محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
طوبيا: |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - (16 - 17)
[1- 2] |
||||
[3- 4 أ] |
||||
[4 ب-5] |
||||
[6- 7] |
||||
[8- 11 أ] |
||||
[11 ب- 15] |
||||
|
قدَّم طوبيت لابنه طوبيا وصيتين وداعيتين (طو 4، 14):
الأولى: عندما صارت حنة امرأته تُعيِّره، لأنه فقد بصره، وحسبت هذا دليلاً على أن عبادته وصدقته ودفنه للقتلى لم تصدر عن قلب نقي بل خلال المظاهر الخارجية. لقد قَدَّم تسبحة وصلاة واشتهى الموت.
اعتاد طوبيت أن ما يطلبه من الله يعطيه له. أما الله فلم يسمح بموته السريع حتى يختبر أن كل الآلام التي من الخارج والداخل تتحوَّل إلى بركات له ولزوجته ولابنه ولأقربائه وبني سبطه.
ظن أن الله سيسمح بخروج نفسه من الجسد فورًا، فقدَّم لابنه الوصية الوداعية الأولى.
الثانية: بعد أن شاخ وردّ له الله أكثر مما كان يتوقَّع، فقد شفى عينيه، وتحوَّل بيته إلى فرحٍ عجيبٍ، وتزوج ابنه طوبيا سارة بعد أن خلَّصها رئيس الملائكة رافائيل من الشيطان الذي كان يميت كل من يتقدَّم للزواج منها، ووهب الله طوبيت أن يُرافِق رئيس الملائكة ابنه، ويقوم بحراسته، ويسنده حتى عاد متهللاً. قَدَّم طوبيت الوصية الثانية لابنه وهو في أيامه الأخيرة، وربما كان على فراش الموت.
تكشف الوصيتان عن تقوى طوبيت وحرصه على خلاص نفسه وخلاص الكثيرين. غير أن الله لم يكشف لطوبيت قبل نطقه بالوصية الأولى ما كشفه له قبلما نطق في الوصية الثانية.
1. في هذا الأصحاح جاءت الوصايا ملتحمة بالنبوات والشكر الدائم. في أيامه الأخيرة أو في يومه الأخير قَدَّم تشكرات لله [2]. ليبرز لابنه ولكل من يقرأ السفر أن حياة الشكر لم تُفارِقه حتى النفس الأخير. حقًا لم يُحَرِّره الربّ من السبي، لكنه وهبه عربون السماء حتى في خروجه من العالم.
2. أبرز حرصه على خلاص أحفاده [3]. كما اهتم بتقديم وصايا لابنه خاصة عندما ظن أنه سيموت، وأيضًا عند انطلاق ابنه في رحلته مع رئيس الملائكة، هكذا طلب من ابنه أن يعتني هو أيضًا بأبنائه [3].
3. نبوته عن نينوى: أكد طوبيت لابنه أن نبوات الأنبياء الخاصة بدمار نينوى ستتحقَّق، لذا سأله أن بعد موته وموت أمه، ينطلق مع سارة زوجته وأولاده السبعة ويرحل إلى ميديا عند حماه وحماته فستكون أكثر أمانًا من نينوى.
4. نبوته عن أورشليم: ربما يتساءل البعض لماذا لم يطلب من ابنه وعائلته أن يحاولوا الرحيل إلى أورشليم أو مدينة من مدن يهوذا عندما تسمح الظروف بذلك، كي يتمتَّعوا بمدينة الله وهيكل الربّ.
غالبًا ما كشف الله لطوبيت أن شعب يهوذا سيعصى الله، وستسقط مدينة أورشليم تحت السبي البابلي، وستُدمَّر المدينة وهيكل الربّ. وكأن نبوة طوبيت عن مدينة أورشليم وهيكل الربّ ليست خبرًا يكشف عن عظمة طوبيت وإدراكه لنبوات التي ستتحقق في المستقبل، وإنما غايتها ألا يحزن طوبيا وعائلته أنه سيرحل إلى ميديا شرق نينوى وليس إلى أورشليم في الغرب منها.
