St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament  >   Father-Tadros-Yacoub-Malaty  >   17-Sefr-Tobit
 

تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب (والشماس بيشوي بشرى فايز)

سلسلة "من تفسير وتأملات الآباء الأولين"

طوبيت 1 - تفسير سفر طوبيا

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب طوبيا:
تفسير سفر طوبيا: مقدمة سفر طوبيا | طوبيت 1 | طوبيت 2 | طوبيت 3 | طوبيت 4 | طوبيت 5 | طوبيت 6 | طوبيت 7 | طوبيت 8 | طوبيت 9 | طوبيت 10 | طوبيت 11 | طوبيت 12 | طوبيت 13 | طوبيت 14

نص سفر طوبيا: طوبيا 1 | طوبيا 2 | طوبيا 3 | طوبيا 4 | طوبيا 5 | طوبيا 6 | طوبيا 7 | طوبيا 8 | طوبيا 9 | طوبيا 10 | طوبيا 11 | طوبيا 12 | طوبيا 13 | طوبيا 14 | طوبيت كامل

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - (23 - 24 - 25)

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الأصحاح الأول

طوبيت في السبي

1. طوبيت من سبط نفتالي

     

[1- 2]

2. طوبيت ومدينة الله أورشليم

     

[3- 9]

3. طوبيت في السبي

     

[10- 14]

4. سنحاريب يطلب قتل طوبيت

     

[15- 20]

5. طوبيت والملك آسرحدون

     

[21- 22]

من وحي طوبيت 1

     

 

 

افتتح طوبيت السفر بالكشف عن انتسابه لسبط نفتالي، أحد العشر أسباط التي تمردت على الملك الذي من نسل داود في أيام رحبعام بن سليمان. وُجِد قلة قليلة في الأسباط المتمردة ارتبطت بمدينة الله أورشليم وهيكل الرب هناك.

 

في هذا الأصحاح أبرز طوبيت الحقائق التالية:

1. انتسابه للمملكة الشمالية، أما قلبه فكان مرتبطًا بمدينة الله أورشليم والهيكل [طو 1: 9].

2. السبي الأشوري: سُبِي طوبيت إلى نينوى، وبقي أمينًا لله ولشريعته، محبًا للعطاء والاهتمام بدفن جثث القتلى المطروحة في الشوارع والساحات [10-14].

3. سنحاريب يطلب قتله بسبب دفنه للقتلى، وإذا بابني سنحاريب يقتلان أبيهما قبل خمسين يومًا من هروب طوبيت من وجهه [15-20].

4. عودة طوبيت إلى نينوى ورجوع زوجته وابنه إليه، وردّ ممتلكاته التي صادرها سنحاريب [21-22].

St-Takla.org                     Divider

1. طوبيت من سبط نفتالي [1- 2]

سِفرُ أخبارِ طوبيتَ بن طوبيئيلَ Tobiel بنِ حَنَنْئيلَ بنِ عَدوئيلَ بنِ غابيلوس (جَبَعْئيل)، مِن نَسْلِ عَسائيل Asiel مِن سِبْطِ نَفْتالي [1]. في أَيَّامِ شَلْمَنآسَر Enemesssaros، مَلِكِ الأَشُّوريين، سُبي مِن تِشْبَةَ Thisbe في جَنوبِ قادَشَ نَفْتالي في الجَليلِ فَوقَ أشِر [2] Asher.

افتتح طوبيت السفر بذكر سبعة أنساب له تصعد به إلى انتمائه لسبط نفتالي، هؤلاء السبعة تنتهي أسماؤهم بكلمة "ئيل" والتي تعني "يهوه أو الله". ربما كان يود أن يؤكد بأن سبط نفتالي وإن كان أحد العشرة أسباط التي انضمت إلى يربعام الذي أقام نفسه ملكًا ضد رحبعام بن سليمان بن داود وذلك في القرن العاشر ق.م. وكوَّنوا مملكة إسرائيل المنشقة على مملكة يهوذا (سبطا يهوذا وبنيامين) البعيدة عن الهيكل. لكن وُجِد في هذا السبط من كان مرتبطًا بعبادة يهوه، حتى وإن انحرف البعض واشتركوا في عبادة العجل الذي أقامه يربعام في هيكلين واحد في بيت إيل والآخر في دان لكيلا يذهبوا إلى أورشليم للعبادة في هيكل الله.

