إن ربنا يسوع المسيح الابن الوحيد لله الحي بعد قيامته من الأموات نال من الله أبيه إتمام الوعد الذي قاله بفم داود "أنت ابني أنا اليوم ولدتك. اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا لك وأقاصي الأرض ملكًا لك" (مز 2: 7-8). فلما أخذ الرب تلاميذه إليه، كشف لهم أولًا عن السلطان الذي أُعطي له من أبيه قائلًا "دُفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى والأرض" (مت 28: 18)، ثم أرسلهم إلى الكرازة بهذه الكلمات "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلّموهم جميع ما أوصيتكم به" (مت 28: 19-20).
إذن فإن الرب قد أعطى أولًا هذا الأمر "تلمذوا جميع الأمم"، ثم أضاف بعد ذلك قوله "وعمدوهم... " وبناء عليه، كيف تطلبون مني قبل أن أتكلم عن الشطر الأول تفسير الثاني؟ لأنه بالنسبة لنا نعتبر أننا لم نُجب في الحال (طلبكم) فسننتقض بهذا وصية الرسول القائلة "استعدوا لمجاوبة كل من يسألكم عن أي تفسير" (انظر 1بط 3: 15)، ونحن سلّمنا لكم تعليمًا بأن المعمودية التي بحسب إنجيل الرب هي أكثر عظمة من تلك التي ليوحنا (المعمدان) الطوباوي، إذ قد ذكرنا (في حديث سابق) قليلًا من الكلمات العديدة التي قيلت بخصوص هذا الموضوع في الكتب الموحى بها. ومع ذلك فنحن نعتقد بضرورة معالجة الوصايا بحسب ترتيبها كما سلّمها لنا الرب. لذلك فبالنسبة لما يخصكم، تعلّموا أولًا معنى التعبير "تلمذوا" وسوف تنالون كنتيجة منطقية لذلك، التعليم الذي يختص بالمعمودية الجليلة، فيكون لكم بذلك طريق ممهد نحو الكمال، متعلّمين حفظ كل الوصايا التي أعطاها الرب لتلاميذه بحسب ما هو مكتوب.
لذلك فإننا إذ قد سمعنا الرب يقول لنا "تلمذوا" نحتاج الآن أن نسترجع ما قيل في مواضع أخرى بخصوص هذه الوصية لكي نقوّم أولًا أذهاننا حتى تكون مرضية لله، ملاحظين بالتالي الترتيب المناسب والضروري فلا نخطئ المعنى الصحيح، ونتطابق مع الهدف الذي هو إرضاء الله. لأنها -في الواقع- عادة عند الرب أن ما يوصي به في موضع ما على هيئة مبدأ موجز، فإنه يعلّمه بوضوح وتفصيل بكلمات تُقال في مواضع أخرى. وكمثال لذلك بالنسبة للوصية "اكنزوا لكم كنوزًا في السماء" (مت 6: 20)، فإنه يشير بوضوح إلى كيفية التنفيذ، وذلك عندما قال في موضع آخر "بيعوا ما لكم وأعطوا صدقة. اعملوا لكم أكياسًا لا تفنى وكنزًا لا ينفذ في السموات" (لو 12: 33)، ونفس هذا الأمر يسري على الوصايا الأخرى.

![]() |
لذلك فلنتعلم من الرب نفسه، أن التلميذ هو ذاك الذي يلتصق بالرب ليتبعه بمعنى أن يسمع كلماته ويؤمن به ويطيعه كما لسيد وملك وطبيب ومعلم للحق على رجاء الحياة الأبدية، كما يظل علاوة على ذلك ثابتًا في دوافعه، لأنه مكتوب أن يسوع قال لليهود الذين آمنوا به "إنكم إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي، وتعرفون الحق والحق يحرركم" (يو 8: 31-32)، فبالتأكيد أنه يقصد أحرارًا فيما يختص بالنفس. فمن يتحفظ لنفسه من طغيان الخطية يفلت من طغيان الشيطان لأنه بحسب كلمات الرب يسوع "من يعمل الخطية هو عبد للخطية" (يو 8: 34)، والنفس أيضًا تفلت من حكم الموت بحسب تعليم بولس الرسول الذي قال لنا "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه" (2كو 5: 21)، وأضاف في موضع آخر "لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة، هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سيُجعل الكثيرون أبرارًا" (رو 5: 19).
