س138: لماذا رفضت الكنيسة عشرات الأناجيل بالرغم من أنها نُسبت للآباء الرسل بحجة أنها ضمن كتب أبوكريفا؟
يقول "دكتور موريس بوكاي": "في تلك العصور المسيحية الأولى كان هناك تداول كثير من الكتابات عن المسيح، غير أنه لم يُعتدَّ بها ككتابات جديرة بصفة الصحة، كما أوصت الكنيسة بإخفائها ومن هنا جاء اسم الأناجيل المزورة Apocryphes... هناك نصوص أخرى قد "اُستبعدت بشكل أكثر عنفًا" ولم يتبقَ منها إلاَّ بعض أجزاء. ولأنها كانت تعتبر ناقلة للخطأ العام فقد أُخفيت عن أنظار المؤمنين. برغم ذلك فهناك من المؤلفات، مثل أناجيل الناصريين وأناجيل العبرانيين وأناجيل المصريين التي عُرفت بفضل تنويهات آباء الكنيسة ما كان يشبه عن قرب الأناجيل المعترف بها كنسيًا. ونفس الآمر ينطبق على إنجيل توما وإنجيل برنابا"(964).
ويقول "السيد سلامة غنمي" : "وأمام وفرة الروايات عن المسيح وكثرتها قادت المجامع الكنسية إجراءات متباعدة لاستبعاد الكثير من المؤلفات الأنجيلية0 وربما كان ما حذفت (100) إنجيل. قد احتفظ فقط بأربعة من الأناجيل لتدخل في قائمة رسمية من كتابات العهد الجديد"(965). وأورد ذات المؤلف أسماء 144 سفرًا من أسفار أبوكريفا (راجع نفس المرجع السابق ص 390 - 397).
ويقول "علاء أبو بكر": "س97 : هل تعلم أنه كان هناك العديد من الأناجيل التي عدها البعض مائة إنجيل، وعدها البعض بضعًا وسبعين، والتي انتقى منها مجمع نيقية أربعة فقط، وأعتبر الباقي غير قانوني، وأمر بأحراقه، وتكفير واضطهاد من يملك نسخة منهم أو يقرأها"(966) (راجع أيضًا س135، س136 - البهريز جـ 4 ص 99، س259 - البهريز جـ4 ص 266، س14 - البهريز جـ 1 ص 15، وفي س18 - جـ1 ص 20 - 24 ذكر أسماء 119 سفرًا رفضتهم الكنيسة، وراجع أيضًا" د. محمد عبد الله الشرقاوي" - نقد التوراة والأناجيل الأربعة - هامش ص 26، و "يوسف هريمة" - ولادة المسيح وإشكالية التثاقف اليهودي المسيحي ص 15، و "الدكتور علي عبد الواحد وافي" - الأسفار المقدَّسة في الأديان السابقـة للإسلام ص 107، و "الإمام محمد أبو زهرة" - محاضرات في النصرانية ص 47).
ويقول "دكتور محمد توفيق صدقي": "إن هذه الأناجيل الأربعة ما كانت معروفة إلاَّ في أواخر القرن الثاني، وكان هناك كتب أخرى كثيرة يستشهد بها المؤلفون غير هذه الأناجيل كمذكرات الرسل المذكورة سابقًا وإنجيل العبرانيين وإنجيل الأبيونيين والأناجيل المنسوبة إلى بطرس وتوما والاثنى عشر وبرنابا ونيقوديموس وغيرها كثير، وبعد ذلك صارت تشتهر الأناجيل الأربعة شيئًا فشيئًا حتى جُعلت هيَ القانونية ورفض غيرها الذي ضاع أكثره وأعدموه تدريجيًا"(967).
ويرى البعض أن الأناجيل الأربعة القانونية تقدم وجهًا واحدًا للسيد المسيح، ولاستكمال الصورة ورؤية الوجه الآخَر لا بد من الرجوع إلى الأناجيل الغنوسية التي تم اكتشافها في نجع حمادي (راجع فراس السواح - الوجه الآخر للمسيح).