كلمة نفتالي معناها "مصارعات" وهي من أسباط إسرائيل.

يرى البعض أن كلمة "طوبيت" معناها "المُطوّب"، ويرى آخرون أن النص الأرامي لكلمة "طوبي" Tobi اختصار طوبياهو (2 أي 17: 8)، معناها: "يهوه هو صلاحي أو خيري أو سعادتي my welfare". اتَّسَم طوبيت وابنه بممارسة الأعمال الصالحة حسب الشريعة، خاصة العطاء واحتمال الألم غير أن جمالهما الداخلي وبرّهما هو الربّ نفسه العامل فيهما.

إن كان هذا البار وأسرته قد عاشوا في جو مملكة إسرائيل المتمردة لكنهم كانوا يحرصون على ارتباطهم بالله وهم تحت ظل الناموس، ولم يستطع السبي الأشوري أن يحرمهم من الحياة المقدسة في الرب، فكم يليق بنا ونحن في عصر النعمة أن نتمتَّع ببشارة الإنجيل المُفرِحة، وأن نرتبط بيسوع المسيح كلمة الله، مُخَلِّص العالم وطبيب النفوس والأجساد.

* فن الطب – حسب ديموقريطوس Democritus يشفي أمراض الجسد، والحكمة تُحَرِّر النفس من هواجسها. أما المُعَلِّم الصالح – الحكمة – الذي هو كلمة الآب الذي أخذ جسدًا بشريًا، فيهتم بكل طبيعة خليقته.

إنه طبيب البشرية الذي فيه كل الكفاية. المُخَلِّص، الذي يشفي الجسد والنفس معًا[1].

* من هو؟ تعلَّموا باختصار أنه كلمة الحق، كلمة عدم الفساد، الذي يُجَدِّد الإنسان، إذ يرده إلى الحق. إنه المهماز الذي يحث على الخلاص. هو مُحَطِّم الهلاك وطارد الموت. إنه يبني هيكل الله في الناس، فيأخذهم لله مسكنًا له.

يحتاج المرضى إلى مُخَلِّص،

ويحتاج الضالون إلى مُرْشدٍ،

يحتاج العميان إلى من يقودهم إلى النور،

والعطاش إلى الينبوع الحيَّ الذي من يشرب منه لا يعطش أبدًا،

والموتى إلى الحياة،

والخراف إلى راعٍ،

والأبناء إلى معلمٍ؛

وتحتاج كل البشرية إلى يسوع![2]

القديس إكليمنضس السكندري

عُرِف السبي الأشوري بالعنف الشديد مع السخرية بالمسبيين، وترحيل شباب العائلات الملوكية والنبلاء من بلادهم، لكي ينسى الجيل الجديد في أرض السبي لغتهم وثقافتهم ودينهم ويعيشوا في مذلةٍ. هذا السبي يشير إلى عمل الشيطان المُعَانِد، الذي يبذل كل جهده في مقاومة كنيسة المسيح، فيحرم كل مؤمنٍ من تمتُّعه بالحق الإلهي، وإدراكه لملكوت الله الذي في داخله، ويبثّ فيه روح اليأس فلا يترجَّى الملكوت الأبدي.

St-Takla.org                     Divider

2. طوبيت ومدينة الله أورشليم [3- 9]

أَنا طوبيتَ كنت أَسلكُ في سُبُلَ الحَقِّ والبِرِّ جَميعَ أَيَّام حَياتي، وتَصَدَّقتُ كَثيرًا على إِخْوَتي وعلىَ بَني أُمَّتي الَّذينَ مضوا معي إلى السبي إلى نينَوى في بِلادِ الأَشُّوريين [3].

