هكذا قال الرب في سفر الرؤيا "أنا هو الألف والياء، الأول والآخر"، "البداية والنهاية" (رؤ1: 11، 8، 17) "أنا الألف والياء والبداية والنهاية، الأول والآخر" (رؤ22: 13). وهكذا قال أيضًا في سفر إشعياء النبي "أنا الأول والآخر، ولا إله غيري" (أش44: 6) (أش48: 6). وفسر ذلك بقوله "قلبي لم يصور إله، وبعدي لا يكون" (أش43: 11).
حقًا إنه الأول. هو العلة في وجود كل الكائنات، لأنه الخالق الذي أوجد الكل. ولا يوجد قبله أي كائن آخر، لأن "الكل به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو1: 3).
كل مخلوق يوجد قبله الخالق الذي خلقه. لذلك لا يمكن لأحد أو لشيء من المخلوقات إن يدعي أنه الأول. فالخالق هو الأول... الأزلي.
كل هذا من ناحية اللاهوت، في الحديث عن لاهوت الله وأنه خالق لكل، الذي في الأزل وحده، قبل أن يوجد أي شيء وأي شخص.
ولكني أريد هنا ان أطرق هذا الموضوع من الناحية الروحية...
وكيف يكون الله هو الأول في حياتنا.
كيف تكون لله الأولوية، من جهة الوقت، والأهمية. فهكذا طلب الله. وواضح هذا الأمر في كل وصاياه... وسنضرب أمثلة عديدة لإثبات أن الله هو الأول، ويجب أن يكون هكذا... وإن كل خطية ترتكبها، سببها أننا لم نضع الله أولًا في كل تصرفاتنا.
في الوصايا العشر، الله هو الأول.
الوصايا الخاصة بالله هي الأولى. هي الأربع وصايا الأولى التي كتبت في اللوح الأول. وهي الخاصة بعبادة الله، وعدم النطق باسمه باطلًا، وبتقديس يوم الرب (خر20) (تث5).
أما الوصايا الست الباقية، التي كتبت في اللوح الثاني، فهي الخاصة بالعلاقات البشرية: وتبدأ بإكرام الوالدين، ثم لا تقتل، لا تزن، ولا تسرق، لا تشهد بالزور، لا تشته ما لقريبك.
كذلك في الصلاة الربية، الله أولًا.
الطلبات الأولى كلها لله: ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك... ثم بعد ذلك نطلب من أجل أنفسنا... (مت6: 9-13) (لو11).
ونفس الأمر بالنسبة إلى المحبة: محبة الله أولًا.
الوصية الأولى العظمى "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك، هذه هي الوصية الأولى والعظمى. والثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك" (مت32: 37-39). وقال الرب في تفصيل ذلك: "مَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي..." (مت10: 37)... بل حتى الحياة نفسها، لا تحبها أكثر من الله، لأنه هو الأول. لذلك قال الرب "من وجد حياته يضيعها. ومن أضاع حياته من أجلي يجدها" (مت10: 39).
وفي الطاعة قال الكتاب "ينبغي ان يُطاع الله أكثر من الناس" (أع5: 29).
فالله أولًا. كل أمر من أي إنسان كان، يخالف وصايا الله، ينبغي عدم طاعته. والله يطاع حتى أكثر من العواطف البشرية الطبيعية الإنسانية. لذلك لما أمر الله أبانا إبراهيم أن يقدم ابنه وحيده الذي اسحق، محرقة... لم يتردد إطلاقًا. بل ذهب لينفذ الأمر الله أولًا. أما عواطفه وابنه، فهي في المكان الأخير بالنسبة إلى الله...
هناك أمثلة أخرى من قديسي الكتاب، تضع الله أولًا:
موسى: كان أميرًا أبن ابنه فرعون، يعيش في القصر الملكي. ولكن قيل عنه إنه "أَبَى أن يُدْعَى ابنه فرعون، مفضلًا بالأحرى أن يذل مع شعب الله... حاسبًا عار المسيح غِنَى أعظم من خزائن مصر" (عب11: 24، 25). لقد وضع الله أولًا. والقصر والمال والعظمة أخيرًا، بل كلا شيء
المعمدان: كان يرفض كل مديح يوجه إليه. موجهًا الانتباه كله إلى المسيح، قائلًا عبارته الخالدة "ينبغي أن ذاك يزيد، وأني أنا أنقض" (يو3: 30). وكان يقول عن المسيح "يأتي بعدي، من كان قبلي. الذي لست مستحقًا أن انحني وأحل سيور حذائه" (مت3: 11) (مت1: 30).
