← اللغة الإنجليزية: Book of Wisdom, Book of the Wisdom of Solomon - اللغة العبرية: חכמת שלמה - اللغة اليونانية: חכמת שלמה.
تطلق المخطوطات اليونانية (السينائية والفاتيكانية والسكندرية) على هذا السفر اسم "حكمة سليمان"، ولكنه يسمى في الترجمة السريانية (البشيطة) وفي بعض المخطوطات الأخرى باسم "كتاب حكمة سليمان العظمى".
كان سليمان بالنسبة لليهود وللمسيحيين الأوائل يعتبر رائدًا للتعليم والحكمة، كما كان داود رائدًا في كتابة الأناشيد، و موسى في تسجيل الشرائع الدينية، وهكذا نُسبت إليهم كتب لا علاقة لهم بها. ونقرأ في العهد القديم عن حكمة سليمان (1مل 7:3-14؛ سيراخ 14:47-19). ويسمى سفر الأمثال باسمه مع أن المرجح أنه لم يكتب إلا القليل منه. ويتكلم سليمان بضمير المتكلم في سفر الحكمة من الأصحاح السادس حتى نهاية الأصحاح التاسع (كما يفعل نفس الشيء في سفر الجامعة 1: 12.. إلخ). وقد ظل الاعتقاد بأن سليمان هو كاتب هذا السفر قائمًا حتى القرن الرابع الميلادي، حين استنتج " جيروم" (Jerome) بدراسته للفكر اليوناني ولأسلوب هذا السفر، أن سليمان ليس هو الذي كتبه، ومن ثم غير عنوان السفر إلى "سفر الحكمة" دون أن ينسبه إلى شخص معين، وهو الاسم الذي ما زال يسمى به في الترجمة اللاتينية (الفولجاتا) والترجمات التي نقلت عنها. ولكن الاسم "حكمة سليمان" ظل قائمًا في الترجمات البروتستنتية للكتاب المقدس (في اللغات الألمانية والانجليزية والويلزية) لأنها نقلت عن اليونانية وليس عن اللاتينية. ويسميه "لوثر" باسم "حكمة سليمان للطغاة"، ويذكره كل من "أبيفانيوس" (Epiphanuis)، و"أثناسيوس" (Athanasuis) باسم "الحكمة الفضلى" وهو الاسم الذي تعرف به أسفار "الأمثال" و"حكمة يشوع بن سيراخ" في كتابات بعض الآباء.
يأتي سفر "الحكمة" في الترتيب -في الترجمات اليونانية والفولجاتا- بعد أسفار الأمثال والجامعة ونشيد الأنشاد، ويليه سفر حكمة "يشوع بن سيراخ".
وهناك كثير من الآباء الذين يؤمنون بقانونية هذا السفر مثل "هيبوليتس" (Hippolytus)، و"كبريانوس" (Cyprian)، و"أمبروزيوس" (Ambrose)..
وقد وضعه مجمع "ترنت" (Trent) هو وسائر الأسفار المعتبرة من أسفار الأبوكريفا عند البروتستنت (فيما عدا إسدراس الأول والثاني وصلاة منسى) ضمن الأسفار القانونية، لذلك يتضمن الكتاب المقدس عند الأرثوذكس والكاثوليك هذا السفر بينما يخلو منه الكتاب المقدس عند البروتستنت، المنشقين عن الكاثوليك في القرن السادس عشر، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.
يتكون السفر من قسمين مختلفين، مما يوحي باختلاف الكاتب، والقسمان هما "قسم الحكمة" و"القسم التاريخي".
(حك 1: 1- 11:4) حيث يصف الكاتب في هذا القسم "الحكمة" ويوصي بها ويحذر من عواقب إغفالها.
(1) يؤدي "البر" (أو الحكمة العاملة) إلى الخلود، بينما يؤدي الشر إلى الموت (الأصحاح الأول) "أن البر خالد" (حك 1: 15) "لكن المنافقين هم استدعوا الموت بأيديهم وأقوالهم" (حك 16:1).
(2) الأصحاحات من الثاني حتى السادس: مقارنة بين ذخائر الحكيم (البار) وغير الحكيم (الفاجر أو المنافق) (حك 2: 1-6: 21),
أ- عاقبة المسرات العالمية واللذات الشهوانية هي الموت، بينما إرادة الله هي أن يحيا كل الناس حياة روحية (حك 2).
ب - السعادة نصيب الحكماء (الأبرار)، وآلامهم تأديب وعلاج، لأنهم سيحيون إلى الأبد "ويتسلطون على الشعوب" (حك 3: 1-9).
ج- يسعد البار (الحكيم) حتى ولو كان بلا ذرية، لكن نصيب الأشرار والمنافقين وأولادهم نصيب بائس (حك 3: 10-19) "أما المنافقون فسينالهم العقاب الخليق بمشوراتهم" (حك 3: 10)، و"نسلهم ملعون" (حك 13:3).
د- الفاضل عديم النسل يضمن الخلود، على العكس من الأثيم الذي له أولاد وذرية (حك 4: 1-6)، فإن "البتولية مع الفضيلة أجمل فإن معها ذكرا خالدًا" (حك 4: 1)، "أما المنافق الكثير التوالد فلا ينجح" (حك 3:4).
ه- رغم أن الحكيم (الصديق) قد يموت مبكرًا إلا أنه يجد راحة في موته متممًا رسالته في الحياة في الوقت المحدد (حك 4: 7 -14)، "أما الصديق فإنه وإن تعجله الموت يستقر في الراحة" (حك 7:4).