عندمَا كُنتُ في بِلادي في أَرضِ إِسْرائيل وكُنتُ شابًّا، تمرد كُلُّ سِبْطِ نَفْتالي أبي (جدي الأعلى) على بيت أُورَشَليم، المَدينةِ المُخْتارةِ مِن بَينِ جَميعِ أَسْباطِ إِسْرائيلَ حيث يقدمون ذَبائِحِهم، وحَيثُ بُنِيَ الهَيكَلُ مسكن العلي وقُدِّسَ لِجَميعِ الأَجْيال إلى الأبد [4].

وكانَ جَميعُ ِالأسباط التي تمردت وبَيتُ أبي نَفْتالي يَذبَحونَ لِلْعِجلِ [5]. أَمَّا أَنا فكَثيرًا ما كُنتُ أَذهَبُ وَحْدي إِلى أُورَشَليمَ في الأَعْياد بِحَسَبِ ما كُتِبَ في كُلِّ إسْرائيلَ بِفَريضةٍ أَبَدِيَّة، وكُنتُ أحضر الَبْكور وعُشور المحاصيل وبكور جِزَزِ الخِراف، [6] فأُقَدِّمُها لِلكَهَنَةِ بَني هارونَ عند المَذْبَح. وكنتُ أُقدِّمُ العُشورَ لِبَني لاوِيَ الذين كانوا يخدمون في أُورَشَليم.

وأمَّا العُشورُ الثَّانِيَة فكُنتُ أبيعها وأُؤَدِّيها فِضَّةً وأَمْضي فأُنفِقُها كُلَّ سَنَةٍ في أُورَشَليم [7].

وكنتُ أُقَدِّمُ العُشورَ الثَّالِثَةَ لِلْمحتاجين المتعهد بهم، ِبحَسَبِ ما أَوصَتني بِه دَبورةُ أُمُّ أَبي، لأِنَّ أَبِي تَرَكَني يَتيمًا بَعدَ مَوته [8].

ولَمَّا صِرتُ رَجُلاً، تزوجت حَنَة مِنْ نَسْلِ قَرابَتِنا، وأنجبتُ مِنها طوبِيَّا [9].

بعد أن تحدَّث طوبيت عن سبطه أراد أن يؤكد أنه مع إقامته وسكناه في أرض المملكة الشمالية كان قلبه مرتبطًا بمدينة الله منذ حداثته. وكان هدفه واضحًا وهو السلوك في الربّ. لقد أبرز الجوانب التالية من جهة أفكاره وسلوكه:

أولاً: لم يُشارِك الأسباط العشرة بما فيهم إخوته وأقربائه من سبط نفتالي في التمرُّد على الله. مع تغرُّبه عن المملكة الجنوبية بقي أمينًا في حياته كعضوٍ في شعب الله وملتزم بالناموس الإلهي. هكذا يليق بنا ونحن بعد في الجسد أن نسلك على الأرض، لكن قلوبنا منطلقة نحو السماويات. نُرَدِّد مع الرسول بولس: "وأقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع" (أف 2: 6). "نتغيَّر إلى تلك الصورة عينها من مجدٍ إلى مجدٍ كما من الرب الروح" (2 كو 3: 18).

* نحن الذين في هذا العالم "متغرِّبون عن الرب" نسلك على الأرض. هذا حق، لكننا نسرع في طريقنا إلى السماء. إذ ليس لنا هنا موضع دائم، بل نحن عابرو سبيل ورحالة مثل سائر آبائنا[3].

القديس جيروم

ثانيًا: اهتم بعطائه وتقدماته بروح الحكمة المقدسة، مسترشدًا بالشريعة[4]. يقوم بتوزيع عشوره على ثلاث فِرق:

الفرقة الأولى هي جماعة الكهنة (تث 12: 4-7؛ 18: 1-5) الذين يخدمون المذبح ويُقَدِّمون الصلوات عن كل العالم، خاصة عن شعب الله.

الفرقة الثانية هي جماعة اللاويين ويقومون بجانب خدمة الهيكل بتعليم الشعب والاهتمام باحتياجاتهم الروحية والمادية والجسدية والثقافية. فالتعليم جزء لا يتجزَّأ من رسالة الكنيسة.