أولاً: منذ ميلاده حتى أُقتيد إلى السبي بنينوى، في أرض إسرائيل كان سخيًا في عطائه للمحتاجين، يمارس عبادته في الأعياد في مدينة أورشليم. ويُقَدِّم عشوره وباكورات محاصيله وحيواناته للهيكل كما للفقراء.
ثانيًا: في السبي الأشوري طلب سنحاريب أن يقتله، لأنه كان يدفن جثث القتلى، فهرب.
ثالثًا: عاد بعد موت سنحاريب، وفقد بصره وهو ابن ثمانية وخمسين عامًا.
رابعًا: استعاد بصره بعد ثمان سنوات، أي حُرِم من كثير من ممارسة أعمال المحبة، خاصة دفن الموتى بسبب فقدان بصره.
لقد حُرِم من العمل بسخاء، فلم يقدر أن ينفق على بيته وعلى المحتاجين. غير أنه في كل ظروفه هذه حتى لحظات انتقاله لم يكف عن الشكر لله والتسبيح. هذا وقد وهبه الله نمو في البصيرة الداخلية كما كشف عن بعض الأحداث القادمة كي يتعزَّى ويُعَزِّي ابنه وأحفاده وكل من يقرأ ما سجَّله.
فرغ طوبيت من الشكر [1] كان ابن ثمانية وخمسين سنة عندما فقد بصره، وبعد ثمان سنوات استعاد بصره. قدم طوبيت صدقات واستمر في مخافة الرب الإله، وقَدَّم تشكُّرات له [2].
وشاخ جدًا ودعا ابنه وأبناء ابنه الستة، وقال: "يا ابني اعتني ببنيك. انظر لقد شخت، وها أنا راحل من هذه الحياة [3]. ارحل إلى ميديا يا ابني، فإنني أثق في كل كلمات يونان النبي التي قالها بخصوص نينوى أنها ستخرب. لكن في ميديا يوجد سلام أكثر إلى حين. فإن إخوتنا على الأرض سوف يتشتتون في الأرض الطيبة [4].
كان من عادة الآباء عند نياحتهم أن يجمعوا حولهم أبناءهم ليباركوهم ويوصوهم ويحذروهم، ولا شك أن الإنسان عند انتقاله يكون أصدق ما يكون بحيث لا يقدر على إخفاء الأسرار، فيضع أمام أولاده ومحبيه كل عصارة خبرته، وقد فعل إسحق ذلك مع ابنه يعقوب وكذلك فعل يعقوب الأمر نفسه مع بنيه الاثني عشر "وَلَمَّا فَرَغَ يَعْقُوبُ مِنْ تَوْصِيَةِ بَنِيهِ ضَمَّ رِجْلَيْهِ إلَى السَّرِيرِ وَأسْلَمَ الرُّوحَ وَانْضَمَّ إلَى قَوْمِهِ" (تك 49: 33).
ونحن نقرأ في سير الآباء، أنه عند نياحة أحدهم، كان يجتمع حوله بقية الآباء يسألونه لينتفعوا، ويتمتعوا بما قد يكشفه لهم من أسرار، وبظهور بعض القديسين له.
طوبيت هنا ينصح عائلته بالاتجاه إلى ميديا شرقًا، حيث من المؤكد أن دمار نينوى قد أوشك، بحسب نبوة ناحوم النبي، التي تعتبر أكثر النبوات صراحة ووضوحًا، فيما يتعلَّق بخراب نينوى وتحولها إلى ركام، وظهور انتقام الله لليهود الذين ذاقوا فيها الذل والاضطهاد.
* في الماضي في أيام يونان تاب أهل نينوى وطلبوا المغفرة، لكن بعد ذلك إذ أَصرّوا على خطاياهم جلبوا حكم الله عليهم[1].
أما عن بلاد مادي في ذلك الوقت، فقد صارت قوة عظيمة في الفترة من 674 إلى 653 ق.م. حتى انتهت أشور كإمبراطورية، كانت بلاد مادي ما تزال آمنة قوية وغنية.
