الفصل الثاني والأربعين: السحر
يستلزم هذا الموضوع عدة مجلدات للإطلاع على أبعاده المختلفة، ولكن لضيق المقام نختصر الحديث ونقتصره على النقاط الآتية:
أولًا: مقدمة.
ثانيًا: مدى تسلط الشيطان على الإنسان.
ثالثًا: أسباب السعي نحو السحر.
رابعًا: السحر وأنواعه.
خامسًا: حكم الله والكنيسة على أعمال السحر.
خلق الله الطغمات السمائية قبل خلقة الإنسان في رتب كثيرة وبأعداد غفيرة، وكما نصلي في القداس الإلهي " أنت الذي يقف أمامك الملائكة ورؤساء الملائكة والرئاسات والسلطات والكراسي والربوبيات والقوات ".. " الشاروبيم يسجدون لك والسيرافيم يمجدونك صارخين قائلين قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت. السماء والأرض مملوءتان من مجدك الأقدس ".. لقد خلق الله الشاروبيم الممتلئين أعينًا علامة المعرفة والحكمة والسيرافيم ذوي الستة أجنحة، ومن طغمة الشاروبيم كان هناك لوسيفر (حامل النور) من أجمل وأقوى الملائكة، ويبدو أن الله خلقه أولًا، لذلك دُعي البكر بين "بني الله" أي الملائكة... خلق الله لوسيفر الكاروب الجميل لكنه إنخدع بجماله وقوته، وتكبر في ذاته دون غواية من أحد، فسقط وكان سقوطه عظيمًا، ويصف سفر حزقيال جماله الرائع وسقوطه المريع فيقول داعيًا إياه بملك صور فيقول " يا إبن آدم ارفع مرثاة على ملك صور وقل له. هكذا قال السيد الرب. أنت خاتم الكمال ملآن حكمة وكامل الجمال. كنت في عدن جنَّة الله. كل حجر كريم ستارتك عقيق أحمر وياقوت أصفر وعقيق أبيض وزبرجد وجزع ويشب وياقوت أزرق وبهرمان وزمرد وذهب. أنشأوا فيك صنعة صيغة الفصوص وترصيعها يوم خُلقت. أنت الكروب المنبسط المُظلّل وأقمتك على جبل الله المقدس كنتَ. بين حجارة النار تمشَّيت. أنت كامل في طرقك من يوم خُلقت حتى وُجِدَ فيك إثم. بكثرة تجارتك ملأوا جوفك ظلمًا فأخطأت. فأطرحك من جبل الله وأُبيدك أيها الكروب المُظلّل من بين حجارة النار. قد ارتفع قلبك لبهجتك. أفسدت حكمتك لأجل بهائك. سأطرحك إلى الأرض وأجعلك أمام الملوك لينظروا إليك. قد نجست مقادسك بكثرة آثامك بظلم تجارتك. فأُخرج نارًا من وسطك فتأكلك وأُصيرك رمادًا على الأرض أمام عيني كل من يراك. فيتحيَّر منك جميع الذين يعرفونك بين الشعوب وتكون أهوالًا ولا توجد بعد إلى الأبد " (حز 28: 12 – 19).
وتساءل أشعياء النبي وأجاب قائلًا " كيف سقطتِ من السماء يا زهرة بنت الصبح. كيف قُطعتَ إلى الأرض يا قاهر الأمم. وأنت قلتَ في قلبك أصعد إلى السموات أرفع كرسيّ فوق كواكب الله وأجلس على جبل الاجتماع في أقاصي الشمال. أصعد فوق مرتفعات السحاب. أصير مثل العلي. لكنك انحدرت إلى الهاوية إلى أسافل الجب " (أش 14: 12 – 15).
وقال بطرس الرسول " إن كان الله لم يُشفق على ملائكة قد أخطأوا بل في سلاسل الظلام طرحهم وسلَّمهم محروسين للقضاء " (2بط 2: 4) وقال يهوذا الرسول " والملائكة الذين لم يحفظوا رئاستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام " (يه 6).
ومنذ أن سقط لوسيفر وملائكته الذين شايعوه تحوَّل إلى عدو لدود شرس وضار يغلي بالحقد والغضب ضد العدل الإلهي، وأخذ يقاوم عمل الله، ولذلك دُعي بالشيطان، فكلمة " شيطان " مشتقة من الفعل العبري " شطن " أي قاوم أو تمرَّد فعندما اصطحب الملاك زكريا قال زكريا " وأراني هوشع الكاهن العظيم قائمًا قدام ملاك الرب والشيطان قائم عن يمينه ليقاومه " (زك 3: 1) فالشيطان هو المقاوم، ولكنه لا يقوى على مقاومة الله مباشرة، ولا يقدر أن يثبت أمام العزة الإلهية، لذلك فهو يحاول جاهدًا الانتقام من الإنسان الذي خُلق على صورة الله ومثاله، فهو لا يشأ أن يكون وحيدًا في بحيرة النار والكبريت، ولذلك يعمل جاهدًا لكيما يكتسب أكبر عدد من النفوس البشرية لتكون معه في العذاب الأبدي، فالشيطان هو الباعث الأول للخطية... لقد حسد آدم وحواء وأسقطهما في التعدي، ومازال يسعى جاهدًا ليُسقِط ذرتيهما في الخطية، يُسقط الإنسان ثم يشتكي عليه أمام الله، فالشيطان يجرؤ على المثول أمام الحضرة الإلهية متى سمح الله بهذا " وكان ذات يوم أنه جاء بنو الله ليمثلوا أمام الرب وجاء الشيطان أيضًا في وسطهم. فقال الرب للشيطان من أين جئت فأجاب الشيطان الرب وقال من الجولان في الأرض ومن التمشي فيها " (أي 1: 6، 7).
وعندما سقط الشيطان فقد رتبته لكنه لم يفقد قوته وقدرته وذكاءه، فله إمكانية أن يدخل في الحيوان للغواية والانتقام مثلما دخل في الحيَّة (تك 3: 1) والخنازير (مت 8: 28 – 32) وله قدرة أن يُحرك الرياح والعواصف ويُسقِط نارًا من الهواء ويهدم المنازل (أي 1: 26، 19) ويستطيع أن يضرب الإنسان بالأمراض الصعبة (أي 2: 7، 2كو 12: 7) ويتكلم على لسان الناس (مت 16: 22، 23) ويدخل في الفكر ويزرع الزوان (مت 13: 27، 28).. إلخ.
وعندما أغوى الشيطان آدم الإنسان الأول، وأسقطه من مرتبته، لم يقف الله صامتًا مكتوف الأيدي، لكنه تجسَّد وفدى الإنسان من حكم الموت، وأعاده إلى مرتبة أفضل إذ رفعه من الفردوس الأرضي إلى الملكوت السماوي " والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس هدمته بالظهور المحيي الذي لابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح" (القداس الإلهي) وإن حكمة الله السامية شاءت أن يبقى الشيطان حرًّا طليقًا طالما هناك حياة على الأرض، ولكنه يظل داخل دائرة الضبط الإلهي، وبهذا تظهر إرادة الإنسان إن كان يختار طريق الله فيرث الملكوت أو طريق الشيطان فيهلك معه، والذي يختار طريق الله فإن الله ينجيه من كل الفخاخ الشيطانية، ويحوَّل الشر إلى خير كما حدث في قصة يوسف، وإن سقط الإنسان يقيمه روح الله، ومن خلال سر التوبة والاعتراف يقوده إلى طريق الحرية، ومن خلال سر الأفخارستيا يجعله ثابتًا فيه، ويهبه النصرة على عدو الخير، فيتذكى ويستحق بنعمة المسيح سكنى الملكوت.
ويمكن أن نعتبر أن حروب الشيطان مع البشرية قد مرَّت بثلاثة مراحل هامة وهي:
مرحلة المصالحة الظاهرية - مرحلة الخداع - مرحلة المواجهة
1- مرحلة المصالحة الظاهرية: وهذه المرحلة تشمل الفترة منذ سقوط الإنسان وحتى التجسد الإلهي، لأن غالبية البشرية كانت داخل حظيرته، ولم يعرف الله إلاَّ حفنة قليلة من البشر وهي الشعب اليهودي، بينما كانت بقية الشعوب ترسخ تحت نير العبودية الشيطانية وعبادة الأصنام، فقد أوحى الشيطان للإنسان بالعبادات الوثنية، وجذبه إليها ومن خلال الأصنام والأوثان تحدث الشيطان مع الإنسان، وارتبطت العبادات الوثنية بالممارسات الشيطانية مثل السحر والعرافة والتنجيم وتقديم الذبائح البشرية والانحلال الخلقي، فعندما تعلق بنو إسرائيل ببعل فغور زنوا مع بنات موآب وحمى غضب الله عليهم (عد 25: 1 – 3) وعندما عبد بنو إسرائيل الأوثان أيام الملوك الأشرار أقاموا بيت الرب بيتًا للمابونين (أي للشواذ الذين كرسوا أنفسهم للنجاسة) (2مل 23: 5 – 7) وبعض ملوك يهوذا ومعظم ملوك إسرائيل عملوا الشر أمام الرب، فمنسى الملك الشرير إبن حزقيا الملك الصالح " عمل الشر في عيني الرب حسب رجاسات الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل. وعاد فبنى المرتفعات التي هدمها حزقيا أبوه وأقام مذابح للبعليم (لتقديم ذبائح آدمية) وعمل سواري وسجد لكل جند السماء وعبدها (التنجيم).. وبنى مذابح لكل جُند السماء في داري بيت الرب. وعبرَّ بنيه في النار في وادي إبن هنُّوم وعاف وتفاءل وسحر واستخدم جانًا وتابعه وأكثر عمل الشر في عيني الرب لإغاظته " (2أخ 33: 2 – 6).
وقد وصلت القسوة إلى ذروتها عندما قدم الإنسان الذبائح البشرية على مذابح هذه العبادات الشيطانية... كان "مولك" إله العمونيين عبارة عن تمثال من النحاس المجوَّف بشكل إنسان ورأسه رأس عجل يجلس على عرش ويبسط ذراعيه للأمام، وكانوا يشعلون تحته النيران حتى يستعر اللهيب ويحمي النحاس، فيضعون الأطفال على ذراعيه الملتهبتين نارًا، فيصرخ هؤلاء الأطفال صرخة الموت، بينما ذويهم يدقون الطبول ويرفعون أصواتهم بالأناشيد الشيطانية لكيما يغطوا على صرخات الأطفال الأبرياء حتى تصعد أرواحهم إلى باريها تشكو خداع الشيطان وقسوة الإنسان.
2- مرحلة الخداع: وشملت الفترة منذ انهزام الشيطان بالصليب وحتى السنين القليلة الماضية، حيث تحرَّرت كثير من الشعوب من سطوة الشيطان وعبدت الله، ولذلك فقد استغل الشيطان الحيلة والخداع والمكر والدهاء في اصطياد النفوس تارة، وتارة أخرى بالاضطهادات المرة والقسوة والإرهاب.
3- مرحلة المواجهة: عندما بدأ الشيطان يشعر بأن المسيح على الأبواب، وإن الأيام اقتربت إلى المنتهى، دخل في مواجهة حادة مع أبناء الملكوت وملكهم السماوي، فظهرت كنيسة " Pracess Church of the Pinal Judgment " في لندن تضم مجموعة من الشباب الصغير السن الذين يكرمون الشيطان، ويظهرونه كإله يجب أن تقدم له العبادة، وفي سنة 1966م ظهرت لأول مرة في الوجود كنيسة باسم الشيطان، وللأسف فإنها وجدت قبولًا لدى آلاف من الشباب الأمريكي، وقام " لافي " La Vey بكتابة الكثير من أفلام هوليود المرعبة كما سنرى فيما بعد.
ومن حروب وأضاليل الشيطان التي تعاني منها البشرية ما يلي:
خداع البشر - امتحان المؤمنين بالتجارب - سكنى الإنسان - العمل مع السحرة والعرافين والمنجمين والذين يحضرون الأرواح
1- خداع البشر: كما خدع أبوينا الأولين عن طريق الحية (تك 3: 1).. " ولا عجب لأن الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور " (2كو 11: 14) لقد ظهر الشيطان في شكل ملاك نوراني لأحد الأشخاص مقنعًا إياه بذبح ابنه كما فعل إبراهيم، ولكن الابن إذ شعر بنوايا أباه هرب منه (مناظرات يوحنا كاسيان ص 49) (321) وظهر مرة أخرى لأحد الرهبان مقنعًا إياه بأنه سيحمله إلى السماء مثل إيليا، وأمره بالصعود إلى سور الدير، واقترب الشيطان بشبه مركبة نارية وإذ أراد الراهب أن يصعد إلى المركبة سقط على الأرض، وأحد النساك في بلاد ما بين النهرين ظل في قلايته سنين طويلة، ثم ظهر له الشيطان وأراه رؤيا عن المسيحيين مع الرسل والشهداء وهم جالسون في الظلمة في صراخ وعويل بينما اليهود مع موسى والأنبياء يضيئون وهم يرقصون فرحًا، فترك هذا الناسك مسيحيته وصار يهوديًا.
ومن خداع الشيطان أنه يوهم الإنسان ويخدعه ويقنعه بأنه لا وجود للشيطان، فالشيطان هو نتاج مخيلة الإنسان الذي يريد أن يبرر نفسه بإلقاء اللوم على آخر، ويُنسي الشيطان مثل هذا الإنسان المخدوع كل آيات الكتاب المقدَّس بعهديه التي تتحدث عن الشيطان وأعماله وحروبه وألقابه، بل يصل بهذا الإنسان إلى مرحلة الخلل في التفكير، لأن الإنسان الذي يعمل عقله يدرك أن الخطية " مدبَّرة بإحكام خارق، ومخططة بدهاء رهيب وموجهة ببراعة تفوق العقل، وعنيفة بدرجة بالغة، فلا يمكن تفسيرها بهذه السهولة. هناك تخطيط، هناك حنكة ودهاء، هنا خبث ومكر، هناك براعة في الخداع والهجوم، فلابد أن يكون وراء كل ذلك عقل جبار " (انظر كتاب رئيس الظلمة بقلم ن. أ. تانفورد) (322).
ومن ضمن خداع الشيطان عمل المعجزات، فالكتاب يقول عن ضد المسيح " الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة " (2تس 2: 9) ويصنع آيات شفاء " وجرحه المميت قد شُفي وتعجبت كل الأرض وراء الوحش " (رؤ 3: 3) ويُنزل نارًا من السماء " ويصنع آيات عظيمة حتى إنه يجعل نارًا تنزل من السماء على الأرض قدَّام الناس " (رؤ 13: 13) ويجعل الصورة الصماء تتكلم " وأُعطي أن يُعطى روحًا بصورة الوحش حتى تتكلم صورة الوحش " (رؤ 13: 15).
2- امتحان المؤمنين بالتجارب: بعد السماح من الله وبمقدار ما يسمح به الله، كما حدث في قصة أيوب الصديق (أي 1: 6 – 19).
3- سكنى الإنسان: وإيقاع الضرر به كما حدث مع شاول الملك عندما فارقه روح الرب (1صم 16: 14) والصبي الذي تضرع أبوه للسيد المسيح قائلًا " يا سيد ارحم ابني فإنه يُصرع ويتألم شديدًا. ويقع كثيرًا في النار وكثيرًا في الماء " (مت 17: 15) ومثل مجنون كورة الجدريين " لأنه قد رُبط كثيرًا بقيود وسلاسل فقطَّع السلاسل وكسَّر القيود. فلم يقدر أحد أن يذله. وكان دائمًا ليلًا ونهارًا في الجبال وفي القيود يصيح ويُجرّح نفسه بالحجارة " (مر 5: 4، 5).
