الفصل الواحد والأربعين
تناسخ الأرواح Transmigration
أو العودة للتجسد Reincarnation
هذه العقيدة الباطلة عرفها الإنسان منذ العصور القديمة، فاعتقدت بها الهندوسية والجينيَّة والبوذيَّة والكنفوشيَّة والزرادشتيَّة والمانويَّة... إلخ. ودخلت هذه العقيدة ضمن معتقدات كثير من المذاهب المنحرفة كما رأينا من قبل، وجاء في التلمود أن الله خلق ستمائة ألف روح يهودية، وأن هذه الأرواح تعتبر جزء من الله، ولذلك فهو يهتم بها أكثر من أرواح الآخرين، وعندما تترك روح اليهودي جسده فإنها تتناسخ أي تدخل في جسد آخر فروح الجد مثلًا تدخل إلى الحفيد عند ولادته، ومازال للآن الكثيرون يؤمنون بهذه العقيدة، ومن القصص اللطيفة التي تذكر في هذا الشأن أنه في أواخر القرن التاسع عشر كان ملك سيام وزوجته في زيارة رسمية إلى فرنسا، وعندما زارا قصر رئيس الجمهورية جاء كلب صغير يشم ملكة سيام ويلعقها ويحرك ذيله بسرور، ثم جلس على ركبتيها وأخذ يشمها، فما كان منها إلاَّ أنها انفجرت في البكاء، وتساءلت عن عمر هذا الكلب؟ فقالوا لها سنتان، فصاحت أنه ابني بعينه الذي مات منذ عامين، ولم يجد رئيس جمهورية فرنسا مخرجًا إلاَّ أن يقنع ابنته صاحبة هذا الكلب بالتنازل عنه لأمه ملكة سيام.
ويقول قداسة البابا شنوده الثالث " لا تؤمن المسيحية بتجسدات متعددة للروح بعد الموت، وحيوات متتابعة للإنسان كما ينادي بذلك " علماء " الروح حاليًا، وكما نادت بذلك الديانات الهنديَّة والبوذيَّة، وبعض الفلسفات مثل الأفلاطونيَّة الحديثة والأوريجانيَّة والفيثاغوريَّة وغيرها... بل إن تعليم الكتاب المقدَّس واضح في قوله " وُضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة " (عب 9: 27) وعبارة "يموتوا مرة" تنفي نظرية "الحيوات المتتابعة" التي ينادي بها أولئك الذين يقولون أن الروح البشرية بعد مفارقتها للجسد تعود إلى تجسد آخر متحدة مع إنسان آخر أو حيوان، وربما تدخل تجسدات عديدة، مرة كامرأة، وأخرى كرجل، مرة كطفل، وأخرى كشيخ!! تتجسد ثم تموت. ثم تتجسد مرة أخرى وتموت...
وفي ذلك يقول كريشما في العودة إلى التجسد " كما لو أننا نرمي ثيابًا مستعملة، لنأخذ ثيابًا جديدة. نرمي الجسد المتهرئ، كي نلبس جسدًا جديدًا " وتوجد كتب كثيرة في عودة التجسد...
كثير من هؤلاء يتحدثون عن أوريجانوس كأحد أعمدة المسيحية في الاعتقاد بعودة التجسد، ويقعون في أخطاء تاريخية وعقيدية كأن يسمونه القديس أوريجين أو سان أوريجين St Origene ويهاجمون معارضيه، ومن ذلك مجمع القسطنطينية للروم الأرثوذكس الذي عقد سنة 553 م. يقولون إن أوريجينوس نادى بالوجود السابق للروح، وبعودة الروح إلى التجسد. وكذلك ينسبون نفس الاعتقاد إلى آباء آخرين.
وبينما يرى البعض أن عودة التجسد تكون عقوبة لأرواح انحرفت فنزلت لتتحد بأجساد أرضية كعقاب لها، يرى البعض أن تكرار الوجود الأرضي مفروض علينا، لكي نتطور ونصبح سادة على غرائزنا التي استعبدت جد الخليقة آدم وسلالته وأن الفترة القصيرة لوجودنا على الأرض لا تكفي للنصر النهائي على الغرائز، لذلك أُعطيت لنا مهلات أطول كثيرًا تقطعها فترات نوم عميق من النوم اليومي، وكل نومة منها تُسمى موتًا " هذا ما يقوله الدكتور رؤوف عبيد في كتابه " في العودة للتجسد " ويضيف بأنه " من الصحيح أن الوجود اللاحق يكون مصحوبًا بنسيان كل وجود سابق " (ص 67) ويهاجم إنكار هذه العقيدة، بحجة أن العودة للتجسد، للتطور إلى أفضل، هي أسمى بكثير من التلويح بالنار الأبدية " (311).
