(حز 14: 6؛ مت 9: 13) أول التوبة تغيير في الفكر يصحبه أسف وندامة على عمل شيء ما كان يتمنى عامله عدم وقوعه ولكنه يمكن وقوع الندامة لسبب نتائج الخطية بدون قصد تركها كما جاء عن يهوذا أنه ندم على ما عمل (مت 27: 3) وكما ورد أيضًا في (عب 12: 17) أن عيسو لم يجد مكانًا للتوبة مع أنه طلبها بدموع وذلك بعد حادثة مباركة اسحق ليعقوب دونه (تك 27: 24-40) وأما التوبة للحياة فهي الحزن والندامة على ارتكاب الشر والابتعاد عن الخطية وبغضها وبذل الجهد في الاتكال التام على نعمة الله ومساعدة الروح القدس للابتعاد عنها والانقياد إلى مشيئة الله والخضوع لأوامره الطاهرة (مت 3: 8؛ أع 5: 31؛ 11: 18؛ 2 كو 7: 8-10؛ 2 تي 2: 25) وهذه التوبة التي تنال مغفرة الخطايا باستحقاق يسوع المسيح.
تُسْتَخْدَم جملة كلمات في العهدين القديم والجديد، تعبيرًا عن "التوبة".
تُسْتَخْدَم الكلمة العبرية נחם "ناحام" (Naham) وهي تتضمن معنى "يلهث، يتنهد، يحزن، يأسف"، وتترجم عادة في العربية بكلمة "ندم" أو "حزن" أو "تأسف" منسوبة إلى الله عندما يجرى قضاء كان مؤجلًا، أو يتحول عن إجراء قضاء انذر به، بعد أن تحقق الغرض منه، وهو التوبة والرجوع ألواح (انظر تك 6: 6، 7؛ خر 32: 14؛ قض 2: 18؛ 1 صم 15: 11؛ 2 صم 24: 16؛ 1 أخ 21: 15؛ ارميا 18: 8، 10؛ 26: 3، 13، 19؛ 42: 10؛ يوئيل 2: 13، 14؛ عاموس 7: 3، 6؛ يونان 3: 9؛ 10؛ 4: 2)، كما يؤكد الكتاب أيضًا أن الله لا يمكن أن "يندم" (عدد 23: 19؛ 1 صم 15: 29؛ مز 110: 4؛ ارميا 4: 28؛ حز 14: 14؛ هوشع 13: 14؛ ملاخي 3: 6) فهو "التي ليس عنده تعيير ولا ظل دوران" (يع 1: 17). ولكن قلما تُسْتَخْدَم كلمة "ناحام" منسوبة إلى الإنسان (انظر خر 13: 17؛ قض 21: 6، 15؛ 1 مل 8: 47؛ أي 42: 6؛ ارميا 8: 6؛ حز 14: 6؛ 18: 30).
(1) إليه الكلمة العبرية التي تستخدم كثيرًا في العهد القديم للتعبير عن توبة الإنسان فهي كلمة שוב "شوبه" (Shubh)، وتترجم عادة في العربية بكلمة "رجع" للدلالة على الرجوع أو التحول عن الخطية إلى الله، فهذا هو أسلوب العهد القديم في التعبير عن " التوبة " من نحو الله، عيني الرجوع للرب من كل القلب والنفس والقدرة (انظر 2 مل 17: 13؛ 23: 25؛ 2 أخ 6: 26؛ 7: 14؛ 15: 4؛ 30: 6؛ نح 1: 9؛ مز 78: 34؛ أش 19: 22؛ 60: 7؛ ارميا 3: 12، 14، 22؛ 18: 8؛ حزقيال 18: 11؛ 33: 11، 14؛ دانيال 9: 13؛ هو 14: 1، 2؛ يوئيل 2: 13؛ يونان 3: 10؛ زك 1: 3، 4؛ ملاخي 3: 7).
وعندما ينسب الندم إلى الله سواء فيما يتعلق بالقضاء أو بالرحمة، فان ذلك يرتبط بتغير في علاقته بالناس، فالله ثابت لا يتغير في ذاته وكمالاته وأغراض، لكن ما يتغير هو موقفه من الناس فيما يتعلق بأجراء القضاء على الخطبة من التمهل والأناه إلى الغضب، وفيما يتعلق بالرحمة من الغضب إلى الإحسان والبركة. ويعبر عادة عن ذلك في العهد القديم بالقول: "رجع الرب عن حمو غضبة" (انظر خر 32: 12؛ يشوع 7: 26؛ 2 أخ 12: 12؛ 24: 10؛ أش 12: 1؛ هوشع 14: 4؛ يونان 3: 9).
وفي بعض المواضع تذكر الكلمتان معا: "توبوا وارجعوا" (حز 14: 6؛ انظر أيضًا أش 21: 12؛ 55: 7).
