← اللغة الإنجليزية: Sirach, Book of the All-Virtuous Wisdom of Jesus ben Sira, The Book Ecclesiasticus, Siracides - اللغة العبرية: בן סירא - اللغة اليونانية: Σοφία Σειράχ - اللغة الأمهرية: መጽሐፈ ሲራክ
عنوانه حكمة يشوع ابن سيراخ ووجد نسخة منه في الأصل العبري في مصر القديمة سنة 1896 م.، وترجع على القرن الحادي عشر أو الثاني عشر الميلادي. وقد كُتِبَ سنة 190-170 ق.م. في فلسطين وَتُرْجِم إلى اليونانية في مطلع القرن الثاني في الإسكندرية. ويشبه في نمط كتابته سفر أمثال سليمان، غير أنه يتضمن أيضًا مباحِث وصلوات وينتهي بخطابين، أولهما (سي 42: 15؛ 43). موضوعه "تسبيح الله على أعماله". والثاني (سي 44-50). مديح القديسين الشهداء من أخنوخ إلى سمعان ابن أونيا الكاهن العظيم. أما الإصحاح الأخير (سي 51) فتحتوي على شكر وصلاة. ونستدل من هذا السفر على الآراء اللاهوتية والآداب التي كانت شائعة بين اليهود في العصر الذي كُتِبَ فيه. وهو سفر متميز يضاهي روعة أمثال سليمان.
للمزيد راجع القسم الخاص بالأسفار القانونية الثانية هنا في موقع الأنبا تكلا.
ويعتبر سفر "حكمة يشوع بن سيراخ" أكبر وأشمل نموذج لكتابات الحكمة، وكثيرًا ما يُسَمَّى "بحكمة سيراخ " أو "سيراخ" فقط(1).
أولًا: الاسم:
تحمل النسخة العبرية من السفر والتي عرفها جيروم نفس عنوان سفر (الأمثال) وهو بالعبرية "ماشاليم" (أي أمثال). وقد ذكر في كتابات الربانيين بالمفرد من هذا الاسم أي "ماشال" משל (أي مثل) وهو بالأرامية "مثلًا"، لكنه جاء في التلمود باسم المؤلف أي باسم "ابن سيراخ". ولم يُذْكَر له عنوان في القصاصات العبرية التي عثر عليها حديثًا.
أما في المخطوطات اليونانية، فيذكر باسم "حكمة يشوع بن سيراخ" أو "حكمة سيراخ". ودعاه الآباء (مثل يوسابيوس وغيره) "الحكمة كلية الفضيلة". ودعاه كليمندس السكندري "المعلم". والعنوان العبري الأول وكذلك العناوين العبرية المختلفة تعبر عن الموضوع. لكن ورد في أحد العناوين العبرية باسم المؤلف سيراخ".
أما الاسم اللاتيني "إكليزيستكاس" (Ecclesiasticus) أي "الكنسي" فقد أطلق على الكتاب لأنه كان أحد الكتب المسموح بقراءتها في الكنيسة "إكليزيا" (Ecclesia). وقد أُطْلِق هذا الاسم على هذا السفر -كما هو بين أيدينا- منذ زمن كبريان. والعنوان السرياني (في البشيطة) هو سفر "يشوع بن سمعان أسيرا" وذلك كما ورد في نسخة لندن المتعددة اللغات، ودُعِيَ أيضًا "سفر الحكمة" لبارأسيرا (كلمة "بار" في السريانية تقابل كلمة "ابن" في العبرية والعربية). ولا شك أن "أسيرا" تحريف لاسم "سيراخ".
ثانيًا: قانونية السفر:
سفر يشوع بن سيراخ وهو أحد الأسفار القانونية الثانية، والتي يؤمن بها الأرثوذكس والكاثوليك ولكن يرفضها البروتستانت المنشقين عن الكاثوليك في القرن 16.
وهناك اقتباسات كثيرة منه في التلمود، وكتابات معلمي اليهود. وهناك استشهاد الكثيرين من الكُتَّاب اليهود والمسيحيين به بكل احترام، واعتباره سِفرًا مقدسًا من البداية.
ويشكل سفر "حكمة ابن سيراخ" جزءًا من "الفولجاتا" كما أقرها "مجمع ترنت"، فهو يعتبر من الأسفار القانونية الكتابية، أما الكنائس البروتستنتية (المعترضون) عند انشقاقهم عن الكاثوليك في القرن السادس عشر فلم تعتبره من الأسفار القانونية، رغم أن العديد من العلماء البروتستنت ينظرون إليه بعين التقدير والاعتبار. وقد قبله أغسطينوس ومجمع "هبو" (Hippo - عام 393 م)، ومجمعا قرطاجنة 397 م، 419 م. وقد اقتبس منه يعقوب الرسول في رسالته الكثير (انظر يع 1:2- 4 مع سيراخ 2: 1- 4؛ يع 1: 5 مع سيراخ 1:22 و23؛ 51: 20-23؛ يع 1:8 مع حكمة 5: 11). كما أقتبس منه آباء الكنيسة في كتاباتهم أكليمندس السكندري وأوريجانوس وأغسطينوس وغيرهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. أما قوانين الرسل فتذكر الاقتباسات منه مسبوقة بعبارة "كما يقول الكتاب". وقد تضمن كتاب صلوات الكنيسة الإنجليكانية أجزاء منه.
ثالثًا: محتويات السفر:
لا يمكن اكتشاف خط فكري واحد في هذا السفر لكونه من الأسفار الحكمية مثل أمثال سليمان..
ويسير السفر على منوال سفر الأمثال، إذ يتكون من عبارات بليغة موجزة زاخرة بالمعاني.. ولكن تحكمها جميعها فكرة أن الحكمة الحقيقية يجب أن تكون الهدف الرئيسي للإنسان.