ج:1ـــ رفضت الكنيسة عشرات من كتب أبوكريفا لأنها حوت أساطير وأمور خاطئة، فهيَ لم تُكتَب بوحي من الروح القدس مثل الكتب القانونية التي قبلتها الكنيسة واعتبرتها كتب مقدَّسة، ولو أنها كُتِبت بوحي من الروح القدس لخلت من الأساطير والأخطاء والمبالغات والخرافات، ولم تنخدع الكنيسة بأن كثير من هذه الأناجيل حملت أسماء الآباء الرسل مثل إنجيل بطرس وتوما وفيلبس ومتى المنحول ويعقوب... إلخ.، بينما قبلت الكنيسة إنجيلين من الأناجيل الأربعة القانونية أحدهما كتبه مرقس الرسول والآخَر كتبه لوقا الطبيب، وكل منهما ليس من التلاميذ الاثنى عشر.
ويقول "الأرشمندريت يوسف دره الحداد" : "لم يحفظ المسيحيون سوى الأناجيل الأربعة الشرعية، وشرعيتها تقوم على رسوليتها، أي مصدرها الرسولي، فهيَ تتمتع بالعصمة الرسولية... وعدَّت الكنيسة ما عداها من "الأناجيل" - وقد قاربت الأربعين - "أناجيل منحولة" قد وُضِعت على ألسنة الرسل، والرسل منها براء. والدليل الأكبر أن الكنيسة قبلت... الإنجيل بحسب مرقس وبحسب لوقا، مع أن واضعيهما ليسا من الرسل، ورفضت في التلاوة الرسمية بالصلاة ما سُمّي: إنجيـل بطرس، إنجيل توما، إنجيل يعقوب، إنجيل الاثني عشر رسولًا، لأنها استنكرت صحتها وأنكرت نسبتها. وتلك الأناجيل المنحولة لا تصح تاريخيتها مهما كان فيها من واقعية أحيانًا، لأنها ليست رسولية، ولم تقبلها الكنيسة كرسولية"(968).
ويقول "القمص عبد المسيح بسيط: "فقد تأثرت هذه الكتب بالروح الأسطورية النابعة من البيئة الهيلينية (اليونانية) التي كُتِبت وانتشرت فيها، فقد ساد بعضها روح أدب الرحلات التي كانت سائدة في القرن الثاني كأعمال توما، وحوى إنجيل الطفولة العربي عددًا من القصص الشرقية. وكانت أغلب الأعمال المنسوبة للرسل من اختراع الروح الهيلينية التي كانت تجد لذتها في الخوارق والكتابات الرومانسية عن الرحلات. كما احتوت هذه الأعمال على تقاليد كثيرة لها أساس تاريخي صحيح، احتفظت بها الجماعات المسيحية، وكتبوا هذه الأعمال الأبوكريفية لتقديم هذه التقاليد بكل تفصيل، ولكن هذه البذور القليلة في الحقيقة تاهت ودُفنت في أكوام من الأساطير"(969).
2ــ رفضت الكنيسة كتب أبوكريفا، نظرًا لما حوته من بدع وهرطقات عرضنا لها من قبل (راجع س 136، س 137)، ومن هذه البدع:
أ - تعدد الآلهة، فهذه الكتب تنادي بإلهين، إله التوراة، وهو كائن ممسوخ من الأسد والأفعى، وله عينان عبارة عن جمرتين من النار، يحيط به قوى الشر والظلام، وهو الذي خلق هذا العالم المادي الشرير، فالمادة شر، والإله الثاني هو الطيب الصالح الذي فدى البشرية.
ب - تخللت هذه الكتب البدع السابلية والنسطورية وغيرهما، وادعت أن العذراء مريم هيَ الملاك ميخائيل... إلخ...
جـ ـ انكرت الثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس، واعتبرت أن الروح هو الإله الحقيقي الأزلي الأبدي... إلخ...