4- العمل مع السحرة والعرافين والمنجمين والذين يحضرون الأرواح... إلخ. فهكذا عمل مع سحرة قدماء المصريين مثل ينيس ويمبريس اللذان قاوما موسى النبي (1تي 3: 8) فطرح هرون عصاه على الأرض فصارت ثعبانًا " فدعا فرعون أيضًا الحكماء والسحرة. ففعل عرَّافوا مصر أيضًا بسحرهم كذلك " (خر 7: 11) وعندما ضرب هرون المياه فحولها إلى دم " فعل عرافو مصر كذلك بسحرهم " (خر 7: 22) وفي ضربة إصعاد الضفادع " فعل كذلك العرافون بسحرهم وأصعدوا الضفادع على أرض مصر " (خر 8: 7) وكان الشيطان يعمل مع سيمون " رجل اسمه سيمون يستعمل السحر ويُدهش شعب السامرة " (أع 8: 9) وكان مع باريشوع عليم الساحر الذي قاوم برنابا وبولس (أع 13: 6 – 12) وهكذا كان الشيطان يعمل في عرافة فيلبي (أع 16: 16 – 18).
ومن ألقاب الشيطان التي وردت في الكتاب المقدَّس ما يلي:
1- الكاروب المُظلّل: " أنت الكروب المنبسط المُظلّل... أيها الكروب المُظلّل " (خر 28: 14، 16).
2- لوسيفر: أي حامل النور، ودعاه أشعياء " يا زهرة بنت الصبح " (أش 14: 12) ودُعي كذلك بـ"كوكب الصبح" و"إبن الفجر" إشارة لإشراقه.
3- الشيطان: أي المقاوم " والشيطان قائم عن يمينه (يمين يهوشع) ليقاومه " (زك 3: 1).
4- إبليس: وفي اليونانية " ديابوليس " أي المخادع، وذُكر بهذا الاسم 35 مرة في الكتاب المقدَّس، فهو قادر على الظهور في شكل ملاك نور ليضل لو أمكن المختارين أيضًا، وله قدرة هائلة على خداع النفوس بألف طريقة وطريقة بضربات يسارية ويمينة.
5- المُجرّب: حتى إنه جرّب السيد المسيح الذي بلا خطية وحده " فتقدم إليه المُجرّب وقال له إن كنت إبن الله... " (مت 4: 3) وقال معلمنا بولس الرسول لأهل تسالونيكي " أرسلت لكي أعرف إيمانكم لعل المُجرّب يكون قد جرَّبكم فيصير تعبنا باطلًا " (1تس 3: 5).
6- المشتكي: فهو الذي يشتكي على أبناء الله الأمناء كما اشتكى على أيوب (أي 1: 8 – 11) ورآه يوحنا الرائي في نهاية الأيام " لأنه قد طُرح المشتكي على إخوتنا الذي كان يشتكي عليهم أمام إلهنا نهارًا وليلًا " (رؤ 12: 10).
7- المخادع والمضل: " والشيطان الذي يضل العالم كله طُرح إلى الأرض وطُرحت معه ملائكته " (رؤ 12: 9).. " وأغلق عليه وختم عليه لكي لا يضل الأمم فيما بعد حتى تتم الألف سنة " (رؤ 20: 3).
8- القتَّال: قال عنه الرب يسوع " ذاك كان قتَّالًا للناس من البدء ولم يثبت في الحق " (يو 8: 44).
9- الكذاب وأبو الكذاب: " لأنه كذاب وأبو الكذاب " (يو 8: 44).
10- الخصم والأسد الزائر: " اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو " (1بط 5: 8).
11- الشرير: فهو لم يكتفِ بفساده إنما دائمًا يجتهد لكيما يفسد حياة الإنسان، وقال الرب يسوع " كل من يسمع كلمة الملكوت ولا يفهم فيأتي الشرير ويخطف ما قد زُرع في قلبه " (مت 13: 19) وصلى السيد المسيح للآب " لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير " (يو 17: 15) وأوصانا إلهنا الصالح أن نصلي قائلين " ولا تدخلنا في تجربة. لكن نجنا من الشرير " (مت 6: 13) وقال يوحنا الحبيب " المولود من الله يحفظ نفسه والشرير لا يمسُّه " (1يو 5: 18).
12- العدو: فعندما سأل التلاميذ الرب يسوع عن زرع الزوان قال لهم " إنسان عدو فعل هذا " (مت 13: 28).
13- بعلزبول: أي سيد الذباب " أما الفريسيون فلما سمعوا قالوا هذا لا يخرج الشياطين إلاَّ ببعلزبول رئيس الشياطين" (مت 12: 24)، (لو 11: 15).
14- بليعال: " وأي اتفاق للمسيح مع بليعال " (2كو 6: 15).
15- رئيس هذا العالم: قال الرب يسوع "الآن يُطرح رئيس هذا العالم خارجًا " (يو 12: 3).. " لأن رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء " (يو 14: 30).
16- رئيس سلطان الهواء والروح الذي يعمل في أبناء المعصية: قال بولس الرسول لأهل أفسس " وأنتم إذ كنتم أمواتًا بالذنوب والخطايا التي سلكتم فيها قبلًا حسب دهر هذا العالم حسب رئيس سلطان الهواء الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية " (أف 2: 1، 2).
17- إله هذا الدهر: " الذي فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين " (2كو 4: 4).
18- الحية القديمة: " ولكنني أخاف عليكم إنه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح " (2كو 11: 3).. " فصرخ التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان " (رؤ 12: 9).
19- التنين العظيم: " وحدثت حرب في السماء. ميخائيل وملائكته حاربوا التنين وحارب التنين وملائكته " (رؤ 12: 7).
20- أبدُّون أو أبوليون: ومعناها المُهلك " ولها ملاك الهاوية ملكًا عليها اسمه بالعبرانية أبدُّون وله باليونانية اسم أبوليون " (رؤ 9: 11).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
إلى أي مدى يقدر الشيطان أن يتسلط على الإنسان؟
ما هي حدود السلطة الشيطانية على الإنسان؟
ليس للشيطان الحرية المطلقة في التصرف، ولو كان له مطلق الحرية لحطم كل إنسان، فالشيطان يشتهي أن يحطم كل إنسان لأنه جُبل على صورة الله، ويشتهي أن يحطم العالم بكل ما فيه لأنه من صنع الخالق العظيم، ولكن الشيطان داخل دائرة الضبط الإلهي، لا يقدر أن يتجاوز الدائرة التي يرسمها الله له، وهذا واضح من قصة أيوب الصديق، فعندما سمح الله للشيطان أن يجرّب أيوب في أولاده وممتلكاته، لم يجرؤ أن يمد يده إلى أيوب نفسه، وعندما سمح الله له بتجربة أيوب في جسده لم يجرؤ أن يمد يده إلى عقله أو حياته، والشيطان قبل أن يغربل التلاميذ في ليلة الآلام طلب الإذن بهذا من الله الآب (لو 22: 31، 32) بل نقول إن الشياطين لم يقدروا على دخول الخنازير إلاَّ بعد أن حصلوا على الإذن من الرب يسوع (مت 8: 32).
والشيطان الآن مثل أسد زائر ولكنه محبوس في قفص ليس لديه سلطان على الإنسان إلاَّ إذا اقترب منه الإنسان، وهو مثل كلب مسعور ولكنه مربوط لا يقدر أن يؤذي الإنسان إلاَّ إذا اقترب إليه الإنسان، ونستطيع أن نقول إنه لا سلطان للشيطان على الإنسان المسيحي إلاَّ بمقدار ما يسمح به هذا الإنسان للشيطان. أما الإنسان المسيحي الأمين فهو يتمتع بالحماية الإلهية " أمين هو الرب الذي سيثبتكم ويحفظكم من الشرير " (2تس 3: 3).. " كل من وُلِد من الله لا يخطئ بل المولود من الله يحفظ نفسه والشرير لا يمسه " (1يو 5: 18).. " كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير " (1يو 2: 14).. والإنسان المسلح بترس الإيمان يقدر أن يطفئ سهام إبليس " حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة " (أف 6: 16) ويتساءل نيافة الأنبا يؤانس المتنيح " هل للسحر سلطان على أولاد الله؟ والجواب إذا كان السحر من عمل الشيطان، فليس للشيطان سلطان على أولاد الله والمؤمنين، وإن كان السيد المسيح قد أعطى المؤمنين سلطانًا أن يخرجوا الشياطين فهل من المعقول أن يكون لهم (للشياطين) عليهم (على المؤمنين) سلطان؟!! (323).. الإنسان الثابت في الله عن طريق الأفخارستيا كيف يقوى عليه عدو الخير؟!.. الإنسان المداوم على الصلاة كيف يقوى عليه عدو الخير؟! ألم يفشل الشيطان في السيطرة على قلب الشابة يوستينا مما قاد الساحر كبريانوس إلى التوبة؟!.. ألم يفشل الساحر أثناسيوس الذي شق ثور نصفين بتأثير سُم سحره في التأثير على مارجرجس البطل، الذي أبطل مفعول السم بعلامة الصليب، فآمن الساحر أثناسيوس وفاز بإكليل الشهادة؟!
وتعترف الساحرة " دورين إيرفين " بفشلها في إلحاق الأذى بأحد أبناء الملكوت فتقول: " حاولت أن أضع لعنات على الواعظ الذي كان يحذر الناس منى، ولكن لم يكن لي أي تأثير عليه... لقد كان هناك حاجز بين قوتي السحرية، وبين هذا الواعظ الذي كان رجلا له إيمان عظيم وشجاعة فائقة... لذلك فإنني تحيرت إذ قوتي في السحر لم تفشل من قبل مطلقا، لم يكن عندي أي فكرة عن إن هناك قوة أكبر وأقوي بكثير من قوة الشيطان تحمى هذا الرجل وهي قوة الرب يسوع العظيمة.
إن الشيطان بكل جنوده وقواته لا يقوون على الوقوف أمام قوة الصلاة " قاوموا إبليس فيهرب منكم " (يع 4: 7).. أذكر لك يا صديقي قصه وقعت أحداثها عام 1962 م في إحدى قرى المنوفية حيث كان يقطن هذه القرية شيخ ضرير يمارس الأعمال السحرية ويقبل عليه الكثيرون من أماكن متفرقة... ذهب إليه أحد الأخوة المؤمنين بحجه سؤاله في أمر شقيقه الأصغر الذي ذهب للقاهرة لدى أقربائه وتأخر عن الحضور... ادخله الشيخ في حجرة مظلمة جدًا، وأطلق بخوره وتلَى عزائمه ليحضر شيطانه، وما كان من هذا الأخ المؤمن إلاَّ أنه رفع قلبه بالصلاة بالمزمور التاسع والعشرين " قدموا للرب يا أبناء الله قدموا للرب مجدًا وكرامة قدموا للرب مجد لاسمه. اسجدوا للرب في ديار قدسه. صوت الرب على المياه. إله المجد أرعد... صوت الرب بالقوة. صوت الرب بالجلال... صوت الرب يقطع لهيب النار... صوت الرب يزلزل البرية... إلخ ".
وفجأة هبَّ عليهما ريح شديدة، ولكن الأمر العجيب ما أن آتت هذه الريح عليهما إلاَّ وسريعًا ارتدت للخلف، وصرخ الشيخ الضرير "إسكت ما تقراش" وهذا الأخ لم يكف عن الصلاة بمزموره عدة مرات... فشل الشيخ في إحضار شيطانه الذي جبن عن الحضور إلى داره، وهنا لجأ الشيخ إلي حيلة، إذ أخذ يغير صوته وأجاب هذا الأخ المؤمن بإجابات بعيدة عن الحقيقة تفضح جهله بالأمور بعد أن تخلى عنه الروح الشرير... عقب الجلسة هّم الأخ بالانصراف فأمسك به الشيخ وعاتبه ولاسيما أنه جار له قائلا " هل أنا آذيتك في شيء؟ لماذا تريد أذيتي؟ ماذا كنت تقرأ؟!!"
تأمل يا صديقي في قوة كلمة الله... العجيب أن هذا الأخ كان في شبابه المبكر مع أصدقائه مغرمين باكتشاف المجهول، وعثروا على بعض كتب تحضير الشياطين فاستخدموها، وسمعوا عن وجود كنز في دير مهجور به أجساد كثير من الشهداء المدفونين تحت الثرى، فذهبوا إلى الدير وأطلقوا البخور وتلو العزائم ولكن دون جدوى فالشيطان لم يقوَ على اقتحام هذا المكان المقدس، فما كان من هؤلاء الأخوة إلاَّ أنهم أحرقوا كل الكتب والأوراق مقدمين توبة معترفين بقوة الله.
سافر أحد الرجال الأتقياء في مأمورية مع أصدقائه وفي مكان المأمورية أمضوا أمسيتهم مع أحد رجال البلدة المشهورين بممارساتهم السحرية، فأراد أن يرحب بهم ويرفّه عنهم، فطلب من كل واحد منهم أن يطلب أي شيء من منزلة وسيحضره له في الحال، وأندهش الحاضرون إذ أن كل طالباتهم تحققت سريعا رغم بعد البلدين عن بعض مئات الأميال، ولكن الرجل التقى إمتنع عن التجاوب معهم عالمًا أن هذه أمور شيطانيه، وعندما ألحوا عليه لكي يطلب شيئا طلب كتاب صغير ذو جلدة سوداء من تحت المخدة التي على سريره...وفشل الشيطان في تحقيق طلبه هذا... لماذا؟ لأن الكتاب هو الأجبية، لقد أخزى رجل الإيمان هذا الساحر وأعطى درسا قويا لأصدقائه المسيحيين، وشهد لمسيحه أمام أصدقائه غير المسيحيين.
سمع أحد الفتيان الشجعان أن أحد الأسر القريبة له ستُحضر رجلا مهوبًا في أعمال السحر لتستشيره في بعض الأمور، فتسلل هذا الفتى وحضر معهم الجلسة، وحضر الشيطان وأعلن عن وجوده، فما كان من هذا الفتى إلا أنه أخذ يرفع قلبه بالصلاة الربانية، وللوقت هرب الشيطان وصرخ الرجل المهوب بصوت مبحوح " أخرجوه... أخرجوه خارجا لأنني سوف اختنق " فسألوه عن قصده، فأشار على الفتى الصغير فأخرجوه، ثم أسرع الساحر مهرولًا خارج المنزل... وعندما علمت هذه الأسرة أن هذا الفتى كان يصلى الصلاة الربانية خجلوا منه وشعروا بما ارتكبوه من خطأ، ولجأوا إلى الله فحلت جميع مشاكلهم.
وذكر المتنيح الأنبا يؤانس قصه سيدة كانت مريضه في مدينه نقادة، وعندما يأست من الشفاء استدعت رجل مغربي يعمل بالسحر، وعندما دخل حجرة هذه المريضة فشل في تحضير شياطينه وطلب تغيير المكان، وعندما ألحوا عليه لمعرفة السبب أجابهم قائلا " بصراحة واحد رجل طيب نام في الأودة دي " وفعلا كان المتنيح الأنبا مرقس مطران الأقصر وإسنا وأسوان الذي جلس على كرسيه 56 سنة كان قد بات في هذه الحجرة قبل ذلك بعشرين سنه وقدسها بصلواته ومزاميره... أيضا ذكر نيافة الأنبا يؤانس قصه فوزية الطالبة بمعهد القطن التي كانت متعثرة في دراستها فالتقت بها سيدة سوداء وقالت لها: " إنت مالك زعلانة، اتكلي على ربنا " وأخبرتها ببعض الأمور الخاصة بها، ووعدتها بإحضار الامتحانات لها... وفي اليوم التالي عندما التقت بالسيدة السوداء سألتها: " باسم يسوع المسيح تقولي لي أنت مين؟ " فأحدثت أصوات عالية وقالت: " أنا روح هايم هايم هايم " وأخرجت عقدًا من صدرها تريد إخافتها، فرسمت عليها الصليب فسقط العقد... وقد تخلصت من هذا الروح الشرير تمامًا الذي أراد اقتحام حياتها عندما اعترفت وتناولت وعمل لها أبونا بيشوي كامل قنديل في منزلها (بستان الروح حـ 3 صـ 124، 125).
