St-Takla.org  >   books  >   iris-habib-elmasry  >   song-of-songs
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تأملات في سفر نشيد الإنشاد - ترجمة: أ. إيريس حبيب المصري

7- فرحة التواصل اللامنقطع

 

هنا نَجِد انتباهنا مركزًا على العريس، ومنه شخصيًّا نسمع عن العروس بوصفها مِحور محبته وفرح قلبه. وتبدأ بنات أورشليم الحديث، فتسألن في دهشة: "مَنْ هذِهِ الطَّالِعَةُ مِنَ الْبَرِّيَّةِ كَأَعْمِدَةٍ مِنْ دُخَانٍ، مُعَطَّرَةً بِالْمُرِّ وَاللُّبَانِ وَبِكُلِّ أَذِرَّةِ التَّاجِرِ؟" (نش 3: 6)؟ ويجبن بأنفسهن على هذا السؤال: "هُوَذَا تَخْتُ سُلَيْمَانَ حَوْلَهُ سِتُّونَ جَبَّارًا مِنْ جَبَابِرَةِ إِسْرَائِيلَ. كُلُّهُمْ قَابِضُونَ سُيُوفًا وَمُتَعَلِّمُونَ الْحَرْبَ. كُلُّ رَجُل سَيْفُهُ عَلَى فَخْذِهِ مِنْ هَوْلِ اللَّيْلِ. اَلْمَلِكُ سُلَيْمَانُ عَمِلَ لِنَفْسِهِ تَخْتًا مِنْ خَشَبِ لُبْنَانَ. عَمِلَ أَعْمِدَتَهُ فِضَّةً، وَرَوَافِدَهُ ذَهَبًا، وَمَقْعَدَهُ أُرْجُوانًا، وَوَسَطَهُ مَرْصُوفًا مَحَبَّةً مِنْ بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ." (نش 3: 7-10). في هذه الآيات نرى فخامة العريس الملك وأبهته. ومع أن العروس غير مذكورة جَهْرًا، إلا أنها تشترك في هذه العظمة وتستمتع بها. فالهواء مُعَطَر بِالْمُرِّ وَاللُّبَانِ الصاعدين كأعمدة نحو السماء، وكل ما يُحَوط العريس الملك من أمان يحوط عروسه المُصَاحِبَة له والمُشَارِكَة مجده، والتخت الذي يجلسان عليه مصنوع من خشب لبنان المليء بالشذى، يزينه الذهب والفضة والخشب العطري رمز لجمال الحياة المكرسة، بينما يُذَكِّرنا الذهب بالمجد الإلهي، وَتُصَوِّر لنا القصة نقاوة الكنيسة المفدية وغلاوتها. أما الأرجوان الإمبراطوري الذي يُبَطِّن المِقْعَد فيشير إلى الأمميين - بنات صور اللواتي يتلقين الملك بالهدايا. كل هذه الأبهة تشغل بنات أورشليم، أما العروس فلا شاغِل لها غير الملك نفسه، فتهتف: "اُخْرُجْنَ يَا بَنَاتِ صِهْيَوْنَ، وَانْظُرْنَ الْمَلِكَ سُلَيْمَانَ بِالتَّاجِ الَّذِي تَوَّجَتْهُ بِهِ أُمُّهُ فِي يَوْمِ عُرْسِهِ، وَفِي يَوْمِ فَرَحِ قَلْبِهِ." (نش 3: 11). فالملك المُتَوَّج هو كل شيء لها، وهي تريده أن يكون كل شيء لهن أيضًا، وهي تَتَهَلَّل أن تذكر فرح قلبه في يوم عُرْسِهِ. فهي الآن غير منشغلة به لم تناله منه، ولكنها فَرِحَة لفرحه بوصفه يجد فيها بهجته، فهل نحن ننمي تلك الرغبة اللاذاتية التي تجعلنا للسيد المسيح بكليتنا ولا هدف لنا غير مَسَرَّتهُ؟ أنحن على وعي بأننا نذهب إليه لطلباتنا الخاصة أو لطلبات أحبائنا فقط؟ كَمْ من الصلوات تبدأ وتنتهي بنسيان المخلوق إدخال السرور على قلب خالقه؟ ومع ذلك فان قلبه لن يشعر بملء الرضى، إلا حين يرى في محبتنا وفي تكريسنا الخالصتين انعكاسًا لمحبته، فيفيض علينا بعبارات الحنان والحب التي نقرأوها هنا: "هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ! عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ مِنْ تَحْتِ نَقَابِكِ.. كُلُّكِ جَمِيلٌ يَا حَبِيبَتِي لَيْسَ فِيكِ عَيْبَةٌ" "هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ! عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ مِنْ تَحْتِ نَقَابِكِ. شَعْرُكِ كَقَطِيعِ مِعْزٍ رَابِضٍ عَلَى جَبَلِ جِلْعَادَ." (نش 4: 1، 7). ولقد عرفنا المعنى لجمال العروس وهو أنه انعكاس لجمال العريس. فما أحلى أن يصف جمالها بينما هي منشغلة به شخصيًّا، فالشفتان اللتان لا تتكلمان إلا عنه تُشْبِهَان سِلْكَةٍ مِنَ الْقِرْمِزِ (نش 4: 3)؛ والفم الذي لا يتحدث عن الذات أو من أجلها فم حلو في عيني العريس. وما أحلى كلمات تقديره للعروس وتجاوُبه معها، حتى لقد جعل فرحها أعمق من أن تستطيع التعبير عنه فتصمت. ولأنه لا يَجِد فرحه بعيدًا عنها يقول لها: "إِلَى أَنْ يَفِيحَ النَّهَارُ وَتَنْهَزِمَ الظِّلاَلُ، أَذْهَبُ إِلَى جَبَلِ الْمُرِّ وَإِلَى تَلِّ اللُّبَانِ." (نش 4: 6).

