تأمل على الأسبوع الأول من الصوم الكبير (+ الأحد) | تأمل على الأسبوع الثاني من الصوم الكبير (+ الأربعاء - الخميس - الجمعة) | تأمل على الأسبوع الثالث من الصوم الكبير | تأمل على الأسبوع الرابع من الصوم الكبير | تأمل على الأسبوع الخامس من الصوم الكبير | تأمل على الأسبوع السادس من الصوم الكبير | تأمل على الأسبوع السابع من الصوم الكبير
قراءات باكر |
قراءات القداس |
||||
(تث 8 : 1 – 9 : 4) (1صم 17 : 16 – 18 : 8) |
(مز 116 : 7 ، 8) (مت 15 : 39 – 16 : 12) |
(عب 12 : 28 – 13 : 16) |
(1 بط 4: 7 - 16) |
(أع 15 : 22 - 31) |
(مز 29 : 10 ، 11) (لو 6 : 39 - 49) |
عب 13 : 1 - 16
1 لتثبت المحبة
الاخوية
2 لا تنسوا اضافة الغرباء لان بها
اضاف اناس ملائكة وهم لا يدرون
3 اذكروا المقيدين كانكم مقيدون
معهم والمذلين كانكم انتم ايضا في الجسد
4 ليكن الزواج مكرما عند كل واحد
و المضجع غير نجس واما العاهرون والزناة فسيدينهم الله
5 لتكن سيرتكم خالية من محبة
المال كونوا مكتفين بما عندكم لانه قال لا اهملك ولا اتركك
6 حتى اننا نقول واثقين الرب معين
لي فلا اخاف ماذا يصنع بي إنسان
7 اذكروا مرشديكم الذين كلموكم
بكلمة الله انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم
8 يسوع
المسيح
هو هو امسا و
اليوم وإلى الابد
لكي ننعم بعمل
السيد المسيح الكفاري بكونه رئيس الكهنة الأعظم السماوي، يلزمنا أن نعلن محبتنا
للآخرين، لا كشرطٍ نبدأ نحن به، وإنما كالتحام حيّ للحب الإلهي بالحب الأخوي.
فإنه بالحق كلما اتسع قلبنا خلال عمل الله أو محبته أحببنا نحن
أيضًا إخوتنا، وكلما أحببنا الإخوة أعلن الله بالأكثر حبه فينا.
يوصينا الرسول: "لِتَثْبُتِ
الْمَحَبَّةُ الأَخَوِيَّةُ" [1]. ويعلق
القديس يوحنا الذهبي الفم هكذا:
[انظر كيف يأمر بالثبات فيما هم عليه فعلًا...
إذ لم يقل لهم "كونوا محبين للإخوة"، بل قال "لتثبت
المحبة الأخوية".] هكذا يتكلم الرسول بحكمة الروح،
فيشجعهم على النمو في المحبة، لا كأمرٍ جديدٍ لم يتذوقوه، وإنما كحياة هم بالفعل
يمارسونها. وكأنه يكرر ما يقوله لأهل تسالونيكي: "وأما المحبة الأخوية، فلا
حاجة لكم أن أكتب إليكم عنها لأنهم أنفسكم متعلمون من الله أن يحب بعضكم بعضًا"
(1 تس 4: 9). وكأن الرسول قد أدرك أن المؤمنين لا يمكن أن
يكونوا خالين من المحبة وإنما يحملون بذارها على الدوام، وهم في حاجة إلى النمو
والثبات فيها.
يترجم الرسول
المحبة الأخوية إلى جوانب عملية يبدأها بإضافة الغرباء، وللمرة الثانية لا يقدم
الوصية في صيغة أمرٍ، إنما في شكل تذكير لعمل يمارسونه هم وقد سبق فمارسه آباؤهم،
ونالوا عليه مكافأة عظيمة، إذ يقول: "لاَ تَنْسُوا إِضَافَةَ الْغُرَبَاءِ،
لأَنْ بِهَا أَضَافَ أُنَاسٌ مَلاَئِكَةً وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ" [2].
يعود بفكره إلى أبينا إبراهيم حيث استضاف ثلاثة عابرين عند باب
خيمته في ممرا ثم اكتشف أنهم ظهور للرب وملاكين معه، كما عاد إلى لوط الذي استضاف
ملاكين.
