يقول "السيد سلامة غنمي": "لقد أُنتقض كتابي عزرا ونحميا بشدة لأنهما يمتلئان بالإبهام والغموض، ولأنهما يتعلقان بعصر هو نفسه غير معروف -القرن الرابع الميلادي- وذلك لعدم وجود وثائق خارج الكتب المقدَّسة"(1).
في الأصل العبري جاء سفرا أخبار الأيام الأول والثاني في نهاية جميع أسفار العهد القديم، لأن اليهود نظروا لهذين السفرين على أنهما يمثلان ملخصًا لتاريخ إسرائيل، وبذلك جاء سفرا عزرا ونحميا قبل سفري الأخبار، مع أن أحداث سفري عزرا ونحميا تعد مُكمّلة لأحداث أخبار الأيام، ويقول "الخوري بولس الفغالي": "لماذا جُعل سفرا عزرا ونحميا قبل سفر الأخبار، مع أنهما تكملة لهما؟ السبب الأول: دخل سفرا عزرا ونحميا قبل سفري الأخبار، في مجموعة الكتب "كتوبيم" كتتمة لما ورد في أسفار صموئيل والملوك من أحداث وقعت بعد الجلاء إلى بابل. أما سفرا الأخبار اللذان يرويان تاريخ الشعب حتى الجلاء، فقد أُعتبر تردادًا لما ورد في أسفار صموئيل والملوك، أُبعدا بادئ ذي بدء، من لائحة الكتب القانونية، ثم أدخلا فيها بسبب ما يضيفان من معلومات لا نجدها في الأسفار التاريخية الأخرى"(2).
يرى "سي. توري" C.C. Torrey وآخرون أن أحداث سفري عزرا ونحميا غير تاريخية، بينما رفض علماء الكتاب هذا الأمر، وقام العالِم الكاثوليكي "فان هونكر" Van Hoonacker بالرد على هذا الأمر باستفاضة(5) وأيضًا الحجج التي ذكرها السيد سلامة غنمي هي حجج واهية، وكلام مُرسّل بلا أي دليل، فلم يذكر الناقد من الذي نقض كتابي عزرا ونحميا؟ ولم يذكر الإبهام والغموض الذي يملأهما، مع أن السفرين أوضحا قصة العودة من السبي على ثلاثة أفواج، وما فعله كل فوج لدى وصوله إلى أورشليم من إصلاحات دينية واجتماعية، وغطى سفرا عزرا ونحميا تاريخ شعب يهوذا منذ نحو 538 إلى 430 ق. م.، فأوضحا العودة من السبي، وبناء مذبح الرب، وبناء الهيكل وأسوار أورشليم والاهتمام بمشاكل الشعب وتعليمه الشريعة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فالسفران يدوران حول أربعة أفكار رئيسية وهى الهيكل، ومدنية أورشليم، وجماعة الشعب، والشريعة، وكل هذه الأمور جاءت في منتهى الوضوح بدون إبهام ولا غموض، وكما رأينا أن كاتب السفرين هو عزرا الكاهن في القرن الخامس ق. م. وليس القرن الرابع ق. م. كقول الناقد، كما أن هناك إثباتات من خارج الكتب المقدَّسة تثبت أحداث السفرين، مثل أوراق البردي الألفنتية التي وُجدت في جزيرة فيلة الواقعة على النيل، وتُدعى أيضًا "ويب" Yeb بالقرب من أسوان، وجاء فيها أن "سنبلط" كان حينذاك واليًا على السامرة، وأنه كان يطمع أن يضم يهوذا إلى ولايته، والمقطع الأول من اسمه "سن" مرتبط بإله القمر "سين"(6).
