محتويات
اقتبست الكنيسة في تسابيح البصخة المقدسة عبارة من سفر إشعياء وهي {قوتي وتسبحتي هو الرب وصار لي خلاصًا}. وهذه العبارة تُضاف في تسبحة "Qwk te ;jom ثوك تي تي جوم" ابتداءً من ليلة الجمعة من البصخة المقدسة إذ يُقال:
tajom nem pa `cmou pe ` Psoic af]wpi nhi eucwthria
"تاجوم نيم با إسمو بي ابشويس أفشوبي ني إف سوتيريا" باللغة القبطية.
وقد وردت هذه العبارة في الإصحاح الثاني عشر من سفر إشعياء كما يلي:
"هُوَذَا اللَّهُ خَلاَصِي فَأَطْمَئِنُّ وَلاَ أَرْتَعِبُ لأَنَّ يَاهَ يَهْوَهَ قُوَّتِي وَتَرْنِيمَتِي وَقَدْ صَارَ لِي خَلاَصًا" (إش12: 2). ويلاحظ أن اللغة القبطية لم تستخدم كلمة "יְהֹוָה، يهوه" العبرية ومعناها "الكائن" وهو اسم الله الخصوصي الذي أعلن لموسى، واستخدمت كلمة "الرب" (`Psoic إبشويس) في الترجمة القبطية المأخوذة من الترجمة السبعينية باللغة اليونانية للعهد القديم، وهي أيضًا لا تستخدم كلمة "يهوه" العبرية بل كلمة "κύριος كيريوس" بمعنى "الرب".
كذلك نلاحظ أن المقطع "ياه" من كلمة "يهوه" يعنى "يهوه" أيضًا، وفي كثير من الكلمات العبرية يستخدم المقطع مضافًا إلى كلمة أخرى مثل "ياه شوع" أي "يهوه خلّص"، زكريا "זְכַרְיָה زكرياه" أي "يهوه تذكر"، إرميا "יִרְמְיָה إرمياه" أي "يهوه أسس".
من ضمن الأدلة على أن السيد المسيح هو يهوه، ما ورد في (إش12: 2) لأنه يقول: "يَاهَ يَهْوَهَ.. صَارَ لِي خَلاَصًا". بمعنى أن "يهوه" صار خلاصًا. ولم يقل فقط إن يهوه قد خلصني أو إنه هو المخلّص، بل قال إنه هو نفسه صار لي خلاصًا. وقد كرر عبارة "يهوه" فقال "ياه يهوه" لأنه يقول إنه هو نفسه صار خلاصًا.
فالسيد المسيح هو المخلص وهو الخلاص، هو الكاهن وهو الذبيحة، هو الهيكل وهو القربان، هو الراعي وهو الحمل.
إن كل كاهن يقدّم ذبيحته من الحملان، وكل راعى يرعى الحملان. ولكن السيد المسيح كان عجيبًا لأنه قدّم نفسه، وهو عجيب أيضًا لأنه هو "الراعي الصالح" وهو في نفس الوقت "حمل الله" الذي يحمل خطية العالم كله.
لا يفوتنا هنا أن نتذكر العبارة الواردة في إنجيل يوحنا "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا" (يو1: 14) ونحن نقرأ في سفر إشعياء "يَاهَ يَهْوَهَ.. صَارَ لِي خَلاَصًا"، صار لى خلاصًا لأنه صار جسدًا يمكن أن يتألم، وأن يُصلب، وأن يموت، وأن يقوم من الأموات، وأن يصعد إلى السماء، وأن يجلس عن يمين الآب..
والجميل فيما ورد في سفر إشعياء في الإصحاح الثاني عشر، أن الآيات الثلاث الأولى من هذا الفصل من السفر تشير كل واحدة منها إلى أحد الأقانيم الثلاثة الآب والابن والروح القدس كما يلي:
1- "وَتَقُولُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ لأَنَّهُ إِذْ غَضِبْتَ عَلَيَّ ارْتَدَّ غَضَبُكَ فَتُعَزِّينِي" عن الآب.
2- "هُوَذَا اللَّهُ خَلاَصِي فَأَطْمَئِنُّ وَلاَ أَرْتَعِبُ لأَنَّ يَاهَ يَهْوَهَ قُوَّتِي وَتَرْنِيمَتِي وَقَدْ صَارَ لِي خَلاَصًا" عن الابن.
3- "فَتَسْتَقُونَ مِيَاهًا بِفَرَحٍ مِنْ يَنَابِيعِ الْخَلاَصِ" عن الروح القدس.
فالحديث عبارة عن تسبحة ليوم الخلاص، ليوم الفداء "وَتَقُولُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ". وأي يوم يتكلم عنه إلا "يوم الرب" الذي يقول عنه المزمور "هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي صَنَعَهُ الرَّبُّ" (مز117: 24). والذي قال عنه السيد المسيح لليهود: "أبُوكُمْ إِبْرَاهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى يَوْمِي فَرَأَى وَفَرِحَ" (يو8: 56). والذي قال عنه ملاخي: "يَوْمِ الرَّبِّ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ" (ملا4: 5).
أ- في ذلك اليوم ارتد غضب الله الآب الذي "كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ" (2كو5: 19) "فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ.. ارْتَدَّ غَضَبُكَ فَتُعَزِّينِي" (إش12: 1)، ارتد غضب الآب لسبب طاعة الابن الوحيد الجنس الذي تجسد وتأنس من العذراء مريم وصُلب على الصليب من أجل خلاصنا. ارتد غضب الآب لأنه اشتم رائحة الرضا والسرور في الطاعة الكاملة للابن الوحيد الجنس المتجسد الذي صار إنسانًا ليقدم نفسه ذبيحة عوضًا عن جميع الذين افتداهم موفيًا دين الجميع إذ أخطأ الجميع.
ما أجمل هذه التسبحة للآب "أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ لأَنَّهُ إِذْ غَضِبْتَ عَلَيَّ ارْتَدَّ غَضَبُكَ فَتُعَزِّينِي".. ألم يقل "كَإِنْسَانٍ تُعَزِّيهِ أُمُّهُ هَكَذَا أُعَزِّيكُمْ أَنَا" يقول الرب (إش6: 13)؟
ب- ثم تأتى التسبحة الخلاصية لتخاطب الابن "هُوَذَا اللَّهُ خَلاَصِي فَأَطْمَئِنُّ وَلاَ أَرْتَعِبُ لأَنَّ يَاهَ يَهْوَهَ قُوَّتِي وَتَرْنِيمَتِي وَقَدْ صَارَ لِي خَلاَصًا" (إش12: 2) وهو هنا يؤكّد أن الابن هو الله، لأنه يقول: "هُوَذَا اللَّهُ خَلاَصِي" معلوم أن الابن هو الذي صار خلاصًا.
ج- وأخيرًا تنتقل التسبحة بصورة رائعة إلى الروح القدس الذي قال عنه السيد المسيح: "مَنْ آمَنَ بِي كَمَا قَالَ الْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ" (يو7: 38) "يَنْبَعُ إلى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ" (يو4: 14). لذلك تقول تسبحة الخلاص "فَتَسْتَقُونَ مِيَاهًا بِفَرَحٍ مِنْ يَنَابِيعِ الْخَلاَصِ" (إش12: 3). إن الروح القدس يروى العطشان ماء حياة يمنح الفرح، لأن الفرح هو من ثمار الروح القدس وهو يأخذ من استحقاقات جنب المسيح ويعطينا، وهذه هي ينابيع الخلاص.
يستخدم أصحاب بدعة شهود يهوه عبارة في سفر إشعياء، ولكنها في الحقيقة ضد مزاعمهم وليتهم يفهمونها.
العبارة هي:"َأَنْتُمْ شُهُودِي يَقُولُ الرَّبُّ (يهوه) وَأَنَا اللَّهُ" (إش43: 12). ويعتبر "شهود يهوه" أنهم يشهدون ليهوه الحقيقي وهو الآب، وأما الابن فيعتبرونه إلهًا صغيرًا آخر خلقه الله قبل خلق العالم، وبه خلق العالم، وهو أيضًا مخلّص العالم بالصليب.
ولكن علينا أن نقرأ الآية السابقة لهذه الآية لكي نفهم أن الكلام ينطبق على الابن لأن الابن هو الرب (يهوه) وهو الإله الحقيقي الواحد مع أبيه في الربوبية.
يقول الرب: "أَنَا أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ. أَنَا أَخْبَرْتُ وَخَلَّصْتُ وَأَعْلَمْتُ وَلَيْسَ بَيْنَكُمْ غَرِيبٌ. وَأَنْتُمْ شُهُودِي يَقُولُ الرَّبُّ وَأَنَا اللَّهُ" (إش43: 11، 12).
فالمتكلم هنا يقول إنه هو الرب (يهوه) وهو الله (إلوهيم)، وأنه ليس مخلص سواه "لَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ". ومعروف للجميع أن المخلص هو يسوع المسيح. فكيف يقول المتكلم "لَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ" ويستبعد شهود يهوه الابن بينما الابن هو المخلِّص.
وإذا كان الآب هنا يتكلم عن دوره في الخلاص بقبول ذبيحة ابنه الوحيد، وبإرسال الابن إلى العالم، وإذا كان الابن (كما يدّعى شهود يهوه) هو منفصل عن الآب فكيف يقول الآب "لَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ"؟! نحن لا ننكر أن الآب يلقّب أيضًا بالمخلّص (انظر تى 3: 4-6). ولكن ليس من المقبول أن يُنسب الخلاص إلى الآب وحده مع استبعاد الابن. لذلك ففي قول الله: "أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ" إشارة إلى أن الخلاص هو عمل الثالوث القدوس، وأن الآب والابن والروح القدس لهم ربوبية واحدة ولاهوت واحد. لا يوجد مخلّص سوى هذا الإله الواحد في الربوبية والمثلث الأقانيم.
إذن فالشهود الحقيقيون هم الذين يشهدون للآب والابن والروح القدس الثالوث القدوس المساوي في الجوهر (تى إترياس إن أموأوسيوس :`triac `noumooucioc) أي الذين لهم نفس الجوهر الواحد بمساواة.
عندما أرسل السيد المسيح تلاميذه بعد قيامته المجيدة؛ قال لهم: "وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ" (أع1: 8).
كانت الشهادة للسيد المسيح ذات أهمية قصوى لأنها هي بشارة الخلاص الذي صنعه الرب (يهوه). وقد شرح السيد المسيح بنفسه ذلك عندما ظهر لتلاميذه مجتمعين بعد قيامته "وَقَالَ لَهُمْ: هَكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ وَهَكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ. وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسمهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا لِجَمِيعِ الأُمَمِ مُبْتَدأً مِنْ أُورُشَلِيمَ. وَأَنْتُمْ شُهُودٌ لِذَلِكَ" (لو24: 46-48).
ما فائدة الشهادة للآب السماوي دون الشهادة للابن؟ ألم يشهد أنبياء العهد القديم لإله إبراهيم باعتباره هو خالق العالم، والذي أعطى الوعد بالخلاص، وأعطى الناموس لموسى بكل ما فيه من رموز عن التجسد وعن الفداء.
لم يكن الابن قد تجسّد وصنع الفداء.. ولكن الأنبياء شهدوا عن مواعيد الله "كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ. وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسمهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا" (لو24: 46، 47).
وهنا نسأل أصحاب بدعة "شهود يهوه" الذين يعتبرون أنفسهم شهودًا للآب فقط معتبرين أن يهوه هو الآب وليس الابن والروح القدس أيضًا، نسألهم هل هم ينفذون وصية السيد المسيح "وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا" (أع1: 8)، أم هم ينكرون الرب الذي اشتراهم؟ مثلما قال عنهم بطرس الرسول: "وَإِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ، يَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هَلاَكًا سَرِيعًا" (2بط2: 1).
