إن اللَّه هو الوحيد الخالق. أمَّا كل ما وصل إليه الإنسان من اختراعات عجيبة، فما هو إلاَّ نوع من الصُّنع. فالصَّانع يصنع أشياء من مواد موجودة. أمَّا الخالق فإنه يخلق من العدم. أي أنه يُنشئ شيئًا من لا شيء. واللَّه جلَّت قدرته خلق كل شيء من لا شيء.
في الأزل كان اللَّه وحده. ومن تواضع اللَّه، ومن كرمه وجُوده خلق كائنات أخرى متنوعة في هذا الكون كله: خلق كائنات مادية ليس لها حياة ولا فهم. وخلق كائنات روحية تمامًا هي الملائكة. وخلق الإنسان خليطًا فيه المادة التي هي الجسد وفيه أيضًا الروح وفيه العقل... لم يكن اللَّه محتاجًا إلى هذه الخليقة، بل هي المحتاجة إليه. لم يخلق الإنسان لكي يُمجِّده. فهو من قَبل الإنسان كان ممجدًا من ملائكته. ومن قَبل الملائكة كان مُمجَّدًا بطبيعته الإلهية القادرة على كل شيء. واللَّه قبل أن يخلق الإنسان، خلق له كل ما يحتاج إليه لقيام حياته.
وخلائق اللَّه متنوِّعة: فيها الجماد الذي لا حياة له، وفيها الحيوان الذي له نفس تنتهي بموته، وفيها الملائكة الدائمة الحياة، والإنسان الذي له حياة أخرى بعد موته. ومن عظمة اللَّه العدد الهائل من مخلوقاته التي تصل إلى ملايين الملايين، التي تتكرَّر في كل جيل أو كل عام. وبعضها لا يُحصى مثل رمل البحر، وما تحويه السماء من كواكب ومجرَّات. ومن مخلوقاته الأشياء الظاهرة التي نعرفها، والخفي الذي لم نعرفه بعد، سواء في باطن الأرض أو داخل الجبال أو في أعماق البحار، وما تظهره لنا البراكين، وأعمال التنقيب والحفر. وتوجد معاهد لعلوم البحار وأخرى لعلوم الفضاء. ومعاهد للجيولوجيا وأخرى للفَلك. ونحن باستمرار تزيد معلوماتنا عن ذلك الجانب الخفي من خلق اللَّه.
وإلهنا الحكيم في خلقه وضع نظامًا عجيبًا يربط خليقته بعضها البعض. وهناك نظام للأجواء يشمل الحر والبرد والعلاقة بين الرياح والأمطار وباقي الهواء، وتوالي الليل والنهار، والظلمة والنور، والرطوبة والجفاف... كل ذلك بدقة عجيبة بحيث يمكن استنتاج ما يمكن أن يحدث بعد حين. خلق اللَّه النور للعمل، والظلمة للراحة... إنه عالم مُنسَّق ومنُظَّم. وهناك نظام لدورة الأرض حول نفسها أمام الشمس طول الأربعة والعشرين ساعة لا يختل على مدى الدهور الطويلة، وينتج عن ذلك الليل والنهار. ودوران القمر حول الأرض مرة كل شهر ينتج عنه أوجه القمر من هلال وتربيع وبدر وأحدب ومُحاق... كل هذا في نظام ثابت تدل على قوانين فلكية حتى أن بعض الفلاسفة القُدامى كانوا يُسمُّون اللَّه بالمهندس الأعظم.
