St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary  >   01_A
 

قاموس الكتاب المقدس | دائرة المعارف الكتابية المسيحية

شرح كلمة

أَبُو كْرِيفَا

 

اللغة الإنجليزية: Biblical apocrypha - اللغة اليونانية: Απόκρυφα.

 

كلمة يونانية معناها "مخفي" أو "مُخبأ" أو "سري". وقد وردت في سفر دانيال في الترجمة السبعينية (وهي ترجمة يونانية للعهد القديم) في (دا 11: 43) للتعبير عن الكنوز المخفية. كما وردت في (دانيال 2: 19) للدلالة على معرفة الأسرار المخفية عن علم البشر وقد وردت الكلمة في اليونانية في العهد الجديد ثلاث مرات: (مر 4: 22) "لأنه ليس خفي لا يظهر" و(لوقا 8: 17؛ كولوسي 2: 3) "المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم".

وقد كان هناك نوعان من المعرفة الدينية عند اليونان في ذلك الحين. النوع الأول كان يشمل عقائد وطقوسًا عامة يمكن لجميع طبقات الشعب معرفتها وممارستها، أما النوع الثاني فقد كان يشمل حقائق عميقة غامضة لا يمكن أن يفهمها أو يدرك كنهها إلا قلة من الخاصة ولذلك بقيت "مخفية" أو "أبو كريفية" عن العامة.

وقد أطلقت في العصور المسيحية الأولى على بعض الكتب غير القانونية في العهد القديم وكذلك في العهد الجديد. وكذلك الكتب التي قام البروتستانت بحذفها، ولكن يؤمن بها كل من الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية، ويطلق عيها اسم "الأسفار القانونية الثانية". ويمكن أن ندرك معنى الخفاء والسرّيّة في ذلك لان بعض هذه الكتب "رؤَوي" Apocalyptic تحدث عن أمور مستقبلة كانت بطبيعتها "مخفية" وكتبت في أوقات محنة لتشجيع الشعب.

فهناك قسم لا توافق عليه الكنيسة الأرثوذكسية، أما ما تقبله الكنيسة فيُطلق عليه اسم "أسفار قانونية ثانية".  لا نريد ازدواجية هنا في الموقع لا طائل لها!  يوجد قسم خاص عن الأسفار القانونية الثانية بموقع الأنبا تكلا.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ويطلق اسم "أبو كريفا" على مجموعة من الكتابات الدينية التي اشتملت عليها الترجمتان السبعينية والفولجاتا (مع اختلافات لا تذكر) زيادة على ما في الأسفار القانونية عند اليهود وعند الأرثوذكس وعند البروتستنت. ولكن ليس هذا هو المعنى الأصلي أو الصحيح. للكلمة -كما سنرى فيما بعد- وإن كان هذا هو مفهومها الجاري الآن.

ويطلق النقاد في العصر الحاضر على مجموعة هذه الكتابات اسم "أبو كريفا العهد القديم"، لأن بعض هذه الكتب على الأقل كتب باللغة العبرية -لغة العهد القديم- كما أنها جميعها أكثر انتماء إلى العهد القديم منها للعهد الجديد، ولكن توجد أيضًا أسفار أبو كريفا للعهد الجديد من أناجيل ورسائل.. إلخ.

كما أن كلمة"أبو كريفا" كثيرًا ما تطلق الآن على ما يسمى "بالكتابات المزيفة" وسميت هكذا لأنها تنسب إلى كتَّاب لا يمكن أن يكونوا قد كتبوها حقيقة (مثل أخنوخ، إبراهيم، موسى....... إلخ.)، فهذه الشخصيات المنسوبة إليها هذه الكتب من أشهر الشخصيات في تاريخ إسرائيل، ولا شك في أن الهدف من نسبتها إليهم هو لإضفاء أهمية وأصالة عليها.

 

الاسم أبو كريفا:

عندما أطلقت كلمة " أبو كريفا " على الكتابات الدينية، كانت تحمل معنى أنها قاصرة على دائرة معينة ضيقة، لا يمكن لمن هم خارج هذه الدائرة أن يفهموها.

فالكلمة بمعنى "خفي - غامض - مبهم - عويص".

كان هناك نوعان من المعرفة عند اليونانيين القدماء: النوع الأول يشمل عقائد وطقوسًا عامة لكل الناس، أما النوع الثاني فكان يشمل عقائد وطقوسًا غامضة عويصة لا يفهمها إلا فئة متمَّيزة خاصة، ولذلك بقيت " مخفية " عن العامة. ثم أطلقت كلمة " أبو كريفا " في العصور المسيحية على بعض الكتابات غير القانونية في العهد القديم، وكذلك في العهد الجديد، وبخاصة الكتابات التي تشتمل على "رؤى" تتعلق بالمستقبل والانتصار النهائي لملكوت الله.. إلخ.، إذ أنها أمور تسمو عن فكر البشر وحكمة " المطلعين ".

St-Takla.org Image: The word "Apocrypha", in English, Arabic, and Greek (ἀπόκρυφος) - design by Michael Ghaly for st-takla.org, 2020. صورة في موقع الأنبا تكلا: كلمة "أبوكريفا" باللغات الإنجليزية والعربية واليونانية - تصميم: مايكل غالي لموقع الأنبا تكلا، 2020 م.

St-Takla.org Image: The word "Apocrypha", in English, Arabic, and Greek (ἀπόκρυφος) - design by Michael Ghaly for st-takla.org, 2020.

صورة في موقع الأنبا تكلا: كلمة "أبوكريفا" باللغات الإنجليزية والعربية واليونانية - تصميم: مايكل غالي لموقع الأنبا تكلا، 2020 م.

والمسيحية ليس فيها شيء من هذا القبيل، فلا يوجد فيها شيء للعامة وشيء آخر للخاصة المتميزة، فالإنجيل -منذ أيامه الأولى- يكّرز به للفقراء والجهلاء والأغنياء والحكماء، كما أن الكتب المقدسة كانت تقرأ في الكنائس على مسامع الجميع. وكان القديس جيروم (تنيَّح حوالي 420 م.) والقديس كيرلس الأورشليمي (تنيَّح حوالي 386 م.) هما أول من أطلق لفظ " أبو كريفا " على ما جاء في الترجمة السبعينية زيادة عما في الأسفار العبرية القانونية.

ويمكن أن نفهم كيف بدأت مثل هذه الكتابات في الكنيسة الشرقية، متى علمنا أن كثيرين من أتباع الفلسفة اليونانية، قبلوا الإيمان المسيحي، وكان من الطبيعي أن ينظروا إليه من خلال الفلسفة القديمة. وقد رأى الكثيرون منهم بعض المعاني الصوفية في الأسفار القانونية، فضمنوا هذه المعاني كتبًا خاصة موجهة لفئة متميزة. وعلى نفس هذا المنوال نشأ بين اليهود -بجانب الناموس المكتوب- ناموس شفهي يتضمن تعاليم معلمي اليهود، التي وضعوها في مرتبة أعلى من سائر الكتب. وقد يجد الإنسان شبيهًا لذلك في نظرة بعض أتباع الطوائف المختلفة إلى مؤلفاتهم الخاصة واعتبارها ملزمة لهم أكثر من الكتاب المقدس نفسه.

وقد ساعد على حركة تأليف مثل هذه الكتب، المذاهب الغنوسية وتعاليمها السرية للخاصة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وقد تأثر هؤلاء الغنوسيون بالصوفية البابلية والفارسية وكتاباتها. ويذكر أكليمندس الإسكندري (توفي 220 م) أسماء بعض الكتب السرية للديانة الزرادشتية، ولعله أول من أطلق لفظ " أبو كريفا" على هذه الكتابات الزرادشتية، فالمسيحية الشرقية وبخاصة اليونانية نزعت إلى إعطاء الفلسفة المكانة التي يعطيها العهد الجديد والمسيحية الغربية للعهد القديم، ففي ظنهم أن الفلسفة مهدت لديانة المسيح أكثر مما مهد العهد القديم.

ثم أصبحت كلمة "أبو كريفا" تعني كتبًا أقل قيمة وأضعف سلطانًا من أسفار العهدين القديم والجديد. وقد حدث هذا لسببين: (1) أنه لا يمكن أن يكون قد أوحي لكاتب ممن عاشوا بعد عهد الرسل. (2) لا يمكن أن يعتبر أي كتاب قانونيًا إلا إذا كانت قد قبلته كل الكنائس. وبذلك اعتبرت الكتابات التي ظهرت في نهاية القرن الثاني وأطلق عليها " أبو كريفا " -للحط من قدرها- أنها نبعت أساسًا من المذاهب الهرطوقية مثل الغنوسيين، ولم تحظ قط بالقبول لدى مجموع الكنائس. فيقول أوريجانوس (توفي 253 م)، إنه يجب أن نفرق بين الكتب المسماة " أبو كريفا"، فالبعض منها يجب رفضه كلية لأنه يحوي تعاليم تناقض تعليم الكتاب، وهكذا نجد أنه من نهاية القرن الثاني، أصبحت كلمة " أبو كريفا" تطلق على ما هو زائف وتافه، وبخاصة الكتابات التي تنسب لأناس لم يكتبوها.

ويعارض إيريناوس (توفي 202 م) أكليمندس الإسكندري فيرفض أن يكون للكتابات السرية أي اعتبار، وكان يعتبر (وكذلك جيروم فيما بعد) أن كلمتي "قانونية " و" أبو كريفا " على طرفي نقيض. كما أن ترتليان (توفي 230 م) كانت له نفس النظرة، فكلمة أبوكريفا كانت تعني عنده الأسفار غير القانونية.

وفي القرون الأولى كانوا يقسمون هذه الكتب إلى ثلاثة أقسام: (1) كتب يمكن قراءتها في الكنيسة. (2) كتب يمكن قراءتها على انفراد ولكن ليس في الاجتماعات. (3) كتب يجب ألا تقرأ إطلاقًا. وقد أطلق أثناسيوس (توفي 373 م.) كلمة أبو كريفا على هذا القسم الثالث وجعلها مرادفة لكلمة " مزيفة ".

والخلاصة هي:

1- في الكتابات الكلاسيكية، الهيلينية، كانت كلمة أبو كريفا تدل على معنى "خفي أو غامض أو عسر الفهم".

2- في بداية عصر الآباء، كانت كلمة أبو كريفا مرادفة لكلمة كتابات للخاصة أي لفئة معينة متميزة.

3- في العصور التالية لذلك، كانت تستخدم في اليونانية (مثل إيريناوس وغيره) وفي اللاتينية (جيروم ومن بعده) بمعنى "غير قانوني" أي أنها دون الأسفار القانونية.

4- تطلق كلمة أبو كريفا -عند الكنائس البروتستنتية- على الكتب الموجودة في الترجمات السبعينية والفولجاتا، ولكنها لا توجد في الكتاب المقدس العبري.

5- لا يوجد مرادف لكلمة " أبو كريفا" في العبرية بمعنى الكتابة للخاصة أو الكتابة غير القانونية.

 

وأسفار الأبوكريفا للعهد القديم، تشمل:

أسدراس الأول والثاني (الثاني: رؤيا أسدارس)..

وسيأتي الكلام عن كل سفر منها في موضعه.

 

اللغة الأصلية للأبوكريفا:

كتب الجزء الأعظم من الأبوكريفا في اللغة اليونانية أصلًا، ولكن بضعها كُتِب أصلًا بالعبرية أو بالحري بالأرامية، وترجمت لليونانية.

 

تاريخ كتابتها:

وسيأتي الكلام عن تاريخ كل سفر في موضعه، ولكن بوجه عام فإن فترة كتابة هذه الأسفار يمكن تحديدها، ولا تتأخر كتابة أي سفر من سائر الأسفار الأبوكريفا للعهد القديم عن 100 م.، أي أنه يمكن أن يقال بحق إن أسفار الأبوكريفا كتبت فيما بين 200 ق.م.- 100 م. ولذلك فلها أهميتها في معرفة أخبار اليهود وأحوالهم الدينية والثقافية في تلك الفترة.

 

الأبو كريفا - أسفار الأعمال:

كما ظهرت الكتابات الأبوكريفية في اليهودية، هكذا بدأ في الدوائر المسيحية -وبخاصة الغنوسية- ظهور هذه الكتابات التي زعموا أنها تحتوي على حقائق المسيحية الأعمق، وأنهم تسلموها كتقليد سري من المسيح المقام ومن رسله. وهي جميعها مزيفة وهرطوقية وعندما بدأ ظهور مفهوم الكنيسة الجامعة، كان لا بُد أن ينظر إلى هذه الكتابات السرية بعين الريبة، فمنعت منعًا باتًا، ليس فقط لأنها شجعت روح الانقسام في الكنيسة لكن لأنها كانت عاملًا على نشر الهرطقات. وهكذا أصبحت كلمة " أبو كريفا" تعني " زائفًا وهرطوقيًا "، وقد استخدمها بهذا المعنى إيريناوس وترتليان كما سبق القول.

ورغم أنها لم توسم جميعها بالهرطقة، فقط اعتبرت غير لائقة للقراءة في اجتماعات العبادة، وإن كان البعض منها يمكن قراءته على انفراد. وبتأثير جيروم اتسع معنى كلمة "أبو كريفا" لتشمل مثل هذه الكتابات التي لا تعترف الكنيسة بها أسفارًا قانونية رغم عدم احتوائها على تعليم هرطوقي.

وتطلق كلمة "أبو كريفا" بهذا المعنى الواسع على "أسفار الأعمال" الأبوكريفية، ومع أن هذه الأسفار نشأت أصلًا في أوساط ذات نزعات هرطوقية، إلا أن نعتها بالأبوكريفية لا يعني سوى أنها استبعدت من الأسفار القانونية للعهد الجديد، لأن الكنيسة لم تعترف بصحتها وسلامة مصادرها. وهذا ما يجعلنا نقصر بحثنا على أسفار الأعمال التي تنتمي للقرن الثاني، والذي فيه كان سفر الأعمال الكتابي قد أخذ موضعه في العهد الجديد.

أولًا- صفاتها العامة:

والأعمال الأبوكريفية تزعم أنها تقدم تفاصيل أكثر مما في سفر الأعمال الكتابي، عن أنشطة الرسل. والزيادات التي فيها مصبوغة بالمبالغات والتهاويل، وتنم عن نزعة غير سليمة لاختراع الخوارق، فهي مملوءة بالروايات الغريبة التي اختلقها خيال جامح، فهي خالية من اللباقة، بعيدة كل البعد عن الحقيقة، وهي تصور الرسل في مستوى أعلى من مستوى البشر، والضعفات البشرية التي تسجلها لهم الأسفار القانونية تختفي تمامًا، فهم يسيرون في العالم كرجال ملمين تمامًا بكل أسرار السماء والأرض، ويمتلكون قدرات لا حدود لها، فلهم القدرة على الشفاء وإخراج الشياطين وإقامة الموتى. ومع أن هذه الأفعال العجيبة كثيرًا ما كانت تحدث، إلا أن هذه الأسفار تروي معجزات أتاها الرسل تذكرنا بالخوارق اللامعقولة عن طفولة يسوع المذكورة في إنجيل توما، مثل جعل سمكة مشوية تعوم، أو تمثال مكسور يصبح سليمًا بواسطة رشه بمياه مقدسة، أو طفل ذي سبعة شهور يتكلم بصوت رجل بالغ، أو أن تصبح الحيوانات قادرة على الكلام بلغة بشرية.

الخوارق:

والصفة الرومانسية للأعمال الأبوكريفية تظهر بشدة في ابتدائها -في أغلب الأحيان- بالخوارق، فيظهر الملائكة في رؤى أو أحلام، وتُسمع أصوات من السماء، وتهبط السحب لستر الأمناء في وقت الخطر، كما تفتك الصواعق بأعدائهم، وقوات الطبيعة المخيفة من زلازل ورياح ونيران تبعث الرعب في قلوب الفجار.

والسمة البارزة في الأعمال أبو كريفية هي ظهور المسيح بأشكال متعددة، فمرة يظهر في هيئة رجل عجوز، ومرة في هيئة فتى، ومرة أخرى في هيئة طفل، ولكن الأغلب أن يظهر في صورة هذا الرسول أو ذاك (من الغريب أن أوريجانوس يذكر تقليدًا كان شائعًا في عهده بأن يسوع كانت يستطيع في حياته أن يغير شكله وقتما وكيفما يشاء، ويقول إن هذا كان السبب في ضرورة قبلة يهوذا الخائن (انظر مرقس 16: 9، 12).

الزهد الجنسي:

ويجب أن لا يُفهم مما سبق أن الأعمال الأبوكريفية بما تحفل به من الإسراف في الروايات الرومانسية وتفاصيل الخوارق، كان الهدف الوحيد منها هو تعظيم الرسل وإشباع الرغبة السائدة في العجائب، بل كان لها غاية عملية هي إثبات وإشاعة نوع من المسيحية يُنادي بالامتناع الصارم عن العلاقات الجنسية كالمطلب الأدبي الأساسي. فهذا الزهد الجنسي هو الموضوع الرئيسي في هذه الأعمال. فكفاح الرسل واستشهادهم إنما حدث نتيجة كرازتهم بوجوب طهارة الحياة الزوجية، ولنجاحهم في إقناع الزوجات بتجنب مخالطة أزواجهن. فكل أسفار الأعمال الأبوكريفية تتخللها فكرة أن الامتناع عن الزواج هو أسمى شرط للدخول إلى الحياة الفضلى وربح السماء. فالإنجيل في جانبه العملي (على حد العبارة البليغة في أعمال بولس) هو "كلمة الله بخصوص ضبط النفس والقيامة".