أُرسل أحد الأشخاص الذين يعانون من معاكسات الأرواح الشريرة إلى نيافة المتنيح الأنبا غريغوريوس يستشيره في الأمر، فأجابه نيافته بخطاب طويل نقتطف منه بعض الفقرات ".. وفي قوانين الكنيسة نصوص تمنع اللجوء إلى السحرة، ولو لفك السحر وإبطاله، وتعده كخطيئة عبادة الأوثان، وهي أيضًا جريمة الخيانة العظمى، لأنها الاحتماء بعدو الله، وإني أؤكد لك أن أثر السحر على الإنسان، يختلف من واحد إلى آخر على قدر ما في الإنسان من قوة مضادة... إذا كنت مُسلحًا بالأسلحة الروحية فيمكنك بها أن تغلب، وتنتصر، فتندحر قوة السحر أمامك، تمامًا كما لو ضربك أحد بسلاح من عنده وكنت أنت لابسًا الدرع الواقي فسلاح خصمك أو عدوك يرتد خائبًا ولن يؤذيك. واعلم أيها الابن أن الله لم يتركنا مجردين من أسلحة روحية يمكننا بها إذا تنبهنا لها ولفاعليتها، وإذا استخدمناها الاستخدام الصحيح أن " نطفئ سهام الشرير الملتهبة نارًا " (أف 6: 16) وأن نصد بها كل سحر وكل رقية وكل عمل من أعمال الشيطان... إذا حافظ المسيحي، على أسلحته وصانها بالعبادات والرياضات الروحية، فلن يمكن للسحر أو أعمال الشيطان والسحرة أن تقوى عليه، إنما ترتد أسلحة الشيطان خائبة فاشلة... لذلك أقول لك أيها الابن. مادمت محصنًا بالأسرار المقدسة وبالصلوات والعبادات، فلا تخف... من السحر، فالسحر لا يقوى عليك... والخلاصة أنك كمسيحي سلاحك ضد السحر، هو الوسائط الروحية والإيمان، وطرد الخوف، والاستعانة بالله وبقوته... ولا غنى لك بعد ذلك عن صلوات المزامير في البيت، فإنها ذات فعالية. وأخيرًا كن قوي القلب لا تخف من شيء، واسمع عبارة المسيح له المجد التي كان يرددها لتلاميذه " اطمئنوا... أنا هو لا تخافوا " (مت 14: 27).. وقل مع صاحب المزامير " على الله توكلت فلا أخاف " (مز 55: 4، 11).. " (324).
وفي رد نيافته على خطاب آخر من إحدى الفتيات التي تعتقد أن هناك عملًا معمول لأختها مما يعطل زواجها قال " اعلمي أيتها الابنة أنه إذا كان الإنسان المسيحي مُحصنًا بالصلوات، والتناول من الأسرار المقدسة باستحقاق، فلا يقوى عليه السحر. إن السحر يقوى على غير المُحصَّنين بالصلوات والأسرار المقدَّسة. إنني أحذركم من الالتجاء إلى السحرة، حتى ولو لفك العمل السحري. إن السحرة هم عملاء الشياطين في الأرض، والالتجاء إليهم التجاء إلى أعداء الله. ولذلك فإن اللجوء إلى السحرة، يعد أشر من عبادة الأوثان كما تقرر القوانين الكنسية " (325).
وفي رد نيافته على أحد الأشخاص الذي يعاني من ذات المعاكسات الشيطانية، يقول نيافته " لا تنزعج كثيرًا من جهة العمل السحر ولا تقلق. إنه يمكن أن يضعف شيئًا فشيئًا ثم يبطل. إنك بمفردك يمكن أن يقوى عليك العمل السحري. إنما إذا كنت مُحصنًا بوسائط الخلاص فإنه يضعف أمامك لأنك لست وحدك. صلِ أنت أولًا. ثم استدع أحد الكهنة يصلي على رؤوسكم، ويصلي على ماء، وترشونه في أنحاء البيت، واحملوا أيضًا إلى البيت من ماء (اللقان) الذي تدشَّن في خميس العهد لأن فيه قوة ضد كل سحر وكل عمل شيطاني... " (326).
وقد وهب الرب يسوع الكنيسة سلطانًا على الأرواح الشريرة " ودعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم قوَّة وسلطانًا على جميع الشياطين " (لو 9: 1) وقال الرب يسوع " وهذه الآيات تتبع المؤمنين. يخرجون الشياطين باسمي " (مر 16: 17).. " " ورجع السبعون بفرح قائلين يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك. فقال لهم رأيتُ الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء " (لو 10: 17، 18) وشفى التلاميذ المعذبين من الأرواح النجسة " واجتمع جمهور المدن المحيطة إلى أورشليم حاملين مرضى ومعذبين من أرواح نجسة وكانوا يُبرأون جميعهم " (أع 5: 16).. " لأن كثيرين من الذين بهم أرواح نجسة كانت تخرج صارخة بصوت عظيم " (أع 8: 7).. " فضجر بولس والتفت إلى الروح وقال أنا آمرك باسم يسوع المسيح أن تخرج منها. فخرج في تلك الساعة " (أع 16: 18) بل إن مناديل ومآزر القديسين لها قوتها وسلطانها على الشياطين " حتى كان يُؤتى عن جسده بمناديل أو مآزر إلى المرضى فتزول عنهم الأمراض وتخرج الأرواح الشريرة منهم " (أع 19: 12).
والشياطين لا يحتملون التواجد بجوار عظام القديسين، فعظام القديسين تُخرج الشياطين وتطرد الأرواح الشريرة، والله يعطي بعض أبنائه في كل عصر موهبة طرد هذه الأرواح الشريرة، هذه الأمثلة كثيرة جدًا جدًا، وتاريخ كنيستنا القبطية الأرثوذكسية حافل بمثل هذه الأمثلة، كما إنها واقع حي مُعاش تراه كثيرًا عندما ترى رعب الشياطين من الصليب وهو في يد رجال الله الأتقياء، وتسمعه عندما تسمع صراخهم وويلاتهم عندما يرتفع الصليب عليهم...
كان لأبينا الحبيب البابا بطرس خاتم الشهداء هذه الموهبة... (راجع سيرة البابا بطرس خاتم الشهداء).
وفي 13 توت تعيد الكنيسة بأعجوبة القديس باسيليوس الذي استطاع بقوة الأصوام والصلوات أن يُحرر شابًا كان قد عقد اتفاقًا مع الشيطان من أجل زواجه من ابنة سيده (راجع السنكسار)..
وتاريخ حياة الأنبا إبرآم أسقف الفيوم، والأنبا صرابامون أسقف المنوفية ملئ بمثل هذه الأحداث التي تثبت سلطان أولاد الله على الأرواح الشريرة...
وفي الجيل الحاضر عاصرنا أبينا الحبيب القمص جبريل الأنبا بيشوي ومدى العجائب التي أجراها الله على يديه في إخراج الشياطين، حتى أن مجلة الحوادث كتبت عنه كثيرا (راجع سيرته).
وفي إحدى قرى المنصورة استدعت إحدى الأسر غير المسيحية أحد الآباء الذين لهم موهبة إخراج الشياطين... ولكن حدث أمر رهيب إذ بمجرد أن جلس الأب الكاهن مع الأسرة وقبل أن يبدأ صلواته ويرفع صليبه اختطف الشيطان هذه الفتاة، فأصبح موقفه حرجا، ونظرات الموجودين تحمل الاتهام الصارخ للأب الكاهن الذي ليس له ملجأ إلاَّ إلهه... فبدأ يصلي والوقت يمر والموقف يزداد حرجًا... لقد نسى كل شيء ووقف يصارع مع الله... مر اليوم الأول والثاني وفي اليوم الثالث أحضر الشيطان هذه الفتاة مرغمًا وفارقها رغم ادعائه بأنها عروسه ولم يعد إليها...
أما تاريخ الكنيسة فهو غني بمثل هذه المواقف التي تبرز شجاعة وقوة القديسين نذكر منها الآتي:
1- في إحدى المرات دخل القديس مكاريوس الكبير مقبرة يونانية قديمة ليستريح، فوضع رأسه على جمجمة، فحسدته الشياطين على جرأته وأخذت تنادى بصوت مرتفع يا فلانة قد أخذنا الصابون والأشنان وأدوات الحمام وها نحن في انتظارك لتكوني معنا... فخرج صوت من الجمجمة يقول: إن عندي ضيفًا، وهو رجل غريب يتوسدني فلا يمكني المجيء. امضوا أنتم... لم ينزعج القديس بل رفع رأسه وحركها بيده قائلا: هأنذا قد قمت عنكِ فإن استطعتِ الذهاب فانطلقي إلى الظلمة... فعاد الصمت للمكان وعاد هو يتوسد الجمجمة وينام في سلام وهدوء بينما أصاب الخزي الشياطين ففروا هاربين.
2- في ليله تجمعت الشياطين حول مغارة القديس مكاريوس فسمعهم يتحدثون بصوت مسموع: " أتُرى أن نترك هذا الإنسان يسكن معنا في هذه البرية، فتصير ميناء للذين يتركون العالم، ويقيمون هنا متشبهين بالسمائيين؟ ".. ثم صعدوا فوق المغارة متخذين شكل خيل وركاب مستعدين للقتال، وأضرموا نارًا عظيمةً وأخذوا يلقونها داخل المغارة، أما القديس فلبث يصلي ولم يجزع منهم ففروا من المكان.
3- مضى الأنبا مكاريوس مرة إلى الوادي ليقطع خوصًا... فهجم عليه الشيطان واختطف المنجل منه وهمَّ بضربه، أما هو فكان ثابت الجأش لم يخف ولم يفزع بل قال له: " إن كان السيد المسيح قد أعطاك سلطانًا علىَّ فها أنا مستعد لأن تقتلني، وإلا فلتذهب إلى الظلمة ".. فهرب الشيطان مع أصدقائه وهم يصرخون قائلين: " الويل لنا منك يا مقارة... لقد صارت كل أعمالنا وأفعالنا فيك باطلة، ولسنا نجد منفعة واحدة في مقاتلتك ".. أجابهم القديس باتضاع قائلا: "لست بقوتي أعمل هذا بل بالقوة الساكنة فيَّ".
4- الأنبا أنطونيوس الذي تعرض لمحاربات عديدة من الشياطين الذين ظهروا له في شكل حيوانات متوحشة ورفعوا أصواتهم بهياج شديد كان يغلبهم بقوة الله واتضاعه... يقول القديس: "إني أبصرت مصابيح من نار محيطه بالرهبان، وجماعة من الملائكة بأيديهم سيوف ملتهبة يحرسونهم، وسمعت صوت الله القدوس يقول: لا تتركوهم ماداموا مستقيمي الطريق. فلما أبصرت هذا تنهدت وقلت "ويلك يا أنطونيوس، إن كان هذا العون محيطا بالرهبان، والشياطين تقوى عليهم!! " فجاءني صوت الرب قائلا: " أن الشياطين لا تقوى على أحد، لأنني من حين تجسدت سحقت قوتهم عن البشريين، ولكن كل إنسان يميل إلى الشهوات، ويتهاون بخلاصه فشهوته هي التي تصرعه وتجعله يقع (صـ 25 بستان الرهبان).
5- جاء عن الأنباء هيلاريون الكبير: " في إحدى الليالي بدأ يسمع نواح أطفال ومأمأة قطيع غنم ونعير ثيران، وانتحاب وبكاء كما يكون من امرأة، وزئير أسود وضجة عساكر وجنود، وأكثر من ذلك بكاء هائل جعله ينكمش منزعجًا من هول الصوت أدرك هيلاريون وفهم أن الشياطين تلهو مع بعضها لإخافته، وقبع على ركبتيه ورسم علامة الصليب على جبهته، بهذا تسلح وأصبح أكثر شجاعة راغبًا أن يرى هؤلاء الذين ارتجف بدنه عند سماعهم، خرج ونظر في كل الاتجاهات فلم يرَ شيئا.
وبعد قليل وبينما كان كل شيء يلمع تحت ضوء القمر رأى عربه حربية بحصان تندفع نحوه فنادى بسرعة الرب يسوع، وفجأة وأمام عينيه انفتحت الأرض وانشقت مبتلعه كل شيء عربه القتال بالحصان بركابها (سير الآباء المتوحدين للقديس جيروم ص 80) ".
6- كان بالمنطقة المجاورة لأورشليم شاب قوى جدًا اسمه " مارسيتاس " كان مفتخرًا بنفسه وبقوته الرهيبة... هذا الشاب كان مضروبًا من الشيطان... حتى أنه كان يحطم المفصلات والترابيس والأبواب... وفي أثناء سحبه إلى الدير عم الفزع الجميع... إذ كان يبدو وهو مسوقًا بالسلاسل مكبلًا بالحبال من كل جانب كحيوان مفترس حالما رآه الأخوة فزعوا جدًا إذ كان حجمه رهيبًا فركضوا وأخبروا القديس هيلاريون الكبير الذي أمرهم أن يحضروه إليه ويحلوه من السلاسل، وعندما صار مارستياس حرًا قال له القديس " تعال " بدأ الرجل يرتعد ويحرك رأسه يمينا ويسارا ولم يجسر أن ينظر إلى وجه القديس... في النهاية تعذب الشيطان الذي كان داخل الشاب بصلوات القديس هيلاريون وخرج منه (سير الآباء المتوحدين للقديس جيروم ص 91، 92).
7- دخل الشيطان في جمل ضخم فآذى كثيرين، فأحضروه الرجال للقديس الذي أمرهم أن يحلوه، فحلوه وهربوا سريعًا، أما القديس فتقدم إليه قائلًا: "أنت لا تزعجني أيها الشيطان مع إنك الآن تبدو كبير الحجم وسواء كنت في ثعلب أو في جمل فأنت هو أنت شيطان".. فهرب الشيطان للوقت وعاد الهدوء لهذا الجمل (سير الآباء المتوحدين للقديس جيروم ص 106).
وهنا يجب الإشارة إلى ملحوظة هامة وهي التمييز بين الأشخاص الذين يعانون من الأرواح النجسة، وأولئك الذين يعانون من بعض الأمراض النفسية مثل الشيزوفرينيا أو بعض الأمراض العصبية كالصرع، والذين يعانون من الأرواح النجسة يجب عدم معاملتهم بعنف، فإن البعض يحرقهم بالشمعة والبعض يضربهم ضربًا مبرحًا مدعيًا أنه يحرق أو يضرب الشيطان الساكن فيهم، وبلا شك إن مثل هذا التعذيب واقع على جسد الإنسان، ويقول القمص مرقس عزيز " وقد مات رجل في إحدى القرى عن طريق شدة الضرب ليبرحه الروح النجس فبارحته روحه " (327) وفي إحدى حلقات خلف الأسوار ادعى بعض الأشخاص غير المسيحيين أنهم يملكون إمكانية طرد الشياطين عن طريق شرب الماء وتلاوة القرآن، وفي إحدى مغامراتهم مع سيدة أصيبت بهبوط شديد من جراء شرب الماء والترجيع وماتت بين أيديهم.
