يسرني أن أهنئكم يا إخوتي وأبنائي جميعًا بعيد ميلاد السيد المسيح له المجد، وببدء عام جديد، جعله اللَّه عامًا سعيدًا، لكم ولبلادنا العزيزة، ولهذا الشرق المُبارَك الذي وُلِدَ فيه المسيح، وبثَّ فيه تعاليمه، وللعالم كله...
لقد جاء المسيح ينشر الحُب. حيثما كان يتحرَّك، كان الحُب يتحرَّك. وأينما كان يقيم، كان الحُب يقيم. عرفه الجميع مُحبًّا، ومُحبًّا للجميع...
وكان يقول لتلاميذه: "وصية جديدة أنا أعطيكم: أن تحبوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم... بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي: إن كان لكم حُبٌّ بعضًا لِبَعضٍ" (يو 13: 34، 35)... تُرى لماذا اعتبر هذا الحب وصية جديدة؟ أليس لأنه يطلب لهم حُبًَّا من نوع خاص له عمقه. إنه الحُب الباذل، مثل حُبه هو الذي قال عنه: "ليس لأحدٍ حُبٌّ أعظم من هذا: أنْ يَضعَ أحدٌ نَفْسَهُ لأجل أحِبَّائه" (يو 15: 13). وهكذا قيل عن محبته لتلاميذه: "إذ كان قد أحَبَّ خاصَّتَهُ الذين في العالم، أحَبَّهُم حتى المُنتهى" (يو 13: 1). وعبارة "حتى المنتهى" هنا، تعني أنها محبة بلا حدود...
ولم يكن الحُب لتلاميذه فقط، بل هي وصية للعالم كله... فلمَّا سألوه: ما هي الوصية العُظمى في الناموس (أي الشريعة)؟ أجاب: "تُحِبُّ الربَّ إلهَكَ من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والعُظمى. والثانية مثلها: تُحِبُّ قريبك كنفسِكَ. بهاتين الوصيَّتين يتعلَّقُ الناموس كله والأنبياء" (مت 22: 34-40)... وكلمة (قريبك) هنا، تعني جميع البشر. لأننا كلنا أقرباء: أبناء أب واحد هو آدم، وأم واحدة هي حواء...
وطبيعي إن كان كل منا يحب جميع الناس، فلن يسرق أحدًا، ولا يقتل أحدًا، ولا يسئ إلى أحد، ولا يُدنِّس عفة أحد.
وإن كان يحب اللَّه، فلن يعصاه في شيء، ولا يكسر شيء من وصاياه. وبهذا يكون كلام السيد المسيح عن محبة اللَّه والقريب قد شمل كل نصوص الشريعة وكل وصايا الأنبياء.
والمحبة التي نشرها السيد المسيح تشمل محبة الأعداء أيضًا. فهو الذي قال: "أحِبُّوا أعداءكم. بارِكوا لاعِنيكم. أحسِنوا إلى مُبْغِضِيكُم، وصلُّوا لأجل الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم" (مت 5: 44). وقال تعليقًا على ذلك: "لأنه إن أحبَبْتُم الذين يُحِبُّونكم، فأيُّ أجرٍ لكم؟! أليس العشارون أيضًا يفعلون ذلك؟" (مت 5: 46). كما أنَّ اللَّه المُحب، هو أيضًا " يشرق بشمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين" (مت 5: 45).
وهكذا توصي المسيحية بأنه " إن جاعَ عدُوُّكَ فأطْعِمْهُ. وإن عَطِشَ فاسْقِهِ" (رو 12: 20). وقد ضرب السيد المسيح مثل السامري الصالح، الذي وجد يهوديًا اعتدى عليه اللصوص وتركوه بين حي وميت. فلمَّا رآه سامري مسافر، نزل واعتنى به، وعالجه وحمله إلى فندق، وأنفق عليه (لو 10: 30-36). بينما اليهود لا يعاملون السامريين (يو 4: 9). والقصد من هذا المَثل العناية بالأعداء من جهة، ومعنى كلمة القريب من جهة أخرى.
إنَّ محبة السيد المسيح قد شملت الغرباء مثل السامريين، وقصته واضحة في هداية المرأة السامرية، ومدينتها (يو 4) ورفضه معاقبة قرية سامرية أغلقت أبوابها في وجهه. وقوله لتلميذيه وقتذاك إنه "لم يأتِ ليُهلِكَ أنْفُسَ الناس بل ليُخلِّصها" (لو 9: 52-59).
وشملت محبته الأمم أيضًا أي الـGentiles وكان اليهود لا يقبلونهم ولا يتعاملون معهم ولا يتزاوجون باعتبار أنهم من الكفرة غير المؤمنين. ولكن السيد المسيح تعامل معهم بحب. ولمَّا جاءه قائد مائة أُممي يطلب من أجل شفاء عبد له مُشرف على الموت، وقال له: "يا سيد، لست مُستحقًّا أن تدخل تحت سقفي. لكن قُل كلمة فيبرأ غلامي". فمدحه السيد المسيح وشفى غلامه. وقال للجمع المحيط: "إني لم أجد ولا في إسرائيل إيمانًا مقدار هذا" (لو 7: 2-10).