التعاليم الهرطوقية:

وعلاوة على هذه الصبغة التقشفية، فإن الأعمال الأبوكريفية لا تخلو من هرطقات، فجميعها -باستثناء "أعمال بولس"- تمثل فكرًا دوسيتيا أي أن حياة المسيح على الأرض لم تكن إلا خيالًا غير حقيقي. وتبرز هذه الفكرة بشدة في أعمال يوحنا حيث نقرأ فيها أن يسوع عند سيره لم تكن أقدامه تترك أثرًا، وأنه عندما كان الرسول يحاول أن يمسك بجسد المسيح كانت يده تخترق الجسد بلا أي مقاومة، وأنه بينما كانت الجموع تحتشد حول الصليب ويسوع معلق عليه أمام أنظار الجميع، كان السيد نفسه يتقابل مع تلميذه يوحنا على جبل الزيتون، فلم يكن الصلب إلا منظرًا رمزيًا، فالمسيح تألم ومات في الظاهر فقط. وارتبطت بهذه الأفكار الدوسيتية أفكار انتحالية (مودالزم) ساذجة لا تفرق بين الآب والابن.

المشاعر الدينية:

بالرغم من هذا الانطباع السيئ الذي يخلقه هذا الطوفان من تفاصيل الخوارق والتهاويل، وبالرغم من الجو السائد للزهد الجنسي والمفاهيم العقائدية الخاطئة، فإن الإنسان لا يسعه -أمام كثير من الأجزاء منها- إلا أن يحس بنشوة الحماس الروحي، وبخاصة في أعمال يوحنا وأندراوس وتوما حيث توجد أجزاء (أناشيد وصلوات ومواعظ) تبلغ أحيانًا حد الروعة والجمال الشعري وتتميز بدفء ديني وحماسة صوفية وقوة أدبية. فالمحبة الصوفية للمسيح -رغم أنها كثيرًا ما ارتدت فكرًا غنوسيًا- ساعدت على تقريب المخلص للناس بإشباع أعمق أشواق النفس للخلاص من سلطان الموت المظلم. فالخرافات البالية وبقايا الوثنية الظاهرة، يجب ألا تعمي أبصارنا عن أن في هذه الأعمال الأبوكريفية -رغم التشويه الشديد- صورًا للعقائد المسيحية في تلك العصور. وأن كثيرين من الناس تثبت إيمانهم بقوة المسيح المخلص من خلالها.

 

أصلها:

هناك دوافع كثيرة وراء ظهور كتب مختلفة عن حياة وأعمال الرسل:

1- التقدير الكبير للرسل كمستودع للحق المسيحي:

ففي العصر الرسولي كان السلطان الوحيد -بعد أسفار العهد القديم- بين الجماعات المسيحية هو "الرب" نفسه، ولكن بعد أن انتهت هذه الفترة الخصبة وأصبحت ماضيًا، أصبح الرسل (الاثنا عشر ومعهم الرسول بولس) هم المرجع بعد المسيح لضمان استمرارية أسس الإيمان، فقد أخذوا وصايا الرب عن طريقهم (2 بط 3: 2)، فنجد أغناطيوس في رسائله، يعطي الرسل مكانة سامية كرسل المسيح، فكل ماله سند رسولي كان معتمدًا عند الكنيسة، وكان سلطان الرسل معترفًا به في كل العالم، فقد ذهبوا إلى كل العالم للكرازة بالإنجيل، فبناء على الأسطورة التي جاءت في بداية أعمال توما، قسم الرسل مناطق العالم فيما بينهم. وكانت النتيجة الحتمية للمكانة الرفيعة التي وضعوا فيها الرسل، كمعاقل الحق المسيحي، أن زاد الاهتمام بالقصص المتناقلة عن أعمالهم، والحاجة إلى مضاعفة الكتب التي تقدم تعاليمهم بكل تفصيل.

2- الفضول:

فسفر أعمال الرسل القانوني لم يعتبر كافيًا لإشباع الرغبة في معرفة حياة الرسل وتعاليمهم، فبعض الرسل قد تجاهلهم سفر الأعمال، كما أن المعلومات عن بطرس وبولس لا تزيد عن لمحات من أحداث حياتهما. وفي مثل هذه الظروف تصبح أي معلومات غير موجودة في سفر الأعمال القانوني، مطلوبة بشدة. وحيث أن التاريخ الصحيح لكل رسول من الرسل كان قد لفه الغموض، اخترعت الأساطير لإشباع الفضول النهم. والسمة البارزة في هذه القصص المخترعة، هي الشهادة عن المستوى البالغ الرفعة الذي وصل إليه تقدير الرسل في فكر الشعب.

3-الرغبة في السلطان الرسولي:

كما حدث في الأناجيل الأبوكريفية، كذلك كان الدافع إلى تزايد الروايات المنسوجة حول الرسل، هو الرغبة في إضفاء أهمية كبيرة على بعض المفاهيم المتعلقة بالحياة، والتعاليم المسيحية التي سادت بعض الدوائر، وذلك بنسبها إلى الرسل. فبجانب الصورة الصحيحة للمسيحية والمعترف بها عند الجميع، وجدت -وبخاصة في أسيا الصغرى- مسيحية شعبية بأنماط منحرفة للحياة، فمن الجانب العملي، نظروا إلى المسيحية كنظام للتقشف لا يشمل الامتناع عن الأطعمة الحيوانية والخمر فحسب، بل أيضًا وأساسًا الامتناع عن الزواج، فكانت البتولية هي المثل الأعلى للمسيحية، وكان الفقر والأصوام أمورًا ملزمة للجميع. وتسود هذه الروح كل أسفار الأعمال الأبوكريفية. والخطة الواضحة فيها هي تأكيد ونشر هذا النموذج التقشفي، بإظهار أن الرسل كانوا يدافعون بحماس عنه، كما أن الطوائف الهرطوقية استخدمتها وسيلة لنشر عقائدها الشاذة، وسعوا لاستبدال تعليم الكنيسة الجامعة النامية، بتعاليم غريبة ادعوا أنها تعاليم رسولية.

4-مكانة الكنائس المحلية:

كان هناك سبب جانبي لتلفيق هذه الأساطير عن الرسل، وهو رغبة بعض الكنائس في وجود سند لما تدعيه من أن مؤسسها هو أحد الرسل، أو أنها كانت على صلة بهم. وفي بعض الحالات كان ما يقولونه عن دائرة خدمة أحد الرسل، له سند صحيح، ولكن في حالات أخرى، هناك دلائل قوية على أنها مجرد اختلاق لإعطاء مكانة بارزة لكنيسة محلية.

 

St-Takla.org Image: Question mark symbol (11) صورة في موقع الأنبا تكلا: شكل علامة استفهام (11)

St-Takla.org Image: Question mark symbol (11)

صورة في موقع الأنبا تكلا: شكل علامة استفهام (11)

ثانيا - مصادرها:

1- سفر الأعمال الكتابي:

فيمكن عمومًا القول بأن أسفار الأعمال الأبوكريفية مملوءة بالتفاصيل الأسطورية، وقد بذلت في اختلاقها كل الجهود للإيحاء بصحتها التاريخية، فإنها كثيرًا ما تذكر أحداثًا وردت في سفر الأعمال الكتابي، فالرسل يلقون في السجون ويخرجون منها بمعجزة، والذين يتجددون يستضيفون الرسل في بيوتهم، ويتكرر وصف عشاء الرب بأنه " كسر الخبز" (أع 2: 42، 46) بصورة تلاءم أغراضهم، حيث لا يرد ذكر للخمر في صنع العشاء الرباني.

وفي "أعمال بولس"، واضح أن المؤلف، استخدم سفر الأعمال الكتابي كإطار لروايته، وذلك لإضفاء صبغة الصحة التاريخية على هذه التلفيقات المتأخرة، لكي تنال قبولًا لدى القارئ. واستنادهم الواضح على سفر الأعمال الكتابي دليل قوي على أنه كان له اعتباره السامي الرفيع في الوقت الذي كتبت فيه هذه الأسفار الأبوكريفية.

2- التقاليد:

فهذه الصبغة الأسطورية لأسفار الأعمال الأبوكريفية، لا تمنع احتمال صحة بعض التفاصيل في الزيادات عما في سفر الأعمال الكتابي، فلا بد أنه كانت هناك تقاليد كثيرة عن الرسل -لها أساس تاريخي صحيح- احتفظت بها الجماعات المسيحية. ولا بد أن بعض هذه التقاليد وجدت لها مكانًا في كتابات، كان بعض أهدافها -على الأقل- إشباع الفضول العام لمعرفة أشمل عن الرسل. ويقينًا يوجد شيء من الحقيقة التاريخية بين طيات قصة بولس وتكلة (أعمال بولس)، فوصف شكل بولس الوارد في هذه القصة، من المحتمل جدًا أن يكون له أساس تاريخي صحيح، ولكن يجب القول بأن دلائل وجود تقاليد يعتمد عليها، ضئيلة جدًا، فالبذور القليلة من الحقيقة التاريخية، مدفونة في أكوام من الأساطير التي لا شك في زيفها.

3-أدب الرحلات:

ومع وجود هذا الارتباط بين أسفار الأعمال الأبوكريفية وبين سفر الأعمال الكتابي، ورغم وجود بعض التقاليد الصحيحة بين طياتها، إلا أنه مما لا شك فيه أنها في مجموعها من اختراع الروح الهيلينية التي تجد لذتها في الخوارق والمعجزات. وأكثر صور الأدب، التي تكاد تترك طابعها على كل صفحة من أسفار الأعمال الأبوكريفية، هي الكتابات الرومانسية عن الرحلات. وأكبر مثل للروايات الخيالية، حياة الكارز الفيثاغوري صانع المعجزات، أبولونيوس من تيانا المتوفي في ختام القرن الأول، والأعمال العجيبة التي يقال إنه كان يعملها في أثناء تجواله والتي نقلت -بشكل أقل إثارة- إلى غيرة من المعلمين. وفي هذا الجو من الخيالات، ولدت أسفار الأعمال الأبوكريفية. فأعمال توما تذكرنا بقصة أبولونيوس، فكما ذهب توما إلى الهند، هكذا ذهب أبولونيوس فيثاغورس إلى الهند، بلاد العجائب، وهناك كرز "بحكمة معلمه".

4-الشهادة الكنسية:

يبدو من إشارة كاتب الوثيقة الموراتورية (بيان بالأسفار المعترف بها في الكنيسة في حوالي 190 م.) إلى سفر الأعمال الكتابي، أنه ربما كان يشير إلى سفر آخر للإعمال، فهو يقول: "أعمال كل الرسل موجودة في كتاب واحد، فقد كتبها لوقا ببراعة لثاوفيلس، في حدود ما وقع منها تحت بصره، كما يظهر ذلك من عدم ذكره شيء عن استشهاد بطرس أو رحلة بولس من روما لأسبانيا".

 

وفي القرن الثالث نجد تلميحات خاطفة لبعض أسفار الأعمال الأبوكريفية، ولكن في القرن الرابع كثرت الإشارات إليها في كتابات الشرق والغرب على السواء. وسنذكر هنا أهم هذه الإشارات:

1- شهادة كتاب الشرق:

أول كتاب الشرق الذين ذكروا صراحة الأعمال الأبوكريفية، هو يوسابيوس (المتوفي في 340 م.)، فهو يذكر "أعمال أندراوس وأعمال يوحنا وأعمال الرسل الآخرين"، وكانت من الهوان بحيث لم يحسب أي كاتب كنسي أنها أهلًا لأن يستشهد بها، فأسلوبها وتعليمها ينمان بكل وضوح عن مصدرها الهرطوقي، لدرجة تمنع من وضعها حتى بين الكتب الزائفة، بل رفضوها تمامًا باعتبارها سخيفة وشريرة. ويصرح أفرايم (المتوفي 373 م.) بأن أسفار الأعمال كتبها الباردسانتيون لينشروا باسم الرسل ما هدمه الرسل أنفسهم. ويكرر أبيفانيوس (حوالي 375 م.) الإشارة إلى أسفار أعمال كانت تستخدم بين الهراطقة. ويعلن أمفيلوكيوس من أيقونية، وكان معاصرًا لأبيفانيوس، أن كتابات معينة كانت تنطلق من دوائر الهراطقة وهي "ليست أعمال الرسل، بل روايات شياطين". كما أن مجمع نيقية الثاني (787 م.) يحتفظ لنا بعبارة أمفيلوكيوس آنفة الذكر، وقد بحث موضوع الكتابات الأبوكريفية، وبصورة خاصة أعمال يوحنا -التي كان يستند إليها معارضو الأيقونات- وقد وصفها المجمع بأنها "الكتاب المقيت" وأصدر ضده هذا القرار: "لا يقرأه أحد، وليس ذلك فقط، بل نحكم بأنه مستحق أن يلقى طعامًا للنيران".

5- شهادة الغرب:

وتكثر الإشارات إلى هذه الأعمال منذ القرن الرابع، فيشهد فيلاستريوس من برسكيا (حوالي 387 م) بأن الأعمال الأبوكريفية كانت مستخدمة عند المانيين، ويقول إنها وإن كانت لا تليق قراءتها للجمهور، إلا أن القارئ الناضج يمكن أن يستفيد منها. وسبب هذا الحكم المنحاز يكمن في النزعة التقشفية في هذه الأعمال، والتي كانت تتمشى مع الاتجاه السائد في الغرب في ذلك الوقت. ويشير أوغسطينوس مرارًا إلى الأعمال الأبوكريفية بأنها كانت تُسْتَخْدَم عند المانيين ووصمها بأنها من تأليف " ملفقي الخرافات ". لقد قبلها المانيون واعتبروها صحيحة، وفي هذا يقول أوغسطينوس: "لو أن الناس الأتقياء المتعلمين الذين عاشوا في زمن مؤلفيها، وكانوا يستطيعون الحكم عليها، قد أقروا بصحتها، لقبلتها سلطات الكنيسة المقدسة ". ويذكر أوغسطينوس أعمال يوحنا وأعمال توما بالاسم، كما أنه يشير إلى أن ليوسيوس هو مؤلف الأعمال الأبوكريفية. ويذكر تريبيوس، من استورجا، أعمال أندراوس وأعمال يوحنا وأعمال توما وينسبها للمانيين. ويندد تريبيوس، بالتعليم الهرطوقي في أعمال توما عن المعمودية بالزيت عوضًا عن الماء، ويدين هذه الهرطقة. ويذكر أن ليوسيوس هو مؤلف أعمال يوحنا. كما أن المرسوم الجلاسياني يدين أعمال أندراوس وتوما وبطرس وفيلبس وينعتها بأنه أبو كريفية. ونفس هذا المرسوم يدين أيضًا " كل الكتب التي كتبها ليوسيوس تلميذ الشيطان".

6- فوتيوس:

أما أكمل وأهم الإشارات إلى الأعمال الأبوكريفية فهي ما جاء بكتابات فوتيوس بطريرك القسطنطينية في النصف الثاني من القرن التاسع، ففي مؤلفه " ببليوتيكا " تقرير عن 280 كتابًا مختلفًا قرأها في أثناء إرساليته لبغداد، وكان بينها كتاب " يقال عنه تجولات الرسل الذي يشتمل على أعمال بطرس ويوحنا وأندراوس وتوما وبولس. ومؤلفها جميعًا -كما يعلن الكتاب نفسه بكل وضوح- هو ليوسيوس كارنيوس ". ولغتها خالية تمامًا من النعمة التي تتميز بها الأناجيل وكتابات الرسل، فالكتاب غاص بالحماقات والمتناقضات، وتعليمه هرطوقي، وبخاصة أنه يعلم بأن المسيح لم يصبح مطلقًا إنسانًا حقيقيًا، وأن المسيح لم يصلب بل صلب إنسان آخر مكانه، وأشار إلى تعليم التقشف والمعجزات السخيفة في هذه الأعمال، وإلى الدور الذي لعبه كتاب أعمال يوحنا في صراع معارضي الأيقونات.

ويختم فوتيوس بالقول: "بالاختصار يحوي هذا الكتاب عشرات الآلاف من الأشياء الصبيانية التي لا تصدق، السقيمة الخيال، الكاذبة، الحمقاء، المتضاربة، الخالية من التقوى والورع، ولا يجافي الحقيقة كل من ينعتها بأنها نبع وأم كل الهرطقات".