وفي هذا الفصل نناقش النقاط الآتية:
أولًا: فلسفة تناسخ الأرواح.
ثانيًا: عقائد المؤمنين بتناسخ الأرواح.
ثالثًا: الأدلة الكتابية التي اعتمد عليها أصحاب عقيدة تناسخ الأرواح والرد عليها.
يقولون أن هذه العقيدة تعطي تفسيرًا لبعض الأمور الغامضة، فمثلا ما ذنب طفل يُولَد أعمى أو مُعوَّق مع إن الله رحيم وعادل؟.. لا بد أنه اقترف آثامًا وخطايا في حياته السابقة، ولما يعاني البعض آلامًا لا يد لهم فيها ويعيشون في شقاء فوق الطاقة، حتى إنهم يلتمسون الموت؟!.. لا بد أنهم اقترفوا آثامًا وخطايا في حياتهم السابقة... ولماذا نرى تفاوتًا في الإمكانيات والمواهب، فقد يكون هناك مهندسًا بارعًا أو طبيبًا عبقريًا بينما يتمتع شقيقه بقدر كبير من البلاهة؟ لابد أن أحدهم أحسن في حياته السابقة والآخر أساء التصرف وما هو تفسير ظاهرة الأطفال العباقرة والنابغين في علم معين إلاَّ أنهم كانوا أساتذة لهذا العلم في حياة سابقة.
وتقول لوسي يعقوب " وهناك بعض العلماء يفسر ظهور العبقريات المبكرة للأطفال، بأن هؤلاء الأطفال صغار الأجسام فقط، ولكن الأرواح التي حلت بهذه الأجسام كبيرة في السن -ذات نضج- بعض العلماء يرى أن النبوغ المبكر للموسيقار النمساوي (موتسارت) هو شيء من هذا، ويرى العالِم الأمريكي (إدجار وطسون) أن الطفل البلجيكي (أندريه لنور) لا بُد أن يكون نموذجًا حيًّا لهذه النظرية، فهذا الطفل كان في الثانية من عمره، وكان قادرًا على أن يعرف حاصل ضرب خمسة أرقام في خمسة أرقام، مع أنه لا يعرف الأرقام، ولا يعرف كيف يعد من واحد إلى عشرة... أليس في الثانية من عمره؟ " (312).
وقالوا أن الإنسان قد يتذكر حياته السابقة التي عاشها في جسد سابق، فتقول لوسي يعقوب " وفي سنة 1956م أصدر كاتب برازيلي كتابًا بعنوان (كانوا هناك... وأصبحوا هنا) المؤلِف اسمه " موري برنشتين " وأهم ما في الكتاب أن سيدة برازيلية قالت أنها كانت تعيش قبل ذلك (في حياة سابقة) في أيرلندا... ولم يترك المؤلِف شيئًا من حياة هذه السيدة لم يعرضه على العلماء... ثم سافر مع السيدة إلى أيرلندا، وتركها تتعرف على الأماكن التي عاشت فيها؟ ومن الغريب أن هذه السيدة كانت تدخل المتحف وتقول: هذه كانت موجودة في المكان الفلاني، وهذه كانت جزءًا من بيت فلان الفلاني... وكان علماء الآثار يؤكدون كل ما تقول، مع أنها لم تبرح البرازيل قط " (313).
كما تقول لوسي يعقوب " والذين يشتغلون بالتنويم المغناطيسي يواجهون الكثير من هذه الأحداث والنوادر، فمن الممكن أن يطلب المنوّم المغناطيسي إلى الشخص الذي نومه أن يعود إلى طفوليته، ويروي ما حدث في ذلك الوقت، ويفاجأ المنوم المغناطيسي بأن طفولة هذا الشخص النائم كانت في القرن العاشر أو الحادي عشر، أو كانت قبل ميلاد المسيح. ثم أنه يروي أحداثًا عجيبة وبلغات لا يعرفها الشخص إذا صحا من النوم " (314)
ويقولون أن تناسخ الأرواح يعطيها فرصة جديدة للتكفير عن آثامها وخطاياها السابقة، أي لسداد ديون الماضي، وتحسين الوضع الحالي للحصول على التطور والارتقاء، ووسيلة للحصول على المزيد من المعرفة الاختبارية، وفي إعادة التجسد تقوم الروح برسالة معينة بين البشر، مثل إنسان يأتي من سفر بعيد إلى بلاد فقيرة نائية بهدف تأدية رسالة معينة، ويقولون أيضًا في عودة التجسد تتخطى الروح الفروق الجنسية، فمن الممكن أن امرأة في حياة سابقة تتجسد في شكل رجل، ولذلك يغلب عليه طابع الأنوثة، وإذا حدث العكس تجد المرأة يغلب عليها ملامح وخشونة الرجال، وقالوا أن كل جسد مذكر يحوي إطلالة من الأنوثة مثل الثديين اللذين لا يستعملان.
