تأمل على الأسبوع الأول من الصوم الكبير (+ الأحد) | تأمل على الأسبوع الثاني من الصوم الكبير (+ الأربعاء - الخميس - الجمعة) | تأمل على الأسبوع الثالث من الصوم الكبير | تأمل على الأسبوع الرابع من الصوم الكبير | تأمل على الأسبوع الخامس من الصوم الكبير | تأمل على الأسبوع السادس من الصوم الكبير | تأمل على الأسبوع السابع من الصوم الكبير
الصوم هو استمرار لفعل التوبة، والتوبة تعنى القيام
المستمر والارتماء في حضن الآب... حيث نكتشف قلب الله غير المحدود في
المحبة، لذلك
تقرأ
الكنيسة لنا هذا الأسبوع عن الابن
الضال... حيث أقوم وأرجع إلى أبي. نحن نتذمر على الله ونعتب ونقول ربنا
تركنا والحقيقة نحن الذين نذهب إلى كورة الخنازير وعندما نرجع نكتشف حقيقة
أبدية: إن محبة الله لا يمكن أن ت نقص، بل على العكس يزداد تعمقنا في
اكتشافها.
ما أجمل حضن الآب، ما أجمل قبلاته، وعدم تأففه من قذراتي... هذه أجمل مشجع
لي طول رحلتي وأثناء سقوطي... من أجل ذلك أسير بخطوات قوية
في التوبة لأن أبي ينتظرني وقبلاته تشجعني، ودمه يطهرني والحلة
الأولى تنتظرني...
والقصد من التوبة هو التعمق في اكتشاف أبعاد حب
الله واتساع قلبه . فأنا بذرت أمواله التي أعطاني إياها من
مواهب وعلم وصحة ومال... الخ وأسرفتها في العالم... كيف سيقابلني أبي، إنه يركض ويقع
على عنقي ويقبلني... ما هذا الحب!!!
والقصد من التوبة هو اكتشاف غنى بيت الآب ، غنى
الكنيسة. فيها الحلة الأولى (المعمودية)، فيها الخاتم علامة الشركة الدائمة
مع الآب، وفيها العجل المسمن- هذه وليمة الألف سنة (جسد الرب ودمه الدائم
على المذبح).
ومن أجمل مميزات التوبة الفرح ... وهذا الفرح
أكبر مشجع في الرحلة... فرح أولاد الله التائبين بأبيهم حول المائدة
السماوية (المذبح) فرح لا ينطق به ومجيد. إنها طبيعة الكنيسة التائبة. التي
تعيش دائمًا في الفرح الدائم، والفرح بالمسيح هو زاد الكنيسة في رحلة صومها
وجهادها المقدس.
ينتهي هذا الأسبوع بقصة رجوع الابن الضال:
الأول
: حنان الآب- وإشعياء يشير إليه بوضوح.
الثاني
: خطايا الابن- وقد تحدث عنها إشعياء.
الثالث
: توبة الابن- وسفر إشعياء هو سفر التوبة.
يبدأ حديث إشعياء في أول أيام الأسبوع عن هذه الأبوة: "هاأنذا
والأولاد الذين أعطيتهم الآب " (إش 8: 18).
فقصة الابن الضال هي بالأكثر تكشف عن قلب الآب
المحب وشوقه لرجوع ابنه، "وإذ كان لم يزل بعيدًا رآه أبوه فتحنن وركض
ووقع على عنقه وقبله" (لو 15: 20).
"وإذا قالوا
اطلبوا إلى أصحاب التوابع العرافين.. ." (إش 8: 19).
"فيعبرون
فيها مضايقين وجائعين. ويكون حينما يجوعون أنهم يحنقون... وينظرون إلى الأرض
وإذا شدة ظلمة قتام الضيق وإلى
الظلام هم مطرودون" (إش 8: 21، 22)
"الجالسون في أرض ظلال الموت الشعب السالك في الظلمة" (إش 21،
22).
أليست هذه هي تصرفات الابن الضال:
بدل أن يسأل أباه سأل أصدقاءه الأشرار الذين قادوه للعرافين... كأن
ليس له أب أو إله.
الأرض التي ذهب إليها يقول عنها إشعياء أنها أرض ضيقة وجوع وظلام
ويعيشون فيها غرباء (مطرودين)، وهذه نفس أوصاف ربنا عن أنها كانت أرض
الخنازير، وكان يشتهي أن يملأ بطنه منها وهو في حالة جوع.
هذه هي ثمار الخطية وصفها لنا إشعياء
النبي في أسبوع الابن الضال.
فيقول النبي: "صرَّ الشهادة اختم الشريعة بتلاميذي" (إش 8:
16). فاشعياء يكشف لنا أن التوبة هي تلمذة لوصايا
ربنا يسوع وهي في ذات
الوقت شهادة (صر الشهادة).