ما يزال طوبيت الشيخ مهتمًا بأولاده، لا يكف عن توصيتهم، حتى وهو على فراش الموت، ففي هذه الجلسة الوداعية Deathbed Council يوصى نسله، بذات الوصايا التي عاش فيها، وسبق أن أعطاها لطوبيا ابنه، واليوم يعود فيرددها أمام الأحفاد، ثم يرجوهم بأن يدفنوه هو وزوجته حنة معًا في قبرٍ واحدٍ، كعادة الآباء في الاهتمام بعظامهم وضمها جنبًا إلى جنب مع عظام الآباء والأجداد.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
أورشليم ستكون خرابًا. وسيحُرق بيت الله الذي بها، ويكون خرابًا إلى حين [4 ب].
لكن الله يعود ويرحمهم، ويُردّهم إلى أرضهم، فيبنون البيت، ولكن ليس كما كان سابقًا، حتى تتم الأزمنة. بعد ذلك يعودون من السبي ويبنون أورشليم بكرامةٍ. بيت الله يُبنَى فيها كمبنى مجيدٍ لكل جيلٍ فجيلٍ، كما قال النبي عنها (حج 1: 1-15) [5].
تم هذا السبي الذي يقصده طوبيا، وهو السبي الثاني ويُسمَّى سبي يهوذا، حيث تنبأ عنه أيضًا إشعياء النبي: "فَسَأَلْتُ: إِلَى مَتَى أَيُّهَا السَّيِّدُ؟ فَقَالَ: إِلَى أَنْ تَصِيرَ الْمُدُنُ خَرِبَةً بِلاَ سَاكِنٍ، وَالْبُيُوتُ بِلاَ إِنْسَانٍ، وَتَخْرَبَ الأَرْضُ وَتُقْفِرَ. وَيُبْعِدَ الرَّبُّ الإِنْسَانَ وَيَكْثُرُ الْخَرَابُ فِي وَسَطِ الأَرْضِ". 6: 11-12)، وميخا النبي: "لاَ تُخْبِرُوا فِي جَتَّ لاَ تَبْكُوا فِي عَكَّاءَ. تَمَرَّغِي فِي التُّرَابِ فِي بَيْتِ عَفْرَةَ". (مي 4: 10). وكذلك إرميا النبي حيث صرح بأنه سيكون سبعين عامًا "اَلْكَلاَمُ الَّذِي صَارَ إِلَى إِرْمِيَا عَنْ كُلِّ شَعْبِ يَهُوذَا فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِيَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا" (هِيَ السَّنَةُ الأُولَى لِنَبُوخَذْنَصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ). وَتَصِيرُ كُلُّ هَذِهِ الأَرْضِ خَرَابً وَدَهَشً وَتَخْدِمُ هَذِهِ الشُّعُوبُ مَلِكَ بَابِلَ سَبْعِينَ سَنَةً. وَيَكُونُ عِنْدَ تَمَامِ السَّبْعِينَ سَنَةً أَنِّي أُعَاقِبُ مَلِكَ بَابِلَ وَتِلْكَ الأُمَّةَ يَقُولُ الرَّبُّ، وقد تم سبي يهوذا على يد نبوخذنصر على أربعة مراحل، في سنة 605 ق.م.، وسنة 597 ق.م.، وسنة 587 ق.م.، وسنة 582 ق.م. كَانَ يَهُوآحَازُ ابْنَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ وَمَلَكَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ فِي أُورُشَلِيمَ وَعَزَلَهُ مَلِكُ مِصْرَ فِي أُورُشَلِيمَ وَغَرَّمَ الأَرْضَ بِمِئَةِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَبِوَزْنَةٍ مِنَ الذَّهَبِ. وَمَلَّكَ مَلِكُ مِصْرَ أَلِيَاقِيمَ أَخَاهُ عَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ وَغَيَّرَ اسْمَهُ إِلَى يَهُويَاقِيمَ. وَأَمَّا يَهُوآحَازُ أَخُوهُ فَأَخَذَهُ نَخُو وَأَتَى بِهِ إِلَى مِصْرَ. كَانَ يَهُويَاقِيمُ ابْنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ وَمَلَكَ إِحْدَى عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلَهِهِ. عَلَيْهِ صَعِدَ نَبُوخَذْنَصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ وَقَيَّدَهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ لِيَذْهَبَ بِهِ إِلَى بَابِلَ وَأَتَى نَبُوخَذْنَصَّرُ بِبَعْضِ آنِيَةِ بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى بَابِلَ وَجَعَلَهَا فِي هَيْكَلِهِ فِي بَابِلَ (2 أي 36: 2-7). وكان من بين المسبيين دانيال والثلاثة الفتية ووجهاء البلاد، واستمر هذا السبي حتى أصدر كورش الملك الفارسي قرارًا بعودة اليهود من السبي وبناء أورشليم والهيكل، حيث ردّ لهم جميع ما سُلِب من الهيكل، وقد عاد اليهود سنة 538 ق.م. وشرعوا في إعادة البناء وإعمار البلاد، حيث تم بناء الهيكل في سنة 515 ق.م.
وَكَثِيرُونَ مِنَ الْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ وَرُؤُوسِ الآبَاءِ الشُّيُوخِ الَّذِينَ رَأَوُا الْبَيْتَ الأَوَّلَ بَكُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ عِنْدَ تَأْسِيسِ هَذَا الْبَيْتِ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ. وَكَثِيرُونَ كَانُوا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالْهُتَافِ بِفَرَحٍ. وَلَمْ يَكُنِ الشَّعْبُ يُمَيِّزُ هُتَافَ الْفَرَحِ مِنْ صَوْتِ بُكَاءِ الشَّعْبِ، لأَنَّ الشَّعْبَ كَانَ يَهْتِفُ هُتَافً عَظِيمً حَتَّى أَنَّ الصَّوْتَ سُمِعَ مِنْ بُعْدٍ (عز 3: 12-13).
وقد عاين طوبيا تحقيق نبوة أبيه، ودمرت نينوى بتحالف نبوبلاسر مع كيكساريس ملك ميديا، حيث ساعدهما في ذلك فيضان نهر دجلة، وقد قام ملك ميديا بأسر عدد كبير من سكان نينوى إلى ميديا، ومن ثم صارت مملكة مادي قوية إذ اشتملت على فارس وتوابعها.
وعاش طوبيا وسارة وأولادهما وأحفادهما في سلام وهم ينتظرون خلاص الرب والعودة إلى أورشليم.
وترجع كل الأمم ويخافون الرب الإله الحق ويدفنون أصنامهم في الأرض، وستبارك كل الأمم الرب [6].
فيشكر شعبه الله ويحمدونه، فيرفع الرب شعبه، ويبتهج كل الذين يحبّون الرب الإله بالحق والبرّ. هؤلاء يُظهرون رحمة لإخوتهم [7].
لهذا يا بني ارحل من نينوى حيث ما قاله النبي يونان سيتحقَّق دون شكٍ [8]. واحفظ الشريعة والفرائض. كن رحومًا وبارًا فيكون لك الخير [9]. اهتم بدفني، وادفن أمك معي، لكن لا تُقِمْ في نينوى. لاحظ يا ابني ما فعله هامان مع أحيور الذي ربَّاه. كيف قاده من النور إلى الظلمة، وكيف جازاه بشدة. بالحقيقة أُنقِذ أحيور أما ذاك الرجل فقد جوزي ونزل إلى الظلمة. منسى قَدَّم صدقة وخلص من مصيدة الموت التي نُصبت له [10]. الآن إذن انظروا يا أبنائي ما تفعله الصدقة وكيف يخلصنا البرّ.