يليق بنا كغرباء على الأرض أن نهتم بالغرباء، وكأناس
معرضين للسقوط تحت الضيق أن نسند المتضايقين، إذ يقول الرسول: "اُذْكُرُوا
الْمُقَيَّدِينَ كَأَنَّكُمْ مُقَيَّدُونَ مَعَهُمْ، وَالْمُذَلِّينَ كَأَنَّكُمْ
أَنْتُمْ أَيْضًا فِي الْجَسَدِ" [3]. لا
نشاركهم بالرثاء المجرد بل بالحب العامل، نشعر بالشركة الحقيقية مع كل عضو. "فإن
كان عضو واحد يتألم فجميع الأعضاء تتألم معه" (رو 12:
15). هذه الشركة عاشها أولاد الله في العهدين القديم والجديد، فيقول
إرميا النبي وهو يرى شعبه منسحقًا بسبب السبي رغم مقاومة الشعب له: "من أجل
سحق بنت شعي انسحقت، حزنت، أخذتني دهشة" (إر 8:21)، ويقول
الرسول: "من يضعف وأنا لا أضعف، من يعثر وأنا لا ألتهب؟!" (2 كو 11:
29). وتظهر شركة الحب العملي في كلمات
آباء
الكنيسة المحبين فيقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ليس شيء أحب إلىّ أكثر منكم،
لا، ولا حتى النور! إني أود أن أقدم بكل سرور عيني ربوات المرات وأكثر - ما أمكن -
من أجل توبة نفوسكم!... إني أحبكم، حتى أذوب فيكم، وتكونون لي كل شيء، أبي وأمي
وإخوتي وأولادي.]
"لِيَكُنِ
الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ،
وَالْمَضْجَعُ
غَيْرَ نَجِسٍ.
وَأَمَّا
الْعَاهِرُونَ وَالزُّنَاةُ فَسَيَدِينُهُمُ اللهُ" [4].
إذ يكون الزواج
مكرمًا في عيني إنسان بحق لا يطيق الدنس والنجاسة. فالمسيحي
الحقيقي يعيش في طهارة ونقاوة غير منغمسٍ تحت عبودية
الشهوات الجسدية.
يؤكد الرسول "لِيَكُنِ
الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ"، أي في عيني المتزوج كما في
عيني البتول، فقد خشي الرسول من تسلل الأفكار الغنوسية التي تعادي الجسد وتشوه
الزواج بكونه دنسًا. هذا ما اهتم به حتى آباء البرية تأكيده للرهبان والراهبات،
فإن اختيارهم لحياة البتولية ليس إلاَّ رغبة في تكريس كل الطاقات للعبادة أو
الخدمة، وليس بغضًا أو تدنيسًا للحياة الزوجية.
كتب
القدّيس البابا أثناسيوس الرسولي إلى الأب آمون هكذا: [يوجد طريقان للحياة...
الواحد عفيف وعادي أقصد به الزواج، والآخر ملائكي وفائق للطبيعة أقصد به البتولية،
إن اختار إنسان طريق العالم أي الزواج فبحق لا يُلام لكنه لا ينال المكافأة
كالآخر، إذ هو يثمر ثلاثين ضعفًا، إما إن قبل إنسان الطريق المقدس غير الأرضي -إن
قورن بالسابق- فهو طريق وعر يصعب تحقيقه، لكن عطاياه أكثر عجبًا إذ ينتج ثمارًا
أكمل أي مئة ضعف.]
يقول
القديس چيروم:
[بينما نحن نسمح بالزواج لكننا نفضل البتولية التي تنبع عن
الزواج... هل تُحسب إهانة للشجرة إن فضل تفاحها عن
جذورها وأوراقها؟ وهل يتأذى القمح لأنك تعطي الأولوية للسنبلة عن الساق والنصل؟
كما أن التفاح هو من الشجر وحبوب الحنطة من السنبلة هكذا البتولية هي من الزواج. قد
تتحقق المحاصيل مئة ضعف وستون وثلاثون عن تربة واحدة وزرع واحد، لكن الاختلاف هو
في الكمية. الثلاثون ضعفًا يشير إلى الزواج... والستون
ضعفًا يشير إلى الترمل حيث يوجد الأرامل في شيء من الضيق
والتعب... والمئة ضعف يشير إلى إكليل البتولية.]
ينتقل الرسول من
الحديث عن قدسية النظرة إلى الزواج مع الهروب من العهارة والزنا إلى الحديث عن عدم
محبة المال والاتكال على الله بلا خوف ولا قلق إذ هو يهتم بنا ويعولنا. "لِتَكُنْ
سِيرَتُكُمْ خَالِيَةً مِنْ مَحَبَّةِ الْمَالِ.
كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ، لأَنَّهُ قَالَ: لاَ
أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ، حَتَّى إِنَّنَا نَقُولُ وَاثِقِينَ: الرَّبُّ
مُعِينٌ لِي فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُ بِي إِنْسَانٌ؟" [5-6].