والحقيقة أن نظرة المسيحية للآلام تريح النفس المتعبة، فهذه الآلام ليست عقوبة عن خطايا وآثام، إنما قد تكون هبة من الله ليُكرّم أولاده على صبرهم واحتمالهم وشكرهم، ولذلك قال الإنجيل " لأنه قد وُهِب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضًا تتألموا لأجله " (في 1: 29) وإن كثيرين من ذوي العاهات أظهروا تفوقا مذهلًا في مجالات أخرى، وخير شاهد على هذا " هوميروس " Homer الإغريقي الذي أُصيب بالعمى فأجاد الشعر وتفوق فيه، والقديس "ديديموس" الضرير الذي تفوق في حياته الروحية، وكان أول من اخترع طريقة الكتابة للعميان، و"هيلن كيلر" Helen Keller التي فقدت حواس النظر والسمع، ومع هذا فإنها شقت طريقها في هذه الحياة وهلم جرا... أما من جهة إبلاغ الرسائل فإن الله قادر أن يرسل ملائكة لإبلاغ أي رسالة للبشرية، والذي يثبت ضلالة تناسخ الأرواح هو الزيادة السكانية، وارتفاع معدلات المواليد عن معدلات الوفيات، فهل العالم الذي يعيش فيه الآن أكثر من ست مليارات من البشر كان يحوي هذا العدد منذ خمسة آلاف عام أو منذ مائة عام؟!!
ويقول قداسة البابا شنودة الثالث " ردًا على ظاهرة الأطفال العباقرة والنابغين في علم معين " المشتغلون بعلم الأرواح، المعتقدون بعودة التجسد، يحاولون إثبات عودة التجسد بوجود بعض أطفال عباقرة. أولئك الأطفال من سنى عمرهم المبكر جدًا أمكن أن يكونوا نابغين جدًا، وبخاصة في الموسيقى مثلًا. إذ ألف بعضهم سيمفونيات موسيقية وبعضهم نبغ في الأدب والشعر، بما يفوق طاقة سنه بكثير... والبعض في مجالات أخرى من النبوغ.
وهم يرجعون ذلك إلى أن هذه المهارات كانت لهم في حيوات سابقة. أي أن أشخاصًا نابغين من الذين ماتوا قبلًا، عادوا مرة أخرى إلى التجسد في شخصيات أولئك الأطفال...
ونحن نرد على ذلك بالنقاط الآتية:
1- بعض من هؤلاء الأطفال نالوا نبوغهم عن طريق الوراثة: وكثير من العلماء يقولون إن الموسيقى بالذات هي من أكثر الفنون التي ترتبط بالوراثة، فالموسيقي المعروف موزار الذي نبغ في الموسيقى منذ طفولته ينحدر من أسرة نابغة في الموسيقى، ومثله أيضًا الموسيقي النابغة باخ الذي نبغ في أسرته موسيقيون في أجيال متتابعة...
فإن كان أحد الأطفال قد ورث نبوغًا في فن ما عن أحد والديه، أو عن الوالدين معًا، فلا داع مطلقًا أن يعزى ذلك إلى أن أحد النابغين القدامى قد عاد إلى الحياة وتجسد فيه.
2- نقطة أخرى وهي إرجاع النبوغ إلى موهبة من الله: ليس كل إنسان فنانًا، إنما توجد قلة من الناس لها موهبة الفن، وقد منحهم الله هذه الموهبة فيعطي البعض موهبة الموسيقى، والبعض موهبة الشعر والأدب، والبعض موهبة الغناء، والبعض موهبة الرسم أو النحت... إلخ.
والله المعطي، لا مانع من أن يهب الموهبة للصغار كما يهبها للكبار، وغالبًا ما يولد الإنسان والموهبة كامنة فيه، تظهر فيما بعد حسب الظروف المتاحة، أو يكتشفها في هذا الطفل أحد الكبار أو المتخصصين في وقت ما.