والسفر في غالبيته مكتوب بأسلوب شعري، حتى الأجزاء المكتوبة نثرًا يظهر فيها التوازي المميز للشعر العبري. فهدفه الأساسي هو أن الحكمة هي أهم كل شيء.
ويقسم "إيشهورن" السفر إلى ثلالة أقسام: يضم الأول الأصحاحات من (سي 1-23)، والثاني من (سي 24 - 42: 14)، والثالث من (سي 42: 14 - 24:50).
ويقسم "جوليان" السفر إلى ثلاثة أقسام أيضًا. أما سكولز (Scholz) فيقسمه إلى اثنى عشر قسمًا، و"فريتز" (Fritzsche)، و"ريسل" (Ryssel) يقسمانه إلى سبعة أقسام، وإدرشيم ومولتن يقسمانه إلى خمسة أقسام، إلى غير ذلك من التقسيمات. كما لاحظ البعض منذ البداية وجود أجزاء مستقلة، وضعوا لها عناوين فرعية. فوضعوا عنوان "ضبط النفس" للجزء الذي يبدأ بالعدد الثلاثين من الأصحاح الثامن عشر (سي 18: 30)، وعنوان "أمثال" للجزء الذي يبدأ من (سي 27:20)، و"أدب الفم" للجزء من (سي 7:23)، و"مدح الحكمة" من (سي 24: 1)، و"بخصوص الأطفال" من (سي 30: 1)، و"الصحة" من (سي 30: 14)، و"الأطعمة" من (سي 30: 16)، و"الخدم والعبيد" من (سي 33: 24)، و"الحكام" (سي 35)، و"مدح الآباء" من (سي 44: 1)، و"صلاة يشوع بن سيراخ" من (سي 51: 1).
وقد أصبح هذا السفر أحد الكتب الهامة التي تُقْرَأ في الكنيسة، وما زالت بعض الطبعات تحتوي على هذه العناوين.
رابعًا: التعليم:
يمكن القول إن المبادئ الواردة في هذا السفر تتفق بصفة عامة مع مبادئ مدرسة الحكمة عند يهود فلسطين في ذلك الوقت (حوالي 250 ق. م.).
وهناك العديد من التفاسير المسيانية والرجاء المسياني في السفر تتماشى مع (2 صم 7)، مثل ما ذُكِر في (سي 47: 13) عن داود: "الرَّبُّ غَفَرَ خَطَايَاهُ، وَأَعْلَى قَرْنَهُ إِلَى الأَبَدِ. عَاهَدَهُ عَلَى الْمُلْكِ وَعَرْشِ الْمَجْدِ فِي إِسْرَائِيلَ"، وكلمة "قرن" קֶרֶן (كيرين) تُستخَدَم كثيرًا في التعبيرات الداودية والمسيانية (حز 29: 21؛ مز 132: 17؛ زك 6: 12؛ إر 33: 15). وهي تُسْتَخْدَم في تسبحة زكريا Benedictus (لو 1: 68-79): "وَأَقَامَ لَنَا قَرْنَ خَلاَصٍ فِي بَيْتِ دَاوُدَ فَتَاهُ" (لو 1: 69) بالإشارة عن السيد المسيح.
وكذا يتنبأ السفر عن قيام مملكة المسيا في نفس الأصحاح (سي 47)، فيتحدث عن أن مملكة داود وسليمان ستبقى إلى الأبد ويقول: "لاَ يُدَمِّرُ أَعْقَابَ مُصْطَفَاهُ، وَلاَ يُهْلِكُ ذُرِّيَّةَ مُحِبِّهِ. فَأَبْقَى لِيَعْقُوبَ بَقِيَّةً، وَلِدَاوُدَ جُرْثُومَةً مِنْهُ" (سي 47: 24-25)، كقول إشعياء النبي: "وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ.. وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ، إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ، وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْدًا" (إش 11: 1، 10).
ويرى بعض العلماء الألمان أن الكتاب يضم العديد من التعبيرات السكندرية والأقوال المميزة لفلسفة الإسكندرية.
والخطوط الرئيسية في تعليم يشوع بن سيراخ يمكن تناولها من ثلاثة جوانب: الدين والأخلاق والسلوك.
(أ) الدين:
(1) الله: يتفق هذا السفر- بصفة عامة- فيما يذكره عن الله مع أسفار العهد القديم الأخيرة التي كُتِبَت منذ السبي وما بعده. فالله موجود في كل مكان (سي 16:17 -23) وقد خلق العالم كوحدة منظمة (سي 26:16-30) ووضع في الإنسان ذكاء، وسلطه على كل ذي جسد. وقد صاغ النبي عباراته على نمط ما جاء في الأصحاح الأول من سفر التكوين، ويمكن الاستدلال منها على أنها تعني الخلق من العدم. والعالم هو خليقة الله من لا شيء. والله رحيم وغفور (سي 24:17- 28) وأعماله لا تُسْتَقْصَى (سي 18: 2 - 4)، ورحمته هي لكل ذي جسد (سي 18:12) أي لكل الذين يقبلون تأديبه ويبادرون إلى العمل بأحكامه (سي 18: 14). كما أن الله "هو الكل" (سي 43: 29) وهو ما يعني ببساطة أن الله موجود في كل مكان وأنه أصل كل شيء.
(2) الإعلان: يتفق سيراخ مع سائر كتابات "الرجال الحكماء" في إضفاء قيمة كبيرة على الدين الطبيعي، ذلك الدين الذي تعلنه فطرة وعقل وضمير الإنسان، كما تعلنه الشمس والقمر والنجوم... إلخ. إلا أن سيراخ يؤكد بشدة أن الإرادة الإلهية معلنة بشكل خاص في شريعة موسى (سي 33:24؛ 35: 1 - 11؛ 45: 1- 6) بينما لا نجد كلمة الشريعة ولا مرة واحدة في سفر "الجامعة"، كما لا نجد الشريعة (بمعنى شريعة موسى) في سفري الحكمة والأمثال. أما في سفر ابن سيراخ فترد الكلمة أكثر من عشرين مرة، لكنها لا تعني دائمًا الأسفار الخمسة حتى عند التعبير عنها "بأسفار موسى". إنها تتضمن أيضًا - بصفة عامة- النبوات وسائر الأسفار (سيراخ 8:34؛ 35: 1-3؛ 39: 11).