د - انكرت التجسد الحقيقي، إذ اعتبرت أن السيد المسيح أتخذ له جسدًا خياليًا أو شبحيًا، فجاء في كتاب "أعمال يوحنا" الغنوسي أن يوحنا ويعقوب كانا في السفينة بالقرب من الشاطئ، وكان يسوع في انتظارهما على الشاطئ، وإذ بشكله يتغير ويتبدل، فيظهر في شكل طفل صغير، ثم رآه يوحنا رجلًا شعره خفيف ولحيته كثيفة، ثم رآه يعقوب فتى في سن المراهقة، وقال يوحنا أنه عندما كان يمد يده ليلمس يسوع كان يشعر أحيانًا أنه يلمس جسدًا ماديًا، وأحيانًا أخرى يشعر أنه لا يلمس شيئًا، ولاحظ يوحنا أن السيد المسيح عندما كان يمشي على الأرض لم يكن يترك أثرًا لقدميه، وأن عينيه لا ترمشان أبدًا، وعندما أُسلم يسوع للصلب وهرب التلاميذ، مضى يوحنا إلى كهف يبكي، وإذ بيسوع يترآى لـه وقال له: "هناك في الأسفل، أنا مصلوب، وخاصرتي مثقوبة بالرمح، وأتجرَّع الخل والمرار، ولكني لم أعانِ بالفعل أيًّا من هذه الأمور، وهأنذا معك فاستمع لما أقول"(970).
هـ - أظهرت هذه الكتب يسوع المسيح بأشكال مختلفة، فتارة يظهر في شكل طفل صغير، وتارة في شكل فتى، وتارة في شكل رجل عجوز، مع أن السيد المسيح عاش بالجسد نحو ثلاثة وثلاثين سنة وثلث، فكيف يظهر كرجل عجوز طاعن في السن؟
و - قالت هذه الكتب المزورة أن الأرواح خلقت قبل الأجساد، ثم سكنت فيما بعد هذه الأجساد المادية، فكل روح هيَ سجينة الجسد المادي.
ز - الخلاص في هذه الكتب المزيفة، ليس الإيمان بالمسيح ابن الله الحي، والمعمودية والأعمال الصالحة، إنما جعلت هذه الكتب طريق الخلاص مقتصرًا على المعرفة، فمعرفة الإنسان لنفسه وللعالم المحيط به تقوده للملكوت.
ح - صرَّحت هذه الكتب أن القيامة العامة تبدأ هنا على الأرض قبل موت الإنسان.
ط - شوَّهت هذه الكتب سر الزيجة المقدَّس، ونظرت للعلاقات الزوجية على أنها دنس وخطية ونجاسة.
3ـــ خلت كتب أبوكريفا من النعمة وشابتها الحماقات والمتناقضات، فهيَ من وضع الهراطقة، فقرأ "فوتيوس" بطريرك القسطنطينية في النصف الثاني من القرن التاسع الميلادي عدد كبير من هذه الكتب، وسجل تقريره عنها في مؤلفــه "بيليوتيكا" وجاء في "دائرة المعارف الكتابية": " 6ــ فوتيوس: أما أكمل وأهم الإشارات إلى الأعمال الأبوكريفية فهيَ ما جاء بكتابات فوتيوس بطريرك القسطنطينية في النصف الثاني من القرن التاسع، ففي مؤلفه "بيليوتيكا" تقرير عن (280) كتابًا مختلفًا قرأها فـي أثناء إرساليته لبغداد، وكان بينها كتاب يُقال عنه تجولات الرسل الذي يشتمل على أعمال بطرس ويوحنا وأندراوس وتوما وبولس. ومؤلفها جميعًا - كما يعلن الكتاب نفسه بكل وضوح - هو ليوسيوس كارينوس". ولغتها خالية تمامًا من النعمة التي تتميز بها، الأناجيل وكتابات الرسل. فالكتاب غاص بالحماقات والمتناقضات وتعليمه هرطوقي، وبخاصة أنه يعلّم بأن المسيح لم يصبح مطلقًا إنسانًا حقيقيًا، وأن المسيح لم يُصلَب بل صُلِب إنسان آخر مكانه، وأشار إلى تعليم التقشف والمعجزات السخيفة في هذه الأعمال. وإلى الدور الذي لعبه كتاب أعمال يوحنا في صراع معارضي الأيقونات.
