ج: أولًا: المصادر التي استمد منها الكاتب معلوماته وبياناته وأهمها:
1- الوثائق العبرية: مثل قائمة العائدين مع زرُبَّابل من بابل إلى أورشليم (عز 2، نح 7: 6 - 63) وقائمة آنية الرب المرتجعة من بابل (عز 1: 7 - 11) وقائمة تقدمات الملك للهيكل (عز 8: 24 - 30) وقائمة الكهنة الذين اتخذوا نساء غريبة (عز 10: 18 - 43) وقائمة رؤساء الشعب والكهنة واللاويين الذين ختموا العهد (نح 10: 1 - 27) وقائمة الذين استوطنوا في أورشليم (نح 11: 3 - 19) وقائمة المدن والقرى التي خُصّصت لكل من سبطي يهوذا وبنيامين (نح 11: 25 - 36) وقائمة الكهنة واللاويين الذين عادوا مع زرُبَّابل (نح 12: 1 - 26).
2- الوثائق الرسمية الأرامية: مثل المراسلات المتعلقة بترميم سور أورشليم وهيكلها والتي وردت في (عز 4: 8 - 6: 18) وأمر أرتحشستا الخاص بمهمة عزرا (عز 7: 12 - 26).
3- ما سجله عزرا عن الفترة السابقة لوصوله لأورشليم مثل نداء كورش بالعودة لبناء بيت الرب (عز 1: 1 - 4) وإقامة المذبح، والاحتفال بعيد المظال، ووضع أساسات الهيكل (عز 3) والاحتفال بعيد الفصح (عز 6: 19 - 22).
4- ما سجله عزرا عن الأحداث التي جرت معه شخصيًا مثل رحلته إلى أورشليم (عز 7، 8) وموقفه من الزيجات المختلطة (عز 9، 10).
5- ما سجله عزرا من الأحداث التي جرت مع نحميا مثل قصة وصول الأخبار السيئة الخاصة بأورشليم له ورد فعله (نح 1) ووقوفه أمام الملك مُكمَّد الوجه، وسماح الملك له بالسفر وتزويده باحتياجاته، ودوره في ترميم أسوار أورشليم (نح 2 - 7) وتدشين سور المدينة بعد اكتماله والإصلاحات التي قام بها (نح 12: 27؛ 13: 31).
ثانيًا: هل هناك تكامل بين شخصيتي عزرا ونحميا؟
1- عاد عدد من المسبيين من مملكة يهوذا من بابل إلى أورشليم على ثلاثة أفواج:
الفوج الأول: عاد بقيادة زرُبَّابل الوالي ويهوشع الكاهن سنة 538 ق. م.، بعد أن أطلق كورش أول ملوك فارس ندائه بعودة المسبيين لبناء بيت للرب الإله، فعاد 49897 رجلًا، قاموا بإعادة بناء الهيكل وإصعاد المحرقات ملتمسين الحماية من رب السماء، لأن رعب شعب الأرض كان عليهم، فتشجعوا وبدأوا في حفر أساسات الهيكل لإعادة بنائه.
الفوج الثاني: عاد بعد نحو ثمانين عامًا من عودة الفوج الأول، فعاد 1754 رجلًا بقيادة عزرا الكاهن سنة 458 ق. م.، وبدأ عزرا بالإصلاحات الدينية وتطبيق الشريعة بشأن الزيجات المختلطة.
الفوج الثالث: عاد بعد عودة الفوج الثاني بنحو ثلاثة عشر عامًا، وقاد الفوج الثالث نحميا ساقي الملك نحو سنة 445 ق. م.، وبدأوا في ترميم وبناء أسوار أورشليم وأتموا العمل خلال 52 يومًا، ثم احتفلوا وفرحوا جدًا بهذا العمل، وقرأوا الشريعة وأفهموا الشعب.
2- اختار الله عزرا ونحميا، وكل منهما يكمل الآخر، وقد وُلد الاثنان في أرض السبي، فكان عزرا من نسل الكهنة، حتى أن جده الكبير هو حلقيا الكاهن الذي عثر على سفر شريعة الرب بيد موسى أثناء ترميم الهيكل في عهد الملك يوشيا الصالح، وكان عزرا رجلًا محبوبًا من أرتحشستا ملك فارس، الذي سمح له بالعودة إلى أورشليم ومعه عدد كبير من اليهود، ربما يصل إلى خمس آلاف نفس، إذ كان عدد الرجال فقط 1754 رجلًا، وقد تبرع أرتحشستا الملك لبيت الرب في أورشليم بذهب وفضة وآنية وحنطة وخمر وزيت وملح لإصعاد ذبائح باسمه للرب الإله، وسمح أرتحشستا لعزرا بإقامة حكم ذاتي يخضع سياسيًا له، وكان عزرا كاتبًا ماهرًا في شريعة الرب فكتب سفري الأخبار وسفري عزرا ونحميا، وقام بجمع الأسفار المقدَّسة، وعلّم الشعب الشريعة، وطبّق أحكامها ضد الزيجات الخاطئة، وأقام عزرا نهضة روحية شاملة في أورشليم.