أما الفرقة الثالثة فهم المحتاجون الذين يتعهَّدهم شخصيًا. فجدّته من أبيه دَبورة التي قامت بتربيته لأن أباه مات وهو صغير السن، علَّمته أن العطاء في بيت الرب لا يعفيه من الاهتمام بالفقراء والمحتاجين، خاصة الأيتام والأرامل. كان يحتفظ بنصيبٍ من عشوره في البيت للفقراء الذين يلجأون إليه.

* كان أيوب غنيًا، لكنه لم يقضِ حياته في ترفٍ بلا حنوٍ (على الآخرين). كان بيته مفتوحًا لكل محتاجٍ بإرادته المملوءة حبًا. لم يُعَامِل أحدًا بظلمٍ، بل ساعد الذين كانوا يعانون من الظلم؛ كان يقدم الاحتياجات اللازمة للأرامل والأيتام. فإن هذه هي أعمال البرّ للغني البار[5].

العلامة أوريجينوس

* عملان للرحمة يجعلان الإنسان حُرًا: اغفر يُغفَر لك، أَعطِ فتنال.

* ماذا يشحذ منك الفقير؟ خبزًا. ماذا تشحذ من الله؟ المسيح القائل: "أنا هو الخبز الحيّ النازل من السماء".

* إن أردت أن تطير صلواتك مرتفعة إلى الله، هب لها جناحين: الصوم والصدقة[6].

القديس أغسطينوس

حنة، معناها "نعمة أو حنان" [9].

جدته دبورة، تحدَّث عنها في عبارة واحدة، لكن أثر تربيتها المقدسة له في الرب شغل السفر كله.

بعد هزيمة إسرائيل بواسطة أشور، أُخِذَ طوبيت وعائلته إلى السبي. تم سبي إسرائيل على عدة مراحل وسبي شعب السامرة كعاصمة سنة 722 ق.م. أما قلب طوبيت فلم يقدر أحد أن يسبيه. وقد سجَّل لنا اعترافًا يُخجِلنا: "أَنا طوبيتَ كنت أسلكُ في سُبُلَ الحَقِّ والبِرِّ جَميعَ أَيَّام حياتي" [3]

اتَّسم طوبيت بالسخاء في العطاء، فكان يُقَدِّم البكور والعشور للكهنة واللاويين الذين يخدمون في الهيكل، ويعطي المحتاجين سواء في أورشليم أو في المملكة الشمالية (إسرائيل) وأيضًا المحتاجين من الأمم. مع محبته الشديدة للهيكل وخدامه لا ينسى المحتاجين من اليهود والأمم. خدمة طوبيت كانت رمزًا لخدمة السيد المسيح الذي جاء أولاً لإسرائيل حتى لا يحسبه اليهود أنه مقاوم للناموس ولشعبه، كما بسط يديه على الصليب ليحتضن العالم كله. يقول الرسول: "أم الله لليهود فقط أليس للأمم أيضًا بلى للأمم أيضًا" (رو 3: 29).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider

3. طوبيت في السبي [10- 14]

وعندما سُبيت إِلى نينوى، كانَ جَميعُ إِخوَتي وبني جنسي يأكُلونَ مِن طَعام الأمَم (الوثنيين) [10]. أَمَّا أَنا فكُنتُ أَصونُ نَفْسي مِن أَكْلِ طَعامِ الأُمَم [11]. وكُنتُ أَذكُرُ اللهَ بِكُلِّ قَلْبي [12].

أعطاني العَلِيُّ نعمةً لدى شَلْمَناسَر، فكُنتُ أَشتري لَه كُلَّ ما يَحْتاجُ إِلَيه [13]، فأَذهَبُ إِلى ميديا، فأَودَعتُ لدى غابيلوس (جَبَعْئيل)، أَخ جَابْرياس في راجيسَ عَشرَة وزنات مِنَ الفِضَّةِ [14].