3- أما إن كان أحد الموتى قد عاد إلى التجسد في هذا الطفل النابغ، فإن اعتراضات كثيرة تقف ضد هذا الأمر، منها: الموسيقي العبقري الذي مات وعاد إلى التجسد، هل عاد فقط إلى التجسد بموهبة الموسيقى فقط، أم إن روحه عادت إلى الحياة بكل معارفها، وكل خبراتها، وكل ما اكتسبته قبلًا طوال حياتها الماضية من فكر وما كان فيها من رغبات؟!
فالطفل العبقري لماذا لا يأخذ من الحيوات الماضية –كما يقولون– لماذا لم يأخذ سوى الموسيقى؟! لماذا لم يأخذ اللغة أيضًا؟! لماذا لم يأخذ المعرفة. أليست الروح التي عادت إلى التجسد كان لها كل هذا!! لماذا لم ينطق الطفل حال ولادته؟! لماذا لم يتحدث عن خبراته؟! لماذا لم يظهر فيه ذكاء الرجل الذي مات وعاد إلى التجسد؟!
أم إن الروح التي عادت للتجسد تؤخذ منها كل معارفها، ولا تبقى لها سوى موهبة الموسيقى فقط أو الشعر؟! أليس هذا ضد المنطق " (315)
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
من أهم هذه العقائد ما يلي:
1- أن الأرواح أزلية، وإن تجسدها هو لفترة محدودة يعقبها انحلال الجسد وانطلاق الروح لكيما تحل في جسد مولود جديد، فالجسد ما هو إلاَّ مسكن عابر تقطنه الروح لفترة حياة ثم تتركه إلى جسد آخر.
2- الأرواح تعيش في العالم الكوني عالم الكواكب والنجوم المتسع، فالأرواح في عالمها الأثيري تتميز بسرعة الحركة التي تتجاوز سرعة الصوت ويقولون أن " عالم الروح يقع في منطقة اهتزاز تتجاوز حتمًا منطقة الأشعة السينية لذا فهو يتخلل عالمنا ويحيط به من جميع الجهات... أما عدم شعورنا به فلأنه يقع في هذه المنطقة العالية من الاهتزاز... وعالم الروح ذو أبعاد أربعة وهي: الطول والعرض والارتفاع والزمن، في حين أن عالم الأرض ذو أبعاد ثلاثة وهي الطول والعرض والارتفاع فقط... لذلك فإن قوى إدراك الأرواح قد تكون رباعية الأبعاد أيضًا " (316).
3- لا يؤمنون بالقيامة العامة للأموات. بل يعتقدون أن القيامة تحدث لكل فرد عند وفاته وانطلاق روحه، كما تنطلق الفراشة الجميلة من جسم الشرنقة القبيحة، وهذا ما يدعونه بالميلاد الثاني حيث يتم انسلاخ الروح وهي تحمل شعلة العقل من الجسد المادي.
4- بمجرد أن تترك الروح الجسد المادي يعود الجسد المادي إلى التراب ويدخل في دورة الحياة من بناء حياة نباتية أو حيوانية، ثم تعود الروح لتقترض جسدًا آخر تعيش فيه إلى أن يموت وهلم جرا...
5- الإنسان في تجسده الجديد يتحمل عقاب خطاياه التي صنعها في التجسد السابق، وعليه أن يسدد ديونه السابقة أو ينال مكافأته عن أعماله الصالحة في الحياة الماضية، فالجزاء من نفس جنس العمل، وهو ما يطلقون عليه قانون "الكارما" وهكذا يتطوَّر الإنسان إلى أن يصل إلى درجة الألوهة.
6- ينكرون العقاب الأبدي في جهنم النار، لأنهم يعتقدون أن الإنسان يعاقب أول بأول من خلال التجسدات العديدة، فالرجل الغني الفاسد متى تجسَّد فربما يتجسَّد في صورة امرأة فقيرة معدمة (راجع جوزيف بطرس – الظواهر الروحية في تحضير وتناسخ الأرواح ص 111 – 117).
