St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   dialogue-with-god
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب حوار مع الله، ومقالات منتقاه - البابا شنوده الثالث

18- نظرة تفاؤل

 

نظرة تفَاؤل

هذا التفاؤل يأتي من الإيمان والرجاء: الإيمان بأن الله صانع الخيرات، والرجاء في أنه سوف يعمل عملًا.

إن الطوفان كان وراءه قوس قزح، ووعد الله بأنه لن يفني الأرض مرة أخرى (تك8) وأحداث الصلب كان بعدها أفراح القيامة. كما قال الرب لتلاميذه: "ولكني سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم، ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو22:16)... حزنكم سيتحول إلى فرح.

حقًا، إن الله يمكن أن يحوِّل حزن إلى فرح.

الليل المظلم- مهما بلغ ظلامه- سيأتي بعده الفجر المنير. بل يقول المثل إن الفجر يأتي بعد أشد ساعات الليل ظلمة.

الإنسان الذي يحيا في فرح الرجاء، لا يتعب أبدًا، بل يشعر أن برد الشتاء يعقبه دفء الربيع...

والتاريخ يعطينا أمثلة كثيرة عن هذا الرجاء.

فالإنسان لما أخطأ طُرد من الجنة. ولكن كان معه وعد الله له بالخلاص. فلا نقف عند مرحلة الطرد... إنما بعد ذلك الوعد بالفردوس، ثم بالملكوت السمائي... أي إلى حياة أفضل.

والموت أيضًا مرحلة لا يقف الإنسان عندها، لأنه بعد ذلك سوف تكون القيامة، ثم الأمجاد الأبدية. وفيها الجسد الروحاني، وما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على بال إنسان" (1كو9:2).

إذن نتأمل في النقط البيضاء في كل ما حولنا.

انظروا أيضًا في قصة الخليقة، وكيف بدأت.

"كانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة" (تك2:1). أما الرجاء فيكمن في عبارة "وروح الله يرف على وجه المياه". وبعد ذلك قال الله ليكن نور، فكان نور. ورأى الله النور أنه حسن (تك 1: 3-4).

لو أن الإنسان في قلبه إيمان، سيرى الخير في كل شيء.

St-Takla.org Image: Jesus Christ saying: "Come to Me, all you who labor and are heavy laden, and I will give you rest." (Matthew 11:28) - from "Treasures of the Bible" book, by Henry Davenport Northrop, D.D., 1894. صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يقول: "تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم." (متى 11: 28) - من كتاب "كنوز الإنجيل"، لـ هنري دافينبورت نورثروب، د. د.، 1894 م.

St-Takla.org Image: Jesus Christ saying: "Come to Me, all you who labor and are heavy laden, and I will give you rest." (Matthew 11:28) - from "Treasures of the Bible" book, by Henry Davenport Northrop, D.D., 1894.

صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يقول: "تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم." (متى 11: 28) - من كتاب "كنوز الإنجيل"، لـ هنري دافينبورت نورثروب، د. د.، 1894 م.

سوف لا ينظر إلى الظلمة الحالية، بل إلى النور الذي سيأتي.

أي ليس ما نراه الآن، وإنما ما أعده الله لنا فيما بعد.

وليتنا في هذا المجال، نتأمل في حياة بعض قديسي الله.

نتأمل حياة أيوب الصديق في تجربته، ثم ما آل إليه أمره.

في تجربته كان قد ضاع منه كل شيء: لقد فقد كل بنيه، وبيته وكل أملاكه. وفقد صحته وهيبته أمام أصحابه، وحتى أمام خدمه...! ومع ذلك كان الله يعدّ له خلاصًا، وعوّضه ضعف ما كان له، وكانت آخرته خير من أوله (أي 1:42-17). "وعاش أيوب بعد هذا مائة وأربعين سنة، ورأى بنيه وبني بنيه إلى أربعة أجيال".

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

نفس الوضع نقوله تقريبًا بالنسبة ليوسف الصديق.

ما أكثر المتاعب التي لاحقته في حياته: حسده إخوته، وباعوه كعبد. وعلى الرغم من إخلاصه في بيت فوطيفار، أُتهم في شرفه ظلمًا، وأُلقي به في السجن وبقَى فيه فترة... ولكن الرجاء كان أمامه. ولننظر ما فعله الرب معه...

لقد صار الثاني في المملكة: أبًا لفرعون، وسيدًا على كل أرض مصر (تك 8:45). وأتى إليه إخوته وسجدوا ما بين يديه، ورأى أباه يعقوب وأخاه بنيامين، ونال بركة من أبيه لإبنيه وعاش 110 سنة.