أَخيكار: كلمة عمونية معناها (أخي النور). هو ابن أخي طوبيا الشيخ، وقد عمل كوزير ومستشار لكل من الملك سنحاريب ثم الملك أسرحدون، إذ لم يكن له ابن فقد تَبَنَّى ابن أخيه واسمه ناداب (كلمة عبرية معناها كريم) ولما كان أخيكار حكيمًا وأديبًا وفيلسوفًا ، فقد لقَّن ناداب الحكمة وأَعدَّه إعدادًا جيدًا ليخلفه في الوظيفة، فلما اشترك معه في وظيفته، انقلب عليه وتنكَّر لحكمته ونصائحه، فوشى به لدى الملك الذي عذَّبه ثم ألقاه في السجن، ولكن السجان والذي هو ضمن تلاميذ أخيكار أسدى إليه معروفًا بأن خبأه، ولما تغيرت الأحوال، رد إلى وظيفته، فوجه إلى ناداب سلسلة من عبارات اللوم والتوبيخ ثم ألقاه في السجن حيث بقى فيه حتى مات.
وقد صار الأمر معروفًا بين اليهود هناك، لا سيما وأن أخيكار يهودي من عائلة طوبيا، ومن هنا فإن طوبيا الشيخ يضع القصة هنا أمام عائلته كعبرة، باعتبار أن أخيكار كان خيرًا مع ناداب مقابل شر الأخير.
وقد شارك أخيكار وناداب ابن أخيه في عُرْسِ طوبيا الابن بعد عودته من راجيس "وقَدِمَ أَخيكارُ ونادابُ اَبْنا عَمِّه يُشارِكانِ طوبيت في الفَرَح. (طو 11: 18) أخيكار الذي كان يسكن في ألمايس (عيلام) قد لازم طوبيت لمدة سنتين متكفلًا بنفقاته وذلك عقب إصابته بالعمى، قبل أن يرجع إلى عمله ومكان سكناه (طو 2: 10).
وكما أعطى طوبيت لابنه وصايا لكي يحيا بها (طو 4: 1 إلخ.)، فهو لم يَنْس أن يعطي لأبناء ابنه، أيْ أحفاده، وصايا أيضًا كي تسندهم في أيام غربتهم على الأرض. فأول وصية ينبههم إليها هي الطاعة والخضوع في الرب (أف 1:6) ولأبيهم (طو 10:14)، وهو ما أوصى به سليمان كل شاب أيضًا قائلًا له: "اسمع لأبيك الذي ولدك ولا تحتقر أمك إذا شاخت" (ام 22:23).
وقد يتبادر إلى الذهن لماذا أطيع وأخضع لوالديّ؟!
يقول بولس الرسول: "أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حق. أكرم أباك وأمك التي هي أول وصية بوعدٍ. لكي يكون لكم خير وتكونوا طوال الأعمار على الأرض" (تث 16،5، أف 6: 1-3).
وكان الناموس يعاقب من لا يسمع لأبيه أو أمه ويكون معاندًا لهما ولا يقبل التأديب بأن يمسكانه ويأتيان به إلى شيوخ المدينة ويقولان لهم: "ابننا هذا معاند لا يسمع لقولنا وهو مسرف وسكير"، فبالتالي يحكمون عليه بالرجم ويرجمونه حتى الموت لكي ينزع الشر من بني إسرائيل، ولكي يكون سبب تأدب وعبرة لغيره من إسرائيل (تث 21: 18-21). لهذا يقول سليمان الحكيم: "العين المستهزئة بأبيها والمحتقرة إطاعة أمها تقورها غربان الوادي وتأكلها فراخ النسر" (أم 17:30). وهذا ما أَكَّده القديس بولس الرسول حينما قال عن بعض الخطايا ومن بينها عدم الطاعة للوالدين: "إن الذين يعملون مثل هذه يستوجبون الموت... لأن غضب الله مُعلَن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم" (رو 1: 30-32).
يقول ابن سيراخ: "من أكرم أباه يكفر خطاياه. ومن يمجد أمه يكون كمدخر الكنوز. من أكرم أباه يسرّ بأولاده، وحين يصلي يُستجَاب له. من يُعَظِّم أباه تطول حياته، ومن يُطيع الربّ يُرِيح أمّه" (سي 3: 3-6).