من هو الرب الذي اشترانا إلا الرب يسوع المسيح الذي اشترانا بدمه الكريم، وهذا ما عبّر عنه الأربعة وعشرون قسيسًا في سفر الرؤيا "وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ: مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا لِلَّهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ" (رؤ5: 9).
إذن فالذي ذُبح واشترانا لله بدمه هو السيد المسيح. فمن ينكر ألوهية السيد المسيح -مثلما يفعل أصحاب بدعة "شهود يهوه"- ينكر الرب الذي اشترانا بدمه ويجلب على نفسه هلاكًا سريعًا.
وينبغي أن نتذكر قول معلمنا يوحنا الرسول "كُلُّ مَنْ يُنْكِرُ الابن لَيْسَ لَهُ الآبُ أَيْضًا، وَمَنْ يَعْتَرِفُ بِالابن فَلَهُ الآبُ أَيْضًا" (1يو2: 23).
هذه نصيحة نقولها لأصحاب بدعة "شهود يهوه" الذين يتمسكون بالآب وحده.
لقد تغنى إشعياء النبي بهذه الحقيقة حينما قال: "هُوَذَا اللَّهُ خَلاَصِي فَأَطْمَئِنُّ وَلاَ أَرْتَعِبُ لأَنَّ يَاهَ يَهْوَهَ قُوَّتِي وَتَرْنِيمَتِي وَقَدْ صَارَ لِي خَلاَصًا" (إش12: 2). وهو يقصد أن الله (يهوه) قد "صَارَ خَلاَصًا".. فهو ليس فقط "المخلّص"، بل "صَارَ خَلاَصًا". مثلما كتب القديس يوحنا الرسول الإنجيلي "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا" (يو1: 14). أي أن السيد المسيح هو المخلّص وهو الخلاص نفسه.. كذلك هو صانع العهد وهو العهد نفسه، لأنه تجسد وأعطانا دمه عهدًا جديدًا.
إن الخلاص هو تدبير الثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس؛ الإله الواحد المثلث الأقانيم. الله هو المخلّص، وهذا الخلاص قد تحقق بإرسال الابن إلى العالم فصار هو العهد، وتحقق بإرسال الروح القدس حسب موعد الآب ليأخذ من استحقاقات خلاص الابن ويعطينا في أسرار الكنيسة بالميلاد الفوقاني في المعمودية، وبمفاعيل الخلاص في سائر الأسرار..
إن الابن الذي هو المخلّص والخلاص في آنٍ واحد... هو موضوع اللقاء بين الله والإنسان، لأن الله الكلمة قد اتخذ طبيعة بشرية كاملة بلا خطية وجعلها خاصةً به جدًا His very own حسب تعبير القديس كيرلس الكبير. هو نفسه الله الكلمة وهو نفسه ابن الإنسان في آنٍ واحد بعد التجسد. وقد جعل لاهوته واحدًا مع ناسوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا انفصال، وذلك بالاتحاد الطبيعي الأقنومي الكامل والحقيقي. وهذا الاتحاد سوف يبقى إلى الأبد. وكما قال القديس كيرلس الكبير فإن الله الكلمة لم يتخذ إنسانًا من البشر، بل صار هو نفسه إنسانًا بالتجسّد. ولذلك فالاتحاد الأقنومي هو أمر لا يمكن أن يحدث بالنسبة لسائر البشر ولا حتى للمؤمنين كما يدّعى البعض من دعاة تأليه الإنسان.
في كثير من مواضع نبوة سفر إشعياء سفر نجد أقوالًا تشير إلى عمل السيد المسيح الخلاصي..
ونراه يتنبأ عن ابتلاع الموت الذي خيّم على البشرية جمعاء فيقول "وَيَصْنَعُ رَبُّ الْجُنُودِ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ فِي هَذَا الْجَبَلِ وَلِيمَةَ.. وَيُفْنِي فِي هَذَا الْجَبَلِ.. الْغِطَاءَ الْمُغَطَّى بِهِ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ. يَبْلَعُ الْمَوْتَ إلى الأَبَدِ وَيَمْسَحُ السَّيِّدُ الرَّبُّ الدُّمُوعَ عَنْ كُلِّ الْوُجُوهِ وَيَنْزِعُ عَارَ شَعْبِهِ عَنْ كُلِّ الأَرْضِ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ. وَيُقَالُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: هُوَذَا هَذَا إِلَهُنَا. انْتَظَرْنَاهُ فَخَلَّصَنَا. هَذَا هُوَ الرَّبُّ انْتَظَرْنَاهُ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِخَلاَصِهِ" (إش25: 6-9).
نلاحظ أن الوعد بالخلاص في هذه النبوة لا يخص شعب إسرائيل وحده، بل يمتد إلى "ِجَمِيعِ الشُّعُوبِ" وإلى "كُلِّ الأُمَمِ" وعن "كُلِّ الأَرْضِ".
كما أن عبارة "يُفْنِي فِي هَذَا الْجَبَلِ.. الْغِطَاءَ الْمُغَطَّى بِهِ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ. يَبْلَعُ الْمَوْتَ إلى الأَبَدِ" تشرح بوضوح أن الرب يريد إفناء الموت ومنح الحياة الأبدية.
وماذا يمكن أن يكون الغطاء الذي غطّى كل الأمم إلا الموت الذي ملك وغطّى على جميع الشعوب والأمم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ويتضّح ذلك من العبارة اللاحقة "يَبْلَعُ الْمَوْتَ إلى الأَبَدِ". فعلًا لقد "ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إلى غَلَبَةٍ" (انظر هو13: 14، 1كو15: 54) بالفداء.
كان أهم انتظار للبشرية هو في الخلاص من الموت، ولم يكن ذلك باستطاعة أي إنسان من البشر العاديين، بل استلزم الأمر أن يتجسد ابن الله الوحيد ويصير إنسانًا لكي يحمل خطايا البشرية ويتمم الفداء بالصليب.
تستطرد النبوة إلى ما بعد ابتلاع الموت فتقول إن الرب سوف يمسح الدموع من كل الوجوه، وينزع عار شعبه عن كل الأرض.