من هذه الأدلة ما يلي:
1- عندما تزاحم التوءمان في بطن رفقة سألت الرب " فقال لها الرب في بطنك أُمتَّان. ومن أحشائك يفترق شعبان. شعب يقوى على شعب. وكبير يستعبد لصغير " (تك 25: 23) ونفس المعنى يتكرر في العهد الجديد (رو 9: 10 –13) فقالوا أن هذا التمييز جاء نتيجة التمييز بين حياتهما السابقة في تجسدات سابقة، والحقيقة أن هذا الحكم الإلهي جاء مُسبقًا بناء على ما ستكون عليه حياتهما على هذه الأرض وسلوكهما الذي سوف يكون، وبلا شك أن هذا أمر مكشوف لدى الله بحسب علمه السابق، فالمستقبل بالنسبة لله مثله مثل الحاضر والماضي، ويقول قداسة البابا شنودة الثالث " وإن كانت حرية الفكر المكفولة للجميع، تسمح لهم أن يفكروا حسبما يشاءون في مجال علمهم، إلاَّ أنه ليس لهم أن يخرجوا من دائرة اختصاصهم العلمي، لكي يفسروا الدين حسب هواهم... بحيث يُخيل لهم أن يثبتوا من الكتاب المقدَّس صحة عقيدتهم في عودة التجسد!! فقد تعرضوا إلى نصوص من الإنجيل والعهد القديم بغير فهم لإثبات ذلك...
يعقوب وعيسو: يقول د. رؤوف عبيد في كتابه (في عودة التجسد) ص 53 { ومن هذه النصوص الدينية ما ورد بسفر التكوين (إصحاح 25 عدد 23) " فقال لها الرب في بطنك أمتَّان. ومن أحشائكِ يفترق شعبان. شعب يقوى على شعب. وكبير يستعبد لصغير " وهذه كانت نبوءة الروح عن ميلاد ولديها، ويمكن أن يقال في تفسيرها إن الروح استطاع معرفة مستقبل ولديها، من معرفة ماضيهما فيما سبق لهما من تجسدات!!} ويعود د. رؤوف عبيد في (ص 54) فيعلق على ما ورد في (رو 9: 8 – 15).. { وهنا أيضًا قد يقال أن الله أحب يعقوب وأبغض عيسو، قبل أن يولدا على الأرض من جديد، لأنه يعلم ماضي يعقوب وماضي عيسو، وإلاَّ فما معنى: ألعل عند الله ظلمًا}.
نلاحظ هنا أن المؤلف يبني قرار الله على علم الله بالماضي فقط، بماضي يعقوب وماضي عيسو، في تجسدات سابقة..!! ولكنه نسى أن الله يعرف المستقبل، وقد فضَّل يعقوب على عيسو بما يعرفه عن حياة يعقوب وعيسو في المستقبل... وبهذا لا يكون هناك ظلم. لأنه قيل في الكتاب " لئلا يكون أحد زانيًا أو مستبيحًا كعيسو، الذي لأجل أكلة واحدة باع بكوريته... " (عب 12: 16) وقيل عنه أيضًا إنه تزوج بزوجتين من الحيثيات يهوديت وبسمة " فكانتا مرارة نفسي لإسحق ورفقة " (تك 26: 34، 35) هذا كله الذي حدث لما كبر عيسو، وصار إبن أربعين سنة، كان يعرفه الله عن عيسو قبل ولادته. كما كان يعرف ما سوف يحدث ليعقوب رجل النذر وبيت إيل (تك 28: 19، 20) " (317)
2- قال أيوب " عريانًا خرجت من بطن أمي وعريانًا أعود إلى هناك... الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركًا. في كل هذا لم يخطئ أيوب ولم ينسب لله جهالة " (أي 1: 21، 22) فقالوا أن معنى قول أيوب " عريانًا أعود إلى هناك " يقصد عودته للأرض في تجسد قادم إذ سيولد كطفل عريان من بطن أمه. والحقيقة أن أيوب كان يقصد من قوله " عريانًا أعود إلى هناك " أي عودته إلى تراب الأرض الذي أُخذ منه كما قال الله لأبينا آدم " لأنك تراب وإلى تراب تعود " (تك 3: 19)، ولو كان أيوب يقصد عودته لهذه الحياة مرة أخرى من خلال إعادة التجسد لأوضح الكتاب المقدَّس هذا الأمر جليًا.
ويقول قداسة البابا شنودة الثالث " كل المشتغلين بعودة التجسد يحاولون أن يثبتوا عقيدتهم من قول أيوب الصديق " عريانًا خرجت من بطن أمي. عريانًا أعود إلى هناك " (أي 1: 21) وطبعًا ليس المقصود بطن أمه بالمعنى الحرفي، إنما يقصد بها الأرض كما أشار إلى ذلك Normal. L. Geisler وقال أن هذا يُفهم من (مز 139: 13، 15) وليس في هذا ما يدل على عودة التجسد، إنما هو ما يُفهم من قول الرب لأبينا آدم " لأنك تراب وإلى ترابٍ تعود " (تك 3: 19) الأرض هي بطن أمه التي أُخذ منها حين خلقه الله، وإليها يعود " (318).
