ج- وما زال هذا السفر يلقى هجومًا شرسًا حتى أن بعضهم بعد أن أورد بعض الآيات من السفر في أحد مواقع شبكة الانترنت قال "أن الذي يضع هذا النص في كتاب مقدَّس هو زنديق، ومن يفسره ويحاول أن يقنع به الجهلة هو محتال ومن يصدقهما هو متخلف عقليًا". والحقيقة أن بعض الآيات التي رأى فيها هؤلاء الجسديون عثرة، قد حملت إلينا أعماقًا روحية، وغمر ينادى غمرًا "أي قول أو أي سمع يقدر أن ينطق باللجة التي لا تُوصف، التي لمحبتك للبشر يا الله"(1) فمن يفهم ومن يدرك جمال العلاقة الروحية مع الله؟! والآن إلى بعض هذه الآيات:
1-
ليقبلني بقبلات فمه، ليتك كأج لي الراضع ثدييّ أمي فأجدك في الخارج وأقبلَك ولا
يخزونني
2- لأن حبك أطيب من الخمر،أدخلني إلى بيت الخمر
3- مَا أَجْمَلَ خَدَّيْكِ بِسُمُوطٍ، وَعُنُقَكِ
بِقَلاَئِدَ، خَدُّكِ كَفِلْقَةِ رُمَّانَةٍ تَحْتَ نَقَابِكِ
4- صُرَّةُ الْمُرِّ حَبِيبِي لِي. بَيْنَ ثَدْيَيَّ يَبِيتُ
5- هَا أَنْتَ جَمِيلٌ يَا حَبِيبِي وَحُلْوٌ، وَسَرِيرُنَا
أَخْضَرُ
6- شِمَالُهُ تَحْتَ رَأْسِي وَيَمِينُهُ تُعَانِقُنِي
7- فِي اللَّيْلِ عَلَى فِرَاشِي طَلَبْتُ مَنْ تُحِبُّهُ
نَفْسِي. طَلَبْتُهُ فَمَا وَجَدْتُهُ
8- أَدْخَلَنِي الْمَلِكُ إِلَى
حِجَالِهِ، فَأَمْسَكْتُهُ وَلَمْ أَرْخِهِ، حَتَّى أَدْخَلْتُهُ بَيْتَ أُمِّي
وَحُجْرَةَ مَنْ حَبِلَتْ بِي
9- شَفَتَاكِ كَسِلْكَةٍ مِنَ الْقِرْمِزِ، وَفَمُكِ حُلْوٌ،
شَفَتَاكِ يَا عَرُوسُ تَقْطُرَانِ شَهْدًا. تَحْتَ لِسَانِكِ عَسَلٌ وَلَبَنٌ،
خَدَّاهُ كَخَمِيلَةِ الطِّيبِ وَأَتْلاَمِ رَيَاحِينَ ذَكِيَّةٍ. شَفَتَاهُ
سُوْسَنٌ تَقْطُرَانِ مُرًّا مَائِعًا
10- ثَدْيَاكِ كَخِشْفَتَيْ ظَبْيَةٍ، تَوْأَمَيْنِ
يَرْعَيَانِ بَيْنَ السَّوْسَنِ، ثَدْيَاكِ كَخَشْفَتَيْنِ، تَوْأَمَيْ ظَبْيَةٍ،
قَامَتُكِ هذِهِ شَبِيهَةٌ بِالنَّخْلَةِ، وَثَدْيَاكِ بِالْعَنَاقِيدِ. قُلْتُ:
إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى النَّخْلَةِ وَأُمْسِكُ بِعُذُوقِهَا. وَتَكُونُ ثَدْيَاكِ
كَعَنَاقِيدِ الْكَرْمِ، وَرَائِحَةُ أَنْفِكِ كَالتُّفَّاحِ وَحَنَكُكِ كَأَجْوَدِ
الْخَمْرِ، لَنَا أُخْتٌ صَغِيرَةٌ لَيْسَ لَهَا ثَدْيَانِ. فَمَاذَا نَصْنَعُ
لأُخْتِنَا فِي يَوْمٍ تُخْطَبُ؟، أَنَا سُورٌ وَثَدْيَايَ كَبُرْجَيْنِ
11- حَبِيبِي أَبْيَضُ وَأَحْمَرُ
12- ما أجمل رجليك بالنعلين يا بنت الكريم. دوائر فخذيك مثل الحلي
صنعة يدي صناع. سرتك كأس مدورة. بطنك صبرة حنطة مسيجة بالسوسن
13- تعال يا حبيبي لنخرج إلى الحقل ولنبت في القرى. لنبكرن إلى
الكروم. لننظر هل أزهر الكرم؟ هل تفتح القعال؟ هل نور الرمان؟ هناك أعطيك حبي
ليقبلني... بينما تخاطب العروس العريس فأنها تطلب قبلات آخر، وهذا ما يؤكد أن القبلات هنا ليست أمور جسدية، إنما هي قبلات الله الآب الذي أحب النفس وخلقها على صورته ومثاله، وعندما سقطت وعدها بالخلاص، وأعطاها الناموس عونًا، والأنبياء يؤكدون لها وعد الخلاص، ومع ذلك فهي تطلب قبلاته أي تعاليمه في الناموس والأنبياء.
ليقبلني... مع أن الله ليس جسد وليس له فم وشفاه. إنما كما أن الشفاه بها الأعصاب المرهفة، هكذا القبلات هنا تعبر عن قمة إعلان حب الله لنا.
ليقبلني... ولم تذكر أسمه خشوعًا ووقارًا واحترامًا، كما أن الحبيب هو واحد لا يوجد في العالم كله غيره، كما قالت مريم المجدلية للبستاني "أن كنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه" (يو20: 15) ولم تذكر أسمه.
ليقبلني... فالنفس لا تكتفي بالاقتراب منه، أو الحديث معه، إنما تطلب قبلات فمه أي تعاليمه ومحبته الفياضة، ولا تطلب قبلة ولا بضع قبلات إنما تطلب كل القبلات، فاختبارها لمحبة العريس الغير محدودة شجعها على هذا.
ليقبلني بقبلات فمه... تلك القبلات التي أختبرها الابن الضال في توبته، فبعد أن أختبر قبلات العالم وأدرك تمامًا أنها "غاشة قبلات العدو" (أم27: 6).. "فقام وجاء إلى أبيه وإذ كان لم يزل بعيدًا رآه أبوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله" (لو15: 20) أنها قبلات أبوية كما هي قبلات أبوية كما هي قبلات أخوية "ليتك كأخ لي... وأقبلَّك ولا يخزونني".
ليقبلني بقبلات فمه... تلك المحبة الفياضة التي أختبرها يوحنا الحبيب الذي كان يتكئ على صدر يسوع وقال "لا خوف في المحبة بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج" (1يو4: 18) ، وإن كان بمجرد أن نرى صورة للعريس السمائي نقبَّلها، أفلا يطبع هو قبلاته على النفوس المحبة؟! ويقول نيافة الأنبا يؤانس الأسقف العام "تزوقت العروس محبة مسيحها الأطيب من الخمر، فاشتعل قلبها حبًا واشتياقًا، وطفقت - بدالة النبوة- تطلب قبلات الآب السماوي كي ما تروى محبة قلبها واشتياقاته"(2).. " فيا ليتك -مع إني غير مستحقة- أن ترفعني إلى مستوى أحضان أبيك السماوي، فأتمتع معك بأحضانه الحانية، وأشبع وارتوي بقبلات فمه"(3).
قال الرب يسوع "أنا هو الكرمة الحقيقية" (يو15: 1) ومن عصير الكرم يُصنع الخمر، فالخمر هو تعبير مجازى عن محبة السيد المسيح التي دفعته إلى سفك دمه من أجلنا، وبيت الخمر هو مخدع الصلاة حيث الخلوة مع الله وتسبيح أسمه القدوس، وكما أن الخمر تملك المشاعر والأحاسيس، وتنسى الإنسان همومه، وتمنحه النشوة، هكذا الحب الإلهي " عند كثرة همومي في داخلي تعزياتك تلذذ نفسي" (مز94: 19) والتشبيه مع الفارق لأن الخمر تذهب بعقل الإنسان، أما الحب الإلهي فأنه يسمو بعقل الإنسان للأمور السمائية التي تفوق الإدراك، وإن كان تأثير الخمر وقتيًا فإن تأثير الحب الإلهي دائم ويعبر بالإنسان من هذه الحياة للحياة الأخرى.
