أمثلة
يذكرونني بأولئك الذين عاشوا في أيام إيليا النبي والملك آخاب. ينتسبون إلى الله، ويعبدون أيضًا البعل! لذلك وبخهم إيليا النبي قائلًا: حتى متى تعرجون بين الفرقتين؟ إن كان الرب هو الله فاتبعوه. وإن كان هو البعل فاتبعوه" (1مل21:18).
هو نفس أسلوب اليهود في برية سيناء:
كانوا تحت القيادة الروحية لموسى النبي، وفي نفس الوقت كانوا يشتهون الخيرات المادية تحت عبودية فرعون...
كان السحاب يظللهم نهارًا، وعمود النور ينير لهم ليلًا، ومع ذلك لم يكن قلبهم ملكًا لله
كانوا يأكلون المن المقدس، الخبز النازل من السماء ومع ذلك يشتهون الثوم والكرات والبطيخ الذي في مصر.
كانوا يعرجون بين الفرقتين: لا كسبوا مصر ولا كسبوا الله، لا أحبوا المن، ولا أكلوا الكرات... لا عاشوا مع فرعون، ولا أطاعوا موسى. لا عاشوا في أرض العبودية، ولا دخلوا أرض كنعان. وعلى رأى المثل "عين في الجنة، وعين في النار"...
هذه هي حالة كثير من الناس. قال عنهم المسيح "لا يستطيع أحد أن يعبد سيدين" (مت24:6) ومع ذلك فإن كثيرين، لسان حالهم يقول:
"ليتني أستطيع أن أجمع بين محبة الله، ومحبة العالم، إذن لكنت أسعد دنيا وآخرة"... وهذا أمر مستحيل!!
ومن أمثلة هذا الأمر أيضًا حنانيا وسفيرة:
أرادا أن يجمعا بين محبة المال، والاندماج في حياة الشركة الجديدة، التي فيها كان القديسون يبيعون كل أموالهم ويضعونها تحت أقدام الرسل. فقدما المال واحتجزا في السر جزءًا. وماذا كانت النتيجة أنهما فقدا كل شيء، حتى حياتهما (أع1:5-10).
من أمثلة هذا الأمر أيضًا بلعام بن فغور:
أراد أن يرضي بالاق بإهلاك الشعب، وفي نفس الوقت يرضي الله ويبارك الشعب. أخذ مظهرية البر، وترك قلبه لعمل الشيطان... بلسانه قال كلامًا جميلًا جدًا. قال "ولو أعطاني بالاق ملء بيته فضة وذهبًا لا أقدر أن أتجاوز قول الرب إلهي صغيرًا أو كبيرًا... الكلام الذي يضعه الله في فمي، به أتكلم... كيف ألعن من لم يلعنه الله، كيف أشتم من لم يشتمه الرب...؟! كل ما يتكلم به الرب، فإياه أفعل" (عد23،22).
كلام جميل ظاهره تسليم للرب وطاعة. أما القلب فكان يشتهي المال. وكان يشتهي مخالفة لا تمسك عليه...
ولكنه في نفس الوقت، وفي السر ينصح بالاق النصيحة التي بها يهلك الشعب، ويكون ظاهرًا أن الشعب قد هلك بسبب خطيئته، ليس بسبب بلعام... (عد1:25-3).
وهكذا هلك بلعام. وتحدث سفر الرؤيا عن ضلالة بلعام (رؤ14:2).
إنه يمثل الذين يحتفظون بالشكلية الدينية، والقلب محب للعالم. يريد أن يتمتع بالخطية دون أن يأخذ مظهر الخطية من الخارج.
هكذا فعل الشاب الغني أيضًا، أتى إلى السيد المسيح باحثًا عن الحياة الأبدية، ومع محبة الأبدية كانت في قلبه محبة المال، لذلك مضى حزينًا (مت16:19-22).
إنسان يعرج بين الفرقتين: من جهة علاقته بالله، كان قد حفظ جميع الوصايا منذ حداثته، ولكنه مع ذلك كان يحب المال. وكان ينقصه هذا الشيء الواحد أن يبيع أمواله ويعطيها للفقراء. كل أمنية كانت أن يصل إلى الأبدية، ويتبع المسيح، وفي نفس الوقت يحتفظ بماله معه... ولم يستطع.