نضيف إلى ذلك ما وضعه اللَّه من نظام وتناسق في جسد الإنسان سواء في علم وظائف الأعضاء، أو في المُخ وتركيبه وعمله، وما يصدره من أوامر لباقي أعضاء الجسد وما فيه من مراكز الحركة والبصر والسمع والذاكرة لغير ذلك. كذلك عمل القلب والجهاز الدوري وما يتعلَّق بذلك من ضغط الدم، وفصائل الدم التي تتغيَّر من إنسان إلى آخر... وباقي الأعصاب وعملها... والأجهزة الأخرى في جسم الإنسان مثل الجهاز الهضمي، والجهاز التناسلي، وقوانين الوراثة كل ذلك عجب في عجب... صدقوني حتى مُجرَّد الأسنان، هذه العظام الصغيرة التي ليست في حجم العمود الفقري وباقي العظام! لأن كل كل سِنَّة أو ضِرس منه هي عالم عجيب تربطه أعصاب ودم، وعمل متناسق لا يمكن إطلاقًا أن تماثله أسنان صناعية.
بل إن عجب اللَّه في كل خلقه، يظهر عميقًا جدًا في بصمات الإنسان: فكل إنسان خلقه اللَّه له بصمات خاصة به تختلف عن بصمات أي إنسان آخر. وهنا نقف في ذهول أمام ملايين ومئات وآلاف الملايين من البصمات التي لا تتشابه!! بحيث لا يستطيع أي مهندس أو رسَّام مهما كانت براعته أن يرسم بصمات مثلها... وما نقوله عن بصمات الأصابع نضم إليه أيضًا بصمات الصوت المتنوعة. بحيث يُكلِّمك أي شخص في التليفون مثلًا، فتستطيع أن تُميِّز صوته وتتعرَّف عليه. كما نستطيع أن نضيف إلى كل هذا ما خلقه اللَّه من ملامح عديدة لرجال ونساء لملايين البشر.
نرى أيضًا قوة الخالق العظيم في عالم الأرواح: سواء قدرته في خلق الملائكة الأطهار الذين قِيل عنهم أنهم ملائكة من نور الذين ينتقلون من السماء إلى الأرض في لمح البصر. والذين لهم قوة عجيبة في الإنقاذ، وصُنع المعجزات. والذين لهم مثالية عديدة في الطهارة والنقاوة...
ويمكن أن ننزل في مستوى الأرواح، إلى عظمة اللَّه في خلق روح الإنسان، وصِلة هذه الروح الإنسانية بالجسد، وصلتها أيضًا بالعقل، وبالضمير، وبالحياة والموت، هذه الروح الخالدة العاقلة الناطقة، ومصيرها بعد الموت، وعودة الروح مرَّة أخرى إلى الجسد في القيامة العامة، وما يحيط بكل ذلك بأسرار. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وما أكثر ما فكَّر علماء الأرواح وأحاطوا كل علمهم بعبارة لا أعرف!.. يكفي إننا كُلَّما نتطرَّق إلى عالم الروح أن نذكر قدرة اللَّه الخالق العظيم.
ولماذا نتكلَّم عن المستويات العُليا؟ فلنهبط إلى مستوى المخلوقات البسيطة كالحشرات فلنتحدَّث مثلًا: فما أعظم قوة اللَّه في خلق النحلة مثلًا كالتي تنتج رحيقها من الأزهار وتحوله بدقة عجيبة إلى عسل، وأكثر من هذا إلى غذاء الملكات، فنعرف كم وهبها اللَّه كي يهبها لنا.
كذلك النملة في نشاطها العجيب الذي أصبح مثلًا للبشر... كل ذلك يرينا عظمة اللَّه في خلقه سواء في السماء العالية أو في الحشرات البسيطة، في الجبل العالي، وفي الوادي المنخفض، في الأسد القوي الشجاع، وفي الأرنب الضعيف الخائف.
ونحن إذا تأمَّلنا في قوة اللَّه الخالق إنما نصل إلى قوة اللَّه غير المحدودة وإلى قدرته التي تشمل كل ما يحيط بنا، وإلى حكمته، وحنوه على الكل. وفي كل ذلك نشكره على ما أعطانا إيَّاه من عقل. ولا يتملكنا الغرور كبشر في كل ما ننتجه كبشر، إنما هو بسبب العقل الذي خلقه اللَّه لنا، تبارك اسمه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/b57typv