ويقول القديس يوحنا سابا (الشيخ الروحاني) "فكل عقل كثير الكلام، إن دخل هذا البيت (بيت الخمر) يلتزم السكوت ويمتنع عن الكلام والحركات لاندهاشه بالأسرار... ههنا يُظهر الله جماله لمحبيه... ههنا تبصر النفس ذاتها ورب المجد المُشرق فيها... بالحقيقة أن الأرض وكل ما عليها قد ذهبت من قدامى، وقد استضاءت عينا قلبي بجمال إلهي. دهش ذهني بعجب أسراره، وقد أشتعل لهيب محبته بعظامي... أنه نعيم وطوبى أرفع من كل تطويب. وليس للذتها مثيل... السبح لك يا إلهي. فكما أنك عجيب، عجيبة هي أيضًا أسرارك... فطوبى لمحبيك الذين بجمالك وبهائك يضيئون.."(4).
وقال أحد الرهبان "أنها لحظات تخرج النفس فيها عن هذا الزمان المحدود، وتحلق بعيدًا في خفة الروح حتى تتلامس بتلامس خفى -حلو للغاية- مع الغير المحدود... مع أصل وغاية وجودها رب المجد، فتسكب فيها تيارات المحبة الإلهية الفياضة... فتضحى النفس سكرى بمحبة إلهها الأطيب من الخمر... وقد استقرت تمامًا في بيت الخمر السماوي...
إنها لحظات إشراق إلهي عجيب ومضيء للغاية... إشراق إلهي خفي, يجذب النفس في ومضة فكر من هذا المجال المادي المحدود إلي ذلك المجال الإلهي غير المحدود, وأضحت سكري بإشراقات الحب الإلهي... وقد استفزت تمامًا في بيت الخمر...
إنها لحظات تتفتح فيها مدارك النفس لتعي تمامًا وجود الله الذي السموات وسماء السموات لا تسعه... لحظات تنفتح فيها أعين القلب لتعاين جمال الحبيب، وكأن النفس في وسط محيط لا حدود له... ليس مجرد مجال روحاني، لكنه هو الله الذي لا حد له، والنفس تنعم بسرور مفرط، وتظفر فرحًا مع تموجات هذا المحيط الإلهي... يكسوها خشوع روحاني عجيب... وقد أمتلك رب المجد كل خلجة من خلجات القلب الصغير... وأضحت النفس سكري بمفاعيل الحب الإلهي العجيب... داخل بيت الخمر السماوي الذي للحبيب... هي لحظات لا تنسي... أنها تلك اللحظات المقدَّسة التي تسمو فيها النفس، وترفع أجنحتها كالنسور، فيجذبها رب المجد بعيدًا عن هذا المجتمع الضيق الذي للمنظورات ويدخلها إلي بيت الخمر السماوي... وتقترب النفس إلي غير المقترب إليه... وتسري في داخلها روحانية تفوق الوصف"(5).
وحتى غير المؤمنين الذين لم يتذوقوا محبة المسيح شعر المتصوُّفون منهم بمحبة الله وشبهوها بالخمر، فقالت رابعة العدوية:
" كأسي وخمري والنديم: ثلاثة وأنا المشوقة في المحبة: رابعة
كأس المسرة والنعيم يديرها ساقي المُدام علي المدى متتابعة
فإذا نُظرتُ فلا أرى إلاَّ له وإذا حضرت فلا أري إلاّ معه"(6)
وقال الأستاذ مأمون الغريب عنها: (أن رابعة العدوية كانت تريد أن تشرب وتشرب من هذه الكأس الربانية، هذه الكأس التي يصعب وصفها، بل أن عمر بن الفارص كان وصفهُ رغم ما فيه من رقة المشاعر، يبدو غامضًا ما فيه من جمال وجلال دون أن تفهمه فهمًا حرفيًا، أنك تستشعر عمق هذا الحق لله، وإن صعب شرحه:
يقولون لي صفها فأنت بوصفها خبير أجل عندي بأوصافها علم
صفاءُ ولا ماءُ، ولطفُ ولا هوي ونورُ ولا نارُ، وروحُ ولا جسمُ
ومن المعروف أن الخمر بمفهومها الحرفي والتي حرَّمها الإسلام في هذه الأرض، قد حلّلها القرآن في الجنة "يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين، لا يصدعون عنها ولا يُنزفون (تذهب عقولهم)" (سورة الصافات 45) "يتنازعون فيها كأسًا لا لغو فيها ولا تاثيم" (سورة الطور 23) وفسرها النسفي وابن كثير علي أنهم يتعاطون الخمر.
السموط هو الخيوط التي تجمع الجواهر، فتُكوّن عقود أو صفوف من الجواهر، ومفردها سمط أي عقد أو صف، وسبب جمال خدي العروس هنا هو السموط أي صفوف الجواهر، ومن صاحب هذه الجواهر؟ أنه العريس... في القديم أرسل إسحق العريس الجواهر إلي رفقة العروس فازدانت بها، فالله هو الذي يُزيّن النفس البشرية "زينة الروح الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن" (1بط 3: 4) فيظهر علي النفس ثمار الروح القدس فتتحلي بالمحبة والفرح والسلام وطول الأناة واللطف والصلاح والإيمان والوداعة والتعفف مثل جواهر عديدة، ولكل جوهر بريقه ولمعانه.
وفي الترجمة السبعينية "ما أجمل خديك كحمامة" وخدا الحمامة يشيران للبساطة والوداعة "فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ." (مت 10: 16) وقال السيد المسيح "فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا" (مت 6: 22) كما يشير الحمام للطهارة فالزيجة لدي الحمام تتم مرة واحدة فقط، ولا ننسي أن الحمامة تشير للروح القدس كما رأينا في معمودية المسيح.
وعنقك بقلائد... والقلادة هي العقد أو الكردان، فعندما رفع الله يوسف "وَخَلَعَ فِرْعَوْنُ خَاتِمَهُ مِنْ يَدِهِ وَجَعَلَهُ فِي يَدِ يُوسُفَ، وَأَلْبَسَهُ ثِيَابَ بُوصٍ، وَوَضَعَ طَوْقَ ذَهَبٍ فِي عُنُقِهِ" (تك 41: 42).
وعندما وهب الله الحكمة لدانيال "حِينَئِذٍ أَمَرَ بَيْلْشَاصَّرُ أَنْ يُلْبِسُوا دَانِيآلَ الأَرْجُوانَ وَقِلاَدَةً مِنْ ذَهَبٍ فِي عُنُقِهِ،" (دا 5: 29) وفي سفر حزقيال يقول الله للنفس البشرية "وَحَلَّيْتُكِ بِالْحُلِيِّ، فَوَضَعْتُ أَسْوِرَةً فِي يَدَيْكِ وَطَوْقًا فِي عُنُقِك.... وَجَمُلْتِ جِدًّا جِدًّا، فَصَلُحْتِ لِمَمْلَكَةٍ." (حز 16: 11، 13).
وعنقك بقلائد... والقلادة كما علمنا الكتاب المقدَّس هي حفظ الوصية "يَا ابْنِي، احْفَظْ وَصَايَا أَبِيكَ وَلاَ تَتْرُكْ شَرِيعَةَ أُمِّكَ.اُرْبُطْهَا عَلَى قَلْبِكَ دَائِمًا. قَلِّدْ بِهَا عُنُقَكَ." (أم 6: 20، 21) والقلادة هي السلوك بالرحمة والحق "لاَ تَدَعِ الرَّحْمَةَ وَالْحَقَّ يَتْرُكَانِكَ. تَقَلَّدْهُمَا عَلَى عُنُقِكَ." (أم 3: 3) والقلادة هي تأديبات الرب لنا "اِسْمَعْ يَا ابْنِي تَأْدِيبَ أَبِيكَ، وَلاَ تَرْفُضْ شَرِيعَةَ أُمِّكَ،لأَنَّهُمَا إِكْلِيلُ نِعْمَةٍ لِرَأْسِكَ، وَقَلاَئِدُ لِعُنُقِكَ." (أم 1: 8، 9) والقلادة هي حمل نير المسيح "اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ..... لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ" (مت 11: 29، 30) أما العنق الذي بلا قلادة فهو عنق صلب الرقبة كما كان اليهود "رَأَيْتُ هذَا الشَّعْبَ وَإِذَا هُوَ شَعْبٌ صُلْبُ الرَّقَبَةِ." (خر 32: 9).