 

ثالثًا- إدانة الكنيسة لها:

هناك إجماع في الشهادات الكنسية على الطابع العام للأعمال الأبوكريفية، فهي كتابات استخدمتها الطوائف الهرطوقية، أما الكنيسة فاعتبرتها غير جديرة بالثقة بل ومؤذية. ومن المحتمل أن مجموعة الأعمال المحتوية على الخمسة الأجزاء التي أشار إليها فوتيوس، كانت من تأليف المانيين في شمالي أفريقيا، الذين حاولوا أن يحملوا الكنيسة على قبولها عوضًا عن سفر الأعمال الكتابي الذي رفضه المانيون، وقد وصمتها الكنيسة بالهرطقة. وأصرم حكم هو الذي أصدره ليو الأول (حوالي 450 م.) فأعلن أنها: "لا يجب منعها فقط، بل يجب أن تجمع وتحرق، لأنه وإن كان فيها بعض الأشياء التي لها صورة التقوى، إلا إنها لا تخلو مطلقًا من السم، فهي تعمل خفية بغواية الخرافات، حتى تصطاد في حبائل الضلالات، كل من تستطيع خداعهم برواية العجائب". فـ"أعمال بولس"، التي لا يبدو فيها هرطقة واضحة، شملها الحرم الكنسي على أساس أنها جاءت في ختام المجموعة. على أي حال، إن الكثيرين من معلمي الكنيسة، ميزوا بين تفاصيل الخوارق وبين التعاليم الهرطوقية، فرفضوا الثانية وأبقوا على الأولى.

 

رابعًا- الكاتب:

ينسب فوتيوس الأعمال الخمسة لمؤلف واحد هو ليوسيوس كارنيوس، كما أن الكتّاب الأوائل نسبوا أسفارًا معينة فيها إلى ليوسيوس كارنيوس، وعلى الأخص -بشهادة عدد كبير من الكتَّاب- أعمال يوحنا. وكما يتضح من هذه الأعمال، يدّعى المؤلف بأنه كان تابعًا ورفيقًا للرسول. ويذكر أبيفانوس شخصًا اسمه ليوسيوس كان من حاشية يوحنا، ولكن ملحوظة أبيفانوس هذه، مشكوك في صحتها ولعلها نتجت عن خلطه بين ليوسيوس وأعمال يوحنا. ونسبة هذه الأعمال لتلميذ ليوحنا ستظل موضع شك إذ أن الأرجح أنها ليست كذلك. ومهما كان الأمر فإنه عندما جمعت هذه الأعمال في مجموعة واحدة، نسبت جميعها إلى المؤلف المزعوم لأعمال يوحنا، وعلى الأرجح حدث هذا في القرن الرابع، رغم أنه من الواضح أن الأعمال جميعها ليست بقلم كاتب واحد (وأكبر دليل هو الاختلاف الواضح في الأسلوب) وإن كان يوجد بعض التشابه بين البعض منها، إما لأنها لمؤلف واحد أو لأنها أخذت عن مصدر واحد.

 

خامسًا- العلاقة بين أسفار الأعمال المختلفة:

كان واضحًا منذ العصور القديمة وجود ارتباط بين مختلف أسفار الأعمال، ولا شك في أنه على أساس هذا الارتباط جمعت في مجموعة واحدة تحت اسم مؤلف واحد، فالبعض يرون تشابهًا كبيرًا بين أعمال بطرس وأعمال يوحنا، وأنهما من إنتاج مؤلف واحد، ويرى البعض الآخر أن الأول بني على الثاني، بينما يرى آخرون أن هذا التشابه نتيجة مدرسة لاهوتية واحدة، وجو كنسي واحد. كما أن أعمال أندراوس فيها وجوه شبه كثيرة مع أعمال بطرس. وعلى أي حال، فإنها جميعها تسودها روح الزهد، وفي جميعها يبدو المسيح في صورة رسول، وفي جميعها أيضًا تزور النساء الرسول في السجن. أما من جهة التعليم اللاهوتي، فـ"أعمال بولس" تقف وحدها ضد النزعة الغنوسية، أما الأعمال الأخرى فتتفق في نظرتها الدوسيتية لشخص المسيح، بينما نرى في أعمال يوحنا وأعمال بطرس وأعمال توما نفس التعليم الصوفي الغامض عن الصليب.

 

سادسًا- قيمتها:

أ‌- كتاريخ:

لا قيمة إطلاقًا لأسفار الأعمال الأبوكريفية من جهة الإلمام بحياة الرسل وأعمالهم، ولعل الاستثناء الوحيد لذلك هو الجزء المختص ببولس وتكلة في "أعمال بولس". وهنا أيضًا تضيع الحقائق التاريخية في أكوام من الأساطير. ودوائر خدمة الرسل -كما ذكرت في هذه الأعمال- لا يمكن قبولها بدون مناقشة رغم أنها قد تكون مستقاة من مصادر جديرة بالثقة. وعلى وجه العموم فإن الصورة المرسومة في أسفار الأعمال الأبوكريفية لجهود الرسل الكرازية هي صورة كاريكاتيرية غريبة غير متناسقة.

ب- كتسجيل للمسيحية في العصور الأولى:

رغم أن أسفار الأعمال الأبوكريفية لا قيمة تاريخيه لها، إلا أنها عظيمة القيمة فيما يختص بإلقاء الضوء على الفترة التي كُتبت فيها -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- فهي ترجع إلى القرن الثاني، وهي منجم عني بالمعلومات عن المسيحية في صورتها العامة في ذلك الوقت، فهي تعطينا صورة حية للمسيحية في مواجهة الطوائف السرية المتطرفة والمذاهب الغنوسية التي ازدهرت في تربة أسيا الصغرى، فنرى فيها الإيمان المسيحي مشوبًا بروح الوثنية المعاصرة ونرى الإيمان بالمسيح الله المخلص الذي أشبع الشوق العارم للفداء من قوات الشر، مع بعض عناصر باقية من البيئة الوثنية:

1- نرى في هذه الأسفار صورة للمسيحية في صورتها العامة تحت تأثير الأفكار الغنوسية بالمقابلة مع غنوسية المدارس التي تتحرك في مجال المفاهيم الأسطورية، والتجريدات الباردة والتهويمات الخادعة. ويكمن خلف الغنوسية، احتقار الوجود المادي. وفي مسيحية أسفار الأعمال الأبوكريفية نجد النتيجة العملية لهذين الفكرين النابعين من هذا الموقف المبدئي: مفهوم دوسيتي عن شخص المسيح، ونظرة تقشف للحياة. وفي الدوائر الشعبية، لم يكن للمسيح سوى القليل من سمات يسوع التاريخي، كان هو الله المخلص فوق كل الرياسات والسلاطين، وبالاتحاد به تخلص النفس من أعمال الشر الرهيبة وتدخل إلى الحياة الحقيقة. وحياة المسيح كإنسان تسامت حتى أصبحت مجرد مظهر، وبخاصة آلام المسيح التي كانت تفهم بطريقة رمزية، فأحيانا يرون فيها صورة لوجود المسيح في كنيسته يقاسم المؤمنين آلام الاستشهاد، وأحيانا يرون في قصة آلام المسيح رمزًا للآلام البشرية بوجه عام. وأحيانًا يرون فيها كيف أن خطية شعبه وضعفهم وعدم أمانتهم تسبب له آلامًا متجددة على الدوام. ويظهر التأثير الأدبي للغنوسية، في روح التقشف المتزمت، أقوى السمات المميزة لهذه الأعمال.

والحقيقة أن هذه الصورة من الزهد لا نجدها في الدوائر الغنوسية فحسب، بل نجدها في الدوائر الكنسية القديمة كما يبدو من "أعمال بولس" وغيرها من المصادر. وظهور الصورة المتزمتة من الزهد في المسيحية الأولى أمر مفهوم، فقد كان ميدان المعركة الرئيسية -التي كان على الإيمان المسيحي أن يخوضها ضد الوثنية الهيلينية- هو الطهارة الجنسية. وبالنظر إلى التهتك والخلاعة اللتين شاعتا في العلاقات الجنسية، لا عجب أن يكون رد الفعل المسيحي هو التطرف إلى الناحية الأخرى، وكبح الشهوة الجنسية تمامًا. وهذا الاتجاه في الكنيسة الأولى أكدته الروح الغنوسية، وظهر بوضوح في أسفار الأعمال الأبوكريفية التي ظهرت في الدوائر الغنوسية أو في بيئة شاعت فيها الأفكار الغنوسية. ولابد أنه كان لهذه الروايات الخيالية التي تعني أشد العناية بالطهارة الجنسية، أثرها البالغ في شحن الأذهان ضد العلاقات الجنسية التي تلوث طهارة الروح التي كانوا ينشدونها.

وتوجد مبادئ أخلاقية أخرى في هذه الأسفار تتفق تمامًا مع المبادئ المسيحية.

2- وأسفار الأعمال الأبوكريفية عظيمة النفع لمعرفة صور العبادة في بعض الدوائر المسيحية، فنجد وصفًا كاملًا لممارسة الفرائض المقدسة في أعمال توما. كما توجد في هذه الأسفار بعض الصلوات التي تنبض بالدفء، والغنية بعباراتها التعبدية.

3-ونجد بداية استخدام التراتيل المسيحية، في أعمال توما التي توجد فيها تراتيل غنوسية تفيض بالخيال الشرقي.

4-يبدو في كل هذه الأسفار الاغرام بالخوارق، والحماسة الدينية التي ازدهرت في أسيا الصغرى في القرن الثاني (مثلًا: رقص التلاميذ حول يسوع، في أعمال يوحنا 94).

 

سابعًا - أثرها:

كان لأسفار الأعمال الأبوكريفية أثر ملحوظ في تاريخ الكنيسة، فبعد أن استقرت المسيحية في حكم قسطنطين، عاد الناس بأبصارهم إلى أيام الجهاد والاضطهاد، واهتموا اهتمامًا شديدًا بأحداث عصر بطولات الإيمان، عصر الرسل والشهداء، فقرأوا أعمال الشهداء بنهم، وبخاصة الأعمال الأبوكريفية التي اعتمدوا عليها كثيرًا لإشباع رغبتهم في معرفة المزيد عن الرسل، مما لا يوجد في الأسفار القانونية. وكانت التعاليم الهرطوقية -التي امتزجت بالأساطير التي نسجوها حول الرسل- سببًا في إدانة السلطات الكنسية لها، ولكن الحرم الكنسي لم يستطع أن يمحو أثر هذه الألوان الزاهية الموجودة في تلك الروايات، وأمام ذلك كرس كتّاب الكنيسة أنفسهم لكتابة التواريخ القديمة بعد استبعاد كل ما هو ظاهر الهرطقة، وأبقوا على الخوارق والمعجزات. ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل استخدمت مادة الأعمال الأبوكريفية بكثرة في تلفيق تواريخ الرسل الآخرين، كما نجد في المجموعة المسماة "أبدياس" من القرن السادس. وكانت النتيجة أنه من القرن الرابع إلى القرن الحادي عشر تزايدت بسرعة المؤلفات عن الرسل " وأصبحت الموضوع المحبوب الذي يقبل على قراءته المسيحيون من أيرلنده حتى جبال أثيوبيا، ومن بلاد العجم حتى أسبانيا " (كما يقول هارناك). كما كتبت الأساطير حول الرسل بالأشعار الدينية، وظهرت هذه الكتابات في تواريخ الشهداء والتقاويم، وأصبحت مواضيع للمواعظ في أيام الصوم، واتسقي منها الرسامون مواضيع لرسومهم. وكتبت حلقات أخرى من هذه الأساطير في الكنائس السريانية والقبطية، وترجمت الأساطير القبطية إلى العربية، ومن العربية إلى الحبشية. وكانت هذه الكتابات أمَّا ولودًا لجميع أنواع الخرافات، وكما يقول هارناك: " أجيال بأكملها من المسيحيين بل أمم بأكملها منهم، قد غشيت أبصارهم وبصائرهم بالمظاهر البراقة لهذه الروايات، فلم يعموا عن رؤية نور التاريخ الصحيح فحسب، بل عميت أعينهم عن رؤية الحق ذاته"، ولا يفوتنا أن نذكر أن المراسلات مع الكورنثيين الواردة في أعمال بولس، قبلتها الكنيستان السريانية والأرمينية واعتبرتاها قانونية.

 

الأبوكريفا الأعمال - كل منها على حده:

الأعمال الأبوكريفة التي سنتكلم عنها هنا، هي أعمال ليوسيوس التي ذكرها فوتيوس. وهي بصورتها الحالية حدث فيها تنقيح لصالح الفكر الكنسي، ولكنها في أصلها كانت تنتمي للقرن الثاني، ومن العسير أن نعرف كم تختلف هذه الأعمال في صورتها الحالية عما ظهرت عليه أصلًا، ولكن واضح من كثير من النقاط أن التنقيح الذي حدث بهدف حذف الأخطاء الهرطوقية، لم يكن شاملًا فكثير من الأجزاء الواضحة الغنوسية، مازالت موجودة، لأن المنقح -على الأرجح- لم يدرك معناها الحقيقي.

أولا - أعمال بولس:

ويقتبس منها أوريجانوس مرتين في كتاباته التي مازالت محفوظة، ولعل هذا هو سبب الاعتبار الكبير الذي حظيت به في الشرق. وفي المخطوطة الكلارومونتانية (القرن الثالث) -وهي من أصل شرقي- توضع أعمال بولس موضع الاعتبار مع راعي هرماس ورؤيا بطرس. كما أن يوسابيوس -الذي يرفض رفضًا باتًا "أعمال أندراوس وأعمال يوحنا وأعمال سائر الرسل"- يضع أعمال بولس في قائمة الأسفار المشكوك في صحتها مع هرماس ورسالة برنابا وتعليم الرسل وغيرها.

أما في الغرب حيث كان يُنظر بعين الريبة لأوريجانوس، فيبدو أنهم رفضوا أعمال بولس. ولا يرد لها ذكر إلا في كتابات هيبوليتس صديق أوريجانوس، وهو لا يذكرها بالاسم ولكنه يستشهد بصراع بولس مع الوحوش كدليل على صدق قصة دانيال في جب الأسود. ولم يبق من أعمال بولس إلا أجزاء قليلة، ولم يكن يعرف عنها إلا القليل حتى سنة 1904 حين ظهرت ترجمة لنسخة قبطية -غير سليمة الحفظ- نشرها س. شميدت. وظهر أن أعمال بولس وتكلة ليست في الحقيقة إلا جزءًا من أعمال بولس. ومن الملحوظات المذكورة في المخطوطة الكلارومونتانية وغيرها، نستنتج أن هذه الأجزاء التي بين أيدينا لا تزيد عن ربع الأصل:

1. أطول هذه الأجزاء وأهمها هو ما وصل إلينا في كتاب منفصل باسم " أعمال بولس وتكلة " ولا نستطيع أن نقطع بالزمن الذي فصلت فيه عن أعمال بولس، ولكنه لا بُد حدث قبل المرسوم الجلاسياني (496 م) الذي لا يذكر أعمال بولس، ولكنه يدين " أعمال بولس وتكلة ".

أ. تتلخص القصة في: أن فتاة مخطوبة من أيقونية اسمها تكلة استمعت إلى كرازة بولس عن البتولية وفتنت بها، فرفضت الارتباط بخطيبها. ولتأثير بولس عليها، اُستدعى بولس أمام الحاكم الذي ألقاه في السجن فزارته تكلة، فتعرض كلاهما للمحاكمة، فنُفي بولس من المدينة وحكم على تكلة بالحرق، ولكنها نجت بمعجزة من وسط النار، وأخذت في البحث عن بولس. وعندما وجدته رافقته إلى أنطاكية (وغير واضح إن كانت أنطاكية بيسيدية أو أنطاكية في سوريا)، وفي أنطاكية فتن بها شخص ذو نفوذ اسمه إسكندر، الذي عانقها علنًا في الشارع، فاستهجنت تكلة فعلته ونزعت التاج الذي كان على رأسه، فحكم عليها أن تصارع الوحوش في ميدان الألعاب. وتركت تكلة تحت حراسة الملكة تريفينا التي كانت تعيش وقتئذ في أنطاكية. وعندما دخلت تكلة إلى حديقة المصارعة، لقيت لبؤة حتفها دفاعًا عن تكلة ضد الوحوش، وفي وسط الخطر ألقت تكلة بنفسها في حوض به عجول البحر، وهي تهتف: "باسم يسوع المسيح أعمد نفسي في آخر يوم". وعندما اقترح البعض أن تمزق تكلة بين الثيران الهائجة، أغمى على الملكة تريفينا فخشيت السلطات مما يمكن أن يحدث، وأطلقوا سراح تكلة وسلموها لتريفينا فذهبت تكلة مرة أخرى للبحث عن بولس، وعندما وجدته أرسلها للكرازة بالإنجيل، فقامت بالكرازة في أيقونية أولًا ثم في سلوقية حيث ماتت. وقد وضعت إضافات متأخرة نهاية تكلة، تقول إحداها إنها ذهبت من سلوقية إلى روما في طريق تحت الأرض وظلت في روما حتى موتها.