(3) الخطية: ترجع الخطية إلى ممارسة الإنسان الخاطئة لحريته، ويستطيع الناس -متى أرادوا- أن يحفظوا الوصايا، وهم وحدهم الملومون إذا خالفوها "فإن شئت حفظت الوصايا" (سي 14:15 -17). أما الخطية فقد دخلت إلى العالم عن طريق المرأة (حواء)، وبالخطية دخل الموت (سي 33:25؛ انظر 1تي 2: 14) وبهذا يذكر الخطية الأصلية صراحة.
(4) التعيين السابق: يعلم سيراخ بالتعيين السابق بدون إهدار لتأكيد"حرية الإرادة". فالرب قد مَيَّز بين البشر، "فمنهم من باركه وأعلاه ومنهم من قدسه وقربه إليه ومنهم من لعنه وخفضه ونكسه من مقامه" (سي 33: 10-12).
(5) الشيطان: ذُكِرَ في (سي 21: 30).
(6) الخلاص: لا خلاص للإنسان إلا عن طريق أعماله الصالحة: "كل عمل فاسد يزول وعامله يذهب معه، وكل عمل منتقي يُبَرِّر وعامله يكرم لأجله" (سي 14: 20، 21). وكذلك العفو من جانب الله: "ما أعظم رحمة الرب وعفوه للذين يتوبون إليه" (سي 17: 26- 28)، والكفارة الوحيدة هي من خلال أعمال الإنسان الصالحة وإكرام الوالدين (سي 3: 4- 8)، و"الصدقة" (سي 3: 33؛ 17: 18).
(7) الذبيحة: ذبيحة الشرير مكروهة أمام الرب (سي 34: 21 - 27)، مع أن الرب نفسه قد عين الذبائح والباكورات (سي 45: 20- 25). وعندما يقدم البار ذبائح فهي مرضية عند الرب وذكرها لا ينسى: "ذبيحة الرجل الصديق مرضية وذكرها لا ينسى" (سي 8:35، 9).
(8) الأعياد: رسم الرب الأعياد والمواسم ليحتفل بها الإنسان (سي 8:33، 9؛ انظر تك 1:14).
(9) الصلاة: جاءت إشارات كثيرة في هذا السفر إلى واجب الصلاة (سي 37: 19) وتحددت الاستعدادات اللازمة للصلاة (سي 17: 22- 25؛ 18: 20-23)، والوعد بنتيجتها الناجحة (سي 16:35- 22)، ولا ينبغي أن نكرر الكلام باطلًا (سي 7: 15؛ أنظر مت 7:6)، وينبغي ألا تكون بقلب مرتاب (سي 28:3؛ 5: 10- 16؛ أنظر يع 1:6). وينبغي أن يصلي الناس عند المرض (سي 9:38)، ولكن يجب استشارة الطبيب واتباع نصيحته: "أعط الطبيب كرامته لأجل فوائده فإن الرب خلقه، لأن الطب آت من عند العلي... الرب خلق الأدوية من الأرض والرجل الفطن لا يكرهها" (سي 38: 1- 12).
(10) الملائكة: وكلمة "ملاك" في العبارة: إن الرب "ضرب محلة أشور وملاكه حطمهم" (سي 24:48؛ انظر 2مل 19: 35)، جاءت في الأصل العبري "الوباء"، كما وردت كذلك في الترجمة السريانية، ولكها وردت "ملاك" في الترجمة السبعينية وحذت حذوها الفولجاتا.
(11) الأخرويات والثواب في الدنيا: يجازي الناس حسب أعمالهم في هذه الدنيا (سي 2: 10- 17؛ 13:9؛ 11:28). والجزاء لا يقتصر على الأفراد في حياتهم، لكنه يمتد إلى أبنائهم، ويتضمن ذلك تمجيد اسمهم أو هوانه بعد الموت (انظر 28:11 - 30؛ 40: 15؛ 8:41-12؛ 44: 11- 15).
كما ذكر أن "عِقَابَ الْمُنَافِقِ نَارٌ وَدُودٌ" (سي 19:7) و"الجحيم": "اُذْكُرْ أَنَّهُمْ إِلَى الْجَحِيمِ لاَ يَتَزَكَّوْنَ" (سي 17:9). وكذا يتحدَّث عن العقاب الأبدي (سي 41: 13).
ويصلي سيراخ من أجل عودة إسرائيل وأورشليم (سي 36: 1- 19)، على رجاء مجيء مملكة المسيا.
(12) عقيدة سيراخ عن الحكمة: سنذكر هنا كلمة مختصرة عن المقصود بالحكمة في سيراخ. ونجد في الأصحاحين الأول والرابع والعشرين تعليم سيراخ عن الحكمة. إن الحكمة هي من الله، فهو الذي خلقها، فلا بد أن يكون لها وجود منفصل، إلا أنها تعتمد عليه. وهي كلية الوجود، وتحل -بمعنى خاص- في كل جسد. إن أصل الحكمة وكمالها وتاجها هي مخافة الرب (سي 1: 11، 16، 17؛ 20- 25). والرب يمنحها لمحبيه المؤمنين باسمه (سي 1: 10، 16)- والحكمة هي مخافة الرب والعمل بالشريعة (سي 19:18، 19)، بل هي مرادفة لشريعة موسى (سي 32:24، 33)، أي أنها تتضمن المبادئ العملية والقواعد المنظمة للحياة. وفي هذه العقيدة تجتمع شمولية الخلاص (سي 3:24- 21) مع تخصيص اصطفاء الله لليهود كما تقول الشريعة المعطاة من الله (سي 23:24- 34).
