إنَّ اللَّه -جلَّ جلاله- له صفات إلهية خاصة يتميَّز بها عن البشر. ومن صفاته هذه أنه قوي. ولكن قوة اللَّه قوة غير محدودة أمَّا البشر الأقوياء، فقوتهم في أمور محدودة لا يتعدونها. كما أن كل قوة بشرية هي هبة من اللَّه مانح القوة. لذلك قدرة البشر محدودة أمَّا اللَّه فإنه قادر على كل شيء وهذه الصفة خاصة به وحده منذ الأزل.
وقد ظهرت قوة اللَّه أولًا في الخلق وقد تحدثنا عن هذا الأمر في المقال الماضي. والخلق من صفات اللَّه وحده أي الإيجاد من العدم. أمَّا أبسط ما يصل إليه الإنسان فهو أن يكون صانعًا ومكتشفًا أي يستطيع أن يكتشف طبيعة الأشياء وخواصها كما خلقها اللَّه. ثم يصنع من تلك الأشياء ما يستطيعه عقله الذي خلقه له اللَّه. أمَّا الخلق فهو من قدرة اللَّه العجيبة وبخاصة من جهة عدد خليقته وأنواعها، ما يُرى وما لا يُرى سواء من جماد أو خليقة عاقلة، أو ناطقة، مادية أو روحية.
وفي مجال الخلق هناك سؤال هام وهو: ماذا نقول عن الشيطان: هل خلق اللَّه الشيطان بكل ما فيه من شر ومحاولات لإسقاط الآخرين؟ والجواب هو أن اللَّه حينما خلقه، لم يخلقه هكذا إنما خلقه ملاكًا. ثم هذا الملاك سقط وصارت طبيعته فاسدة بإرادته، فتحوَّل إلى شيطان.
من جهة القدرة على كل شيء، نقول إن اللَّه لا مُنافس له في قدرته... بعض الشعوب البدائية كانت تؤمن بوجود إلهين: إله للخير، وإله للشر. ونحن لا نؤمن إطلاقًا بوجود إله للشر. وليس الشيطان إلهًا للشر، وليس هو منافسًا للَّه. واللَّه في قوته التي لا تُحد، مُمكن أن يتدخل متى شاء ويُوقف عمل الشيطان ولا يسمح اللَّه بكل ما يريد. فما أكثر معجزات اللَّه في إخراج الشياطين من المصروعين بها.
والبلاد التي كانت تؤمن قديمًا بتعدُّد الآلهة. فهناك إله للحرب، وإله للحب، وإلهة للجمال، وآلهة من النار... كل تلك كانت خرافات لأنه لا يوجد إلاَّ إله واحد. وبعض صفات هذا الإله الواحد تصورتها تلك الشعوب آلهة... والشيطان ليس إلهًا للشر وإن كانت قد تبدو له قوة الآن، إلاَّ أن اللَّه سيلقيه في النهاية إلى عذاب جهنم.
تظهر قوة اللَّه أيضًا فيما يصنعه من عجائب ومعجزات لا نستطيع إحصاءها، سواء مِمَّا حدث في القديم وكتب لنا بالوحي الإلهي، سواء من شفاء للأمراض المستعصية، أو إنقاذ من أخطار بواسطة إرسال ملائكته القديسين، أو من رؤى أعلن بها اللَّه بعض مشيئته، أو من مواهب منحها لبعض أبراره وقديسيه، أو من أحلام مقدسة يكشف بها أسرارًا مُعيَّنة.
ومن تواضع اللَّه في قدرته، إنه منح القدرة لبعض مخلوقات. سواء في ذلك القدرات التي منحها للملائكة والبشر... فقد منح قدرات عجيبة للملائكة، بحيث يمكنهم أن ينتقلوا من السماء إلى الأرض في لمح البصر، وأن يقوموا بأعمال معجزية يكلفهم بها. كذلك القدرات التي وهبها اللَّه للعقل البشري فاستطاع العلماء أن يبتكروا ويصنعوا أشياء كانت من قبل تفوق الخيال. ومن كثرتها تبدو الآن طبيعية: مثل الكمبيوتر والفاكس وMobile phone، والطائرات، واستخدام الذرَّة والليزر، وما يُستخدم في مجال الطب والصناعة وعلوم الفضاء والبحار وما إلى ذلك. وأيضًا منح بعض قديسيه أن يصنعوا المعجزات باسمه وبقوته.
هذه القوة الممنوحة لبعض البشر ليست قوة ذاتية لهم، بل هي قوة اللَّه العاملة فيهم بنعمة اللَّه العاملة فيهم، بالإيمان الذي يصبح به كل شيء مستطاعًا بقوة اللَّه العاملة في المؤمن.
قوة اللَّه في محبته لخليقته، وفي رعايته لهم: أنه لم يخلقنا ويتركنا. بل أنه يتولَّى أمر العناية بنا في كل شيء. مازال يرسل لنا النور لكي نؤدِّي به أعمالنا ويسمح لنا أيضًا بالظلمة لكي نستريح. ويُعطي طعامًا لكل أحد، ويشبع كل أحد من رضاه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). يعتني بالبشر، يعتني بالدودة التي تدب تحت حجر. هو عون لِمَن لا عون له، ورجاء لِمَن ليس له رجاء. وما أكثر حالات الإنقاذ التي ينقذنا بها. وكل إنسان يفرح لأنه في حماية إله قوي يقدر أن ينقذه من الضيق. وكل الأبواب المغلقة أمامه، يؤمن أن اللَّه قادر أن يفتحها له.
إنَّ اللَّه قوي أيضًا في احتماله. فقد احتمل عَبَدَة الأصنام مدة طويلة. واحتمل الذين آمنوا بتعدُّد الآلهة، وبعبادة الأرواح، وعبادة ملوكهم، واحتمل المُلحدين. واحتمل أيضًا الذين سلكوا في كل أنواع الشر والفساد واللهو والمجون وكاسري وصاياه بكل نوع، والمُجدِّفين عليه. وكان يستطيع إفناءهم ولكنه لم يفعل... احتمل كل هؤلاء الخطاة من الملايين على مدى أزمنة طويلة. فما أعجب قوته على الاحتمال. إنها قوة غير محدودة.
لم يكن اللَّه فقط قويًا في احتماله، بل بالأكثر كان قويًا في مغفرته. وأعطانا بهذه المغفرة وهو التوبة - ومع التوبة أعطانا نعمة لكي نتوب وقوة تساعدنا على التخلص من خطايانا القديمة. وأعطانا شرطًا آخر للمغفرة، وهو أن نغفر لِمَن أساء إلينا.
وهناك أنواع أخرى كثيرة تظهر فيها قوة اللَّه العجيبة: فهو مثلًا قوي في معرفته: فهو يعرف كل شيء. يعرف ما في داخل قلوبنا وأفكارنا ويعرف نيَّاتنا أيضًا يعرف ما فعلناه وما ننوي أن نفعله. وعلى الرغم من كل ذلك فإنه بسبب قوة محبته لا يُعاملنا في كل شيء حسب عُمق خطايانا، إنما حسب قوة إشفاقه علينا في ضعفاتنا. له المجد في قوة الطيبة التي يُعاملنا بها.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/m3pqnjr