ولا يمكن أن نغفل قوة رشم الصليب في مقاومة الشياطين، فجاء في بستان الرهبان أن أحد الآباء الشيوخ كان سائرًا في البرية ومعه شخص غير مسيحي، وأمسى عليهما الليل فناما في البرية، فما كان من الأب إلاَّ أنه رشم ذاته بعلامة الصليب وكذلك جميع الجهات، وبالليل سمع ضجة وجلبة وصهيل خيل... لقد هاجمت الشياطين الشخص الآخر، وضربته ضربًا مبرحًا وهم يسألونه: أين هو الراقد معك؟ فقال لهم: في الموضع الذي كان راقدًا فيه، وقد حفظت علامة الصليب الأب المسيحي من الشياطين ورئيسهم الذي كان جالسًا على كرسي يسألهم: ما بالكم لم تحضروه؟ فقالوا: إذا نحن دنونا منه، ننظر إلى علامة الصليب فلا نقدر أن نقف، بل نهرب إلى خلف ونسقط على الأرض... فقال لهم: اصعدوا إلى الهواء وانزلوا عليه من فوق وأتوني به، فلما نظروا علامة الصليب على رأسه هربوا... وفي الصباح عندما استفسر الرجل غير المؤمن عن سر حفظ الأب المسيحي، وأدرك عظم علامة الصليب آمن واعتمد.
ويقول القديس أثناسيوس " فبعلامة الصليب تبطل قوة السحر وتتلاشى كل قوات العرافة " (تجسد الكلمة 31: 3) (328).. " وبينما أضلَّت الشياطين عقول البشر قديمًا باستخدام الينابيع والأنهار والأشجار والحجارة، وهكذا أثرت على بسطاء الناس بغوايانها فإن خداعاتها بطُلت الآن بعد الظهور الإلهي للكلمة، لأنه حتى الإنسان العادي يستطيع بعلامة الصليب فقط أن يفضح ضلالتها " (تجسد الكلمة 37: 2) (329).. " ومن يُرد أن يمتحن أقوالنا السابقة بطريقة عملية فدعه – في وجود خداع الشياطين وضلالات المنجمين وأعاجيب السحر – يستعمل علامة الصليب التي يسخرون منها، وينطق فقط باسم المسيح، فيرى كيف تهرب الشياطين من اسمه، ويَبطُل التنجيم، ويتلاشى كل سحر وعرافة " (تجسد الكلمة 48: 3) (330).
وكما إن الكنيسة لها سلطان لطرد الشياطين من الأشخاص كذلك لها سلطان على طردهم من الأماكن، ففي صلاة تبريك المنازل يصلي الأب الكاهن " أيها الرب الصباؤوت الشافي كل برص وكل استرخاء، أطلع من علو سماك واستجب لدعائنا وبارك على عبدك هذا وعلى المحل الذي اتخذه لسكناه، وأقصي منه كل مفعول الشيطان، واطرد عنه كل الأرواح الشريرة النجسة وانتهرها".
ويتضح سلطان الكنيسة على أعمال السحر من القصتين الآتيتين، القصة الأولى تحكي قصة زوجة مسيحية جميلة وفاضلة عشقها شاب غير مسيحي، فحاول إغراءها لتترك زوجها وتلتصق به، وعندما صدته لجأ إلى السحرة لكيما يفرقوا بينها وبين زوجها، وإذ كانت هذه الزوجة متمسكة بحياة الصلاة فشلت الشياطين في مهمتها، ولكنها ظلت تلاحقها، ووجدت الشياطين فرصتها عندما فترت حياتها الروحية وتمكنوا منها، حتى صار زوجها يراها في شكل فرس، فلجأ الزوج إلى السحرة لكيما تعود إليه زوجته كما كانت، وفشل السحرة، فأخذ زوجته وذهب إلى القديس أبو مقار الكبير الذي علم بالقصة، فحبس نفسه في القلاية وصار يصلي بلجاجة، وعندما طرقوا بابه خرج ومعه إناء به ماء قد صلى عليه، ورش على الزوجة من هذا الماء فعادت إلى طبيعتها، وعندما سأله الزوج عن سبب تغير زوجته إلى شكل فرس، قال له القديس أبو مقار إن زوجتك لم تتغير لأنه ليس للشيطان سلطان أن يُغيّر شكل طبيعتنا، ولكن بسبب تهاونها في وسائط الخلاص استطاع الشيطان أن يجعل الناظر إليها يراها في شكل فرس (القس مينا جاد جرجس – السحر ص 30، 71، والقمص مرقس عزيز خليل – السحر والأعمال الشيطانية ص 86، 87).
والقصة الثانية رواها القديس جيروم في القرن الرابع الميلادي عن شاب شغف بحب فتاة مسيحية وفشل في الوصول إلى قلبها فلجأ إلى أحد السحرة يشكو له حاله، وظل الساحر عامًا كاملًا يستخدم أساليبه الشريرة دون جدوى، ولكن بعد هذا العام فترت حياة الفتاة الروحية، وأعطى الساحر هذا الشاب طبقًا من نحاس نُقشِت عليه كلمات سحرية ورسومات مخيفة، وأمره بدفنه تحت عتبة بيت الفتاة، فتبدل حال الفتاة فصارت تعري رأسها وتمزق ثيابها، وتنادي على الشاب بصوت مرتفع، فاصطحبها والدها إلى القديس هيلاريون الذي عندما صلى عليها بدأ الشيطان في الصراخ والعويل وهو يقول: ليس بإرادتي... لقد أُجبرت أن أفعل هذا... كنت سعيدًا من قبل ألهو وأخدع رجال المدينة في الأحلام... آه أي صلبان هذه؟.. كم تعذبني... كيف تأمرني بالخروج... أنا مُقيّد بتأثير ما تحت عتبة الباب... لن أقدر أن أخرج منها ألاَّ لو أخرجني الشاب الذي قيدني هناك.
أجاب القديس هيلاريون ساخرًا: هل لك قوة عظيمة، حتى إن طبقًا جعلك مُقيَّدًا؟ لماذا لم تدخل في الشاب الذي أرسلك إليها؟
أجاب الروح الشرير: ولأي هدف؟ هل أدخل إلى شخص له صداقة بروح آخر زميلي؟.. إنه صديق روح الهوى.
وفي الحال أمره القديس هيلاريون قائلًا: باسم ربنا يسوع المسيح آمرك أيها الروح الشرير أن تخرج منها ولا تعد تتكلم بعد، وفي الحال خرج الروح الشرير، واستعادت الفتاة وعيها، فوبخها القديس هيلاريون لأنها استهترت بالحياة مع المسيح فقوى عليها عدو الخير (القس مينا جاد جرجس – السحر ص 30، 32).
وهناك نوعيات من الناس تتأثر بأعمال السحر، ومن هذه النوعيات ما يلي:
1- الإنسان المستبيح الذي يشرب الإثم كالماء، ويصر على حياة الخطية، فيفصل نفسه عن الحصانة الإلهية.
2- الإنسان الذي تعامل مع الأرواح الشريرة من خلال السحرة والعرافين أو حضر جلسات تحضير الأرواح أو التنويم المغناطيسي... إلخ.
3- الإنسان الذي التمس الحماية من الشيطان عن طريق الأحجبة والتمائم.
4- الإنسان الذي سقط في مكان مظلم مهجور وأغفل رشم الصليب.
5- الإنسان صاحب الشخصية الضعيفة، والنفس المضطربة
أما المؤمن الثابت فالشيطان يعمل له حسابًا... لقد تجرأ الأنبا شنودة رئيس المتوحدين على مهاجمة الشياطين كما سنرى فيما بعد.
والإنسان الذي يترك نفسه للشيطان يسيطر عليه قد يصيبه الشيطان بالخرس (مت 9: 32، 33) وقد يصيبه بالخرس والصمم والصرع (مر 9: 25) وقد يصيبه بالعمى والخرس (مت 12: 22) وقد ربط السيدة المنحنية ثماني عشرة سنة (لو 13: 16) وقد يصيبه بالتوتر والضيق والضجر والانطواء والاكتئاب والجنون، وقد يجعله عاجزًا عن ممارسة حياته الزوجية... إلخ. ونذكر هنا قصة شخص درس في مصر والخارج، ولكن يبدو أنه كان بعيدًا عن حياة التوبة، وقد يكون سلك في طريق العرافين فسيطرت عليه الأرواح الشريرة حتى إنه يصف حالته فيقول " صرت أسمع في غرفة نومي أصواتًا تنطق أحيانًا بأغاني مبتذلة وكلمات بذيئة، ويصحب هذا إحساس بتيار كهربائي ضعيف يبدأ من عند قدمي وينتقل شيئًا فشيئًا إلى أن يصل إلى الحنجرة، فأحس بعد ذلك باختناق وبقبضة في الأحبال الصوتية، ويتحكم فيها بالضم والفصل، وتطوَّر الحال معي فصرت أسمع أصواتًا من خلال حنجرتي وعن طريق استخدام حبالي الصوتية، فأرى نفسي وأسمع أصواتًا تتكلم من حنجرتي بينما أنا صامت ساكن، ويحدث لي أحيانًا شلل في المخ ومراكز التفكير، وأسمع أحيانًا تهديدات وإنذارات وتوعدات بتدمير حياتي. ثم انتقلت إلى حال جديد فصرت أرى على الحائط، وفي فضاء الحجرة أفلامًا ملونة، وبلغ الأمر بين أن صارت الأصوات تتكلم على لساني، ومن غير إرادتي، كلامًا يسبب لي متاعب وأوقفني مواقف محرجة مع رؤسائي، ومع شخصيات أخرى محترمة، والواقع إني في عذاب وآلام، أحس أحيانًا بآلام في الزور، وضغط على القفص الصدري ومنطقة البطن وجميع مفاصلي تتفكك وأعصابي ترتجف لساعات. وأسمع في أذني ثرثرة وشوشرة متواصلة بالليل والنهار، وقد تدهورت صحتي وأمسيت غير قادر على النوم ولا على تركيز الانتباه والتفكير، ولا على التذكر. إني الآن أرجو رحمة الله عليَّ وأطلب المشورة حلًا لمشكلتي التي تعقدت وساءت بسببها صحتي حتى صرت مثل هيكل عظمي. كما إنني فقدت فرص العمل، وصرت في ضنك شديد، بالرغم من دراساتي في مصر وفي الخارج مدة تزيد على العشرين عامًا" (331).
من أهم الأسباب التي تقود الإنسان إلى أعمال السحر ما يلي:
1- بغية الحصول على الأموال والهدايا والشهرة، فقد كان التابعون لعرَّافة فيلبي يتكسبون من ورائها.
2- محاولة الحصول على القوة الخفية وتسخيرها لخدمة أو إيذاء الآخرين وجاء في معجم اللاهوت الكتابي " يحاول الإنسان إزاء عالم يسحقه وكائنات تخفيفه، أو يرغب هو في السيطرة عليها، أن يكتسب قدرة تفوق قواه الخاصة، فتجعله سيد الألوهية، وبالتالي سيد مصيره " (معجم اللاهوت الكتابي ص 413) ويقول " ريتشارد كافنديش " الذي كتب دائرة السحر والتنجيم " إن القوة الدافعة وراء السحر الأسود... هذه القوة تأتي عن طريق اشتهاء القوة وهدفه الأساسي هو ما قالته الحية لحواء في جنة عدن " تكونان مثل الله ".. والحية في الديانة الوثنية هي رمز الحكمة " (332) وقال أحد الأشخاص الذين سقطوا في الأعمال الشيطانية أن القصد هو " الحصول على القوة وعلى كل شيء يتمشى مع هذه القوة مثل المخدرات والنساء والمال والعنف " (333).
3- الطمع في الوصول إلى عمل القوات الخارقة والمعجزات، والشيطان يستطيع أن يفعل المعجزات داخل دائرة الضبط الإلهي، فيقول الإنجيل " الذي مجيئه (ضد المسيح) بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة. وبكل خديعة الإثم في الهالكين لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا " (2تس 2: 9، 10).. " ولا عجب لأن الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور. فليس عظيمًا إن كان خدامه أيضًا يُغيرون شكلهم كخدَّام للبرّ الذي نهايتهم تكون حسب أعمالهم " (2كو 11: 14، 15) ويقول " جوردون تيرز " الذي كان يشفي الأمراض عن طريق التنويم المغناطيسي " أنت ترى أنني لست مؤمنًا إذ إنه لا يمكنني أن أؤمن بالله... إذ كان الشيطان يستطيع أن يخلص من الألم... فإنني أفضل الشيطان " ويدعي بعض السحرة أنهم يمارسون السحر لأنه الطريق لاستعادة الميراث الروحي المفقود، والتآلف مع الإلهية والعالم اللانهائي.
ويدخل ضمن طلب الخوارق الذين يركضون نحو صورة غير مدشنة تنضح زيتًا، أو تمثال يزرف دمعًا أو ينزف دمًا، أو فتاة يقطر الزيت من يديها أو وجنتيها... إلخ.
4- التماس حل المشاكل المعقدة من السحرة والعرافين، فمثلًا فتاة يتأخر زواجها بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعاني منها، فتظن أنه معمول لها عمل، أو فتاة أخرى كلما تقدم أحد لخطبتها يذهب ولا يعود، أو فتاة ثالثة كلما تمت خطبتها تفشل، أو إنسان طريح الفراش حار الطب في علاجه، فقد يجوز الإنسان في مثل هذه الظروف ويكون إيمانه بالله ضابط الكل وحلال المشاكل ضعيفًا، ولا يؤمن بالوعد الإلهي " كل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه " (مت 21: 22) وإن " لكل أمر تحت السموات وقت " (جا 3: 1)، وإن استجابة الصلاة قد تأتي بالإيجاب أو التأني أو السلب، لأنه قد يكون خير للإنسان أن لا تحل مشكلته، وقد يكون خير للمريض أن يجوز آلام المرض لتخلص روحه... وقد يلجأ البعض للسحرة لطرد روح شرير سكن في الإنسان، مع إن كلام السيد المسيح واضح إن شيطانًا لا يخرج شيطان و" كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرُب وبيت منقسم على بيت يسقط. فإن كان الشيطان أيضًا ينقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته " (لو 11: 17، 18) وكل ما يفعله الساحر أنه قد ينجح في أن يجعل الشيطان يهدأ بعض الوقت ثم يعود ليعربد بشكل أقوى وأشر.
5- الولوع بالغيبيات ومحاولة شق حجاب الغيب، والشيطان بما له من حرية حركة واسعة وإمكانات ضخمة، ودراية بالماضي والحاضر، والقدرة على التكهن بالمستقبل، يستطيع أن يخدع الكثيرين، ولاسيما المحرومين من السلام الداخلي، فهم يمثلون فريسة سهلة للوسطاء الروحانيين والسحرة.