الزنا ومحبة المال مرتبطان معًا، فإن كليهما يصدران عن فراغ القلب، ولا يكون لهما
موضع للقلب الشبعان بمحبة الله، إذ هو ليس في عوز لا إلى لذة جسدية تهب راحة وقتية
ولا مال يتكيء عليه! محبة الله تشبع الإنسان فيستريح
جسديًا وروحيًا ونفسيًا تحت كل الظروف.
"اُذْكُرُوا
مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى
نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ، فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ" [7]. لنذكر
الآباء الرعاة الذين يختفون وراء كلمة الله، فيشهدون لا بما لهم بل بالكلمة الإلهي
المعلن في كرازتهم وفي سلوكهم. يقول القديس يوحنا الذهبي
الفم: [أي نوع من الإقتداء هو هذا؟ بالحق نتمثل بما هو
صالح فيهم. إذ يقول: "انظروا حياتهم، فتمثلوا
بإيمانهم". فإن الإيمان إنما يعلن في الحياة النقية.]
وقد سبق لنا في كتابنا "الحب الرعوي" أن
تحدثنا عن التزام المؤمنين بإعلان الحب للكاهن من أجل كلمة الله التي كرس حياته
لها واختفى فيها وعاشها. ومن جانب الكاهن ألا يكرز بالكلام فحسب، وإنما بحياته
التي يلزم أن تكون مضيئة وشاهدة للحق.
"يَسُوعُ
الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى
الأَبَدِ.
لاَ
تُسَاقُوا بِتَعَالِيمَ مُتَنَّوِعَةٍ وَغَرِيبَةٍ" [8-9].
إذ أراد أن يوصيهم بعدم الانسياق وراء التعاليم الغريبة
المتنوعة أكد لهم أن "يسوع المسيح هو أمس واليوم وإلى الأبد".
إنه ابن الله الحيّ الذي لم ولن يتغير، نقبله كما قبله آباؤنا
بالأمس، ونسلم الإيمان به للأجيال المقبلة بلا انحراف.
إنه رئيس الكهنة السماوي الذي عمل في آبائنا، ولا يزال
يعمل لحسابنا، ويبقى عاملًا إلى الأبد حتى يدخل
بالكنيسة كلها إلى مجده الأبدي.
إذ نتمسك بالسيد
المسيح نرفض البدع والهرطقات، لا نطلب جديدًا، إذ مسيحنا لا يشيخ ولا يقدم، بركاته
جديدة في حياتنا كل يوم.
هنا أيضًا يلمح
إلى الهرطقات التي ظهرت في عهده، إذ حملت فكرًا غنوسيًا يحرم الأطعمة لا لأجل
النسك الروحي، وإنما كدنسٍ يلزم الامتناع عنها كما يدنسون الزواج.
يقول الرسول: "لأَنَّهُ حَسَنٌ أَنْ يُثَبَّتَ الْقَلْبُ
بِالنِّعْمَةِ، لاَ بِأَطْعِمَةٍ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا الَّذِينَ تَعَاطَوْهَا"
[9]. حتى في تلميحه يتحدث الرسول بلطف لينزع عنهم النظرة الغنوسية، مقدمًا
إليهم نظرة مقدسة إلى كل شيء حتى
الطعام.
انتقل بهم الرسول
من عدم الانسياق وراء البدع والهرطقات إلى ضرورة التأمل في آلام السيد المسيح
المصلوب، وعوض الانشغال بالأطعمة الزمنية يليق بنا أن نرفع قلوبنا إلى الذبيح
السماوي القدوس!
لقد أراد الرسول بالتأمل في الصليب أمرين: نزع المرارة التي لحقت بالعبرانيين الذين آمنوا بالمسيح لأنهم حُرموا من الطقوس اليهودية وطردوا من المحلة، وقبول الآلام مع المصلوب بفرح وسرور. يقول الرسول: "لَنَا مَذْبَحٌ لاَ سُلْطَانَ لِلَّذِينَ يَخْدِمُونَ الْمَسْكَنَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ. فَإِنَّ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي يُدْخَلُ بِدَمِهَا عَنِ الْخَطِيَّةِ إِلَى الأَقْدَاسِ بِيَدِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ تُحْرَقُ أَجْسَامُهَا خَارِجَ الْمَحَلَّةِ" [10-11]. وكأنه يقول إن كان في الطقس اليهودي يحرم على الكهنة الأكل من الحيوانات التي يُدخل بدمها عن الخطية بيد رئيس الكهنة وتحرق أجسامها خارج المحلة، فبالأولى جدًا ألاَّ يقدر كهنة اليهود أن يتمتعوا بذبيحة السيد المسيح الذي صُلب خارج المحلة وارتفع إلى السماوات! حُرموا مما ننعم به، جسد الرب ودمه المبذولين من أجلنا، حرموا من سرّ الإفخارستيا الواهب التقديس! هنا يطمئنهم الرسول أنهم ليسوا هم محرومين بل أصحاب الطقس اليهودي الذين لا يزالوا في الظل والرمز محرومين من أكل الذبائح الحيوانية التي يقدسها رئيس الكهنة عن الخطية ومن الذبيحة الحقيقية التي وهبها السيد لمؤمنيه.