و- المنافقون (غير الحكماء وغير الأبرار) يصلون إلى نهاية مفجعة أليمة وينظرون إلى الصديق "فإذا رأوه يضطربون من شدة الجزع وينذهلون... ويقولون في أنفسهم نادمين وهم ينوحون من ضيق صدورهم..." (حك 15:4-24:5).
ز- لذلك ينبغي على الملوك أن يحكموا بالحكمة حتى يقتنوا الخلود: "أكرموا الحكمة لكي تملكوا إلى الأبد (حك 23:6).
(3) الحكمة: يمتدح الكاتب الحكمة، يوصي بها الملوك والحكام والقضاة لأن "الحكمة خير من القوة"والحكيم أفضل من الجبار" (حك 6: 1).
أ- يأتي كل الناس إلى العالم ولهم نفس الاحتياج العام إلى الحكمة التي تؤدي إلى الملكوت الحقيقي والخلود (حك 6: 1- 25)، "فابتغاء الحكمة يبلغ إلى الملكوت" (حك 21:6).
ب- أنا ( سليمان) طلبت الحكمة أول كل شيء، فأوتيت معها كل الخيرات بما في ذلك المعرفة من كل نوع (حك 7: 1 -21:8).
ج- الصلاة التي رفعها سليمان طالبًا الحكمة (حك 9: 1-18): "هب لي الحكمة الجالسة إلى عرشك ولا ترذلني من بين بنيك" (حك 9: 4).
د- كيف حفظت الحكمة أبطال التاريخ العبراني منذ آدم -الإنسان الأول- إلى الإسرائيليين في عبورهم للبحر الأحمر ودخولهم البرية (حك 10: 1- 11: 4).
(حك 11: 5- 19: 20). وفي هذا القسم الثاني من السفر لا يتكلم الكاتب بضمير المتكلم (كما في الأصحاحات من (حك 6- 9). ولا يذكر هذا القسم الحكمة كما لم يشر إليها مطلقًا، رغم أن الكثيرين من العلماء يرون في هذا القسم محاولة من الكاتب لضرب أمثلة واقعية. عن عمل الحكمة التي وصف في القسم الأول طبيعتها ونتائجها.
(1) مقابلة بين معاملة الله (وليس الحكمة) للإسرائيليين ومعاملته لأعدائهم (حك 11: 5- 27:12)، والأمور التي كان يعاقب بها أعداءهم بينما يفيدون هم منها (حك 11:5).
أ- وصف لمعاملة الله للمصريين (حك 11: 5- 12:2)، فكانت المياه لإسرائيل نعمة وللمصريين نقمة (حك 6: 11- 14). كما عاقب الله المصريين بالحيوانات التي كانوا يعبدونها، بينما تمهل على الخطاة لعلهم يتوبون (حك 21:11-12: 2).
ب- معاملة الله للكنعانيين (حك 3:12- 27) "أي الذين كانوا قديما سكان الأرض المقدسة" (حك 12:3) حيث يصف عبادتهم الرجسة وعقاب الله لهم، مع الدروس المستفادة من هذا العقاب.
(2) وصف لعبادة الأوثان وأدانتها (الأصحاحات من الثالث عشر إلى الخامس عشر): وهو يكون وحدة قائمة بذاتها، فهو استطراد للعرض التاريخي الذي ينتهي بالعدد (حك 12:27) ثم يستكمل في (حك 16: 1- 19: 20). وقد يكون سبب الاستطراد هو ما جاء من تلميح عن خطايا المصريين والكنعانيين (حك 11: 5- 27:12). فيذكر أنواع العبادات الوثنية (حك 13: 1- 15: 19):
أ- عبادة الطبيعة (النار والرياح والماء والأجرام السماوية، وهي كثيرًا ما تكون ناتجة عن الرغبة المخلصة في البحث عن الله (حك 13: 1-9) "لكنهم حسبوا النار أو الريح أو الهواء اللطيف أو مدار النجوم أو لجة المياه أو نيري السماء آلهة تسود العالم" (حك 13:2)، غير أن لهؤلاء وجهًا من العذر لعلهم ضلوا في طلبهم لله ورغبتهم في وجدانه" (حك 13: 6).
ب- عبادة الأصنام على شكل الحيوانات، وهي خطة أعظم (حك 13: 10 -19). "أما الذين سمَّوا أعمال أيدي الناس آلهة الذهب والفضة، وما اخترعته الصناعة، وتماثيل الحيوان والحجر الحقير مما صنعته لد قديمة، فهم أشقياء ورجاؤهم في الأموات" (حك 13: 15).
ج- غضب الله على كل أشكال العبادة الوثنية (حك 14: 1-11).
د- نشأة عبادة التماثيل (حك 14: 15-21). الأب الذي يفجع بموت ابنه فيصنع تمثالًا ليعبده: "إن والدَّا قد فجع بثكل معجل فصنع تمثالًا لابنه الذي خطف سريعًا وجعل يعبد ذلك الإنسان الميت" (حك 14: 15).
- تملق الحكام ثم تأليههم: "جعلوا صورة الملك المكرم نصب العيون حرصًا على تملقه في الغيبة كأنه حاضر" (حك 16:14، 17).
- كثيرًا ما يتفنن الصناع في عمل التماثيل لدرجة تغري الناس بعبادتها: "حب الصناع للمباهاة كان داعية للجاهلين إلى المبالغة في هذه العبادة.. فإنهم... قد أفرغوا وسعهم في الصناعة لإخراج الصورة في غاية الجمال، فاستميل الجمهور ببهجة ذلك المصنوع" (حك 14:18، 19).