(ب) الأخلاق:
الشكر لله على محبته البادية وأعماله الرحيمة التي صنعها، هو أساس كل التضرعات والنذور التي لا حصر لها. ومجازاة الإنسان -ثوابًا أو عقابًا- على السلوك الصالح أو الرديء، يتم في هذا العالم الحاضر (سي 7:2، 8؛ 11 :17؛ 16:8 - 11؛ 9:45- 13)، وكذا في الحياة الآخرة (سي 41: 13).
العلاقات: "أحسن إلى التقي فتنال جزاء، إن لم يكن من عنده فمن عند العلي" (سي 2:12). ويوضح كيف أن الأمانة في الصداقة تفيد الشخص نفسه كذلك "ابق أمينًا للقريب في فقره لكي تشبع معه من خيراته" (سي 28:22)، وفي والوقت ذاته يوضح أن صداقة المصلحة فقط (الصداقة القائمة على المصلحة أو المصالح) هي أمر سيء: "رُبَّ صَدِيقٍ إِنَّمَا هُوَ صَدِيقٌ بِالاِسْمِ.. رُبَّ صَاحِبٍ يَتَنَعَّمُ مَعَ صَدِيقِهِ فِي السَّرَّاءِ، وَعِنْدَ الضَّرَّاءِ يُضْحِي لَهُ عَدُوًّا. رُبَّ صَاحِبٍ لأَجْلِ بَطْنِهِ يَجِدُّ مَعَ صَدِيقِهِ" (سي 37: 1، 4-5)، كما يحض على تذكر أصدقاء الفقر وقت الغنى: "لاَ تَنْسَ صَدِيقَكَ فِي قَلْبِكَ، وَلاَ تَتَغَاضَ عَنْهُ وَأَنْتَ مُوسِرٌ" (سي 37: 6).. إلخ.
وهناك الكثير من الوصايا السامية، فيوصينا يشوع بن سيراخ بالشفقة على الفقير والترفق به ومعاونته: "كن طويل الأناة على البائس... أعن المسكين وفي عوزه لا ترده فارغًا... الرجل الصالح يكفل القريب" (سي 29: 11، 12، 19). كما يدعو إلى "الصدقة" (سي 3:12)، والحديث بلطف (سي 18: 15- 19). وعلى السادة أن يعاملوا العبيد والخدم كإخوة لهم، بل وكما يريدون أن يعاملهم الآخرون (سي 7: 23؛ 33: 31)، وعلى الوالدين أن يهتما بتربية الأبناء تربية قويمة (سي 7: 25، 26). وعلى الأبناء أن يحترموا والديهم ويطيعوهم (سي 3: 1- 16). وعلى الناس أن يدافعوا عن الحق ويجاهدوا في سبيله، فيدافع الرب عنهم (سي 33:4)، والكبرياء ممقوتة عند الله والناس (سي 10:7). أما الوداعة والتواضع (سي 3: 19، 20) والصفح والتسامح (سي 28: 2) فمطلوبة.
(ج) السلوك:
إن سفر سيراخ كتاب لقواعد آداب السلوك، مثلما هو كتاب للأخلاق. والدافع على السلوك الطيب هو حياة الإنسان في الدنيا والآخرة. ويعطي سيراخ للسلوك اهتمامًا كبيرًا.. مثلما يذكر كيف أنه عندما يدعى الإنسان إلى مأدبة ينبغي ألا يبدو جشعًا، أو أن ييادر إلى أخذ أجود الأصناف المُقَدَّمة، وينبغي أن يكون أول مَنْ يمسك عن الطعام، ولا يكون نَهِمًا لا يشبع (سي 12:31- 18). والاعتدال في الأكل لازم للصحة وللمظهر الكريم (سي 31: 19- 25). والنواح على الأموات واجب اجتماعي، فيجب أن يتم بحرص، فالتقصير في مثل هذا الأمر يسيء إلى السمعة (سي 6:38 1- 22). ومن الخطأ أن تقف أمام أبواب الناس لتتطلع أو تتسمع. الجُهَّال فقط هم الذين يفعلون هكذا (سي 21: 26، 27). وقد امتدح النبي مجلس الموسيقى والخمر بل وألحان المغنين (سي 7:32 و8). ويحذر النبي من المرأة الشريرة (سي 17:25 -36)، وعلى الرجل أن يحذر من المغنيات والراقصات والزواني، فالخطية شر يجب أن نخشاه ونتجنب الوقوع فيه (سي 9: 1- 13؛ 26: 10- 15)، "من المرأة ابتدأت الخطيئة وبسببها نموت نحن أجمعون" (سي 33:25)، كما جاءت عبارات إطراء ومديح للمرأة والزوجة الصالحة (سي 25: 11؛ 26: 1-7، 16-24؛ 36: 23، 26؛ 40: 19)، وكذلك في تقريظ سعادة البيت الذي يعيش فيه الزوج والزوجة معًا في صفاء (سي 2:25-4).
(د) نصائح للفطنة:
"لا تقرض مَنْ هو أقوى منك، فإن أقرضته شيئًا فاحسب أنك قد أضعته" (سي 8: 15). وليس من الحكمة أن يكفل الإنسان غيره (سي 16:8؛ 18:29- 26)، إلا أنه يمكن أن يكفل الرجل الصالح ويقرضه أيضًا (سي 29: 1- 3). ويلزم التنويه بأن إقراض الآخرين وكفالتهم كانا يعدان في تلك الأيام من أعمال الرحمة البسيطة الخالصة، فقد كانت الشريعة اليهودية تحرم الربا بأي شكل من الأشكال. ويقول أيضًا إن: "الزلة عن السطح ولا الزلة من اللسان" (سي 20: 20)، لذلك كن حارسًا لفمك، "الحكيم في الكلام يشتهر والإنسان الفطن يرضي العظماء" (سي 2: 29).