كنت أقول: تذكروا ثلاث عبارات في كل ضيقة تصيبكم:

ربنا موجود - كله للخير - مصيرها تنتهي.

فلا توجد ضيقة تستمر. مهما طال زمنها، لا بُد ستنتهي. إنها تأخذ شكلًا هرميًا، فترتفع حتى تصل إلى قمتها. ثم تنحدر إلى أسفل وتنتهي... مصيرها أن تنتهي، وتنتهي على خير. وحقًا كله للخير، لأن ربنا موجود...

فبالنظرة المتفائلة -أي بالرجاء- تتأكد أن الله سيتدخل.

وحينما يتدخل الله -ولابد أن يتدخل- ستنحل كل الصعاب، وتزول كل المشاكل، وينصلح الأمر.

نحميا النبي: تعب لما سمع الأخبار السيئة، وبكى، وصام وصلى. كانت أسوار أورشليم مهدمة، وأبوابها محروقة بالنار. ولكن الله تدخل وأعطاه نعمة في عيني أرتحشستا ملك الفرس. وسافر نحميا، وبني أسوار أورشليم، وأعاد السلام والبر لأهلها...

فكلما ترى أسوارًا مهدمة، قل في قلبك: لا بُد أن الله سيرسل لنا نحميا جديدًا لكي يبينها، ولا نصير بعد عارًا.

وكما أرسل الرب نحميا ليبني الأسوار المهدمة، كذلك أرسل الفتى داود لينقذ الكل من تعييرات جليات وتهديداته.

كان الشعب خائفًا، والجيش خائفًا، وكذلك شاول الملك. وكانت الحالة تبدو كئيبة جدًا. وكان جليات مخيفًا في ضخامة جسمه، وخطورة سلاحه، ولكن نظرة التفاؤل لم تفارق قلب داود، فقال عبارته المملوءة اطمئنانًا: "لا يسقط قلب أحد بسببه" (1صم32:17)، ووعد بأن يذهب ليحاربه. وفي تقدمه لمقاتلته لم يفارقه الرجاء، بل قال له "في هذا اليوم، يحبسك الرب في يدي" "لأن الحرب للرب، وهو يدفعكم ليدنا" (1 صم 17: 46-47).

إذن كل جليات تقابله في طريق حياتك، لا يسقط قلبك بسبه. بل في رجاء، ثق أن الله سيرسل لك داود بمقلاعه وحصاته، لكي يحاربه بدلًا منك، وينقذك.

حتى إن كنت محصورًا بين البحر الأحمر ومركبات فرعون، تذكر عبارة موسى النبي "الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون" (خر14: 14).

لا تقل "ضِعنا"، ولا تيأس، ولا يفارقك الإيمان بنظرته المتفائلة، وليكن إيمانك قويًا. ثق أن الله قادر أن يشق لك طريقًا في البحر. وستخرج سليمًا. وهكذا كتب "البار بالإيمان يحيا" (عب 38:10).

لعله بهذا الإيمان أخذ إبراهيم إسحق ابنه، لكي يقدمه محرقة للرب "إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات أيضًا" (عب17:11-19).

إن نظرة الخوف والشك، تجلب اليأس- أما نظرة التفاؤل والإيمان تتأكد أن الله سيعمل عملًا، ولو في الساعة الرابعة والعشرين.

ونحن إن لم نثق بيد الله في الأحداث، لا بُد سنتعب...

فلنذكر قول الرب "لا تخف أنا معك" وقول داود للرب راعيه: "إن سرت في وادي ظل الموت، لن أخاف شرًا، لأنك أنت معي" (مز23). وكان الله مع داود، وأنقذه من كل مؤامرات شاول ضده، وأنقذه من حرب أبشالوم، ومن مشورة أخيتوفل، ومن متاعب يوآب بن صرويه...

نفس التشجيع الإلهي لاقاه أرميا الذي كان فتى ومتخوفًا من إرساليته، فقال له الرب "لا ترتع من وجوههم... هأنذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة وعمود حديد وأسوار نحاس على كل الأرض... فيحاربونك ولا يقدرون عليك، لأني أنا معك -يقول الرب- لأنقدك" (أر17:1-19).

هكذا أيضًا حنه زوجة ألقانه، التي كانت عاقرًا، وكانت ضرتها فننه تغيظها حتى أبكتها، بالرجاء أعطاها الله أبنًا هو صموئيل النبي.