ب‌- ورغم أن قصة تكلة كتبت لإيجاد سند رسولي للبتولية، فمن المحتمل أن يكون لها أساس ضعيف من الصحة، فوجود طائفة قوية باسمها في سلوقية يؤيد الرأي القائل بأن تكلة كانت شخصية تاريخية، كما أن التقاليد عن صلتها ببولس -التي تجمعت حول المعبد الذي بنى في سلوقية تكريمًا لها- هي التي شكلت عناصر هذه الرواية، ولا شَك أن فيها بعض الذكريات التاريخية. فتريفينا شخصية تاريخية تأكد وجودها من اكتشاف نقود باسمها، وكانت أم الملك بوليمون الثاني ملك بنطس وقريبة للإمبراطور كلوديوس. وليس هناك ما يدعو للشك في ما جاء في هذه الأعمال من أنها كانت تعيش في أنطاكية في وقت زيارة بولس الأولى لها. كما أن هذه الأعمال واضحة في دقتها الجغرافية، فتذكر الطريق الملكي الذي تقول إن بولس سار فيه من لسترة إلى أيقونية، وهي حقيقة تستلفت النظر، لأنه بينما كان الطريق مستخدمًا في أيام بولس للأغراض العسكرية، أهمل استخدامه كطريق منتظم في الربع الأخير من القرن الأول. ويوصف بولس في هذه الأعمال: "بأنه رجل قصير القامة، أصلغ الرأس، مقوس الساقين، نبيل الأخلاق، مقرون الحاجبين، ذو أنف بارز بعض الشيء، ممتلئ نعمة، كان يبدو أحيانًا إنسانًا، وأحيانًا أخرى كان يبدو بوجه ملاك". وقد يكون لهذا الوصف سند يعتمد عليه. ويدافع رمساي (في كتابة "الكنيسة في الإمبراطورية الرومانية" ص. 375) عن احتمال وجود نسخة قصيرة من هذه الأعمال ترجع إلى القرن الأول، وذلك على أساس هذه الملامح التاريخية، ولكن الكثيرين لا يقبلون وجهة نظر رمساي.

ج- كانت أعمال بولس وتكلة واسعة الانتشار، ولها تأثير كبير وذلك للتقدير الواسع لتكلة التي كانت لها مكانة كبيرة بين القديسين باعتبارها "أول أنثى تستشهد". والإشارات إلى هذه الأعمال في كتابات الآباء قليلة، ولكن الرواية نفسها كانت رائجة جدًا بين المسيحيين في الشرق وفي الغرب على السواء. ووصل التقدير لتكلة أقصى مداه في غاليا. وهناك قصيدة شعرية عنوانها "الوليمة" كتبها كيبريان، أحد شعراء جنوب غاليا، في القرن الخامس، وفي تلك القصيدة تبدو تكلة في مستوى الشخصيات الكتابية العظيمة، وكتاب "أعمال زاسيف وبولكسينا" مأخوذ كله من أعمال بولس وتكلة.

2-جزء هام آخر من أعمال بولس، هو الجزء الذي يشتمل على ما يُعْرَف بالرسالة الثالثة إلى الكورنثيين، وفيها يذكر أن بولس كان في السجن في فيلبي [ليس في زمن أعمال الرسل (أع 16: 23)، ولكن بعد ذلك بوقت]. وكان سجنه لسبب تأثيره على ستراتونيس زوجة أبولوفانيس، فالكورنثيون الذين أزعجتهم هرطقة اثنين من المعلمين، أرسلوا خطابًا لبولس يصفون له التعاليم الخبيثة التي تدعي أن الأنبياء لا قيمة لهم، وأن الله غير قادر على كل شيء، وأنه ليست هناك قيامة أجساد، وأن الإنسان لم يخلقه الله، وأن المسيح لم يأت في الجسد ولم يولد من مريم، وأن العالم ليس من صنع الله بل من صنع الملائكة. وقد حزن بولس كثيرًا بوصول هذه الرسالة، وفي ضيق شديد كتب الرد الذي فند فيه هذه الآراء الغنوسية التي ينادي بها معلمون كذبة. ومما يستلفت النظر أن هذه الرسالة التي تستشهد كثيرًا برسائل بولس الكتابية، ورسالة الكورنثيين إلى بولس التي دفعته إلى كتابتها، اعتبرتهما الكنائس السريانية والأرمينية، قانونيتين بعد القرن الثاني، ولم تصل إلينا الصورة الأصلية للرسالة في اليونانية، ولكنها وصلتنا في نسخة قبطية (غير كاملة) ونسخة أرمينية ونسختين مترجمتين لللاتينية (مشوهتين)، علاوة على تناولها في تفسير أفرايم ( بالأرمينية). وقد فقدت النسخة السريانية.

3- علاوة على الجزئين المذكورين أعلاه من أعمال بولس، توجد أجزاء أقل أهمية مثل شفاء الرسول لرجل مصاب بالاستسقاء في ميرا (وهي تتمة لقصة تكلة)، ومصارعة بولس للوحوش في أفسس [مبينة على ما جاء في (1 كو 15: 32)]، واقتباسين قصيرين يذكرهما أوريجانوس، وجزء ختامي يصف استشهاد الرسول في زمن نيرون الذي ظهر له بولس بعد موته. كما أن أكليمندس الإسكندري يقتبس فقرة عن إرسالية بولس الكرازية، والتي ربما شكلت جزءًا من أعمال بولس. وربما كانت هذه الأعمال ذاتها هي مصدر حديث بولس في أثينا الذي كتبه جون سالسبوري (حوالي 1156).

المؤلف وتاريخ التأليف: مما ذكره ترتليان نعلم أن مؤلف "أعمال بولس" كان شيخًا من شيوخ أسيا، كتب كتابه " بقصد تعظيم بولس، بإضافات من عنده " وأنه طرد من وظيفته عندما اعترف بأنه فعل ذلك حبًا في بولس". وشهادة ترتليان هذه يؤيدها الدليل في الكتاب ذاته، حيث أنه -كما رأينا- يظهر معرفة دقيقة بطبوغرافية أسيا الصغرى وتاريخها. وكثير من الأسماء الواردة بهذه الأعمال وجدت في أثار سميرنا، وإن كان من الخطأ أن نستنتج بناء على ذلك أن المؤلف كان من مدينة سميرنا، ولعله كان من مدينة نالت فيها تكلة تقديرًا خاصًا، وكان الدافع له إلى كتابتها هو صلتها ببولس الكارز بالبتولية، بجانب تفنيد بعض الآراء الغنوسية. ولعل تاريخ تأليف أعمال بولس يرجع إلى النصف الثاني من القرن الثاني بين 160-180 م.

ورغم أن أعمال بولس كتبت لبيان عظمة الرسول، فإنها تبين بوضوح أن المؤلف لم يكن مؤهلًا لذلك من ناحية المقدرة الفكرية أو اتساع الرؤيا، فالمستوى الفكري لهذه الأعمال هابط جدًا كما أنها فقيرة في مفاهيمها، فالموضوع الواحد يتكرر بدون أي تغيير، والعيوب الظاهرة في خيال المؤلف واضحة في أسلوبه العاري الخالي من الفن. وبه اقتباسات كثيرة من العهد الجديد، والصورة التي يرسمها للمسيحية ضيقة ومن جانب واحد، وهي في جملتها صحيحة، وليس فيها ما يؤيد رأي ليسيوس بأنها مأخوذة عن مؤلف غنوسي. فتكرار أحداث الخوارق، والتقشف الشديد الذي يميز هذه الأعمال، ليسا دليلًا على التأثر بالغنوسية، بل أن التعليم فيها هو ضد الغنوسية، كما نرى في المراسلات بين بولس والكورنثيين: "أن الرب يسوع المسيح ولد من مريم من نسل داود، فقد أرسل الآب الروح من السماء إليها." ويؤكد قيامة الأموات بقيامة المسيح من بين الأموات، ولكن القيامة قاصرة على الذين يؤمنون بها (وهذه النقطة يبدو أنها من ابتكار المؤلف)، فيقول: "إن مَنْ لا يؤمنون بالقيامة لن يقوموا" ويربط بين الإيمان بالقيامة وضرورة الامتناع تمامًا عن المعاشرات الجنسية، فالأطهار فقط هم الذين يعاينون الله، " فلن يكون لكم نصيب في القيامة إلا إذا ظللتم طاهرين ولم تنجسوا الجسد ". والإنجيل الذي كرز به الرسول كان يتعلق بـ"ضبط النفس والقيامة". ومحاولة المؤلف تدعيم صورة المسيحية التي كانت سائدة في أيامه، كانت هي الهدف الرئيسي لتأليف الكتاب، فيصور الرسول بولس على أنه رسول هذا المفهوم الشائع. ولإضفاء صورة جذابة على تعليمه، ملئت الصورة بالخوارق والمعجزات لإرضاء ذوق ذلك العصر.

ثانيًا - أعمال بطرس: يوجد جزء كبير (حوالي الثلثين) من أعمال بطرس محفوظًا باللغة اللاتينية، يطلق عليه " أعمال فرسيلي " نسبة إلى مدينة فرسيلي في بيدمونت حيث توجد المخطوطة في مكتبة كنيستها. كما اكتشف جزء منها بالقبطية ونشره في 1903 س. شميدت تحت عنوان " أعمال بطرس " ويرى شميدت أنها جزء من كتاب أخذت منه أعمال فرسيلي، ولكن هذا أمر موضع شك. وهذا الجزء يتعلق بحادثة حدثت في أثناء خدمة بطرس في أورشليم، بينما، "أعمال فرسيلي" -ولعل المقصود منها أن تكون امتدادًا لسفر الأعمال القانوني- تروي قصة الصراع بين بطرس وسيمون الساحر، واستشهاد بطرس في رومية. وما ذكره عنها كتاب الكنيسة (فيلاستريوس من برسكيا، وإيزادور من بلوزيوم وفوتيوس) يؤكد أن " أعمال فرسيلي " هي جزء من أعمال بطرس التي حرمت في مرسوم أنوسنت الأول (405 م) وفي المرسوم الجلاسياني (496 م):

1- يحتوي الجزء القبطي على قصة ابنة بطرس المفلوجة، ففي أحد أيام الآحاد وبطرس مشغول بشفاء المرضى، سأله أحد الواقفين: لماذا لم يشف ابنته؟ ولكي يبرهن على قدرة الله على إتمام الشفاء على يديه، شفي بطرس ابنته لفترة وجيزة، ثم أمرها أن تعود إلى مكانها وإلى حالتها كما كانت من قبل، وقال إن هذه البلوى قد أصابتها لتخلصها من النجاسة، حيث أن بطليموس قد فتن بها وأراد أن يتخذها له زوجة. وحزن بطليموس على عدم حصوله عليها حتى عمي من البكاء، وبناء على رؤيا، جاء إلى بطرس الذي أعاد له بصره فآمن، وعندما مات ترك قطعة من الأرض لابنة بطرس. وقد باع بطرس تلك القطعة من الأرض ووزع ثمنها على الفقراء. ويشير إلى هذه القصة دون أن يذكر اسم "أعمال بطرس". كما توجد إشارتان لهذه القصة في أعمال فيلبس. كما تذكر القصة مع أعمال نريوس وأخيلاوس -التي كتبت في عهد متأخر، مع تغييرات واضحة- ويذكر أن ابنة بطرس -التي لم يُذْكَر اسمها في المخطوطة القبطية- كانت تسمى "بترونيلا".

2- تنقسم محتويات الأعمال الفرسيليانية إلى ثلاثة أقسام:

أ‌- الأصحاحات الثلاثة الأولى واضح أنها تكملة لقصة أخرى، ويمكن أن تكون تكملة لسفر الأعمال القانوني، فهي تروي ارتحال بولس إلى أسبانيا.

ب‌- الجزء الأكبر (من 4-32) يصف الصراع بين بطرس وسيمون الساحر في رومية، فلم يمكث بطرس في رومية طويلًا حتى لحق به سيمون -الذي كان "يدعي أنه قوة الله العظيمة"- وأفسد كثيرين من المسيحيين. وظهر المسيح لبطرس في رؤيا في أورشليم وأمره أن يبحر إلى إيطاليا وإذ وصل إلى رومية ثبت المؤمنين، وأعلن أنه جاء لتثبيت الإيمان بالمسيح ليس بالأقوال فقط بل بعمل المعجزات والقوات [إشارة إلى (1 كو 4: 20؛ 1 تس 1: 5)]. وبناء على التماس من الإخوة، ذهب بطرس لمقابلة سيمون في بيت رجل يدعي مارسلوس كان قد أضله الساحر، وعندما رفض سيمون مقابلته، أطلق بطرس كلبًا وأمره أن يبلغ سيمون الرسالة، وكانت نتيجة هذه المعجزة أن تاب مارسلوس. وبعد ذلك جزء يصف إصلاح تمثال مكسور برش الكسر بماء باسم يسوع. وفي تلك الأثناء كان الكلب قد ألقى موعظة على سيمون وأصدر عليه حكم الدينونة بنار لا تطفأ.

وبعد أن أبلغ بطرس بقيامه بمأموريته وتكلم إلى بطرس بأقوال مشجعة، اختفى الكلب عند قدمي الرسول. وبعد ذلك جعل سمكة مشوية تعوم، فتقوى إيمان مارسلوس وهو يرى العجائب التي يصنعها بطرس، فطرد سيمون من بيته بكل احتقار، فاغتاظ سيمون جدًا لذلك، فذهب إلى بطرس يتحداه، فانبرى له طفل عمره سبعة شهور، يتكلم بصوت رجالي، وشجب سيمون وجعله يبكم حتى السبت التالي. وظهر المسيح لبطرس في رؤيا في الليل وشجعه، وفي الصباح حكى بطرس للجماعة انتصاره على سيمون " ملاك الشيطان " في اليهودية. وبعد ذلك بقليل في بيت مارسلوس، الذي "تطهر من كل أثر لسيمون"، كشف بطرس المفهوم الحقيقي للإنجيل. وتظهر كفاءة المسيح لمقابلة كل أنواع الحاجة في فقرة لها صبغة دوسيتية: "سيغريكم حتى تحبوه، هذا العظيم والصغير، هذا الجميل والقبيح. هذا الشاب والقديم الأيام، الذي ظهر في الزمان ولكنه محجوب تمامًا في الأبدية، الذي لم.. تلمسه يد، ولكنه يلمس الآن من خدامه، الذي لم يره جسد ولكنه الآن يرى.. وبعد ذلك في وهج عجيب من النور السماوي، استردت النوافذ المقفلة بصرها ورأت الأشكال المختلفة التي ظهر بها المسيح لهم".

وتصف رؤية لمارسلوس ظهر له الرب فيها في هيئة بطرس وضرب بسيف " كل قوة سيمون " التي ظهرت في شكل امرأة حبشية سوداء جدًا وفي ثياب رثة. ويأتي بعد ذلك الصراع مع سيمون في الساحة العامة في محضر أعضاء مجلس الشيوخ والولاة، وبدأ الجانبان في المبارزة بالكلام ثم بالأفعال التي برزت فيها قوة بطرس وتفوقت في إقامة الموتى، على قوة سيمون، وهكذا خسر سيمون شهرته في رومية، وفي محاولة أخيرة لاسترداد نفوذه، أعلن أنه سيصعد إلى الله، وطار -أمام الجموع المحتشدة- فوق المدينة. ولكن استجابة لصلاة بطرس للمسيح، وقع سيمون وانكسرت ساقه في ثلاثة مواضع، فنقل من رومية، وبعد أن بترت ساقه مات.

ج- يختم سفر الأعمال الفرسيلياني بقصة استشهاد بطرس (أصحاحات 33-41)، فقد استهدف بطرس لعداء الشخصيات من ذوي النفوذ لأنه حرض زوجاتهم على الانفصال عنهم، ونتج عن ذلك القصة المشهورة "كوافاديس". هرب بطرس من رومية عندما استشعر الخطر، ولكنه قابل المسيح الذي قال له إنه ذاهب إلى رومية ليصلب ثانية، فعاد بطرس وحكم عليه بالموت. وفي مكان تنفيذ الحكم، فسر بطرس سر الصليب. طلب أن يصلب منكس الرأس، وعندما فعلوا به ذلك، شرح في عبارات مصبوغة بالصبغة الغنوسية، سبب رغبته في ذلك. وبعد صلاة صوفية الطابع، أسلم بطرس الروح, وغضب نيرون جدًا لإعدام بطرس بدون علمه، لأنه كان يريد التشفي فيه وتعريضه لأنواع من العذاب. وبناء على رؤية، امتنع عن صب غضبه على المسيحيين واضطهادهم اضطهادًا عنيفًا (قصة استشهاد بطرس موجودة أيضًا في الأصل اليوناني).

قيمتها التاريخية:

واضح مما سبق أن هذه الأعمال ليست إلا أساطير، وليس لها أي قيمة من الناحية التاريخية عن خدمة بطرس، فهي في حقيقتها من اختراع الروح القديمة التي تستغذب الخوارق، والتي ظنت أن قوة المسيحية تعتمد تمامًا على قدرة ممثليها على التفوق على الجميع في امتلاك قوة خارقة.

أما قصة حصول سيمون على نفوذ كبير في رومية وكيف أقيم له تمثال تكريمًا له (أصحاح 10)، فقد يكون لها أساس من الحقيقة، فيقول جستين الشهيد إن سيمون بناء على الأعمال العجيبة التي كان يقوم بها في رومية، كان يعتبر إلهًا وأقيم له تمثال تكريمًا له. ولكن شكوكًا خطيرة قد أحاطت بالقصة كلها من النقوش الموجودة على حجر في قاعدة عامود في رومية عن إله سبيني اسمه سيمو سانكوس، ولعل هذا ما دعا جستين إلى أن يخلط بين هذا التمثال وبين سيمون الساحر، ولعله أيضًا كان الأساس الذي نسجت حوله أسطورة أعمال سيمون في رومية. أما موضوع استشهاد بطرس في رومية فهو أمر قديم، ولكن لا يمكن الركون في ذلك إلى القصة الواردة في أعمال بطرس.