راجيس: تعني "تمزيق repute"، وذلك بسبب كثرة الزلازل. كان بها المقر الرسمي للملوك الـ Parthian في الربيع. يذكر التاريخ أن سلوكس نيكانور هو الذي بَنَى راجيس سنة 300 ق.م. فكيف تُذَكر هنا؟ السبب أن راجيس كانت ضاحية صغيرة لمدينة أحمتا. وجاء نيكانور وجعل منها مدينة كبيرة، أو هو جدَّدها بعد أن هُدِمَت. وفي بعض النسخ كُتِبَت أحمتا بدل راجيس.

* أُعطِي لنا خادم الله القديس طوبيت بعد استلام الشريعة كمثالٍ كي نتعرَّف كيف نُمارِس الأمور التي نقرأها (في الشريعة)، حتى متى حلَّت تجارب لا نتخلَّى عن مخافة الله، ولا نطلب عونًا من مصدر آخر غيره، واضعين في ذهننا ما هو مكتوب: "كنتُ فتى والآن شخت، ولم أرَ صديقًا تُخلّي عنه ولا ذرية له تلتمس خبزًا" (مز 36: 25). بهذا فإن من يضع رجاءه في الله بكل فكره لن يمكن أن يُخدَع[7].

القديس أغسطينوس

كانت نينوى [10] عاصمة أشور، على الشاطئ الشرقي من نهر التيجر، بشمال العراق.

مملكة مادي أو ميديا [14] شرق أشور وشمال فارس، وكانت تتبع أشور في ذلك الحين. جنوب بحر كاسيبان Casipan، حاليًا جزء من إيران.

يذكر هنا السفر قداسة طوبيت وبرّه حتى بعد سبيه. فالقداسة لا تظهر فقط داخل أسوار الكنيسة بل وفي السلوك الروحي خارج الكنيسة.

قد يتساءل البعض: لماذا لم ينقذ الله طوبيت البار من السقوط في الأسر الأشوري؟ يُجِيب القديس كبريانوس بأنه مهما بلغت تقوى طوبيت، فإن السبي حلّ على كل إسرائيل دون تمييز بين إنسانٍ تقي بار وإنسانٍ شرير. مادمنا في هذا العالم يشارك المؤمنون غير المؤمنين متاعب المجاعات والسبي والتعرُّض للأمراض، حتى ينطلق الكل من العالم، فيُكَافأ الأبرار على صبرهم وشكرهم لله وسط الآلام، بينما يُدَان الأشرار على تذمُّرهم. فالضيقات والآلام والمتاعب تسكب بهاءً على الأبرار، وتعلن شرّ الأشرار وتفضحهم.

* إلى أن هذا الفاسد يلبس عدم الفساد، وهذا المائت عدم الموت، فمشاكل الجسد عامة علينا نحن البشر. لذلك عندما تكون الأرض عقيمة في إنتاج المحصول، تحلّ المجاعة على البشر بلا تمييز بينهم، هكذا فإن غزو العدو على أية مدينة يجعلها موحشة بالنسبة للكل[8].

القديس كبريانوس

* وإن كانت الآلام متشابهة، لكن ليس المتألمون متشابهين. فإن الفضيلة والرذيلة ليسا بنفس الشيء. وكما أن النار التي تجعل الذهب يبرق ببهاءٍ هي نفسها تحرق القش. هكذا الريح يُحَطِّم القش الصغير بينما يفيد الحنطة ويُنَقِّيها... وهكذا أيضًا نفس عنف الكرب يكشف عن الصالح ويُطَهِّره ويُنَقِّيه، بينما يلعن الشرير ويُحَطِّمه ويبيده.

في ذات الحزن يمقت الشرير الله ويجدف عليه، أما الصالح فيصلي ويُسَبِّح الله[9].

القديس أغسطينوس

* كان طوبيت إنسانًا نزيهًا رحومًا وسخيًا في العطاء، مزودًا بفضائلٍ مثمرة. تَحمَّل مشقات السبي بتواضعٍ وصبرٍ، وكان حزينًا على الظلم السائد على الآخرين أكثر من الظلم الحالّ به. لم يكن يشتكي أن ممارسته للفضائل لم تكن لنفعه الخاص به، إنما كانت سبب هياج ضده أكثر مما قد يُعانِيه من خطاياه[10].