من له إيمان بالرب ومن يتقدم بالدوافع المطلوبة ليصير تلميذًا، ينبغي له كما تعلّمنا أن ينفصل أولًا عن كل خطية، ثم ينفصل أيضًا عن كل ما يحيدنا عن الطاعة الواجبة علينا لله لدواعي كثيرة، حتى لو اُعتبرت أسباب هذا الحيدان معقولة تمامًا (من وجهة نظرنا). لأنه من العسير حقًا أن يقترف الإنسان الخطية أو يرتبك بأعمال الحياة (2تي 2: 4)، أو ينشغل مجرد الانشغال بالأشياء الضرورية للمعيشة ويمكنه أن يدخل في خدمة الرب، ومن باب أولى أن يصير له تلميذًا.
إن الرب لم يبدأ بقوله للشاب (الغني) "تعال اتبعني" (مت 19: 21)، بل أوصاه كبداية أن يبيع أملاكه ويعطيها للفقراء، وحتى هذه الوصية لم يعطها له إلا بعد أن أعلن ذلك الشاب قائلًا "إنني حفظت كل الوصايا" (مت 19: 20). لأن الإنسان الذي لم ينل بعد غفران خطاياه ولم يتطهر بعد بدم ربنا يسوع المسيح، ولا يزال يخدم الشيطان ويترك نفسه ينهزم من الخطية الساكنة فيه لا يستطيع الدخول في خدمة الرب الذي أعلن هذا الحكم الحتمي "من يعمل الخطية هو عبد للخطية. والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد" (يو 18: 34-35)، وبولس المتكلم فيه المسيح (2كو 13: 3) يشهد أيضًا، إذ كتب "لأنكم لما كنتم عبيدًا للخطية كنتم أحرارًا من البر" (رو 6: 20)، والرب يؤكد أيضًا "لا يمكن لأحد أن يخدم سيدين" (مت 6: 24)... إلخ. وأظهر بالتعليم الذي أعطاه بإيجاز وبصيغ مختلفة كثيرة أنه إن لم يبتعد الإنسان عن الهموم المختصة بضروريات الحياة فلا يمكنه أن يخدم الله أو بالحري يصير له تلميذًا.
إن هذا التعليم اقتاد الرسول إلى أن يسأل السؤال الأكثر شمولًا "لأنه أية خلطة للبر والإثم، وأية شركة للنور مع الظلمة؟ وأي اتفاق للمسيح مع بليعال؟ وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن؟ وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان؟" (2كو 6: 14-16). وفي موضع آخر وبصيغة وجيزة يقول "لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون" (غلا 5: 17). لنتذكر أيضًا بالأولى هذا التعليم المختص بأن يجعلنا ندخل في ذواتنا "فإننا نعلم أن الناموس روحي وأما أنا فجسدي مبيع تحت الخطية. لأني لست أعرف ما أنا أفعله إذ لست أفعل ما أريده بل ما أبغضه فإياه أفعل. فإن كنت أفعل ما لست أريده فإني أصادق الناموس أنه حسن. فالآن لست بعد أفعل ذلك أنا بل الخطية الساكنة في" (رو 7: 14-17). وإذ قد تبصرنا مرة أخرى وبتطويل أكثر نفس موضوع التأمل، بأن نعرف أنه من المستحيل علينا -عندما نترك أنفسنا ننهزم من الخطية- أن نخدم الرب، فإن الرسول يُرينا بوضوح من قد افتدانا من مثل هذا الطغيان فيقول "ويحي أنا الإنسان الشقي. من ينقذني من جسد هذا الموت. أشكر الله بيسوع المسيح ربنا" (رو 7: 24-25)، ثم يضيف بعد ذلك بقليل قوله "إذًا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد" (رو 8: 1).

3- ومع الكلمات التي قالها في موضع آخر، يقدم بوضوح النعمة العظيمة لمحبة الله التي ظهرت للبشر بتجسد ربنا يسوع المسيح، وهوذا كلماته "لأنه كما بمعصية الواحد جُعل الكثيرون خطاة، هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سيُجعل الكثيرون أبرارًا" (رو 5: 19). وفي موضع آخر ينظر بأكثر إعجاب للمحبة التي أظهرها الله للبشر في المسيح، فيؤكد "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه" (2كو 5: 21).