ومن محبته لهؤلاء الأمم -الذين كانوا يعبدون آلِهَة غريبة- دعا تلاميذه أن يبشِّروهم بالمسيحية (أع 1: 8)، (مر 16: 15). وهكذا دخلوا في الإيمان، وتركوا عباداتهم وأصنامهم... إذ قوبلوا بالمحبة وليس بالاحتقار.
وأحب السيد المسيح أيضًا العشارين والخُطاة، وجذبهم إليه. ومن أمثلتهم زكا العشار الذي لمَّا دخل المسيح إلى بيته، انتقده اليهود لأنه دخل عند رجل خاطئ. فردَّ المسيح قائلًا: "اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ هو أيضًا ابن لإبراهيم" (لو 19: 9). وقال عن رسالته أنه "جاء يطلب ويُخلِّص ما قد هلك" (لو 19: 10).
ومحبة السيد المسيح بالذَّات شملت المرضى والمحتاجين وكل مَن صرعهم الشيطان. فكان يجول يصنع خيرًا ويشفي جميع المُتسلِّط عليهم إبليس (أع 10: 38) "فأحضروا إليه جميع السُّقماء المُصابين بأمراضٍ وأوجاعٍ متنوعة، والمجانين والمصروعين والمفلوجين، فشفاهم" (مت 4: 24). وكانت المعجزات ممزوجة بالحُب، وأحيانًا بعبارة "تحنن". ونفس هذا الحنان كان له في مجال التعليم، إذ قيل عنه: "ولمَّا رأى الجموع تحنن عليهم، إذ كانوا منزعجين ومُنطرحين كغنمٍ لا راعي لها" (مت 9: 36). ونفس هذا الحنان أيضًا قيل عنه في معجزة إقامته ابن أرملة نايين من الموت (لو 7: 11-15).
ومحبته شملت جميع الفقراء والمحتاجين. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). فقال عن الاهتمام بالجياع والعطاش والغرباء والعرايا والمحبوسين: "مهما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي قد فعلتم" (مت 25: 40). ووعد المهتمين بكل هؤلاء بالبركة والدخول إلى ملكوت الله.
ومحبته شملت أيضًا كل البؤساء، والمُهمَّشين في المجتمع، والذين هم في ضيق. وقد قال إنه جاء لكي "يبشر المساكين، ويعصب منكسري القلوب، ويُنادي للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق" (إش 61: 1، 2).
كان ينشر الحُب الذي ترتبط فيه محبة اللَّه بمحبة الإنسان. كما يرتبط الحب بالإيمان وبالاحتمال. وهكذا تقول لنا المسيحية: "مَن لا يحب أخاه الذي يبصره، كيف يقدر أن يحب اللَّه الذي لم يبصره" (1يو 4: 20). على أنَّ المحبة للإخوة، ينبغي أن تكون محبة عملية، وليست مُجرَّد كلام. فهذا تعلمنا المسيحية "لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق" (1يو 3: 18). وهكذا توصينا " بالإيمان العامل بالمحبة" (غلا 5: 6). فكل عمل خالٍ من المحبة، لا يقبله اللَّه.
المسيحية تُقدِّم لنا اللَّه المُحب، الذي أحبَّنا قبل أن نوجد -حينما كنا في عقله فكرة، وفي قلبه مسرة- ومن أجل هذا الحُب أوجدنا. وبالحُب منحنا البركة والرعاية والمواهب. وفي محبته لنا، ندعوه أبًا. ونُصلِّي له قائلين: "أبانا الذي في السموات". وفي محبته لنا ندعوه الراعي الصالح الذي يهتم بخرافه، ولا يستطيع أحد أن يخطفها من يده (يو 10: 11-28).
إنه إلهنا الطيب الذي قال: "أنا أرعى غنمي وأربضها... وأطلب الضال، وأسترد المطرود، وأعصب الجريح وأجبر الكسير" (حز 34: 15، 16). وهو الذي يعطينا دون أن نطلب، ويعطينا فوق ما نطلب. له المجد في محبته غير المحدودة.
ختامًا: نُصلِّي -في مناسبة هذا العيد- أن يمنح اللَّه بلادنا الرخاء والأمن. ويشمل برعايته العراق ولبنان وسوريا ومنطقة دارفور، وكل المناطق المحتاجة إلى معونة. ونُصلِّي أيضًا من أجل رئيس بلادنا الرئيس حسني مبارك، الذي جعل هذا العيد عيدًا وطنيًا لجميع المصريين.
وكل عام وأنتم بخير.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/482w5fd