هذا العمل الطقسي
أيضًا حمل رمزًا أن السيد المسيح يُطرد خارج المحلة ويُصلب خارج أورشليم، حتى
نلتزم بالخروج معه وإليه لنحمل عار صليبه، ونشترك معه في آلامه خلال طردنا من
أورشليم. "لِذَلِكَ يَسُوعُ أَيْضًا، لِكَيْ
يُقَدِّسَ الشَّعْبَ بِدَمِ نَفْسِهِ، تَأَلَّمَ خَارِجَ الْبَابِ.
فَلْنَخْرُجْ إِذًا إِلَيْهِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ
عَارَهُ" [12-13]. إن كان هؤلاء العبرانيون قد طردهم
مجلس السنهدرين كمرتدين، لا يخجلوا، فقد سبق أن طُرد مسيحهم قبلهم.
إنه لمجد عظيم أن نُطرد معه، ونبقى خارج المحلة عربون خروجنا
من هذا العالم وتمتعنا بالمدينة العتيدة؛ "لأَنْ لَيْسَ لَنَا هُنَا
مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، لَكِنَّنَا نَطْلُبُ الْعَتِيدَةَ" [14]. الطرد
من أورشليم الأرضية عربون الدخول إلى أورشليم العليا.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لقد صلب خارجًا كمدين،
فلا نخجل نحن من طردنا خارجًا.] بخروجه كمذنبٍ صار لنا شرف الطرد خارجًا؛ وإن لم
يخرجنا الناس خلال مضايقتهم لنا، نخرج نحن عن محبة الزمنيات،
حاملين
الصليب في
داخلنا، مشتهين المجد السماوي.
"فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ لِلَّهِ ذَبِيحَةَ
التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ" [15].
الخروج خارج المحلة لا يخلق في النفس تبرمًا، وإنما يحول
الإنسان إلى قيثارة إلهية تبعث الفرح وتنطق بالتسبيح، مادام الإنسان لا يخرج
بمفرده، وإنما مع السيد المسيح وفيه. يتحول الألم والطرد
إلى حالة فرحٍ داخليٍ هو
ثمر
الروح القدس الذي يبهج المؤمن بتقديم نفسه ذبيحة حب
لله في ابنه. هذه البهجة تعلن بالتسبيح خلال الشفاه
المعترفة باسمه، وخلال القلب الداخلي، كما خلال العمل بتنفيذ الوصية، إذ يكمل
الرسول، قائلًا: "وَلَكِنْ لاَ تَنْسُوا فِعْلَ الْخَيْرِ وَالتَّوْزِيعَ،
لأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هَذِهِ يُسَرُّ اللهُ" [16].
كأن التسبيح ليس مجرد كلمات تنطق بها الشفاه وإنما هي طبيعة
يعيشها المؤمن، يعلنها في قلبه بالمشاعر المملوءة حبًا لله، وبالشفاه خلال كلمات
التسبيح، وبالعمل الصالح الروحي. يعلق
القديس چيروم على
كلمات المرتل "لتصفق الأنهار بالأيادي" قائلًا: [إن المؤمنين وقد صاروا
أنهارًا تفيض عليها المياه من النهر الأصلي ربنا يسوع تصفق بالعمل الروحي المستمر
كما بالأيدي، تسبح للثالوث القدوس بالسلوك الحيّ.]
