إن كان التساهل يمكن أن يجر إنسانًا حكيمًا إلى هذا المستوى، فماذا يمكن أن يُقَال إذن عن الناس العاديين؟!
لذلك لا تتساهل مطلقًا، مهما بدت الخطية بسيطة.
مجرد قولك إنها خطية بسيطة، يقودك على التساهل
لا تَقُل هذا شيء بسيط، وهذا أمر تافه لا يزعج الضمير، وهذه ليست بخطية. وهذا التصرف لا يعثرني، ولن يترك أثرًا في. فكثيرون سقطوا لعدم التدقيق. والذي لا يحترس من الصغائر، يمكن أن يقع في الكبائر. وكل خطية هي تمرد على الله وانفصال عنه، ودنس وسقوط وضعف.
ولا تظن أن الخطية التي تهلك الإنسان هي مجرد الوقوع في كبائر، كالزنا والتجديف والقتل والسرقة... فقد قال الرب:
مَن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم (متى 5: 22).
"ومن قال لأخيه رقا يكون مستوجب المجمع"... كثيرون يتساهلون في الكلام بينما الكتاب يعتبر الكلام الخاطئ نجاسة. ويقول "ما يخرج من الفم ينجس الإنسان" (متى 15: 11). وعن الحرص من جهة اللسان، وعدم التساهل في أخطاء الكلام، يقول يعقوب الرسول "إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِيكُمْ يَظُنُّ أَنَّهُ دَيِّنٌ، وَهُوَ لَيْسَ يُلْجِمُ لِسَانَهُ، بَلْ يَخْدَعُ قَلْبَهُ، فَدِيَانَةُ هذَا بَاطِلَةٌ" (يع 1: 26).
إذن لا تحترس فقط من الزنا والسرقة والقتل. فربما كلمة واحدة تكون سبب دينونتك، لأن الكتاب يقول "بكلامك تتبرر، وبكلامك تُدَان" (متى 12: 37).
"كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس. سوف يعطون عنها حسابا يوم الدين" (مت 12: 36).
لم يفهم القديسون عبارة (الكلمة البطالة) على أنها الكلمة الشريرة مثل الكذب والشتيمة والتجديف والإدانة. وغنما فهموا الكلمة البطالة، على أنها كل كلمة ليست للمنفعة، ليست للبنيان، لا تبني نفس السامع، ولا تبني الملكوت... وهكذا صمتوا، وكانوا لا يتكلمون إلا بحساب، حينما يرون أن الكلام سيكون للبنيان.
ولا شك أن الذي لا يتساهل مطلقًا مع نفسه، في اللفظ بكلمة ليست للبنيان، لا يمكن طبعًا أن يتساهل مع نفسه في أن يلفظ بكلمة شريرة.
والذي لا يتساهل في كلمة، لن يتساهل في العمل.
والتدقيق الذي يتعوده، يشمل كل حياته وكل تصرفاته، عالما أن كل فعل يأتي إلى الدينونة مهما كان بسيطًا. مجرد نظرة نظرتها امرأة لوط إلى الوراء، حولتها إلى عمود ملح (تك 19: 26). وكذبة كذبها حنانيا وسفيرا جعلتهما يسقطان ميتين بلا توبة (أع 5: 1 - 10)
إذن لا تقسم الخطية إلى كبيرة وصغيرة، لكي تسمح لنفسك بالتساهل مع الصغيرة. وإنما كن دقيقا في كل شيء. واعلم أن التساهل مع الشيء الصغير يجعله يكبر. والسيد المسيح لم يمنع عن الزنا فقط، إنما عن النظرة المشتهية أيضًا... ولم يطلب منا فقط أن نحتمل من يسخرنا ميلا، بل دعانا إلى احتمال الميل الثاني أيضًا (متى 5: 28، 41).
الذي يتساهل في الخطوة الأولى، يقع في الثانية.
والذي يتساهل في الثانية، يقع في الثالثة... وهكذا إلى غير حد. والشيطان -كما قيل عنه- "فتال حبال"، يفتل حبالا لاصطيادنا وحباله طويلة، لا مانع أن يدبر حيلة في عشر سنوات، ليسقطك في خطية واحدة! فاحترس منه، ولا تتساهل معه أبدأ.
والشيطان قد يلومك إذا منت مدققًا في تصرفك ولم تتساهل.