وفي هذا الرجاء والنظرة المتفائلة، يقول الرب عن العواقر:

"ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد. أشيدي بالترنم... أوسعي مكان خيمتك، ولتبسط شقق مساكنك... لأنك تمتدين إلى اليمين وإلى اليسار. ويرث نسلك أممًا ويعمر مدنًا خربة. لا تخافي لأنك لا تخزين" (أش1:54-4).

وبنفس كلام التشجيع، يقول عن كل الذين في ضيقة:

"روح السيد الرب عليَّ. لأن الرب مسحني لأبشر المساكين. أرسلني لأعصب منكسري القلوب. لأنادي للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق... لأعزي كل النائحين" (اش 61: 1-2).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

جميلة ومُعزية، هي نظرة التفاؤل، ومشاعر الرجاء في عمل الله.

ليس ما نراه نحن، إنما ما يراه الله لأجلنا.

وليس ما نعمله نحن، إنما ما يعمله الله من أجلنا.

هكذا ينبغي أن نفكر، وأن ننتظر في ثقة، كما يقول داود النبي في المزمور "انتظر الرب. تقوّ وليتشدد قلبك، وانتظر الرب" (مز14:27).

أما أن يخاف الإنسان ويقول قد ضعت!، فهذا ليس من الإيمان، ولا من الرجاء، ولا يفيد القلب شيئًا.

مَن كان يظن أن الطفل موسى المحكوم عليه بالموت قبل أن يولد (حسب الأمر الصادر من فرعون إلى القابلات) موسى هذا يصير نبيًا عظيمًا، وكليم الله، وعلى يديه تتم معجزات كثيرة...!

ومَن كان يظن أن مريم المجدلية التي كان فيها سبعة شياطين (لو2:8) يحوّلها الله إلى تلميذة له، وتكون مبشرة لتلاميذه بالقيامة (مر9:16).

إنه عمل الله في كل هؤلاء، الذي ننتظره بالرجاء...

أو من كان يظن أن شاول الطرسوسي الذي كان يضطهد الكنيسة بإفراط، ويجر رجالًا ونساءً إلى السجن (أع9)، يصير أعظم رسول في المسيحية، وقد تعب أكثر من جميعهم (1كو10:15)، كما أنه اختطف إلى السماء الثالثة وسمع كلمات لا يُنطق بها (2 كو 4:12)...

ولكنه عمل الله الذي يفوق الوصف...

أو من كان يظن أن أريانوس الوالي الذي كان من أعنف وأقسى الولاة أيام دقلديانوس، يعمل الله في قلبه، ويؤمن بالمسيحية ويصير شهيدًا.

وليس هذا فقط بل الدولة الرومانية التي اضطهدت المسيحية بطريقة بشعة وعنيفة، تعود وتصدر مرسوم ميلان سنة 313م بالحرية الدينية، ثم تصير دولة مسيحية... إنه الرجاء الذي يجعل كل إنسان ينظر إلى المستقبل نظرة متفائلة، مؤمنة بعمل الله.

هذا الرجاء أيضًا عرفته الكنيسة في توبة العديد من الخطاة.

خذوا مثلًا توبة القديس أوغسطينوس، والقديس موسى الأسود، والقديسة مريم القبطية، والقديسة بيلاجية، والقديسة سارة... كيف كانت حياة كل هؤلاء ربما تدعو إلى اليأس! ولكن لا يأس أمام عمل الله الذي هو قادر أن يقيم من الحجارة أولادًا لإبراهيم (مت 9:3).

إن عمل الله قادر أن يغير القلوب، وأن يبنيها من جديد، كما سبق ووعد قائلًا "... تطهرون من كل نجاساتكم، ومن كل أصنامكم أطهركم وأعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعل روحًا جديدة في داخلكم، وأجعلكم تسلكون في فرائضي وتحفظون أحكامي" (حز 25:36 - 27).

إنه قادر أن يخرج من الجافي حلاوة، ومن الآكل أكلًا.

وقادر أن يحول الخاطئ إلى قديس.

ونحن نرى عمل الله في حياتنا اليومية، وفي مصر والمهجر، وفي انتشار الكنيسة في كل قارات الأرض.

عمل الله في القديم، يعطينا الثقة والرجاء بعمله في المستقبل.

إن الله الذي عمل في الأمم، وفي الوثنية حتى قضى عليها، والذي كسر شوكة الإلحاد، هو قادر أن يعمل الآن وكل أوان.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/dialogue-with-god/optimistic-outlook.html

تقصير الرابط:
tak.la/yv82c5m