اهتم الآباء - خاصة
آباء البريّة - بالتدقيق في عدم الإدانة، فحسبوا أنه ليس شيء يغضب الله مثلها، إذ
تنزع نعمته عمَّن يرتكبها ويرفع رحمته عنه حتى إذا ما ترفَّق بأخيه ينال هو النعمة
الإلهيّة ومراحم الله. يرى الأب بومين والأب موسى أن من يدين أخاه ينشغل بخطايا
الغير لا بخطاياه، فيكون كمن يبكي على ميِّت الآخرين ويترك ميِّته. يقول الأب
دوروثيؤس: [إننا نفقد القوَّة على إصلاح أنفسنا متطلِّعين على الدوام نحو أخينا]، [ليس
شيء يُغضب الله أو يعرِّي الإنسان أو يدفعه لهلاكه مثل اغتيابه أخيه أو إدانته أو
احتقاره... أنه لأمر خطير أن تحكم على إنسان من أجل
خطيّة واحدة ارتكبها، لذلك يقول المسيح: "يا مرائي أخرج أولًا الخشبة من
عينك، وحينئذ تُبصر جيِّدًا أن تُخرج القذَى الذي في عين أخيك" [42]. أنظر
فإنَّه يشبِّه خطيَّة الأخ بالقذَى أما حُكمك المتهوِّر فيحسبه
خشبَة. تقريبًا أصعب خطيَّة يمكن معالجتها هي إدانة
أخينا!... لماذا بالحري لا ندين أنفسنا ونحكم على شرِّنا الذي نعرفه تمامًا وبدقة
والذي نعطي عنه حسابًا أمام الله! لماذا نغتصب حق الله في
الإدانة؟! الله وحده يدين، له أن يبرِّر وله أن يدين. هو
يعرف حال كل واحد منَّا وإمكانيَّاتنا وانحرافاتنا
ومواهبنا وأحوالنا واستعداداتنا. فله وحده أن يدين حسب
معرفته الفريدة. أنه يدين أعمال الأسقف بطريقة، وأعمال
الرئيس بطريقة أخرى. يحكم على أب دير، أو تلميذ له
بطريقة مُغايرة، الشخص القديم (له خبراته ومعرفته) غير
طالب الرهبنة، المريض غير ذي
الصحَّة السليمة. ومن يقدر أن يفهم كل هذه الأحكام سوى
خالق كل شيء ومكوِّن الكل والعارف بكل الأمور؟] يكمل الأب دوروثيوس حديثه عن عدم
الإدانة بعرض قصَّة يتذكَّرها عن سفينة كانت تحمل عبيدًا، إذ تقدَّمت عذراء
قدِّيسة إلى صاحب السفينة واِشترت فتاة صغيرة حملتها معها إلى حجرتها لتدرِّبها
على الحياة التقويّة كابنة صغيرة لها، ولم يمضِ إلا قليلًا حتى جاءت فرقة للرقص،
اشترت أخت هذه الفتاة الصغيرة لتدرِّبها على أعمال اللهْو والمُجون والحياة
الفاسدة... هنا يقف الأب دوروثيؤس مندهشًا، أن الفتاتين قد اُغْتصِبتا من
والديهما، إحداهما تتمتَّع بمخافة الله تحت قيادة قدِّيسة محبَّة وأخرى بغير
إرادتها اُغْتُصبت لممارسة الحياة الفاسدة. لهذا يتساءل: أليس
لله وحده أن يدين الفتاتين بطريقة يصعب علينا إدراكها؟! فنحن
نتسرَّع في الحكم، أما الله فعالم بالأسرار طويل الأناة، وحده قادر أن يبرِّر أو
يدين.
[بينما يطلب منَّا
التعمق في فحص أنفسنا حتى ينطبق سلوكنا على أوامر الله وتعاليمه نجد البعض يشغلون
أنفسهم بالتدخُّل في شئون الآخرين وأعمالهم، فإذا وقفوا على خطأ في أخلاق الغير
عمدوا إلى نهش أعراضهم بألسنة حدَّاد، ولم يدروا أنهم بذم الآخرين يذمون أنفسهم،
لأن بهم مساوئ ليست دون مساوئ الغير في المذلَّة والمهانة. لذلك يقول الحكيم بولس:
"لذلك أنت بلا عذر أيها الإنسان كل من يدين، لأنك فيما تدين غيرك تحكم على
نفسك، لأنك أنت الذي تدين تفعل تلك الأمور بعينها" (رو 2: 1).
فمن الواجب علينا والحالة هذه أن نشفق على الضعيف، ذاك الذي
وقع أسيرًا لشهواته الباطلة وضاقت به السُبل، فلا يمكنه التخلُّص من حبائل الشرّ
والخطيّة. فلنصلِ عن مثل هؤلاء البائسين القانطين، ولنَمِدْ
لهم يدْ العون والمساعدة، ولنَسعَ في ألاَّ نسقط كما سقطوا. فإنَّ "الذي يذم
أخاه، ويدين أخاه، يذم
الناموس ويدين الناموس" (يع 4: 11).