6- يرتبط السحر والدجل والشعوذة بالتخلف الديني والعلمي والثقافي، ففي البيئات العشوائية تكثر الأقاويل والشائعات التي يطلقها أحيانًا السحرة على أنفسهم عن طريق أقربائهم وأدعياتهم، فيدعون أن فلان له قدرة كبيرة في حل المشاكل، وفي مثل هذه البيئات ينسب الإنسان مشاكله ومتاعبه للقوى غير المرئية، ويحاول الإنسان الحصول على حل مشاكله بطريقة معجزية سحرية سهلة بدلًا من إعمال عقله وفكره واجتهاده في حل مشاكله، ومع نقص الوعي الديني قد لا يدرك الإنسان أن الالتجاء إلى هذه الأمور الشيطانية يجلب الغضب الإلهي على الإنسان الذي التجأ إلى الشيطان دون الله، وقد لا يدرك الإنسان أيضًا أن الشيطان ليس فيه خير البتة، وإن كل ما يتمناه هو هلاك الإنسان... فأي إنسان يلجأ لهذه الأمور الشيطانية ويخلص؟! " وأما الخائفون... والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت " (رؤ 21: 8).
7- الإنزلاق في هذه المادية والعقلانية التي لا تشبع الروح، والعالم يعيش في فراغ روحي قاتل لذلك انجرف في الأعمال الشيطانية كمحاولة لإشباع الروح، وهيهات أن هذه الأمور الغيبية تشبع الروح. إنما هي في الحقيقة تقود الروح للهلاك الأبدي.
8- التأثر ببعض الأصدقاء الذين اعتادوا ارتياد مثل هذه الأماكن، وهم يستهينون بخلاص أنفسهم فيلجأون إلى بعض السحرة أو العرافين كأمر عادي في حياتهم، وأحيانًا على سبيل التسلية، ويُبسّطوا هذه الأمور لأصدقائهم.
9- محاولة التأثير على الغير، سواء بإيذاء الغير ثم زرع الخصام بين زوج وزوجته، أو تعطيل زواج شاب أو شابه، أو التأثير على الزوج فيعجز عن ممارسة حياته الزوجية، وقد يكون بمحاولة زرع المحبة الشيطانية بين شاب وفتاة، وقد يكون بهدف الحصول على بعض الأحجبة والتمائم التي يعتقدون أنها تحفظ الأولاد أو تجلب الرزق أو تمنع الحسد.
10- قد تكون الأعمال السحرية مهنة متوارثة من السلف للخلف يعتز بها الأبناء ظنًا منهم بأنها تهبهم مركزًا اجتماعيًا مميزًا، وتجعل الآخرون يحترمونهم.
11- الحرية في طباعة وتداول كتب السحر ولاسيما في الغرب والولايات المتحدة، فالكاتب "كولين ويسلون" أصدر كتاب "السحر والإيمان بالقوى الخفية" سنة 1973م، وكتاب " الاحتفال بالسحر " سنة 1977م، وكتاب " الأمور الغامضة " سنة 1978م، بل إن بعض المكتبات في الولايات المتحدة صارت متخصصة في كتب السحر وتحضير الأرواح، وأيضًا الحرية في إنتاج أفلام السحر، فالمنتج " جورج لوكاس " الذي أنتج فيلم " حرب الكواكب " يعتبر من أبرز المنتجين السينمائيين الذين يؤمنون بالسحر، ويعرض التليفزيون الأمريكي يوميًا نحو تسعين إعلانًا عن أشخاص لهم علاقة بالأرواح.
12- انتشار كثير من الطوائف المنحرفة والتي تدَّعي أنها طوائف مسيحية، ويقول " جون أنكر برج " و" جون ولدون " أن " آلاف الكنائس في أمريكا اليوم قد تحرَّرت لاهوتيًا. أي أنها لم تلتزم بالأفكار التقليدية، فهي ترفض مثلًا الوحي الإلهي للإنجيل، وتنكر الخلاص من خلال المسيح، وتسخر من الأمور المعجزية... فعندما يجد الناس أن الحقائق الروحية يُسخر منها في الكنيسة فليس من الغريب أن يتجهوا إلى مصادر أخرى من الغذاء الروحي سواء في الديانات الجديدة أو في السحر والإيمان بالقوى الخفية... فإن مختلف الجمعيات المسيحية الخاصة بعلم نفس التخاطر يُرجعون قدراتهم الخارقة للطبيعة على أنها موهبة من مواهب الروح القدس " (334).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
السحر هو أداء أعمال عجيبة بقوة وسلطة الشيطان وجاء في تعريف السحر " هو محاولة التأثير في الناس أو الأحداث، إما بوسائل الخداع والشعوذة، أو بتسخير قوى شيطانية، وذلك لجلب منفعة أو دفع مضرة، أو إيقاع أذى بالغير، أو استطلاع المستقبل والرجم بالغيب " (335).
والساحر " هو من يدعي لنفسه قدرة فوق الطبيعة أو معرفة الغيب بطرق مختلفة، وعلى الأخص بالأرواح الشريرة (خر 7: 11) وقد ادَّعى السحرة أن لهم سيطرة على حوادث المستقبل لتغييرها أو تعديلها بطرق سرية، وزعموا أن لهم علاقة بالجان أو بالآلهة " (336).
وعُرِف السحر منذ القدم في مصر وآشور وبابل وبلاد اليونان وفلسطين، ويؤكد عالم الآثار " فلندز بتري " أن السحر المصري هو أساس ومصدر كل سحر في العالم، وقال إن قدماء المصريين قد برعوا في كتابة التعاويذ، ووُجِدت نحو 270 صيغة من هذه التعاويذ باللغات الهيروغليفية واليونانية والعربية والسريانية والعبرية، وعلَّل د. مراد كامل في رسالة جمعية مارمينا الخامسة سنة 1954م بأن سبب براعة المصريين في السحر هو اعتقادهم في أنهم يستطيعون قهر أعدائهم بقوة السحر، وإنهم قادرون على تسخير الجن لمصالحهم (راجع القمص مرقس عزيز خليل – السحر والأعمال الشيطانية ص 66) وقد اعتقد المصريون أن آلهتهم استخدموا السحر للتغلب على الآلهة الأخرى، فاستخدمت الإلهة " إيزيس " السحر للتغلب على الإله " ست " وإعادة زوجها " أوزوريس " للحياة، وكان قدماء المصريون ينظرون للسحر كعلم يُدرَّس في المدارس الملحقة بالمعابد (بيوت الحياة) ويحتفظون بكتب السحر في مكتباتهم، وتقول دكتورة سامية حسن الساعاتي " كان السحر معترفًا به كعلم يُدرَّس في مدارس المعابد وهي ما يطلق عليها بيوت الحياة، بجانب الطب والكهنوت، ويحمل الساحر الذي يُصرح له بمزاولة المهنة شهادة من المعبد، ولا يُسمح له بمزاولة المهنة بدونها " (337) وحتى الملوك كانوا يعتمدون على السحرة في هزيمة الأعداء، والخلاص من الدسائس، والحصول على النوم الهادئ... إلخ وارتبط الطب في مصر بالسحر، وهذا واضح من مخطوطة " تعليمات للملك مريكار " التي يرجع تاريخها إلى سنة 2200 ق.م.، وارتبط السحر أيضًا في مصر بالكهنوت، فكان الكاهن المصري القديم يمارس الطب والسحر معًا. ثم انفصل الطب عن السحر وأصبح لكل منهما مجاله ورجاله، ومع هذا فإن السحر تغلغل في الحياة المصرية، فيقول " أدولف أرمان ".. " وتتعدد الأغراض التي يُستخدَم فيها السحر على نحو ما تتعدد ضروريات الحياة. فهو يصرف العاصفة والزوبعة، ويحمي في الصحراء ضد السباع، وفي الماء ضد التماسيح، وفي كل مكان ضد أشد أخطار مصر إزعاجًا وهي الثعابين والعقارب " (ديانة مصر القديمة – ترجمة د. عبد المنعم أبو بكر الأستاذ بكلية الآداب جامعة الإسكندرية) (338) وظهر عمل السحرة في بعض العجائب أمام موسى النبي.
وانتشر السحر في آشور، فوجدت ألواح أشورية تتحدث عن قراءة المستقبل باستطلاع النجوم، وقال ناحوم عن نينوى عاصمة آشور " من أجل زنى الزانية الحسنة الجمال... صاحبة السحر. البائعة أممًا بزناها وقبائل بسحرها " (نا 3: 4) وكذلك انتشر السحر في بابل، فكانت تلك الشعوب تعتقد أن آلهتها تستخدم السحر لحماية أنفسها من الآلهة الأخرى، فجاء في " ملحمة الخلق البابلية " أن " مردوخ " إبن " ايًّا أنكي " رب الرقي هزم الإلهة " تيامات " لأن تعاويذه كانت أقوى من تعاويذها، واشتهرت بابل بأعمال السحر، وانتشرت هذه الأعمال السحرية مع جيوش بابل التي غزت بلاد الشرق، فيقول الأستاذ عباس محمود العقاد " إن السحر البابلي في كل لغة مضرب المثل منذ الزمن القديم إلى الزمن الحديث " (كتاب حياة المسيح) (339).
كما إستخدم قدماء اليونان السحر، وإنتشرت الممارسات السحرية مع غزوات الإسكندر الأكبر، وتأثر شعب الله بأفكار السحر بسبب إقامته في أرض مصر لمدة أربعمائة سنة، وبسبب اتصاله بالكلدانيين أهل بابل خلال فترة السبي لمدة سبعين عامًا، وقد حذر الله شعبه من الإنزلاق في هذه الهاوية هاوية السحر والعرافة وتحضير الأرواح، وجعل عقوبة ممارستها الإعدام (خر 22: 18؛ لا 20: 27) ومع ذلك فإن بني إسرائيل سقطوا في هذه الهاوية، فشاول الملك الذي سبق وحرَّم العرافة في المملكة لجأ إلى عرَّافة عين دور (1صم 28) ومارست إيزابل السحر " فلما رأى يهورام ياهو قال أسلام يا ياهو... فقال أي سلام مادام زنا ايزابل أمك وسحرها الكثير " (2مل 9: 22) ومنسى ملك يهوذا الذي ملك 55 سنة في أورشليم " بنى مذابح لكل جند السماء في داري بيت الرب. وعبرَّ إبنه في النار وعاف وتفاءل واستخدم جانًا وتوابع وأكثر عمل الشر في عيني الرب لإغاظته " (2مل 21: 5، 6) وكثير من ملوك إسرائيل وملوك يهوذا سلكوا في الأعمال الشيطانية.
وفي العصور الوسطى سادت الخرافات السحرية في أوربا، حتى إن الإنجليز اعتبروا "جان جارك" الفتاة الفرنسية التي انتصرت على الجيش الإنجليزي أنها ساحرة، فأحرقوها وهي حية سنة 1430م، وفي العصر الحديث عاد للسحر سحره، فمثلاُ الأمريكيون الذين كانوا ينظرون للسحر على أنه نوع من الخرافة، أصبحوا شغوفين به، حتى سقط في ممارسة السحر علماء وسياسيون على أعلى المستويات، وتتعجب يا صديقي عندما تعلم أن 63% من الشعب الألماني استخدموا التنجيم مرة أو أكثر في حياتهم، ومن التقرير التالي نلمس مدى انتشار السحر في الخارج " في عام 1979م كتبت مجلة تايم الأمريكية أن 40 ألف من السحرة كانوا يمارسون السحر في الولايات المتحدة، وربما قد تضاعف هذا العدد اليوم، ومعهم أعداد مساوية من عبدَّة الشيطان بخلاف أكثر من 300 جامعة وكلية ومعهد يقدمون الآن برامج وشهادات علمية عن حركة العصر الحديث، وهناك 100 جامعة تقدم منهجًا علميًا عن السحر، وفي إنجلترا وحدها يوجد اليوم 50000 إلى 75000 من الذين يحضّرون الأرواح، بالإضافة إلى 40 ألف إلى مائة ألف من السحرة وعبدَّة الشيطان، إننا لم نسمع عن كل هذا من 40 عامًا مضى " (340).
ويدعي بعض السحرة أن هناك سحر أبيض White magic، وسحر أسود Black magic، ويدَّعون أن السحر الأبيض هو الذي يخدم البشرية فيجلب الحب بين الأنثى والذكر، ويجلب الرزق، ويفك الأعمال السحرية ويشفي الأمراض المستعصية، ويحل المشاكل الصعبة، ويرشد عن الأشياء المفقودة... إلخ وزيادة في التضليل فإنهم يتلون المزامير ويطلقون البخور أثناء ممارسة هذا النوع من السحر. أما السحر الأسود فهو يهتم بإيذاء الناس، فيصنعون تمثالًا من شمع للإنسان المطلوب أذيته ويوخذونه بالأبر فيشعر الإنسان بوخز هذه الأبر، ويربطون الزوج فيعجز عن ممارسة واجباته الزوجية، ويرسلون الأرواح الشريرة لمطاردة الإنسان حتى يختل عقله، ويصيبون البعض بالأمراض النفسية... إلخ. وبذلك يشجعون السحر الأبيض ويحذرون من السحر الأسود، والحقيقة إن السحر مهما كان الهدف منه فهو خطية كبيرة وكسر لوصية الله وتعاون مع الملائكة الساقطين.
وقد يكون الاتصال بالأرواح الشريرة عن طريق السحر في بدايته مريحًا جدًا، ويشعر الإنسان المخدوع أنه قد حاز قوة جبارة في حياته، وأصبح يرى رؤى رائعة، وقد امتلأت حياته بالنور والسلام، ولا يدري مدى الخطر الكامن له، ولا يدرك أنه فصل نفسه بإرادته عن المعونة الإلهية، وخرج عن دائرة الحفظ الإلهي، وعندما يتمكن منه عدو الخير... هل يرحمه؟! وهل تترأف عليه الأرواح الشريرة؟! وهل تشفق عليه الشياطين؟!! كلاَّ... يقول " جون جودفري " في كتابه " مخاطر تحضير الأرواح ": " إن الأرواح تطلع للحصول على ثقة ضحيتها، فهي تكون كاثوليكية مع الشخص الكاثوليكي، وتكون بروتستانتية مع الشخص البروتستانتي، وعندما تحصل هذه الأرواح الشريرة على ثقة هؤلاء الأشخاص فهي تبدأ ببطء في تقويض أساس الإيمان المسيحي الحقيقي فتنكر ألوهية المسيح، وسلطان الضمير، ومسئولية الإنسان عن أفعاله أثناء الحياة كما تنكر حقيقة الدينونة الأخيرة. ثم تغذي الذهن وتملأه بالأمور التافهة والمبتذلة التي يقبلها الإنسان الطبيعي، ولكنها تناقض الحقائق الأساسية للديانة المسيحية " (341).
ودعنا يا صديقي نأخذ مثالين على البدايات المريحة:
1- بدأت " جوانا ميشا " ترى رؤى سببت لها نشوة عظيمة، وصارت تغمرها موجات من النور والسلام. ظلت هكذا أربعة عشر شهرًا وهى تعمل كوسيطة روحية معتقدة أنها تتعامل مع أرواح خيّرة ومُحبَّة... ثم تعرضت لهجمات شرسة من هذه الأرواح الغاضبة، وادعى أحد هذه الأرواح أنه يسوع المسيح نفسه، وانقلبت عليها الأرواح تعذبها وتريد قتلها... لقد أدركت أنها سقطت ضحية للأرواح الشيطانية الماكرة (راجع الظلمة الآتية على العالم ص 24، 25).
2- التحقت " كارول " بإحدى معاهد الرهبان الهندوس وبعد فترة قُبلت في عضوية هذا المعهد، وعندما وضع "سوامي راما" يده على رأسها شعرت براحة وكأنها في السماء فقالت " ابتدأت تيارات من الطاقة الكهربائية تنتقل إلى رأسي وتسري في جسدي... وكأن السحر قد ملأني، وكانت السعادة التي شعرت بها وكأن الله قد لمسني".