وقد يصفك الشيطان بالتطرف أو الوسوسة وتعقيد الأمور.
فلا تسمع له، وكُن ثابتًا في روحياتك، لا تثيرك هذه الاتهامات. وكن مثل القديس ببنوده الأسقف، الذي لما رأت إحدى النساء تدقيقه الشديد، قال: إن هذا الشيخ موسوس! فأجابها القديس قائلًا "هل تعلمين يا امرأة كم سنة قضيتها في البرية لكي أقتنى هذا الوسواس؟ لقد قضيت خمسين سنة لأقتنيه أفضل...
واعرف أن الخطية هي كسر لوصية الله، وبعد عن محبته. لذلك فأنت في تساهلك:
لست تتساهل مع نفسك، إنما تتساهل في حقوق الله.
لا تتساهل مع نفسك في ارتكاب الخطية. إن أخطأت:
لا تتساهل في معاقبة نفسك خطيتها.
إن التساهل في تأديب النفس على سقطاتها، قد يؤدي إلى اللامبالاة، وعدم الخوف، والاستهانة بوصايا الله، والعودة إلى ارتكاب الخطية بسهولة، اعتمادًا على أن الله محب وغفور "لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا" (مز 103).
لا تُدَلِّل نفسك إذن، ولا تسامحها بسهولة.
واعلم أن الخطية التي لا تنال عقوبتها كما ينبغي، والتي لا تنسحق بسببها النفس وتذل، ما أسهل أن يرجع إليها الإنسان مرة أخرى... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ولا تقل إن هذه الخطية قد عملتها في الماضي، ومرت وانتهت، ونلت عليها حِلًّا ومغفرة! كلا، بل بكت نفسك باستمرار.
وتذكر أن داود النبي بلل فراشه بدموعه فترات طويلة، بعد أن سمع حكم المغفرة من الله على فم ناثان. لكنه على الرغم من هذه المغفرة، صارت دموعه له شرابا نهارًا وليلا. وصغرت نفسه في عينيه، وظل يبكتها زمانًا هو العمر كله، ويقول "خطيتي أمامي في كل حين" (مز 50).
فلتكن أنت كذلك. وافرض على خطاياك عقوبات شديدة...
وكُنْ حارًا في الروح (رو 12: 11). واعمل عمل الرب بكل نشاط وكل حرص، ولا تتساهل في ذلك فقد قيل:
ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة (أر 48: 10).
كن كالراعي الساهر على غنمه، الذي يحرس حراسات الليل، كل يقظة، لا يتساهل مع نفسه في أن يغفو لحظة...
كن حارًا في عبادتك (إن وجدت نفسك متعبًا، أو لا رغبة ذلك في الصلاة، فلا تتساهل مع نفسك وتنام بغير صلاة. لئلا بهذا التساهل تتعود نفسك الإهمال والتراخي. بل كما قال ماراسحق: إذا حوربت بأن تهمل صلاتك وتنام، لا تطاوع نفسك وإنما:
اغصِب نفسك على صلاة الليل، وزِدها مزامير.
كذلك كن حازمًا في صومك. لأنك إن تساهلت موعد الأكل، ستتأهل أيضًا في نوع الطعام وكميته، ثم تتساهل في ضبط نفسك، ويصحبك عدم الضبط هذا في كل تفاصيل حياتك الروحية.
كُن متيقظا إذن لخلاص نفسك، بكل حرص، ساهرا باستمرار، لئلا يأتي بغتة فيجدك نائمًا (مر13: 36).
لا تَنَمْ. وإن نمت، احترس من الصحو المتأخر.
فشمشون ظل متساهلا في روحياته، غافلا عن خلاص نفسه زمانًا. ومتى صحا؟ كان ذلك صحوا متأخرا، بعد أن فقد نذره، وفقد قوته، وسباه الأعداء...
ولوط كذلك. متى صحا...؟ متأخرًا جدًا بعد أن فقد كل شيء في حريق سدوم. وكثيرون سقطوا، لأنهم تساهلوا مع الغفلة الروحية، ولم يستيقظوا لأنفسهم إلا متأخرين، بعد أن كانت الخطية قد تمكنت منهم. فلا تكن كهؤلاء.
وكإنسان أمين حياتك، لا تتساهَل مع الخطية...
وماذا أيضًا؟ احترس من ثياب الحملان.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/w77v7jj