3- قال الله عن يوحنا المعمدان أنه يأتي بروح إيليا " هانذا أُرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب العظيم والمخوف. فيرد قلب الآباء إلى الأبناء وقلب الأبناء إلى آبائهم " (ملا 4: 5، 6) وفي نزول السيد المسيح مع تلاميذه بطرس ويعقوب ويوحنا من على جبل التجلي " سأله تلاميذه قائلين فلماذا يقول الكتبة أن إيليا ينبغي أن يأتي أولًا. فأجاب يسوع وقال لهم إن إيليا يأتي أولًا ويرد كل شيء. ولكني أقول لكم أن إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا. كذلك إبن الإنسان أيضًا سوف يتألم منهم. حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان " (مت 17: 10 – 13) وفات عليهم أن إيليا صعد إلى السماء حيًا بجسده وروحه، فهذه الحالة لا ينطبق عليها عقيدة تناسخ الأرواح أو عودة التجسد. بل إن سفر الرؤيا أوضح بأن إيليا وأخنوخ سينزلان على الأرض في نهاية الأيام ويُقتَلان بواسطة ضد المسيح وتُلقى جثتيهما على الأرض ثلاثة أيام، ثم يبعث الله فيهما روح حياة.
ويقول قداسة البابا شنودة الثالث " غالبية " علماء " الأرواح، الذين يؤمنون بعودة التجسد Reincarnation والوجود السبقي Pre - Existence يذكرون موضوع إيليا باعتباره الوجود السبقي ليوحنا المعمدان كما يعتبرون المعمدان عودة تجسد لإيليا النبي، وإن الاثنين شخص واحد، وسنثبت خطأ هذا الفكر...
أ - يكفي أن نقول بوضوح إنه عندما جاء كهنة ولاويون إلى يوحنا المعمدان ليسألوه من أنت؟ فأقرَّ أنه ليس المسيح " فسألوه إذًا ماذا. إيليا أنت. فقال لست أنا " (يو 1: 19 – 21).
ب – ليس من المعقول أن يكون إيليا النبي قد عاد إلى التجسيد في شخصية يوحنا المعمدان. لأن إيليا لم يمت حتى الآن. لم يترك جسده ليلبس جسدًا آخر. هو صعد إلى السماء حيًّا في مركبة نارية، كما يذكر الكتاب في سفر الملوك الثاني (2 مل 2: 11) فهل من المعقول وهو حي بجسده، يمكن أن يدخل في رحم أليصابات امرأة زكريا ليُولَد منها؟! وكيف؟
ج – لقد ظهر إيليا حيًّا على جبل التجلي، مع السيد المسيح وموسى النبي (لو 9: 30 – 33) ورآه بطرس ويوحنا الحبيب ويعقوب. وقال الكتاب عن السيد المسيح في قصة التجلي " وإذا رجلان يتكلمان معه وهما موسى وإيليا " وقال بطرس للرب " جيد أن نكون ههنا. فلنصنع ثلاث مظال لك واحدة ولموسى واحدة ولإيليا واحدة " (لو 9: 30، 33) فلو كان إيليا النبي قد عاد للتجسد في شكل يوحنا المعمدان، لعرفه الرسل الثلاثة لشهرة المعمدان وقتذاك، وبخاصة لأن يوحنا الرسول ويعقوب كانا من تلاميذه... إذًا لقال بطرس عن الثلاث مظال: واحدة لموسى وواحدة ليوحنا المعمدان...
د – لم يقل الكتاب أن يوحنا المعمدان هو إيليا وإنما أتى " بروح إيليا وقوَّته " (لو 1: 17) أي بنفس أسلوب وروح إيليا... ليس بالروح الإنسانية المتحدة بالجسد. لأنه لو كانت روح إيليا قد خرجت من جسده، وحلت في يوحنا المعمدان، إذًا لكان إيليا قد مات. وهذا ما لَم يحدث.
ثانيًا لأنه عند صعود إيليا إلى السماء، طلب منه تلميذه أليشع أن يُمنح اثنين من روحه، فأجابه إيليا " إن رأيتني أُوخذ منك يكون لك كذلك " (2مل: 9، 10) وقد كان. فهل صعد إيليا إلى السماء بجسده وروحه. وفي نفس الوقت مُنح اثنين من روحه لأليشع. ثم بعد ذلك حلت روحه في يوحنا المعمدان؟
أي هل كانت لإيليا أربعة أرواح؟!