خدك كفلقة رمانة... فمن الخدين يظهر جمال الإنسان أو قبحه، والخدان كجزء رئيسي في الوجه نستشف منهما انفعالات الإنسان إذا كانت انفعالات فرح أو حزن... سلام أو ضيق... سعادة أو ضجر، ودائمًا نجد الكنيسة مشرقة لأن خداها كفلقتي رمانة.
خدك كفلقة رمانة... فالرمان يشير للحياة الغنية بسبب كثرة البذور، وأيضًا الرمان علامة الزينة، ولذلك زُين به ثوب رئيس الكهنة "وَتَصْنَعُ جُبَّةَ الرِّدَاءِ كُلَّهَا مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ... وَتَصْنَعُ عَلَى أَذْيَالِهَا رُمَّانَاتٍ مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوانٍ وَقِرْمِزٍ" (خر 28: 31، 33) وعمودا ياكين وبوعز لهما تاجان "وَعَمِلَ لِلْعَمُودَيْنِ صَفَّيْنِ مِنَ الرُّمَّانِ فِي مُسْتَدِيرِهِمَا عَلَى الشَّبَكَةِ" (1 مل 7: 18).
كفلقة رمانة... أي إظهار ما في باطنها من بذور حمراء بحمرة الدم، فسر جمالها هو دم المسيح الذي تحيا به.
تحت نقابك... ليس النقاب بقصد الإخفاء ولكن بقصد الحشمة والحياء لأن كل مجد ابنة الملك من داخل، وهذا يتمشي مع مبادئ الموعظة علي الجبل مثل ممارسة الأمور الروحية من صوم وصلاة وصدقة في الخفاء.
المر سائل لزج يسيل من أشجار شوكية في بلاد العرب والهند ويُسمي Balsamo Dendron myrrha المر القاطر، وكان من العادات القديمة أن تُعلّق الفتاة سلسلة بها صرة مر قاطر فتستقر تحت الملابس بين الثديين وتفيح رائحته الذكية(7).
وصرة المر تشير لآلام المسيح العبد المتألم الذي قدم له المجوس في طفولته مرًّا، وعلي الصليب قدموا له خلًا ممزوجًا بمرارة "مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ" (أش 53: 3) وعند تكفينه أحضر نيقوديموس مر وعود نحو مئة منًا. كما أن صرة المر تشير للتعاليم الخاصة بالتجسد الإلهي كما قال العلامة أوريجانوس.
صرة المر حبيبي لي... فهو الذي قال "لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا، لأَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ، لكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ لأَنِّي أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي
.) (يو 15: 15)حبيبي لي... وقد امتلكته وسأحتفظ به في أفضل مكان في قلبي بين ضلوعي، ومتى ملك حياتي.
بين ثديي يبيت... تشبيه مأخوذ من العادات القديمة حيث كانت تُعلِق الزوجة صورة زوجها الغائب في عنقها علامة لمحبتها وإخلاصها له.
بين ثديي... قال الله للإنسان "يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ" (أم 23: 26)
وفي القديم قال الله علي لسان هوشع النبي "حَاكِمُوا أُمَّكُمْ حَاكِمُوا، لأَنَّهَا لَيْسَتِ امْرَأَتِي وَأَنَا لَسْتُ رَجُلَهَا، لِكَيْ تَعْزِلَ زِنَاهَا عَنْ وَجْهِهَا وَفِسْقَهَا مِنْ بَيْنِ ثَدْيَيْهَا" (هو 2: 2) فالنفس يجب أن تتطهر من الفسق والآِثام حتي يجد الله موضعًا مريحًا فيها.
بين ثديي يبيت... أي يستريح، ففي وسط الظلمة الخطية لا يجد السيد المسيح مكانًا يستريح فيه إلاّ قلوب المؤمنين، ومن يستريح المسيح في قلبه يحب أن يعتزل عن شهوات العالم ولا يحن ويشتاق إليها.
بين ثديي يبيت... كقول بولس الرسول "لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ" (أف 3: 17).
ها أنت جميل يا حبيبي... في الآية السابقة قال العريس للعروس "هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ. عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ
." (نش 1: 15) فلم تنشغل بجمالها ولم تتباهي به، إنما انشغلت بالعريس ونظرت إليه قائلة ها أنت جميل يا حبيبي.ها أنت جميل يا حبيبي وحلو... كنت فيما سبق أعرف عنك أما الآن فعرفتك "أَنْتَ أَبْرَعُ جَمَالًا مِنْ بَنِي الْبَشَرِ
." (مز 45: 2) أما بالنسبة لليهود الذين لم يعرفوك فكنت بالنسبة لهم "كَعِرْق مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ." (أش 53: 2) عرفتك وتذوقتك فإذ أنت حلو "ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ!" (مز 34: 8).. "طَيِّبٌ هُوَ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يَتَرَجَّوْنَهُ، لِلنَّفْسِ الَّتِي تَطْلُبُهُ." (مرا 3: 25) حلو في رعايتك... حلو في محبتك... حلو في صبرك وطول أناتك... حلو في افتقادك لأولادك... حلو في مراحمك للخطاة... حلو في عطاياك.وسريرنا أخضر... السرير يرمز للراحة، فبعد عناء يوم طويل يجد الإنسان راحته علي سريره، والسرير يرمز للهدوء والاسترخاء والسكينة والطمأنينة "اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ، فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ يَبِيتُ
.أَقُولُ لِلرَّبِّ: «مَلْجَإِي وَحِصْنِي. إِلهِي فَأَتَّكِلُ عَلَيْه»... بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ، وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي." (مز 91: 1-4) واللون الأخضر علامة الحياة والإثمار.سريرنا أخضر... كقول مرنم إسرائيل الحلو "فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي
." (مز 23: 2).. "أَمَّا أَنَا فَمِثْلُ زَيْتُونَةٍ خَضْرَاءَ فِي بَيْتِ اللهِ." (مز 52: 8).سريرنا... رمز للشركة الهادئة معه "تَعَالَوْا أَنْتُمْ مُنْفَرِدِينَ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ وَاسْتَرِيحُوا قَلِيلًا" (مر 6: 31) وقول العروس "سريرنا " إشارة للسرور المتبادل فالنفس تفرح بالله، وهو يقول "لَذَّاتِي مَعَ بَنِي آدَمَ
." (ام 8: 31).. "فَيَلَذُّ لَهُ نَشِيدِي، وَأَنَا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ." (مز 104: 34) وهكذا نالت السامرية الخلاص، وخلاصها كان طعامًا للسيد المسيح، فبعد أن أحضر التلاميذ الطعام له قال لهم "أَنَا لِي طَعَامٌ لآكُلَ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ أَنْتُمْ" (يو 4: 32) وكما يجد الخاطئ شبعه في الرب، فإن الرب يجد شبعه في عودة الخاطئ "فَنَأْكُلَ وَنَفْرَحَ،لأَنَّ ابْنِي هذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالًا فَوُجِدَ" (لو 15: 23، 24) وكما قال السيد المسيح "يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ." (يو 15: 11) وقال عمن يقبله "أَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي." (رؤ 3: 20)سريرنا أخضر... إشارة إلي جسد السيد المسيح، فبعد أن أخذ طبيعتنا البشرية جسدًا وروحًا استرحنا فيه كما في حديقة خضراء، وأيضًا إشارة إلي جسدنا بعد الفداء والذي استراح فيه روحه القدوس "أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟" (1كو 3: 16).. "فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ هَيْكَلُ اللهِ الْحَيِّ، كَمَا قَالَ اللهُ: «إِنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا
." (2كو 6: 16).
إذ قالت العروس في الآية السابقة "أَسْنِدُونِي بِأَقْرَاصِ الزَّبِيبِ. أَنْعِشُونِي بِالتُّفَّاحِ، فَإِنِّي مَرِيضَةٌ حُبًّا
" (نش 2: 5) فجاءت لها الإجابة سريعًا حتى أنها قالت " شماله تحت رأسي ".. ترفعني من ضعفاتي، وتصير كوسادة نستريح عليها رأسي بالمواعيد الإلهية، فالرأس المثقلة بالانشغالات والانفعالات والهموم والمشاكل والمخاوف تستريح علي ذراع المسيح.ويمينه تعانقني... كقول أبينا يعقوب في بركته لبنيامين "حَبِيبُ الرَّبِّ يَسْكُنُ لَدَيْهِ آمِنًا. يَسْتُرُهُ طُولَ النَّهَارِ، وَبَيْنَ مَنْكِبَيْهِ يَسْكُنُ" (تث 33: 12).