وما ذلك إلا لأن واضع الناموس والقاضي بالناموس هو واحد، ولما كان المفروض أن قاضي
النفس الشريرة يكون أرفع من هذه النفس بكثير، ولما كنا لا نستطيع أن ننتحل لأنفسنا
صفة القضاة بسبب خطايانا وجب علينا أن نتنحَّى عن القيام بهذه الوظيفة، لأنه كيف
ونحن خطاة نحكم على الآخرين وندينهم؟! إذن يجب ألا يدين أحد أخاه، فإن حدَّثتْك
نفسك بمحاكمة الآخرين، فأعلم أن الناموس لم يُقِمك قاضيًا ومُحاكمًا، ولذلك
فانتحالك هذه الوظيفة يوقِعك تحت طائلة الناموس، لأنك تنتهك حُرمته.
فكل من طاب ذهنه لا يتصيَّد معاصي الغير، ولا يشغل ذهنه
بزلاَّتهم وعثراتهم، بل عليه فقط أن يتعمَّق في الوقوف على نقائصه وعيوبه. هذا كان
حال المرنِّم المغبوط وهو يصف نفسه بالقول الحكيم: "إن كنت تُراقب الآثام
يا رب يا سيِّد، فمن يقف" (مز 130: 3)، وفي موضع آخر يكشف المرنِّم عن ضعف
الإنسان ويتلمَّس له الصفح والمغفرة إذ ورد قوله: "أذكر أننا تراب نحن"
(مز 103: 14).]
"لماذا تنظر
القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها" [41].
يكمل
القديس كيرلس الكبير حديثه: [سبق أن بيَّن السيِّد الخطر الذي ينجم عن نهش الآخرين بألسنة
حداد فقال: "لا تدينوا لكي لا تدانوا"، كما
ذكرنا أيضًا هنا في
موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.
والآن أتى السيِّد على أمثلة
كثيرة وبراهين دافعة تحضّنا على تجنُّب إدانة الآخرين والحكم عليهم بما نشاء
ونهوى، والأجدر بنا أن نفحص قلوبنا ونجرِّدها من النزعات التي تضطرم بين ضلوعنا
سائلين الله أن يطهِّرنا من آثامنا وزلاَّتنا. فإنَّ السيِّد ينبهنا إلى حقيقة
مُرَّة مألوفة، فيخاطبنا بالقول: كيف يمكنك نقد الآخرين والكشف عن سيئاتهم وشرورهم
وفحص أسقامهم وأمراضهم وأنت شرِّير أثيم ومريض سقيم؟! وكيف
يمكنك رؤيّة القذَى الذي في عين الغير وبعينك خشبَة تحجب عينك فلا ترى شيئًا؟! أنك
لجريء إذا قمت بذلك، فالأولي بك أن تنزع عنك مخازيك وتطفئ جذوة عيوبك، فيمكنك
الحكم بعد ذلك على الآخرين، وهم كما سترى مذنبين فيما هو دون جرائمك.
أتريد أن تنجلي بصوتك فتقف على مبلغٍ ما في اغتياب الآخرين
من مقت وشرْ؟ كان السيِّد يجول يعمل خلال الحقول النضرة، فاقتطف تلاميذه
المبارَكون سنابل القمح وفركوها بأيديهم، ثم أكلوا ثمارها طعامًا شهيًا لذيذًا،
وسرعان ما وقع نظر
الفريسيِّين على التلاميذ إلا واقتربوا من السيِّد وخاطبوه
بالقول: أنظر كيف أن تلاميذك يعملون في السبت ما ليس بمحلَّل مشروع. نطق
الفرِّيسيُّون بهذا القول وهم الذين عبثوا بحُرْمَة القدس وتعدُّوا على وصاياه
وأوامره على حد نبوَّة إشعياء عنهم: "كيف صارت القرية الآمنة زانية؟! ملآنة
حقًا كان العدل يبيت فيها، وأما الآن فالقاتلون، صارت فضتك زغْلًا، وخمرك مغشوشة
بماء، رؤساؤك متمرِّدون ولُغفاء اللصوص، كل واحد منهم يحب الرشوة ويتبع العطايا،
لا يقضون لليتيم ودعوى الأرملة لا تصل إليهم" (إش 1: 21-22).
رغمًا عن هذه المُنكرات المُخزيات التي ارتكبها هؤلاء الناس
تمادوا في خِزيهم ومكرهم ودسُّوا لتلاميذ السيِّد المباركين، واتَّهموهم بالتعدِّي
على يوم السبت المقدَّس. إلا أن المسيح ردَّ خِزيهم إذ أجابهم بالقول: "ويلٌ
لكم أيها الكتبة والفرِّيسيُّون المراءون، لأنكم تعشِّرون النعنع
والشبت
والكمُّون، وتركتم أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان، أيها القادة العميان الذين
يُصفُّون عن البعوضة ويبلعون الجمل" (مت 23: 23-24).