المؤلف وتاريخ التأليف:

لا يمكن الجزم بشيء في موضوع مؤلف أعمال بطرس، فالبعض يعتقدون أنها من تأليف كاتب أعمال يوحنا، ولكن الأمر المؤكد هو أنهما نبتتا في نفس الجو الديني في أسيا الصغرى. وليس هناك إجماع على مكان كتابتها، ولكن بعض التفاصيل الصغيرة مع طبيعة الكتاب، تدل على أن أصله كان في أسيا الصغرى أكثر مما في رومية، فهو يخلو من ذكر أي شيء عن أحوال رومية، بينما هناك تلميحات محتملة عن شخصيات تاريخية عاشت في أسيا الصغرى. أما تاريخ كتابته فيرجع إلى ختام القرن الثاني على الأرجح.

طبيعتها:

استخدم الهراطقة أعمال بطرس، بينما حرمتها الكنيسة، وليس معنى هذا بالضرورة أنها من أصل هرطوقي، وإن كان يستشف منها روح -اعتبرت فيما بعد- هرطوقية، ولكن من المحتمل أنها نشأت داخل الكنيسة في بيئة مصبوغة بشدة بالأفكار الغنوسية، فنجد المبدأ الغنوسي في التشديد بخصوص " فهم الرب" (أصحاح 22). وكذلك نرى الفكرة الغنوسية في أن الكتب المقدسة يلزم أن تكون مصحوبة بتعليم سري مسلم من الرب للرسل، في كثير من الأجزاء (وبخاصة الأصحاح 20)، ففي أثناء وجودهم على الأرض في شركة مع المسيح، لم يكن ممكنًا للتلاميذ أن يفهموا تمامًا كل إعلان الله، فكل منهم رأى ما استطاع أن يراه، فبطرس يقول إنه يسلم لهم ما استلمه من الرب "في سر". كما يوجد فيها شوائب من الهرطقة الدوسيتية، كما أن الكلمات التي نطق بها بطرس وهو معلق على الصليب توحي بتأثير غنوسي (فصل 73 إلخ.)، ونجد في تلك الأعمال نفس الموقف السلبي من الخليقة والروح التقشفية الواضحة كما في غيرها من الأسفار الأبوكريفية. و"عذارى الرب" لهم مكانة رفيعة (فصل 22)، ويستخدم الماء بدل الخمر في العشاء الرباني. وأشد ما يميز أعمال بطرس هو التشديد على رحمة الله الواسعة في المسيح من نحو المرتدين (وبخاصة في فصل 7)، وهذه الملحوظة التي تكرر كثيرًا هي برهان على وجود الإنجيل الحقيقي في مجتمعات اختلط إيمانها بأغرب الخرافات.

 

ثالثًا - أعمال يوحنا:

بناء على جدول المخطوطات لنيسيفورس، كانت أعمال يوحنا في صورتها الكاملة تشكل كتابًا في حجم إنجيل متى. وعدد من أجزائة يبدو مترابطًا، وهذه تكون نحو ثلثي الكتاب. وبداية تلك الأعمال مفقودة، وتبدأ الرواية بالفصل 18. ولا نستطيع أن نجزم بشيء عن محتويات الفصول السابقة، وإن كان " بونيت " يرى أن الأربعة عشر فصلًا الأولى تروي تفاصيل رحلة يوحنا من أفسس إلى رومية، ونفيه إلى بطمس، بينما الأصحاحات من 15-17 تصف عودته من بطمس إلى أفسس، ولكننا نستبعد هذا لأن الجزء الذي يبدأ بالفصل 18 يصف زيارة يوحنا الأولى لأفسس. ويروي الجزء الأول الموجود من هذه الأعمال (من 18-25) أن ليكوميدس " القائد الأول للأفسسيين " قابل يوحنا وهو يقترب من المدينة وتوسل إليه من أجل زوجته الجميلة كليوبترا التي أصيبت بالفالج، وعند وصولهم إلى البيت بلغ الحزن من ليكوميدس مبلغًا سقط معه ميتا، وبعد أن صلى يوحنا للمسيح، شفى كليوبترا ثم أقام ليكوميدس من الموت. ونزولًا على توسلاتهما أقام يوحنا معهما. وفي الفصول من 26-29 نجد موضوع صورة يوحنا التي لعبت دورًا بارزًا في مجمع نيقية الثاني، فقد أرسل ليكوميدس صديقًا له ليرسم صورة ليوحنا وعندما تمت، وضعها في غرفة نومه وأقام مذبحًا أمامها وأحاطها بالشموع، ولما اكتشف يوحنا لماذا يأوي ليكوميدس إلى غرفته كثيرًا، اتهمه بعبادة وثن وعلم أن الصورة هي صورته، وصدق ذلك عندما جاءوا له بمرآة ليرى نفسه فيها، فطلب يوحنا من ليكوميدس أن يرسم صورة لنفسه وأن يستخدم في تلوينها الإيمان بالله، الوداعة، المحبة، العفة، إلخ أما صورة الجسد فهي صورة ميتة لإنسان ميت. أما الفصول من 30-36 فتروي قصة شفاء امرأة عجوز مريضة، وفي الساحة حيث كانت تجري المعجزات، ألقى يوحنا خطابًا عن بُطل كل الأشياء الأرضية، وعن الطبيعة المدمرة التي للعواطف الجسدية. وفي الفصول 37-45 نقرأ أن معبد أرطاميس قد سقط نتيجة لصلاة يوحنا، مما أدى إلى ربح الكثيرين للمسيح. وكاهن أرطاميس الذي قتل عند سقوط المعبد، قام من الموت وأصبح مسيحيًا (46). وبعد سرد عجائب أخرى (إحداهما كانت طرد البق من أحد البيوت)، تأتي أطول قصص هذا الكتاب وهي قصة منفرة عن دروسيانا (62-86) نظمتها الراهبة هروزوتيا من جاندرشيم في قصيدة شعرية (القرن العاشر).

والفصول من 87-105 تروي حديثًا ليوحنا عن حياة وموت وصعود يسوع، مصبوغًا بالصبغة الدوسيتية، ومنها جزء كبير يتعلق بظهور المسيح في أشكال كثيرة بطبيعة جسده الفريدة. وفي هذا الجزء توجد الترنيمة الغريبة التي استخدمها أتباع بريسليان، والتي يقولون إنها الترنيمة التي رنمها يسوع بعد العشاء في العلية (مت 26: 30) والتلاميذ يرقصون في حلقة حوله ويردون قائلين آمين. وهنا أيضًا نرى التعليم الصوفي الغامض عن الصليب يعلنه المسيح ليوحنا. والفصول من 106-115 تروي نهاية يوحنا، فبعد أن خاطب الإخوة وتمم فريضة عشاء الرب بالخبز فقط، أمر يوحنا بحفر قبر، وبعد أن تم ذلك صلى وشكر الرب الذي أنقذه من "الجنون القذر للجسد" وصلى أن يمر بأمان في ظلمة الموت وأخطاره، ثم اضطجع بهدوء في القبر وأسلم الروح.

قيمتها التاريخية:

لسنا في حاجة إلى القول بأن أعمال يوحنا ليس لها أي قيمة تاريخية، فهي نسيج من أساطير كان القصد منها وما حوته من معجزات، أن تغرس في أذهان العامة المفاهيم الدينية ونمط الحياة كما يعتنقها المؤلف. وهذه الأعمال تتفق مع التقليد الثابت بأن أفسس كانت دائرة خدمة يوحنا في أواخر أيامه، ولكن ما يلفت النظر هو ما ذكره المؤلف عن تدمير يوحنا لمعبد أرطاميس، وهو دليل قوي على أن هذه الأعمال لم تكتب في أفسس، لأن معبد أرطاميس دمره القوط في 262 م.

صفتها العامة:

إن أعمال يوحنا هي أكثر تلك الأسفار الأبوكريفية هرطقة، وقد أشرنا آنفًا إلى السمات الدوسيتية، فنرى عقيدة عدم حقيقة جسد يسوع في ظهوره بأشكال مختلفة (88-90)، وقدرته على البقاء بدون طعام (93)، وبدون نوم (" فلم أر عينية مغمضتين قط ولكنهما على الدوام مفتوحتان " 89)، وإنه عندما يمشي لا تترك أقدامه أثرًا (93)، وتغير طبيعة جسده عند اللمس فمرة يكون جامدًا، وتارة لينًا، وأخرى خياليًا تمامًا (89، 93). كما أن صلب يسوع كان مجرد مظهر وهمي (97، 99)، وأن الصعود حدث عقب الصلب الظاهري مباشرة فلا مكان لقيامة شخص لم يمت أصلًا. كما أن الملامح الغنوسية تبدو واضحة في استخفافه بالناموس اليهودي (94)، وفي الاهتمام بتأكيد أن المسيح سلم الرسل تعليمًا سريًا (96)، وفي احتقار غير المستنيرين (" لا تهتموا بالكثيرين، واحتقروا الذين خارج السر " 100) والأحداث التاريخية لآلام المسيح تحولت تمامًا إلى نوع من الصوفية (101) فهي مجرد رمز للآلام البشرية، والهدف من مجيء المسيح هو أن يمكن الناس من فهم المعنى الحقيقي للآلام وهكذا يتخلص منها (96)، وآلام المسيح الحقيقية هي ما نتج عن حزنه على خطايا أتباعه (106)، كما أنه شريك في آلام شعبه الأمين، وفي الحقيقة هو حاضر معهم ليسندهم في وقت التجربة (103). كما أن أعمال يوحنا تبدي نزعة هرطوقية وإن كانت أقل بروزًا من أعمال أندراوس وأعمال توما. ولا نجد في أي مؤلف آخر لمحات أكثر هولًا، مما نرى في أعمال يوحنا، من لمحات عن أعماق الفساد الجنسي، فقصة دروسيانا تلقي نورًا قويًا على الأمور الجنسية الفاضحة التي انتقلت إلى المسيحية الهيلينية. ولكن إلى جانب ذلك، توجد أجزاء تفيض بالمشاعر الدينية الدافئة. وبعض الصلوات تتميز بالحماسة والحرارة (112). وهذه الأعمال تدل على أن المؤلف كانت له موهبة الكتابة، وهي في هذا تختلف عن أعمال بولس.

المؤلف وتاريخ التأليف:

يقول مؤلف أعمال يوحنا عن نفسه بأنه كان رفيقًا للرسول، وقد شارك في الأحداث التي رواها، ونتيجة لذلك فإن القصة بها شيء من الحيوية حتى إنها لتبدو وكأنها تاريخ حقيقي. والمؤلف -بشهادة تعود إلى القرن الرابع- هو ليوسيوس ولكن لا يمكن أن نجزم بشيء عنه. ومن المحتمل أن المؤلف ذكر اسمه في الجزء المفقود. ونعرف أنها قديمة من إشارة إكليمندس السكندري (حوالي 200 م) إلى طبيعة جسد المسيح غير المادية، فهذه العبارة تدل بوضوح على أنه كان يعرف هذه الأعمال، أو سمع عنها، فمن المحتمل أنها كتبت فيما بين 150-180 م وأنها كتبت في أسيا الصغرى.

تأثيرها:

كان لأعمال يوحنا تأثير واسع، وعلى الأرجح هي أقدم أعمال، وعنها أخذت سائر أسفار الأعمال التي كتبت بعدها، فأعمال بطرس وأعمال أندراوس شديدة الشبه بأعمال يوحنا، حتى قال البعض إنها كلها من قلم واحد، والأرجح أننا على حق عندما نقول إن مؤلف أعمال يوحنا كان رائدًا في هذا المجال من الروايات التي حيكت حول الرسل، وأن الآخرين ساروا على الدرب الذي فتحه. ونفهم من إشارة إكليمندس الإسكندري أن أعمال يوحنا كانت تقرأ في الدوائر القويمة، ولكن نُظر إليها بعد ذلك بعين الشك، فأوغسطينوس يقتبس جزءًا من الترنيمة (95) التي قرأها في مؤلف بريسلياني أرسله إليه الأسقف سرتيوس، ويعلق بنقد قاس عليها، وعلى الزعم بأنها أعلنت سرًا للرسل. وقد أصدر مجمع نيقية الثاني (787 م) حكمًا شديد اللهجة ضد أعمال يوحنا. ولكن القصص التي جاءت بهذه الأعمال انتقلت إلى الدوائر القويمة وقد استخدمها بروكورس (القرن الخامس) في تأليف رواية عن رحلات الرسول، كما استخدمها أبدياس (القرن السادس).

 

رابعًا - أعمال أندراوس:

ورد أول ذكر لهذه الأعمال -التي كثيرًا ما يشير إليها الكُتَّاب الكنسيون- في يوسابيوس، فهو يرفضها مع غيرها من الأعمال الأبوكريفية على أنها سخيفة وغير معقولة. ويشير أبيفانيوس إلى هذه الأعمال -عدة مرات- بأنها مستخدمة عند مذاهب هرطوقية كثيرة ممن يمارسون الزهد الشديد. وينسبها الكتّاب الأوائل إلى ليوسيوس مؤلف أعمال يوحنا.

محتوياتها: لم يبق من أعمال أندراوس إلا أجزاء صغيرة. كما يحتفظ لنا أيوديوس من أوزالا (توفي 424 م. - وكان معاصرًا لأوغسطينوس) بجزء صغير، كما يوجد جزء أكبر في مخطوطة من القرن العاشر أو الحادي عشر تحتوي على حياة القديسين عن شهر نوفمبر، يقول عنها بونيت إنها من أعمال أندراوس. وقصة موت أندراوس ترد على جملة صور، والصورة التي يبدو أنها أقربها إلى الأصل، توجد في خطاب مشايخ وشمامسة كنائس أخائية.

1- والجزء الوارد في أيوديوس عبارة عن فقرتين قصيرتين تصفان العلاقات بين مكسيميليا وزوجها أجيتس، الذي قاومت مطالبه.

2- أطول جزء من هذه الأعمال يروي سجن أندراوس لإغرائه مكسيميليا بالانفصال عن زوجها أجيتس، لتعيش حياة الطهارة (واسم أجيتس هو في حقيقته اسم شخص ينتسب إلى مدينة أجيا القريبة من باتري التي يقال إن أندراوس كان يعمل بها). ويفتتح الفصل، في وسط خطاب ألقاه أندراوس على الإخوة في السجن، الذي انضموا إليه فيه ليفتخروا بشركتهم مع المسيح وبنجاتهم من أمور الأرض الدنية. وقد زارت مكسيمميليا ورفيقاتها الرسول مرارًا في السجن، وقد جادلها أجيتس وهددها بأنها إذا لم تستأنف علاقاتها معه، فإنه سيعرض أندراوس للعذاب. وأشار عليها أندراوس بمقاومة الحاح أجيتس، وألقى خطابًا عن طبيعة الإنسان الحقيقية، وقال إن العذاب لا يخيفه، فلو أن مكسيميليا خضغت، لتألم الرسول من أجلها، وبمشاركتها له في الآلام تعرف طبيعتها على حقيقتها وهكذا تنجو من الضيق. ثم بعد ذلك عزى أندراوس إستراتوكليس أخا أجيتس الذي أعلن حاجته إلى أندراوس الذي غرس فيه " بذرة كلمة الخلاص ". وبعد ذلك أعلن أندراوس أنه سيصلب في اليوم التالي، فزارت مكسيميليا الرسول مرة أخرى في السجن، " وكان الرب يسير أمامها في صورة أندراوس ". وألقى الرسول خطابًا على جماعة من الإخوة عن خداع إبليس الذي بدا للإنسان أولًا كصديق ولكنه ظهر الآن كعدو.

3-عندما وصل إندراوس إلى مكان الصلب، رحب بالصليب. وبعد أن ربط إلى الصليب، وعلق عليه، كان يبتسم لإخفاق أجيتس في الانتقام، لأنه (كما قال) " الرجل الذي ينتمي ليسوع، لأنه معروف ليسوع، فهو رجل محصن ضد الانتقام ". وظل أندراوس ثلاثة أيام وثلاث ليال يخاطب الشعب من فوق الصليب، وإذ تأثروا من نبله وبلاغته، ذهبوا إلى أجيتس طالبين منه إنقاذه من الموت. وإذ خشى غضب الشعب ذهب لينزل أندراوس من فوق الصليب، ولكن الرسول رفض النجاة وصلى للمسيح لكي يحول دون إطلاق سراحه. بعد ذلك أسلم الروح، وقد دفنته مكسيميليا، وبعدها بقليل طرح أجيتس نفسه من ارتفاع عظيم ومات.

الصفة العامة:

يظهر الاتجاه الهرطوقي بأقوى صورة في أعمال اندراوس (وبالنسبة لهذا، ولارتباط أندراوس في التقليد الكنسي بالتقشف الشديد، فهناك مفارقة عجيبة حيث أنه في بعض أجزاء ألمانيا يعتبر أندراوس القديس الحامي للفتيات اللواتي يبحثن عن أزواج. ففي هارز وتورنجن تعتبر ليلة القديس أندراوس (30 نوفمبر) عند الفتيات أفضل وقت لرؤية أزواج المستقبل. وتبدو الروح الغنوسية في التقدير العظيم للإنسان الروحي (6). فالطبيعة الحقيقية للإنسان طاهرة، والضعف والخطية هما من عمل "العدو الشرير الذي هو ضد السلام"، وهو لا يظهر علنًا كعدو لإغواء الناس ولكنه يتظاهر بالصداقة، وعندما يبزغ نور العالم، يرى عدو الإنسان في ألوانه الحقيقية. والخلاص من الخطية يأتي من الاستنارة. والنظرة المتصوفة إلى الآلام (9) تذكرنا بتلك الموجودة في أعمال يوحنا. ومواعظ الرسول تتميز بالجدية والحرارة (فالكلمات تفيض من شفيته "كسيل من نار" 12) وإحساس عميق بالرحمة الإلهية على الخطاة والمجربين.