ه- النتائج اللاأخلاقية لعبادة الأصنام (حك 14: 22- 31): "لأن عبادة الأصنام المكروهة هي علة كل شر وابتداؤه وغايته" (حك 14: 27).
و- تحرر إسرائيل من عبادة الأوثان، ولذلك تمتع بالرحمة الإلهية (حك 15: 1- 5).
ز- تكمن حماقة عبادة الأصنام في أن التمثال المصنوع أقل قدرة من صانعه الذي عمله وَتَعَبَّد له (حك 15: 6- 19).
(3) لمصر وإسرائيل أقدار متناقضة ومتعارضة في خمسة أوجه، فالطبيعة تستخدم نفس الوسائل، للمصريين كعقاب، وللإسرائيليين كمكافأة (حك 16: 9- 19: 22)، وهذه الأوجه هي:
أ- الحيوانات والحشرات والسلوى (حك 16: 1- 4) والحيات الخبيثة والجراد والذباب (حك 16: 5- 14).
ب- النار والماء، الحرارة والبرودة (حك 16: 15؛ 17: 9؛ 18: 4).
ج - النور والظلام (حك 17: 19 - 18: 4).
د- الموت (حك 18: 5- 25).
ه- عبور البحر الأحمر (حك 1:19-22).
الشعر في هذا السفر أقل روعة منه في حكمة يشوع بن سيراخ، بالرغم من أن به كمًا كبيرًا من الشعر الأصيل الذي يتميز بالتطابق، ولكن ليس فيه وزن أو قافية بالمعنى المألوف للكلمة.
وكثيرًا ما نجد هذا التطابق في بعض أجزاء من السفر (حك 10: 1، 2). كما نجد في سفر الحكمة أن الجمل القصيرة التي تتضمن حكمة قوية أقل بكثير مما هي عليه في سفر "يشوع بن سيراخ"، لكن من جهة أخرى، توجد كمية أكبر من أساليب البلاغة والسجع (حك 1: 10؛ 4: 2؛ 5: 15؛ 7: 13)، وكذلك الجناس (حك 23:2؛ 5: 12، 18؛ 6: 11؛ 12: 15)، والطباق والمتناقضات (حك 18:13، 19).
كل من تناول هذا السفر بالشرح أو التعليق يعتبره وحدة واحدة متجانسة من كتابة فكر واحد. ويشهرون -للتدليل على أنه وحدة واحدة متكاملة- إلى أنه موجه ضد شرين هما الارتداد وعبادة الأوثان، وأن لغته متجانسة من بدء السفر إلى خاتمته كما تصدر عن كاتب واحد.
ولم يكن هناك شك في وحدة "سفر الحكمة" حتى منتصف القرن الثامن عشر تقريبًا حين ظهرت الآراء المختلفة للمنشقين..
وسنعرض فيما يلي ملخصًا لما ورد به من علوم اللاهوت، والأنثروبولوجيا، والأخلاق والعقائد عن الخطة والخلاص والأخرويات.
(1) اللاهوت: المقصود بعلم اللاهوت هو التعليم المختص بالله. ونجد في سفر الحكمة أن الله كلي القدرة: "بل قد كان نفس كافيًا لإسقاطهم... لكنك رتبت كل شيء بمقدار وعدد ووزن، وعندك قدرة عظيمة في كل حين، فمن يقاوم قوة ذراعك؟" (حك 11: 21، 22)، وهو موجود في كل مكان (حك 7:1؛ 12: 1)، وكلي الرحمة والمحبة "لكنك ترحم الجميع... وتتغاضى عن خطايا الناس لكي يتوبوا" (حك 11:24) وقد صنع العالم من مادة لا شكل لها: "يدك التي صنعت العالم من مادة غير مصورة" (حك 11: 18).
وأرقى مفهوم عند الكاتب عن الخليقة هو تحول "الخراب" (chaos) إلى "كون منظم" (Cosmos). وما بهره إنما هو نظام الكون وجماله، وليس القوة غير المحدودة اللازمة لخلق هذا الكون من العدم (حكمة 11: 18؛ 3:13، 4).
ومع أن الله -كتعليم سفر الحكمة- عادل (حك 14:12-16) ورحيم (حك 18:11- 23؛ 15: 1؛ 7:16) كما أنه يخاطبه بالقول. "أيها الأب" (حك 3:14)، إلا أن الله قد اختص اليهود برعايته وحمايته بطريقة فريدة (حك 16: 2؛ 8:18؛ 19: 20)، بل إن الكوارث والمصائب التي يصبها الله على رؤوس أعدائهم، إنما هو يقصد من ورائها قيادتهم إلى التوبة (حك 12: 2- 20). ويتضح جليًا من الأصحاح الحادي عشر أن آلام ومعاناة بني إسرائيل إنما كانت علاجًا وإصلاحًا لهم، أما بالنسبة لأعدائهم فكانت عقابًا (الأصحاحان 11، 12).
ومفهوم سفر الحكمة عن " الله" يتفق بوجه عام مع تعليم العقيدة اليهودية السكندرية (100 ق.م.) أي أنها تؤكد تأكيدًا جازمًا سمو الله وعلوه المتناهي عن الإنسان وعن العالم المادي، ولذلك نجد في هذا السفر بداية عقيدة "الوسطاء" التي ظهرت في كتابات فيلون، أي المجالات التي يستطيع من خلالها "الواحد المطلق" أن تكون له علاقة محددة مع الإنسان.