ويختم فوتيوس بالقول: "بالاختصار يحوي هذا الكتاب عشرات الآلاف من الأشياء الصبيانية التي لا تُصدَق، السقيمة الخيال، الكاذبة، الحمقاء، المتضاربة، الخالية من التقوى والورع، ولا يجافي الحقيقة كل من ينعتها بأنها نبع وأم كل الهرطقات"(971).
وقديمًا وصفها المؤرخ العظيم "يوسابيوس القيصري" بأنها كتب سخيفة من وضع الهراطقة، فيقول: "6ـ... إننا نرى أنفسنا مضطرين لتقديم هذه القائمة لنتمكن من معرفة كل من هذه الأسفار وتلك التي يتحدث عنها الهراطقة تحت اسم الرسل، التي شمل مثلًا أناجيل بطرس وتوما ومتياس وخلافهم، وأعمال أندراوس ويوحنا وسائر الرسل، هذه التي لم يحسب أي واحد من كتَّاب الكنيسة أنها تستحق الإشارة إليها في كتاباتهم.
(7) وعلاوة على هذا فإن أسلوب الكتابة يختلف عن أسلوب الرسل، ثم أن تيار التفكير في محتوياتها والقصد منها يختلفان كل الاختلاف عن التعاليم المستقيمة الحقيقية، مما يبين بكل وضوح أنها من مصنفات الهراطقة. ولهذا فلا يصح وضعها حتى ضمن الأسفار المرفوضة، بل يجب نبذها كلها ككتابات سخيفة ماجنة"(972).
4 - رفضت الكنيسة كتب أبوكريفا لأنها اعتمدت على تعاليم سريَّة، فقال "بتولمايوس" رئيس المدرسة الغنوسية في إيطاليا نحو سنة 160م في إحدى رسائله: "إننا تلقينا أيضًا تعاليم رسولية عبر سلسلة من المعلمين، تحتوي ملاحق سريَّة لمجموعة أقوال يسوع المعروفة" (Btalmaeus, Letter to Flora,in : The Other Bible. P 622 - 625) (973).
تناولت الأناجيل الأربعة القانونية حياة السيد المسيح وأقواله وهو على الأرض بالجسد وقبل صعوده، بينما تناولت بعض كتب أبوكريفا الأحداث كما تصوَّرتها بعد قيامة المسيح، فمثلًا بدأ: كتاب يوحنا السري "بوصف حالة الحزن والخوف والإحباط التي انتابت تلاميذ يسوع بعد أن أُسلم ليُصلَب، ومضى يوحنا الحبيب منفردًا إلى جبل الزيتون، وإذ بالسماء تنفتح، والدنيا تضيء بنور عجيب ليس له نظير في هذا العالم، والكون قد اهتز، وسمع صوتًا يقول له: "يوحنا، لماذا تشك؟ لا تكن قليل الإيمان. أني معك"، ودار حوار بين يسوع المسيح ويوحنا أوضح له فيها أهم المسائل التي خُفيت عليهم حول أصل الكون والإنسان والشر وطبيعة الخلاص. ويتكرر الموضوع في "إنجيل فيلبس" إذ يلجأ التلاميذ إلى جبل الزيتون فيشع حولهم نور يضيء الجبل وسمعـوا صوتًا: "انصتوا، أنا يسوع المسيح، الباقي معكم دومًا" ثم يجري حوار بينهم وبين يسوع المسيح الذي يفضي لهم بأسرار كانت خافية عليهم... وفي "إنجيل يعقوب" الغنوسي بينما كان التلاميذ جالسون يتذكرون ما قاله المخلص فيحضر المسيح بينهم، فيقترب منهم ويختار بطرس ويعقوب ويختلي بهما وينقل إليهما تعاليمه السريَّة (راجع فراس السواح - الوجه الآخَر للمسيح ص 62، 63).. وفي "إنجيل توما" الغنوسي فقرة (50) قال يسوع: "إذ سألكم الناس من أين أتيتم؟ قولوا لهم أتينا من النور"، وفي فقرة (108) قال يسوع: "من يشرب من فمي يصبح مثلي وأنا أكون هو، وسوف تنكشف له الأشياء الخبيئة" (راجع فراس السواح - الوجه الآخر للمسيح ص 90).