القيمة التاريخية:

الشيء الوحيد في أعمال أندراوس الذي يمكن أن يكون له أساس تاريخي هو خدمته في باتري على خليج كورنثوس. وهناك اضطراب في التقاليد الكنسية عن دائرة خدمة أندراوس فيما بين سيكيثا وبثينية واليونان، ولكن من المحتمل أن أندراوس جاء إلى اليونان وإنه استشهد في باتري، ومن المحتمل في نفس الوقت أن خدمة أندراوس وصلبه في باتري قد اخترعت لإظهار أن الكنيسة في باتري كنيسة أسسها أحد الرسل.

أما التقليد عن صلب الرسول على الصليب المعروف باسم صليب القديس أندراوس، فهو تقليد متأخر.

 

خامسًا - أعمال توما:

← المقال: أعمال توما

 

الأبوكريفا: الرسائل:

ينسب عدد قليل من الرسائل للعذراء مريم، ولكنها من تاريخ متأخر ولا قيمة لها، والرسائل الآتية هي الرسائل الأبوكريفية:

1- رسالة منسوبة للرب:

يذكر هذه الرسالة يوسابيوس، الذي يقول إنه في أيامه كانت توجد نسخة من الرسالة في سجلات إدسا.

يرسل أبجروس ملك أسروين التي كانت إقليمًا صغيرًا في بلاد بين النهرين، إلى ربنا يطلب منه أن يشفيه فيبسط عليه حمايته. فيرسل الرب رسالة قصيرة يقول له فيها إنه لا يستطيع مغادرة فلسطين، ولكن بعد صعوده سيأتي رسول منه ويشفي أبجروس. وواضح أنها مزيفة، وقد تحولت أسروين فعلًا إلى المسيحية في بداية القرن الثاني، وقد كتبت الأسطورة ونالت الموافقة الرسمية لإثبات أن البلاد قد قبلت الإنجيل منذ الأيام الأولى.

2- رسالة منسوبة لبطرس:

مواعظ كليمنت هي مؤلف خيالي ينسب إلى أكليمندس الروماني، فقد كتبت حوالي نهاية القرن الثاني أو بداية الثالث، وفي بدايتها توجد رسالة من بطرس إلى يعقوب، وفيها يشير بطرس على يعقوب ألا يظهر الكتاب المحتوي على كرازة بطرس إلا لدائرة محدودة، ويهاجم الرسول بولس هجومًا عنيفًا. وهي على ما هي عليه، إبيونية النزعة، وهي مزورة مثل المواعظ التي ألحقت بها.

3- رسائل منسوبة لبولس:

(1) الرسالة إلى لاودكية. إن ذكر تلك الرسالة في (كو 4: 16) دفع أحدهم لتزييف رسالة. وهي مكتوبة باللاتينية وتتكون من عشرين عددًا، وهي مجموعة متناثرة من عبارات بولسية سلكت في خيط واحد. وقد ذكرت في المخطوطة الموراتورية (170 م) وكانت واسعة الانتشار في نهاية القرن الرابع. أما الآن فالكل يجمعون على أنها زائفة.

(2) رسالة مفقودة إلى الكورنثيين: ففي (1كو 5: 9) يذكر الرسول رسالة إلى الكورنثيين يبدو أنها قد فقدت. وفي القرن الخامس أدمجت بعد الرسالة الثانية لكورنثوس رسالة قصيرة من الكورنثيين إلى بولس وأخرى من بولس إلى الكورنثيين، وهما موجودتان في السريانية، ويبدو أنهما كانتا مقبولتين في دوائر كثيرة في نهاية القرن الرابع، وهما تكونان جزءأ من أعمال بولس الأبوكريفية، ويرجع تاريخ كتابتهما إلى حوالي 200 م.

4-رسالة إلى أهل إسكندرية:

لا تذكر إلا في المخطوطة الموراتورية، ولم تصل إلينا مطلقًا.

5-رسائل بولس لسنيكا:

وهي رسائل بالاتينية، ست منها من بولس، وثمان من سنيكا. ويقول ليتفوت عن هذه الرسائل: الأرجح أن هذه الرسائل قد زيفت في القرن الرابع، إما لتزكية سنيكا عند القراء المسيحيين، أو لتزكية المسيحية عند تلاميذ سنيكا. وكانت واسعة الانتشار في العصور الوسطى.

 

الأوبكريفا: الأناجيل:

تكون الأناجيل الأبوكريفية جزءًا من المؤلفات الأبوكريفية التي عاصرت تجميع أسفار العهد الجديد القانونية، فكلمة أبوكريفا تعني أنها غير قانونية وهي تشمل، بجانب الأناجيل، الرسائل والرؤى.

مقدمة:

يذكر لوقا في مقدمته أنه في أيامه عندما كان تلاميذ الرب مازالوا أحياء، كان من الشائع أن تكتب وتنشر قصص عن أعمال يسوع وأقواله. بل يقول البعض إنه في نهاية القرن الأول كان لكل كنيسة إنجيلها الخاص بها. ومن المحتمل أن هذه الأناجيل كلها كانت مأخوذة عن الأقوال الشفوية للذين رأوا وسمعوا بل ولعلهم تحادثوا مع الرب. وعدم الرضا عن هذه المؤلفات هو الذي دفع لوقا لكتابة إنجيله. ولكن من المشكوك فيه جدًا الآن أن تكون هذه المؤلفات التي كانت قبل لوقا، هي بعض الموجود بين أيدينا الآن. وقد كان بعض العلماء المشهورين أمثال جروتيوس وجراب ومل يميلون في وقت مضى إلى اعتبار إنجيل العبرانيين وإنجيل الأبيونيين وإنجيل المصريين بين تلك المؤلفات التي أشار إليها لوقا. بل أن بعضهم كان يرى أنه من المحتمل أن إنجيل العبرانيين كتب بعد منتصف القرن الأول بقليل. ولكن الدراسات الحديثة لا تعود بهذه الأناجيل إلى مثل هذا التاريخ المبكر، وإن كان من المحتمل أن إنجيل العبرانيين له تاريخ أسبق من غيره من هذه المؤلفات.

الأناجيل القانونية:

ومهما يكن الأمر، فمما لا شك فيه أنه في ختام القرن الأول وفي بكور القرن الثاني كان الرأي مجمعًا على الاعتراف بالأناجيل الأربعة القانونية.

فايريناوس أسقف ليون (180 م) يعترف بالأربعة الأناجيل، وليس غير الأربعة، بأنها "أعمدة الكنيسة". وثاوفيلس أسقف أنطاكية (168-180 م.)، وتاتيان، والشهيد جستين في دفاعه، يعودون بهذا التقليد إلى تاريخ مبكر جدًا في ذلك القرن، وكما يُثبت " ليدون " بالتفصيل: " لا شطط في القول بأن كل عقد من عقود القرن الثاني يقدم لنا أدلة جديدة على أن الأناجيل الأربعة، وبشكل خاص إنجيل يوحنا، كان لها عند الكنيسة في ذلك العصر نفس المكانة التي لها في الكنيسة الآن " أما محاولة البروفسور بيكون من بيل للغض من قيمة شهادة إيريناوس (الإنجيل الرابع في الميزان - نيويورك 1910) فهي محاولة فاشلة. فهو يؤكد أمورًا ليس عليها دليل، وينكر الحقائق الواضحة الدليل.

وفي القرن الماضي تعرضت الأناجيل فيما يختص بتكوينها وتاريخيتها وصحتها لأدق وأقسى أنواع النقد -وإن كان مثل هذا النقد لم ينقطع من قبل- ويمكن أن يقال انه قد بدأه ستراوس الذي -كما يقول ليدون- هز ضمير كل مسيحي في أوروبا عندما نشر أول مؤلفاته " حياة يسوع ". وكانت الأساليب المستخدمة في ذلك الكتاب تتكون في معظمها من تطبيق مباديء النقد -التي استخدمت منذ أربعين سنة قبل ذلك، في تقييم المؤلفات القديمة- على الأسفار المقدسة والأناجيل بخاصة. والجدل الذي أثاره هذا النقد لا يمكن أن يقال إنه قد هدأ. وليس هنا مجال لتفصيل هذا الجدل، بل قد يكفي هنا أن نقول إن مواقف الكنيسة المعهودة أمكن الدفاع عنها بقوة وكفاءة وبخاصة فيما يختص بالأناجيل الأربعة القانونية.

 

الأبوكريفا: الأناجيل:

مهما كان مصير المؤلفات التي سبقت كتابة إنجيل لوقا، وغيرها مما ظهر في القرن الأول، فإن الأناجيل الأبوكريفية -والتي مازالت موجودة- بدأت تظهر في القرن الثاني عندما تحددت الأسفار القانونية. وفي أيام كتابة هذه المخطوطات، ومع طرق المواصلات المحدودة بين مختلف المواقع، وعندما كانت الكنيسة في طريق التكوين واستكمال تنظيمها، لا بُد أن تأليف هذه الأناجيل ونشرها كانا أيسر مما عليه الحال الآن. ويبلغ عدد هذه الأناجيل نحو خمسين، ولكن الكثير منها لا توجد منه سوى أجزاء صغيرة أو شذرات متفرقة، ويوجد البعض منها مكتملًا أو ما يشبه ذلك -كما سنرى فيما بعد- ولعل عددها قد تضخم نتيجة إطلاق أسماء مختلفة على المؤلف الواحد. ويذكر هوفمان ثلاثين منها مع بعض الإيضاحات، ويعطي فابريكوس قائمة كاملة بها. وكانت الدوائر الأبيونية والغنوسية شديدة الخصوبة في إنتاج مثل هذه الأناجيل. ويقول سلمون: "من السهل إعطاء قائمة طويلة بأسماء الأناجيل التي يقال إنها كانت مستخدمة عند المذاهب الغنوسية المختلفة، ولكن لا يعلم غير القليل عن محتوياتها، وهذا القليل لا يسمح لنا بأن ننسب لها أي قيمة تاريخية "، فالكثير منها لا نعرف عنه سوى عناوينها مثل إنجيل الباسليديين، وإنجيل كيرنثوس وإنجيل أبلس، وإنجيل متياس، وإنجيل برنابا (غير الإنجيل الموجود حاليًا)، وإنجيل برثلماوس، وإنجيل حواء، وإنجيل فليمون، وكثير غيرها. وكان علماء الكنيسة الأولى والمسئولون فيها يعلمون بوجود هذه الأناجيل وبالهدف من كتابتها. ومما يسترعي النظر أنهم لم يترددوا في نعتها بما تستحقه، فكما يقول إيريناوس، إن الماركونيين أصدروا "عددًا لا يحصى من الكتابات الأبوكريفية المزورة التي زيفوها بأنفسهم لتضليل عقول الحمقى". كما أن يوسابيوس يقدم لنا بيانًا بالكتب المزيفة التي يدور الجدل حولها: "إنه في مقدورنا أن نميز بين هذه الكتب القانونية وتلك التي يصدرها الهراطقة بأسماء الرسل مثل: إنجيل بطرس، وإنجيل متى، وغيرها، أو مثل أعمال أندراوس ويوحنا وغيرهما من الرسل، التي لم يذكر أحد من كتّاب الكنيسة شيئًا عنها، وفي الحقيقة أن أسلوبها يختلف اختلافًا بيّنًا عن أسلوب الرسل، كما أن أفكارها ومفاهيمها بعيدة جدًا عن أفكارنا ومفاهيمنا القويمة الصحيحة، وهذا دليل على أنها من صنع خيال رجال هراطقة، ومن ثم وجب ألا تحسب بين الكتابات المزيفة فحسب، بل يجب أن ترفض كلية باعتبارها سخيفة ونجسة". وفي مقدمة وستكوت لدراسة الأناجيل، نجد جدولًا كاملًا -باستثناء ما اكتشف في مصر مؤخرًا- بالأقوال والأفعال التي لم تدون في الأسفار القانونية، والمنسوبة لربنا في كتابات العصور الأولى، وكذلك بيانًا بالاقتباسات من الأناجيل غير القانونية والتي لا نعلم عنها شيئًا سوى هذه الاقتباسات. ويمكن أن نقول إن الهدف من هذه الأناجيل الأبوكريفية، هو أنها إما كتبت لتأييد هرطقة من الهرطقات، أو لتفصيل الأناجيل القانونية بإضافات أسطورية في غالبيتها. ولنبدأ بالنظر في إنجيل العبرانيين.

إنجيل العبرانيين:

إن التاريخ القديم المتفق عليه لهذا الإنجيل، وأغلب الاقتباسات القليلة منه، والاحترام الذي يذكره به الكتّاب الأوائل، والتقدير الذي يلقاه من العلماء عمومًا في العصر الحاضر، كل هذه تجعل له اعتبارًا خاصًا، فرغم ما جاء به من أن الرب قد أمر تلاميذه بالبقاء اثني عشر عاما ً في أورشليم -وهو أمر قليل الأهمية- فإنه يبدو من المعقول أن يحتاج المسيحيون المقيمون في أورشليم وفلسطين إلى إنجيل مكتوب بلغتهم (الأرامية الغربية)، ومن الطبيعي أن يستخدم المسيحيون من شتات اليهود هذا الإنجيل. فالمسيحيون من اليهود -المقيمون مثلًا في الإسكندرية- لا بُد أنهم استخدموا هذا الإنجيل، بينما الأرجح أن المسيحيين المصريين استخدموا إنجيل المصريين، إلى أن حلت محلهما الأناجيل الأربعة التي قبلتها الكنيسة كلها.

وليس ثمة دليل على أن هذا الإنجيل كان سابقًا للأناجيل الثلاثة الأولى، وبالأولى لم يكن من المؤلفات التي سبقت إنجيل لوقا والتي أشار إليها في مقدمة إنجيله. ويرجع به هارناك -بالاعتماد على وثائق لا سند حقيقيًا لها- إلى المدة من 65-100 م. وكان جيروم (400 م) يعلم بوجود هذا الإنجيل ويقول إنه ترجمه إلى اليونانية واللاتينية، وتوجد اقتباسات منه في مؤلفاته وفي مؤلفات إكليمندس السكندري. وعلاقته بإنجيل متى الذي يكاد الإجماع ينعقد على أنه كتب أصلًا بالعبرية (الأرامية) أثارت جدلًا كثيرًا، والرأي السائد بين العلماء أنه لم يكن الأصل الذي ترجم عنه إنجيل متى لليونانية، رغم أنه مؤلف قديم نوعًا. ويميل البعض مثل هارناك وسلمون إلى الاعتقاد بأن إنجيل العبرانيين الذي ذكره جيروم كان إنجيلًا خامسًا كتب أصلًا للمسيحيين الفلسطينيين، ولكن قلت أهميته عندما امتدت المسيحية إلى كل العالم. وعلاوة على إشارتين إلى معمودية يسوع والقليل من أقواله مثل: "لا تفرح أبدًا إلا متى نظرت نظرة الحب إلى أخيك"، "الآن يا أماه أخذني الروح بشعرة من شعري وحملني إلى جبل تابور العظيم"، فأنه يسجل لنا ظهور الرب ليعقوب بعد القيامة، الذي يذكره الرسول بولس (1كو 15: 7) كأحد الأدلة على القيامة. ولكن من الطبيعي أن بولس كان في إمكانه معرفة ذلك من يعقوب شخصيًا كما من الأخبار المتواترة، وليس من الضروري أن يكون قد استقى ذلك من هذا الإنجيل. وهذا هو الخبر الرئيسي الوحيد الذي له أهميته، والذي يضيفه هذا الإنجيل إلى ما نعلمه من الأناجيل القانونية. وبمقارنة ما جاء به عن مقابلة المسيح للحاكم الغني، بما تذكره الأناجيل الثلاثة الأولى، نجد -كما يرى وستكوت- أن الأناجيل الثلاثة تقدم لنا أبسط الصور، ومن ثم فهي أقدم الصور لهذه الحادثة. ويرى بعض العلماء أنه لا بأس من الاستعانة ببعض المقتطفات الموجودة حاليًا من هذا الإنجيل، للإحاطة ببعض جوانب حياة المسيح.

