كل إنسان تصله كلمة الله، كلمة الله الخاصة به هو.
"الله كلم الآباء بأنواع وطرق شتى" (عب1:1).
كلم موسى من العليقة (خر3)، في وقت لم يتوقع فيه إطلاقًا أن تصله كلمة الله، وبهذه الصورة... وأحيانًا كان يكلمه من خيمة الاجتماع، أو من على الجبل.
وهكذا كلم شاول الطرسوسي "في وقت غير متوقع (أع9).
ولقد كلم الرب، حتى الخطاة غير المستحقين.
مثلما كلم قايين بعد قتله لهابيل (تك9:4-15)، ومثلما كلم بلعام الذي أضل شعب إسرائيل كله (عد9:22، 12).
وكانت كلمة الله للبعض مباشرة، وللبعض غير مباشرة.
فقد كلم الرب آخاب الملك الشرير عن طريق إيليا النبي (1مل17:21-19). وكلم عالي الكاهن عن طريق صموئيل (1صم10:3-14)، وكلم هيرودس عن طريق المجوس (مت2)... وكلم كثيرين بطريق مباشر.
وكلم الرب أنواعًا من الناس، حتى الأطفال.
كلم صموئيل الطفل، ولما لم يدرك كلمة الرب إليه، كرر الكلام إليه مرتين وثلاثًا. وكذلك كلم أرميا الصبي، وهو لا يعرف أن يتكلم لأنه ولد (أر4:1-19)...
وكانت كلمة الرب متنوعة الأغراض والأهداف.
كلم الله أرميا ليوجه إليه الدعوة للخدمة، وكذلك شاول الطرسوسي، وكلم موسى النبي لينقل الشريعة إلى الناس، وكلم إبراهيم مرة ليجربه، ومرة ليخبره بعزمه على حريق سادوم، ومرات أخرى... وكلم قايين ليوقع عليه عقوبة، وكلم المجوس ليحذرهم من هيرودس...
مهما تعددت الأغراض، هناك كلمة يوصلها الله لكل إنسان، تحمل رسالة الله إليه، فما هي رسالة الله إليك...
الله يجول يصنع خيرًا، يرسل كلماته إلى الناس، يلقي بذاره على الأرض، حتى على الأرض المُحْجِرَة، والأرض المملوءة شوكًا (مت13)... يلقي كلمته، ويترك سامعها لإرادته.
وكثيرون من الذين وصلت إليهم كلمة الله، لم يقبلوها:
الشاب الغني سمع كلمة المسيح إليه، فمضى حزينًا لأنه كان ذا أموال كثيرة (مت22:19). وآخرون سمعوا كلمة الرب فاعتذروا عن تلبيتها، البعض بسبب أنه اشترى خمسة أزواج بقر، والآخر إذ كان قد اشترى حقلًا، والثالث لأنه كان قد تزوج (لو18:12-20).
الله يرسل الكلمة، وهذه الكلمة وصلت للكل، لم يحرم منها أحدًا، حتى يهوذا الخائن وصلته كلمة الله أكثر من مرة...
جميلة هي عبارة "وكانت كلمة الرب إلى إيليا" (1مل1:18)... كانت إليه هو بالذات وليست إلى باقي الناس... كلمة خاصة... كذلك ما أجمل قول الرب لسمعان الفريسي "لي كلمة أقولها لك" (لو40:7).
وكلام الرب قد يوصله بطريقة معجزية، أو بطريقة عادية:
القديس الأنبا أنطونيوس دخل إلى الكنيسة، وسمع الإنجيل، نفس الإنجيل الذي قرئ على جميع الناس... ولكن آية معينة استوقفته، شعر أنها موجهة إليه بالذات.
تلك هي الآية التي تقول "اذهب بع كل مالك وأعطه للفقراء، وتعال اتبعني"... شعر أن هذه الكلمة لها تأثير خاص في نفسه، وأنها مرسلة إليه هو، فذهب إلى الكنيسة، وشعر أن هناك رسالة في انتظاره، وهي قول الكتاب "لا تهتموا بما للغد". كانت رسالة إليه هو بالذات...