لقد عاشت البشرية في أحزان الموت.. تحت سلطانه وظلاله الكئيبة، مثلما نصلى في القداس الإلهي ونقول: [وفى آخر الأيام ظهرت لنا نحن الجلوس في الظلمة وظلال الموت].
كان الوضع يدعو بالفعل إلى البكاء على حال البشرية، وما آلت إليه بعد السقوط والخروج من الفردوس والدخول إلى حالة الموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس. وقد لحق بالبشرية عار عظيم لسبب الخطية والعداوة الحادثة بين الله والإنسان، وبين الإنسان وأخيه الإنسان، وحتى بين الروح والجسد في الإنسان.
لقد شمت إبليس في البشرية وصار يعيّرها.. وصارت عارًا في وسط الخليقة العاقلة.. لذلك تقول النبوة عن الله وعمله في الخلاص "وَيَنْزِعُ عَارَ شَعْبِهِ عَنْ كُلِّ الأَرْضِ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ".
لقد وعد الرب بالخلاص وأوفى وعده المقدس. وكما أن الوعد كان بكلام من الله تم تدوينه في الأسفار المقدسة، هكذا كان الخلاص بكلمة الله نفسه الذي تجسد وحقق العهد الخاص بالخلاص. وهناك فرق طبعًا بين كلام الله الذي أعلنه بواسطة أنبيائه القديسين وبين الله الكلمة ذاته كأقنوم إلهي، ولكن الجميل أن ما قاله الرب قد تحقق في ابنه الوحيد الذي هو الكلمة (اللوغوس).
وعن ذلك قال معلمنا بولس الرسول: "اللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابنهِ" (عب1: 1، 2).
وفى ختام هذه النبوة يتحدث عن تسابيح وأفراح الخلاص الذي انتظرته البشرية فيقول: "هُوَذَا هَذَا إِلَهُنَا. انْتَظَرْنَاهُ فَخَلَّصَنَا. هَذَا هُوَ الرَّبُّ انْتَظَرْنَاهُ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِخَلاَصِهِ" (إش25: 9).
لم يعد الله هو الخالق فقط، بل صار هو المعتنى بالخليقة وبخلاصها.. وهكذا يليق به لأنه هو إلهنا انتظرناه فخلصنا وصرنا نسبحه مع المرنم: "هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي صَنَعَهُ الرَّبُّ. فلنَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ فِيهِ. يَا رَبُّ خَلِّصْنا، يَا رَبُّ سهل سبلنا، مُبَارَكٌ الآتِي بِاسم الرَّبِّ" (مز117: 24-26).
تزدحم الإصحاحات الأخيرة من سفر إشعياء بأقوال عن الخلاص وعن المسيا المنتظر وبتسابيح البهجة الخلاصية. وسوف نورد مقتطفات منها متتالية، ثم نحاول ربطها ببعضها البعض كما يلي:
* "فَرَحًا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ، تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلَهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ. كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ، مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ، وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا" (إش61: 10).
* "مِنْ أَجْلِ صِهْيَوْنَ لاَ أَسْكُتُ وَمِنْ أَجْلِ أُورُشَلِيمَ لاَ أَهْدَأُ حَتَّى يَخْرُجَ بِرُّهَا كَضِيَاءٍ وَخَلاَصُهَا كَمِصْبَاحٍ يَتَّقِدُ. فَتَرَى الأُمَمُ بِرَّكِ وَكُلُّ الْمُلُوكِ مَجْدَكِ وَتُسَمَّيْنَ بِاسْمٍ جَدِيدٍ يُعَيِّنُهُ فَمُ الرَّبِّ. وَتَكُونِينَ إِكْلِيلَ جَمَالٍ بِيَدِ الرَّبِّ وَتَاجًا مَلَكِيًّا بِكَفِّ إِلَهِكِ" (إش62: 1-3).
* "وَكَفَرَحِ الْعَرِيسِ بِالْعَرُوسِ يَفْرَحُ بِكِ إِلَهُكِ" (إش62: 5).
* "اُعْبُرُوا اعْبُرُوا بِالأَبْوَابِ. هَيِّئُوا طَرِيقَ الشَّعْبِ. أَعِدُّوا أَعِدُّوا السَّبِيلَ. نَقُّوهُ مِنَ الْحِجَارَةِ. ارْفَعُوا الرَّايَةَ لِلشَّعْبِ. هُوَذَا الرَّبُّ قَدْ أَخْبَرَ إلى أَقْصَى الأَرْضِ قُولُوا لاِبْنَةِ صِهْيَوْنَ: هُوَذَا مُخَلِّصُكِ آتٍ. هَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَجِزَاؤُهُ أَمَامَهُ. وَيُسَمُّونَهُمْ شَعْبًا مُقَدَّسًا، مَفْدِيِّي الرَّبِّ" (إش62: 10-12).
* "مَنْ ذَا الآتِي مِنْ أَدُومَ بِثِيَابٍ حُمْرٍ مِنْ بُصْرَةَ؟ هَذَا الْبَهِيُّ بِمَلاَبِسِهِ. الْمُتَعَظِّمُ بِكَثْرَةِ قُوَّتِهِ؟
"أَنَا الْمُتَكَلِّمُ بِالْبِرِّ الْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ".
"مَا بَالُ لِبَاسِكَ مُحَمَّرٌ وَثِيَابُكَ كَدَائِسِ الْمِعْصَرَةِ؟"
"قَدْ دُسْتُ الْمِعْصَرَةَ وَحْدِي وَمِنَ الشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ.. فَنَظَرْتُ وَلَمْ يَكُنْ مُعِينٌ وَتَحَيَّرْتُ إِذْ لَمْ يَكُنْ عَاضِدٌ فَخَلَّصَتْ لِي ذِرَاعِي وَغَيْظِي عَضَدَنِي.. لَيْتَكَ تَشُقُّ السَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ! مِنْ حَضْرَتِكَ تَتَزَلْزَلُ الْجِبَالُ" (إش63: 1-3، 5، 64: 1).