لم يكتفِ طوبيت أن يوصى أحفاده لكنه يمتد بوصيته إلى أبنائهم أيضًا. فطوبيت الذي ذاق ثمر الصدقة في حياته. وأكد له الملاك على أهميتها يشدد على أبنائه لكي يمارسوها في حياتهم ويعلموا بنيهم ممارستها أيضًا. ولا ينسى أن يركز على علاقتهم المباشرة مع الله من خلال حياة التسبيح والشكر في كل حين وبكل طاقتهم. فهنا ينبههم إلى الوصية القائلة: "فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك" (تث 6: 5، مت 22: 38). وهذه الوصية هي التي عاش بها يوشيا الملك حيث قيل عنه: "ولم يكن قَبْلَهُ ملك مثله قد رجع إلى الرب بكل قلبه وكل نفسه وكل قوته حسب كل الشريعة وبعده لم يقم - أيْ إلى وقت كتابة سفر الملوك الثاني - مثله - أي مثل يوشيا الملك" (2 مل 25:23).
بعد أن قال هذه الأمور رحلت نفسه وهو راقد على السرير. كان عمره مئة وخمسة وثمانين سنة. وقام طوبيا بدفنه بكرامةٍ [11].
وعندما ماتت حنة دفنها مع أبيه. عندئذ رحل طوبيا ومعه زوجته وأولاده إلى احمتا (اكباتانا) عند حماه رعوئيل [12].
شاخ بوقار ودفن حموية بكرامةٍ وورث ممتلكاتهما مع ممتلكات طوبيت أبيه [13].
مات طوبيا في أحمتا بميديا عندما بلغ مئة وسبعة وعشرين عامًا [14]. لكن قبل أن يموت سمع عن دمار نينوى بواسطة نبوخذنصر وأحشويرش. هكذا فرح بسبب ما حدث لنينوى (كتحقيق لنبوة أبيه طوبيت) قبل موته [15].
نجد أن طوبيا أطاع كلام أبيه من حيث دفن والدته بجانبه (طو 14:14)" مثل الآباء الأولين وارتحل عن نينوى ذاهبًا إلى حموية وعاش معهما حتى تنيّحا بشيخوخة صالحة، وكان يهتم بهما ودفنهما جنبًا إلى جنب وأخذ كل ميراثهما. ولأنه نَفَّذَ وصية أكرم أباك وأمك نجده يأخذ وعدها - أي بركتها - من جهة طول أيام حياته على الأرض وهو له كل خير.
طلب طوبيت من ابنه أن يتطلَّع إلى عمل الله القادم لخلاص الأمم [6]. تنبَّأ عن عودة إسرائيل من السبي وإعادة بناء الهيكل، لكنه لا يكون مثل الهيكل الأول من جهة عظمة المبنى. هذه النبوة تنطبق على هيكل العهد الجديد الذي ليس مثل هيكل سليمان القاصر على اليهود، إنما يضم جميع الأمم التي على الأرض التي تتقي الله بالحق [6-7]، وتترك عبادة الأوثان.
طلب منه ومن نسله أن يحفظوا الوصية الإلهية، خاصة الصدقة.
هب لي يا ربّ البصيرة الروحية
* شاخ طوبيت ورأى ابنه ومعه أحفاده الستة.
ضعف جسد طوبيت، فاستنارت بصيرته.
طلب من ابنه أن يرحل مع أحفاده لا إلى أورشليم بل إلى ميديا.
أنقذ طوبيت ابنه وأحفاده من الخراب الذي كان سيحل بنينوى.
ما أروع أن نشعر أن إلهنا بحكمته يُدَبِّر حتى اللحظات الأخيرة من حياتنا.
لك المجد يا من ترعانا حتى النفس الأخير!
_____
[1] Commentary on Jorah, prologue.
← تفاسير أصحاحات طوبيا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14
الفهرس |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير طوبيت 13 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/3jt3xhp