هناك أشخاص لهم إذن حساسة لكلمات الله، لهم "الحواس مدربة" (عب5: 14) تستطيع أن تدرك الكلمة المرسلة من الله إليهم.
وهؤلاء لا يأخذون كلمة الله من الكتاب المقدس فقط.
الأنبا أنطونيوس -في بداية رهبنته- تنسك عند شاطئ النهر وهناك رأى امرأة إعرابية، قد جاءت وخلعت ملابسها أمامه، ونزلت عارية إلى النهر. فتعجب القديس، وقال لها "يا امرأة، أما تستحين أن تتعري أمامي، وأنا رجل راهب؟!" فضحكت المرأة وقالت له "لو كنت رابًا، لدخلت إلى البرية الجوانية، لأن هذا المكان لا يصلح لِسُكْنَى الرهبان"...
فتأمل القديس الأنبا أنطونيوس عبارة المرأة جيدًا، وأدرك تمامًا أنها رسالة الله إليه، على فم هذه المرأة. وللحال قام وذهب إلى البرية الداخلية، حسب "كلمة الله"... إليه.
لا تظن أن كلمة الله لا تصل إليك إلا على لسان نبي أو ملاك. فربما تصل على لسان مثل هذه المرأة العارية.
وقد حدث للأنبا أفرام السرياني، مثلما حدث للقديس أنطونيوس:
كان سائرًا في الطريق، والظاهر أنه كان جميل الصورة، فأخذت امرأة تطيل النظر إلى وجهه حتى خجل من نظراتها... فقال لها "لماذا تطلين النظر إلى هكذا، وأنت امرأة؟ فقالت له: ليس عجيبًا ان تنظر المرأة إلى الرجل الذي أخذت منه (خلقت من أحد أضلاعه). أما الرجل فينبغي أن ينظر إلى الأرض التي أخذ منها (من ترابها)"... وشعر الأنبا أفرام السرياني أن هذه الكلمات رسالة من الله إليه على فم هذه المرأة... فنظر إلى الأرض، ومضى منتفعًا...
كثير من القديسين كانت تصلهم كلمة الرب بمثل هذه الوسيلة.
القديس الأنبا مقار الكبير اخذ كلمة الله إليه من فم الصبي زكريا. ولما تمنع الصبي قائلًا للقديس "أنت عمود البرية وسرجها، وتطلب مني كلمة!!" أجاب الأنبا مقار: "أنا واثق بروح الله الذي فيك، إن عندك شيئًا ينقضي سماعه"!! وهكذا فعل الأنبا موسى الأسود أيضًا...
بنفس الوضع تقريبًا كان خروج الأنبا بولا إلى السياحة.
اختلف مع أخيه، وذهب إلى مجلس الحكم ليخاصمه هناك، وفي الطريق رأى جنازًا، وسمع كلامًا. والتقط كلمة الله إليه، فترك الخصومة والجناز والدنيا كلها، وذهب فتوحد...
الذين كانوا يأتون من أقاصي الأرض، ليسمعوا "كلمة منفعة" من فم قديس، ما كانوا يرونها كلمته، بل كلمة الله إليهم...
إنها كلمة الله وضعها على فم هذا القديس لأجل فائدتهم. كلمة أرسلها الله إليهم عن طريق هذا القديس... الله "الناطق في الأنبياء" الذي قال "لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم" (مت 10: 20).
الحواس المُدَرَّبَة، تستطيع أن تلتقط كلمات الله إليها.
بل ربما كلمة توبيخ تسمعها من أناس، تكون مرسلة من الله إليك.
داود النبي، وهو هارب من ابنه أبشالوم، قابله شمعي بن جيرا في الطريق، وشتمه شتائم مرة جارحة. ولما أراد المحيطون به أن ينتقموا من الرجل لنه شتم مسيح الرب، منعهم داود قائلًا "الله قال لهذا الإنسان اشتم داود" (2صم16: 10)... لقد استفاد داود روحيًّا من تلك الشتيمة، كأنها من الله.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ولكن مسكين هو الإنسان، الذي يرسل الله إليه كلمة فلا يستفيد منها. أو يرفضها كأنها ليست من الله...