لماذا يقول الرب إنه سوف يعطى "أورشليم" اسمًا جديدًا يعينه فم الرب، إلاّ لأنها سيصير اسمها "كنيسة المسيح" و"عروس المسيح"، وقد لمّح الرب بقوله: "مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ، وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا"، وأيضًا "كَفَرَحِ الْعَرِيسِ بِالْعَرُوسِ يَفْرَحُ بِكِ إِلَهُكِ". وهذه العبارات تشير إلى الكنيسة المفدية والمشتراة بدم السيد المسيح، لذلك يقول عن أولادها: "وَيُسَمُّونَهُمْ شَعْبًا مُقَدَّسًا، مَفْدِيِّي الرَّبِّ".
وقد ارتبط الخلاص في هذه الآيات بدم المسيح بصورة واضحة إذ يقول: "أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ"، "وَخَلاَصُهَا كَمِصْبَاحٍ يَتَّقِدُ"، "هُوَذَا مُخَلِّصُكِ آتٍ"، "مَنْ ذَا الآتِي مِنْ أَدُومَ بِثِيَابٍ حُمْرٍ؟"، "مَا بَالُ لِبَاسِكَ مُحَمَّرٌ وَثِيَابُكَ كَدَائِسِ الْمِعْصَرَةِ؟"، "قَدْ دُسْتُ الْمِعْصَرَةَ"، "أَنَا الْمُتَكَلِّمُ بِالْبِرِّ الْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ"، "خَلَّصَتْ لِي ذِرَاعِي وَغَيْظِي عَضَدَنِي".
والمقصود بعبارة: "غَيْظِي عَضَدَنِي" أن الرب على الصليب قد أعلن غضب الثالوث القدوس على الخطية. فهو لم يعلن فقط محبة الثالوث للبشرية، بل أعلن قداسة الله ورفضه للخطية.. ولهذا السبب أوفى الدين بذبيحة نفسه على الصليب حيث أخذ القاضي مكان المتهم وحمل خطايا كثيرين وشفع في المذنبين. وقد تقبّل الآب هذه الكفارة التي أصعدها الروح القدس الناري فوق الجلجثة كقول معلمنا بولس الرسول عن المسيح: "الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ بِلاَ عَيْبٍ" (عب9: 14).
وقد أشار يوحنا الرسول الإنجيلي في رؤياه إلى المعصرة التي اجتازها السيد المسيح، فقال عنه: "وَهُوَ يَدُوسُ مَعْصَرَةَ خَمْرِ سَخَطِ وَغَضَبِ اللهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَلَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَعَلَى فَخْذِهِ اسْمٌ مَكْتُوبٌ: مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ" (رؤ19: 15، 16). وقال عنه في نفس الموضع: "وَهُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ، وَيُدْعَى اسْمُهُ كَلِمَةَ اللهِ" (رؤ19: 13).
يدّعى البعض في أيامنا هذه أن السيد المسيح لم يتألم عنّا، ولم يُصلب عنّا، ولم يمُت عنّا. وذلك بدعوى أننا قد تألمنا معه وصُلبنا معه ومتنا معه. ويقولون إن التعبير الصحيح هو أنه تألم لأجلنا، وصُلب لأجلنا، ومات لأجلنا. ويعتبرون "لأجلنا" أنها لا تعنى "عوضًا عنّا" أو "بدلًا منّا".
ولكن السيد المسيح يحسم الأمر بفم إشعياء النبي ويقول: "قَدْ دُسْتُ الْمِعْصَرَةَ وَحْدِي وَمِنَ الشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ" (إش63: 3) أي أن السيد المسيح قد صُلب وحده. فهل يضع هؤلاء المعلمون الجدد حكمتهم فوق إعلانات الوحي المقدس؟! وبماذا يجيبون..؟
إن عبارة "مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ" (غل2: 20) قد فسّرها بولس الرسول بأن هذا قد تم في المعمودية وليس على الجلجثة، فقال: "أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ. فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ.. عَالِمِينَ هَذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ" (رو6: 3-6).
يخاطب الآب في سفر إشعياء الابن الوحيد المتجسد بقوله: "أَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ وَنُورًا لِلأُمَمِ. لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ" (إش42: 6، 7).
الجميل في هذا النص أن الآب السماوي يقول إن السيد المسيح لم يقطع فقط عهدًا مع الشعب المؤمن باسمه مثلما ورد في سفر إرميا (إر31: 31)، بل أنه هو نفسه "العهد".
والسبب في ذلك هو أن الابن الكلمة قد صار له جسدًا يمكن أن يتألم وأن يعلّق على الصليب، وأن يقبل الموت، وأن يقوم من الأموات، وأن يصعد إلى السماوات.
عبارة "أَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ" تحمل في طياتها كل هذه المعاني بداية من معنى "التجسُّد" الذي قال عنه السيد المسيح للآب في المزمور: "هَيَّأْتَ لِي جَسَدًا" (عب10: 5، انظر مز40: 6 حسب الترجمة السبعينية).
في القديم صنع الرب عهدًا مع شعب إسرائيل بيد موسى النبي ورش دم الذبائح الحيوانية، وحدث نقض لذلك العهد لسبب خطايا الشعب وزيغانهم.
وجاء السيد المسيح وقدّم نفسه ذبيحة خلاصية، وقال في ليلة آلامه لتلاميذه عن كأس دمه المقدس الذي يُسفك في جَلده وفي سائر آلامه حتى على الصليب: "هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ" (لو22: 20).
وبهذا أوضح السيد المسيح أن دمه المسفوك في آلامه والممنوح أيضًا في كأس الافخارستيا هو العهد الجديد. هو دمه الخاص، وما يُنسب إلى جسده وإلى دمه الخاص يُنسب إليه هو شخصيًا.
وبهذا صنع السيد المسيح العهد الجديد وقال لتلاميذه: "اصْنَعُوا هَذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي" (1كو11: 25).
فالسيد المسيح هو "الْعَهْدُ" لأن دمه هو "الْعَهْدُ"، وذلك لأنه "تجسّد وتأنّس وصُلب عنّا".
