أريد بنعمة الله أن أكلمكم اليوم عن الحركة:
الحركة -في جسم الإنسان- دليل على الحياة.
الدم فيه يتحرك، والنفس فيه يتحرك (شهيق وزفير)، وأجهزة الجسم تتحرك. والقلب ينبض بالحركة...
فإذا مات الإنسان -وكذلك الحيوان- توقفت حركته، ويُقال عنه إنه أصبح جثة هامدة، لا حركة فيها... إنما الحركة فيها نشاط، وفيها حرارة، وحيوية.
كذلك عندما خلق الله الأجرام السماوية، جعل فيها عنصر الحركة:
فالأرض تدور حول نفسها، مرة كل يوم ينتج عنها الليل والنهار. وتدور حول الشمس مرة في العام تنتج عنها الفصول الأربعة.
كذلك الكواكب والنجوم: تتحرك وتدور... ويرصد علماء الفلك تحركاتها. والقمر يرصدون له أوجه خلال الشهر.
والنبات أيضًا يتحرك: تتحرك جذوره داخل الأرض، وتتحرك فروعه خارجها. وفي حركته ينمو، ويمتد جذعه إلى فوق ويعلو. وتحمل فروعه ثمارًا أو أوراقًا أو أزهارًا.
![]() |
الإنسان الذي لا يتحرك كثيرًا يُصاب بالخمول. وإن وقف تحركه تمامًا يصاب بالشلل.
ولهذا يحب الإنسان لجسمه أن يتحرك، ولو عن طريق الرياضة، وربما بالسباحة في الماء أو المشي على الأرض. لكي يتنشط هذا الجسد ويقوى. ويتدرب الإنسان على دوام الحركة.
وما أجمل المثل الذي يقول "في الحركة بركة".
والحياة الروحية: مطلوب فيها الحركة وعدم التوقف.
فالخادم أو الكاهن: المفروض فيه أن يتحرك في كل مجال خدمته. وإن لم يتحرك كما ينبغي، يصير عبئًا على كنيسته...
حتى الراهب أيضًا: إن كان في حياة الوحدة أو الخلوة، فإنه يتحرك نحو الله. وإن كان في الخدمة، فإنه يتحرك نحو الناس...
السيد المسيح نفسه: قيل إنه "كان يطوف المدن كلها والقرى. يعلّم في مجامعها، ويكرز ببشارة الملكوت، ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب" (مت9: 35) (مت4: 23).
وقيل عنه أيضًا إنه كان يجول يصنع خيرًا (أع10: 38).
وقد أمر تلاميذه القديسين أن يتحركوا في نفس المجال.
فقال لهم: اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مر16: 15) وقال لهم أيضًا "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم... وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (مت28: 19-20).
وهكذا فعل التلاميذ "في كل الأرض خرج منطقهم، وإلى أقصى المسكونة بلغت كلماتهم" (مز19: 4). فأوصلوا رسالته إلى الكل...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وهكذا كل خادم: إن كان نشيطًا، يكون في حركة دائمة. وتصبح الخدمة كأنها خلية نحل. ويحسّ الكل كم صارت الحياة والحرارة في الكنيسة: سلسلة من اجتماعات ولقاءات ومؤتمرات. وتدريس ووعظ يقود إلى اعترافات وتناول، وأصوام وصلوات... مع النشاط والافتقاد، والسؤال عن كل أحد. فتمتلئ الكنيسة من محبي الله...
إن الحياة الاجتماعية هي حركة نحو الغير، والحياة الروحية هي حركة نحو الله.
التوبة أيضًا هي حركة داخل القلب لتجديد الحياة، ثم حركة نحو الكنيسة للاعتراف والتناول. وفي ذلك هي حركة للصلح مع الله.
إن الابن الضال، لما تحرك قلبه داخله، لم يقف مكانه بل قال"أقوم الآن وأذهب إلى أبي..." (لو15: 18). وعذراء النشيد قالت للرب راعيها "اجذبني ورائك فنجري" (نش1: 4).
إذن الرب يجذب، وهذا حركة من النعمة، تليها حركة استجابة من القلب البشري، فيتوب، ويحاول أن ينمو روحيًا.
والنمو الروحي، هو لون إيجابي من الحركة.
يقول القديس بولس الرسول"أنسى ما هو وراء، وامتد إلى ما هو قدام" (في3: 13). أي أنسى الدرجات الروحية الكثيرة التي قد وصلت إليها، وامتد إلى درجات أخرى... لا أقف عند حد...
فإن كان أحد فيكم لا ينمو روحيًا، فهذا تعوزه الحركة، لكي يمتد بها إلى قدام...بل أن الرسول يقول أكثر من هذا:
"اركضوا لكي تنالوا" (1كو9: 24). وهذه درجة أعلى.
وفي ذلك قال أحد الأدباء الروحيين "اركض في الطريق. وإن لم تستطع أن تركض، امشِ. وإن لم تمشي، ازحف. ولكن حذار أن تتوقف.
إن التوقف في الحياة الروحية يجلب الفتور. فكن دائم الحركة.
في كل بند من بنود الحياة الروحية، امتد إلى قدام.
في الصلاة، في الصوم، في القراءة الروحية، في التأمل، في التوبة... لا تقف عند حدّ معين حاول أن تصعد إلى فوق. وضع أمامك الشجرة التي في كل حين تنمو، وأيضًا قول المزمور "الصديق كالنخلة يزهو، كالأرز في لبنان يعلو" (مز92: 12).