بعد هذا سمعت روحًا يحدثها على أنه روح "سوامي راما" وظنت أنها بهذه الوسيلة تستطيع أن تقترب إلى الله أكثر فتقول " كانت التيارات الكهربائية تتذبذب حول جسدي، ثم تحركت في يدي، وكانت قوية لدرجة أنها كانت تهز يدي، وابتدأت الأفكار تدخل في ذهني وتقول لي " أريد أن أتكلم معك " كانت هذه معجزة، إذ أنني أصبحت على اتصال بعالم الأرواح. لقد وجدت الله. أخذت أردد كلمات المانترا التي تلقيتها (كلمات تسلَّمتها من سوامي راما لترديدها دائمًا) وأنا جالسة في ظلام غرفة المعيشة، ثم بدأت أشعر بوجود كائن في الغرفة.
وابتدأت أرى رؤى، وسمعت صوتًا قال لي أنه سوامي راما، وإنه يريد أن يتصل بي، وبعد أسبوعين رأت كارول كابوسًا مفزعا في نومها، انقضَّت عليها الشياطين بوحشية وأذوها جسمانيًا وروحيًا حتى شعرت كأن مخلوقًا بشعًا من العالم الآخر يريد أن ينتزع روحها... تكرَّر هذا الهجوم ولم تستجب هذه الأرواح الشريرة لتوسلاتها.
تدخل "د. نورمان شيلي" جراح الأعصاب في جامعة هارفاد، وكان قد ألَّف كتابًا عن الطب الخاص بالسحر والتنجيم، ولم يستطع أن يفعل لها شيئا، فحوَّلها إلى "د. روبرت ليختمان" وهو عالم أرواح فقرر أن حالتها شائعة بين هذا المذهب، والبعض قد ماتوا نتيجة لهجمات الأرواح الشريرة ولم يستطع مساعدتها، وقالت كارول " كان علىَّ أن أتحمل التعذيب إذ كنت غير قادرة على تحرير نفسي... كنت بلا حماية تحميني من هذه الهجمات التي لا تنتهي، فمئات الأرواح كانت تملأ حجرتي، وكان جسدي يبتل بالعرق في الوقت الذي كان كياني كله يهتز، وبعد أن قضيت عدة أسابيع في بيت والدي قررت أن أعود إلى بيتي ولكن في تلك الليلة بدأت الأرواح تبذل كل قوتها للقضاء علىَّ. أحسست أنهم يحاولون كسر جمجمتي، وقد كانوا يضغطون بشدة على ظهري وصدري بقبضة موجعة. ثم شعرت وكأنهم يحاولون أن يخلعوا كتفي من مكانه، ويحاولون أن يخلعوا عيناي أيضا، وكانوا يضغطون على رقبتي محاولين خنقي. امتلأت بالخوف إذ كنت على حافة الهاوية فصرخت لزوجي قائلة " إني أموت... لا أستطيع أن أحتمل أكثر من هذا. خذني إلى المستشفى " وفي المستشفى كنت راقدة مثل كلب جريح. لم أستطع أن أتكلم، ولكن على الأقل كانت الأرواح قد اختفت مؤقتا، ثم عادت إلى المنزل وعادت الأرواح الشريرة النجسة تعذبها إلى أن صرخت بدموع إلى الرب يسوع الذي طرد عنها هذه الأرواح وأنقذها من هذا العذاب (راجع الظلمة الآتية على العالم ص 20 – 23).
يقول د. " دالاس " وهو دكتور في اللاهوت ومؤلف لأربعة كتب في السحر وعبادة الشيطان أن ممارسة السحر والإيمان بالقوى الخفية تنتج كراهية فطرية للأمور الدينية والروحية الحقيقية، كما تنتج رفضًا للإنجيل ككلمة الله الموثوق بها. إنهم يميلون للتحرر من المستويات الأخلاقية، وأن يجعلوا الأخلاق شيئًا نسبيًا (راجع الظلمة الآتية على العالم ص 159، 160).
ويقول " د. كيرت كوخ " عالم اللاهوت الألماني المتخصص في إعطاء المشورة لمن سقطوا في براثن السحر والاتصال بعالم الأرواح... إنه من خلال تجربته الشخصية على مدى 45 عامًا سمع حوالي 20 ألف حالة فظيعة ينتابها الغم والضيق من جراء الاتصال بعالم الأرواح، ونسبة الشفاء منها لم تتعدى 10 % (راجع الظلمة الآتية على العالم ص 155، 156).
ويقول " لامار كين " وهو من أشهر الوسطاء في العالم، حتى أنه كان يشفي المرضى بواسطة الأرواح، ومارس السحر لمدة ثلاثة عشر سنة ثم استيقظ ضميره، فسجل كتابه" مافيا الاتصال بعالم الأرواح " وقال " كين " " مع كل هذا المال الذي جرى بين يدي، ومع كل هذه الإثارة والنجاح في عملي كوسيط، فهل تظنون أنني كنت سعيدًا! بالطبع لا... وقد كان سبب تعاستي هو أنني كنت مدركًا مثل كل الوسطاء الآخرين أن معظم الناس يحتقروننا، وإننا لم نكن محترمين حقيقة، فكان لنا ضمير موسوم إذ أن الأمور التي يعتبرونها معظم جميع الناس خطأ، كنا نعتبرها نحن أمور شرعية وقانونية، فالغش والكذب والسرقة كل هذه الأمور كانت طاهرة ومبرأة من الخطية في نظر الوسطاء " (342).
كما قال أيضًا " عندما نظرت أمامي وجدت أنني إذا بقيت في الوساطة، فإن مصيري سيكون غامضًا، فكل الوسطاء الذين عرفتهم كانت لهم نهايات مأسوية، فالأخوات فوكس إنتهى بهم الأمر إلى سيدات مخمورات هجرهنَّ المجتمع. كما مات " وليم سلاد " وهو مجنون في مصحة للأمراض العقلية في ميتشجان، ورقدت "مارجريت" الوسيطة على فراش الموت وهى مخمورة ويائسة، وعندما ماتت "ميبل ريفل" التي كانت فذة في الوساطة في يوم سقطت فيه الثلوج بغزارة بقى جثمانها بدون دفن إلى أن ذابت الثلوج، ولم يحضر جنازتها سوى عدد قليل جدًا من الناس. هكذا فأنني أينما نظرت وجدت نفس الشيء. وجدت وسطاء أنهوا حياة سقيمة وماتوا بطريقة سقيمة " (343).
ونأتي هنا إلى سؤال هام وهو: مَنْ يسيطر على مَنْ... الساحر أم الشيطان؟ وهل يمكن أن يؤذي الشيطان صديقه الساحر؟
يظن بعض الذين يسلكون في الممارسات الشيطانية أنهم يُسخرون أرواح خيرّة لخير المجتمع، وربما ينادي بعضهم بأن هذه مواهب إلهية قد مُنحت لهم، فهم يستخدمون المزامير بطريقة ما، والبعض منهم يعتقد أن لديه الحكمة التي تحميهم من هذه الأرواح، ويبدأون بتحضير الأرواح ولا يستطيعون صرفها فتؤذيهم، و" فريدا موريس " العالمة في علم النفس في كتابها " ردود الفعل العاطفية للاختبارات الخاصة بالاتصال بالأرواح " تقول " إن أي إنسان يمكنه أن يفتح الباب لعالم الاتصال بالأرواح الشريرة. أما غلق هذا الباب فإنه يكون أمرًا صعبًا تمامًا، فالأرواح الشريرة يمكنها أن تحوّل حياة هذا الإنسان إلى جحيم ما لم يستسلم لبرامجها " (344).
ويقول الساحر " دافيد كونواي ".. " تتم الشعائر على مرحلتين: المرحلة الأولى يتناغم فيها الساحر مع السر المقدَّس الذي يجريه... وتحدث ذروة كل الشعائر السحرية عندما يجتذب الساحر كل القوى الهائلة التي استدعاها لكي تفعل شيئًا معينًا، ولكي يفعل هذا تأتى المرحلة الثانية التي فيها يسلم الساحر كيانه كله لهذه القوى الهائلة التي تكون مستعدة أن تمتلكه، لذلك فإن أي ساحر يريد أن يستخدم قوة روح شرير أو شيطان لكي يقوم بعمل ما عليه أن يضع نفسه تحت سلطان هذا الروح الشرير أو هذا الشيطان، أو على الأقل أن يكون تحت سيطرة سلسلة من الطقوس الصارمة التي يستخدمها الساحر عند استدعاء قوة سحرية " (345).
كما يقول الساحر " دافيد كونواي " أيضًا " أننا نُسمي الشياطين أروحًا شريرة لأنهم يسببون لنا أضرارًا بالغة... في البداية يحاولون أن يعطوا للناس انطباعًا حسنًا عنهم، فيظهرون لنا كأطفال صغار، وككبار السن الطيبين، وكشباب حسنى المظهر من كلا الجنسين. هذه هي الصورة الآدمية التي يفضلون التخفي فيها. ومع أنهم هم أنفسهم ليسوا آدميين، فإنهم دائمًا يظهرون أنهم واسعي الحيلة مثل أكثر البشر مكرًا، فإنهم يتملقون، ويفتنون، ويهددون... أما عرضهم الرئيسي فهو تدمير أي شخص يقع في طريقهم، وهو في هذه الحالة الساحر الذي يتجرأ أن يقترب من مملكتهم... فعندما يشرع شخص ما بأن يتصل بهذا العالم الوهمي عمدًا فإنه يواجه في الحال كثيرًا من المخاطر. أمهر السحرة وأكثرهم دراية ومعرفة يدركون أن شياطين جهنم ينتظرون خطوة واحدة خاطئة وغير صحيحة لكي يُسلَّم لها هذا الساحر " (346).
ويقول الوسيط الروحي " سري شيمنري ".. " إن كثيرين جدًا من الذين يمارسون السحر الأسود... يُخنقون أو يُقتلون. إنني أعرف هذا ومتأكد منه لأنني أنا شخصيًا كنت قريبًا من الخنق والموت " (347).
ويقول "د. كيرت كوخ".. " إن نهاية الذين يمارسون السحر والاتصال بعالم الأرواح تكون مأسوية بدرجة كبيرة... في حالات كثيرة انتهى بهم الأمر إلى الانتحار... وإلى أن يشاهدوا مشاهد فظيعة في ساعات الاحتضار الأخيرة " (348).
وتقول "ناينيل كولاجينا" الوسيطة الروحية إن الشياطين كانت تشعل ملابسها بالنار، فتعرضت للحروق، وكانت تعاني من آلام شديدة ونوبات قلبية مميتة حتى ماتت عام 1990م، وهناك مائة حالة مدعمة بالوثائق أشعلت الشياطين النيران في أتباعها فماتوا حرقا (راجع الظلمة الآتية على العالم ص 204 – 208).
ومن الأمور التي تدخل في نطاق السحر ما يلي:
الحجاب - الرقية/التمائم/التعاويذ - العمل - التابعة/القرين
1- عمل الأحجبة: ويُقصد بالحجاب ما يحجب الشر عن الإنسان الذي يحمله، فيكتب الساحر أو العرَّاف حجابًا به طلاسم لا تُفهم، ويُغلّفه في قماش، ويطلب تعليقه بين طيّات الملابس أو تعليقه في الرقبة، مثل حجاب السبعة ملائكة أو حجاب العذراء حالة الحديد، وربما يكتب بالحجاب بعض آيات من المزامير في شكل حروف، أو يرسم مربعات ومثلثات ويضع فيها حروف أو كلمات غير مفهومة، وربما يكون الحجاب قطعة من شباك الصيد أو خاتم أو خرزة ملونة... إلخ وهذه الأحجبة مثلها مثل كتب السحر يجب حرقها والتخلص منها، ولتكن ثقتنا ورجاءنا في الله وحده ضابط الكل صانع الخيرات.
2- الرقية والتمائم والتعاويذ: الرقية هي كلام يُرقَّى به الطفل أو الشخص لإماطة الأذى عنه، كما يقولون " رقيتك يا فلان إبن فلانة من عين فلانة... " وقد يكتب الساحر (الشخص المبروك كما يدعونه) الرقية وقد يضع فيها أسماء أرواح شريرة يدعوها بالأعوان أو الخدام، ويطلب من الشخص الذي تخصه الرقية أن يحرقها في جمر النار مع وضع نوع معين من البخور، أو يضعها في إناء به ماء ويتركها ليلة أو أكثر في ضوء النجوم ثم يشرب هذا الماء، وقد يكتب الساحر على الرقية على قطعة من جلد الحيوان أو الشقف، ويدعوها البعض تحويطة أو تعويذة، ويعتقدون أنها تحفظ الإنسان من الحسد ومن الأرواح الشريرة، وقد نهى الله عنها " لا يوجد فيك... من يرقي رقية... " (تث 18: 10، 11) وهناك " الحواة " الذين يرقون الحيات أي يجذبونهم من مخابئهم وذلك بتلاوة بعض التعاويذ، وربما يمثل هذا العمل فنًا بعيدًا عن قوى السحر، وشبه داود النبي الأشرار " مثل الصلّ الأصم يسد أذنه. الذي لا يستمع إلى صوت الحُواة والراقين رُقَى كليمٍ " (مز 58: 4، 5) وقال الرب لشعبه العنيد " لأني هأنذا مرسل عليكم حياتٍ أفاعي لا تُرقَى فتلدغكم يقول الرب " (أر 8: 17) ومن التمائم الآهلَّة التي كان يضعها القدماء في أعناق الجمال لتجلب النصرة على الأعداء، فعندما أسر جدعون زبح وصلمناع، وطلب من ابنه أن يقتلهما " فقال زبح وصلمناع قم أنت وقع علينا لأنه مثل الرجل بطشه. فقام جدعون وقتل زبح وصلمناع وأخذ الاهلَّة التي في أعناق جمالها " (قض 8: 21).
3- الأعمال: أي الكتابات السحرية التي يعملها السحرة والعرَّافين بقصد إيقاع الأذى بالآخرين كأن يسود روح الخصام بين خطيب وخطيبته أو زوج وزوجته أو أخ وأخيه، أو يقصد تعطيل زواج فتاة أو شاب، أو للتأثير على الزوج حتى لا يقوم بواجباته الزوجية، ويستخدم السحرة أثرًا من الشخص المقصود إيقاع الأذى به مثل منديل أو قصاصة شعر، وخطورة الأمر ليس في العمل نفسه، بل بالأكثر في اعتقاد الكثيرين من البسطاء الذين يتعرضون لبعض المتاعب إنه معمول لهم عمل، ولا خلاص منه إلاَّ بعمل مضاد أقوى.
4- التابعة والقرين: التابعة هي الروح الشريرة المصاحبة أو التابعة للإنسان، والقرين هو الروح الشرير الذي يقترن بالإنسان أي يلازمه في صحوه ومنامه، وقال الرب " والنفس التي تلتفت إلى الجان وإلى التوابع لتزني وراءهم أجعل وجهي ضد تلك النفس وأقطعها من شعبها " (لا 20: 6).. " وإذا كان في رجل أو امرأة جان أو تابعة فإنه يُقتل. بالحجارة يرجمونه. دمه عليه " (لا 20: 27).