حنة أم صموئيل: هذه التي أعطاها الله ابنًا بعد عقم طويل، وبعد صلاة وبكاء ومذلة. ولكنها فضلت الله على نفسها، وتركته عارية للرب، يخدم الهيكل (1صم1: 27، 28). وهي مثال للاهتمام بالتكريس، سريتها توبخ كل أم تبخل بابنها، وكل زوجة تبخل بزوجها، ليكون مكرسًا للرب.
ومن الأمثلة ليكون الله هو الأول: وصية البكور.
حيث قال الرب منذ القديم "قدس لي كل بكر، كل فاتح رحم... من الناس ومن البهائم. إنه لي" (خر13: 2). وشملت وصية البكور أيضًا كل نتاج الأشجار والحقل. أول ثمر لله. وحاليًا يمكن أن تنطبق الوصية على أول مرتب، وأول عِلَاوة.
والله أولًا في العشور:
الإنسان الروحي لا يجعل نصيب الله في ماله في آخر القائمة، بعد أن يوفي كل مصروفاته. بل يخصم العشور أولًا ويسلمها لله. ثم بعد ذلك يدبر باقي احتياجاته، حتى لو كان مُعْتَازًا. ولقد طوب الرب الأرملة التي دفعت من أعوازها، وقال إنها دفعت أكثر من الكل (مر12: 44). لأنها جعلت أولًا.
ومن أعظم الأمثلة في منح الأولوية لله: الشهداء.
هؤلاء الذين من أجل الله قدموا حياتهم، وتحملوا كل صنوف الآلام والتعذيب، واضعين في ذهنهم أن الإيمان بالله يكون أولًا، قبل الحياة وقبل الراحة.
كذلك الخدام الأمناء الذين تعبوا في الخدمة.
مثال ذلك القديس بولس الرسول الذي قال "خسرت كل الأشياء وأنا احسبها نفاية، لكي أربح المسيح وأوجد فيه" (في3: 8، 9). وهكذا كان في الأتعاب أكثر، في الضربات أوفر، في السجون أكثر، في الميتات مرارًا كثيرة..." (2كو11: 23). المهم أن يكون الرب أولًا، والشهادة لاسمه أولًا. أما نفسه وراحته وسمعته... فلا شيء...
الأولوية لله تعطي أيضًا بالنسبة إلى الوقت.
فنحن نقدم أول الأسبوع (يوم الأحد) لله. هو يوم الرب. وأول ساعة من اليوم هي لله. وأول من نكمله كل يوم يكون هو الله نفسه، الذي يأخذ بكور الوقت أيضًا. هو الذي خاطبه داود النبي في المزمور قائلًا "يا الله إلهي، إليك أبكر. عطشت نفسي إليك" (مز63: 1) "سبقت عيناي وقت السحر، لأتلو في جميع" (مز119)... وهكذا تكون الصلاة قبل كل عمل.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ليتنا نجعل لصلاة أولًا، والكلام مع الله أولًا.
نبدأ الطعام بالصلاة. وننهيه بالصلاة، فالله هو الأول والآخر. نصلي قبل أن نخرج من بيوتنا، ونصلي عندما ندخلها. قبل أن نتكلم مع أي أحد، نصلي أن يعطينا الله كلمة عند افتتاح أفواهنا. وفي الختام نصلي شاكرين الله. نصلي عند لقائنا مع الناس، وعند دخولنا إلى مكان العمل. لأن الله ينبغي أن يكون أولًا. وهكذا نختم به يومنا، بالصلاة قبل النوم. فالله هو الأول وهو الآخر.
في الصوم أيضًا. نجعل الله أولًا:
لا نجعل الأولوية للتفكير في الصحة واحتياجات الجسد، ومن نلتذ به من الطعام ومذاقته. إنما نضع الله أولًا، الذي نلتقي به أثناء الصوم في عمق أكثر. ونضبط أنفسنا، لكي تنضبط أيضًا في علاقتها مع الله.