خامسًا: الأسلوب الأدبي:
الجزء الأكبر من السفر مكتوب في قالب شعري، يشيع فيه الطباق الذي يميز الشعر العبري مثل سفر الأمثال، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وللشعر العبري فيه وزن ثابت محدد، في حين يرى البعض غير ذلك. كما يوجد الطباق أيضًا في الأجزاء النثرية من سفر يشوع بن سيراخ. وتشابه الموضوعات هو وحده الذي يقوم عليه ترتيب المقطوعات الشعرية.
سادسًا : كاتب السفر:
(1) يشوع بن سيراخ: جاء اسم كاتب السفر بوضوح في مقدمة هذا السفر. وقد جاء في أفضل الترجمات اليونانية للسفر أن النبي هو "يشوع بن سيراخ الأورشليمي" (سي 50: 29)، أما في النص العبري، فالنبي هو "يشوع بن أليعازار بن سيراخ". وهكذا يمكن أن يكون النبي حفيد سيراخ وليس ابنه. ولا نعرف عن ابن سيراخ أكثر مما يمكننا أن نستخلصه من السفر ذاته.
كان ابن سيراخ يقيم في فلسطين كيهودي قويم الرأي، وكان ضليعًا في الأدب اليهودي، حصيفًا بعيد النظر في شؤون الحياة، ميالً إلى الفلسفة، لكنه أمين مخلص لإيمان أمته. لقد سافر إلى جهات بعيدة وشاهد الكثير (سي 34: 10 -13)، كما كانت اهتماماته شاملة ، كما كان واسع الأفق مما يحمل على الظن بأنه كان كاهنًا أو كاتبًا.
(2) وجهات نظر أخرى: هناك افتراضات كثيرة عن هوية الكاتب، منها:
(أ) أن الكاتب كان أحد الكهنة، حيث أنه يتحدث كثيرًا عن الكهنوت، كما أن هناك لإشارات كثيرة في السفر عن الذبائح (سي 7:31 - 35) وله قصيدة طويلة في مدح هرون وكهنوته العظيم (سي 45: 7 - 26). لكن لم يكتب ابن سيراخ السفر بصفته كاهنًا.
(ب) أن الكاتب كان رئيس كهنة، وهو ما يعتقده سينسلّوس (syncellus) بسبب فهم جزء في تاريخ يوسابيوس.
(ج) أن الكاتب كان طبيبًا، استنتاجًا مما كتبه في مدح الطبيب ووصف علاجه (سي 38: 1 - 14؛ 10: 11، 12)، ولكن هذا يعتبر أساسًا واهيًا لهذا الافتراض.
(د) أن الكاتب كان أحد الاثنين والسبعين شيخًا الذين قاموا بالترجمة السبعينية، ولكن لا دليل على ذلك.
(ه) ما من أحد قط يعتقد بأن سليمان هو كاتب هذا السفر، رغم أن الكثيرين من الآباء الأولين اعتقدوا أن سليمان هو كاتب أسفار الحكمة الخمسة وهي: الأمثال - الجامعة - نشيد الأنشاد - سيراخ - الحكمة.
سابعًا : وحدة السفر وأصالته:
في هذا السفر تجانس في الأسلوب والتعليم، مما يجعل غالبية العلماء يتفقون على نسبة السفر كله إلى ابن سيراخ (فيما عدا المقدمة فهي من وضع المترجم). وأول مبدأ من مبادئ الحكمة أن الموقف هو الذي يستدعي التصرف السليم حسب الحالة، ومن غير الحكمة تطبيق نفس القواعد في كل الحالات، مثل حالات الكافل (سي 29: 19) أو رفض الكفالة (سي 8: 16؛ 29: 24)، وأقواله في مدح المرأة الصالحة (سي 25:2، 11؛ 26:1 - 4، 16 - 19؛ 36: 24 - 28) ثم إدانة المرأة الشريرة (سي 25:17، 19؛ 26 :8 - 15).. وكل هذا منطقي بل وعكسه هو المرفوض.
ويوجد في القصاصات العبرية التي اكتشفت أخيرًا مزمور بين العددين الثاني عشر والثالث عشر من الأصحاح الحادي والخمسين (في الترجمة اليونانية، والترجمة الإنجليزية).
ثامنًا : تاريخ كتابة السفر:
في السفر دليل يحدد تاريخ كتابته (سي 50:1)، كما يوجد دليل آخر في المقدمة، إلا أن كلا التاريخين غامضان للأسف. ففي المقدمة يقول المترجم - وهو حفيد كاتب السفر (ويسمونه سيراخ الأصغر) - إنه جاء إلى مصر فوجد هذا السفر فترجمه في زمن الملك بطليموس "إيورجيتس" Euergetes ملك مصر. ولكن هناك ملكين بهذا الاسم، هما: بطليموس فيزكون Physcon أو إيورجيتس الثاني (170 - 116 ق. م.). كما أن السفر يذكر سمعان أونيا الكاهن الأعظم بين العظماء الذين يمتدحهم (سي 50: 1) وذلك في آخر القائمة، ولعله كان معاصرًا لسيراخ الأكبر. ولكن أيضًا كان هناك رئيسان للكهنة بنفس الاسم: "سمعان بن أونيا" وهو "سمعان الأول" ابن " أونيا الأول" (310 - 290 ق.م) و"سمعان الثاني" ابن "أونيا الثاني" (218 - 198 ق.م) ويختلف العلماء حول أي ملك من الملكين هو المقصود في المقدمة، وأي سمعان من السمعانين هو المقصود في العدد الأول من الأصحاح الخمسين.