ويزعم البعض أنه على علاقة جسدية مع جن (أو جنية) ومخاوٍ للشيطان، والحقيقة إن الشياطين مجرد أرواح، فهم لا يتزوجون ولا يتناسلون، ولا يوجد بينهم ذكور وإناث كما في البشر، ولكن قد يظهرون بمظهر شاب وسيم أو فتاة رائعة الجمال، ويجتذبون الإنسان إلى خيالات وتهيؤات، فيظن هذا الإنسان إن ذاك الخيال حقيقة، ويثيرون شهوته فيشعر وكأنه يتعامل مع كائن حي ملموس يراه بعينه ويسمعه بإذنه. ويقول نيافة المتنيح الأنبا غريغوريوس عن هذه الأخيلة والتي جاء ذكرها في الكتاب المقدَّس " هي أشباح تظهر للإنسان بأشكال كائنات تتعامل معه حيث يراها بعينيه ويسمع صوتها بأذنيه، وقد تلمسه ويلمسها ويحس بها، إحساسًا شبيهًا بإحساسه بالكائنات ذات الكيان المادي الملموس، وقد لا يستطيع أن يتبين أنها أشباح أو خيالات إلاَّ عندما تختفي أشكالها من أمام عينيه فجأة... والأشباح أيضًا هي أشكال لأشخاص تُعرف وتُنظر بالعين ممدودة طولًا وعرضًا... فمن يدعونهم بـ(المخاوين للشياطين) هم قوم باعوا أنفسهم للشيطان وجنوده، وأسلموا أنفسهم بإرادتهم لإرادته، إشباعًا لشهواتهم وإنسياقًا لهواهم، وتصادقوا معه ليحققوا رغباتهم الجسدية، فليس مستبعدًا أن يظهر لهم هو وجنوده في خيالات وأشكال جسمانية، فتظهر للرجل في هيئة امرأة، وللمرأة في هيئة رجل... " (349)
وجاء في التلمود إن الشياطين هم من نسل آدم بعد أن لعنه الله، فقد رفض آدم أن يكون له علاقة جسدية مع زوجته حواء، حتى لا تلد له ذرية تعيسة، فتزوج من شيطانة تدعى " ليليت " لمدة 130 سنة فولدت له شياطين، ولكن عندما عصت ليليت زوجها آدم عاقبها الله بموت أولادها، فصار يموت كل يوم مائة من أولادها، وصارت هي تعوي كالكلاب، وكان يصحبها 180 ملكًا شريرًا، وقال التلمود أيضًا إنه حدث تزاوج بين الشياطين وحواء، وإن نوح أبقى بعض الشياطين في الفلك وإن أرواح الشياطين مخلوقة من مادة موجودة تحت القمر لا تصلح إلاَّ لصنعها، والشيطان يحب الرقص بين قرني ثور خارج من المياه، ومُغرَم بالرقص بين النسوة الراجعات من دفن الميت، وإن النوم تحت أشجار البندق خطر لأن هناك شيطانًا فوق كل ورقة من أوراقها، وإن هناك اثنتين من الشياطين اسمهما آذا وآذائيل، وهما اللتان علمتا السحر لبعض بني إسرائيل (راجع التلمود – إعداد راهب من دير البراموس ص 78، 79، والقمص مرقس عزيز – السحر والأعمال الشيطانية ص 43، 44).
5- الإجازة في النار: أي تقديم الذبائح البشرية، وليس من السهل أن يضحي الآباء والأمهات بفلذات أكبادهم، ولكن عندما تسيطر عليهم قوى الشر، فإنهم يقدمون أطفالهم ذبائح بشرية، وقد أُشتهر بهذه الذبائح بنو عمون الذين كانوا يقدمون أطفالهم كأعظم هدية لإلههم مولك المصنوع من النحاس الأجوف وله رأس عجل يجلس فاتحًا يديه ويشعلون النيران أسفله، ويضعون أطفالهم على ذراعية وهم يدقون الطبول، وقد حذر الرب من هذه الممارسة الشيطانية " لا يوجد فيك من يجيز ابنه أو ابنته في النار " (تث 18: 10) كما حذر شعبه من تقديم أطفالهم لمولك " ولا تعطِ من زرعك للإجازة لمولك لئلا تدنس اسم إلهك أنا الرب " (لا 18: 21) والأمر العجيب أن سليمان أحكم حكماء الأرض ذهب وراء ملكوم هذا بسبب نسائه الأجنبيات " فذهب سليمان وراء عشتورث إلاهة الصندونيين وملكوم رجس العمُّونيين " (1مل 11: 5) وعندما عصى ميشع ملك موآب على يهورام ملك إسرائيل ورفض دفع الجزية، هاجمه ملك إسرائيل ومعه يهوشافاط ملك يهوذا، وملك أدوم، وعندما وجد ميشع أن الحرب قد اشتدت عليه " فأخذ ابنه البكر الذي كان مَلَك عوضًا عنه وأصعده محرقة على السور. فكان غيظ عظيم في إسرائيل. فانصرفوا عنه ورجعوا إلى أرضهم " (2مل 3: 27) وفي العصر الحديث عادت الذبائح البشرية على أيدي عبدَّة الشيطان، وفي أرياف الصعيد هناك ما يسمونه بالبسلة، فعندما يتعرض إنسان لموقف مفاجئ فيصاب برجفة (أو خضة) يوقدون له بعض النيران، فيعبر عليها عدة مرات ذهابًا وإيابًا بدون رسم الصليب وبدون ذكر إسم الله، وهي بلا شك من الممارسات الخاطئة التي تسربت إلى الشعب المسيحي، ويقول نيافة المتنيح الأنبا غريغوريوس " أن هذه البَسلة... هي إجراء سحري، والسحر نوع من عبادة الشيطان، ويُعتبر في كنيستنا أفظع وأبشع من عبادة الأوثان. ويكفي للتدليل على أن هذه البَسْلة عمل من السحر، وأنها تنتمي إلى عالم الشيطان وقواته الشريرة. إنه يشترط فيها لتكون ناجحة أو تؤدي إلى الغرض منها كما يقولون، أن الذي يتخطاها يتحتم عليه أن لا يرسم الصليب، ولا يذكر البسملة أي اسم الله أو اسم المسيح أو اسم الصليب. هذه البَسْلة إذًا طريق خاطئ، لا يُسمح للمسيحي السائر في طريق السماء لنفسه أن يسلك فيه، وإلاَّ كان كمن يُسلّم نفسه للشيطان، وهو طريق محفوف بالمتاعب " (350).
وما دمنا تحدثنا عن السحر وأنواعه فهناك ضرورة للإشارة إلى الدجل والشعوذة، فهناك فرقًا بين السحر والدجل، فالسحر هو استخدام الإنسان للقوى الشيطانية وتوظيفها لأغراضه الشخصية أو لأغراض الآخرين مقابل المقابل المادي أو المعنوي. أما الدجل فلا علاقة له بالقوى الخفية إنما يرتبط بالذكاء والدهاء والاحتيال والخداع والمكر والحيلة، واستغلال بساطة بعض الناس الذين يعانون من مشاكل صعبة، فالدجال هو الذي يدَّعي أنه ساحر وهو ليس بساحر، إنما يسخر إمكاناته في إقناع الناس بأنه يُسخر الجن، حتى يسلب أموال البسطاء، وكثيرًا ما تطالعنا الصحف بأسماء وقصص هؤلاء الدجالين، ومحاولة بعضهم اغتصاب النسوة اللاتي يقعن في شباكهم، ويجيد الدجال استخدام طريقة الإيحاء ليصل إلى التأثير المطلوب على الضحية، ولذلك:
1- يربط الإيحاء بالأمور الدينية التي لها قدسيتها، فإذا كان مسيحيًا يتلو المزامير، وأبانا الذي في السموات، وإذا كان مسلمًا يتلو القرآن.
2- يربط الإيحاء بالأمور المحببة لدى الضحية، فيتحدث مع المرأة العاقر عن الإنجاب والأطفال، والفتاة التي تأخر زواجها يحدثها عن السعادة الزوجية، ويتحدث مع الشاب الفاشل عن النجاح.
3- يربط الإيحاء بالجو المحيط والتأثير النفسي، فقد يرتدي ملابس غريبة، وقد يكتب بالدم وريش الطيور، ويجلس في غرفة مظلمة، ويطلق البخور بكثافة، وقد يستعين بأعوانه الذين يحدثون أصواتًا غريبة.
ويجد الدجال فرصته في المجالات الآتية:
1- لدى أصحاب المشاكل الصعبة.
2- المناطق العشوائية والشعبية بين بسطاء الناس الذين يصدقون كل ما يقال لهم، ويعممون الأمر، فإذا نجح الدجال في حل مشكلة فإنهم يشيعون عنه أنه ينجح في حل جميع المشاكل.
3- المجتمعات الزراعية التي تقاوم التطور، ولا قيمة للوقت فتصبح بيئة صالحة ترتع فيها الخرافات والأوهام والاتكالية والبعد عن المثابرة والالتجاء إلى الغيبيات لحل المشاكل.
بينما الدجل لا يجد فرصته في المجتمعات الصناعية التي يسيطر فيها العلم والتكنولوجيا، ويقول القس صموئيل رزفي " التفكير العلمي يعتمد على حقائق يمكن وضعها تحت الدراسة للتأكد منها، أما التفكير الخرافي فيعتمد على أوهام غير قابلة للفحص والدراسة... التفكير العلمي هو فكر يتمتع بالمرونة في التفكير، ويؤكد أن المرونة ترتبط بالمثابرة والبحث عن الحلول... التفكير العلمي إذًا يقود إلى التقدم والإبداع، ويساعد على بناء حضارة جديدة بعكس الفكر الخرافي الذي يقود إلى التخلف وفقدان القدرة على الإبداع. التفكير العلمي لا يعرف الهزيمة بل يعرف المثابرة ومحاولة ابتكار حلول جديدة بعكس التفكير الخرافي الذي يؤمن بعجز الإنسان والالتجاء إلى الغيبيات لمحاولة الحصول على حل لأي مشكلة يواجهها، فالإنسان في الفكر الخرافي لا يستطيع تقرير مصيره، أما في الفكر العلمي فهو الوحيد الذي يمتلك تقرير مصيره...
إذا وجد التلاميذ من يساعدهم على الإبداع والابتكار لا يتجهون إلى التفكير الخرافي، بل يتعلمون التفكير الإبداعي، فالإنسان وُجِد ليكون، ولا بد من الإيمان بقدراته العقلية على مجابهة المشاكل بنفسه، والإنسان على استعداد للتعلم لكي يبدع إذا وجد من يعلمه الإبداع والابتكار، فالبيئة لها تأثير كبير على الناس فإما أن تساعدهم على تبني الخرافات أو تساعدهم على التفكير الابتكاري العلمي...
فلو استخدمنا العقل للحكم على الخرافات ما استطاعت الخرافات أن تثبت أمام العقول يومًا واحدًا، وهنا يصبح العقل هو السيد على الأمور، هو الذي يصنع الحياة، وهو الذي يسيطر على الحياة. أما في التفكير الخرافي فالخرافة تسيطر على الإنسان فتملؤه بالخوف، والخوف يدمر الإنسان، ويشل طاقات تفكيره الإبداعي، فينموا الإنسان في جو من الأساطير والخرافات التي تقل منه القدرة على الإبداع في الحياة، والسؤال الآن: في أي طريق نُنشئ أبنائنا وبناتنا... طريق التفكير الخرافي أم العلمي؟! " (351).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
لقد حرم الله السحر تحريمًا باتًا، حتى إن عقوبة الساحر والساحرة وصلت إلى حد الحكم بالإعدام، ومن أمثلة أحكام الله وتحذيراته ما يلي:
1- " لا تدع ساحرة تعيش " (خر 22: 18).
2- " لا تلتفتوا إلى الجان ولا تطلبوا التوابع فتتنجسوا بها أنا الرب إلهكم " (لا 19: 31).
3- " والنفس التي تلتفت إلى الجان وإلى التوابع لتزني وراءهم. أجعل وجهي ضد تلك النفس وأقطعها من شعبها " (لا 20: 6).
4- " وإذا كان في رجل أو امرأة جان أو تابعة فإنه يُقتل. بالحجارة يرجمونه. دمه عليه " (لا 20: 27).
5- " متى دخلت الأرض التي يعطيك الرب إلهك لا تتعلم أن تفعل مثل رجس أولئك الأمم. لا يوجد فيك من يجيز ابنه أو ابنته في النار ولا من يعرف عرافة ولا عائف ولا متفائل ولا ساحر. ولا من يَرقي رُقية ولا من يسأل جانًا أو تابعة ولا من يستشير الموتى. لأن كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب. وبسبب هذه الأرجاس الرب إلهك طاردهم من أمامك " (تث 18: 9 – 12).
6- " وكان شاول قد نفى أصحاب الجان والتوابع من الأرض " (1صم 28: 3).
7- منسى الملك " عبرّ إبنه في النار وعاف وتفاءل واستخدم جانًا وتوابع وأكثر عمل الشر في عيني الرب لإغاظته... وتكلم الرب عن يد عبيده الأنبياء قائلًا. من أجل أن منسى ملك يهوذا قد عمل هذه الأرجاس... لذلك هكذا قال الرب إله إسرائيل. هأنذا جالب شرًا على أورشليم ويهوذا حتى إن كل من يسمع به تطن أذناه. وأمدُّ على أورشليم خيط السامرِه ومطمار بيت آخاب وأمسح أورشليم كما يمسح واحد الصحن يمسحه ويقلبه على وجهه. وأرفض بقية ميراثي وأدفعهم إلى أيدي أعدائهم فيكونون غنيمة ونهبًا لجميع أعدائهم " (2مل 21: 6 – 14).. "وكلم الرب منسى وشعبه فلم يصغوا. فجلب الرب عليهم رؤساء الجند الذين لملك آشور فأخذوا منسى بحزامة وقيدوه بسلاسل نحاس وذهبوا به إلى بابل " (2 أي 33: 10، 11).
8- قال أشعياء النبي " ينزع السيد في ذلك اليوم زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة. والحَلَق والأساور والبراقع " (أش 3: 18، 19) والأهلة هي الأحجبة التي إستخدمها غير المؤمنين، فذبح وصلمناع عندما قتلهما جدعون " أخذ الأهلّة التي في أعناق جمالها " (قض 8: 21).
9- " وإذ قالوا لكم إطلبوا إلى أصحاب التوابع والعرافين المشقشقين والهامسين. ألا يسأل شعب إلهه. أيُسأل الموتى لأجل الأحياء. إلى الشريعة وإلى الشهادة إن لم يقولوا مثل هذا القول فليس فهم فجر " (أش 8: 19، 20).
10- " هكذا يقول الرب فاديك وجابلك... مبطّل آيات المخادعين ومُحمّق العرافين " (أش 44: 24، 25).
11- قال الله عن بابل " فيأتي عليك هذا الإثنان بغتة في يوم واحد الثكل والترمل... بالتمام قد آتيا عليكِ مع كثرة سحوركِ التي فيها تعبتِ منذ صباكِ... قد ضعفتِ من كثرة مشوراتكِ. ليقف قاسموا السماء الراصدون النجوم المعرّفون عند رؤوس الشهور ويخلصوك مما يأتي عليك " (أش 47: 9 – 13).
12- " فلا تسمعوا أنتم لأنبيائكم وعرَّافيكم وحالميكم وعائفيكم وسحرتكم الذين يكلمونكم... لأنهم إنما يتنبأون لكم بالكذب " (أر 27: 9، 10).
13- " وأنتَ ياإبن آدم فأجعل وجهك ضد بنات شعبك اللواتي يتنبأن من تلقاء ذواتهن وتنبأ عليهن. وقل هكذا قال السيد الرب. ويل للواتي يَخُطن وسائد لكل أوصال الأيدي ويصنعن مخدات لرأس كل قامة لإصطياد النفوس " (حز 13: 17، 18) فكان النبيات الكاذبات يصنعن المخدات على شكل دمي، وتزعم النبية الكاذبة أنها قادرة على حبس النفوس داخل هذه الدُمَى.