ويمينه تعانقني... اليمين التي اختبرنا داود النبي فقال "تُعَرِّفُنِي سَبِيلَ الْحَيَاةِ. أَمَامَكَ شِبَعُ سُرُورٍ. فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ إِلَى الأَبَدِ"
(مز 16: 11) وتضرع لله قائلًا "احْفَظْنِي مِثْلَ حَدَقَةِ الْعَيْنِ. بِظِلِّ جَنَاحَيْكَ اسْتُرْنِي" (مز 17: 8) وسبح الله قائلًا "أُعَظِّمُكَ يَا رَبُّ لأَنَّكَ نَشَلْتَنِي وَلَمْ تُشْمِتْ بِي أَعْدَائِي." (مز 30: 1).. "مَا أَكْرَمَ رَحْمَتَكَ يَا اَللهُ! فَبَنُو الْبَشَرِ فِي ظِلِّ جَنَاحَيْكَ يَحْتَمُونَ." (مز 36: 7).. "اِلْتَصَقَتْ نَفْسِي بِكَ. يَمِينُكَ تَعْضُدُنِي." (مز 63: 8).ويمينه تعانقني... مثل الحمل الصغير في حضن الراعي "هُوَذَا السَّيِّدُ الرَّبّ.... كَرَاعٍ يَرْعَى قَطِيعَهُ. بِذِرَاعِهِ يَجْمَعُ الْحُمْلاَنَ، وَفِي حِضْنِهِ يَحْمِلُهَا، وَيَقُودُ الْمُرْضِعَاتِ" (أش 40: 10، 11)
ويمينه تعانقني... أي تعضدني وتكشف لي عن محبته الأبدية كما كشفت ليوحنا وهو في المنفي بجزيرة بطمس "فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَيَّ قَائِلًا لِي: «لاَ تَخَفْ، أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ" (رؤ 1: 17) فاليد التي رآها مسمَّرة علي الصليب، هي التي رآها بعد القيامة تحمل آثار المسمار وتوما يلمسها بأصبعه، هي التي رآها صاعدة إلي السماء ومرفوعة بالبركة، وهي التي عاد ينظرها وقد وضعت عليه بحنان بالغ عندما سقط كميت لتقيمه.
ويقول نيافة الأنبا يؤانس الأسقف العام "وعندما نتذوق نحن هذه الأحضان الإلهية... عندما يأتي إلهنا القدوس، ويسند رؤوسنا المثقلة علي شماله... ويمينه المباركة تعانق نفوسنا بملء حبه وحنانه... لست أدري يا أخوتي ماذا ستكون مشاعرنا آنذاك..؟ أخال أننا سننسي العالم كله بأنينه وأوجاعه وأفراحه، وندخل في حالة سبي روحاني فائق للغاية... يا تري كم ستتهلل أرواحنا؟! وكم ستبتهج نفوسنا بعظيم صنيع الرب معنا..؟! يا تري كم ستختلج قلوبنا بالكثير والكثير، ونحن في أحضان إلهنا الحبيب..؟! لست أدري يا إخوتي... كل ما أدريه أننا سنتهلل وننشد مع عروس النشيد بنشيدها الجميل شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني"(8).
فبعد أن قالت العروس "حَبِيبِي لِي وَأَنَا لَهُ. الرَّاعِي بَيْنَ السَّوْسَنِ
.إِلَى أَنْ يَفِيحَ النَّهَارُ" (نش 2: 16، 17) فقدت الإحساس بقربه فدخلت في ظلمة الليل.في الليل... أي في ظلمة الخطية، وعلي فراشي... أي في كسلي وتهاوني ورقادي وبعدي عن إلهي.
طلبت من تحبه نفسي... فرغم تهاوني وخطيتي إلاّ أنني مازلت أحب إلهي، مثلما أنكر بطرس سيده وقت ظلمة الليل وفي لحظات الضعف، وبعد القيامة لم يسأله سيده عن سبب الإنكار، إنما سأله: أتحبني يا بطرس؟، فأجاب: نعم... يا رب أنت تعلم كل شيء... أنت تعلم أنني أحبك.
طلبته فما وجدته... العروس طلبت العريس ولم تجده لأنه في حالة تراخي وخطية "تَطْلُبُونَ وَلَسْتُمْ تَأْخُذُونَ، لأَنَّكُمْ تَطْلُبُونَ رَدِيًّا لِكَيْ تُنْفِقُوا فِي لَذَّاتِكُمْ
." (يع 4: 3).طلبت من تحبه نفسي، طلبته فما وجدته... هذا لسان حال الكنيسة وعريسها في القبر، والمريمات والتلاميذ يلتمسونه ولا يجدونه، ولكن بعد فترة وجيزة التقوا معه في فجر القيامة.
أدخلني الملك إلي حجاله... عندما طلبت العروس أن يجذبها وراءه فتجري هي وبقية العذاري جاءت الإجابة السريعة إذ أدخلها الملك إلي حجاله، وبتعبير المزمور "قُصُورِ الْعَاجِ" (مز 45: 8) وكشف لها عن مجد ألوهيته، فوقفت في صمت ووقار وخشوع تتأمل في جمال الحبيب وتنبهر بطلعته البهية.
أدخلني الملك... فالنفس لا تقدر بقوتها الذاتية أن تدخل إلي حجال الملك، وتحتاج للعريس الذي يلتقطها، كما ألتقط نوح الحمامة بعد عودتها ولم تجد مستقرًا علي الأرض "فَمَدَّ يَدَهُ وَأَخَذَهَا وَأَدْخَلَهَا عِنْدَهُ إِلَى الْفُلْكِ
." (تك 8: 9).أدخلني الملك إلي حجاله... والحجال هو الكنيسة بيت مقدسه التي اشتاق إليها داود النبي "وَاحِدَةً سَأَلْتُ مِنَ الرَّبِّ وَإِيَّاهَا أَلْتَمِسُ: أَنْ أَسْكُنَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى جَمَالِ الرَّبِّ، وَأَتَفَرَّسَ فِي هَيْكَلِهِ
." (مز 27: 4) وكما قال المرنم "مَا أَحْلَى مَسَاكِنَكَ يَا رَبَّ اتَشْتَاقُ بَلْ تَتُوقُ نَفْسِي إِلَى دِيَارِ الرَّبِّ. قَلْبِي وَلَحْمِي يَهْتِفَانِ بِالإِلهِ الْحَيِّ....لأَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا فِي دِيَارِكَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفٍ." (مز 84: 1 - 10).فأمسكته ولم أرخه... كما حدث مع مريم المجدلية ومريم الأخرى "فَتَقَدَّمَتَا وَأَمْسَكَتَا بِقَدَمَيْهِ وَسَجَدَتَا لَهُ
." (مت 28: 9) وكما حدث مع تلميذيّ عمواس "فَأَلْزَمَاهُ قَائِلَيْنِ: «امْكُثْ مَعَنَا، لأَنَّهُ نَحْوُ الْمَسَاءِ وَقَدْ مَالَ النَّهَارُ». فَدَخَلَ لِيَمْكُثَ مَعَهُمَا." (لو 24: 29)أدخلته بيت أمي وحجرة من حبلت بي... فالعروس دخلت إلي حجال الملك من خلال مخدع الصلاة وتمتعت بجماله وجلاله، وها هي تدعوه إلي سكني قلبها...أدخلت عريسها إلي بيت أمها بيت النعمة، وحجرة الأم هي حجرة المحبة.
شفتاك كسلكة من القرمز... السلكة أي الخيط، وخيط القرمز هنا رمز للفداء، وهذا يذكّرنا بحبل القرمز الذي أنزلته راحاب من كوة منزلها، فكان سبب خلاص لكل من في البيت (يش 2: 11) كما أن القرمز يشير إلي الملوكيَّة، فعندما استهزأوا بيسوع علي أنه ملك اليهود "أَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيًّا" (مت 27: 28).
شفتاك كسلكة من القرمز... وكل صفة جمال في العروس هي في الحقيقة مكتسبة من العريس، فمن أين جاء خيط القرمز إلاّ من دماء المسيح السائلة علي جسده وتقطر علي الأرض لتغسل لعنتها؟! ولماذا صارت شفتا العروس قرمزيتان..؟ لأنهما تلطختا بدم المسيح في سر الأفخارستيا، وقد تطهرتا بالجمرة الملتهبة نارًا "إِنَّ هذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ، فَانْتُزِعَ إِثْمُكَ، وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ" (أش 6: 7).