إذن لا بُد أن تتحرك، على أن تكون حركة في اتجاه سليم.
اعرف أن الشيطان هو أيضًا دائم الحركة.
فلتكن لك أنت حركة مضادة ضد تحرك الشيطان.
تذكر أن الله حينما سأل الشيطان في قصة أيوب الصديق "من أين جئت؟" أجاب الشيطان "من الجولان في الأرض والتمشي فيها" (أي1: 7) وكرر الشيطان نفس العبارة في (أي2: 2).
فما دام الشيطان دائم الحركة، فينبغي أن نتحرك نحن بما يمكن أن يعطل حركة الشيطان عن إدراك غايتها...
وإن لم تقدر أن تتحرك، إلجأ إلى من يحركك...
إلجأ إلى أب اعتراف، أو إلى مرشد روحي، أو إلى أحد الكتب الروحية أو أحد الكاسيتات التي تترك تأثيرًا في نفسك، أو إلى ترتيلة عميقة التأثير تستطيع أن تحرك مشاعرك.
النعمة أيضًا تستطيع أن تحرك، على شرط أن تكون عندك استجابة لعمل الله فيك. ولا تكن مثل أولئك الذين وبخهم الرب بقوله "كم مرة أردت... ولم تريدوا" (مت23: 37).
استجب إذن لعمل نعمة الله فيك. وكلما تحركك، استجب لحركتها، وامتد إلى قدام هنا شركة الروح القدس معك.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
حتى في علاقتك مع الناس، لتكن لك نفس الحركة الروحية.
قد يقابلك إنسان يحتاج إلى معونة روحية. ويحكي لك عن متاعبه. والمفروض أن يتحرك قلبك من نحوه، وأن تعمل من أجله عملًا... وإن لم تفعل ذلك، عليك أن توبخ ذاتك وتتحرك...
نعم، كم من مساكين يطرقون أبوابنا، ونحن لا نتحرك من نحوهم! كم من خطاة يلجأون إلينا، ونحن لا نتحرك من جهتهم! وكل واحد منهم يشكو ويقول "لم أجد من يحسّ بي، ولا من يهتم بحالتي!!"
إذن ينبغي أن نتحرك ونعمل من أجل كل واحد من هؤلاء.
هذا كله من أجل الخادم...
أما من جهة السامع، فينبغي أن يتحرك كذلك بسبب ما يسمعه...
يتحرك من الداخل، ومن الخارج أيضًا.
من الداخل يتأثر to be touched. يتلامس مع الكلام في داخله. ثم يتحرك خارجًا من جهة العمل...
الحياة الروحية يا إخوتي كلها حركة... سواء في هذا العالم أو في العالم الآخر.
حتى الموت: فعلى الرغم من أنه توقفت الحركة بالنسبة إلى الجسد، إلا أن فيه حركة للروح... الروح البشرية بعد الموت تتحرك: إما نحو الفردوس، أو نحو الجحيم حسب حالتها وظروفها...
وقيامة الأموات هي أيضًا حركة.
إذ تتحرك الأرواح من مستقرها، لكي تتحد بالأجساد.
ثم تتحرك الأجساد التي تقف أمام كرسي المسيح، لكي تعطي حسابًا عما سبق أن عملته خيرًا كان أم شرًا (2 كو5: 10).
السيد المسيح كان دائم الحركة في فترة تجسده على الأرض. وحتى بعد أن استقبل الموت، تحركت روحه متحدة باللاهوت فنزلت إلى أقسام الأرض السفلى، وسبى سبيًا (أف4: 8-9). فأخذ الرب أرواح الراقدين على رجاء، وصعد بهم، وفتح لهم باب الفردوس وأدخلهم إلى هناك. وبحركة أخرى عادت روحه إلى جسده واتحدت به، وقام من الأموات، وخرج من القبر المغلق.
وفي اليوم الأخير سوف يتحرك الناس، وتتحرك معهم أسفار مكتوبة فيها كل ما فعلوه بالجسد. وكما قال القديس يوحنا الرائي:
"ورأيت الأموات صغارًا وكبارًا واقفين أمام الله. وانفتحت أسفار، وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة. ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم" (رؤ20: 12).
يا إخوتي، أنا أريدكم أن تتحركوا نحو الخير في حياتكم الخاصة.
وأن تتحركوا نحو نجدة الآخرين وإنقاذهم، في محيط الخدمة.
لأنه سيأتي يوم تتحركون فيه نحو الملكوت. فماذا فعلتم؟
مفروض أن الإنسان يتحرك باستمرار ويقول: يا رب أنا معك.
تتحرك قلوبنا نحو الله بالحب، وبالحرارة الروحية، وبالاشتياق إلى الله وإلى ملكوته...
والكنيسة من المفروض أن تتحرك نحو الكرازة، والتعليم، وبخاصة نحو الذين لم يعرفوا الرب حتى الآن ولم يرتبطوا به.
أحيانًا أنظر إلى الشرق الأقصى: في الصين، واليابان، وأقول أين خريطة الإيمان هناك؟ وما هي حركة الكنيسة نحو هؤلاء؟
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/dialogue-with-god/movement.html
تقصير الرابط:
tak.la/mq8rk44