فما أجمل هذه الأنشودة الجديدة "أَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ وَنُورًا لِلأُمَمِ" التي تغنى بها الآب نفسه على فم إشعياء النبي.. هل هناك حب أعظم من هذا..؟! "لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابنهُ الْوَحِيدَ الجنس لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يو3: 16).
ولكن الملفت للنظر أن الرب يقول بفم إشعياء النبي: "وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ". أي أن السيد المسيح هو نفسه العهد الجديد.
هو العهد الجديد لأن دمه في كأس الافخارستيا وكذلك هو نفسه الذي سفك على الصليب، هو العهد الجديد.
وهو العهد الجديد لأنه لم يمكن لأية ذبيحة أن تكفّر عن خطايا العالم سوى ذبيحة المسيح.
وهو العهد الجديد لأنه لا يمكن أن يستمر العهد إلا بضمان إلهي فلا ينقض، وهل يمكن أن ينقض أحد المسيح نفسه؟! إذن "قَدْ صَارَ يَسُوعُ ضَامِنًا لِعَهْدٍ أَفْضَلَ" (عب7: 22) كقول معلمنا بولس الرسول.
إن الله "إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْظَمُ يُقْسِمُ بِهِ، أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ" (عب6: 13)، وإذ لم يجد أعظم يقدمه، قدّم ابنه الوحيد الجنس المتجسد.
بمعنى أن الله الابن قدّم ذاته فصار هو العهد الذي لا يمكن أن يُنقض.
لم يصر السيد المسيح فقط عهدًا للشعب، بل صار نورًا للأمم الجالسين في الظلمة.
"كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إلى الْعَالَمِ" (يو1: 9). وكما قال قداسة البابا شنودة الثالث -أطال الرب حياة قداسته: السيد المسيح هو النور الحقيقي الذي يستمد منه الجميع النور، لذلك قيل عنه إنه هو "النور الحقيقي" وليس مجرد "النور".
لم يفتح السيد المسيح فقط عيني المولود أعمى، بل فتح بصيرته عندما طرده اليهود من المجمع إذ وجده وقال له: "أَتُؤْمِنُ بِابن اللَّهِ؟ أَجَابَ: مَنْ هُوَ يَا سَيِّدُ لأُومِنَ بِهِ؟ فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: قَدْ رَأَيْتَهُ وَالَّذِي يَتَكَلَّمُ مَعَكَ هُوَ هُوَ. فَقَالَ: أُومِنُ يَا سَيِّدُ. وَسَجَدَ لَهُ" (يو9: 35-38) لقد انفتحت أعين قلبه وآمن بلاهوت السيد المسيح.
من كان يستطيع أن ينزل إلى الجحيم، ويحطم متاريسه، ويفك المأسورين سوى الله نفسه. وذلك من خلال تجسده وموته على الصليب وانطلاق روحه المتحد باللاهوت ليكرز للأرواح في السجن كقول نبوة إشعياء: "لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ" (إش42: 7).
بالفعل تكلّم القديس بطرس الرسول عن ذلك في رسالته الأولى وقال عن السيد المسيح: "مُمَاتًا فِي الْجَسَدِ وَلَكِنْ مُحْيىً فِي الرُّوحِ، الَّذِي فِيهِ أَيْضًا ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ" (1بط 3: 18، 19).
لقد بشَّرهم بإتمام الفداء وبالمصالحة وبأن انتظارهم للخلاص لم يذهب هباءً، بل حقق الرب وعده للآباء كما تنبأ زكريا الكاهن والد يوحنا المعمدان قائلًا: "مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ افْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ. وَأَقَامَ لَنَا قَرْنَ خَلاَصٍ فِي بَيْتِ دَاوُدَ فَتَاهُ. كَمَا تَكَلَّمَ بِفَمِ أَنْبِيَائِهِ الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ هُمْ مُنْذُ الدَّهْرِ. خَلاَصٍ مِنْ أَعْدَائِنَا وَمِنْ أَيْدِي جَمِيعِ مُبْغِضِينَا. لِيَصْنَعَ رَحْمَةً مَعَ آبَائِنَا وَيَذْكُرَ عَهْدَهُ الْمُقَدَّسَ. الْقَسَمَ الَّذِي حَلَفَ لإِبْرَاهِيمَ أَبِينَا: أَنْ يُعْطِيَنَا إِنَّنَا بِلاَ خَوْفٍ مُنْقَذِينَ مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِنَا" (لو1: 68-74).
"أَمِيلُوا آذَانَكُمْ وَهَلُمُّوا إِلَيَّ. اسْمَعُوا فَتَحْيَا أَنْفُسُكُمْ. وَأَقْطَعَ لَكُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا مَرَاحِمَ دَاوُدَ الصَّادِقَةَ. هُوَذَا قَدْ جَعَلْتُهُ شَارِعًا لِلشُّعُوبِ رَئِيسًا وَمُوصِيًا لِلشُّعُوبِ" (إش55: 3، 4)، من هو هذا داود الذي سوف تشمل مراحمه الشعوب ويقطع الله بناءً على مراحمه عهدًا أبديًا مع البشرية؟ وكيف سوف يصير داود هذا شارعًا ورئيسًا وموصيًا للشعوب؟!
من الواضح أن المقصود هنا ليس هو داود النبي والملك. ولكن المقصود هو السيد المسيح ابن داود الذي استقبلته الجموع في يوم دخوله إلى أورشليم بعبارة "مُبَارَكَةٌ مَمْلَكَةُ أَبِينَا دَاوُدَ الآتِيَةُ بِاسْمِ الرَّبِّ" (مر11: 10)، "أُوصَنَّا (هوشعنا أي خلصنا) فِي الأَعَالِي" (مت21: 9). و"مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّب" (لو13: 35).
إن إشعياء النبي قد نطق بهذه النبوة بعد رحيل داود بحوالي مائتيّ سنة، والنبوة تعطى وعدًا أن الرب سوف يقطع للبشر عهدًا أبديًا بقوله "اسْمَعُوا فَتَحْيَا أَنْفُسُكُمْ. وَأَقْطَعَ لَكُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا" (إش55: 3).