كان الفرِّيسي كما
ترى مرائيًا غادرًا يحاسب الناس على التعدِّيات الواهية، بينما يسمح لنفسه بارتكاب
أشد المخازي نكرانًا، وأعظم الشرور فُجورًا، فلا غرابة أن دعاهم المخلِّص: "قبورًا
مبيضَّة تَظهر من خارج جميلة، وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة" (مت 23:
27). هذا هو شأن المرائي وهو يدين الآخرين ويرميهم بأشنع
المساوئ والعيوب وهو عن نفسه أعمى، إذ لا ينظر شيئًُا، لأن الخشبة في عينيه تحجب
الضوء عنه.
إذن يجب أن نعني
بفحص أنفسنا قبل الجلوس على منصَّة القضاء للحكم على غيرنا، خصوصًا إن كنَّا في
وظيفة المُرشد والمعلِّم، لأنه إذا كان المُربِّي نقي الصفحة طاهر الذيل، تزيِّنه
نعمة الوقار والرزانة، وليس على معرفة بالفضائل السامية فحسب بل يعمل بها ويسلك
بموجبها، فإنَّ مثل هذا الإنسان يصح له أن يكون نموذجًا صالحًا يُحتذى به، وله عند
ذلك حق الحكم على الآخرين إذا حادوا عن جادة الحق والاستقامة، أما إذا كان المُرشد
مهمِلًا ومرذولًا فليس له أن يدين غيره، لأن به نفس النقص والضعف الذي يراه في
الآخرين. كذلك ينصحنا الرسل المغبوطون بالقول: "لا تكونوا معلِّمين كثيرين يا
إخوتي، عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم" (يع 3: 1). ويقول المسيح وهو يكلِّل
هامات الأبرار بالتيجان المقدَّسة، ويعاقب الخطاة بشتَّى التأديبات: "فمن نقض
إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلَّم الناس هكذا، يُدعَى أصغر في ملكوت السماوات، وأما
من عمِل وعلَّم فهذا يُدعَى عظيمًا في ملكوت السماوات" (مت 5: 19).]
يقول أيضًا
الأب
مار إسحق السرياني: [حينما تمتلئ النفس من
ثمار الروح، تقوى تمامًا على الكآبة
والضيق... وتفتح في قلبها باب الحب لسائر الناس... تطرد
كل فكر يوَسْوس لها بأن هذا صالح وذاك شرِّير، هذا بار وذاك خاطئ.
تُرتب حواسِها الداخليّة، وتصالحها مع القلب والضمير، لئلا
يتحرَّك واحد منها بالغضب أو بالغيرة على واحد من أفراد الخليقة.
أما النفس العاقرة الخالية من
ثمار الروح، فهي لابسة الحقد على
الدوام والغيظ والضيق والكآبة والضجر والاضطراب، وتدين على الدوام قريبها بجيِّد
ورديء.]
+ إيَّاك أن تعيب
أحدًا من الناس لئلاَّ يبغض الله صلاتك.
+ الذي
يدين، فقد هدم سوره بنقص معرفته.
+ الإنسان الذي
يطلق لسانه على الناس بكل جيِّد ورديء لن يؤهَّل للنعمة من الله.
+ لا تدن أحدًا،
ولا تقع بإنسان، والله يهب لك الهدوء والنِياح في القلاّية.
+ قيل أخطأ أحد
الإخوة فطُرد، فقام
الأب بيصاريون، وخرج معه، وهو يقول: "وأنا أيضًا خاطئ".
+ إذا اِنشغلتَ عن
خطاياك، سقطتَ في خطايا أخيك. (الأنبا إشعياء
+ (في قصة المرأة
الزانية): يسوع قد دان الخطيّة لا الإنسان. (القدِّيس أغسطينوس
حدَّثنا السيِّد
المسيح صديقنا السماوي عن الحب، مترجمًا عمليًا خلال العطاء، والستر على ضعفات
الآخرين، بهذا يقدِّم لنا مفتاح الدخول إلى حضرة الله للتمتُّع بحبِّه، وكأن هذا
يسلِّمنا مفتاح خزانته الإلهيّة، إذ يقول: "اغفروا يُغفر لكم، اعطوا تُعطوا"
[37]. وقد دعا
القديس أغسطينوس هذين العمليْن: السَتْر على الآخرين، والعطاء
جناحي الصلاة، يرفعانها إلى العرش الإلهي بلا عائق. فمن
كلماته: [البِرْ الأول يمارس في القلب عندما تغفرون لأخيكم عن أخطائه، والآخر
يُمارس في الخارج عندما تعطون الفقير خبزًا. قدِّموا البِرِّين معًا، فبدون أحد
هذين الجناحين تبقى صلواتكم بلا حركة]، [إن أردتم أن يُستجاب لكم عندما تطلبون
المغفرة: اغفروا يُغفر لكم، اِعطوا تُعطوا.]