(أ) "روح الرب": تُستخدم عبارة "روح الرب" في سفر الحكمة كما في الأسفار المتأخرة من العهد القديم (في أثناء السبي وبعده) بمعنى الله ذاته، فما يعمله الله إنما يعمله بواسطة الروح، لذلك فإن روحه هو الذي يملأ العالم ويحفظه ويرقب أعمال الناس: (روح الرب ملأ المسكونة وواسع الكل عنده علم كل كلمة فلذلك لا يخفي عليه ناطق بسوء) (حك 7:1، 8). وهو موجود في كل مكان (حك 12:1). ولكن سفر الحكمة لا يجسد روح الله جاعلًا منه وسطًا بين الله وخلائقه، ولكن الطريق أصبح ممهدًا لتلك الخطوة.
(ب) الحكمة: الكثير مما يقال في هذا السفر عن "روح الرب" يقال أيضًا عن "الحكمة" بل إنه يزداد اقترابًا من تجسيد الحكمة. فعند خلق العالم كانت الحكمة مع الله "جالسة إلى عرشه"، عليمة بأفكاره، مشاركة له (حكمة 3:8؛ 9: 4، 9؛ انظر أم 22:8- 31). وهي التي صنعت كل شيء وعلمت سليمان الحكمة التي طلبها في صلاته (حك 7: 21). وهي كلية القدرة، وترى كل الأشياء (حك 23:7)، "تنفذ في كل شيء" (حك 24:7)، وهي فيض مجد القدير (حك 7: 25)، تعلم الناس "العفة والفطنة والعدل والقوة" (حك 8: 7) (وهذه هي الفضائل الأربع الرئيسية في الفلسفة الرواقية).
(ج) الكلمة (لوجوس): والكلمة -عند فيلون- هو القوة الوسطية التالية للإله. أما سفر الحكمة فيلتزم بالمعنى الوارد في العهد القديم من أن "الكلمة" (اللوجوس) هو الكلام الذي يخاطب به الله الناس.
إلا أن "جفرورر" (Gfrorer) وفيلون وغيرهما يرون أن "الكلمة" (اللوجوس) لها نفس المعنى الفني الدقيق الذي يراه فيلون (حكمة 9: 1، 2؛ 12: 9؛ 16:12؛ 18: 22) إلا أن الدراسة المتأنية الدقيقة لتلك الآيات تبين أنه لم يقصد بها أكثر مما تعنيه كلمة "الكلمة" (اللوجوس).
والكائنات -التي فوق البشر- المذكورة في هذا السفر هي آلهة الأمم التي يعلن السفر بوضوح أنها أوهام من صنع حماقات الإنسان، فهي الأصنام لم "تكن في البدء وليست تدوم إلى الأبد" (حك 14: 13، 14). وكذلك "الشيطان " الذي لم يشر إليه هذا السفر إلا مرة واحدة باعتباره الحية المذكورة في الأصحاح الثالث من سفر التكوين. ولم يذكر السفر -ولو مرة واحدة- الأسفار المقدسة القانونية أو الوحي الإلهي للإنسان في صورة مكتوبة، مع أنه اقتبس الكثير من الآيات من الأسفار الخمسة، وأحيانًا من "إشعياء والمزامير"، لكن دون أن يذكر مصدر اقتباساته.
وهكذا نجد أن سفر الحكمة "أكثر شمولًا ويتسق مع سائر كتابات الحكمة أكثر من سفر يشوع بن سيراخ الذي يطابق بين الحكمة والشريعة والأنبياء، وبه الكثير من الملامح اليهودية المميزة.
(2) علم أصل الإنسان (أنثروبولوجيا): يتبع سفر الحكمة في سيكولوجيته نظرية الثنائية الأفلاطونية، فالإنسان مكون من جزءين أو عنصرين: نفس وجسد (حك 4:1؛ 19:8، 20؛ 9: 15) وتشمل كلمة النفس كلًا من "العقل والروح".
ويبدو للبعض أن ثمة مفهومًا بأن الإنسان ثلاثي العناصر (حكمة 15: 11)، ولكن هذه العبارة لا تدل -في الحقيقة- على شيء من ذلك إذ أن المقصود "بالنفس والروح " هنا شيء واحد. كما يعلم فيلون نفس الشيء. والله هو الذي "ينفخ النفس" في الجسد (حك 15: 11؛ انظر تك 7:2)، ثم يسترد الله تلك النفس مرة أخرى (حكمة 15:8).
كما يتبنى الكاتب نظرية "أفلاطون" عن الوجود السابق للنفوس (حك 8: 20؛ 15:8، 11، 16). ويتضمن ذلك الاعتقاد نوعًا من "التعيين السابق" لأن الأعمال التي عملتها النفس سابقًا تحدد نوع الجسد الذي تدخله فيما بعد، ولأن نفس " سليمان" صالحة دخلت في "جسد غير دنس" (حك 8: 20).
ولا نوافق ر. ه. تشارلز (R-H-Charles) فيما يراه في كتابه "الاسخاتولوجي" من أن سفر الحكمة يقول بأن المادة خاطئة في طبيعتها (حك 1: 4؛ 9: 15). كما نادى "فيلون" أيضًا بهذا الرأي مستشهدا بالمقولة المعروفة عن "هيراقليتس" (Heraclitus) إن "الجسد قبر" وإن الإنسان شرير بالطبيعة مولود بالإثم (حك 12: 10؛ 13: 1)، لكنه إن أخطأ فهذا شأنه لأنه حر الإرادة (حك 6:1؛ 6:5، 13).
