دعنا نتناول أولًا الآيات القرآنية التي ذكرها أحد الذين استفسروا عن هذا الأمر.. فقد استشهد بآيات مثل:
"وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ" (سورة ق 38)، وآية "اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ" (سورة البقرة 255). ولكني دعني أذكرك عزيزي السائل آيات أخرى في كتاب القرآن تقول: "إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ" (سورة الأعراف 54؛ سورة يونس 3)، "اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ" (سورة الرعد 2)، "الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ" (سورة الفرقان 59، سورة السجدة 4)، "هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ" (سورة الحديد 4)..
فكلمة "استراح" في تلك الآية بالكتاب المقدس لها شرح منطقي لا علاقة له بالتعب، كما أن كلمة أن الله "استوى على العرش" في تلك الآيات من القرآن الكريم لا تعني الجلوس والاستقرار..
يقول الأخوة المسلمين مفسري القرآن بأنه: يجب أن يكون تفسير تلك الآيات في القرآن بغير الاستقرار والجلوس ونحو ذلك، ويَكْفُر مَنْ يعتقد ذلك، فشرحها بـ: جلس أو استقر أو حاذى العرش هو كفر. ويكمل المفسر فيقول أن الشرح الذي يُعتقد من معنى القول بأنه يجب ترك الحَمل على الظاهر، بل يُحَمل على مَحْمل مستقيم في العقول، فتحمل لفظة الاستواء على القهر، ففي لغة العرب يُقال فلان استوى على الممالك إذا احتوى على مقاليد المُلك واستعلى على الرقاب.
فيا عزيزي لا داعي لنا لأن نتحارب ونتجادل مجادلات عقيمة في خارج صُلب الدين، والتي إن نظر إليها الشخص بعين حيادية سيستطيع ببساطة فهم الأمر، بدون تحامُل على الآخر..
فالكتاب المقدس لم يقل أن الله تعب، من أين أتيتم بهذه الكلمة؟ الكتاب المقدس يقول أن الله خلق العالم، واستراح في اليوم السابع، ولكنه لم يقل تعب. وكلمة استراح لا تعني أنه كان قد تعب. استراح أي انتهى من عملية الخَلْق. والله ما زال يعمل ولم يكف عن العمل أبدًا. والسيد المسيح يقول "أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أيْضًا أَعْمَلُ" (إنجيل يوحنا 5: 17) وحتى بعد أن انتهى من الخليقة ظل يعمل في رعاية الناس وإنقاذ الناس وفي تعليم الناس وإرسال الأنبياء والناموس وفي معاقبة الخطاة مثل الطوفان وسدوم وعمورة.. إلخ.
ولا يوجد تناقض فالكتاب لم يقل أن الله تعب.
فيقول الكتاب المقدس:
"فَأُكْمِلَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَكُلُّ جُنْدِهَا. وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِل. وبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابعَ وَقَدَّسَهُ، لأَنَّهُ فِيهِ اسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ اللهُ خَالِقًا" (سفر التكوين 2: 1-3).
من الآيات نجد أن الكتاب المقدس لم يذكر أن الله تعب. وكلمة استراح هنا لا تعني أنه توقف عن العمل، وإنما تعني أن الله استراح براحة خليقته. أي أن الله انتهى من عملية الخَلْق في اليوم السادس وفي اليوم السابع استراح من جميع عمله لأنه أتمه وليس لأنه تعب.
ومن المعروف أن كلمة يوم التي ذكرها سفر التكوين لا تعني 24 ساعة كما هي في مفهومنا الآن، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى، وإنما تعني حقبة من الزمن.
وفي اليوم السابع استراح الرب من عملية الخلق بعد أن أتمها، ولكنه لم يتوقف عن العمل بل ما زال يعمل كراعي للخليقة حتى الآن.. فنحن حاليًا ما زلنا في اليوم السابع والله لم يبطل العمل.
ويفسر الآباء كلمة "استراح في اليوم السابع" بأن "الله استراح براحة خليقته" فراحته كأب سماوي أن يجد محبوبيه ينعمون بالراحة الداخلية الحقة.. فنجد القديس أغسطينوس يقول: "راحة الله تعني راحة الذين يستريحون في الله، إننا نستريح عندما نصنع أعمالًا صالحة. كمثال لذلك كتب عن الله أنه "استراح في اليوم السابع"، وذلك عندما صنع كل أعماله وإذا بها حسنة جدًا. إنه لم يتعب ولا احتاج إلى راحة، كما أنه لم يترك عمله حتى الآن إذ يقول ربنا المسيح بصراحة: "أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ" (إنجيل يوحنا 5: 17).
لهذا رأي كثير من الآباء أن وصية "حفظ السبت" والتي تعني في العبرية "الراحة" إنما هي رمز للثبوت في السيد المسيح بكونه راحة الآب، فيه يجد لذته من جهتنا، وراحتنا نحن إذ فيه ندخل إلي حضن الآب. وكأن السيد المسيح نفسه هو سبتنا الحقيقي.. هذا هو سر اهتمام الله بحفظ وصية السبت، وجعلها خطًا رئيسيًا في خطة خلاص شعبه، من يكسرها يكون قد نقض العهد الإلهي وحرم نفسه من عضويته في الجماعة المقدسة.
لنحفظ إذًا السبت الحقيقي بقبولنا السيد المسيح القائم من الأموات كسر راحتنا الحقيقية، لنقبله قائمًا من الأموات فنحفظ السبت كل أيام حياتنا خاصة في اليوم الأول من الأسبوع، كما كان الرسل يجتمعون معًا في أول الأسبوع (الأحد) يمارسون العبادة الجماعية حول الأفخارستيا كموضوع راحتهم الحقة.
إن كان السيد المسيح هو "اليوم السابع" أو (السبت الحقيقي) الذي فيه تصالحنا مع الآب بدم صليبه، فإننا إذ نثبت فيه نحمل سماته فينا ونمتلئ ببره ونصير نحن أنفسنا موضع راحة فنحسب به "سبتًا" أو (يومًا سابعًا)، وكما يقول القديس أغسطينوس: [نصير نحن أنفسنا اليوم السابع عندما نمتلئ ببركات الله وتقديسه ونفعم بها].
هذا ويلاحظ أن الكتاب المقدس لم يقل عن اليوم السابع: "وكان مساء وكان صباح يومًا سابعًا"، وكما يقول القديس أغسطينوس: [لا نجد في السبت مساءً، لأن راحتنا بلا نهاية، إذ يضع المساء نهاية]. فكلمة استراح المقصود بها أن الله لم يخلق أجناس جديدة بل كانت الخِلقة لاحقًا من نفس الجنس.. أي جنس الإنسان فقط ويستمر في التوالد..
وقد استبدلت الكنيسة يوم السبت بيوم الأحد يوم القيامة. وصار هذا اليوم هو راحة للجسد من التعب واهتمامات العالم لترتاح الروح في علاقتها بالله. فراحة الله هي راحة الذين يستريحون في الله كما قال القديس أغسطينوس أعلاه.
المصدر: من مقالات وأبحاث موقع الأنبا تكلاهيمانوت.
مرجع: رد على سؤال في أحد محاضرات قداسة البابا شنودة الثالث.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/z9nwnbk