 القديس أمبروسيوس

 

ما هي العشر وزنات من الفضة [14]؟

تشير الفضة إلى كلمة الربّ، إذ يقول المرتل: "كلام الربّ نقي كفضةٍ مصفاةٍ في بوطةٍ في الأرض ممحوصة سبع مرات" (مز 12: 6). لقد أودع طوبيت عشرة وزنات من الفضة لغابيلوس الذي لا نعرف عنه أو عن أسرته شيئًا سوى أنه اتَّسم بالأمانة والحب، فسلَّم الوزنات لابن طوبيت خلال الرسول والمتخفي، وبفرحٍ انطلق إلى طوبيا كي يعلن فرحه به ويشاركه أيام عُرْسِه.

يرى البعض أن غابيلوس يشير إلى جماعة الأمم التي تسلَّمت العشرة وصايا أو الناموس كوديعةٍ من اليهود. لقد طلب الملك بطليموس في القرن الثالث ق.م. ترجمة العهد القديم إلى اليونانية. وكان ذلك بسماح إلهي حتى متى تم الخلاص بالصليب يمكن للرسول الكرازة للأمم الذين بين أيديهم العهد القديم باللغة اليونانية، فيتعرَّفون على المُخَلِّص من النبوات والرموز. لم يجد الرسول بولس صعوبة في التبشير بالمُخَلِّص المسيح مشيرًا إلى ما ورد في العهد القديم قبل مجيء الربّ متجسدًا، وكانت محفوظة في مكتبة الإسكندرية.

هذه الوديعة التي تسلَّمها بطليموس وأَودعها بمدرسة الإسكندرية فتحت الباب لأصحاب الثقافة اليونانية على قبول البشارة بالسيد المسيح.

St-Takla.org Image: The good deeds of Tobit (2 scenes): "Tobias daily went among all his kindred, and comforted them, and distributed to every one as he was able, out of his goods: He fed the hungry, and gave clothes to the naked, and was careful to bury the dead, and they that were slain" (Tobit 1: 19-20), by Meemskerck - from "The Bible and its Story" book, authored by Charles Horne, 1909. صورة في موقع الأنبا تكلا: أعمال طوبيا الأب الصالحة: طوبيت (مشهدان): "وكان طوبيا يطوف كل يوم على جميع عشيرته ويعزيهم، ويؤاسي كل واحد من أمواله على قدر وسعه. فيطعم الجياع، ويكسو العراة، ويدفن الموتى والقتلى بغيرة شديدة" (طوبيا 1: 19-20) - رسم الفنان ميمسكيرك - من كتاب "الإنجيل وقصته"، إصدار تشارلز هورن، 1909 م.

St-Takla.org Image: The good deeds of Tobit (2 scenes): "Tobias daily went among all his kindred, and comforted them, and distributed to every one as he was able, out of his goods: He fed the hungry, and gave clothes to the naked, and was careful to bury the dead, and they that were slain" (Tobit 1: 19-20), by Meemskerck - from "The Bible and its Story" book, authored by Charles Horne, 1909.

صورة في موقع الأنبا تكلا: أعمال طوبيا الأب الصالحة: طوبيت (مشهدان): "وكان طوبيا يطوف كل يوم على جميع عشيرته ويعزيهم، ويؤاسي كل واحد من أمواله على قدر وسعه. فيطعم الجياع، ويكسو العراة، ويدفن الموتى والقتلى بغيرة شديدة" (طوبيا 1: 19-20) - رسم الفنان ميمسكيرك - من كتاب "الإنجيل وقصته"، إصدار تشارلز هورن، 1909 م.

St-Takla.org                     Divider

4. سنحاريب يطلب قتل طوبيت [15- 20]

ولَمَّا ماتَ شَلْمَنآسَر مَلَكَ سَنْحاريبُ ابنُه بعده فأُغلِقَت طُرُقُ ميدِيا، ولم أَعُدْ أَستَطيعُ الذَّهابَ إلَيها [15].