14- " إني أقطع خيلك من وسطك وأبيد مركباتك. وأقطع مدن أرضك وأهدم كل حصونك. وأقطع السحر من يدك ولا يكون لك عائفون. وأقطع تماثيلك المنحوتة وأنصابك من وسطك فلا تسجد لعمل يديك فيما بعد " (مي 5: 10 – 13).
15- تنبأ ناحوم عن نينوى التي إشتغلت بالسحر قائلًا " ويل لمدينة الدماء كلها ملآنة كذبًا وخطفًا... من أجل زنى الزانية الحسنة الجمال صاحبة السحر البائعة أمما بزناها وقبائل بسحرها. هأنذا عليكِ يقول رب الجنود فأكشف أذيالكِ إلى فوق وجهكِ وأُري الأمم عورتك والممالك خزيك. وأطرح عليكِ أوساخًا وأُهينك وأجعلك عبرة. ويكون كل من يراكِ يهرب منكِ ويقول خربت نينوى من يرثى لها. من أين أطلب لكِ معزين " (نا 3: 1 – 7).
16- " وأقترب إليكم للحكم وأكون شاهدًا سريعًا على السحرة. وعلى الفاسقين وعلى الحالفين زورًا " (ملا 3: 5).
17- " ولا عجب لأن الشيطان نفسه يُغيّر شكله إلى شبه ملاك نور " (2كو 11: 14) ولذلك قال بولس الرسول لأهل غلاطية " إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما... إن كان أحد يبشركم بغير ما قبلتم فليكن أناثيما " (غل 1: 8، 9).
18- وجاء الحكم الإلهي على مدينة بابل " ورفع ملاك واحد قوي حجرًا كرحى عظيمة ورماه في البحر قائلًا هكذا بدفع سترمى بابل المدينة العظيمة ولن توجد فيما بعد... إذ بسحركِ ضلَّت جميع الأمم " (رؤ 18: 21-23).
19- " وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني " (رؤ 21: 8).
20- " لأن خارجًا الكلاب والسحرة والزناة والقتلة وعبدَّة الأوثان وكل من يحب ويصنع كذبًا " (رؤ 22: 15).
21- أمر الرب بالتخلص من بعض العادات الوثنية التي مارستها شعوب الأرض، مثل عدم طهي الجدي الرضيع (خر 23: 19، 24: 26، تث 14: 21) لأنها عادة في الطقس الكنعاني الوثني، وكذلك ذبائح الأطفال (تث 18) وأيضًا شرب الدم (تك 9: 4، لا 3: 17، أع 15: 29).
22- أظهر الله أن القوة الإلهية تخزل قوة السحر كما حدث في مواقف عديدة مثل:
أ - إنتصار موسى على سحرة مصر (خر 7: 10 – 13، 8: 1 – 7، 8: 19، 2تي 3: 8).
ب - إنتصار يوسف في تفسير الأحلام التي فشل في تفسيرها العرافين المصريين (تك 49).
ج - إنتصار قوة الله على بالاق وبلعام (عد 22 –24).
د - خضوع سيمون الساحر لبطرس الرسول (أع 8: 9 – 24).
هـ - سيطرة بولس الرسول على بار يشوع (أع 13: 6 – 11).
و – طرد بولس الرسول روح العرافة التي سكنت جارية فيلبي (أع 16: 16 – 18).
ز - إنتصار إسم يسوع على المُعزّمين (أولاد سكاو) (أع 19: 13-16).
ح - حرق كتب السحر في أفسس (أع 19: 19، 20).
وأيضًا حرَّمت الكنيسة السحر بكل أنواعه وأشكاله، وحرَّمت التعامل مع السحرة، أو الذهاب إليهم، وحرَّمت الاحتفاظ بأي كتب للسحر، وحذرت من تصديق أي معجزة يفعلها الشيطان... إلخ وهذا يتضح مما يلي:
1- القوانين الكنسيَّة منعت أعمال السحر، فجاء في القانون العشرين للرسل أن:
- " يُعزَل الأسقف عن الرئاسة إذا وثق بحساب النجوم، أو إذا صدق كلام العرافين والسحرة، أو يقبل قولهم ".
- " إن الساحر والمنجم والعراف ومفسر الأحلام وصاحب الملهى، أو من يقوم بإختيار الأيام (أي يعتقد أن يومًا من أيام الأسبوع نحسًا) أو مفسر الإختلاطات (مثل ضاربة الودع وقارئة الفنجان) أو من ينظر بطير السماء (العيافة) ومن يتحفظ (أي يتشاءم) بأعرج أو بأعمى، ومن يتفاءل بكلام الناس، فليكفوا أو يُخرَجوا " (سطب 28).
- " الساحر والمنجم والعراف ومفسر الأحلام والمتفاءل (بشيء) وصانع الخرز والأحجبة أن يكفوا أو فيُخرَجوا " (رسطب 68، رسطب 28).
- " ولا يخالط أحد المؤمنين السحرة والعرافين، أو من فعل ذلك وخالطهم وسألهم وصدق قولهم وأدخلهم إلى بيته، ودخل بيوتهم، وأكل طعامهم وشرب من شرابهم، إن كان من الكهنة فليسقط من درجته، ويُمنَع من مخالطة المؤمنين، وإن كان من العلمانيين فليتجنب مخالطتهم " (قانون 22 من قوانين مجمع نيقية).
- " والذين يعملون الحروز (الأحجبة أو الأعمال السرية) يريدون بذلك إكتساب المحبة يُشهَرون (أي تعلق أسمائهم أمام الجميع) وينفون من حظيرة الإيمان " (طس 39 باب 50 إبن العسال) { راجع القمص مرقس عزيز خليل – السحر والأعمال الشيطانية ص 74، 75 }.
2- جاء في قوانين إبن العسال باب 47 فصل 3 " يُعزَل كل من يُدخِل بيته السحرة كهنة الشيطان وخدامه، ومن يحل ويعقد، أو من يسمع من مجوسي (منجم) ".
3- جاء في قوانين القديس باسيليوس الكبير " أن المؤمن إذا إلتجأ لهؤلاء (السحرة) فليُمنَع من الأسرار المقدَّسة، وإذا مضى أحد رجال الأكليروس إلى ساحر وتعلم منه شيئًا فليُقطَع من طقس الأكليروس ويحرم من السرائر ولا يُترَك أحد من هؤلاء في الكنيسة " (1: 28، 62 – القديس باسيليوس الكبير – دير السريان ص 363، 364) (352).
4- يقول القديس مقاريوس الكبير " كل نفس ليس لها شركة مع الروح القدس السمائي تأتي إليها الديدان المؤذية التي هي أرواح الشر وقوى الظلمة... وتتجول بها كيفما تشاء... وتختبئ عميقًا في داخلها... وتزحف في كل أرجائها " (353).
5- يقول القديس كيرلس الأورشليمي " لا تذهب وراء هذه الأمور: العرافة، الفال، التمائم، التعاويذ المكتوبة، السحر، وما شابه ذلك، لأنك لو إنسقت إليها بعد أن تكون قد جحدت الشيطان (في المعمودية) وتبعت المسيح، فستجد المستبد (الشيطان) أكثر مرارة، وهكذا تُسلب من المسيح ليعمل فيك الشيطان " (354).
6- يقول الأنبا شنودة رئيس المتوحدين " إنه يجب ألاَّ تستعمل السحر، ولا تقبل الرقاة ولا السحرة، ولا تدن منهم، ولا من مدينتهم، لأن من يقبل هؤلاء لا يقترب من الله " (355).
7- يقول الأنبا أنطونيوس الكبير أن الشيطان لا يعرف الغيب " وإن تظاهر الشيطان بسابق المعرفة، فلا تمل إليهم، لأنهم يخبرون بأشياء كثيرة قبل كونها (حدوثها) بأيام ليُقنِعوا الذين يصغون إليهم بصدقهم. فإذا صدقوهم بعد ذلك أهلكوهم. أما هم (أعني الشياطين) فليس لهم سابق معرفة لأن علم الغيب لله وحده، وإنما هم سعاة... خفيفون... مسرعين في الهواء. والذي يرونه يسبقون وينذرون به، فأطلبوا من الله ليؤازركم على دحضهم، ومتى طرقوكم ليلًا على أنهم ملائكة لا تصدقوهم لأنهم كذبة " (356).
8- يقول القديس أثناسيوس الرسولي إن الشياطين لها الإمكانية لصنع المعجزات، فعندما سُئل: كيف يصنع الهراطقة والسحرة آيات لمرات كثيرة؟ أجاب " سبيلنا ألا نستغرب ذلك لأننا قد سمعنا الرب قائلًا: إن كثيرين يقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب. أليس بإسمك تنبأنا، وأخرجنا شياطين وصنعنا آيات كثيرة؟ فأقول لهم: إني لا أعرفكم قط. إنصرفوا عني يا فاعلي الإثم.
فعلى أكثر الحالات يتسبب الشفاء بإيمان المتقدم وليس بسيرة المجترح، لأنه مكتوب " إن إيمانك خلصك " لأنه ليس في الأرثوذكسية فقط إجتراح آيات، بل وقوم أردياء، مرارًا كثيرة تقشفوا وقدموا لله أتعابًا، فأخذوا أجرهم في هذا العالم منحة من الله كشفاء الأمراض لكيما يسمعوا في العالم العتيد: قد إستوفيت خيراتك في حياتك " (357).
9- ويضرب أنسطاسيوس السينائي بعض الأمثلة على الهراطقة الذين صنعوا المعجزات فيقول " لا تصدقوا كل روح بل إمتحنوا الأرواح، ليس كل من يعمل آيات قديسًا، بل نجد كثيرين يعملون آيات وتتلاعب بهم الشياطين، لأننا قد سمعنا عن حال أسقف هرطوقي إسمه مقدونيوس، محارب للروح القدس، إنه قد نقل شجرة زيتون من موضعها وغرسها في موضع آخر بشكل الصلاة. وحدث كذلك أن كان رجل ظالم قد أزعج إمرأة أرملة لأجل دين كان على زوجها، وزاد قيمة الدين عن الحقيقة، ولم يكن الميت قد دُفن بعد، فما كان من ذلك الأسقف المذكور (مقدونيوس) إلاَّ أن جعل الميت يتكلم ويخبر بمقدار الدين. كذلك لما مات ذلك الهرطوقي ظهرت على قبره خيالات كثيرة وعملت آيات، من أجل ذلك لا يجب أن نقبل كل من يعمل آيات قائلًا أنه قديس... لأن الشياطين الأنجاس بواسطة الأنبياء الكذبة يصنعون آيات وأشفية جسدية ليخدعوا من كان سهل الإنقياد لخداعهم، وقد يُظهِرون أحيانًا ميتًا قائمًا بواسطة صلاة بطالة من إنسان مضل، وذلك بأن يدخل إبليس في جسد الميت ويحركه ويخاطب الأحياء من وجه الميت، ويجيب الإنسان المخدوع عما يسأله، ويخبر عن أشياء مخفية وعما عمله قوم سرًا، حتى إذا وثقوا به أنه صادق، سهل عليه إدخال الضلالة التي تخصه. كذلك يتجاسر الشياطين على أن يحدثوا عن خصب الأرض وجدبها، واختلافات الأهوية وكثرة الأمطار وقلتها وما شاكل ذلك، كما يمكنهم فهم آراء الناس من إشارات وإمارات يرونها في الإنسان أو يتصيدون ذلك من وجوه أخرى، وليس ذلك فقط بل ويسبقون فينذرون بموت قوم من الناس لأن العناية الإلهية قد جعلت علامات في جسم الإنسان كما يعرف أولئك الذين حذقوا صناعة الطب حذقًا بليغًا.
فالنساء العرافات والمنجمون يُحدثون بما يحكم به الشياطين، ليس عن سابق علم. بل لزيادة التجربة وليس ذلك مقبولًا، فقد عرفنا قوم سحرة مشعوذين، قد صنعوا آيات متنوعة من فعل الشياطين، مثل هاروت وماروت (ينّيس ويمبريس) اللذان كانا في عهد موسى، فإنهما جعلا عصيهما حيات، وقلبا المياه دمًا، وأصعدوا من المياه كثرة من الضفادع.
كذلك سيمون الساحر في عهد الرسل فكم من الآيات صنع، فلقد حرك أصنامًا وجعلها تمشي، وطُرح في النار ولم يحترق، وطار في الهواء، وحول حجارة إلى خبز، وصار حيَّة، وتشكل بهيئة حيوانات، وفتح أبوابًا مرتجة، وفك قيودًا، وحلَّ حديدًا، وعلى الموائد أظهر أشكالًا، وجعل الأوعية التي في البيت تتحرك خادمة منها وبها دون أن يُرى الذي يحركها، وجعل ظلًا يتقدمه زاعمًا أنه من أرواح الذين ماتوا، وإذ رام كثير من السحرة أن يفضحوه، غير شكله ثم بحجة ما دعاهم إلى وليمة حيث ذبح ثورًا وأطعمهم، فنزلت بهم أسقام كثيرة، وصرعتهم شياطين مردة، وأخيرًا لما طلبه الملك فزع منهم وهرب وطرح شكله على غيره... " (358).
_____
(321) أورده نبيل صبحي في كتابه السحر ص 44.
(322) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 35.
(323) بستان الروح جـ 3 ص 121.
(324) موسوعة الأنبا غريغوريوس 2- اللاهوت الأدبي ص 321 - 325.
(325) المرجع السابق ص 330.
(326) موسوعة الأنبا غريغوريوس 2- اللاهوت الأدبي ص 332.
(327) السحر والأعمال الشيطانية ص 36.
(328) تعريف د. جوزيف موريس ص 87.
(329) المرجع السابق ص 138.
(330) تعريف د. جوزيف موريس ص 142.
(331) موسوعة الأنبا غريغوريوس 2- اللاهوت الأدبي ص 246.
(332) الظلمة الآتية على العالم ص 40.
(333) المرجع السابق ص 90...
(334) الظلمة الآتية على العالم ص 56 - 58.
(335) دائرة المعارف الكتابية جـ 4 ص 359.
(336) قاموس الكتاب المقدس ص 460...
(337) السحر والمجتمع ص 38.
(338) أورده القس مينا جاد في كتابه السحر ص 18.
(339) أورده القمص مرقس عزيز خليل – السحر والأعمال الشيطانية ص 83.
(340) الظلمة الآتية على العالم ص 50، 51.
(341) الظلمة الآتية على العالم ص 222.
(342) الظلمة الآتية على العالم ص 215.
(343) الظلمة الآتية على العالم ص 215.
(344) المرجع السابق ص 136، 137.
(345) الظلمة الآتية على العالم ص 44، 45.
(346) المرجع السابق ص 127.
(347) المرجع السابق ص 143.
(348) الظلمة الآتية على العالم ص 156.
(349) موسوعة الأنبا غريغوريوس – 2 – اللاهوت الأدبي ص 341 - 343.
(350) موسوعة الأنبا غريغوريوس – 2 - اللاهوت الأدبي ص 326.
(351) السحر والحسد في الكتاب المقدَّس ص 80 - 82.
(352) أورده نبيل صبحي حنا في كتابه السحر ص 23.
(353) القس مينا جاد جرجس – السحر ص 37.
(354) القمص مرقس عزيز – السحر والأعمال الشيطانية ص 20.
(355) المرجع السابق ص 85.
(356) القس مينا جاد جرجس – السحر ص 43.
(357) القس مينا جاد جرجس – السحر ص 46.
(358) القس مينا جاد جرجس – السحر ص 44 - 46.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/crooked-denominations/magic.html
تقصير الرابط:
tak.la/3bns2rs