وفي المسيحية لا توجد أمور سريَّة، فكل ما علَّم به السيد المسيح تلاميذه أوصاهم أن يعلموا به، وأن ينشروا الإنجيل للخليقة كلها ويعلّمون جميع الأمم بكل ما أوصاهم به، وعندما كلَّم السيد المسيح الشعب بأمثال وفسر هذه الأمثال لتلاميذه، فإن التلاميذ عندما كتبوا سجلوا هذه التفاسير وأباحوا بكل ما قاله لهم في جلسات خاصة. وقد أوضح بولس الرسول هذا المبدأ المعمول به في الكنيسة عندما قال لقسوس كنيسة أفسس: "كَيْفَ لَمْ أُؤَخِّرْ شَيْئًا مِنَ الْفَوَائِدِ إِلاَّ وَأَخْبَرْتُكُمْ وَعَلَّمْتُكُمْ بِهِ جَهْرًا وَفِي كُلِّ بَيْتٍ"(أع 20 : 20).. وإن قلنا أن بالكنيسة أسرار، فنحن لا نقصد على الإطلاق أنها مخفية عن الشعب، لأن الشعب يمارسها مع الإكليروس ويتمتعون بها حيث أنه في كل سر ننال نعمة روحية غير منظورة عن طريق مادة منظورة، فعن طريق مياه المعمودية المقدَّسة ننال الميلاد الثاني وتُغسَل جميع خطايانا الجدية والفعلية... وإن قلنا أن هناك صلوات سرية في العبادات الليتورجية فالمقصود بها أن يصليها الكاهن بصوت غير مسموع، مقدمًا فيها توبة عن نفسه وعن الشعب بينما يكون الشعب منشغلًا بصلوات أخرى وألحان رائعة، ولا تمنع الكنيسة أحدًا على الإطلاق من الاطلاع على هذه الصلوات بقصد المعرفة والدراسة، بينما جاء في كتــاب "بيان الحقيقية" الغنوسي: "إن طاعة رجال الدين تُسلّم المؤمنين إلى قيادة عمياء تستمــد سلطتها من إله العهد القديم، لا من الله الحق، وتربطهم في أيديولوجية سقيمة وطقوس ساذجة، مثل طقس المناولة ذي الطابع السحري، وطقس العماد الذي يدعى ضمـان الخلاص لهم. ولكن للخلاص طريق أكثر مشقة عن ذلك، وهو يقوم على معرفة النفس ومعرفة الله في الداخل، وينتهي بالاستنارة التي تليها القيامة الروحية في هذا العالم لا بعد الموت" (The testimony of truth, in : Nag Hammadi Library, P 406 – 416)(974).
5ــ رفضت الكنيسة كتب أبوكريفا لأنها رسمت طريق الخلاص بالمعرفـة، فالإنسان ينال الخلاص عن طريق معرفته لنفسه، وتحرير روحه السجينة داخل جســده، فجاء في "إنجيل توما" الغنوسي فقرة (3) قال يسوع: "عندما تعرفون أنفسكم عندها يعرفونكم، وتعرفون أنكم أبناء الله الحي. ولكن إن لم تعرفـوا أنفسكم أقمتم في قفـر، وكنتـم الفقــر"(975)، وفي "إنجيل توما" المنافس قال يسوع لتوما: "تفحَّص نفسك لكي تعرف من أنت. وكيف جئت وما الذي سيؤول إليه. وبما أنك تدعى أخي، ليس من المناسب أن تبقى في جهل من نفسك. وإني لأعرف أنك قد عرفت، لأنك فهمت بأني أنا معرفة الحقيقة " (The Book of Thomas the conternder, in : Nag Hammadi Library P. 189) (976).