شفتاك كسلكة من القرمز... فبعد أن صارت أسنان العروس قوية كقطيع الخراف المجزوزة قادرة علي الأكل، فبالتالي أصبحت قادرة علي الكلام والشهادة للمصلوب، وكلام الإنسان هو المرآة التي تكشف دواخله "اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشَّرَّ. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ
(لو 6: 45) كما صارت هذه النفس قادرة علي تقديم "ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ." (عب 13: 15).وفمك حلو... لأنه لا تخرج منه كلمة جارحة ولا كلمة بطالة، وفمك أي حديثك أو كلماتك، ويقول ديليش: "أن الصيغة المستخدمة هنا للفم كأداة للحديث (التفسير الحديث ص 75) شفتاك يا عروس تقطران شهدًا... فكلامك حلو مثل الشهد ككلام القديسين... مثل كلام القديس يوحنا الذي لقب بفم الذهب، والقديس غريغوريوس الذي لقب بالناطق بالإلهيات، والقديس مارآفرام السرياني الذي لقب بقيثارة الروح القدس، والقديس أثناسيوس الذي قيل عنه " إن سمعت كلمة لأثناسيوس ولم تجد ورقًا تكتبها فأكتبها علي قميصك "..
شفتاك يا عروس تقطران شهدًا... تقطران أي كلامك قليل، لأنه شهد والنحلة تحتاج إلي مجهود شاق ووقت طويل لتصنع الشهد، وكلامك ما هو إلاّ كلمات تسبيح، كلمات منفعة وبركة، كلمات تعزية وتشجيع، كلمات حق... حقًا قال الحكيم "اَلْكَلاَمُ الْحَسَنُ شَهْدُ عَسَل، حُلْوٌ لِلنَّفْسِ" (أم 16: 24).
شفتاك يا عروس تقطران شهدًا... مثل النحلة التي تتميز بالمثابرة والاجتهاد، فالنخلة تنتقل من زهرة إلي أخري، ومن حقل إلي آخر لتمتص الرحيق ثم تجود به شهدًا للإنسان "النَّحْلُ صَغِيرٌ فِي الطُّيُورِ، وَجَنَاهُ رَأْسُ كُلِّ حَلاَوَةٍ
." (أبن سيراخ 11: 3) ويقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص "يليق بنا أن نطير علي مروج التعاليم الموحي بها، ونجمع من كل منها في مخازننا التي للحكمة، هكذا يتكوَّن العسل في داخلنا وكأنه ذلك المحصول الذي يُخزَّن في قلوبنا في خلية نحل، وبواسطة التعاليم المتنوعة تتشكل في ذاكرتنا مخازن مثل الخلايا الشمعية التي لا تهلك. يلزمنا أن نكون كالنحلة فإن عسلها حلو ولدغتها لا تؤذي، ننشغل في عمل الفضيلة الهام. إنها تنهمك بالحق في تحويل أتعاب هذه الحياة إلي بركات أبدية، وتقديم جهادها لصحة ملوك وشعب. هكذا أيضًا النفس تجتذب العريس، ويعجب بها الملائكة(9)(10).تحت لسانك عسل ولبن... العسل هو كلام الله، فعندما أكل حزقيال النبي الدرج يقول "فَأَكَلْتُهُ فَصَارَ فِي فَمِي كَالْعَسَلِ حَلاَوَةً
." (حز 3: 3) وقال داود النبي عنه "أَشْهَى مِنَ الذَّهَبِ وَالإِبْرِيزِ الْكَثِيرِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَقَطْرِ الشِّهَادِ." (مز 19: 10).. "مَا أَحْلَى قَوْلَكَ لِحَنَكِي! أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ لِفَمِي." (مز 119: 103) وإذ تتغذي النفس بكلام الله تنال الشفاء الكامل "اَلْكَلاَمُ الْحَسَنُ شَهْدُ عَسَل، حُلْوٌ لِلنَّفْسِ وَشِفَاءٌ لِلْعِظَامِ." (أم 16: 24) أما اللبن فهو طعام كامل للأطفال، ويقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص "الإنسان الذي يعرف كيف يتحدث مع كل نوع من البشر وله تحت لسانه قوي مختلفة للكلمة الإلهية (عسلًا ولبنًا) هو ذالك الذي يقدر أن يقدم لكل واحد ما يناسبه حسب قدراته في الوقت المناسب"(11)(12).خداه كخميلة الطيب، وأتلام رياحين ذكية... خدا العريس يُظهران تواضعه وجماله، فهما الخدان اللذان تحملتا اللطمات "بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ، وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ. وَجْهِي لَمْ أَسْتُرْ عَنِ الْعَارِ وَالْبَصْقِ." (أش 50: 6) وهما اللتان غطتهما قبلات يهوذا الغاشة، خداه كخميلة الطيب أي كالأشجار العطرية الكثيرة، وأتلام الرياحين أي باقات الرياحين.
شفتاه سوسن تقطران مرًّا مائعًا... فقد قال المرنم "انْسَكَبَتِ النِّعْمَةُ عَلَى شَفَتَيْكَ" (مز 45: 2) وقال عنه الإنجيل "وَكَانَ الْجَمِيعُ يَشْهَدُونَ لَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ النِّعْمَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ" (لو 4: 22) ، وتقطران مرًَّا إشارة إلي نبوات السيد المسيح عن موته ودفنه.
شفتاه سوسن تقطران مرًّا مائعًا... السوسن هو زنابق الحقل التي قال عنها الرب يسوع "تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ كَيْفَ تَنْمُو! لاَ تَتْعَبُ وَلاَ تَغْزِلُ.وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ وَلاَ سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا." (مت 6: 28، 29) والمر المائع كما رأينا من قبل هو مر سائل له رائحة جذابة، ووصايا المسيح في ظاهرها مرة وفي داخلها حلاوة، فقد أعطي الملاك ليوحنا الرائي السفر الصغير "فَقَالَ لِي: «خُذْهُ وَكُلْهُ، فَسَيَجْعَلُ جَوْفَكَ مُرًّا، وَلكِنَّهُ فِي فَمِكَ يَكُونُ حُلْوًا كَالْعَسَلِ»." (رؤ 10: 9) وقال أرميا النبي "وُجِدَ كَلاَمُكَ فَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ كَلاَمُكَ لِي لِلْفَرَحِ وَلِبَهْجَةِ قَلْبِي" (أر 15: 16).
ويري القديس غريغوريس أسقف نيصص أن شفتا العريس أو فمه سوسن إشارة للآباء الرسل الذين شهدوا بكلمة الرب ودخلوا بالمؤمنين إلي المر المائع أي موت المسيح بالمعمودية والقيامة معه.
ثدياكِ كخشفتي ظبية توأمين... أو ثدياكِ كخشفتين توأمي ظبية، فالمعني واحد، وكما رأينا أن الثديين يعبران عن العهدين القديم والجديد، وبالنسبة لعروس النشيد يعبران عن الناموس والأنبياء، فقد قدم الله للكنيسة كلمته من خلال العهدين، وهذان العهدان مثل توأمي أي لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض، فهما متكاملان وليس متناقضين، فالعهد الجديد مستور أو مخفي في العهد القديم، والعهد القديم مشروح في العهد الجديد.
ثدياكِ كخشفتي توأمي ظبية... أي كتوأم غزلان صغيرة، والغزال الصغير خجول ويرتجف لأبسط الأسباب فهو يعبر عن رقة العواطف والحواس، لأنه يتميز بالحس المرهف، فبمجرد أن يشعر بأي شيء مزعج يسرع بالهرب برشاقة وأقدام خفيفة وسريعة، وهكذا النفس التي لديها الحواس المدربة تهرب سريعًا من أي شر أو شبه شر وتكون يقظة لحركات الجسد وحيل إبليس.
يرعيان بين السوسن... السيد المسيح العريس السمائي هو "سَوْسَنَةُ الأَوْدِيَةِ." (نش 2: 1) والمؤمنين باسمه هم جماعة السوسن، وكلمة الله من خلال العهدين ترعي بين المؤمنين أن تقودهم إلي مراع الخضر وماء الراحة.