(1) وجهات نظر أكثر احتمالًا: والنتائج التي وصل إليها كاتب هذا البحث هي أن: سمعان الأول (المتوفي في 290 ق.م.) هو رئيس الكهنة المقصود، وأن بطليموس السابع "فيزكون" (170-116 ق.م) هو إيورجيتس المقصود.
ومما يؤيد الافتراض الأول ما يلي:
(أ) لا بُد أن السفر قد كتب بعد انقضاء وقت طويل على موت سمعان يسمح بأن تتجمع حول اسمه شهرة كبيرة. والإشارة إليه كبطل من أبطال الماضي تدل على أنه كان قد مات منذ زمن طويل. فإذا افترضنا أن سمعان كان قد مات في 290 ق.م. -كما يُحْتَمَل- فالاستنتاج المعقول هو أن الأصل العبري يكون قد كُتِبَ في وقت لاحق لعام 250 ق.م. ولو أن سمعان الثاني هو الرجل المقصود، لكان من غير المحتمل إطلاقا أن يكون قد كتب قبل 150 ق.م.، وهو أمر غير ممكن قبوله.
(ب) في قائمة العظماء المذكورة في الأصحاحات من (سي 44 - 50)، تنشد المدائح لسمعان (سي 50: 1 - 23) بعد مدح نحميا (سي 49: 15) مما يدل على أن الفارق الزمني بينهما لم يكن كبيرًا.
(ج) إن "سمعان البار" الذي ذكره يوسيفوس هو بالتأكيد سمعان الأول، لأن يوسيفوس يقول إنه سمي "بالبار" لتقواه وورعه.
(د) الأرجح أن "سمعان البار" المذكور في "المشنا" هو أيضًا سمعان الأول، وان يكن هذا غير مؤكد، فقد قيل عنه إنه كان أحد أواخر أعضاء المجمع الكبير، وهو في التلمود البطل الذي تدور حول تمجيده أساطير كثيرة. ومن المعروف أن المجمع الذي يطلق عليه اسم "المجمع الكبير" لم يكن له وجود حقيقي، ولكن التاريخ المذكور له في التقليد اليهودي، يؤكد أن سمعان الأول هو المقصود.
(ه) في الترجمة السريانية (البشيطة)، توجد في العدد الثالث والعشرين من الأصحاح الخمسين هذه العبارة: "ليثبت (السلام) مع سمعان البار". وقد وردت في بعض المخطوطات "سمعان الرحيم"، وقد لا تكون هذه العبارة أصيلة رغم تأييد بعض العلماء لها. ولكنه نفس لقب سمعان الأول كم ذكره يوسيفوس والمشنا والتقليد اليهودي.
(و) الإشارات الوحيدة إلى سمعان الثاني في التاريخ وفي التقليد اليهودي، تصوره في صورة غير مرضية، ففي الأصحاح الثالث من المكابيين الثاني، نجد أنه هو الذي وشى للقائد السوري بأن خزانة الهيكل "مشحونة من الأموال بما لا يستطاع وصفه" (2 مك 3:6). ومع أن هذه الرواية قد لا تكون رواية تاريخية، إلا أنه لا بُد أن ثمة أساسا لها. كما أن يوسيفوس يقول عنه إنه وقف مع أبناء طوبيا ضد هيركانوس بن يوسف، وكان أبناء طوبيا في الجانب الخاطئ من وجهة نظر اليهود قويمي الرأي.
(ز) يذكر عن "سمعان بن أونيا الكاهن الأعظم" أنه رمم الهيكل وحصّن المدينة. ويقول أحد العلماء (إدرشيم) إن الهيكل والمدينة كانا فعلًا في حاجة لهذه الترميمات في زمن سمعان الأول وليس في زمن سمعان الثاني - لأن بطليموس الأول (247 - 222 ق.م) في حروبه مع ديمتريوس، هدم الكثير من الحصون في فلسطين ليمنع سقوطها في يد العدو، وذكر بين هذه الحصون عكا ويافا وغزة، ومن الطبيعي أن يمتد ذلك إلى العاصمة ومقادسها. ولكن ديرنبورج (Derenbourg) يقول إن سمعان الثاني هو المقصود لأنه بناء على ما ذكره يوسيفوس نجد أن أنطيوكس الكبير (223 - 187 ق.م) كتب لليهود خطابًا تعهد فيه بإعادة بناء مدينة أورشليم وهيكلها. ولكن هذا لا يعني مطلقًا أن سمعان الثاني - أو أي إنسان آخر في ذلك الوقت - قام بإعادة بناء أي منهما.
(ح) إن "إيورجيتس" المذكور في المقدمة والذي تمت الترجمة في أيامه، لا بُد وأن يكون هو بطليموس السابع " فيزكون" (Physcon) أي "إيورجيتس الثاني"، ويدل على ذلك ما ذكره مترجم السفر من أنه جاء إلى مصر في السنة الثامنة والثلاثين. والأرجح أنه يقصد بذلك السنة الثامنة والثلاثين من حكم إيورجيتس، إذ ما الداعي لأن يذكر سيراخ الأصغر عمره هو إن "إيروجتس الأول" لم يملك سوى خمس وعشرون سنة، أما "إيروجيتس الثاني" (فيزكون) فقد ملك أربعًا وخمسين سنة، ففيما بين 170 - 145 ق.م. اشترك مع أبيه في الحكم، ومن 145 - 116 ق. م. انفرد بالحكم. فلو قبلنا هذا التفسير، لأصبحت القضية منتهية. إلا أن وستكوت (Westcott) يقول: إن الكلمات لا تعني سوى أن المترجم قد جاء إلى مصر في عامه الثامن والثلاثين في أثناء حكم " إيورجيتس "، ويردف بالقول : "إن الاستنتاج الآخر الذي تبناه " إيشهورن " يختلف تمامًا مع البناء النحوي للعبارة.