 

وقد أطلق الأبيونيون اسم "إنجيل العبرانيين" على نسخة مشوهة من إنجيل متى. وهذا يأتي بنا إلى أناجيل الهراطقة:

الأبوكريفا: أناجيل الهراطقة:

(1) إنجيل الأبيونيين:

يمكننا وصف الأبيونيين عمومًا بأنهم المسيحيون من اليهود الذين عملوا على الاحتفاظ -بقدر الإمكان- بتعاليم وممارسات العهد القديم. وهو أصلًا جماعة المتطرفين في مجمع أورشليم المذكورين في (أع 15: 1-29). وكثيرًا ما يرد ذكرهم في كتابات الآباء فيما بين القرن الثاني والقرن الرابع. ومن المحتمل أن المجادلات الغنوسية قد فرقتهم شيعًا وأحزابًا، فيقول جيروم -من القرن الرابع- إنه وجد في فلسطين مسيحيين من اليهود يعرفون باسم " ناصرين وأبيونيين ". ولا نستطيع الجزم هل كانا مذهبين منفصلين، أو أنهما كانا جناحين لمذهب واحد من ذوي الآراء المتحررة أو الضيقة. فالبعض مثل هارناك يعتقد أن الاسمين هما لقب مميز للمسيحيين من اليهود، بينما يعتقد البعض الآخر أن الأبيونيين هم جماعة الرجعيين والمذهب الأضيق من المسيحيين اليهود، بينما كان الناصريون أكثر تسامحًا مع من يختلفون معهم في العقيدة والممارسات. فإنجيل الأبيونيين أو إنجيل الاثني عشر رسولًا -كما كان يسمى أيضًا- يمثل مع إنجيل العبرانيين -المذكور سابقًا- الروح المسيحية اليهودية. ويحتفظ لنا أبيفانيوس (376 م) ببعض أجزاء من إنجيل الأبيونيين. ويقول إن الناصريين " لديهم إنجيل متى في صورة أكمل في العبرية" (أي الأرامية)، ولكنه يردف ذلك بالقول: "إنه لا يعلم ما إذا كانوا قد حذفوا سلسلة نسب المسيح من إبراهيم " أي لا يعلم ما إذا كانوا قد قبلوا ولادة المسيح من عذراء أو لم يقبلوها. ولكنه يذكر أيضًا في موضع آخر ما يناقض ذلك، فيقول: "إن الأبيونيين لديهم إنجيل يُسَمَّى "الإنجيل بحسب متى" غير كامل وغير صحيح تمامًا بل هو مزور ومشوه، ويسمونه الإنجيل العبري".

ويذكر وستكوت الأجزاء التي مازالت موجودة من هذا الإنجيل، "وهي تبين أن قيمته ثانوية، وأن المؤلف قد استقى معلوماته من الأناجيل القانونية وبخاصة الأناجيل الثلاثة الأولى، بعد أن جعلها تتفق مع آراء وممارسات الأبيونية والغنوسية".

(9) إنجيل المصريين:

وكل ما تبقى منه ثلاثة أعداد قصيرة وغامضة إلى حد ما. وهي مذكورة في أحد مؤلفات إكليمندس الإسكندري الذي خصصه لدحض أحد المذاهب الهرطوقية " المنضبطين " الذي كان يرفض الزواج وتناول اللحوم والخمر رفضًا باتًا. ونحن نقابل في رسائل بولس جماعات كانت تقول: "لاتمس ولا تذق ولا تجس" (كو 2: 21) "مانعين عن الزواج وآمرين أن يمتنع عن أطعمة قد خلقها الله للتناول بالشكر" (1 تي 4: 3). فما ذكره إكليمندس: (إنه عندما سألته سالومي: "إلى متى يسود الموت؟" قال لها الرب: "إلى أن تكفوا أنتن النساء عن ولادة أطفال، لأني قد جئت لأقضى على وظيفة المرأة" فقالت سالومي: "ألم أفعل حسنًا بعدم ولادة أطفال؟" فأجابها الرب قائلًا: "كلوا من كل عشب، ولكن لا تأكلوا ما هو مر". وعندما سألته سالومي:" متى تعلن الأمور التي سألت عنها؟ " قال لها الرب: " عندما تدوسين ثياب الخجل، عندما يصبح الاثنان واحدًا ويكون الذكر مع الأنثى لا ذكرًا ولا أنثى).

وهذه الأقوال تختلف بكل تأكيد عن طبيعة أقوال الرب. ويختلف العلماء في العصر الحاضر على مدى مايذهب إليه هذا الإنجيل في هذه الهرطقة، وإلى أي مدى أطاعوه، فمع القليل الذي لدينا عنه، من الصعب أن نصل إلى نتيجة. ولا بد أنه كان يحتوي على أجزاء أخرى جعلت أوريجانوس يحكم عليه بالهرطقة، وقد استخدمه النحشتانيون (نسبة إلى الحية نحشتان) والسابليون. ويرجع تاريخ هذا الإنجيل إلى ما بين 130-150 م.

(2) إنجيل ماركيون:

واضح أن الهدف من هذا الإنجيل كان معارضة الأناجيل الأرامية. كان ماركيون من مواطني بنطس وابنا لأحد الأساقفة، استوطن روما في النصف الأول من القرن الثاني، وأسس مذهبًا معارضًا لليهود، ولم يعترف إلا برسائل بولس. وهذا الكتاب مثال ناطق بمدى الحرية التي أباحها الكتّاب لأنفسهم في الأيام السابقة لتحديد الأسفار القانونية، وكيف امتدت هذه الحرية الطائشة إلى أقدس أمور الإيمان، كما يرينا مدى ما ثار من نزاع وصراع حتى تحددت الأسفار القانونية.

رفض ماركيون العهد القديم بأجمعه، ولم يستبق من العهد الجديد سوى إنجيل لوقا، على أساس أنه من مصدر بولسي، بعد حذف الأجزاء التي تستند إلى العهد القديم، كما استبقى عشر رسائل من رسائل بولس بعد حذف الرسائل الرعوية. وكل آباء الكنيسة الأوائل المشهورين يتفقون في حكمهم على ما فعله ماركيون من تشويه في إنجيل لوقا. وترجع أهمية إنجيل ماركيون إلى أن البعض كانوا يزعمون أنه هو الإنجيل الأصلي الذي يعتبر إنجيل لوقا تفصيلًا له، ولكن أبحاث العلماء في ألمانيا ثم في انجلترا قضت على هذه النظرية نهائيًا.

(3) إنجيل بطرس:

حتى أوائل هذا القرن لم نكن نعرف عن هذا الإنجيل أكثر مما نعرف عن كثير من أناجيل الهراطقة السابق الكلام عنها، فقد ذكر يوسابيوس أن إنجيلًا يسمى "إنجيل بطرس" كان مستخدمًا في كنيسة مدينة روسوس في ولاية أنطاكية في نهاية القرن الثاني، وقد ثار الجدل حوله، وبعد الفحص الدقيق، حكم عليه سرابيون أسقف أنطاكية (190-203) بالهرطقة الدوسيتية (التي تنكر أن جسد المسيح كان جسدًا حقيقيًا). وينسب أوريجانوس في تعليقه على (مت 10: 17) إلى هذا الإنجيل أنه قال: "يوجد البعض من إخوة يسوع، أبناء يوسف من زوجة سابقة عاشت معه قبل مريم ". ويذكر يوسابيوس إنجيل بطرس بين الأناجيل الهرطوقية المزيفة. ويقول ثيودوريت أحد مؤرخي الكنيسة اليونانيين (390-459 م) إن الناصريين استخدموا إنجيلًا اسمه " بحسب بطرس ". كما يشير إليه جيروم أيضًا. وقد حكم بزيف هذا الإنجيل في المرسوم الجلاسياني (496 م). ويقول سلمون (1885 م): "إنه لا توجد أجزاء كثيرة من هذا الإنجيل، وواضح أنه لم يكن واسع الانتشار "، ولكن في السنة التالية عثرت البعثة الفرنسية الأركيولوجية في صعيد مصر -في قبر يظن أنه قبر أحد الرهبان، في أخميم (بانوبوليس)- على رقوق مكتوب عليها أجزاء من ثلاثة مؤلفات مسيحية مفقودة هي: سفر أخنوخ وإنجيل بطرس، ورؤيا بطرس، فنشرت في 1892 وأثارت جدلًا كثيرًا. ونشر علماء مبرزون صورًا طبق الأصل من الإنجيل، وقدروا أن هذه الرقوق تحتوي على حوالي نصف الإنجيل الأصلي، فهي تبدأ من منتصف قصة الآلام بعد أن غسل بيلاطس يديه من كل مسئولية، وتنتهي في منتصف جملة، عندما كان التلاميذ في نهاية عيد الفطير ينصرفون إلى بيوتهم: " لكن أنا (سمعان بطرس الكاتِب المزعوم) واندراوس أخي أخذنا شباكنا وذهبنا إلى البحر، وكان معنا لاوي بن حلفى الذي كان الرب..". ويذكر هارناك حوالي ثلاثين إضافة في إنجيل بطرس لقصة الآلام والدفن (وهي موجودة بالتفصيل في مجلد عن الكتابات "ما قبل نيقية" باسم المخطوطات المكتشفة حديثًا - ادنبرة 1897). لكن دكتور سويت (إنجيل بطرس - لندن - 1893) يقول: "إنه حتى التفاصيل التي تبدو جديدة تمامًا أو التي تتعارض مباشرة مع الأناجيل القانونية، يمكن أن تكون مأخوذة عنها "، ثم يختم بالقول:" إنه بالرغم من كثرة الجديد فيه فليس هناك ما يضطرنا لافتراض استخدام مصادر خارجة عن الأناجيل القانونية ". أما بروفسور أور فيقول إن الأصل الغنوسي لهذا الإنجيل يبدو واضحًا في قصة القيامة والمعالم الدوسيتية فيها -أي أنها صادرة عن الذين يعتقدون أن المسيح لم يكن له إلا شبه جسد- من القول بأن يسوع على الصليب كان صامتًا كمن لا يشعر بألم، ومن صرخة الاحتضار على الصليب: "قوتي، قوتي، لقد فارقتني " بما يعني أن المسيح السماوي قد انطلق قبل الصلب. والبعض يرجع بالإنجيل إلى الربع الأول من القرن الثاني والبعض الآخر إلى الربع الثالث من نفس القرن.

كما يذكر أوريجانوس إنجيلًا يسميه "إنجيل الاثني عشر" توجد شذرات قليلة منه محفوظة في كتابات أبيفانيوس، وهو يبدأ من المعمودية، وقد استخدمه الأبيونيون. ويظن "زاهن" أنه كتب حوالي 170 م. كما جاء بالحرم الذي أصدره البابا جلاسيوس اسمًا إنجيل برنابا وإنجيل برثلماوس، كما أن جيروم ذكر الإنجيل الأخير.

 

الأبوكريفا: الأناجيل الأسطورية:

في كل هذا النوع من الأناجيل، نلاحظ أن رغبة كتاب الأناجيل غير القانونية في مضاعفة المعجزات، جعلتهم لا يعيرون أي اعتبار للمدة التي مضت من حياة المسيح بين الاثنتي عشرة والثلاثين من العمر، ولعل السبب الرئيسي في ذلك هو أن أخبار هذه الفترة من حياة المخلص، لا تصل بهم إلى هدف عقائدي معين. وحيث لا يمكن الرجوع إلى هذه الوثائق في لغاتها الأصلية، فقد يكون من المفيد أن نشير إلى وجود ترجمة جيدة وكاملة لها في المجلد السادس عشر من كتابات ما قبل نيقية، لكلارك (أدنبرة 1870):

1- أناجيل الميلاد:

أ‌- الإنجيل الأوَّلي ليعقوب:

ويظن أنه يعقوب أخو الرب. وكلمة الإنجيل الأوَّلي -وهو عنوان رائع يفترض الكثير ويوحى بالكثير- أطلقه على هذه الوثيقة بوستلوس، وهو رجل فرنسي كان أول من نشره في اللاتينية 1552. وله أسماء مختلفة في المخطوطات اليونانية والسريانية، مثل: " تاريخ يعقوب عن مولد كلية القداسة ودائمة البتولية والدة الله وابنها يسوع المسيح " أما في مرسوم البابا جلاسيوس الذي يستبعده من دائرة الأسفار القانونية، فيسمى " إنجيل يعقوب الصغير الأبوكريفي ". وجاء في هذا الانجيل أن ملاكًا أنبأ والدي مريم، يواقيم وحنة بمولدها، كما أنبأ بعد ذلك مريم بمولد المسيح. وتغطي أصحاحاته الخمسة والعشرون الفترة من ذلك الإعلان إلى مذبحة الأطفال الأبرياء، بما في ذلك فترة تربية مريم في الهيكل، وما جاء في لوقا عن ميلاد المسيح مع بعض الإضافات الأسطورية، ومقتل زكريا بأمر هيرودس لرفضه الإدلاء بمعلومات عن مخبأ أليصابات والطفل يوحنا اللذين نجيا بأعجوبة عند هروبهما من المذبحة بالتجائهما إلى فتحة في الجبل. وفي الأصحاح الثامن عشر يتغير الكلام من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم الذي يستنتج منه بروفيسور أور أن أصل الوثيقة مصدر أسيني أبيوني، وأنها من جمع جملة كتَّاب مما يعلل الاختلاف الكبير في تحديد تاريخ كتابته، فالبعض يرجع به إلى القرن الأول، وزاهن وكروجر يرجعان به إلى العقد الأول من القرن الثاني، ويرجع به آخرون إلى النصف الثاني من القرن الثاني. بينما يرجع به آخرون (مثل هارناك) -في صورته الحالية- إلى منتصف القرن الرابع.

ويقول علماء مبرزون (مثل ساندي في كتابه "الأناجيل في القرن الثاني") بأن جستين الشهيد قد أشار إليه، مما قد يدل على أنه كان معروفًا في صورة أقدم، في النصف الأول من القرن الثاني، وفي صورته الأخيرة يتضح أن هدف الكاتب كان تأكيد القداسة والاحترام للعذراء، وفيه عدد من الأقوال غير التاريخية. وقد حرمة في الكنيسة الغربية البابوات ديدمسوس (382 م.) وانوسنت الأول (405 م.) والبابا جلاسيوس (496 م.).

ب‌- إنجيل متى المزيف:

وهو رسائل مزورة بين جيروم وأسقفين طليانيين، مع الادعاء زورًا بأن جيروم قد ترجمها إلى اللاتينية من الأصل العبري. ولا يوجد هذا الإنجيل إلا في اللاتينية ويبدو أنه لم يكن له وجود قبل القرن الخامس. ويستخدم هذا الإنجيل إنجيل يعقوب كثيرًا مع إضافات من مصدر غير معروف (الأرجح غنوسي)، مع معجزات أخرى مأخوذة من إنجيل الطفولة لتوما تتعلق بالرحلة إلى مصر، مع التنويه في بعض هذه المعجزات بأنها كانت إتمامًا لنبوات العهد القديم، فمثلًا في (أصحاح 18) كان سجود التنانين للطفل يسوع إتمامًا لما قاله داود: "سبحي الرب من الأرض أيتها التنانين وكل اللجج" (مز 148: 7)، وفي (أصحاح 19) عندما سجدت له الأسود والنمور ودلتهم على الطريق في البرية، وذلك "بانحناء رؤوسها وهز ذيولها والسجود له باحترام عظيم " على أنه إتمام للنبوة: "يسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي .. والأسد كالبقر يأكل تبنًا" (إش 11: 6، 7). وفي هذا الإنجيل يذكر لأول مرة كيف أن الثور والحمار سجدا للطفل يسوع في المزود، وقد استغل الفن المسيحي ذلك كثيرًا. كما أن به الكثير من المعجزات المذكورة في إنجيل الطفولة.

ج- إنجيل مولد مريم:

إنجيل ميلاد مريم كتب في الطليانية، وهو يكاد يسير على نفس الخطوط الموجودة في الجزء الأول من إنجيل متى المزيف، ولكنه أيضًا يختلف عنه بما يدل على أنه كتب بعده وبقلم مؤلف آخر، فهو يحتوي على معجزات أكثر، وزيارة الملائكة يوميًا لمريم في أثناء إقامتها في الهيكل. ويقول هذا الإنجيل إن مريم غادرت الهيكل وهي في الرابعة عشرة من عمرها، بينما في الإنجيل الآخر، يذكر الكاتب -الذي يدعى أنه ابن مريم- إنها غادرت الهيكل في الثانية عشرة من عمرها بعد أن عاشت فيه تسع سنين. وكان يظن لمدة طويلة أنه من تأليف جيروم ومنه صيغت "الأسطورة الذهبية" التي حلت محل الأسفار المقدسة في القرن الثالث عشر في أوروبا قبل اختراع الطباعة. وكان من بين الكتب التي طبعت في بعض البلاد (مثل انجلترا) حيث لم يكن طبع الأسفار المقدسة مأمونًا. وما أداه هذا الإنجيل من خدمات للآداب والفن يجب إلا يعمينا عن تلك الحقيقة وهي أنه مزور عن قصد، وبدأ استخدامه في الكنيسة في حوالي القرن السادس عندما أصبحت عبادة مريم أمرًا هامًا في الكنيسة.

د - إنجيل يوسف النجار:

وهو من نفس هذا الصنف من المؤلفات. وقد كتب أصلًا بالقبطية ثم ترجم إلى العربية التي نشر بها مع اللاتينية في 1722 م. وهو مخصص لتمجيد يوسف، وكانت هذه عقيدة أثيرة عند المتوحدين من الأقباط. وهو يرجع إلى القرن الرابع، ويحتوي على 22 أصحاحًا بها كل تاريخ يوسف والأحداث الأخيرة لوفاته في المائة والحادية عشرة من عمره. وله أهميته في تاريخ العقيدة.

