هكذا قال الرسول العظيم معلمًا:
"هوذا لطف الله وصرامته،
أما الصرامة فعلى الذين سقطوا،
وأما اللطف فلك، إن ثبت في اللطف،
وإلا، فأنت أيضًا سَتُقْطَع..."
(رو 11:22).
لا يَصِح إذن أن نعتمد على لطف الله، وننسى صرامته...
ولا يصح أن نعتمد على رحمة الله، وننسى عدله.
إن صفات الله لا تنفصل عن بعضها البعض، بحيث تقف واحدة منها مستقلة عن الأخرى، إنما نذكرها أحيانًا منفردة، من جهة التفاصيل وليس من جهة الفصل، لكي يفهمها الناس. ولكنها متحدة لاهوتيًا...
الله عادل في رحمته، ورحيم في عدله. عدله رحيم، ورحمته عادلة. عدله مملوء رحمة، ورحمته مملوءة عدلًا. ولا يمكن أن نفصل رحمته عن عدله...
هذه الوحدة القائمة بين الرحمة والعدل هي أساس عمل الفداء.
لو كانت رحمة الله قائمه بذاتها -بدون العدل- لكان يكفي برحمته أن يقول للبشر "مغفورة لكم خطاياكم"، وينتهي الأمر، بدون صلب...
لكنه بالرحمة غفر الخطية، وبالعدل دفع ثمن الخطية...
ولأن الله عادل، وتجسد ومات عنا، ليدفع ثمن خطيئتنا...
العدل لابد أن يستوفي حقوقه، حتى لو أدى الأمر أن يأخذ الله جسدًا، ويصير في الهيئة كإنسان، ويأخذ شكل العبد، ويهان ويصلب ويتعذب ويموت...
إن كان هكذا عدل الله، فأين نهرب من عدله؟
يمكن أن تشبه معاملة الله لك أحيانًا بالمرآة: فكما أنك تنظر إلى المرآة في وقت ما فترى وجهًا بشوشًا فرحًا، وتنظر إليها في وقت آخر فترى وجهًا حزينًا عابسًا، مع أن المرآة واحدة... هكذا -كالمرآة- يريك الله حالتك... تنظر إلى وجه الله، فترى حالتك من الداخل. إن كنت تائبًا، ترى الله في لطفه. وإن كنت مستهترًا، ترى الله في صرامته.
لطف الله وصرامته يمثلها الملاك الذي ظهر للمريمتين عند القبر...
هذا الملاك كان مخيفًا ومفرحًا... كان مخيفًا للحراس لدرجة أن الكتاب المقدس يقول عنه "فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات" (مت 28: 4). ونفس هذا الملاك كان سبب فرح للمرأتين ومصدرًا لبشري مفرحة... هكذا الله مخيف للبعض ومفرح للبعض الآخر.
ولطف الله وصرامته يظهران عمومًا في عمل الملائكة:
كلنا نتكلم عن ملائكة الرحمة. فهل ننسى أنهم أيضًا ملائكة للعقوبة والإهلاك؟
نحن نعلم أن ملاكًا أيقظ إيليا النبي وهو جوعان، وأعطاه طعامًا ليأكل. ومشي إيليا بقوة تلك الأكلة التي أخذها من الملاك أربعين يومًا (1مل 19: 6-8). ونعلم أن ملاكًا أرسله الله إلى هاجر عندما أشرف ابنها على الموت عطشًا، ففتح عينيها فأبصرت بئر ماء، وشرب ولدها وعاش (تك 21: 15-19).
ونعلم أن ملاكًا نزل إلى الجُب، وسد أفواه الأسود فلم تضر دانيال (دا 6: 22).
كذلك ذهب ملاك إلى السجن، وأخرج بطرس منه بعد أن فك السلسلتين من يديه (أع 12: 7-10).
ويعوزنا الوقت أن نشرح عمل الملائكة الحالة حول المؤمنين وتنجيهم، والملائكة المبشرة بالخيرات، والملائكة التي هي "أرواح خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 1: 4). غير أن طبيعة الملائكة الرحيمة لم تمنع أن تكون الملائكة أيضًا للضرب والعقوبة والهلاك.
وسنضرب الآن أمثلة لملائكة أرسلهم الله للإهلاك والعقوبة:
من أمثلتهم الملاك المُهْلِك الذي ضرب كل أبكار المصريين، فماتوا جميعهم في ليلة واحدة "من بكر فرعون الجالس على كرسيه إلى بكر الأسير الذي في السجن وكان صراخ عظيم في مصر، لأنه لم يكن بيت ليس فيه ميت" (خر 12: 29، 30).
كذلك الملاك الذي رفع سيفه على أورشليم عندما اخطأ داود النبي وعد الشعب. ومات في ذلك اليوم سبعون ألف رجل (1 أي 21: 14). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى).
ومن أمثلة ملائكة الإهلاك الملائكة السبعة أصحاب الأبواق الذين ورد ذكرهم في سفر الرؤيا، وذكر ضرباتهم المخيفة (رؤ 8: 9).
ولا ننسى أو أول ذكر للملائكة في الكتاب المقدس كان مرعبًا، إذ طرد الله الإنسان من جنة عدن، وأرسل الكاروبيم بسيف من نار لحراسة طريق شجرة الحياة حتى لا يأكل منها الإنسان (تك 3: 24).
ولعل اللطف والصرامة يتجليان في وقت واحد في الملاكين المُرْسَلين إلى لوط، أنقذاه وفي نفس الوقت ضربا الناس الأشرار بالعمى (تك 19: 10، 11). كما يتجليان معًا في قصة إليشع النبي مع نعمان السرياني، إذ شفي نعمان من برصه، وجعل البرص الذي كان عند نعمان يلصق بجيحزي "فخرج من أمامه أبرص كالثلج" (2مل 5: 14- 27).
إن كان الله هكذا في لطفه وصرامته، وهكذا أيضًا ملائكته وأنبياؤه، فلنخف نحن أيضًا لئلا نتعرض لصرامة الله بسبب خطايانا...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/jdp3qvz