قامتك شبيهة بالنخلة... فالنفس تشبه النخلة في ارتفاعها وسموها واستقامتها "اَلصِّدِّيقُ كَالنَّخْلَةِ يَزْهُو، كَالأَرْزِ فِي لُبْنَانَ يَنْمُو." (مز 92: 12) والنخيل كان رمزًا للكنيسة متمثلة في الآباء الرسل، وحينما وُجِد النخيل وُجِد الماء اللازم للحياة "ثُمَّ جَاءُوا إِلَى إِيلِيمَ وَهُنَاكَ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنَ مَاءٍ وَسَبْعُونَ نَخْلَةً. فَنَزَلُوا هُنَاكَ عِنْدَ الْمَاءِ." (خر 15: 27) كما أن النخيل للزينة، فقد زينت جدران الهيكل بالنخيل (1مل 9: 29) والنخيل علامة النصرة، ولذلك استقبلت الجموع السيد المسيح في دخوله أورشليم بسعف النخيل، وجموع المفديين في السماء "مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ النَّخْلِ" (رؤ 7: 9) ، وأيضًا الكنيسة في تعاليمها المقدسة السمائية تشبه النخلة.
قامتك هذه شبيهة بالنخلة... "نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ" (أف 4: 15).. "إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ." (أف 4: 13).
قلت إني أصعد إلي النخلة وأمسك بعزوقها... فبعد أن كانت البشرية ساقطة في الحضيض ارتفعت نحو السماء بفعل الثالوث القدوس، فحسب العريس ارتفاع الكنيسة ارتفاعًا له، ونصرتها نصرة له، لذلك جاء بنفسه يطلب الثمار، ولذلك صعد إلي النخلة يطلب الثمار، كما جاء من قبل إلي شجرة التين ولكن للأسف الشديد وجدها مؤرقة بلا ثمر فلعنها.
وتكون ثدياك كعناقيد الكرم... عناقيد الكرم إشارة إلي كثرة الثمار ووفرة الغلات، وعناقيد الكرم، لأن الكرم يخرج العصير الذي يتحوَّل إلي دم المسيح وكأن كلمة الله أصبحت مصبوغة بدم الحمل.
رائحة أنفك كالتفاح... قالت العروس عن العريس "كَالتُّفَّاحِ بَيْنَ شَجَرِ الْوَعْرِ كَذلِكَ حَبِيبِي بَيْنَ الْبَنِينَ....أَنْعِشُونِي بِالتُّفَّاحِ" (نش 2: 3، 5) وإذ التصقت النفس البشرية بالعريس السماوي أخذت نفس الرائحة "لأَنَّنَا رَائِحَةُ الْمَسِيحِ الذَّكِيَّةِ للهِ" (2كو 2: 15) ورائحة التفاح رمز للتجسد الإلهي.
وحنكك كأجود الخمر... علامة القدرة علي تذوق الأمور الروحية وأيضًا التمييز بينها، والخمر كما رأينا يشير لعمق العلاقة مع الله التي تقود الإنسان للفرح والنشوة.
لنا أخت صغيرة ليس لها ثديان... أنها إشارة إلي كنيسة الأمم التي تعاني ضعف شديد إذ ليس لها الناموس ولا الأنبياء، مثل المرأة الكوشية التي تزوجها موسي (عد 12: 1) وملكة سبا التي جاءت من أقاصي الأرض، ويقال أن الملك سليمان تزوجها، وقالوا أن الملك هيلاسلاسي ቀዳማዊ ኃይለ ሥላሴ جاء من نسلها ولذلك دعوه سليل الملك سليمان، ومثل راحاب الزانية، وراعوث الموآبية، وأهل نينوى، فجميعهم يوم أن صاروا ضمن شعب الله أصبح لهم الحق في التمتع بكلمة الله من خلال الناموس والأنبياء.
لنا أخت صغيرة ليس لها ثديان... إذ بدأت الكنيسة تشعر بمسئوليتها تجاه غير المؤمنين بدأت تتفاهم في هذا الأمر مع عريسها السماوي، والكنيسة هنا لا تتعامل مع غير المؤمنين من برج عال أو كمعاملة المعلم للتلميذ، إنما تعاملهم كأخوة لها، فلا تحتقرهم ولا تحط من قدرهم.
فماذا نفعل لأختنا يوم تُخطب... يوم أن تخطب النفس البشرية للعريس السمائي كقول بولس الرسول "لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُل وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ." (2كو 11: 2) عندئذ تنضم لشعب الله فيكون لها الحق في الناموس والأنبياء، بل في العهدين بكاملهما.
أنا سور وثديي كبرجين... أي أن هناك سورًا بيني وبين أدناس وخطايا وشرور العالم، وثديي كبرجين أي تعاظم كلمة الله في حياتي، والكرازة بكلمة الحق حتى تتعظم لدي الآخر، فتنتشر كلمة الإنجيل وتنمو وتعتز مثل برج حصين.
ويشرح مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث هذه الآية الرائعة فيقول "أنها أكثر عبارة في سفر النشيد تناسب "يسوع المصلوب" كلمة "أبيض" تمثل النقاوة الكاملة والقداسة المطلقة التي يتصف بها هذا الفادي الذي يموت عن العالم كله. بينما كلمة "أحمر " تعبر عن دمه المسفوك علي الصليب...
أبيض: تدل علي مجد الرب، كما ظهر في التجلي... "وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ،وَصَارَتْ ثِيَابُهُ تَلْمَعُ بَيْضَاءَ جِدًّا كَالثَّلْجِ، لاَ يَقْدِرُ قَصَّارٌ عَلَى الأَرْضِ أَنْ يُبَيِّضَ مِثْلَ ذلِكَ." (مر 9: 2، 3).
حبيبي أبيض، أبيض كالنور، أو أبيض لأنه نور... ويقول الكتاب أن "اللهَ نُورٌ" (1يو 1: 5).. لذلك فالمؤمنون به يُدعون "أَبْنَاءَ النُّورِ" (يو 12: 36).
عبارة "حبيبي أبيض " عندما تقال عن الله فأنها ترمز إلي طبيعته إذ هو نور، وكذلك ترمز إلي قداسته، كذلك إلي خدامه من الملائكة، وأبنائه من البشر الصالحين المفديّين، والبشر من الكهنة ومن التائبين.
كذلك اللون الأبيض يرمز إلي وقار الله وإلي أزليته. يقول دانيال النبي في إحدى الرؤى "وَجَلَسَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ. لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَالثَّلْجِ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ، وَعَرْشُهُ لَهِيبُ نَارٍ" (دا 7: 9) نلاحظ هنا ورود اللونين الأبيض والأحمر معًا، لأن النار حمراء. ونلاحظ نفس الوصف تقريبًا في رؤيا يوحنا اللاهوتي، إذ يقول في ظهور الرب له "وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَالصُّوفِ الأَبْيَضِ كَالثَّلْجِ، وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ. وَرِجْلاَهُ شِبْهُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ، كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ." (رؤ 1: 14، 15) حقًا "حبيبي أبيض وأحمر " في التجلي، علي الصليب، في الرؤيا.
الملائكة أيضًا يتصفون باللون الأبيض كملائكة من نور (2كو 11: 14) قيل عن ملاك القيامة الذي دحرج الحجر "وَكَانَ مَنْظَرُهُ كَالْبَرْقِ، وَلِبَاسُهُ أَبْيَضَ كَالثَّلْجِ." (مت 28: 3).. وفي وعد الرب في سفر الرؤيا أنه قال "مَنْ يَغْلِبُ فَذلِكَ سَيَلْبَسُ ثِيَابًا بِيضًا، وَلَنْ أَمْحُوَ اسْمَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ" (رؤ 3: 5).
اللون الأبيض هو أيضًا يميز القديسين وخدمة الكهنوت: لأنه يدل علي النقاوة والقداسة، فالكهنة والشمامسة في خدمة المذبح يلبسون ملابس بيضاء، وقال الرب عن المفديين أنهم "بَيَّضُوا ثِيَابَهُمْ فِي دَمِ الْخَرُوفِ " إنهم "الْمُتَسَرْبِلُونَ بِالثِّيَابِ الْبِيضِ " الذين "أَتَوْا مِنَ الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ" (رؤ 7: 14، 13) وقيل نفس الوصف أيضًا عن الأربعة والعشرين قسيسًا حول عرش الله، أنهم كانوا "مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ" (رؤ 4: 4).
نضم إلي كل أولئك التائبين الذين وعدهم الرب قائلًا "إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ." (أش 1: 18) هؤلاء الذين ينطبق عليهم قول المرتل في مزمور التوبة "اغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ." (مز 51: 7) التائب هو أيضًا "حبيب أبيض ".
فإن كنت تحب الله، كن أبيض مثله، بقلب أبيض... بفكر أبيض، وألفاظ بيضاء، ومشاعر بيضاء.