وهذا الوضع يشبه ما شرحه القديس بطرس الرسول في يوم الخمسين عن ما ورد على لسان داود النبي في المزمور من نبوات عن آلام وموت وقيامة السيد المسيح؛ مع أنه قالها بصيغة المتكلم كأنه يقول عن نفسه. وهذا نص كلام بطرس الرسول:
"لأَنَّ دَاوُدَ يَقُولُ فِيهِ: كُنْتُ أَرَى الرَّبَّ أَمَامِي فِي كُلِّ حِينٍ أَنَّهُ عَنْ يَمِينِي لِكَيْ لاَ أَتَزَعْزَعَ. لِذَلِكَ سُرَّ قَلْبِي وَتَهَلَّلَ لِسَانِي. حَتَّى جَسَدِي أَيْضًا سَيَسْكُنُ عَلَى رَجَاءٍ. لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَادًا. عَرَّفْتَنِي سُبُلَ الْحَيَاةِ وَسَتَمْلأُنِي سُرُورًا مَعَ وَجْهِكَ. أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ لَكُمْ جِهَارًا عَنْ رَئِيسِ الآبَاءِ دَاوُدَ إِنَّهُ مَاتَ وَدُفِنَ وَقَبْرُهُ عِنْدَنَا حَتَّى هَذَا الْيَوْمِ. فَإِذْ كَانَ نَبِيًّا وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ حَلَفَ لَهُ بِقَسَمٍ أَنَّهُ مِنْ ثَمَرَةِ صُلْبِهِ يُقِيمُ حَسَبَ الْجَسَدِ لِيَجْلِسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ. سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ أَنَّهُ لَمْ تُتْرَكْ نَفْسُهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ رَأَى جَسَدُهُ فَسَادًا. فَيَسُوعُ هَذَا أَقَامَهُ اللهُ وَنَحْنُ جَمِيعًا شُهُودٌ لِذَلِكَ" (أع2: 25- 32).
وقد استند القديس بطرس الرسول إلى موت داود ووجود قبره عند اليهود إلى يوم الخمسين الذي تكلم فيه بطرس الرسول، إلى أن المقصود بالكلام ليس داود النبي نفسه بل ابن داود وهو السيد المسيح.
ولا يفوتنا بهذه المناسبة أن نشير إلى ما ورد في هذا النص عن رؤية داود النبي لقيامة السيد المسيح وليس فقط الإلهام بشأنها في كلمات، إذ قال بطرس الرسول عن داود النبي: "سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ" (أع2: 31). ولم يكن داود فقط هو الذي رأى ذلك، بل أن السيد المسيح قد أشار إلى رؤية إبراهيم ليوم الفداء أي لصلب المسيح وقيامته إذ قال الرب يسوع لليهود: "أَبُوكُمْ إِبْرَاهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى يَوْمِي فَرَأَى وَفَرِحَ" (يو8: 56)، والمفهوم طبعًا أنه رأى ذلك عندما همّ بتقديم إسحق ابنه ذبيحة وافتداه الرب بخروف موثق بقرنيه.
لقد أكّد إرميا النبي أنه يوجد عهد قديم وعهد جديد بين الله وشعبه. وأن العهد القديم قد نقضه شعب إسرائيل، أما العهد الجديد فهو عهد لا ينقض وبذلك يكون عهدًا أبديًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. والسبب نحن نفهمه جيدًا لأن العهد الجديد هو دم السيد المسيح الذي سفك على الصليب والمستمر في كأس الافخارستيا كقول الرب لتلاميذه: "هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ" (لو22: 20؛ 1كو11: 25). بل أن الآب قد قال للابن بفم إشعياء النبي: "أَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ وَنُورًا لِلأُمَمِ. لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ" (إش42: 6، 7).
أي أن السيد المسيح هو نفسه العهد الجديد لكل من اليهود والأمم لأنه قد صنع هذا العهد بدم صليبه المحيى المانح للحياة الأبدية.
نفس هذا العهد قال عنه الرب في سفر إشعياء: "عَهْدُ سَلاَمِي لاَ يَتَزَعْزَعُ قَالَ رَاحِمُكِ الرَّبُّ" (إش54: 10).
أما ما ورد في سفر إرميا عن العهدين فهو كما يلي:
"هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ الرَّبُّ وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْدًا جَدِيدًا. لَيْسَ كَالْعَهْدِ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُهُمْ بِيَدِهِمْ لأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ حِينَ نَقَضُوا عَهْدِي فَرَفَضْتُهُمْ يَقُولُ الرَّبُّ. بَلْ هَذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَقْطَعُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. وَلاَ يُعَلِّمُونَ بَعْدُ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ قَائِلِينَ: اعْرِفُوا الرَّبَّ لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إلى كَبِيرِهِمْ يَقُولُ الرَّبُّ. لأَنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ وَلاَ أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ" (إر31: 31-34).
هذا الكلام قد قيل عن بيت إسرائيل وبيت يهوذا لأنهم نقضوا العهد القديم الذي كان بينهم وبين الرب. ولكن العهد الجديد هو لجميع المؤمنين بالمسيح من جميع الأمم وجميع الشعوب؛ لأن النبوة التي نحن بصددها في سفر إشعياء تستطرد وتقول: "هَا أُمَّةٌ لاَ تَعْرِفُهَا تَدْعُوهَا وَأُمَّةٌ لَمْ تَعْرِفْكَ تَرْكُضُ إِلَيْكَ مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ إِلَهِكَ وَقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ قَدْ مَجَّدَكَ" (إش55: 5).
"وَيَأْتِي الْفَادِي إلى صِهْيَوْنَ، وَإِلَى التَّائِبِينَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ فِي يَعْقُوبَ يَقُولُ الرَّبُّ. أَمَّا أَنَا فَهَذَا عَهْدِي مَعَهُمْ قَالَ الرَّبُّ: رُوحِي الَّذِي عَلَيْكَ وَكَلاَمِي الَّذِي وَضَعْتُهُ فِي فَمِكَ لاَ يَزُولُ مِنْ فَمِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِ نَسْلِكَ، قَالَ الرَّبُّ: مِنَ الآنَ وَإِلَى الأَبَدِ" (إش59: 20، 21).