أم إن كلمة روحه هذه، تعني نفس أسلوبه وطريقته؟
وهذا هو ما يمكن أن نفهمه مما حدث لأليشع. إذ قال بنو الأنبياء في وقت صعود إيليا " قد استقرَّت روح إيليا على أليشع " (2مل 2: 15).
وأيضًا هذا ما نفهمه من قصة تعيين الشيوخ السبعين لمساعدة موسى النبي. إذ يقول الكتاب عن موسى النبي "فنزل الرب في سحابة وتكلم معه، وأخذ من الروح الذي عليه وجعل على السبعين" (عد 11: 25) أي أخذ الرب من القوة الموهوبة لموسى، وجعل منها على السبعين شيخًا " (319)
4- قال السيد المسيح لنيقوديموس " الحق الحق أقول لك أن كل أحد لا يُولَد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله " (يو 3: 3) فقالوا إن الولادة من فوق هي إعادة التجسد، والحقيقة أن السيد المسيح قصد بالولادة الفوقانية من الماء والروح المعمودية، فالمعمودية يستخدم فيها الماء بينما إعادة التجسد لو افترضنا جدلًا إمكانية حدوثها، فإنها بعيدة عن الماء، وأكد السيد المسيح قوله وربط بين هذه الولادة وبين دخول ملكوت الله فقال " الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يُولَد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله " (يو 3: 5).
5- قال التلاميذ للسيد المسيح عن المولود أعمى "يا معلم من أخطأ هذا أم أبواه حتى وُلِد أعمى" (يو 9: 2) فقالوا لقد فهم التلاميذ أن ولادة هذا الإنسان أعمى بسبب خطاياه وآثامه في حياة سابقة، والحقيقة أن هذا القول قد جانبه الصواب، ولاسيما أن السيد المسيح أعلن الحقيقة قائلًا " لا هذا أخطأ ولا أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه " (يو 9: 3).
6- عندما سأل السيد المسيح تلاميذه: من يقول الناس إني أنا؟ " فقالوا قوم يوحنا المعمدان. وآخرون إيليا. وآخرون أرميا أو واحد من الأنبياء" (مت 16: 14) ومثلها قول هيرودس الملك عندما سمع عن أخبار ومعجزات السيد المسيح " قال هو يوحنا المعمدان قام من الأموات ولذلك تُعمل به القوات " (مر 6: 14) وقالوا أن التلاميذ وهيرودس كانوا يؤمنون بعودة التجسد ولذلك قالوا هذا.
ويجيب قداسة البابا شنودة الثالث على التساؤلات السابقة فيقول " لكن ما يركز عليه " علماء " الروح هو قول التلاميذ: هل أخطأ هذا حتى وُلِد أعمى؟ ويفهمون منها " هل أخطأ في حياة سابقة لمولده. وعوقب بميلاده أعمى، في عودته للتجسد؟!
وكأنهم بهذا يقولون أن التلاميذ يؤمنون بالوجود السبقيPre - Existence كما يؤمنون أيضًا بعودة التجسد Reincarnation. طبعًا هم ما كانوا يؤمنون بذلك. إنما كانوا يسألون من جهة أمور كانت منتشرة في المجتمع اليهودي في ذلك الزمن... هذه الأفكار انتقلت إلى اليهود عن طريق التجارة والرحلات، وظهرت في أمثلة معينة سجلها الإنجيل المقدَّس... السيد المسيح نفسه: لما سأل التلاميذ قائلًا " من يقول الناس إني أنا إبن الإنسان. فقالوا قوم يقولون يوحنا المعمدان وآخرون إيليا وآخرون أرميا أو واحد من الأنبياء " (مت 16: 13، 14) إذًا كأنهم يظنون أن يوحنا المعمدان قد عاد للتجسد في شخص يسوع الناصري، أو إن إيليا أو أرميا أو أحد الأنبياء قد عاد إلى التجسد في شخص يسوع الناصري.