St-Takla.org Image: "My sister, my spouse, is a garden enclosed, a garden enclosed, a fountain sealed up" (Songs 4:12) - from: Mirror of Human Salvation manuscript (image 16) (Speculum Humanae Salvationis), (Cologne or Westfalia, c1360) - Universitäts-und Landesbibliothek, Darmstadt, Germany, Hs 2505. صورة في موقع الأنبا تكلا: "أختي العروس جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم" (نشيد الأنشاد 4: 12). - من مخطوط مرآة خلاص البشرية (صورة 16)، صدر في كولونيا أو وستفاليا بألمانيا، 1360 م. تقريبًا - جامعة دارمشتات التقنية، ألمانيا.

St-Takla.org Image: "My sister, my spouse, is a garden enclosed, a garden enclosed, a fountain sealed up" (Songs 4:12) - from: Mirror of Human Salvation manuscript (image 16) (Speculum Humanae Salvationis), (Cologne or Westfalia, c1360) - Universitäts-und Landesbibliothek, Darmstadt, Germany, Hs 2505.

صورة في موقع الأنبا تكلا: "أختي العروس جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم" (نشيد الأنشاد 4: 12). - من مخطوط مرآة خلاص البشرية (صورة 16)، صدر في كولونيا أو وستفاليا بألمانيا، 1360 م. تقريبًا - جامعة دارمشتات التقنية، ألمانيا.

إن الفُرقة لا تأتي مطلقًا من جانبه، فهو مستعد دائمًا للتواصل بقلب مفتوح، وفي هذا التواصل البهيج يزداد جمال العروس ويتقارَب من جمال العريس. إنها تَتَغَيَّر تصاعُدِيًّا إلى شكله من مجد إلى مجد خلال العمل المجيد الذي يعمله الروح القدس، فتصبح على حد قوله: "كُلُّكِ جَمِيلٌ يَا حَبِيبَتِي لَيْسَ فِيكِ عَيْبَةٌ." (نش 4: 7).