بحسب الكلمات التي ذكرناها وتلك المشابهة، ينبغي علينا بالضرورة -إن كنا على الأقل لم ننل نعمة الله باطلًا- أن نتحرر أولًا من طغيان الشيطان، لأن الشيطان يقتاد، من ترك نفسه ينهزم من الخطية، إلى الشر الذي لا يريده، وبالتالي فبعد أن تخلى الإنسان عن كل خيرات العالم الحاضر وأنكر ذاته، وبعد أن انفصل عن هوى الحياة، فيجب عليه أن يتتلمذ للرب. لأن الرب نفسه قال "إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (مت 16: 24)، بمعنى أن يصير تلميذي. وهو يسلّمنا نفس التعليم بصورة أكثر اتساعًا وأكثر وضوحًا وصراحة في إنجيل لوقا، وسنذكر هذا الأمر بعد قليل.
لقد اُفتدينا -نحن الذين آمنا- من مثل هذه الدينونة، فقد أعطانا الله نعمته بتوسط ابنه الوحيد ربنا يسوع المسيح الذي قال "لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا" (مت 26: 28). وبمقتضى هذه الكلمات شهد الرسول فكتب للتو "أحبوا بعضكم بعضًا على مثال المسيح الذي أحبنا وأسلم نفسه لأجلنا قربانًا وذبيحة لله" [(أف 5: 2) بحسب النص]، وأيضًا قال "المسيح افتدانا من لعنة الناموس" (غلا 3: 13)، وهناك كثير من الآيات المشابهة.
لذلك في اللحظة التي تم فيها نوال غفران الخطايا، نال الإنسان -من يسوع المسيح ربنا الذي افتدانا- العتق من الخطية، لكي يستطيع الالتصاق بالله الكلمة. وحتى في هذه اللحظة لن نكون بعد مستحقين لأن نتبع الرب، والذي لم يقل للشاب "تعال اتبعني" كما ذكرت سابقًا، قبل أن يقول له "بع كل أملاكك وأعط الفقراء"، وبالرغم من هذا فإن الرب لم يأمره بهذا أيضًا قبلما اعترف مُحدّثه بأنه قد أتم (من قبل) ما قاله الرب له (من وصايا الناموس)، وبأنه خالٍ من كل تعديٍ. لذلك ينبغي في هذا الأمر أيضًا ملاحظة ومراعاة (هذا) الترتيب (هنا كذلك).
لقد علّمنا الرب ليس فقط احتقار خيرات العالم الحاضر وضرورات الحياة الطبيعية. لقد تعلّمنا أيضًا أن نرفع مشاعرنا فوق الاجتماعيات التي بحسب الناموس وبحسب الطبيعة كالتزامات طبيعية. فقد قال ربنا يسوع المسيح "من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني" (مت 10: 37). وقد تحدّث بنفس الطريقة أيضًا عن الأقارب الأقربين، ومن باب أولى بالتأكيد، للصلات الأكثر بعدًا وللناس البعيدين عن الإيمان(28). وقد أضاف الآتي "من لا يحمل صليبه ويتبعني فلا يستحقني" (مت 10: 38)، وهذا البذل المحدد (من جانبنا) يقود إلى الخير، إذ كتب الرسول لتعليمنا "لقد صُلب العالم لي وأنا للعالم. لست أحيا أنا بل المسيح يحيا فيّ" (غلا 6: 14؛ 2: 20).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

نعود الآن إلى الرب الذي كلّم كل واحد منا مواجهة. فإذ سأله واحد قائلًا "ائذن لي أن أمضي أولًا وادفن أبي" أجابه قائلًا "دع الموتى يدفنون موتاهم، وأما أنت فاذهب وناد بملكوت الله" (لو 9: 59-60). أما كلمة الآخر الذي قال "ائذن لي أولًا أن أودّع الذين في بيتي" (لو 9: 61)، فأعطاه الرب ذلك الرد المثير جدًا والمصحوب بتوبيخ أكثر شدة إذ قال له "ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله" (لو 9: 62).