حذر الكتاب من الاقتصار علي البياض الخارجي وحده، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فالكتبة والفريسيون المراؤون شبههم الرب بقبور مبيضة تبدو من الخارج جميلة ومن الداخل عظام ونتانة (مت 23: 27) وقد قال القديس بولس الرسول لرئيس كهنة اليهود الذي أمر بضربه مخالفًا للناموس "سَيَضْرِبُكَ اللهُ أَيُّهَا الْحَائِطُ الْمُبَيَّضُ!" (أع 23: 3).
أحمر: حبيبي أحمر، أحمر لأنه نار، كما قيل "إِلهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ" (عب 12: 29).. إلهنا نور ونار. أبيض وأحمر. والسيد المسيح كان أبيض في وداعته وأحمر في حزمه... صفاتك يا رب لا تتناقض... في رحمتك أبيض... وفي عدلك أحمر. ورحمتك وعدلك لا ينفصلان. أنت رحيم في عدلك، وعادل في رحمتك. فيك يمتزج اللونان الأبيض والأحمر، كالخمر... لذلك قيل أيضًا في سفر النشيد أن "حُبَّكَ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ." (نش 1: 2) يمتزج فيه الحنو الأبيض بالحزم الأحمر، الجاذبية بالهيبة، العطف بالتأديب...
أنت يا رب أبيض علي الصليب... أبيض في قداستك، لا تستحق الموت. وأنت أحمر في دمك المرُاق عنا، كحامل لخطايانا... في المعمودية نري المعمَّد بملابس بيضاء مع شريط أحمر (الزنار) فالملابس البيضاء تشير إلي الحياة الجديدة التي نالها في المعمودية (رو 6: 4).. أما الشريط الأحمر معًا. صار كل منا: أبيض نقيًا بواسطة الدم الأحمر الذي يطهره... "وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ." (1 يو 1: 7).
كانت الخطية في العهد القديم تشبه أحيانا اللون الأحمر. وهكذا قيل في سفر إشعياء النبي "إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ." (أش 1: 18).. ونجد أن عيسو الخاطئ خرج من بطن أمه "فَخَرَجَ ألأَوَّلُ أَحْمَرَ" (تك 25: 25).. لون الخطية الأحمر، حمله المسيح نيابة عنا إذ "أَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيًّا" (مت 27: 28) بلون الخطية القرمزي (أش 1: 18).."(13).
اعتراض: اعترض أحدهم علي إحدى مواقع الانترنت تحت عنوان " تعقيب علي تفسير البابا شنودة لنشيد الإنشاد جاء فيه تعقيبًا علي تفسير قداسة البابا للآية "حَبِيبِي أَبْيَضُ وَأَحْمَرُ." (نش 5: 10) " لا هذه صعبة والبابا لا بُد أن يشتغل في الأزرق ما دام الموضوع ألوان في ألوان لكي يبرر من هو الحبيب الأبيض في أحمر هذا... يقول البابا أنها عبارة تناسب يسوع المصلوب، ثم يرص مقالة كاملة لإثبات ذلك، يعني منهج البابا وضح هنا، يخطف كلمة من النص الأصلي، ويخترع لها نظرية لاهوتية ويبدأ يرص. ونسأل سؤال هنا: هل يجوز تحت أي منطق أو قياس أن نشبه الرب بأي لون؟؟ فما بالك بلونين وخليك منهم... يبدأ البابا الرص فيقول: ثياب الرب بيضاء (مر 9: 2، مت 17: 2) وكذلك الملائكة (مت 28: 3، مر 16: 5) ومن يغلب ثيابه بيضاء (رؤ 3: 5) وهكذا وضحت فكرته، والآن بعض العبارات التي يوضح بها فكرته مواصلًا الرص:
اللون الأبيض يرمز إلى وقار الله وأزليته... إن كنت تحب إلهك كن أبيض مثله... لعل يوحنا قال في قلبه حين رآه "أبيض وأحمر ".. في رحمتك أبيض في عدلك أحمر... فيك يا رب يمتزج اللونين الأبيض والأحمر كالخمر لذلك قيل حبك أطيب من الخمر... في المعمودية نرى المعمَّد بملابس بيضاء مع شريط أحمر.
وكنت قد وضعت تعليق من عندي على كل جملة من كلام البابا بما يستحق وحذفتها رغم أنها مناسبة لمستوى الكلام، ولكن لا تصلح للنشر العام حتى على الإنترنت...
ويقول أيضًا عيسو الخاطئ خرج من بطن أمه أحمر كله (خر 25: 25) وهذا غير صحيح، النص المشار إليه هو سفر التكوين وليس الخروج... والآن نهدي إلى البابا وأتباعه البلهاء هذه الهدية، اللون الأبيض هو رمز النجاسة أو علامة عليها... "إذا كان إنسان في جلد جسده ناتئ أو قوباء أو لمعة تصير في جلد جسده ضربة برص يؤتى به إلى هارون الكاهن أو إلى أحد بنيه الكهنة. فإن رأى الكاهن الضربة في جلد الجسد وفي الضربة شعر قد أبيض ومنظر الضربة أعمق من جلد جسده فهي ضربة برص. فمتى رآه الكاهن يحكم بنجاسته" (لا 13: 2، 3). تأمل يا عاقل، شعر قد أصبح أبيض يحكم الكاهن هنا بلا مناقشة بالنجاسة، أي علامة النجاسة هي اللون الأبيض رمز الرب عند البابا وأتباعه.
وإليك نص آخر... "وإذا كان الجسم في جلده دملة قد برئت، وصار في موضع الدملة ناتئ أبيض أو لمعة بيضاء ضاربة إلى الحمرة يُعرض على الكاهن. فإن رأى الكاهن وإذا منظرها أعمق من الجلد وقد أبيض شعرها يحكم الكاهن بنجاسته. إنها ضربة برص أفرخت في الدملة" (لا 18: 20) لاحظ النص هنا يقول بيضاء ضاربة إلى الحمرة أي مثل حبيب البابا الذي يعبده، ولكنه هذا أيضًا مع الأسف نجس...
وإليك أيضًا نص آخر يثبت أن اللون الأبيض علامة للخراب... "إذ قد صَعدتْ على أرضي أمة قوية بلا عدد أسنانها أسنان الأسد ولها أضراس اللبوة. جعلت كرمتي خربة وتينتي متهشمة. قد قشرتها وطرحتها فابيضت قضبانها" (يؤ 1: 6، 7) والقضبان هنا هي أغصان الشجر وواضح أن تحولها للون الأبيض علامة على الخراب والدمار.
أمامك ثلاث نصوص تدل على أن اللون الأبيض هو رمز للنجاسة والدمار. بل هناك نص منهم يقول أبيض ضارب إلى الحمرة. وهذه نتيجة اللعب بالألوان بلا تروي، ولدينا المزيد، وإن عدتم عدنا، والله المستعان ".
رد الاعتراض: واضح وضوح الشمس تجني الكاتب بدليل الآتي:
1- جاء في جريدة وطني وفي كتاب تأملات في سفر نشيد الأنشاد(14) الشاهد لقصة ولادة عيسو (خر 25: 25) وهي مجرد غلطة مطبعية، أو غلطة غير مقصودة، وما الدليل على ذلك..؟ الدليل أنك لو سألت صبيًا في المرحلة الابتدائية عن السفر الذي وردت فيه قصة ولادة عيسو؟ سيجيبك على الفور: بأنه سفر التكوين، فهل تظن يا ذا العملاق الأخضر أن ما يعرفه طفل ابتدائي يُخفى عن قداسة البابا الموسوعة الدينية العلمية المتحركة؟! ألا تخجل من نفسك وأنت تذكر التصحيح وكأنك البطل المغوار الذي أمسك بذيل الأسد!!
2- عندما تعرض قداسة البابا لتفسير هذه الآية أخذ الجانب الإيجابي أو الصفة الغالبة للون الأبيض كما يدركها ويفهمها العالم كله باستثناء هذا الكاتب، فقال أنه لون النور الذي يرمز لله وملائكته، وأيضًا لم يغفل الجانب السلبي أو الصفات المضادة للون الأبيض على أنه لون النقاء والقداسة، وذكر في هذا مثلين أولهما القبور المبيضة من الخارج ومن الداخل تشمل عظام أموات وكل نتانة (مت 23: 27) وقال أنها تشير للمرائيين، وثانيهما رئيس الكهنة الذي لم يسلك بحسب وصايا الناموس الذي يعلم به الناس، فأمر بضرب بولس على فمه وهو بريء، فقال له بولس "سيضربك الله أيها الحائط المبيض" (أع 23: 3).