فالشخص التائب هو أكبر شاهد لعمل نعمة
المسيح فيه، والعصر الذي تعيش فيه الكنيسة اليوم يتوقف على قوة التوبة فيها، كما
ذكرنا أيضًا هنا في
موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.
فكنيسة ليس فيها توبة مستمرة هي كنيسة جامدة، أما كنيسة تعيش أفرادها حياة
التوبة فتكون شاهد لعمل المسيح وتجذب إليها ا لآخرين.
فيقول إشعياء: "قدسوا رب الجنود فهو خوفكم وهو رهبتكم".
(إش 8: 13).
فكثيرون هذه الأيام يتحدثون عن التوبة بمنتهى البساطة إن التوبة هي
دموع وتسمير
مخافة
الله في القلب كقول داود النبي: "سمر خوفك في
لحمى" (مز 118). والقداسة هي ثمرة مخافة الرب، أما الاستهتار في التوبة
وتسهيلها يؤدى إلى عدم المخافة وسرعة العودة للسقوط.
"الشعب
السالك في الظلمة أبصر نورا ً عظيما ً . الجالسون في
أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور" (إش 9: 2).
هل يوجد تعبير للتوبة أجمل من تعبير إشعياء، أي أنها الانتقال من
الظلمة للنور ومن الموت للحياة.
"لأن ابني
هذا كان ميتا ً فعاش وكان ضالًا (في الظلام) فوجد (في النور)" (لو 15:
24)...
"عظمت لها
الفرح، يفرحون أمامك كالفرح في
الحصاد كالذين يبتهجون عندما يقتسمون
غنيمة" (إش 9: 3). فدموع التوبة دموع مفرحة، وتعب الرجوع لحضن الآب
ينتهي بفرح الأحضان والقبلات وذبح العجل المسمن، وقد قال الآب: "ينبغي
أن نفرح" (لو 15: 23). "إنه فرح الملائكة" (لو 15: 7، 10)،
" وفرح الجيران" (لو 15: 6)، وفرح الآب نفسه وفرح الابن (لو 15:
23- 25)، إن أفراح التوبة هي ثمرة
الروح القدس العامل في الكنيسة- لذلك
كنيسة بلا توبة في حياة أفرادها هي كنيسة بلا فرح، والعكس صحيح لأنه ليس هناك
مصدر لفرح الروح القدس في الكنيسة إلاَّ توبة أولادها- فهيا بنا يا إخوتي في
فترة الصوم نفرح الآب والسماء والملائكة والقديسين والكنيسة، ونفرح نحن
بفرحهم.
الذين لم يرجعوا عن الطلب إلى أصحاب التوابع والعرافين... وأي شيء
آخر غير الله- أي لم يتوبوا- فليس لهم فجر ولا حياة في النور مع السيد
المسيح.
ليست التوبة فقط هي البعد عن الخطية ولكنها هي أيضاf ً الحياة الإيجابية مع السيد المسيح. وهذا
أروع ما كتب عنه إشعياء في نهاية نبرات يوم الاثنين:
" ويولد لنا
ولد ونعطى ا بنا ً وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيب
ا مشيرا ً إلها ً قديرا ً أبا ً أبديا ً رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام
لا نهاية" (إش 9: 6).
هذه الآية هي ختام لنبوة يوم الاثنين، حيث يبدأ أسبوع التوبة (الابن
الضال) الذي هو صفة الصوم كله. وليتك تتأمل الربط العجيب بين الحديث عن
الابن الضال ونبوات هذا اليوم...
التي تنتهي بالقول: "والسلام لا نهاية له لأنه ولد لنا ولد
و أعطينا ا بنا ً هو ملك السلام".
نبوات هذين اليومين تتحدث عن معوقات التوبة وهي:
إحساس الإنسان إ نه غير محتاج للتوبة لأنه بار في عيني نفسه فيقول:
" لأنه قال بقدرة يدي صنعت وبحكمتي لأني فهيم" (إش 10: 13) .
ولعل هذا هو إحساس الابن الضال عند خروجه من بيت أبيه "أنه
فهيم" وحكيم في عيني نفسه، وأنه سيصنع أمورا ً عظيمة بالأموال التي
أخذها من أبيه، ويقول: "بقدرة يدي صنعت وبحكمتي لأني فهيم".
اسمع ماذا يرد عليه الله الآب في نفس نبوة يوم الثلاثاء: "هل
يفتخر الفأس على القاطع بها أو يتكبر المنشار على مردده...!" (إش 10:
15).
من كثرة ارتباكات، وانشغالات، وشهوات، وماديات هذا العالم يتقسّى
القلب فيقول النبي: "والشعب لم يرجع إلى ضاربه ولم يطلب رب
الجنود" (إش 9: 13). ويأتي الوقت- من كثرة قسوة القلب- تضيع فرص
التوبة ولا يحس الإنسان بمقاصد الآب الذي يريد خلاصنا- "الذي لم يشفق
على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين" (رو 8: 32).