وهكذا نرى أن الالتزام الإنساني عندما يعمل ولو بقدر قليل لإرجاء الطاعة القاطعة الواجبة للرب، فهذا الالتزام لا يتفق مع الرغبة في أن يصير الإنسان تلميذًا له -حتى لو يبدو معقولًا- بل هو أمر يستحق توبيخًا بأكثر شدة. وبطريقة أكثر شمولية فإن الرب قد صاغ هذا القانون "إن كان أحد يأتي ورائي، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (لو 14: 26؛ مت 16: 24). فضلًا عن هذا إن كنا نذكر الإجابة التي أعطاها الرب لمن قال "طوبى لمن يأكل خبزًا في ملكوت اله" (لو 14: 15)، إذ قد أعطى الرب حكمًا مخيفًا للغاية وموسومًا بالغضب والصرامة قاصدًا بذلك تعليمنا، فهذا الحكم ينزع من الناس الذين تكلمنا عنهم(29) كل رجاء في الصالحات فقد كانت إجابته هكذا: [16- فَقَالَ لَهُ: «إِنْسَانٌ صَنَعَ عَشَاءً عَظِيمًا وَدَعَا كَثِيرِينَ. 17- وَأَرْسَلَ عَبْدَهُ فِي سَاعَةِ الْعَشَاءِ لِيَقُولَ لِلْمَدْعُوِّينَ: تَعَالَوْا لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ أُعِدَّ. 18- فَابْتَدَأَ الْجَمِيعُ بِرَأْيٍ وَاحِدٍ يَسْتَعْفُونَ. قَالَ لَهُ الأَوَّلُ: إِنِّي اشْتَرَيْتُ حَقْلًا وَأَنَا مُضْطَرٌّ أَنْ أَخْرُجَ وَأَنْظُرَهُ. أَسْأَلُكَ أَنْ تُعْفِيَنِي. 19- وَقَالَ آخَرُ: إِنِّي اشْتَرَيْتُ خَمْسَةَ أَزْوَاجِ بَقَرٍ وَأَنَا مَاضٍ لأَمْتَحِنَهَا. أَسْأَلُكَ أَنْ تُعْفِيَنِي. 20- وَقَالَ آخَرُ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ بِامْرَأَةٍ فَلِذَلِكَ لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَجِيءَ. 21- فَأَتَى ذَلِكَ الْعَبْدُ وَأَخْبَرَ سَيِّدَهُ بِذَلِكَ. حِينَئِذٍ غَضِبَ رَبُّ الْبَيْتِ وَقَالَ لِعَبْدِهِ: اخْرُجْ عَاجِلًا إِلَى شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ وَأَزِقَّتِهَا وَأَدْخِلْ إِلَى هُنَا الْمَسَاكِينَ وَالْجُدْعَ وَالْعُرْجَ وَالْعُمْيَ. 22- فَقَالَ الْعَبْدُ: يَا سَيِّدُ قَدْ صَارَ كَمَا أَمَرْتَ وَيُوجَدُ أَيْضًا مَكَانٌ. 23- فَقَالَ السَّيِّدُ لِلْعَبْدِ: اخْرُجْ إِلَى الطُّرُقِ وَالسِّيَاجَاتِ وَأَلْزِمْهُمْ بِالدُّخُولِ حَتَّى يَمْتَلِئَ بَيْتِي. 24- لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ أُولَئِكَ الرِّجَالِ الْمَدْعُوِّينَ يَذُوقُ عَشَائِي» (لو 14: 16-24).]
وهو نفسه أيضًا -الابن الوحيد لله الحي- الذي قد أرسله الآب ليس لكي يدين العالم بل ليخلّص العالم، الذي ظل أمينًا لنفسه وأتم المشيئة الصالحة لله أبيه، يضيف لهذا التصريح الصارم، التعليم الذي يجعلنا مستحقين أن نصير تلاميذه فيقول "إن كان أحد يأتي إليّ ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته حتى نفسه أيضًا فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا" (لو 14: 26). ليس المقصود بالبغضة هنا التفكير في الإساءة أو التخطيط للإضرار بهم (بالآخرين) ولكن تلافي الإصغاء إلى أي صوت يدعونا لأن نحيد عن طريق الكمال والنمو في التقوى. وهو أيضًا يقول "ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا" (لو 14: 27)، ذلك الشرط الذي يجد قبولًا بالنسبة لنا بواسطة المعمودية في الماء حيث فيها نعترف أننا صُلبنا مع المسيح، متنا ودُفنا معه (قارن رو 6: 3) إلخ. بحسب ما هو مكتوب.