وأيضًا عندما تكلم قداسة البابا على الصفة السائدة للون الأحمر قال أنها تشير للون الدم، وأيضًا لم يغفل الصفة الأخرى المضادة للون الأحمر على أنه لون الدم، فقال أنه ورد في الكتاب المقدَّس أيضًا كرمز للخطية، وقال أن السيد المسيح حمل خطايانا.
ولم يكن مطلوبًا من قداسة البابا أن يورد لنا كل الأمور في الكتاب المقدَّس التي جاءت باللون الأبيض أو الأحمر، فكل لبيب بالإشارة يفهم.
3- قل لي يا من لا تؤمن أن اللون الأبيض يدل على القداسة والنقاوة... لماذا يشترط في ملابس الإحرام اللون الأبيض، وليس أي لون آخر؟! وكيف يرتدي هؤلاء اللون الأبيض وهو بحسب اعترافك أنه لون النجاسة والدمار..؟ هل تفسر لنا هذه المعضلة، أم أنك ستتنكر لهذه الملابس أيضًا، وتؤكد لنا أنه في العام القادم ستحج بملابس زرقاء اللون!!
4- قل لي يا من تعترض على أن اللون الأحمر لون الدم، لماذا اختاروا في العالم كله اللون الأحمر كعلامة على الخطر؟ ألم ترى إشارات المرور في أي بلد في العالم. فحينما تضيء الإشارة باللون الأحمر فمعنى هذا حظر المرور، وأن هناك خطورة من العبور؟!
ما أجمل رجليك بالنعلين يا بنت الكريم... وفي الترجمة السبعينية ما أجمل خطواتك بالنعلين يا بنت الأمير، ودعاها بنت الكريم أو بنت الأمير لأنها بنت الله "ابنة الملك" (مز 45: 13).. وقد سبق أن مدحت العروس العريس مبتدئة من الرأس حتى القدمين (نش 5: 11- 15) وهنا يمتدح العريس العروس مبتدأ من القدمين حتى الرأس ليعطي الأعضاء التي تبدو بلا كرامة كرامة أفضل (1 كو 12: 23، 24).
ما أجمل رجليك بالنعلين... ما أجمل خطواتك التي تتميز بالاتزان والوقار... وخطوات العودة لله في طريق التوبة... خطوات السلوك الإنجيلي... خطوات السير في الطريق الملوكي.
ما أجمل رجليك بالنعلين... إشارة لخطوات الكارزين كما قال الإنجيل "ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام المبشرين بالخيرات" (رو 10: 15) وإشارة للكنيسة التي احتذت بإنجيل السلام "وحاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام" (أف 6: 15).
دوائر فخذيك مثل الحلي صنعة يدي صانع... وفي الترجمة السبعينية مفاصل فخذيك، والمفاصل هي التي تعطي الجسد القدرة على السير والاتزان، وعند ما صارع يعقوب الله ضربه الله على حق فخذه "فانخلع حقُّ فخذ يعقوب في مصارعته معه" (تك 32: 25) والمفاصل تشير إلى وحدة الكنيسة، فهي التي تربط الأعضاء برباط المحبة الكامل بغض النظر عن اختلاف الجنس واللغة والثقافة والناحية الاجتماعية والسن... إلخ، فالكنيسة دائمًا فوق الزمان وفوق المكان. أما الصانع الماهر فهو الروح القدس الذي يهب الشركة والوحدة للكنيسة.
سرتك كأس مدورة... الذي يربط الجنين بأمه هو الحبل السري، وعندما يولد الجنين لا بد أن يُقطع الحبل السري ويربط، وعندما قال الله للنفس البشرية "أما ميلادك يوم وُلدت فلم تُقطع سرتك" (حز 16: 4) فمعنى هذا أنه كان محكومًا عليها بالموت. أما العروس هنا فقد خرجت للحياة وقُطعت سرتها، فلها أن تعيش الحياة الجديدة المقدسة، وعندما رُبطت سرتها صارت كأس مدورة أي حملت طبيعة الأبدية التي يشار إليها بالدائرة، وفي الميرون تدهن السرة بالزيت المقدس.
بطنك صبرة حنطة مسيجة بالسوسن... إشارة للسيد المسيح الذي شبه نفسه بحبة الحنطة، وإشارة للكنيسة التي بها مخازن الحنطة التي تشبع النفس من خلال سر الإفخارستيا، ومسيجة بالسوسن أي محاطة بالقديسين وفي الوسط العريس السماوي سوسنة الأودية.
تعال يا حبيبي... كما قالت من قبل "أنا لحبيبي وحبيبي لي" إشارة لحياة التكريس والتخصيص لله.
لنخرج إلى الحقل... لا تستغل العروس العريس لإشباع احتياجاتها، إنما تدعوه للخروج معها للخدمة فلم تعد العروس تعمل بمفردها، ولا العريس يعمل بدونها، إنما يعملان معًا بعد أن تحررت من كل دوافعها الذاتية... إنها تخرج من ذاتها لكيما تهتم بالآخرين.
لنخرج إلى الحقل... والحقل هو مجال التأمل ولقاء الأحباء "وخرج إسحق ليتأمل في الحقل عند إقبال المساء. فرفع عينيه ونظر وإذا جمال مقبلة، ورفعت رفقة عينيها فرأت إسحق فنزلت عن الجمل" (تك 24: 63، 64). والحقل هو مجال الخدمة كما رأينا في مثل الزارع إذ خرج إلى الحقل ليلقي بذار الكلمة، وقد خرج بولس وأبولس للخدمة وكان الله معهما "أنا غرست وأبولس سقى لكن الله كان ينمي... فإننا نحن عاملان مع الله وأنتم فلاحة الله" (1 كو 3: 6- 9).
ولنبت في القرى... أي الحياة الداخلية الخفية حيث القلب والعواطف والمشاعر، وإذ شابهت العروس العريس الذي ليس له أين يسند رأسه دعته للخروج ليس إلى القرية إنما إلى القرى... أي مكان وُجِد فيه الخروف الضال... وإن كانت الخدمة في المدن لها جاذبيتها فمن يخرج ليخدم في القرى؟!.
لنبكرن إلى الكروم... في البداية كانت العروس تقول كرمي "أما كرمي فلم أنظره" (نش 1: 6) أما الآن فقد اتسعت دائرة خدمتها فلم تقل كرمي... خدمتي، إنما تقول الكروم أي الخدمة المسكونية.
لنبكرن إلى الكروم... والتبكير علامة الجهد والاجتهاد والمثابرة، وهنا ضرورة للتبكير في الخدمة لأن الحصاد قد أبيض والوقت مقصر والأيام شريرة "ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول أنها قد ابيضت للحصاد... أنا أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه. آخرون تعبوا وأنتم قد دخلتم على تعبهم" (يو 4: 35، 38).
لننظر هل أزهر الكرم هل تفتح القعال هل نوَّر الرمان... نزل العريس من قبل إلى الكرم "نزلت إلى جنة الجوز لأنظر في خضر الوادي ولأنظر هل أقعل الكرم هل نوَّر الرمان" (نش 6: 11) فالعريس يبحث عن الثمار، وهنا نجد العروس وقد صار لها نفس الاهتمام، فدعت العريس للخروج معها للبحث عن ثمار الكرم.
هناك أعطيك حبي... أعطيك حبي في الخدمة وفي التعب وفي المحبة وفي الصبر وفي الاحتمال كما أحب الآباء القديسون الخدمة وأعطوا حبهم لعريسهم من خلال صلواتهم وتسابيحهم ونسكهم وتقشفهم.
_____
(1) من ثيوطوكية الخميس.
(2) تأملات في الإصحاح الأول في سفر نشيد الأناشيد ص25.
(3) المرجع السابق ص 24.
(4) أورده نيافة الأنبا يؤانس الأسقف العام "تأملات في الإصحاح الثاني من سفر نشيد الأناشيد ص50.
(5) تأملات في الإصحاح الثاني في سفر نشيد الأناشيد ص 51، 52.
(6) شهيد العشق الإلهي ص 173.
(7) راجع نيافة الأنبا يؤانس الأسقف العام - تأملات في الإصحاح الأول من سفر نشيد الأناشيد ص 266.
(8) تأملات في الإصحاح الثاني في سفر نشيد الأناشيد ص 87.
(9) Sermon 9.
(10) القمص تادرس يعقوب - تفسير نشيد الأناشيد ص 112.
(11) Sermon 9.
(12) المرجع السابق ص 113.
(13) تأملات في سفر نشيد الأناشيد ص 94 - 98 .
(14) ص 98.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/61.html
تقصير الرابط:
tak.la/qxm4m86