وجاء في "رسالة بيوماندريس" : "إن من عرف نفسه حصـل على الخير الأسمى، أما من أضلته الرغبات وحُب الجسد، فسوف يتيه في ظلمات عالم الحواس ويذوق الموت... أن الله أب للجميع، وهو النور والحياة ومصدر الإنسانية، فإذا عرفت أنك مجبول من النور والحياة، سوف تعود إلى النور والحياة... على الإنسان الروحاني أن يعرف نفسه" (Hermes thrismegitus poimandres in, W, Barnston, edd. The other bible, P 569 – 574)(977).
6ـــ رفضت الكنيسة كتب أبوكريفا لأنها اعتبرت القيامة العامة ليست هيَ قيامة الأجساد في اليوم الأخير، إنما هيَ اكتشاف الروح لحقيقتها، فالجسد مجرد رداء تخلعه الروح بالموت، ولن يُبعث ثانية بعد موته، وقال يسوع في "إنجيل توما" الغنوسي فقرة (29): "إنني أعجب لتلك الثروة العظيمة (الروح) تقيم في هذا الفقر المدقع (الجسد)"(978) كما قال يسوع أيضًا في "إنجيل توما" الغنوسي فقرة (11): "هذه السماء ستزول، والتي فوقها ستزول. ولكن الذين هم أموات لن يحيوا، والذين هم أحياء لن يموتوا"(979).
7 - يقول "الأب جورج سابا" عن رفض الكنيسة لكتب أبوكريفا: "من أسباب موقف الكنيسة هذا:
(1) عدم انتماء هذه الكتب إلى الرسل وجماعتهم.
(2) اتسامها بصورة عالم غريب "تمتزج فيه الحقيقة والإيمان والتقوى وجمال أسلوب الرواية، بكثير من الهذيان والتطفُّل، وقلة الذوق والاتزان، والمبالغة".
(3) استغلال بعض البدع لبعض هذه الكتب لنشر مبادئها الخاطئة، وأهمها تلك التي تذهب إلى أن جسد المسيح لم يكن مثل جسدنا، بل جسدًا ظاهرًا لا غير. وأن يسوع، بناء على هذا، لا يمكنه أن يخلصنا بصلبه وموته.
(4) عدم توافق طريقة عرض هذه الكتب مع الإيمــان واللاهــوت الكاثوليكــي الذي أخذ من القرن الرابع خصوصًا. يجعل العقائد المسيحية في تعابيـر الزمان الفلسفيــة (اليونانية).. "(980). وبالطبع فأنها لم تتفق واللاهوت الأرثوذكسي الذي استقر في وجداننا منذ القرون الأولى.
8ـ رفضت الكنيسة كتب أبوكريفا لأنها لم تكتب في زمن كتابة الأسفار القانونية، ومن المعروف أن الأسفار القانونية للعهد الجديد قد اكتملت مع نهاية القرن الأول الميلادي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. بينما كُتِبت كُتب أبوكريفا خلال الفترة من (150 - 400م). وقال "العلّامة ترتليان" (145 - 220م) عن هذه الكتب أنها: "لا تمت للرسل أو من خلفوهم (خلفائهم) بصلة"(981). وأوضح ترتليان أن الذي كتب "أعمال بولس" هو شيخ من آسيا، وعندما أعترف بهذا طُرد من وظيفته (راجع دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 46، 47).
9ـ بالرغم من أن كتب أبوكريفا كانت معروفة ومتداولة، لكن الآباء لم يقتبسوا منها ولم يستشهدوا بها، بل رفضوها، فجاء في "دائرة المعارف الكتابية" تحت عنوان "شهادة كتَّاب الشرق" عن هذه الكتب أنها: "كانت من الهوان بحيث لم يحسب أي كاتب كنسي أنها أهلًا لأن يستشهد بها، فأسلوبها وتعليمها ينمَّان بكل وضوح عن مصدرها الهرطوقي، لدرجة تمنع من وضعها حتى بين الكتب الزائفة، بل رفضوها تمامًا باعتبارها سخيفة وشريرة. ويصرح أفرايم (المتوفي سنة 373م) بأن أسفار الأعمال التي كتبها الباردسانتيون لينشروا بِاسم الرسل ما هدمه الرسل أنفسهم. ويكرّر أبيفانيوس (حوالي 375م) الإشارة إلى أسفار أعمال كانت تُستخدم بين الهراطقة. ويعلن أمفيلوكيوس من أيقونية، وكان معاصرًا لأبيفانيوس، أن كتابات معينة كانت تنطلق من دوائر الهراطقة وهيَ "ليست أعمال الرسل، بل روايات شياطين".. "(982).