ويُعلّق "ديريك كيدنر" على رسالة يهود الألفنتيين قائلًا: "ولهذه الرسالة نفس الأهمية لتاريخ هذه الحقبة:
أ - أنها تكشف لنا عن منزلة سنبلط، حيث أنها تضمنت أنه في سنة 407 ق. م. كان واليًا ولكنه كان يشغل المنصب بالاسم فقط لأن أبناءه كانوا يقومون مقامه، وهى تتفق في هذا مع رواية نحميا عنه أثناء ولايته الأولى على يهوذا في سنة 445 ق. م. وفي هذا ما يساعدنا على إثبات أن نصير نحميا كان الملك أرتحشستا الأول (464 - 423 ق. م) وليس بالأحرى الملك أرتحشستا الثاني (404 - 359 ق. م).
ب - ومن ناحية أخرى، فإن ذكر يوحانان كرئيس كهنة في سنة 410 ق. م.، هو بمثابة معلومة هامة في مواجهة أولئك الذين يجادلون في أن عزرا جاء تاليًا لنحميا وليس بالأحرى سابقًا عليه.
ج - أن اسم باغوهي والي يهوذا، يقودنا إلى سلسلة من تحقيق هويات الناس والأحداث التي تحدث عنها يوسيفوس، والذي استخدم الصيغة اليونانية أي باغوسيس Bagoses. وهو يعطي اسم يؤانس Joannes لرئيس الكهنة (أي يوحانان Johanan)..
أن أول ما نحتاج قوله أن رسالة إلفنتين هي بمثابة دليل مباشر على أن ثلاثة أشخاص من الذين تكررت أسماؤهم في فقرة يوسيفوس، أي يوحانان (وباليونانية يؤانس)، وباغوهي (وباليونانية باغوسس)، وسنبلط (وباليونانية سنبلاطس Sanaballates) كانوا يشغلون مناصبهم عندما نتقابل معهم في السنتين: الرابعة عشرة والسابعة عشرة من حكم داريوس الثاني (أي 410 و407 ق. م).
والأمر الثاني أن نحميا يحدثنا عن عضو من بيت رئيس الكهنة، وهو ابن يهوياداع بن ألياشيب، الذي أصبح زوج ابنة سنبلط، وأنه طُرد من حضرة نحميا، ليس بعد سنة 432 ق. م. بزمن طويل (نح 13: 6، 7، 28)..
تقدم لنا برديات ألفنتين بطريقة عارضة تأييدها للدقة التي عليها هذه التواريخ بصفة عامة... حيث أن هذه البرديات تقدم بعض المعلومات من أزمنة نحميا إذ تتضمن أن سنبلط، الذي كان من أقوى أعداء نحميا في عهد الملك أرتحشستا، كان قد تقدم به العمر في الوقت الذي جاءت فيه رسالة معينة كُتبت في سنة 407 ق. م. وتُرينا هذه البرديات أيضًا أنه في سنة 410 ق. م. كان يوحانان رئيس كهنة أورشليم، على نحو ما هو مذكور في (نح 12: 22) والذي كان الخليفة الثاني في منصب رئيس الكهنة لألياشيب الذي كان معاصرًا لنحميا"(3).
وجاء في "دائرة المعارف الكتابية": "أصالة السفر: لا يوجد في الوثائق المذكورة في سفر عزرا ما لا يتفق مع حقائق التاريخ أو مع سائر أجزاء السفر، ويمكن ملاحظته:
(أ) أن مرسوم كورش الأول يعترف "بالرب" (يهوه)، وهو ما يتفق مع إشارات كورش الرقيقة إلى آلهة بابل في السجلات المعاصرة لزمنه. وهو مرسوم عام صيغ في عبارات يرضى عنها اليهود. والمرسوم المسجل في الإصحاح السادس (3 - 5) كانت صورته محفوظة في سجلات القصر، وفيه يذكر أبعاد الهيكل في حدود تبرعه له"(4).
يمكن تقسيم سفر عزرا إلى قسمين:
القسم الأول: عودة الفوج من السبي بقيادة زربابل الوالي وإعادة بناء الهيكل (عز 1 - 6) ويشمل:
1- عودة الفوج الأول من المسبيين تتميمًا للوعد الإلهي (ص 1).
2- قائمة العائدين من السبي (ص 2).
3- إعادة بناء المذبح والاحتفال بعيد المظال وبدء بناء الهيكل (ص 3).
