ج: 1- عندما ازداد شر منسى وشعبه، وصعد هذا الشر إلى عنان السماء " فَجَلَبَ الرَّبُّ عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ الجُنْدِ الَّذِينَ لِمَلِكِ أَشُّورَ، فَأَخَذُوا مَنَسَّى بِخِزَامَةٍ وَقَيَّدُوهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى بَابِلَ" (2أي 33: 11) وملك أشُّور الذي سبى منسَّى هو "أشُّور بانيبال" وكانت بابل عندئذ تحت سلطة ملك أشُّور، وكان أشُّور بانيبال في بابل ليقمع الثورة التي قادها أخوه ضده، ولذلك لا عجب إنه اقتاد منسَّى إلى بابل، ولم يقتاده إلى نينوى عاصمة مُلكه، وجاء في "التفسير التطبيقي": "فيما بين 652، 648 ق. م. تمردت مدينة بابل على أشور، ولكن سُحق هذا التمرد. ويبدو أن أشور اتهمت منسَّى بمناصرة التمرد، ولعل هذا هو السبب في أن منسى أُخذ إلى بابل للمحاكمة، وليس إلى نينوى عاصمة أشور"(1).
ويقول "القمص تادرس يعقوب": "قيل أن لسبي منسَّى قصة، فقد كان ملك أشور غالبًا أشور بانيبال، وكان أخوه يحكم في بابل كنائب عنه. يبدو أن أخاه قام بحركة تمرُّد ضد أشور بانيبال، وكان ذلك غالبًا في عام 648 ق.م. قام أشور بانيبال بإخماد الحركة واشتبه أن منسَّى من بين المشتبه فيهم أن لهم دورًا في حركة التمرُّد، فأراد أن يذلّه"(2).
ويقول "القس وليم مارش": "فَأَخَذُوا مَنَسَّى بِخِزَامَةٍ: وفي الصور الأشورية القديمة أسرى يقودهم الملك بخزامة في أنف كل منهم كأنهم بهائم.
وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى بَابِلَ: في زمانه كانت بابل تحت سلطة أشور. وكان ملك أشور يسكن فيها أحيانًا فذهبوا بمنسَّى إلى بابل ليكون تحت مراقبة ملك أشور. ومن التواريخ الأشورية عرفنا أسرحدون (ابن سنحاريب ووالد أشور بانيبال) سكن زمانًا في بابل وأنه كان حليمًا أكثر من غيره من ملوك أشور وأنه سامح بعض الأسرى وسمح لهم بالرجوع إلى بلادهم"(3).
2- ليس كل ما جاء في سفري صموئيل وسفري الملوك جاء في سفري الأخبار، وأيضًا ليس كل ما جاء في سفري الأخبار سبق ذكره في سفري صموئيل والملوك، ولو كان سفر الأخبار مكرَّر بالكامل في أسفار صموئيل والملوك فما الداعي له..؟! إن الأسفار المقدَّسة تُكمّل بعضها البعض، فبعض الأحداث ترد في سفر دون الآخر، أو بعض تفاصيل الحدث قد ينفرد بها سفر دون الآخر، ولا يوجد سفر يُسجِل جميع التفاصيل لجميع الشخصيات التي يتناولها، فلكل كاتب هدفه الذي يسعى إليه، وجاء في هامش "الكتاب المقدَّس الدراسي": "تُعد فترة حكم منسَّى أطول فترة حكم لملك من ملوك يهوذا، إذ بلغ إجمالي سنوات حكمه 55 سنة (ع 1). يختلف التركيز على أحداث كل من الروايتين: فبينما يسجل كلا التاريخين بالتفصيل الشرور التي وقعت أثناء حكم منسَّى، فإن كتاب أخبار الأيام يسجل رحلته إلى بابل وتوبته وعودته إلى الحكم. غير أن كتاب الملوك لم يرَ سوى الجانب السيئ من الصورة الذي اعتبر فيه أن منسَّى يكاد يكون وحده المتسبب في حدوث السبي (2مل 21: 1- 15؛ 23:26). يرى بعض المفسرين أن تسجيل توبة منسَّى في أخبار الأيام يرجع سببه إلى تأكيد الكتاب على الجزاء الفوري: "يُنظر إلى طول فترة الحكم كبركة على الطاعة ومن ثم فإن أخبار الأيام يتعمد تسجيل بعض الأمور الطيبة التي قام بها منسَّى باعتبارها السبب في طول فترة حكمه"(4).
3- جاء في سفر أخبار الأيام الثاني قصة رجوع منسّى إلى أورشليم، والإصلاحات المدنية والدينية التي قام بها، بشيء من التفصيل: "وَلَمَّا تَضَايَقَ طَلَبَ وَجْهَ الرَّبِّ إِلهِهِ وَتَوَاضَعَ جِدًّا أَمَامَ إِلهِ آبَائِهِ. وَصَلَّى إِلَيْهِ فَاسْتَجَابَ لَهُ وَسَمِعَ تَضَرُّعَه،ُ وَرَدَّهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى مَمْلَكَتِهِ. فَعَلِمَ مَنَسَّى أَنَّ الرَّبَّ هُوَ اللهُ. وَبَعْدَ ذلِكَ بَنَى سُورًا خَارِجَ مَدِينَةِ دَاوُدَ... وَوَضَعَ رُؤَسَاءَ جُيُوشٍ فِي جَمِيعِ الْمُدُنِ الْحَصِينَةِ فِي يَهُوذَا. وَأَزَالَ الآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ وَالأَشْبَاهَ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ وَجَمِيعَ الْمَذَابِحِ الَّتِي بَنَاهَا فِي جَبَلِ بَيْتِ الرَّبِّ وَفِي أُورُشَلِيمَ، وَطَرَحَهَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ. وَرَمَّمَ مَذْبَحَ الرَّبِّ وَذَبَحَ عَلَيْهِ ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ وَشُكْرٍ، وَأَمَرَ يَهُوذَا أَنْ يَعْبُدُوا الرَّبَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ" (2أي 33: 12 - 16).