سمعان الفريسي، كان هو أيضًا يعرج بين الفرقتين...! (لو36:7-47).
دعا المسيح إلى بيته، وآخذ المظهر الخارجي في أنه محب للمعلم الكبير، أمام الناس هو صديق للمسيح، يتكئ معه. ومن الداخل كان يشك في المسيح، ويمتحن تصرفاته ولما رأى المرأة تسكب على قدميه الطيب، وتمسحهما بشعر رأسها، قال في قلبه "لو كان هذا نبيًا، لعرف من هذه المرأة وما حالها: إنها لخاطئة"!
من أمثلة هؤلاء أيضًا، الكتبة والفريسيون المراءون... (متى23).
من حيث الظاهر كانوا يحفظون الوصايا بكل تدقيق. يصومون يومين في الأسبوع، يُعَشِّرُون النعناع والشبث والكمون، وقد تركوا أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان...
كانوا قبورًا مبيضة من الخارج، وفي الداخل عظام نتنة... دخلوا في شكليات العشور والسبوت، وتركوا الروح والجوهر...
من أمثلة المعرجين بين الفرقتين، أولئك الذين قال عنهم الكتاب:
هذا الشعب يكرمني بشفتيه. أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا (مر6:7).
كان هذا الشعب يقدم الذبائح والمحرقات، ويرفع البخور في الهيكل، ويحتفل بالمواسم والأعياد، بالمحافل وأوائل الشهور والسبوت، وأيضًا بالصوم والصلاة والاعتكاف. ومع كل ذلك كان القلب بعيدًا عن الله (أش11:1-18).
كانت المظهرية الطقسية مستوفاه، والحياة الروحية منعدمة...
لذلك وجه الرب إليهم توبيخًا شديدًا على فم إشعياء النبي قال لهم فيه: "لماذا لي كثرة ذبائحكم يقول الرب. أتخمت من محرقات كباش وشحم مسمنات، وبدم عجول وخرفان وتيوس ما اسر. حينما تأتون لتظهروا أمامي، من طلب هذا من أيديكم، أن تدوسوا دوري".
"لا تعودوا تأتون بتقدمة باطلة. البخور هو مكرهة لي" (يقصد البخور غير المصحوب بنقاوة القلب وتوبة عن الشرور).
وقال لهم الرب أيضًا في تعريجهم بين الفرقتين (أش1).
"لست أطيق الإثم والاعتكاف. رؤوس شهوركم وأعيادكم أبغضتها نفسي، مللت حملها، صارت على ثقلًا.
حين تبسطون أيديكم، استر وجهي عنكم. وإن أكثرتم الصلاة، لا أسمع أيديكم ملآنة دمًا (أش15:1).
إلى هذه الدرجة يا رب؟ نعم، إلى هذه الدرجة. كيف ترتفع الأيدي بالصلاة، وهي ملآنة دمًا؟! كيف تجمع بين الصلاة وقسوة القلب وعدم المحبة؟! كيف تجمع بين العبادة والخطية؟! إنها مظهرية وتعرج بين الفرقتين، وشكليات في شكليات...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
آخرون يعرجون بين الفرقتين، عن طريق الحلول الوسطى.
وربما يبدو أن هذه الطريق الوسطى هي البعد عن الطرفين: اليميني واليساري. وقد تكون هذه الطريق هي الانحلال وعدم التدقيق. ظاهرها عدم التطرف وباطنها عدم القدرة على الجهاد
* كان شمشون أيضًا يعرج بين الفرقتين. يحتفظ بشعره طويلًا كنذير للرب، وفي نفس الوقت يصادق دليلة.
يقضي بعض الوقت في غزة، والبعض في أورشليم! بعض الوقت يخلص شعب الله، وحينًا آخر مع الزانيات! (قض13-16).
ولم يستطع شمشون أن يستمر طويلًا في هذا الوضع المزدوج. وسرعان ما فقد نذره، وفقد شعره، وفقد بصره. بل فقد حريته وكرامته وقوته... (قض16:16-22).
* كذلك شاول الملك، كان يريد أن يجمع بين بركة صموئيل النبي، ومخالفته لصموئيل. فرفضه الرب، وفارقه الروح.