4- مقاومة بناء الهيكل خلال حكم كورش، وأحشويروش، وأرتحشستا (4: 1 - 23).
5- استئناف أعمال البناء في حكم داريوس، وبتشجيع النبيين حجي وزكريا (4: 24 - 5: 17).
6- البحث عن أمر كورش ببناء الهيكل، وسماح داريوس باستكمال البناء، واكتمال الهيكل وتدشينه والاحتفال بعيد الفصح (ص 6).
القسم الثاني: عودة الفوج الثاني من السبي بقيادة عزرا وبدء الإصلاحات الدينية والاجتماعي ويغطي نحو سنة واحدة (458 / 457 ق. م) (ص 7 - 10) ويشمل:
1- الاستعداد للعودة وتسبحة عزرا (ص 7).
2- قائمة العائدين، والبحث عن اللاويين، والاهتمام بالآنية والرحلة إلى أورشليم (ص 8).
3- مشكلة الزواج المختلط وحزن عزرا وصلاته وتصحيح الأوضاع في ضوء الشريعة (ص 9، 10).
ويفصل بين القسم الأول والثاني نحو 57 عامًا، ويغطي سفر عزرا تاريخ نحو ثمانين عامًا منذ صدور نداء كورش بعودة المسبيين 536 ق. م. إلى نحو سنة 456 ق. م.
ويمكن تقسيم سفر نحميا إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: عودة الفوج الثالث من السبي بقيادة نحميا وبناء أسوار أورشليم (ص 1 - 7) ويشمل:
1- ورود أخبار سيئة عن أورشليم لنحميا، ورد فعله (ص 1).
2- الرحلة إلى أورشليم، وإثارة حماس الشعب لبناء أسوار أورشليم (ص 2).
3- تقسيم أعمال الترميم وبناء السور من الجهات الأربعة (ص 3).
4- مقاومة بناء السور وسخرية واستهزاء المقاومين (ص 4).
5- حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية (ص 5).
6- الاستمرار في بناء الأسوار رغم محاولات الأعداء حتى أكتمل البناء (ص 6).
7- قائمة المسبيين العائدين وتوطينهم (ص 7).
القسم الثاني: عزرا يقود الشعب لله والاستماع للشريعة والاحتفال بالأعياد (ص 8 - 10) ويشمل:
1- قراءة الشريعة والاحتفال بعيد المظال (ص 8).
2- توبة الشعب وندمه واعترافه بخطاياه (ص 9).
3- قائمة بأسماء الموقعين على الاتفاق على عبادة الله وشروط الاتفاق (ص 10).
ويغطي القسم الأول والثاني فترة نحو 12 عامًا، عاد بعدها نحميا إلى بابل ثم عاد إلى أورشليم نحو سنة 434 ق. م.
القسم الثالث: عودة نحميا الثانية إلى أورشليم وإعادة ترتيب البيت من الداخل (ص 11 - 13) ويشمل:
1- سكان جدد من يهوذا وبنيامين في أورشليم (ص 11).
2- قائمة بأسماء الكهنة وتدشين السور (ص 12).
3- مواجهة نحميا للانتهاكات، والزيجات المختلطة، وطوبيا (ص 13: 1 - 9).
4- إعادة التنظيمات والإصلاحات (ص 13: 10 - 31).
_____
(1) التوراة والأناجيل بين التناقض والأساطير ص 47.
(2) التاريخ الكهنوتي - أسفار الأخبار الأول والثاني وعزرا ونحميا والمكابيين الأول والثاني ص 16.
(3) التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - سفرا عزرا ونحميا ص 215 - 220.
(4) دائرة المعارف الكتابية جـ 5 ص 251، 252.
(5) راجع القس صموئيل يوسف - المدخل إلى العهد القديم ص 270.
(6) راجع ج. ستافورد رايت - مركز المطبوعات المسيحية - تفسير الكتاب المقدَّس جـ2 ص 354.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1443.html
تقصير الرابط:
tak.la/n23y4kx