ويستعير الكاتب كلمتين من الشعر اليوناني والفلسفة اليونانية تبدوان وكأنهما تنفيان حرية الإنسان، هما "الضرورة" و"العدالة" (أو العدالة المنتقمة). فالضرورة تعمي عين المنافق (حك 17:17)، لكنه عمى نتيجة المسلك الشرير (حك 19:1- 5). أما الكلمة الثانية "العدالة" فقد استخدمت في الفلسفة اليونانية بمعنى الانتقام، لها نفس هذا المعنى في سفر الحكمة، فهي "القضاء المفحم" (حك 1:8). وفي كل أجزاء سفر الحكمة نجد أن عقاب الخطية أمر يستحقه الإنسان طالما أنه حر.
يعتقد كاتب سفر الحكمة بوجود نوعان: الصالح (الحكيم)، والشرير (المنافق)، ويري - على عكس ما نراه في الأسفار المتأخرة في العهد القديم - إمكانية انتقال الشخص من نوع إلى النوع الآخر.
ولكن ألا تبدو -في بعض أجزاء سفر الحكمة، كما في سائر أسفار العهد القديم- محاباة الله لإسرائيل مع إهمال الشعوب الأخرى؟ فإسرائيل هو "ابن الله" (حك 13:18)، وأبناؤه (حك 12: 19- 21؛ 16:10، 26)، "أبناؤه وبناته" (حك 7:9)، "وشعبه المقدس والمختار" (حك 3: 9؛ 4: 15؛ 17:10؛ 18: 1، 5). لكنه لم يعاملهم هكذا لمجرد أنهم إسرائيليون فحسب، بل لأنهم كانوا أفضل أخلاقًا من الشعوب المحيطة بهم.
(3) علم الأخلاق: يشمل هذا الموضوع الممارسات الدينية والأخلاقية:
(أ) وكما ينتظر من سفر محوره الحكمة، لا نجد إلا اهتمامًا ضئيلًا بشريعة موسى ومتطلباتها. ورغم وجود إشارات تاريخية لتقديم الذبائح وترتيل المزامير والالتزام بعهد الشريعة: "فإن القديسين بني الصالحين كانوا يذبحون خفية ويوجبون على أنفسهم شريعة الله هذه أن يشترك القديسون في السراء والضراء على السواء، وكانوا يرنمون بتسابيح الآباء" (حك 18: 9). وفضلًا عن ذلك، هناك إشارة إلى تقديم هرون البخور (حك 18: 21). كما يتردد ذكر بعض الكلمات مثل "الهيكل" و"المذبح" و"المسكن" (حك 8:9). ولكنا لا نجد أي تفصيل عن الهيكل أو عن أعياده أو الكهنوت أو الذبيحة، أو عن شريعة "الطاهر والنجس". لكن هناك تأكيدًا مستمرًا وشديدًا على وجوب عبادة الله الواحد الحقيقي لا سواه، والنتائج الشريرة لعبادة الأصنام، وبخاصة في القسم الثاني التاريخي من السفر (حك 11: 5- 19: 20).
(ب) أما الفضائل الأربع الأساسية المذكورة في قسم الحكمة من السفر فهي تتفق مع الفلسفة الرواقية، وهي بالتحديد العفة والفطنة والعدل والشجاعة، مما يدل على أن الكاتب كان متأثرًا بالفلسفة اليونانية.
(4) عقيدته عن الخطية: يذكر الكاتب ما جاء في سفر التكوين (الأصحاح الثالث) كحقيقة تاريخية مؤكده عن دخول الخطية إلى العالم: "بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم" (حكمة 24:2). ويبدو من سياق الحديث أن الكاتب يقصد بالموت "الموت الروحي". ولكن أصل الخطية هو عبادة الأوثان (حك 14: 27). ولعله يقصد بذلك أن الخطية تصدر عن عدم تقديم الاعتبار للإله الواحد الحقيقي، وأن كل الفظائع الأخلاقية في زمانه، كانت تنبع من العبادات الوثنية.
ويقرر سفر الحكمة - تصريحًا وتلميحًا - أن الإنسان حر، وذلك في كل أجزاء السفر.
(5) عقيدة الخلاص (سوتيريولوجيا): لا يذكر سفر الحكمة شيئًا عن "المسيا" الذي سيخلص شعبه، لأن الحكمة هي التي تخلص الإنسان: "وأنال بها الخلود" (حك 8: 13)، و"إن في قربي الحكمة خلودًا" (حك 8: 17). وكل من يرعى وصايا الحكمة في قلبه يحصل بالتأكيد على الطهارة، والطهارة تقرب الناس إلى الله (حك 19: 6، 20). أما معرفة القدرة الإلهية فأساس الخلود (حك 15: 2، 3).
(6) الأخرويات (الإسخاتولوجي): يقرر السفر بوضوح عقيدة خلود الإنسان: "إن الله خلق الإنسان خالدًا" (حك 23:2)، وخلقه لعدم الفساد (حك 6: 19؛ 12: 1)، والبار له الرجاء الكامل في الخلود (حك 3: 4)، فهو سيحيا إلى الأبد (حك 5: 16). أما الأشرار فلا رجاء لهم عند موتهم (حك 3: 18) لأنهم سيتألمون بسبب خطاياهم، في هذه الدنيا وفي الآخرة أيضًا (حك 16: 3، 18).