* ومن الذين عرجوا بين الفرقتين ملاك كنيسة ساردس، إذ قال له الرب: "إن لك اسمًا أنك حي، وأنت ميت"!! (رؤ1:3).
كان يجمع بين الحياة الظاهرة والموت الخفي، كان ملاكًا لكنيسة، له صورة التقوى ولكن أعماله لم تكن كاملة أمام الله...
من أمثلة هؤلاء أيضًا اليهود. مظهر من حياتهم أنهم شعب الله، ومظهر آخر أنهم قتلة الأنبياء (مت37:23).
هم أبناء إبراهيم، ولكنهم لا يعملون أعمال إبراهيم (يو39:8). النسب في ناحية، والسيرة في ناحية أخرى. يجمعون بين الافتخار بالله، وعصيان الله. والنبي يوبخهم حتى متى تعرجون بين الفرقتين؟
هم يفتخرون بأنهم "تلاميذ موسى". وبينما يكون موسى مع الله على الجبل يطلبون من هرون أن يصنع لهم عجلًا ذهبيًا، ويسجدون للعجل ويعبدونه!! (خر1:32-7).
ومن أمثلة التعريج بين الفرقتين كلمة أبينا اسحق لابنه يعقوب:
الصوت صوت يعقوب، ولكن اليدين يدا عيسو (تك22:27).
إنسان يجمع بين شخصيتين: شخصية يعقوب وشخصية عيسو.
أمر كما وقع فيه يعقوب أب الآباء، وقع فيه بطرس الرسول. أنكر الرب. وقال للرب "أنت تعلم كل شيء، أنت تعلم أني أحبك" (مت69:26-74) (يو15:21-17).
نفس الموقف وقع فيه بطرس، عندما وبخه بولس الرسول.
كان يعرج بين الحق وإرضاء اليهود. أمام اليهود بسلوك، ومن ورائهم بسلوك آخر. فقال عنه بولس إنه كان ملومًا، وأنه سلك مسلكًا ريائيًا. ووبخه قائلًا: "إن كنت وأنت يهودي تسلك كالأمم، فلماذا تطلب من الأمم أن يتهودوا؟!"... كان يعرج بين الفرقتين، كما ورد في (غل11:2-14).
من ضِمن الناس الذين حاولوا أن يجمعوا بين الطريقين وفشلوا، امرأة لوط. وأحيانًا لوط البار نفسه...!
امرأة لوط خرجت من سادوم، المدينة الخاطئة المحترقة بالنار. وضعت يدها عل يد الملاك، وتركت كل شيء، وخرجت. هذا من الظاهر. وبينما كان جسدها خارج سادوم، كانت بكل قلبها داخل سادوم. لذلك نظرت إلى الوراء إلى المدينة. بهذا فقدت كل شيء وتحولت إلى عمود ملح! (تك26:19).
ما أصعب أن يمسك الملاك بيدك، ويمسك قلبك بسادوم! تكون قدماك خارج المدينة، وعيناك متجهتان إليها... (تك23:19، 30).
لوط أيضًا كان على درجة أقل: يجمع بين محبة الله، وبين السكنى في سادوم الخاطئة، لأنها أرض معشبة غنية. وبهذا فقد الكل، وخرج بحياته وبنتيه فقط.
ما أصعب أن يجمع الإنسان بين محبة الله ومحبة الأرض المعشبة في سادوم، في صحبة الناس الأشرار! لذلك قال عنه بطرس الرسول في رسالته الثانية "وأنقذ لوطًا البار، مغلوبًا من سيرة الأردياء في الدعارة. إذ كان البار بالنظر والسمع -وهو ساكِن بينهم- يعذب يومًا فيومًا نفسه البارة بالأفعال الأثيمة" (2بط7:2، 8).
كثيرون ليس قلبهم خالصًا نح الله: جزء منه لله، وجزء للعالم. من هؤلاء الذين يقولون "ساعة لقلبك، وساعة لربك".
يتبقى أن يكون لك الحظ الروحي الواضح غير المتذبذب. إنك لا تستطيع أن تجمع في بيت واحد سارة وهاجر، ولا تستطيع أن تستشير في نفس الوقت صموئيل والعرافة. لا تستطيع أن تجمع بين النذر ودليلة، وبين يد الملاك ورؤية سادوم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/two-opinions.html
تقصير الرابط:
tak.la/8vdpz6s