في أَيَّامِ شَلْمَنآسَر، تَصَدَّقتُ كَثيرًا على إخوَتي بَني قَومي [16]. فكُنتُ أُقَدِّمُ خُبْزي لِلجِياعِ وملابسي لِلْعُراة، وإِذا رَأَيتُ أَحَدًا مِنِ بَني أُمَّتي قد ماتَ ومطروحًا خلف أَسْوارِ نينوى، كُنتُ أَدفِنُه [17]. وإِذا قَتَلَ سَنْحاريبُ وهو هارِب من اليَهودِيَّة أحدًا[11]، كنُتُ أَدفِنُه. لَقَد قَتَلَ في غَضَبِه كَثيرين مِن بَني إِسْرائيل. فكُنتُ أَسرِقُ جُثَثَهم وأدفِنُها. وكانَ سَنْحاريبُ يطلبها فلا يَجِدُها [18].

ومضى أحَد سُكَّانِ نينَوى وأَخبَرَ المَلِكَ بشأني بِأَنِّي أدفِنُها، فاختبأت. ولَمَّا علمت أَنَّ المَلِكَ علِم بِأَمْري وأَنَّه يَسْعى لِقَتْلي، خفت وهَرَبتُ [19]. فاستولى على كُلِّ ما هو لي ولم يُترَكْ لي شيءٌ، عَدا حَنَّةَ اَمْرأَتي وطوبِيَّا ابني [20].

لم يستطع أن يذهب إلى ميديا، إذ أُغلِقَت طُرُقُ ميدِيا ربما بسبب الحروب.

اتَّسم طوبيت بفضائلٍ كثيرةٍ. كان الملك ورجاله في حالة ثورة ضده لا على خطأ ارتكبه، وإنما على ما يمارسه من إحسانات، أي اهتمامه بالفقراء والمحتاجين والمتألمين ودفن جثث القتلى.

اهتمام طوبيت بدفن الموتى [17] هو نوع من الإحسان والحنو، صادر عن الإيمان بعقيدة القيامة العامة. لازال كثير من البلاد لا تتجاسر أن تهدم القبور مهما كان حالها وقِدَمها. أما ترك جثث الموتى المؤمنين بلا دفن فسببه أن بعض الوثنيين كانوا يعتقدون أن النفس لا تستريح حتى يُدفَن جسدها، فبعدم دفن جثث المؤمنين يريدون السخرية بهم حتى بعد قتلهم.

يدعونا ابن سيراخ أن نبذل كل الجهد لنكسب صداقة إن أمكن مع كل إنسانٍ، خاصة في لحظات انتقاله. يقول ابن سيراخ: لتظهر حنو العطاء في حضور جميع الأحياء، حتى للموتى لا تمنع عنهم اللطف (سي 7: 33). ماذا يعني باللطف مع الميت؟ الاهتمام بدفنه في التراب بكرامةٍ لائقةٍ كما كان طوبيا يفعل (طو 2: 10)، والاهتمام بعائلاتهم إن كان عليهم ديون، والتصدق على من كان يعطف الميت عليهم.

وردت قصة سنحاريب وقتل ابناه له في (2 مل 18، 19). وغالبًا كان اضطهاد سنحاريب لليهود بعد أن قتل الملاك 185000 رجلاً من جيشه، وعودته إلى بلاده في خزي.

 

كيف شهد طوبيت للربّ؟

أ. الاهتمام بالعمل الإيجابي بروح الرجاء: لم ينشغل بما حلَّ به من ضيقات، إذ فقد ممتلكاته وحريته وحُرِم من الذهاب إلى مدينة أورشليم والهيكل، إنما انشغل بالمسبيين معه. يطوف بينهم، ويعطيهم من طعامه، ويُقَدِّم لهم الملابس، ومتى وجد إنسانًا مقتولاً يدفن جثته سرًّا بغيرةٍ مُتَّقدةٍ.

ب. اهتم بتقديم البكور والعشور للاويين والدخلاء والغرباء. وكان يسند إخوته ماديًا خاصة في أرض السبي. طلب منه قريبه غابيلوس (جبعئيل) أن يقرضه عشرة وزنات فضة، وهو مبلغ كبير جدًا، فلم يمتنع (طو 1: 14).