لقد أصبحت مُهَيَّأة للخدمة التي يدعوها إليها العريس: "هَلُمِّي مَعِي مِنْ لُبْنَانَ يَا عَرُوسُ، مَعِي مِنْ لُبْنَانَ! انْظُرِي مِنْ رَأْسِ أَمَانَةَ، مِنْ رَأْسِ شَنِيرَ وَحَرْمُونَ، مِنْ خُدُورِ الأُسُودِ، مِنْ جِبَالِ النُّمُورِ." (نش 4: 8). إن مخلصنا يدعونا دومَا "هَلُمُّوا مَعِي". وحين يطلب إلينا لنتبعه وَنُتَلْمِذ جميع الشعوب يُمَهِّد لهذا الطلب بقوله "كُلُّ سُلْطَانٍ دُفِعَ إِلَيَّ" (مت 28: 18)، ويضيف إليه "هَا أَنَا مَعَكُمْ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ" (مت 28: 20). وبدعوته إياها الدعوة المليئة حُبًّا يغير تسميته إياها من "يَا حَبِيبَتِي" إلى "عَرُوسَتِي" - إذًا فما قيمة خُدُورِ الأُسُودِ ونحن بصحبة الأَسَدُ الخارِج مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا (رؤ 5: 5)؟ أو جِبَالِ النُّمُورِ وهو بجانبنا؟ وفي مواجهة المخاطر واحتمال المشقة في خدمته يزداد حنانه: "قَدْ سَبَيْتِ قَلْبِي يَا أُخْتِي الْعَرُوسُ. قَدْ سَبَيْتِ قَلْبِي بِإِحْدَى عَيْنَيْكِ، بِقَلاَدَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ عُنُقِكِ." (نش 4: 9). أليس عَجَبًا أن قلب حبيبنا تسبيه محبة الشخص المُسْتَعِد لأن يقبل دعوته ويذهب معه في طلب الضال! فإن كان قلب العريس يبهجه ولاء عروسه وصحبتها معه، فكم بالحري نتشجع نحن بخدمتنا المتبادلة بعضنا مع بعض؟ فليعطنا الله أن يُشَدِّد بعضنا أيادي البعض الآخر في الله.

← انظر كتب أخرى للمؤلفة هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

ويخفف العريس من مشقة التسلق ومن الشعاب المليئة بالمخاطر بتعبيراته الحلوة عن حبه: "مَا أَحْسَنَ حُبَّكِ يَا أُخْتِي الْعَرُوسُ! كَمْ مَحَبَّتُكِ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ! وَكَمْ رَائِحَةُ أَدْهَانِكِ أَطْيَبُ مِنْ كُلِّ الأَطْيَابِ! شَفَتَاكِ يَا عَرُوسُ تَقْطُرَانِ شَهْدًا. تَحْتَ لِسَانِكِ عَسَلٌ وَلَبَنٌ، وَرَائِحَةُ ثِيَابِكِ كَرَائِحَةِ لُبْنَانَ. أُخْتِي الْعَرُوسُ جَنَّةٌ مُغْلَقَةٌ، عَيْنٌ مُقْفَلَةٌ، يَنْبُوعٌ مَخْتُومٌ. أَغْرَاسُكِ فِرْدَوْسُ رُمَّانٍ مَعَ أَثْمَارٍ نَفِيسَةٍ، فَاغِيَةٍ وَنَارِدِينٍ. نَارِدِينٍ وَكُرْكُمٍ. قَصَبِ الذَّرِيرَةِ وَقِرْفَةٍ، مَعَ كُلِّ عُودِ اللُّبَانِ. مُرٌّ وَعُودٌ مَعَ كُلِّ أَنْفَسِ الأَطْيَابِ. يَنْبُوعُ جَنَّاتٍ، بِئْرُ مِيَاهٍ حَيَّةٍ، وَسُيُولٌ مِنْ لُبْنَانَ" (نش 4: 10-15).