ه - إنجيل انتقال مريم:

وهو ليس إنجيلًا بالمعنى الدقيق، وقد كتب أصلًا باليونانية، ولكنه ظهر أيضًا باللاتينية وفي لغات أخرى عديدة. ويقول هذا الإنجيل إنه بعد صعود المسيح بسنتين كانت مريم تواظب على زيارة "القبر المقدس لربنا" لتحرق البخور وتصلي، فتعرضت لاضطهاد شديد من اليهود، فصلت لابنها ليأخذها من الأرض، فيأتي رئيس الملائكة جبرائيل استجابة لصلاتها، ويخبرها أنه بعد ثلاثة أيام ستذهب لابنها في المنازل السماوية حيث الحياة الحقيقية الأبدية.

فيدعى الرسل من قبورهم أو من مراكز خدمتهم للالتفاف حول فراشها في بيت لحم ويقصون عليها ما كانوا يعملون عندما وصلهم الاستدعاء. وحدثت معجزات شفاء حول فراش الموت. وبعد انتقال مريم، أخذت -يحف بموكبها الرسل- إلى أورشليم في يوم الرب، وبين مناظر الملائكة، يظهر المسيح نفسه ويستقبل نفسها إليه. ودفن جسدها في جثسيماني، ثم بعد ذلك نقل إلى الفردوس.

وبناء على مشتملاته التي تدل على مرحلة متقدمة من عبادة العذراء، وكذلك الطقوس الكنسية، لا يمكن أن يكون تأليف الكتاب قد حدث قبل نهاية القرن الرابع أو بداية الخامس، فقد ورد اسمه في الكتب الأبوكريفية التي حرمها مرسوم البابا جلاسيوس، فيبدو واضحًا أنه في ذلك العصر أطلق الكتَّاب لأنفسهم عنان الخيال في زخرفة الحقائق والمواقف فيما يختص بقصة الأناجيل.

2- أناجيل الطفولة:

أ- إنجيل توما

ب‌- إنجيل الطفولة العربي:

وهو إنجيل عربي بقلم جملة مؤلفين. ومع أنه نشر أولًا بالعربية مع ترجمة لاتينية في 1697 م.، إلا أن أصله السرياني يمكن أن يستدل عليه من ذكر عصر الإسكندر الأكبر في الأصحاح الثاني، ومن معرفة الكاتب بالعلوم الشرقية، ومن معرفة الصبي يسوع وهو في مصر بالفلك والطبيعيات. ولعل انتشار استخدام هذا الإنجيل عند العرب والأقباط يرجع إلى أن أهم المعجزات المذكورة فيه حدثت في أثناء وجوده في مصر. ومما يلفت النظر أنه جاء بهذا الإنجيل (أصحاح 7) أنه بناء على نبوة لزرادشت عن ولادة المسيا، قام المجوس برحلتهم إلى بيت لحم، كما أن به عددًا من القصص التي يذكرها أحد الكتب الدينية الشرقية. والأصحاحات من (1-9) مبنية على إنجيلي متى ولوقا القانونيين، وعلى إنجيل يعقوب الأبوكريفي، بينما من أصحاح 26 إلى الآخر مأخوذ عن إنجيل توما.

والجزء الأوسط من هذا المؤلف شرقي في أسلوبه، ويبدو كأنه مقتطفات من ألف ليلة وليلة.

وليس هناك أي وجه لمقارنة مثل هذه المؤلفات بالأسفار القانونية. كما أن هذا الإنجيل له علاقة كبيرة بتزايد تكريم العذراء.

3-أناجيل الآلام والقيامة: وأهم هذه الأناجيل إنجيل نيقوديموس، وإلى حد ما إنجيل بطرس الذي سبق الكلام عنه.

أ‌- إنجيل نيقوديموس:

أطلق اسم نيقوديموس في القرن الثالث عشر على مؤلف مزدوج من: (1) أعمال بيلاطس، (2) نزول المسيح إلى العالم السفلي. والكتاب نفسه يذكر أنه ترجم من العبرية إلى اليونانية، وأنه كتب في السنة السابعة عشرة للإمبراطور ثيودسيوس والسنة السادسة لفالنتنيان. وتوجد ست صور منه: اثنتان في اليونانية، وواحدة في اللاتينية لأعمال بيلاطس، واثنتان في اللاتينية وواحدة في اليونانية لنزول المسيح إلى العالم السفلي.

ويكاد العلماء يجمعون على أنه مؤلف من القرن الخامس، ولو أن تشندورف -اعتمادًا على إشارات في جستين وترتليان- يرجع به إلى القرن الثاني وهو زمن يكفي لانتشار الأسطورة. والأرجح أن هناك خلطًا بين التقرير عن الإجراءات التي اتخذت في محاكمة يسوع وصلبه التي كان يجب -حسب القانون الروماني- رفعها إلى الإمبراطور، والتقرير المطول عن هذه الإجراءات الوارد في إنجيل نيقوديموس. وواضح أن الكاتب كان مسيحيًا يهوديًا وكتب لهذه الفئة من الناس، وكان متلهفًا على إثبات ما سجله بشهادات من أفواه أعداء يسوع، وبخاصة رجال الدولة الذين كان لهم دور في الأحداث السابقة واللاحقة لموت المسيح. فبيلاطس بشكل خاص كان في جانب يسوع -وهو ما لا بد أن يدهش له قراء الأناجيل القانونية- كما جاء كثيرون ممن صنع معهم معجزات الشفاء، ليشهدوا في جانب يسوع - وهذه خطوة طبيعية يذهب إليها أي كاتب متأخر متصورًا ما يمكن أن يجرى في محاكمة رسمية. ورغم إلمام الكاتب بالعوائد اليهودية، فإنه أخطأ كثيرًا في معلوماته الطبوغرافية عن فلسطين. فمثلًا يقول إن يسوع صلب في نفس البستان الذي ألقي عليه القبض فيه (أصحاح 9)، ويذكر أن جبل مملك أو ملك في الجليل (بينما هو في جنوبي أورشليم) ويخلط بينه وبين جبل الصعود.

والجزء الثاني من الإنجيل -وهو نزول المسيح إلى العالم السفلي- هو رواية لتقليد قديم لم يذكر في الأناجيل القانونية، ولكنهم يبنونه على ما جاء في (1 بط 3: 19): "ذهب فكرز للأرواح التي في السجن"، ويروي قديسان ممن قاموا في قيامته، كيف كانا محبوسين في الهادس (مكان الأرواح) عندما ظهر الغالب (المسيح)عند مدخله، فتكسرت الأبواب النحاسية، وأطلق سراح المسجونين، وأخذ يسوع معه إلى الفردوس نفوس آدم وإشعياء ويوحنا المعمدان وغيرهم من الرجال الذين ماتوا قبله.

والكتاب كله مجرد خيال، وكل أهميته تنحصر في أنه يبين إلى أي مدى كانت هذه العقيدة منتشرة في القرن الرابع.

وأقل من ذلك أهمية ما ظهر من إضافات ملفقة في العصور المتأخرة، وألحقت بإنجيل نيقوديموس، مثل خطاب بيلاطس للإمبراطور طيباريوس، وتقرير بيلاطس الرسمي (الذي سبقت الإشارة إليه)، وموت بيلاطس -الذي حكم على يسوع- أشنع ميتة، إذ قتل نفسه بيديه. ويطلق الكاتب لخياله العنان في حديثه عن يوسف الرامي.

ودراسة كل هذه الوثائق التي ذكرت آنفًا، تبرر ما يقوله مؤلفو "موسوعة ما قبل نيقيه" من أنها بينما تقدم لنا " لمحات غريبة عن حالة الضمير المسيحي وأساليب التفكير في القرون الأولى من العصر المسيحي، فإن الانطباع الدائم الذي تتركه في أذهاننا هو الإدراك الصادق لسمو وبساطة وجلال الأسفار القانونية بدرجة لا تدانى ".

 

الأبوكريفا الحديثة:

وهي مجموعة من الكتب الدينية -نحو اثني عشر كتابًا- ظهرت في المائة السنة الأخيرة، ويزعم كاتبوها أنها مبنية على وثائق مسيحية قديمة، ولكن أثبت العلماء بهتان ذلك، فلم توجد قط هذه الوثائق القديمة التي يزعمون أنهم يبنون عليها، ورغم ذلك ما زَال ينخدع بها الكثيرون من السذج. ومعظمها يتناول حياة المسيح وبخاصة في سنوات الصمت. البعض منها كتب لتأييد انحراف تعليمي أو إيغالًا في الخداع. وبالنسبة للدعايات الكاذبة التي تحيط بها، يجب على الشعب المسيحي أن يعرف شيئًا عنها حتى لا يخدع بها، وسنعطي فكرة موجزة عن طبيعة هذه المؤلفات المزيفة:

1- حياة المسيح المجهولة:

نشر في 1894 بقلم كاتب روسي اسمه نقولا نوتفتش بناء على معلومات يقول إنه استقاها من اللاما في أحد أديرة التبت. ويزعم أن المسيح صرف ما بين ثلاث عشرة إلى تسع وعشرين سنة في الهند والتبت وفارس، ثم عاد إلى فلسطين حيث قتل بأمر بيلاطس. وقد أنكر جميع رهبان التبت رؤيتهم لنوتفتش إطلاقًا، أو معرفتهم بأي شيء عن المخطوطات القديمة عن المسيح، التي يقول إنهم أطلعوه عليها.

2- إنجيل برج الدلو:

نشر لأول مرة في لوس أنجيلوس سنة 1911. كتبه دكتور " لاوي دولنج " عن استنارة داخلية، يقول إنها جاءته فيما بين الثانية والسادسة صباحًا. وعنوان الكتاب مأخوذ من النظرية الغربية التي تقول بأنه في حياة المسيح دخلت الشمس برج الحوت، وهي الآن تعبر برج الدلو. ويقول إن يسوع درس مع هليل ومع حكماء الهند والتبت، وزار المجوس في فارس وكرز للأثينيين، وعينه في عمله مجمع من حكماء العالم السبعة انعقد في الإسكندرية.

3- صلب يسوع بقلم شاهد عيان:

وهو في صورة رسالة كتبت بعد حادثة الصلب بسبع سنوات بمعرفة شيخ -لا يعرف اسمه- من الأسينيين في أورشليم إلى شيخ أسيني آخر في الإسكندرية. وقد ظهر لأول مرة في السويد سنة 1851. ويقول إن يوسف ويوحنا المعمدان ونيقوديموس ويسوع والملاك الذي ظهر عند القبر، جميعهم كانوا أسينيين، ولم تحدث قيامة، ولكن الأسينيين أفاقوا يسوع من إغمائه بعد صلبه، ثم عاش ستة شهور أخرى قبل أن يموت.

4- تقرير بيلاطس:

تأليف القس و. د. ماهان قسيس الكنيسة المشيخية في كامبرلاند. وظهر لأول مرة سنة 1879، ولكن في 1884 تضخم الكتاب ليشمل تقارير ومقابلات مع الرعاة، ومقابلة غمالائيل ليوسف ومريم، وقصة عالي عن المجوس، ودفاع هيرودس أمام مجلس شيوخ روما عن مذبحة الأطفال الأبرياء، وغيرها من اللقطات الصحفية. وأطلق على المؤلف المتضخم اسم جديد هو:" الكتابات الأثرية والتاريخية للسنهدريم وتلمود اليهود". وعندما أخذ العلماء في فحص الكتاب، تبين لهم أن قصة عالي عن المجوس مأخوذة حرفًا بحرف عن رواية "ابن حور" لليوولاس، حتى الأخطاء الطبوغرافية التي في الرواية هي هي نفسها.

5- اعتراف بيلاطس البنطي:

كتب أولًا على أنه رواية خيالية بواسطة أسقف لبناني سنة 1889، وظهر في الانجليزية بعد ذلك بأربع سنوات ولكن بدون مقدمة الأسقف التي يذكر فيها أنها رواية خيالية. وهي تحكي قصة وصول بيلاطس إلى منفاه في فينا، والمحادثات التي جرت بينه وبين صديق قديم عن علاقته بيسوع، وندم بيلاطس وانتحاره.

6- خطاب بيهان:

نشر في برلين سنة 1910، وبيهان هذا كاهن يكتب عن يسوع لصديقه ستراتو، الذي كان في وقت من الأوقات سكرتيرًا للإمبراطور طيباريوس، يحكي له عن تعلم يسوع العقائد اليهودية وهو صبي في مصر، ثم عودته إلى فلسطين.

وبيهان نفسه تجول في كل العالم الروماني وشهد كل شيء له أهمية من أحداث ذلك العصر، مثل حرق روما سنة 64، وسقوط أورشليم سنة 70، وثوران بركان فيزوف سنة 79.

7- الأصحاح التاسع والعشرون من سفر الأعمال:

نشر في لندن سنة 1871 ويحتوي على وصف رحلة بولس لأسبانيا وبريطانيا حيث تباحث مع الدرويد (كهنة قدماء الانجليز) الذين أخبروه بأنهم سلالة اليهود الذين نجوا من الأسر الأشوري في سنة 722 ق.م، كما أنه بشر على جبل لود(الموقع الذي بنيت عليه كاتدرائية سان بول). وقد كتب هذا الكتاب لتأييد الحركة التي نشرته.

8- الخطاب من السماء:

وهو وثيقة من صفحة واحدة يزعمون أن يسوع قدكتبها، وأنها وجدت تحت حجر كبير عند أقدام الصليب. ظهرت في اللاتينية في القرن السادس وانتشرت في لغات عديدة منذ ذلك الحين، وأحيانًا كان يضاف إليها وعد بالبركة لمن يملكونها. وأهم ما جاء بها هو حفظ السبت ووصايا يسوع.

9- إنجيل يوسيفوس:

ويفترضون أن يوسيفوس قد كتبه قبيل وفاته، وأنه قصد منه أن يكون هو المصدر الذي استقت منه كل الأناجيل القانونية. وقد زعم اكتشاف هذه المخطوطة سنيور لويجي موكيا الطلياني، الذي اعترف أخيرًا بأنها كذبة كبرى، ولكن رغم اعترافه، ظل الكثيرون يعتقدون بصحتها.

10- سفر ياشر:

وهو ملخص للسبعة الأسفار الأولى من العهد القديم، وكتبه رجل من لندن اسمه يعقوب أليف في سنة 1751، وعلى الفور ظهر زيفه الواضح. ولم تكن هذه سوى محاولة من المحاولات الكثيرة لإظهار سفر ياشر المشار إليه في سفر يشوع.

11- وصف المسيح:

وهي وثيقة واسعة الانتشار، يحتمل أنها ترجع إلى القرن الثالث عشر. ولعلها بنيت على كتاب تعليمات لرسامي المنمنمات التي كانوا يزينون بها مخطوطات القرون الوسطى. وهي في أقل من صفحة، وتعطي صورة نموذجية ليهودي من القرن الأول. وهي في صورة خطاب كتبه حاكم اليهودية بوبليوس لنتوليوس إلى مجلس الشيوخ الروماني. ولا يوجد هذا الاسم بين حكام روما في فلسطين.

12- حيثيات الحكم بالموت على يسوع المسيح:

وهي عبارة عن وريقة انتشرت في الولايات المتحدة عن الحيثيات التي كتبها بيلاطس للحكم على يسوع بالموت، وفيها تعداد للتهم الموجهة ضده. ويدعون أنها ترجمت من العبرية عن لوح من النحاس وجد في مملكة نابلي سنة 1810. ولسنا في حاجة إلى القول بأن هذا اللوح لا وجود له مطلقًا.

13- سفر الأعمال الثاني المفقود:

وقد كتبه دكتور كينيث. س. جوتري، وهو كاهن أسقفي وطبيب، نشره في سنة 1904. والغرض من كتابته هو تأييد دعوى أن العذراء مريم ويسوع أيدا تعليم تناسخ الأرواح. فيصور مريم وهي على فراش الموت في بيت الرسول يوحنا تتحدث عن تناسخاتها العديدة، ثم يأخذ يسوع مريم المحتضرة بين ذراعيه متحدثًا عن تناسخاته السبعة.

14- أوسب (Oahspe):

وهو كتاب ضخم في 890 صفحة كتبه دكتور جون ب. نيوبراو سنة 1882. ويقول المؤلف إنه كتبه آليًا بيديه من إملاء روح غير روحه، بينما يؤكد الناشرون أنه يشتمل على. "النشوء والتطور، الثورة، والإعلان". ويدعو إنه "الكتاب المقدس الجديد لأمريكا".

15- أسفار الكتاب المقدس المفقودة:

وقد نشر سنة 1926. ويدعى الناشرون أنه يشتمل على الكتب الدينية التي استبعدها اختياريًا من العهد الجديد أساقفة الكنيسة في العصور الأولى، الذين قرروا الكتب التي يجب أن يحتويها العهد الجديد. وهو في الحقيقية ليس إلا إعادة طبع نسخة من العهد الجديد الأبوكريفي الذي سبق أن نشر في سنة 1820، ونسخة من كتاب "الآباء الرسوليين" الذي نشر سنة 1737.

وبفحص أسانيد هذه الكتب، يتضح لنا أنها جميعها مزيفة، والمعلومات -المقصود بها الخاصة- الواردة بها، واضحة البهتان والتزوير، وتناقض في مجموعها تعاليم الكتاب المقدس، وللأسف ما زال الكثيرون ينخدعون ويضللون بأكاذيبها المثيرة.

 

* انظر أيضًا: الكتاب المقدس، الأسفار القانونية الأخرى (الثانية).

 

divider فاصل


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary/01_A/A_052.html

تقصير الرابط:
tak.la/z5d94bd