم الرسول بقوله "الذين يظنون أن التقوى تجارة" (1تي 6: 5). وفي موضع آخر يقول: "أَمَّا قَوْمٌ فَعَنْ حَسَدٍ وَخِصَامٍ يَكْرِزُونَ بِالْمَسِيحِ، وَأَمَّا قَوْمٌ فَعَنْ مَسَرَّةٍ. فَهَؤُلاَءِ عَنْ تَحَزُّبٍ يُنَادُونَ بِالْمَسِيحِ لاَ عَنْ إِخْلاَصٍ، ظَانِّينَ أَنَّهُمْ يُضِيفُونَ إِلَى وُثُقِي ضِيقًا" (في 1: 15-16). وفي موضع آخر يؤكد: "فَإِنَّنَا لَمْ نَكُنْ قَطُّ فِي كَلاَمِ تَمَلُّقٍ كَمَا تَعْلَمُونَ، وَلاَ فِي عِلَّةِ طَمَعٍ. اللهُ شَاهِدٌ. وَلاَ طَلَبْنَا مَجْدًا مِنَ النَّاسِ، لاَ مِنْكُمْ وَلاَ مِنْ غَيْرِكُمْ مَعَ أَنَّنَا قَادِرُونَ أَنْ نَكُونَ فِي وَقَارٍ كَرُسُلِ الْمَسِيحِ" (1تس 2: 5-6).
هذه الكلمات وكلمات أخرى مشابهة لها تُظهر بوضوح مبررات إجابة الرب القائلة "تباعدوا عني يا جميع فاعلي الإثم" (لو 13: 27)، إذ أنهم بالفعل فعلة إثم حيث أنهم قد استخدموا مواهب الله حسب مشيئتهم الخاصة، تمامًا كما يحدث في الطب أن الأدوات والتحضيرات التي يتم الحصول عليها لعلاج الأمراض والاعتناء بالصحة ولأجل الشفاء اُستخدمت للقتل. وحيث أنهم تعدوا وصية الرسول القائلة "فإن كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئًا فافعلوا كل شيء لمجد الله" (1كو 10: 31). لذلك يلزم جدًا الاعتناء بالإنسان الداخلي إن أردنا أن يكون الذهن غير مشتت ومنجمع بطريقة ما في إطار مجد الله. لذلك بحفظ وصية الرب القائلة "اجعلوا الشجرة جيدة وثمرها جيدًا" (مت 12: 33)، وأيضًا الوصية التي تقول "أيها الفريسي الأعمى نق أولًا داخل الكأس والصحفة لكي يكون خارجهما أيضًا نقيًا" (مت 23: 26). نستطيع -من فضلة القلب السخي- فنعطي ثمارًا سواء في الكلمات أو الأفعال لمجد الله ومسيحه، فيعطي البعض مئة وآخر ستين وآخر ثلاثين (مت 13: 8)، وذلك يحرضنا على عدم إحزان روح الله القدوس (أف 4: 30) حيثما كنا، وبذلك نستطيع أيضًا أن نهرب من دينونة الرب ذاته والقائلة "وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً وَهِيَ مِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ. هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا: مِنْ خَارِجٍ تَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ أَبْرَارًا وَلَكِنَّكُمْ مِنْ دَاخِلٍ مَشْحُونُونَ رِيَاءً وَإِثْمًا!" (مت 23: 27-28).

26- لهذا السبب قبل أن ننال المعمودية ينبغي لنا أن نتتلمذ بمعنى أن نُبعد أولًا المعوقات التي تقف في طريق التلمذة وبذلك نجعل أنفسنا مؤهلين للتعلم والتلمذة، لأن ربنا يسوع المسيح ذاته قد ثبّت حكمه الأول وأضاف عليه من باب التعليم قوله "كذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لي تلميذًا" (لو 14: 33)، وفي مرة أخرى قال في صورة أمر "إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (مت 16: 24)، وأيضًا في مرة أخرى على هيئة تصريح محدد فيقول "من لا يحمل صليبه كل يوم ويتبعني فلا يستحقني" (مت 10: 38؛ لو 9: 23). بهذه الكلمات الملتهبة والأخرى الشبيهة لها والتي لربنا يسوع المسيح الذي قال "جئت لألقي نارًا على الأرض. فماذا أريد لو اضطرمت" (لو 12: 49)، يتضح خبث الخطية ويُظهر أيضًا بصورة جلية عظمة الأعمال الصالحة التي تؤدى لمجد الله ومسيحه وهي (أي أقوال الرب السابقة) تقتادنا بدون أدنى شك لأن نرغب وأن نقرّ بما قاله بولس الرسول "ويحي أنا الإنسان الشقي. من ينقذني من جسد هذا الموت. أشكر الله بيسوع المسيح ربنا(36)، الذي قال "هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا" (مت 26: 28)، بينما الرسول يشهد بقوله "الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا" (كو 1: 14). حينئذ نصل إلى معمودية الماء التي هي مثال للصليب والموت والدفن والقيامة من الأموات، وبعد ذلك نتعهد ونحفظ ما أقرّ به الرسول نفسه في معالجته لموضوع المعمودية بالكلمات الآتية: "عَالِمِينَ أَنَّ الْمَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يَمُوتُ أَيْضًا. لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدُ. لأَنَّ الْمَوْتَ الَّذِي مَاتَهُ قَدْ مَاتَهُ لِلْخَطِيَّةِ مَرَّةً وَاحِدَةً والْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا لِلَّهِ. كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ وَلَكِنْ أَحْيَاءً لِلَّهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. إِذًا لاَ تَمْلِكَنَّ الْخَطِيَّةُ فِي جَسَدِكُمُ الْمَائِتِ لِكَيْ تُطِيعُوهَا فِي شَهَوَاتِهِ. وَلاَ تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ بَلْ قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ لِلَّهِ كَأَحْيَاءٍ مِنَ الأَمْوَاتِ وَأَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ بِرٍّ لِلَّهِ" (رو 6: 9-13).