كما جاء في "دائرة المعارف الكتابية" أيضًا عن رفض الغرب لهذه الكتب: " 5ـ شهادة الغرب: وتكثر الإشارات إلى هذه الأعمال منذ القرن الرابع، فيشهد فيلاستريوس من برسكيا (حوالي 387م) بأن الأعمال الأبوكريفية كانت مستخدمة عند المانيين، ويقول أنها وإن كانت لا تليق قراءتها للجمهور، إلاَّ أن القارئ الناضج يمكن أن يستفيد منها. ويشير أوغسطينوس مرارًا إلى الأعمال الأبوكريفية بأنها كانت تستخدم عند المانيين ووصمها بأنها من تأليف "ملفقي الخرافات". لقد قبلها المانيون واعتبروها صحيحة، وفي هذا يقول أوغسطينوس: "لو أن الناس الأتقياء المتعلمين الذين عاشوا في زمن مؤلفيها، وكانوا يستطيعون الحكم عليها، وقد أقروا بصحتها، لقبلتها سلطات الكنيسة المقدَّسة". ويذكر أوغسطينوس أعمال يوحنا وأعمال توما بالاسم، كما أنه يشير إلى أن ليوسيوس هو مؤلف الأعمال الأبوكريفية. ويذكر تريبيوس من أسترجا، أعمال أندراوس وأعمال يوحنا وأعمال توما وينسبها للمانيين، ويندّد تريبيوس بالتعليم الهرطوقي في أعمال توما عن المعمودية بالزيت عوضًا عن الماء، ويدين هذه الطريقة ويذكر أن ليوسيوس هو مؤلف أعمال يوحنا. كما أن المرسوم الجلاسياني يدين أعمال أندراوس وتوما وبطرس وفيلبس وينعتها بأنها أبوكريفية. ونفس هذا المرسوم يدين أيضًا "كل الكتب التــي كتبها ليوسيوس تلميذ الشيطان"... "(983).
والآن دعنا يا صديقي نأخذ بعض الأمثلة القليلة من هذه الكتب الأبوكريفا المزيَّفة المنحولة، سواء كانت أناجيل، أم أعمال، أم رسائل، أم رؤى فنأخذ من الأناجيل: "إنجيل توما"، و"إنجيل مولد العذراء وطفولة المخلص"، و"إنجيل الطفولة العربي"، ونأخذ من كتب الأعمال "أعمال بولس"، و"أعمال بطرس".
_____
(964) القرآن الكريم والتوراة والإنجيل ص 98، 99.
(965) التوراة والأناجيل بين التناقض والأساطير ص 288.
(966) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 3 ص 94.
(967) نظرة في كتب العهد الجديد وعقائد النصرانية ص 44.
(968) مصادر الوحي الإنجيلي - الدفاع عن المسيحية - في الإنجيل بحسب متى ص 22.
(969) أبوكريفا العهد الجديد جـ 1 ص 54.
(970) أورده فراس السواح - الوجه الآخر للمسيح ص 73، 74.
(971) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 43.
(972) ترجمة القس مرقس داود - تاريخ الكنيسة ص 140.
(973) أورده فراس السواح - الوجه الآخَر للمسيح ص 61.
(974) أورده فراس السواح - الوجه الآخَر للمسيح ص 65.
(975) المرجع السابق ص 89.
(976) المرجع السابق ص 69.
(979) المرجع السابق ص 69.
(980) على عتبة الكتاب المقدَّس ص 239، 240.
(981) أورده القمص عبد المسيح بسيط - أبوكريفا العهد الجديد جـ 1 ص 55.
(982) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 42، 43.
(983) المرجع السابق ص 43.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/138.html
تقصير الرابط:
tak.la/mtxpkp5