ولا يذكر سفر الحكمة شيئًا عن قيامة الأجساد، فلو أن كاتب السفر كان يعتنق رأي "فيلون" عن الشر المتأصل في المادة (كما سبق القول)، فلا يمكن أن يؤمن بقيامة الأجساد. ولكن يوجد بعد الموت "يوم للحساب" [(حكمة 3: 18) - وهي نفس كلمة "فحص" المذكورة في (سفر الأعمال 25: 21)]. كما سيكون هناك فحص لمشورة الأشرار، وسيعطي الأثيم حسابًا عن خطاياه إذ "يتقدمون فزعين من تذكر خطاياهم" (حك 4: 20). أما الصديق فيقف بجرأة عظيمة في وجوه مضايقيه: "حينئذ يقوم الصديق بجرأه عظيمة في وجوه الذين ضايقوه، وجعلوا أتعابه باطلة" (حك 5:1).
ويبدو أن تعليم السفر عن مصير الصديق غير ثابت، فبينما يقول: إن الصديق ينتقل بالموت مباشرة إلى نعيم الله "فلا يمسها العذاب" (حك 3: 1، 2)، نجده في موضع آخر يذكر أن الأشرار والصديقين سيجتمعون معًا في مكان واحد انتظارًا للدينونة (حك 20:4؛ مع 5:1).
يبدو أن غرض الكاتب هو تنبيه مواطنيه في الإسكندرية إلى متطلبات الديانة تحت أسماء الحكمة والبر وغيرهما، إلى جانب تحذيرهم من السقوط في عبادة أوثان المصريين. فالكاتب يمجد الحكمة، بينما يسخر من عبادة الأوثان، مستخدمًا لغة شديدة اللهجة عند ذكر النتائج الوخيمة التي تحل -في هذا العالم والعالم الآتي- على من يحيا بعيدًا عن الإله الحقيقي (انظر "ثالثًا" فيما سبق).
والسفر - في ظاهره - موجه إلى الحكام، لكنه لا يشير إليهم إلا في الأصحاح السادس (حك 6: 1- 11، 20- 25)، كما أنه موجه إلى البشر جميعًا على السواء.
ويستخدم الكاتب أساليب البلاغة والمجاز عند مخاطبته للحكام - وإذا سلمنا بأن "الحكام" - بكل ما لديهم من مميزات سامية - محتاجون إلى مثل هذه التنبيهات، التحذيرات، فكم بالحري عامة الناس!
(أ) كاتب هذا السفر يهودي من الإسكندرية عليم بالترجمة السبعينية، التي اقتبس الكثير من عباراتها، وله معرفة -إلى حد ما- بالفلسفة اليونانية حسب مدرسة الإسكندرية، كما أن له معرفة بالعلوم الطبيعية التي كانت معروفة في عصره (حك 17:7- 20).
فالكاتب يهودي لا شك في ذلك، لأن ما يدافع عنه من آراء هي نفسها وجهات نظر الديانة اليهودية القويمة المستنيرة، بل هو شديد التزمت - في يهوديته [لاحظ مشاعره العنيفة ضد الأمم (حك 11: 10- 13، 17 -23)]. وتشيع في أسلوبه العبارات اليونانية التي استقاها من الترجمة السبعينية للأسفار العبرية، وعليه فهو يهودي أسكندري، أو على الأقل يهودي مصري، فلا يمكن لأي فلسطيني أن يكتب هذه اللغة الرفيعة التي كتب بها السفر، أو أن يستعرض إلمامه بالفلسفة اليونانية كما طورها الفكر اليهودي السكندري.
(ب) هناك آراء أخرى عن الكاتب، منها:
1- أن الكاتب هو سليمان، كما يؤكد "مارجليوت" (Margolioth) هذا الرأي.
2- أن "زربابل" هو كاتب السفر كما يرى "ج. م. فابر" (J - M - Faber).
3- أن الكاتب هو أحد مترجمي السبعينية.
4- أن الكاتب ينتمي إلى جماعه "الأساة" أو "العلاجيين" (Therapeutae)" كما يقول "جفرورر" (Gfrorer)، وداهن (Dahne)، وجوست (Jost)، حيث يقال إن جماعة "الأساة" كانوا جماعة يهودية تشبه أتباع "زرادشت" الذين يتجهون في عبادتهم إلى الشمس المشرقة، حيث يقول "يجب أن نسبق الشمس إلى شكرك ونحضر أمامك عند شروق النور" (حك 16 :28). ولكننا لا نعلم إلا القليل عن هذه الجماعة، بل لا يوجد دليل قاطع على وجودها على الإطلاق. أما إذا كان يوسابيوس على صواب فيما قاله عن جماعة "الأساة" الذين ذكر "فيلون" أنهم كانوا مسيحيين (أقدم جماعة مسيحية في الإسكندرية) فمن الواضح أنه لم يكتب أحد منهم هذا السفر لأنه خالٍ تمامًا من أي أثر للمسيحية.
5- يرى البعض أن يشوع بن سيراخ هو كاتِب السفر.
6- يقول "نواك" (Noak) و"بلومبتر" (Plumptre) إن "أبلوس" هو كاتب السفر، ولكن لا بد أن الكاتب كان يهوديًا، قد كتبه في وقت مبكر مما لا يسمح باحتمال هذا الافتراض.
7- يرى جيروم أن "فيلون" هو الكاتب، وأيده في ذلك مارتن لوثر وآخرون، إلا أن تعليم هذا السفر يمثل مرحلة من التأملات اليهودية السكندرية تسبق تلك الموجودة في كتابات "فيلون". كما أن التعبيرات المجازية الشائعة في كتب "فيلون" تكاد لا توجد في سفر الحكمة.