هيرودس أرسل الله إليه المجوس برسالة، فلم يستفيد منها إطلاقًا. وبيلاطس وصل إليه كلمة الله ذاته، ولم يستفيد. أغريباس الملك، أرسل الله إليه بولس الرسول، بكلمات منه، أثرت فيه فقال لبولس "بقليل تقنعني أن أصير مسيحًا (أع26: 28)... ومع ذلك لم يصر مسيحيًا.
كما أرسلت كلمة الله إلى أغريباس، أرسلت فيلكس الوالي:
وكما تأثر أغريباس، تأثر فيلكس. بل إن الكتاب يقول لنا إنه بينما كان بولس الرسول يتكلم عن البر والدينونة والتعفف ارتعب فيلكس الوالي (أع24: 25). ولكنه لم يعط مجالًا لكلمة الله كي تعمل فيه، تمامًا مثل أغريباس الملك...
ومرثا، وصلتها كلمة الله، تمامًا كما وصلت إلى مريم.
ولكنها تشاغلت عن الكلمة، واهتمت بأمور أخرى كثيرة. وفيما كانت مريم تنتفع بالكلمة، كانت مرثا تضطرب وتتذمر (لو10: 39-41).
الرجل الروحي، ليس فقط يلتقط كلمة الله، وإنما يخبئها في قلبه، يتأملها، ويستفيد منها... لذلك ما أجمل ما قيل عن أمنا السيدة العذراء مريم، إنها:
"كانت تحفظ كل هذه الأمور، متأملة بها في قلبها" (لو2: 51).
إن الكنيسة، من أجل فائدة كلمة الله، تقرأ علينا فصلًا من الإنجيل في كل صلاة من صلوات الأجبية، وفصلًا من الإنجيل في بخور عشية، وبخور باكر، وفي القداس، وفصولًا أخرى من الرسائل ومن أعمال الرسل... ونسمع، وكأن الكلام ليس لنا!! ليست لنا الحواس المدربة التي تلتقط رسالة من الله إلينا في هذا نسمعه!
قديمًا، كان الاهتمام بكلمة الله، أكثر من أيامنا هذه!
انظر ماذا يقول الكتاب عن كلمة الرب في سفر التثنية: "ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك به اليوم على قلبك، وقصها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس في بيتك، وحين تمشي في الطريق، وحين تنام تقوم. واربطها علامة على يديك، ولتكن عصائب بين عينيك. واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك" (تث6: 6-9).
أحيانًا يرسل الله لك كلمته في حادث معين:
في مرض لك أو لغيرك، أو في وفاة أحد معارفك، أو في حادث معين، يرسل لك الله رسالة واضحة أو كلمة خاصة. فلا تجعل كل هذه الأمور تعبر عليك بلا فائدة.
بقليل من الذكاء، أو بقليل من الملاحظة، تفهمها...
ما أكثر الرسائل التي يرسلها لنا الله، واضحة، ومروءة من جميع الناس... في حياتنا اليومية، إنما ينقصها الحواس المدربة...
يعجبني قول الكتاب عن اليهود في يوم الخمسين:
"فلما سمعوا "نخسوا في قلوبهم. وقالوا... ماذا نصنع؟" (أع2: 37).
كلمة الرب منخاس، قوية وفعالة، ومثل سيف ذي حدين... أثرت في زكا رئيس العشارين، فتاب توبة صادقة وحدث خلاص لذلك البيت (لو19: 8، 9)، وأثرت في سجان فيلبي، فاعتمد للوقت هو وكل هل بيته (أع 16: 30-33).
ولكن البعض قد ينخس في قلبه -كأغريباس وفيلكس- ويترك الأمر يعبر. دون أن يقرر قرارًا أو يعمل عملًا!!
لا تترك كلمة الرب تمر عليك، دون أن تأخذ قوتها.
ربما تقرأ الكتاب، وتجد آية معينة قد وقفت أمامك، تلِح عليك... ليس كباقي الآيات ولكنها ذات تأثير خاص، وتحمل رسالة، فلا تتركها تعبر... إن آيات الكتاب مرسلة إلى الملايين، ولكن هذه الآية مُرْسَلَة إليك أنت بالذات...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/gods-word-to-you.html
تقصير الرابط:
tak.la/ztsapz9