يتكلم الآب في هذه النبوة موجهًا الكلام في البداية إلى شعبه بقوله: "َيَأْتِي الْفَادِي.. يَقُولُ الرَّبُّ"، ثم يتحول بالكلام إلى السيد المسيح نفسه الذي هو الفادي المقصود في عبارة "وَيَأْتِي الْفَادِي إلى صِهْيَوْنَ". فيقول الآب للابن في باقي النبوة: "أَمَّا أَنَا فَهَذَا عَهْدِي مَعَهُمْ.. رُوحِي الَّذِي عَلَيْكَ وَكَلاَمِي الَّذِي وَضَعْتُهُ فِي فَمِكَ لاَ يَزُولُ مِنْ فَمِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِكَ.. مِنَ الآنَ وَإِلَى الأَبَدِ".
وقد سبق في نفس سفر إشعياء أن قال الآب عن الابن: "هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ" (إش42: 1). ونلاحظ التشابه بين عبارة "رُوحِي الَّذِي عَلَيْكَ" في (إش59: 21) وعبارة "وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ" في (إش42: 1).
عبارة "رُوحِي الَّذِي عَلَيْكَ" تشير إلى مسح السيد المسيح بحسب ناسوته في نهر الأردن بالروح القدس عندما حل الروح عليه بهيئة جسمية مثل حمامة واستقر على رأسه.
وقد قَبِل السيد المسيح المسحة بالروح القدس كرأس للكنيسة لكي تنحدر المسحة من الرأس إلى الأعضاء، الأمر الذي تحقق في يوم الخمسين حينما حل الروح القدس على التلاميذ.
أما عبارة "مِنْ فَمِ نَسْلِكَ" فقد سبق أن أوضحنا أن النسل المقصود في الحديث عن السيد المسيح هو النسل الروحي الذي ينال الميلاد الفوقاني أي الميلاد من الله. مثلما أوضح القديس يوحنا الرسول عن المؤمنين بالمسيح "وأمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ" (يو1: 12).
لهذا قال معلمنا بولس الرسول: "لَيْسَ أَوْلاَدُ الْجَسَدِ هُمْ أَوْلاَدَ اللهِ، بَلْ أَوْلاَدُ الْمَوْعِدِ يُحْسَبُونَ نَسْلًا" (رو9: 6). أي أن النسل الروحي بالولادة من الله لأولاد الموعد هو بخلاف النسل الجسدي.
فلمَن يقول الآب في هذه الآية من نبوة إشعياء النبي: "كَلاَمِي الَّذِي وَضَعْتُهُ فِي فَمِكَ، لاَ يَزُولُ مِنْ فَمِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِكَ.. مِنَ الآنَ وَإِلَى الأَبَدِ"؟! لا يمكن أن ينطبق هذا الكلام على إشعياء النبي لأن من هو الذي سوف يبقى كلام الرب في فمه إلى الأبد؟! وأين هو نسل إنسان سوف يستمر كلام الرب في فم نسله إلى الأبد؟!
إن الوعد في هذه النبوة هو خاص بالعهد الجديد لذلك قال الرب: "أَمَّا أَنَا فَهَذَا عَهْدِي مَعَهُمْ". وأوضح الآب أن الوعد الذي يمنحه هو الوعد بحلول الروح القدس الذي سوف يقود التعليم في الكنيسة ويقود القديسين "مِنَ الآنَ وَإِلَى الأَبَدِ".
وقد أشار السيد المسيح بالفعل إلى هذا الموعد أو الوعد عندما أمر تلاميذه ألا يبرحوا أورشليم حتى يحل عليهم الروح القدس، إذ أوصاهم: "أَنْ لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ بَلْ يَنْتَظِرُوا مَوْعِدَ الآبِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي" (أع1: 4).
ما أجمل أن نسمع أن الوعد بالروح القدس للكنيسة المفدية هو من الآب للابن، يقول: "أَمَّا أَنَا فَهَذَا عَهْدِي مَعَهُمْ قَالَ الرَّبُّ: رُوحِي الَّذِي عَلَيْكَ وَكَلاَمِي الَّذِي وَضَعْتُهُ فِي فَمِكَ لاَ يَزُولُ مِنْ فَمِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِ نَسْلِكَ، قَالَ الرَّبُّ: مِنَ الآنَ وَإِلَى الأَبَدِ" (إش59: 20، 21).
لهذا قال السيد المسيح: "وَأَمَّا الْمُعَزِّي الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ" (يو14: 26). وقال أيضًا عنه: "مَتَى جَاءَ ذَاكَ رُوحُ الْحَقِّ فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إلى جَمِيعِ الْحَقِّ.. لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ" (يو16: 13، 14).
ولهذا فقد صارت الكنيسة في العصر الرسولي تكرز بالإنجيل وتسجل كلمات السيد المسيح في الأناجيل المكتوبة وبعض أسفار العهد الجديد، حتى العظة على الجبل بكاملها. بل أن إنجيل يوحنا قد أورد حوارات طويلة حدثت بين السيد المسيح واليهود تثبت ألوهيته، إلى جوار حديثه الطويل مع المرأة السامرية الذي لم يحضره أحد من التلاميذ.
إن وعد الآب قد تحقق ولا زال يتحقق بعمل الروح القدس في الكنيسة: في أسرارها السبعة، وفي شرح الأناجيل وأسفار العهد الجديد والعهد القديم من خلال أقوال الآباء القديسين، وخاصة ما قررته المجامع المسكونية الثلاث الأولى. إلى جوار ما عمله الروح القدس في شهادة القديسين الذين نالوا أكاليل الشهادة على الإيمان المستقيم. وما زال الروح القدس يعمل في الكنيسة حتى تحفظ الإيمان الأرثوذكسي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/isaiah/salvation.html
تقصير الرابط:
tak.la/6d5f9g4