فكلمات العروس شهد وهي منشغلة مع العريس في طلب الضالين، وهو يضيف تشبيهًا إلى تشبيه ليعبر عن رِضاه وفرحته. إنها جَنَّة مليئة بالثمار والعطور ولكنها مُغْلَقَة؛ وقد تأتي الثمار التي تحملها بالبركات للكثيرين، ولكنها جنته هو وحده. إنها عَيْنٌ ولكنها مُقْفَلَةٌ وهي أيضًا يَنْبُوعٌ مَخْتُومٌ (نش 4: 12). ومع ذلك فهي يَنْبُوعُ جَنَّاتٍ وَبِئْرُ مِيَاهٍ حَيَّةٍ، وَسُيُولٌ مِنْ لُبْنَانَ. إنها تحمل الخصب وتفيض بالإنعاش حيثما ذهبت ولكن هذا كله منه وله.

وهنا تتحدث العروس مرة ثانية، وكما كان حديثها الأول عنه هكذا الثاني له، لقد تلاشَت الأنا(*) تمامًا: "اِسْتَيْقِظِي يَا رِيحَ الشَّمَالِ، وَتَعَالَيْ يَا رِيحَ الْجَنُوبِ! هَبِّي عَلَى جَنَّتِي فَتَقْطُرَ أَطْيَابُهَا. لِيَأْتِ حَبِيبِي إِلَى جَنَّتِهِ وَيَأْكُلْ ثَمَرَهُ النَّفِيسَ." (نش 4: 16). والعروس -بهذه الكلمات- تُعَبِّر عن استعدادها لأي اختبار. فريح الشمال وريح الجنوب قد تهبان علی جنتها، ولكن الذي يهمها هو أن تفيض ثِمَارِها لتنعِش سيدها بالثمر وبأريجه العَطِر. لقد دعاها جنته المثمرة بالرمان وبغيره من الثمار النفيسة، فليأت إليها ويأكل منها. لذلك نسمع العريس يجيبها: "قَدْ دَخَلْتُ جَنَّتِي يَا أُخْتِي الْعَرُوسُ. قَطَفْتُ مُرِّي مَعَ طِيبِي. أَكَلْتُ شَهْدِي مَعَ عَسَلِي. شَرِبْتُ خَمْرِي مَعَ لَبَنِي." (نش 5: 1). إنه يجيبها حالما تناديه. فحينما تكون لسيدها يؤكد لها أنه يجد كل مسرته فيها. ولفرحتها نهتف: "كُلُوا أَيُّهَا الأَصْحَابُ. اشْرَبُوا وَاسْكَرُوا أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ." (نش 5: 1).

والحقيقة الواضحة أمامنا من هذا الحديث المُتَبَادَل بين العريس وعروسه هي أننا متی كرَّسنا نفوسنا لسيدنا، فإن مَقْدِرَتنا على الإعطاء تَتَصَاعَد فيزداد فرحنا بالخدمة. فالخمس خبزات والسمكتان في أيدي الرسل بعد أن باركها الرب قد أشبعت الآلاف وَفَاضَت عن حاجاتهم. فليمنحنا فادينا أن نتبعه باستمرار ونتحدث إليه ونظل أمناء في تواصلنا معه، مستعدين لأي اختبار يُؤَهِّلنا لمضاعفة خدمتنا وللسير معه إلى النهاية.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(*) توضيح من الموقع: كان مكتوبًا "الأترة"، فتم تغييرها إلى "الأنا" ليتضح المعنى.  والنص الإنجليزي: self is found in neither.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/iris-habib-elmasry/song-of-songs/uninterrupted-communication.html

تقصير الرابط:
tak.la/t5bnt44