ولكن مارجليوت يؤيد وجهة النظر القائمة بأن المقصود هو "سمعان الأول" وهي وجهة النظر المقبولة الآن عند جميع العلماء تقريبًا. لذلك يمكننا أن نفترض أن الأصل العبري للسفر قد كُتِبَ حوالي 240 - 200 ق.م. أي بعد خمسين عامًا أو أكثر من موت "سمعان الأول" وأن الترجمة إلى اليونانية تمت حوالي 130 ق.م. لأن سيراخ الأصغر جاء إلى مصر في 132 ق.م. مما يجعلنا نفهم - مما ورد في المقدمة، أنه ترجم الأصل العبري -الذي كتبه جده- بعد وصوله مباشرة إلى مصر.
أما إذا كان "سمعان الثاني" (المتوفي في 198 ق.م.) هو المقصود في الأصحاح الخمسين، فيعني هذا أن السفر قد كُتِب أصلًا (حوالي 150 ق.م.). ولا بُد أن الترجمة قد تمت -في هذه الحالة- بعد حوالي عشرين سنة من كتابة الأصل العبري. وهذه النتيجة تناقض ما لدينا من أدلة. فتعليم السفر ينتمي إلى 200 ق.م. أو إلى ما قبل ذلك بقليل.
(2) موجز عن وجهات النظر الأخرى:
(أ) إن إيورجيتس المذكور في المقدمة وسمعان المذكور في الأصحاح الخمسين. هما المدعوان بـ"الأول" في الحالتين (وهو رأي هوج وشولز وولت وكيل وإدرشيم وغيرهم) وبناء على ذلك يكون السفر قد كتب بعد 290 ق.م. ولعله كتب في 250 ق.م. أو بعد ذلك بقليل، تمت الترجمة في تاريخ بعد 220 ق.م. ولعله 200 ق.م.
(ب) ان " إيورجيتس الثاني" (المتوفي 116 ق.م.) ، وسمعان الثاني (المتوفي 198 ق.م.) هما المقصودان (حسب رأي إيشهورن ودي ويت وإيوالد وفرانز ديلتز وشورر وغيرهم).
(ج) يقول هيتزيج (Hitzig) إن السفر الأصلي من إنتاج عصر المكابيين. وهو افتراض بعيد لأن السفر لا يذكر شيئًا على الإطلاق عن المكابيين، كما أنه يمتدح أسرة صادوق الكهنوتية (سي 50)، وهذه الأسرة لم تحظّ بالاحترام في زمن الحروب المكابية نظرًا لتعاطفها مع الحزب الهليني.
تاسعًا : اللغات الأصلية للسفر:
(1) كتب أصلًا بالعبرية: توصل كل العلماء تقريبًا إلى نتيجة واحدة، وهي أن سيراخ كتب أصلًا بالعبرية، حتى من قبل اكتشاف القصاصات الهامة التي يحتمل أن تكون هي النص العبري الأصلي لهذا السفر:
(أ) تذكر مقدمة السفر بكل جلاء حقيقة كتابته أصلًا بالعبرية.
(ب) يذكر جيروم أنه رأى الأصل العبري - ولعله نفس النص الموجود في القصاصات التي نشرت حديثًا، وإن كنا على غير يقين من ذلك.
(ج) في كتب اليهود ومعلميهم (الرابين) اقتباسات كثيرة من نفس النص العبري.
(د) هناك بعض التوريات اللغوية في السفر العبري، ضاعت في الترجمة اليونانية. ولكنها عادت للظهور في النص العبري المُكْتَشَف حديثًا (مثل 43: 8) "القمر باسمه سمى الشهر في تغييره يزداد زيادة عجيبة" (حسب الترجمة العربية) لكن الكلمتين العبريتين المقابلتين لكلمتي "القمر" و"يزداد" في العربية، فيهما تورية في العبرية لأنهما مشتقتان من أصل عبري واحد.
إن الافتراض القوي الذي سانده العلماء في الماضي، من أن هذا السفر كتب أصلًا بالعبرية، قد تأكد عمليًا باكتشاف القصاصات الأربع التي تمثل الأصل العبري. والتي اكتشفها دكتور ششتر (Schechter) وآخرون في 1896 م. وما بعدها، وتحوي هذه القصاصات ما يزيد كثيرًا عن نصف السفر كله. وقد وُجِدَ النص متطابقًا في الأجزاء المتكررة في القصاصات، مما يؤكد أن ما تحويه هو النص الأصلي للسفر.
(2) وجهة نظر مارجليوت: حاول د. س. مارجليوت (Margoliouth) في كتابه: "النص العبري الأصلي لسفر ابن سيراخ " - 1899م) أن يبرهن على أن النص العبري في القصاصات المكتشفة إنما هو ترجمة من الفارسية المنقولة عن اليونانية والسريانية، لكن ما أورده من براهين، لم تقنع العلماء:
(أ) يشير إلى كلمات في العبرية ليس لها معنى في تلك اللغة، ويحاول أن يبين أنها كلمات فارسية مقنعة، وفي الواقع، إما أن الناسخ قد أخطأ في هذه الحالة، أو أن الكلمة لم تحل شفرتها.
(ب) تظهر بعض هوامش فارسية، لكنها ليست جزءًا من النص الأصلي، أضافها -بلا شك- قارئ أو ناسخ فارسي.
(ج) في حالات كثيرة يمكن إثبات أن النص العبري أحسن صياغة وأقدم نصًا من اليوناني والسرياني.