ج. لم يسجد لعجول الذهب (طو 1: 5)، ولا تنجَّس بأطعمة الأمم الدنسة (تث 14: 3-21) مثل أصدقائه وبني جنسه الذين بَرَّروا ذلك بأنهم مسبيون في أرضٍ غريبةٍ وفقدوا حريتهم (طو 1: 11).

د. كان يجول في السبي يحث إخوته ليعيشوا بأمانةٍ وإخلاصٍ.

St-Takla.org                     Divider

5. طوبيت والملك آسرحدون [21- 22]

ولم تمضِ خمسونَ يَومًا إلا وقَتَلهَ ابناه وهَرَبا إلى جبالِ أَراراط، فمَلَكَ آسَرحَدُّونُ ابنُه مَكانَه. وعيَّن أحيور (أخيكار) اَبنَ أَخي حنئيل على جَميعِ حِساباتِ مَملَكَتِه، وكانَ لَه سُلْطانٌ على تدبير جَميعِ الشُّؤُونِ الإِدارِيَّة [21]. فتَوَسَّطَ لي أَحيور فعُدتُ إِلى نينَوى. وكان أَحيور ابنَ أَخي رَئيسَ السُّقاةِ وأَمينَ السِّرِّ ورَئيسَ الشُّؤُونِ الإدارِّيَةِ والحِساباتِ، وجعله الرجل الثاني بعده [22].

جاء الملك آسرحدون بدلًا من سنحاريب، ولم يحمل عداوة لليهود، فأعاد لطوبيت ماله وعاد طوبيت إلى بيته.

أحيور: عُرِف بأنه إنسان حكيم في أشور، حُفِظَت كثير من أقواله بالسريانية. في بدء القرن العشرين تم اكتشاف وثيقة بردية في مصر بالآرامية، تحتوي على سيرة مختصرة لشخص يُدعَى أحيور مع العديد من أمثاله[12].

St-Takla.org                     Divider

من وحي طوبيت 1

لاحقته التجارب فسكبت بهاءك عليه!

* كثيرون إذ يسقطون في تجربة تحوط بهم الظلمة. أما طوبيت فكلما هاجمته التجارب ازداد بهاءً!

أصر عدو الخير أن يحطم بهاءه.

في مملكة إسرائيل كان ينطلق بمفرده إلى بيت الربّ.

وفي السبي كرَّس حياته للعطاء ودفن القتلى،

وفي إصابته بالعمي عيّرته زوجته.

وفي إرساله طوبيا يستلم وديعة فضة عند غابيلوس بميديا.

إذ قابل كل تجربة بالإيمان بضابط الكل. لم تحطمه التجارب، بل انفتحت أمامه أبواب الخدمة.

لقد تحدى كل الظروف القاسية، ولم يستطع التهديد بقتله أن يُسبط همته في الخدمة.

صمم الملك سنحاريب على قتله، فهرب، ولم يعبر خمسون يومًا فإذا بابني الملك يقتلان أبيهما!

هب لي يا ربّ أن أخدمك حتى النفس الأخير!

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[1] Paedagogus 1: 4.

[2] Paed. 2:9.

[3] Hom 63 on Ps.

[4] Irene Nowell: New Collegeville Bible Commentary, Jonah, Tobit, Judith.

[5] Fragments, 222, on Luke 16: 19.

[6] Robert Llewelyn: The Joy of the Saints, Spiritual Readings throughout the Year, Springfield, Illinois, 1989, p. 37.

[7] Questiones Veteris et Novi Testamenti, De Tobia, 35: 2363.

[8] St. Cyprian of Carthage, De Mortalitate.

[9] City of God 1: 8.

[10] St. Ambrose, de Tobia PL 14: 759, B.

[11] أراد سنحاريب أن ينتقم لجيشه، إذ قتل ملاك 185000 جنديًا من جيشه في ليلةٍ واحدة (إش 37: 36).

[12] Irene Nowell: New Collegeville Bible Commentary, Jonah, Tobit, Judith.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات طوبيا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/17-Sefr-Tobit/Tafseer-Sefr-Tobia__01-Chapter-01.html

تقصير الرابط:
tak.la/chc922s