أخيرًا أكَّد السيِّد المسيح أنه في تقديم وصاياه عن
المحبَّة يطلب تغيير القلب في الداخل، يطلب في المؤمن أن يكون شجرة صالحة ليأتي
بالثمر الصالح، إذ يقول:
"لأنه ما من
شجرة جيِّدة تُثمر ثمرًا رديًا،
ولا شجرة رديَّة
تثمر ثمرًا جيِّدًا. لأن
كل شجرة تُعرف من ثمرها،
فإنَّهم لا يجتنون من الشوكِ تينًا،
ولا يقطِفون من
العُلِّيق عنبًا. الإنسان الصالح من
كِنز قلبه الصالح يُخرج الصلاح،
والإنسان الشرِّير
من كنز قلبه الشرِّير.
فإنَّه من فضلة
القلب يتكلَّم فمه" [43-45].
اعتمد أتباع
فالنتينوس على هذه العبارات وما شابهها ليُعلنوا اختلاف طبائع النفوس، إذ في نظرهم
توجد نفوس صالحة بطبيعتها لا يمكن أن تفسد، وتوجد نفوس شرِّيرة بطبيعتها لا يمكن
إصلاحها، الأولي هي الشجرة الصالحة التي تُثمر صلاحًا، والأخرى هي الشجرة الرديئة
التي تُنتج رديًا. وقد انبَرى كثير من الآباء يفنِّدون
هذا الفكر مؤكِّدين حرِّيَّة إرادة الإنسان وإمكانيَّتِه في المسيح يسوع إصلاح
حياته... فإن كان شجرة رديئة تبقى تعطي ثمرًا رديًا حتى
تتحوّل إلى شجرة جيدة في الرب. هذا ما أكَّده
القديس أغسطينوس في عظاته المنتخبة
على العهد الجديد.
في القرن الثاني
الميلادي يقول العلامة ترتليان: [لا يمكن أن تكون هذه النصوص من الكتاب المقدَّس
غير متَّفقة مع الحق، فإنَّ الشجرة الرديئة لن تقدِّم ثمارًا صالحة ما لم تُطعم
فيها الطبيعة الصالحة، ولا الشجرة الصالحة تُنتج ثمارًا شريرة ما لم تفسد.
فإنَّه حتى الحجارة يمكن أن تصير أولادًا لإبراهيم إن تهذَّبت
بإيمان إبراهيم، وأولاد الأفاعي يمكنهم أن يقدِّموا ثمارًا للتوبة إن جحدوا
طبيعتهم المخادعة. هذه هي قوَّة نعمة الله التي هي بالحق أكثر فاعليَّة
من الطبيعة ذاتها.]
لو أن الطبيعة البشريّة مسيَّرة تلتزم بالخير أو الشرّ
بغير إرادتها، وليس هناك من رجاء في التغيير لما كان السيِّد المسيح يحثُّنا:
"اجعلوا الشجرة جيدة"، ولما كان الحديث في ذاته ذا نفع.
فالرب يتحدَّث معنا لكي نقبل عمله فينا، فيكون تنفيذ وصاياه لا
خلال السلوك الخارجي وحده، وإنما تغيير طبيعتنا القديمة، إذ يقول: "الإنسان
الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج صلاحًا".
يعود فيؤكِّد
السيِّد المسيح غاية وصاياه أن تكون ثمرًا طبيعيًا للقلب الجديد الذي يتأسَّس
عليه، إذ شبَّه حياتنا ببناء يليق أن يُقام على السيِّد المسيح "صخر الدهور"
فلا تستطيع زوابع الأحداث أن تهدِمه.
إيماننا بالمسيح هو الصخرة الداخليّة، خلاله نتقبَّل السيِّد
المسيح نفسه كسِرْ قوَّتنا، يعمل فينا بروحه القدِّوس ليرفعنا إلى حضن أبيه. أما
من لا يتأسَّس على "الصخرة الحقيقيّة" فيهتز بناؤه يمينًا وشمالًا
بتيَّارات عدوْ الخير المتقلِّبة، الذي لا يهدأ حتى يحطِّمه تمامًا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/mx637v8