8- يزعم البعض- ومنهم "كيرشباوم" و"فايس" (Kirshbaum, Weisse) وآخرون أنه أيًا كان الكاتب فلا بد أنه كان مسيحيًا، إلا أن توجيهات السفر جميعها تثبت غير ذلك.
ولقد انقسمت الآراء حول شخصية كاتِب هذا السفر. فقال بعضهم إنه يوناني أو أنه يهودي مصري لم يكن يعرف غير اللغة اليونانية. وحجتهم في هذا أن النسخة الموجودة من السفر مكتوبة باليونانية بأسلوب فلسفي فصيح مشهود له بالبلاغة وطلاوة العبارة. ولعلهم نسوا أن السفر بنسخته اليونانية مترجم ضمن باقي أسفار التوراة من العبرية إلى اليونانية في النسخة السبعينية المعروفة، غير أنه واضح أن كاتب السفر هو سليمان الملك ودليل ذلك الآتي:
1- إن أسلوب السفر يتخذ نفس النهج الحكمي الذي كتب به سليمان كتاباته من حيث البلاغة وعمق المعنى والاتجاه الحكمي الشعري.
2- إن ترتيب السفر يتفق وكتابات سليمان، فمكانه بعد سفر نشيد الأنشاد لسليمان مباشرة.
3- وثمة دليل آخر على سليمان هو كاتب سفر الحكمة وهو ما ورد في السفر على لسان كاتبه منطبقًا على سليمان قوله: "إنك قد اخترتني لشعبك ملكًا ولبنيك وبناتك قاضيًا. وأمرتني أن أبنى هيكلًا في جبل قدسك ومذبحًا في مدينة سُكناك، على مثال المسكن المقدس الذي هيأته منذ البدء. إن معك الحكمة العليمة بأعمالك والتي كانت حاضرة إذ صنعت العالم، وهي عارفة ما المرضى في عينيك والمستقيم في وصاياك. فإرسلها من السموات المقدسة وابعثها من عرش مجدك حتى إذا حضرت تَجِدُّ معي، واعلم ما المرضي لديك؛ فإنها تعلم وتفهم كل شيء، فتكون لي في أفعالي مرشدًا فطينًا، وبعزَّها تحفظني، فتغدو أعمالي مقبولة وأحكم لشعبك بالعدل وأكون أهلًا لعرش أبي" (حك7:9-12). وواضِح أن هذا الكلام كله لا يناسِب إلا سليمان وحده دون غيره.
وتبرز هنا مشكلة يثيرها المُعترضون بقولهم: إذا كان سُليمان هو الذي كتب هذا السِّفر، فلماذا لم يتسنّى لعِزرا الذي جمع شتات أسفار التوراة أن يعثر عليه ويضعه في موضِعه ضمن الأسفار التي جمعها؟ والرد على هذا الاعتراض هو أن كِتابات سليمان فُقِدَ منها الكثير. فقد ذُكِرَ في سفر الملوك الأول أن الله أعطاه "حِكمة وفهمًا كثيرًا وحبة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر" (1مل29:4)، بمعنى أنه كان له الكثير من أقوال الحكمة الرحبة. وقد قيل عن سليمان أيضًا أنه "تكلَّم بثلاثة آلاف مثل وكانت نشائده ألفًا وخمسًا. وتكلَّم عن الأشجار من الأرز الذي في لبنان إلى الزوفا النَّابِت في الحائِط. وتكلَّم عن البهائم وهن الطير وعن الدبيب وعن السمك.." (1مل32:4، 33)، فأين كل هذه الأمثال والنشائد والكِتابات؟! إلا إذا كانت قد فُقِدَت.
الأرجح أن هذا السفر كتب حوالي عام 120 - 100 ق.م. وثمة بعض الأدلة الأدبية والتاريخية والفلسفية التي تؤيد ذلك.
(1) الدليل الأدبي: لا بد أن يكون السفر قد كتب بعد إتمام الترجمة السبعينية للأسفار الخمسة ولسفر إشعياء لأن الكاتب قد اقتبس بالتأكيد من الترجمة السبعينية لهذه الأسفار، وربما من المزامير أيضًا. (انظر حكمة 3: 1؛ مع مز 31: 5، 6؛ 15: 15، 16؛ مع مز 115: 4-7؛ مز 135: 15- 18).
ومن المعروف من مقدمة "حكمة يشوع بن سيراخ" أن الترجمة السبعينية للأسفار الخمسة والأنبياء وجزء على الأقل من "الهاجيوجرافا" (الكتابات المقدسة) قد تمت في عام 132 ق.م. عندما أكمل سيراخ الصغير -الحفيد- ترجمته لسفر جده -يشوع بن سيراخ- وعليه فلابد أن سفر الحكمة كتب بعد عام 132 ق.م.
علاوة على أن الكاتب يبين إلمامه بسفر ابن سيراخ المكتوب باللغة اليونانية [راجع - (حكمة 4: 1؛ مع سيراخ 16: 1- 4)]، ولكن يبدو أنه لم يكن يعرف العبرية، وإلا لكان -أحيانًا على الأقل- قد اقتبس من النص العبري، وهذا مما يؤكد النتيجة المستمدة من استخدامه للترجمة السبعينية، وهي أن هذا السفر قد كتب في وقت لاحق، في عام 130 ق.م. مثلًا، بل بعد ذلك على الأرجح.