هناك ثلاث كلمات في اليونانية للتعبير عن التوبة:
التوبة بمعني الحزن والندم: وهي كلمة "ميتاميلوماي" (Metamelomai) وتعني الإحساس بالحزن والندم عيني شبيهه بكلمة נחם "ناحام" العبرية، فهي تدل على جانب الانفعال العاطفي من التوبة، وقد يؤدي هذا الإحساس إلى توبة حقيقية أو إلى مجرد الندم (مت 21: 29، 32؛ 27: 3)، فيهوذا ندم بمعني حزن، لكنه لم يندم بمعني الرجوع عن الخطية. وهذا ما فعله حزن، لكنه لم يندم بمعني الرجوع عن الخطية. وهذا ما فعله أيضًا عيسو (عب 12: 17). ويستخدم الرسول بولس نفس الكلمة للتعبير عن موقفه من الكورنثوسيين (2 كو 7: 8).
(2) التوبة بمعني تغيير الفكر: وهي كلمة "ميتانو" (Metanoeo) وهي تعبر تعبيرًا قويًا عن التغيير الروحي الذي يحدث برجوع الخاطئ إلى الله، فالكلمة تعني: الحصول على "فِكْر جديد" أي "تغيير الفكر أو الهدف من نحو الخطية"؛ ومنها أتت كلمة "ميطانية" metanoia التي نستخدمها في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. عيني تقابل الكلمة العبرية שוב "شوبة" أي "الرجوع"، قد استخدمها بهذا المعني يوحنا المعمدان والرسل (مت 3: 2؛ مرقس 1: 15؛ أع 2: 38)، وهي وثيقة الصلة في الحياة المسيحية بالإيمان، فهو العامل فيها (أع 20: 21)، كما إنما ترتبط بالتجديد (أع 3: 19) وبالاختبارات والبركات الروحية التي لا يمنحها آكلتها الله وحده، مثل مغفرة الخطايا (لو 24: 47؛ أع 5: 31). وتضاف "المعمودية" أحيانًا إلى "التوبة" على أساس أن المعمودية هي شهادة علنية صريحة على تغيير العلاقة مع الخطية ومع الله (مرقس 1: 4؛ لو 3: 3؛ أع 13: 24؛ 19: 4) والتوبة كاختبار حيوي، لا بُد أن تظهر في الثمار الصالحة التي تليق بالحياة الروحية الجديدة (مت 3: 8).
التوبة بمعنى الرجوع: والكلمة اليونانية المستخدمة هي "ابستريفو" (Epistrepho) وهي كثيرا ما تستخدم في سفر الأعمال لأبراز الجانب إيجابى من التغيير الذي تتضمنه "التوبة" في العهد الجديد، أي للدلالة على الرجوع إلى الله، ذلك الرجوع الذي يعني في جانبه السلبي التحول عن الخطية. والمفهومان متكاملان متلازمان لا ينفصمان، فالكلمة تستخدم للدلالة على الرجوع من الخطية إلى الله (أع 9: 35؛ 1 تس 1: 9) عيني تأتي لفكرة الإيمان (أع 11: 21)، وتوكيد للتغير كما يعنيه العهد الجديد (أع 26: 20).
وثمة صعوبة بالغة فبالإضافة التعبير عن المعنى الحقيقي لتغيير الفكر بالنسبة للخطبة في الكثير من الترجمات. ففي الترجمة اللاتينية، ترجمت كلمة "التوبة" بكلمتيّ "بونيتنيتام اأجير" (Poenitentiam Agere) التأكد تعني الأسى والحزن "وتعذيب الذات" أكثر مما تعني تغيير الفكر أو الهدف، مما أدى إلى المفهوم الخاطئ للتوبة في الكنيسة اللاتينية، باعتبارها الحزن على الخطبة اكثر منها تغيير الفكر وترك الخطية كالمفهوم الأساسي لها فبالإضافة العهد الجديد. وكل تحريضات الأناجيل في العهد القديم. وكذلك أقوال الرب يسوع وأقوال الرسل، تؤكد أن تغيير الفكر هو المفهوم الأساسي لجميع الكلمات الأصلي المستخدمة للدلالة على التوبة. إليه الحزن المصاحب لها فهو نابع عن طبيعة التغيير نفسه.
(1) العنصر العقلي: فالتوبة هي تعيير فكر الخاطئ مما يدفعه إلى الرجوع عن طرقة الردية وحياته الشريرة، فالتغيير الملازم للتوبة هو تغيير جذري عميق، لدرجة يؤثر معها في كل الطبيعة الروحية، ويمتد إلى جميع جوانب الشخصية، فالعقل يجب أن يوجه، والعاطفة تتحرك، والإرادة تعمل. فعلم النفس (السيكولوجي) يرى أن التوبة لا بُد أن تكون عميقة وشخصية وشاملة. والعنصر العقلي يقوم على أساس أن الإنسان كائن عاقل، والله يريدنا أن نخدمه خدمة عاقلة. فيجب على الإنسان أن يدرك أن الخطية شنيعة شناعة مطلقة، وان ناموس الله كامل لا رحمة فيه، وان الإنسان خاطئ أعوزه مجد الله القدوس (أي 42: 5، 6؛ مز 51: 3؛ رو 3: 20).