أما نحميا فقد كان من عامة الشعب، وهو ابن حلقيا، وعمل في البلاط الفارسي في وظيفة خطيرة تتطلب منه كل الحرص واليقظة، إذ كان ساقيًا للملك، فهو رجل بشوش متفائل محبوب من الملك والملكة، وكان نحميا متيّمًا بحب وطنه الذي وُلد بعيدًا عنه فلم تبصره عيناه من قبل، فانشغل به وكان يتقصى أخباره، وهو رجل صوم وصلاة وعمل، يعرف كيف يطلق صلواته السهمية متى وقف أمام الملك فينال الهبات بحسب يد الله الصالحة عليه، وعندما عاد إلى أورشليم أثبت قيادته الناجحة، إذ نفخ في الفتيلة المُدخِنة فاشتعلت، وتصدى للعراقيل والعقبات التي اعترضته في بناء أسوار أورشليم بقلب أسد، وعلَّم شعبه كيف يعمل بيد ويحمل السلاح باليد الأخرى، وهو الرجل الحازم وقت الحزم حتى أنه نتف لحىَ بعض اليهود المتزوجين بالوثنيات، وطرد حفيد الكاهن ألياشيب لأنه تزوَّج بامرأة غريبة، وطوح بأمتعة طوبيا الذي احتل إحدى غرف الهيكل، وأقرَّ العدالة في أورشليم.
3- كان كلٍ من عزرا ونحميا مكمّلًا للآخَر في قيادة الشعب نحو البناء الروحي والاجتماعي والسياسي، ويقول "ج. مايرز" Jacob M.Myers عن عزرا ونحميا: "عزرا معلم الشريعة، رجل كاتب وكاهن لله من بيت لاوي، عُرِف بين معاصريه بموسى الثاني، ومهندس عظيم في بناء الكيان الروحي لليهود فترة ما بعد عودتهم من السبي البابلي (وعن نحميا يقول أنه) قائد عظيم، ومدير عملاق، ورجل سياسة من الطراز الممتاز الذي لا يباريه أحد في كل العصور القديمة آنذاك"(1).
فبعد وصول عزرا إلى أورشليم بأشهر قليلة صُدم بالزيجات المختلطة التي سقط فيها ليس الشعب فقط بل اللاويين والكهنة والرؤساء أيضًا، واختلط الزرع المقدَّس بشعوب الأراضي، فمزق ثيابه وحزن وبكى وتذلل أمام الله معترفًا بهذه الخطايا وشاركه الشعب الحزن والبكاء، فقاد شعبه نحو تصحيح الأوضاع بكل صرامة وحزم، فتخلى الرجال عن زوجاتهم الوثنيات، وعندما جاء نحميا إلى أورشليم قاد الاثنان نهضة روحية رائعة، فوقف عزرا على منبر من الخشب وعلى يمينه وعلى يساره بعض الأشخاص، وقرأ في سفر الشريعة من الصباح وحتى منتصف النهار، وأفهموا الشعب القراءة، فناح الشعب وبكى ولكن عزرا عزاهم وبعث فيهم روح الفرح "لأَنَّ فَرَحَ الرَّبِّ هُوَ قُوَّتُكُمْ" (نح 8: 10) ففرح الشعب فرحًا عظيمًا، وفي اليوم التالي اجتمعوا ثانية وأفهمهم عزرا كلام الشريعة، وعيَّدوا عيد المظال، مواظبين على قراءة كلمة الله والتسبيح، وعندما قاد نحميا حفلة تدشين أسوار الهيكل كان عزرا حاضرًا بصورة قوية (نح 12: 31 - 36)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لقد اهتم عزرا بالهيكل والشريعة وجمع الأسفار المقدَّسة وتحرير الشعب من الزيجات المختلطة، بينما اهتم نحميا ببناء الأسوار وحل المشاكل الاقتصادية والسياسية مع التركيز على الجانب الروحي والأخلاقي، فكل منهما كان يُكمّل الآخر، فالكاهن الحكيم يحتاج للحاكم الأمين، والحاكم الأمين يحتاج للقائد الديني الحكيم، وإن كان اسم عزرا يختفي كثيرًا بعد وصول نحميا إلى أورشليم، فذلك يرجع لانهماكه الشديد في جمع ونساخة الأسفار القانونية، ومع ذلك لم يجدوا له بديلًا في تعليم الشريعة للشعب. كان عزرا هو موسى الجديد، ونحميا هو يشوع بن نون الجديد، وفي الحرب مع عماليق يستحيل الاستغناء عن أحدهما، وبعد أن فقد الشعب في السبي ملكه وجيشه وهويته ولغته، كان في أشد الاحتياج لقيادة عزرا ونحميا.
_____
(1) أورده القس صموئيل يوسف - المدخل إلى العهد القديم ص 274.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1444.html
تقصير الرابط:
tak.la/6vz6fhp