27- لذلك كل من اُعتبر جديرًا بأن يعتمد باسم الروح القدس -ولأجل هذه الولادة التي من فوق- يُجري تغييرًا في موضع إقامته (لو كان يحرّض على الشر) وأخلاقياته ورفاق الحياة. لكي بسلوكنا بحسب الروح (غلا 5: 25) نُعتبر أهلًا لنوال المعمودية باسم الابن ونلبس المسيح. لأنه ينبغي أن المولود حديثًا (بالولادة من فوق) يكون مؤهلًا أيضًا للّبس بحسب كلمة الرسول "لأنكم كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غلا 3: 27)، والرسول يقول أيضًا "إذ قد خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه حيث ليس يوناني ويهودي" (كو 3: 9-11). وإذ قد لبسنا ابن الله الذي قد أعطانا السلطان أن نصير أبناء الله (يو 1: 12) فننال المعمودية باسم الآب. ودُعينا أبناء الله لأن الله بفم النبي أعطى هذا الوعد "أخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسوا نجسًا فأقبلكم، وأكون لكم أبًا وأنتم تكونون لي بنين وبنات يقول الرب القادر على كل شيء" (2كو 6: 17-18؛ إش 52: 11). ويصرّح الرسول بقوله "إذ لنا هذه المواعيد أيها الأحباء لنطّهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكملين القداسة في خوف الله" (2كو 7: 1)، وهو يحثّنا أيضًا بقوله لنا "اِفْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ بِلاَ دَمْدَمَةٍ وَلاَ مُجَادَلَةٍ،. لِكَيْ تَكُونُوا بِلاَ لَوْمٍ، وَبُسَطَاءَ، أَوْلاَدًا للهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي وَسَطِ جِيلٍ مُعَوَّجٍ وَمُلْتَوٍ، تُضِيئُونَ بَيْنَهُمْ كَأَنْوَارٍ فِي الْعَالَمِ. مُتَمَسِّكِينَ بِكَلِمَةِ الْحَيَاةِ لاِفْتِخَارِي فِي يَوْمِ الْمَسِيحِ" (في 2: 14-16)، (وبقوله): "فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ. اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى الأَرْضِ،. لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ. مَتَى اظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ انْتُمْ أيْضًا مَعَهُ فِي الْمَجْدِ" (كو 3: 1-4). هذا المجد قد وعد به الرب نفسه الذي قال "حينئذ يضئ الأبرار كالشمس" (مت 13: 43).
_____
(30) تعبير كان شائعًا في عصر القديس باسيليوس لمخاطبة رجال الإكليروس كله بما فيهم الأساقفة.
(32) إذ أن المعمودية المسيحية هي بالحق سامية بالقدر الذي يجعل محاولة وصفها فيه خطورة إذ لا نجد الكلمات البشرية اللائقة والوافية لوصف هذا السمو.
(33) انظر الآية "مترّبيًا بكلام الإيمان" (1تي 4: 6).
(34) سيحاول القديس باسيليوس في الصفحات التالية -لإلقاء الضوء على المجد الخاص بكل أقنوم- أن يفسر ويفصص المعمودية بطريقة ربما قد تربك القارئ فيظن بوجود معموديات ثلاث، لذلك لزم هذا التنويه مقدمًا حتى لا يحدث لبس لدى القارئ.
(35) ينبغي الإشارة إلى أن الكلام في ظاهره يبدو تكرارًا لما قيل من قبل، لكن علينا أن نضع في اعتبارنا التنبيه الذي أوردناه في حاشية ص39 فينتفي الاستغراب.
(36) هنا لم أغلق القوس وآثرت تسجيل الشاهد هنا (رو 7: 24-25) حتى يستطيع القارئ متابعة الكلام لترابطه معًا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/basil-baptism/according-to-the-gospel.html
تقصير الرابط:
tak.la/wdhptg6