(2) العنصر العاطفي: قد يكون هناك إدراك للخطية دون التخلي عنها كشيء شنيع بغيض، فيه أهانه لله وخراب للإنسان. وتغيير النظرة قد لا يؤدي إلا إلى الخوف من العقاب، وليس إلى بغضه الخطية تركها (خر 9: 27؛ عد 22: 34؛ يش 7: 20؛ 1 صم 15: 24؛ مت 27: 4)، فالتوبة لا بُد أن تشمل عنصرًا عاطفيًا. وان كان الشعور ليس مرادفًا للتوبة، آكلتها انه قد يكون الحافز القوي للتحول الصادق عن الخطية، فالتائب لا يمكن أن يكون بطبيعة الحال متبلد الإحساس غير مبال بشيء، إذ يجب أن يحدث تغيير فبالإضافة الموقف العاطفي، إذا كانت التوبة نار التنور التوبة كما يعنيها العهد الجديد، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. وهناك نوع من الحزن يؤدي إلى التوبة، ونوع آخر ليس فيه آكلتها الندم والحسرة. فهناك حزن من عمل الهي، وحزن بحسب العالم، والحزن الأول يؤدي إلى الحياة، بينما يؤدى النوع الثاني من الحزن إلى الموت (مت 27: 3؛ لو 23؛ 2 كو 7: 9، 10). فلا بُد أن يكون هناك إدراك للخطبة في تأثيرها على الإنسان، وفي علاقتها بالله، قبل أن يكون هناك تحول قلبي عن الخطية والشعور الملازم للتوبة يتضمن التبكيت على الخطية الشخصية والالتجاء المخلص الصادق إلى الله طلبًا للصفح والغفران على أساس رحمته (مز 51: 1، 2، 10-14).
(3)العنصر الإرادي: أن أهم عناصر التوبة من الناحية السيكولوجية، هو العنصر الإرادي أو الاختياري، وهو ما يعبر عنه في العهد القديم بكلمة " يرجع "، وفي العهد الجديد بـ"التوبة" أو "الرجوع"، فالكلمات الأصلي سواء فبالإضافة العبرية أو اليونانية، تركز بشدة على الإرادة وتغيير الفكر أو تغيير الهدف، لان الرجوع الكامل الصادق إلى الله، يتضمن إدراك طبيعة الخطية، والوعي القوي بالمذنوبية الشخصية (ارميا 25: 5؛ مرقس 1: 15؛ أعمال 2: 38؛ 2 كو 7: 9، 10). والتوبة تستلزم الإرادة الحرة والمسئولية الشخصية. ولا شك في أن الناس جميعًا مطالبون بالتوبة، كما انه من الجلي الواضح أن الله يأخذ دائمًا المبادرة في التوبة وحل المشكلة يرتبط بالدائرة الروحية، فالظواهر الطبيعية لها أصولها في العلاقات السرية بين الإنسان والله، ولا يمكن أن يكون ثمة بديل خارجي للتغيير الداخلي، فيجب عدم الخلط بين لبس المسوح وندم النفس، وبين العزم القاطع على ترك الخطية والرجوع إلى الله، فما يطلبه الله في كلا العهدين بالضرورة ليس هو التضحية المادية، بل التغيير الروحي (مز 51: 17؛ أش 1: 11؛ ارميا 6: 20؛ هوشع 6: 6).
والتوبة شرط للخلاص، ولكنها ليست أساس استحقاقه. والدوافع إلى الخلاص هي أساسًا في صلاح الله، ومحبة الله، ورغبته الشديدة في خلاص الناس من النتائج المحتومة للخطية، وفي دعوة الإنجيل الشاملة، وفي رجاء الحياة الروحية، والدخول إلى ملكوت السموات (حز 33: 1؛ مرقس 1: 15؛ لو 13: 1-5؛ يو 3: 16؛ أع 17: 30؛ رو 2: 4). والتطوبيات الأربع الأولى في الأشياء الخامس من إنجيل متى (مت 5: 3-6). هي سلم سماوية تعبر عليها النفس التائبة من سلطان الظلمة إلى ملكوت الله، فالوعي بالفقر الروحي الذي يهبط بالكبرياء عن عرشها، وإدراك الإنسان لعدم استحقاقه، مما يدفعه إلى الحزن، والاستعداد العميق للخضوع لله في أتضاع صادق، والرغبة العميقة التي تدفع إلى الجوع والعطش للبر. كل هذه هي بعض اختبارات الشخص التي يهجر الخطية تماما ويرجع بكل قلبه إلى الله الذي يمنح التوبة للحياة.
* انظر أيضًا: كتاب حياة التوبة والنقاوة (من مكتبة كتب الأنبا شنودة الثالث)، الدليل الكتابي لسر التوبة والاعتراف (من كتاب الدليل الكتابي للإيمان الأرثوذكسي ج1).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/p4hx3z9