5- إذ قد مدّ الرب يده إلى ضعفنا، فهو يريد أيضًا بالأمثلة أن يثّبت قلوبنا في الثقة التامة بالحق ويجعلنا مؤهلين أكثر للطاعة فصرّح بالآتي: [28- وَمَنْ مِنْكُمْ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بُرْجًا لاَ يَجْلِسُ أَوَّلًا وَيَحْسِبُ النَّفَقَةَ هَلْ عِنْدَهُ مَا يَلْزَمُ لِكَمَالِهِ؟29- لِئَلاَّ يَضَعَ الأَسَاسَ وَلاَ يَقْدِرَ أَنْ يُكَمِّلَ فَيَبْتَدِئَ جَمِيعُ النَّاظِرِينَ يَهْزَأُونَ بِهِ. 30- قَائِلِينَ: هَذَا الإِنْسَانُ ابْتَدَأَ يَبْنِي وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُكَمِّلَ. 31- وَأَيُّ مَلِكٍ إِنْ ذَهَبَ لِمُقَاتَلَةِ مَلِكٍ آخَرَ فِي حَرْبٍ لاَ يَجْلِسُ أَوَّلًا وَيَتَشَاوَرُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُلاَقِيَ بِعَشَرَةِ آلاَفٍ الَّذِي يَأْتِي عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفًا؟ 32- وَإِلاَّ فَمَا دَامَ ذَلِكَ بَعِيدًا يُرْسِلُ سَفَارَةً وَيَسْأَلُ مَا هُوَ لِلصُّلْحِ. 33- فَكَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لاَ يَتْرُكُ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا. 34- اَلْمِلْحُ جَيِّدٌ. وَلَكِنْ إِذَا فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُصْلَحُ؟ 35- لاَ يَصْلُحُ لأَرْضٍ وَلاَ لِمَزْبَلَةٍ فَيَطْرَحُونَهُ خَارِجًا. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ!» (لو 14: 28-35).]
إن كان لنا إيمان بهذه الكلمات، فلنتحرر أولًا من طغيان الشيطان بالقدر الذي به نتحاشى كل عمل يريده هو منّا، ونحن بهذه الكلمات الإنجيلية، نصل بنعمة الله الممنوحة لنا بتوسط ربنا يسوع، إن كنا على الأقل لم نقتني باطلًا هذه النعمة، وبالتالي ننكر ليس فقط العالم وكل شهواته بل أيضًا الالتزامات الاجتماعية المفروغ منها، بل وننكر حتى حياتنا ذاتها عندما نجد هذه الاهتمامات والالتزامات تحيدنا عن الطاعة الثابتة والتلقائية الواجبة علينا نحو الله، وبهذا نُعتبر مستحقين أن نصير تلاميذ للرب.

إذ قد نلنا تعليمًا بنفس القدر من كل من موسى والأنبياء والإنجيليين والرسل، هذا التعليم القائم على العمل الذي أتمه في البدء -بتوسط ابنه الوحيد ربنا وإلهنا يسوع المسيح- بخلقة كل الأشياء المرئية وغير المرئية، والقائم أيضًا على ما تذكره الكتب الإلهية فيما يختص بلطف الله وصرامته (انظر رو 11: 22)، وإلى طول أناته لكي يُظهر برّه (قارن رو 3: 25)، وتعلّمنا من الأنبياء ما يختص بتجسد ربنا يسوع المسيح، والتلاقي بين الطبائع المتعارضة (الإلهية والبشرية) الذي حدث آنذاك، وما يختص بقيامته الممجدة من بين الأموات وصعوده وظهوره الممجد جدًا في نهاية الدهور. والتعليم القائم أيضًا على معرفة التقوى والكمال المرضيان أمام الله والظاهران في محبة المسيح يسوع ربنا التي تجعلنا نأمل الحياة الأبدية وملكوت السموات. وهو أيضًا قائم على مراسيم المجازاة العادلة. فمن يعملون الأشياء المحرّمة أو الذين يرفضون عمل ما هو مرضي فلهم العقاب الأبدي، ومن يسلكون بطريقة تليق بإنجيل المسيح مع إيمان حار عامل بمحبة الله فإنهم يأملون الحياة الأبدية وملكوت السموات في المسيح يسوع ربنا آمين.
_____
(27) يلزم التنويه هنا أن هذه عظات ألقاها القديس باسيليوس لرهبانه الذين تحت تدبيره الروحي.
(28) المقصود هنا عدم التعلق أو الدخول في علاقات خاطئة أيًا كانت من التي تسبب لنا الانفصال عن محبتنا لله.
(29) أي الذين تركوا طاعة الرب الواجبة وانشغلوا بأمور الحياة الفانية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/basil-baptism/discipleship.html
تقصير الرابط:
tak.la/rqh2j75