• وهذه
القسوة تؤدى حتما ً في النهاية إلى " الفجور ، والتمادي في
الشر الذي يحرق صاحبه كالنار" (إش 9: 18). ثم يحول الإنسان "من
الحق إلى الباطل والجور، وسلب حق الضعفاء والأرامل والأيتام" (إش 10:
1، 2).
أولًا : هموم هذا العالم الفاني، وكثرة شهواته وعثراته وأخطرها الثعالب
الصغيرة "خذوا لنا الثعالب الثعالب الصغار المفسدة الكروم" (نش 2:
15). وهذه
الثعالب الصغيرة هي الخطية في بدايتها التي تبدأ صغيرة، نهملها
ونستهتر بها تكبر وتقسي القلب، وحينئذ يصعب التخلص منها. ويكون ذلك سببه
التهاون وعدم محاسبة النفس باستمرار.
ثانيًا: يقول النبي إن: "مرشدو هذا الشعب مضلين" (إش 9: 16).
والمرشد في حياة الإنسان هو البيت الأول (الأب والأم)، خادم مدارس الأحد،
الكاهن والمعلم... فقلة التوجيه والتعليم والتوبيخ تولد هذه القساوة.
الحل الوحيد هو الرجوع لكلمة الله "إلى الشريعة إلى الشهادة إن
لم يقولوا مثل هذا القول فليس لهم فج ر " (إش 8: 30).
" فكلمة الله
تعلم الجهال"، وكلمة الله تنقى القلب "أنتم أنقياء من أجل الكلام
الذي كلمتكم به" (يو 15: 3).
وكلمة الله تلين القلب وتذيب قساوته وتعلم الاتضاع والمسكنة والتوبة
والبحث عن خلاص النفس.
أما نبوات الخميس والجمعة فتتحدث بدقة عن موضوع رجوع الابن الضال
لأبيه:
• يتحدث في
(الإصحاح 11) عن الحياة الجديدة مع المسيح، حياة الابن الضال بعدما عاد إلى
أبيه- وهذا ما تسميه الكنيسة بالمُلك الألفي "فعاشوا وملكوا مع المسيح
ألف سنة" (رؤ 20: 4). حيث يعيش المؤمنون مع المسيح لا مُلكا ً أرضيا
ً زمنيا ً بل يعيشون مُلكا ً روحيا ً معه. ويحل عليه- على السيد المسيح كممثل لنا
وكتائبين- روح الرب، روح الحكمة والفهم، وروح المشورة
والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب، ولذته تكون في مخافة الرب... ويكون البر
منطقه متينة والأمانة منطقة حقويه" (إش 11: 2- 5)
أ- "فيسكن الذئب مع الخروف" (إش 11: 6). "ها أنا
أرسلكم كحملان في وسط ذئاب" (لو 10: 3).
ب- "ويلعب الرضيع على سرب الصل ويمد الفطيم يده على صخر
الأفعوان" (إش 11: 8). "كونوا حكماء كالحيات، وبسطاء كالأطفال
" (عن مجلة مرقس).
•
"والأرض تمتلئ من معرفة الرب" (إش 11: 9). فالابن الضال لم يعرف
محبة أبيه ولم يدرك مصلحته إلاَّ بعد التوبة.
•
"ويكون أصل يسى راية للشعوب إياه تطلب الأمم" (إش 11: 10).
فالكنيسة التائبة تخرج منها رائحة المسيح التي تكون راية للشعوب ومنارة،
فيطلبون الرب من أمم غريبة.
• ومن أروع
ما يشير به إشعياء إلى أن التوبة هي دعوة اقتناء الله لأولاده:
أ- "ويكون في ذلك اليوم أن السيد يعيد يده ثانية ليقتنى بقية
شعبه... من كل مكان" (إش 11: 11).
ب- "ويجمع منفي إسرائيل (إسرائيل ابنه البكر)، ويضم مشتت
يهوذا" (إش 11: 12). فالابن الضال ابن مشتت.
• والنفس
التائبة نفس فرحة مسبحة للرب .
وهذا ما سجله إشعياء في نبوة هذا اليوم:
"ويقول:
أحمدك يا رب لأنه إذا غضبت علىَّ ارتد غضبك فتعزيني (تعزية التوبة)" (إش
12: 1).
فواضح أن غضب الله كان من أجل رجوع النفس وتوبيخها، ومن هنا كان غضب
الرب هو سبب التعزية.
لذلك (فالإصحاح 12) يتحدث عن غضب الرب اللازم للتأديب
والتوبة
"هوذا يوم الرب قادم قاسيًا بسخط وحمو غضب ليجعل الأرض خرابا ً ويبيد
منها خطاتها" (إش 13: 9) فالتوبة تحمينا من غضب الله.
• والتوبة تملأ القلب بالاطمئنان وتملأه بالترنيم والتسبيح "هذا الله خلاصي فأطمئن ولا أرتعب لأن يا ه يهوه قوتي وتسبحتي وقد صار لي خلاصا ً " (إش 12: 2).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/gnj86pb