إن الإنسان البار يضع الله أولًا، والناس ثانيًا، ونفسه أخيرًا.
عكس ذلك أخطأ مَن جعل غير الله أولًا.
لوط: فضل الأرض المعشبة على الله، وعلى صحبه إبراهيم والمذبح. وعاش في بيئة سيئة لا تمجد، في سادوم. وقال عنه الرسول "كان البار بالنظر والسمع -وهو ساكن بينهم- يعذب يومًا فيومًا نفسه البارة بالأفعال الأثيمة" (2بط2: 8). وهكذا خسر كل شيء، وخرج منها بلا شيء بشفاعة أبينا إبراهيم.
الرجل الغني الغبي، وكذلك الغني الذي عاصر لعازر المسكين، وأمثالها.
جعلوا المال أولًا، فخسروا الأبدية... ووبخ الرب ذلك الغني المهتم بمخازنه وأمواله بقوله "هذا الذي أعددته لمن يكون" (لو12: 20). وغني لعازر وبخه أبونا إبراهيم بقوله "استوفيت خيراتك على الأرض" (لو16: 25).
كذلك يونان: الذي جعل كرامته أولًا. ونفاذ كلمته أولًا. ولم يفرح بملكوت الله كيف ينتشر بتوبة نينوى ولو سقطت كلمته (يون4).
كذلك كل مَنْ يخضع لشهواته ورغباته.
ويفضل هذه الشهوات على الله والمتعة معه. كما فعل آدم وحواء بالآكل من الشجرة ومخالفة وصية الله. وكما فعل سليمان باتخاذه نساء غريبات كن السبب في إبعاده عن الله (1مل11). وكذلك في حياته حياة الترف التي قال فيها "ومهما اشتهيته عيناي، لم أمنعه عنهما" (جا2)... فبعدت عنه حكمته ومعرفته لله، إلى أن تاب أخيرًا، وعرف أن الكل باطل وقبض الريح.
كذلك وقع في نفس السقطة من اشتهوا الأولوية لأنفسهم.
التلاميذ، حينما فكروا من فيهم يكون الأول...!! فوبخهم الرب على ذلك. ووبخهم أيضًا قول المرتل في المزمور "ليس لنا يا رب ليس لنا. ولكن لاسمك القدوس أعط مجدًا" (مز115) لا نركز إذن على أنفسنا، وعلى محبة الرئاسة: مَن يدبر، ومَن يرأس؟! أنما نركز على ملكوت الله... هكذا علمنا الرب إنكار الذات في السير وراءه.
فقال "مَنْ أراد أن ينبغي، فلينكر ذاته، ويحمل صليبه، ويتبعني" (مت16: 24).
لا تجعل الله هدفًا لتحقيق رغباتك.
ولا تكن صلاتك لهذا الغرض: رغباتك أولًا، والله هو الوسيلة لتحقيقها!! كلا، فليست هذه هي روحانية الصلاة. إنما كما قال الرب "اطلبوا أولًا ملكوت الله وبره، وكل هذه تُزاد لكم" (مت6: 33).
الذي يجعل الله أولًا، يتطور إلى أن يجعله الكل.
فهو لا يريد سوى الله وحده، كما قال المرتل "ومعك لا أريد شيئًا على الأرض" (مز73: 25) "أما أنا فخير لي الالتصاق بالرب"، "نصيبي هو الرب قالت نفسي".
الله هو الأول، وهو أيضًا الآخر.
الحياة معه هي العمل الذي نبتدي به، وهو الهدف الذي ننتهي إليه.
الله هو بداية حياتنا الروحية، إذ قد آمنا به وولدنا منه المعمودية. وهو النهاية التي ننتهي إليها، حيث نكون معه في الأبدية السعدية (يو14: 3) (رؤ21: 3).
بل في كل يوم من أيام حياتنا، يكون الأول والآخر. نبتدئ به اليوم، حيث يكون أول من نكمله في يومنا. وننهي به يومنا، ويكون آخر من نتحدث إليه فيه.
ليكن اسم الرب مباركًا من الآن وإلى الأبد.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/alpha-omega.html
تقصير الرابط:
tak.la/4yz6vjg