(د) أما من جهة اللغة والأسلوب فيتفق بناء غالبية الجمل مع العبرية الفصحى للعهد القديم، ولكن مفردات اللغة تجعلها أقرب إلى الأسفار المتأخرة من العهد القديم، لذلك نجد استخدام حرف العطف "الواو" مع الأفعال الناقصة (سي 43: 23؛ 44: 9و23؛ 45: 2و3.. إلخ.)، ومع الأفعال التامة (سي 42:1، 8، 11)، وإن كنا نجده دائمًا في الأجزاء الأخيرة من العهد القديم.
ويمكن أن يُقال -بشكل عام- إن اللغة العبرية في ابن سيراخ هي لغة عصر ما بعد الأسفار المقدسة مباشرة. ويعتقد مارجليوت أن الترجمة العبرية الموجودة الآن لا ترجع إلى ما قبل القرن الحادي عشر، وهو أمر صعب، ويرجع خطأه في ذلك إلى الخلط بين زمن المخطوطة وزمن الترجمات الموجودة في المخطوطات.
(ه) ومع ذلك فمن المقرر أن الترجمة السريانية والترجمة اليونانية -في بعض الأحوال- يحتفظان بنص أقدم وأصح مما في العبري، ويرجع ذلك إلى أن الأصل العبري حدثت به أحيانًا أخطاء في النسخ والنقل إلى جانب بعض التغييرات المقصودة.
(و) إن الأساليب العبرية في الترجمة اليونانية، والتي لها في العبرية وقعها الصحيح الواضح، تشير إلى نفس النتيجة، وهي أن النص العبري هو الصورة الأصلية للسفر.
ولقد رد "سمند" (Smend) و"كونج" (Konig) و"نولدكه" (Noldeke) وكثيرون غيرهم على مارجوليوت. أما "بيكل" (Bickell) فيرى أن سفر يشوع بن سيراخ في العبرية -كما هو موجود بين أيدينا الآن- ليس سوى ترجمة عن اليونانية أو السريانية أو عن كليهما معًا.
عاشرًا - الترجمات:
(1) اليونانية: نقلت الترجمة السبعينية عن العبرية مباشرة وهي صحيحة إلى حد كبير، بالرغم من أن النص في كل المخطوطات الموجودة حاليًا، فيه خلط في بعض المواضع:
(أ) النص الموجود في النسخ الفاتيكانية والسينائية والإفرايمية، وفي جزء كبير من السكندرية، خال من الهوامش، ولكن عليهم بعض الملاحظات.
(ب) يوجد السفر في صورة أنقى في المخطوطة البندقية، وإحدى المخطوطات السينائية، وجزء من المخطوطة السكندرية. ويبدو أن كل المخطوطات اليونانية الموجودة بين أيدينا الآن، فيما عدا المخطوطة المكتوبة بحروف متصلة (المعروف برقم 284) ترجع إلى أصل واحد، حيث أنه في هذه المخطوطات جميعها نجد أن القسمين " (سي 30:25 - 33:15؛ 33:16 - 36:11) قد تغيرت مواضعها حتى إن الأصحاحات (سي 16:33- 11:36)، جاءت بعد (سي 24:30) مباشرة، والأصحاحات (سي 30:25 - 33:15) " جاءت بعد (سي 36:11). ويقبل غالبية العلماء التفسير الذي قدمه العالم " فريتشه" (Fritzche) ، وهو أن الدرجين اللذين سجل عليهما القسمان - نظرًا لتشابهما في الحجم والشكل - قد وضعا في ترتيب خاطئ. ومن جهة أخرى فإن المخطوطة "248" (القرن الرابع عشر) ليس فيها مثل هذا الخطأ. وهو نفس الشيء في الترجمات السريانية (البشيطة) واللاتينية والأرمينية، وأيضًا في الترجمة اليونانية الموجودة في النسخ متعددة اللغات (Polyglot) لأنها نقلت عن المخطوطة "248" وليس عن المخطوطات المكتوبة بحروف منفصلة. ومن أجزاء أخرى من النص اليوناني يتضح تفوق المخطوطة "248" على بقية المخطوطات الأقدم (الفاتيكانية والسينائية والاسكندرانية والأفرايمية والبندقية)، ففي المخطوطات اليونانية الأخرى، حذفت الآية "3:25" مثلما فعل معظم المفسرين قبل اكتشاف النص العبري، لكن المخطوطة " 248" احتفظت بهذه الآية، وتسير على منوالها كل الطبعات الحديثة.
(2) السريانية: من المعترف به بشكل عام أن الترجمة السريانية (البشيطة) قد نقلت عن العبرية، وهي ترجمة أمينة وإن كانت في بعض المواضع تتفق مع السبعينية أكثر منها مع العبرية، وربما كان ذلك بتأثير الفكرة غير الدقيقة من أن النص اليوناني هو الأصل. وفي هذه الترجمة يوجد القسمان: (سي 30: 25 - 33: 5)، (سي 33:16 - 36: 11) في موضعيهما الصحيحين كما في الأصل العبري، وهو برهان قوي على أن الترجمة السريانية لم تنقل عن اليونانية.
(3) اللاتينية: تتفق الفولجاتا مع الترجمة اللاتينية القديمة التي أخذت عن الترجمة السبعينية. وقد حاول بعض العلماء إثبات أن الفولجاتا مأخوذة عن الأصل العبري. والقسمان اللذان وضعا في أماكن خطأ في الترجمة السبعينية (ما عدا المخطوطة " 248") وضعا أيضًا في أماكن خطأ في اللاتينية مما يوحي أن الترجمة اللاتينية قد تكون نُقِلَت عن اليونانية.
* انظر أيضًا: معلومات عن أسفار الكتاب المقدس، تفاسير و دراسات سفر يشوع بن سيراخ.
_____
(1) توضيح من الموقع: تم مراجعة المقال حسب المصدر لتصليح أي أخطاء به.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/f3dd9ym