ولا شك أن السفر كتب قبل كتابة أي سفر من أسفار العهد الجديد، وإلا لكان سفر الحكمة قد اقتبس شيئًا من أسفار العهد الجديد أو أشار إليها على الأقل.
هذا بالإضافة إلى أنه يمكن افتراض أن الأسفار اليونانية للعهد القديم -كما هي في الترجمة السبعينية- كانت قد اكتملت في زمن ربنا يسوع المسيح، ولا بُد أنها كانت تضم سفر الحكمة مع باقي أسفار العهد القديم بما فيها أسفار الأبوكريفا. ولا بُد أنه كان قد انقضى وقت طويل -بعد كتابة السفر- ليجد السفر له مكانًا في الترجمة السبعينية. وبناء على كل ذلك، نجد أن عام 100 ق.م.، تاريخ مناسب جدًا لأن يكون السفر قد كتب فيه.
(2) الدليل التاريخي: نرى من السفر أن اليهود الموجه إليهم السفر -في وقت الكتابة- كانوا يواجهون موجة من الاضطهاد (حكمة 3: 1؛ 5: 1؛ 6: 5- 9)، ونتيجة لذلك كان هناك شعور قوي بالعداء للمصريين الذين يمثلون القوة التي كانت تضطهدهم (حك 11:16- 19). ومن المعروف أن البطالسة الأوائل عاملوا فلسطين معاملة طيبة، إلى أن جاء بطليموس السابع ("فيسكون" Physcon - 145- 117 ق.م.)، فكان أول من تبنى سياسة اضطهاد يهود مصر بسبب موقفهم المؤيد لكليوباترا.
ويصف يوسيفوس ما أنزله ذلك الملك من انتقام بيهود الإسكندرية في ذلك الوقت. كما يتضح من لغة السفر، والحرص الشديد الذي يبديه الكاتب في إشارته إلى هذه الأمور، أن الكاتب يصف أحداثًا وقعت في الماضي ولكنه الماضي القريب. ويعتبر عام 100 ق.م. أنسب تاريخ - من كل الوجوه- لكتابة هذا السفر.
(3) الدليل الفلسفي: ينتمي تعليم هذا السفر إلى تلك المرحلة من تطور الفلسفة اليهودية في الإسكندرية والتي كانت قائمة حوالي عام 100 ق.م. وليس في هذا السفر ما تتميز به كتابات "فيلون" (المولود في 20 ق.م. والمتوفي في 45 م.) من خصائص بلاغية معينة. كما لا يذكر السفر شيئًا عن عقيدة "الكلمة" (اللوجوس) التي أصبحت فيما بعد جزءًا أساسيًا من معتقدات يهود الإسكندرية.
يظن البعض أن السفر قد كتب أصلًا باللغة اليونانية، إلا أن "مارجليوت" وغيره يؤمنون أن السفر كتب أصلًا بالعبرية.. ولعل المعاندون قد نسوا أن السفر بنسخته اليونانية مترجم ضمن باقي أسفار التوراة من العبرية إلى اليونانية في النسخة السبعينية المعروفة.
يرى البعض أن بعض آيات العهد الجديد يبدو فيها احتمال التأثر ببعض أقوال سفر الحكمة (انظر لو 7:2؛ مع حكمة 7: 4؛ لو 12: 20؛ مع حكمة 15:8، 9؛ لو 31:9؛ مع 3: 2؛ لو 19: 44؛ مع 7:3).
كما يرون أن عقيدة "الكلمة" (اللوجوس) في إنجيل يوحنا (يو 1: 1) ذات صلة بعقيدة "الحكمة" في سفر الحكمة.
ومن المؤكد أن سفر الحكمة كان معروفًا لكل من كليمندس الروماني وتاتيان وإريناوس وترتليان وكلميندس السكندري وهيبوليتس.
وتذكر القصاصات التي وصلتنا من "المخطوطة الموراتورية" أن أصدقاء سليمان كتبوا السفر تكريمًا له. أما "تسان" (Zahn)، فقد أيد رأي العلامة "تريجلس" (Tregelles) الذي يقول إن "فيلون" كتب سفر الحكمة تكريمًا لسليمان.
يعتبر النص الموجود في المخطوطة الفاتيكانية أفضل النصوص بشكل عام، رغم أن المخطوطتين السينائية والأفرايمية (وهى غير كاملة) تضمان نصين جيدين. كما أن المخطوطة السكندرية جيدة إلى حد ما.
وقد وجد النص صحيحًا في كثير من النسخ المكتوبة بخطوط متصلة، وإليك أشهر ترجمتين لهذا السفر:
أ- الترجمة اللاتينية: تتفق الفولجاتا ( لجيروم) مع الترجمة اللاتينية القديمة رغم وجود بعض الاختلافات الطفيفة. وقد نشر "لاجارد" الترجمة اللاتينية لسفري سيراخ والحكمة كما وجدهما في مخطوطة أميوت (Codex Amiaut) المترجمة حرفيًا عن اليونانية.
2- الترجمة السريانية: إن الترجمة السريانية (البشيطة) الموجودة في نسخة "لندن متعددة اللغات" (London Plyglot)، وفي كتاب لاجارد عن الأبوكريفا السريانية، ترجمت مباشرة من اليونانية، ولكن يبدو واضحًا أنها مترجمة عن المخطوطة السكندرية أو مخطوطة مشابهة.
* انظر أيضًا: سفر حكمة سليمان وإثبات صحته، معلومات عن أسفار الكتاب المقدس، تفاسير و دراسات سفر الحكمه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/gwsa3sx