الفكر إذًا موجود، أتى إليهم من الشرق، واعتنقه كثيرون حتى الملك نفسه. حتى إن هيرودس الملك لما سمع بخبر المسيح " قال لغلمانه هذا هو يوحنا المعمدان قد قام من الأموات ولذلك تعمل به القوات " (مت 14: 1). معنى هذا في رأيه أن يوحنا المعمدان لم يقم من الموت في شخصه أو في نفس جسده، إنما في جسد آخر هو جسد يسوع الناصري، أو كأن روح يسوع الناصري هي روح يوحنا المعمدان في جسد يسوع!!.. من هنا يبدو أن أفكار غريبة كانت منتشرة في المجتمع اليهودي وقتذاك. ووصلت بعض هذه الأفكار إلى أذن التلاميذ، فكان الوضع الطبيعي أن يسألوا السيد الرب عنها، فيرشدهم إلى التعليم الصحيح... على إن سؤال التلاميذ لا يشكل عقيدة لثلاثة أسباب:
1- لأنهم كانوا وقتذاك لا يزالون في دور التلمذة، إذ كانوا يسألون معلمهم عن أمور عديدة. وكثيرًا ما كانوا يخطئون فيوبخهم. مثلما وبخ بطرس على قوله " حاشا لك يا رب " حينما تحدث الرب عن صلبه (مت 16: 21 – 23) ومثلما وبخه أيضًا حينما ضرب بسيفه إذن عبد رئيس الكهنة في ساعة القبض عليه (يو 18: 10، 11) وكذلك وبخ اثنين من تلاميذه حينما سألاه أن تنزل نار من السماء وتحرق إحدى مدن السامرة لأنها رفضته. وقال لهما " لستما تعلمان من أي روح أنتما " (لو 9: 55).
2- لم يكن الروح القدس قد حلَّ على التلاميذ، ليرشدهم إلى كل الحق (يو 16: 13) ولكن بعد حلول الروح القدس عليهم، كان تعليمهم يمثل عقيدة، وحتى في قصة المولود أعمى، ما كانوا يتكلمون بكلام تعليم، وإنما كانوا يسألون سؤالًا لأنهم كانوا في حضرة المعلم الأعظم.
3- نلاحظ أن السيد المسيح قد نفى الأمر بقوله " لا أخطأ هذا ولا أبواه ".
إذًا لا يمكن للمشتغلين بعلم الأرواح أن يستنتجوا عقيدة مسيحية من أمر نفاه المسيح...
الذي يدهشني في هذا الأمر كله، أن بعض رجال الكنيسة ينادون بنفس كلام " علماء " الأرواح في قصة المولود أعمى!! ومعنى هذا أنهم يؤمنون بوجود سابق Pre - Existence أي بحياة سابقة للإنسان قبل حياته الحالية، كما يؤمنون بعودة الإنسان إلى التجسد بعد موته، في حياة غير حياته الأولى، وبها لا يمنع الأمر من تعدد الحيوات للشخص الواحد ناسين قول الكتاب في الرسالة إلى العبرانيين " وُضع للناس أن يموتوا مرة. ثم بعد ذلك الدينونة " (عب 9: 27).. وطبعًا في إيمانهم هذا يؤمنون أيضًا بالكارما Karma التي يؤمن بها الهنود، وذلك بأن يعاقب الشخص على خطاياه في حياته بعقوبة تؤلمه في تجسد لاحق، أو في عودته للتجسد.
والمسيحية لا تنادي مطلقًا بأن تكون العقوبة في عودة للتجسد. الكتاب ينادي بأن " أجرة الخطية هي موت " (رو 6: 23) ويعني بالموت الموت الأبدي والخلاص منه كان بكفارة المسيح لا غير " كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا " (أش 53: 6) وهكذا كان كفارة عن خطايانا، وخلصنا بدمه.
ولكن ليست عقوبة الخطية، هي عمى في عودة تجسد أو تعب تعلمه الكارما الهنديَّة في تجسد لاحق!! كل هذه عقائد ضد الفداء، وضد تعليم الكتاب عن الخطية وعقوبتها، وعن طريقة تطهير الإنسان من خطاياه حيث يقول الكتاب عن مغفرة الله لنا " دم يسوع المسيح إبنه يُطهرنا من كل خطية " (1يو 1: 7) نعم دم المسيح، وليس عقوبة في تجسد لاحق " (320).
_____
(311) جريدة وطني في 7/11/2004م.
(312) القوى الخفية بين الغيبيات والمعتقدات جـ 2 ص 25.
(313) المرجع السابق ص 26.
(314) المرجع السابق ص 28.
(315) جريدة وطني في 14/11/2004م...
(316) جوزيف بطرس – الظواهر الروحية في تحضير الأرواح ص 112، 113.
(317) جريدة وطني في 14/11/2004م.
(318) المرجع السابق.
(319) جريدة وطني في 21/11/2004م.
(320) جريدة وطني في 21/11/2004 م.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/crooked-denominations/reincarnation.html
تقصير الرابط:
tak.la/38b7wkv