4- أشار سفر الأخبار لصلاة منسّى الملك: "وَبَقِيَّةُ أُمُورِ مَنَسَّى وَصَلاَتُهُ إِلَى إِلهِهِ وَكَلاَمُ الرَّائِينَ الَّذِينَ كَلَّمُوهُ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ، هَا هي فِي أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ" (2أي 33: 18)، وهى موجودة في الترجمات اليونانية والسريانية والأرمنية والقبطية والحبشية وغيرها من الترجمات التي أُخذت من اليونانية، فجاءت في النسخة الإسكندرانية (للترجمة السبعينية) في نهاية المزامير، وجاءت في ترجمة الفلوجاتا في نهاية سفريّ أخبار الأيام، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وتعتبر صلاة منسّى أصغر جزء من الأسفار القانونية الثانية، وكنيستنا القبطية تقرأ هذه الصلاة في ليلة سبت الفرح، ضمن صلوات مختارة من الكتاب المقدَّس تُظهر النصرة على الشر والجحيم.
ويقول "نيافة الأنبا مكاريوس" الأسقف العام: "تُعد صلاة منسّى بن حزقيا ملك يهوذا أقصر كتاب في الأسفار القانونية الثانية، وهى من أروع كتابات العهد القديم التعبيرية، صلاَّها منسّى الملك بينما كان أسيرًا في بابل (2أي 33: 12، 13) وتحتوي على خمس عشر عددًا فقط تضم 37 ربع أو أستيخن، وتبدأ الصلاة التي تشبه إلى حد كبير " مزمور توبة صغير "بالتضرع إلى الله ثم الترنم بشكره على رحمته للتائبين، وفي الصلاة اعتراف بالخطايا ثم التماس المغفرة ثم يختتمها بالتسبيح"(5).
ويقول "الأستاذ بينيت": "يقع منسّى فريدًا في شره البالغ وتوبته الصحيحة وإصلاحه الشامل. ويعطي رجاءً لأشر الخطاة بأن الماضي الموغل في الفساد لا يمنع التوبة. لقد كان منسّى الملك هو "الابن الضال" في العهد القديم على شاكلة الابن الضال في العهد الجديد (لوقا 15). إن كون منسّى ملكًا لم يشفع فيه، ولكن الذي شفع فيه هو انسحاقه من جهة وغفران الله من جهة أخرى... ولم يكن ملك أشور بأكثر رحمة من الله عندما سمح له بالعودة إلى مملكته بل وإلى مُلكه، فإن الله قد رده إلى مرتبته الأولى ووهبه نصيبًا في ملكوته الذي لا يفنى"(6).
5- نص صلاة منسى الملك: "يا رب ضابط الكل الذي في السماء إله آبائنا إبراهيم وإسحق ويعقوب وزرعهم. الصديق الذي خلق السماء والأرض وكل زينتهما. الذي ربط البحر بكلمة أمره وختم فمه باسمه المخوف المملوء مجدًا، الذي يفزع ويرتعد كل شيء من قدام وجه قوته. لأنها لا تُحَد عظمة عز مجدك ولا يُدرَك غضب رجزك على الخطاة وغير محصاة ولا مدركة رحمة إرادتك. أنت الرب العلي الرحوم طويل الروح وكثير الرحمة وبار ومتأسف على شر البشر. أنت أيضًا يا رب على قدر صلاحك رسمت توبة لمن أخطأ إليك وبكثرة رحمتك بشرت بتوبة للخطاة لخلاصهم. أنت يا رب إله الأبرار لم تجعل التوبة للصديقين إبراهيم وإسحق ويعقوب هؤلاء الذين لم يخطئوا إليك بل جعلت التوبة لمثلي أنا الخاطئ. لأني أخطأت أكثر من عدد رمل البحر. كثرت آثامي ولستُ مستحقًا أن أرفع عيني إلى السماء من قِبل كثرة ظلمي ولستُ مستحقًا أن أنحني من أجل كثرة رباطات الحديد ولا أرفع رأسي من خطاياي. والآن بالحقيقة قد أغضبتك ولا راحة لي لأني أسخطت رجزك، والشر صنعت بين يديك، وأقمت رجاساتي، وأكثرت نجاساتي، والآن أحني ركبتي قلبي وأطلب من صلاحك. أخطأت يا رب أخطأت، وآثامي أنا عارفها، ولكن أسأل وأطلب إليك يا رب اغفر لي ولا تهلكني بآثامي، ولا تحقد عليَّ إلى الدهر، ولا تحفظ شروري ولا تُلقني في الدينونة في قرار أسفل الأرض. لأنك أنت هو إله التائبين. وفيَّ اظهر صلاحك لأني غير مستحق. وخلصني بكثرة رحمتك، فأسبحك كل حين كل أيام حياتي. لأنك أنت هو الذي تسبح لك كل قوات السموات ولك المجد إلى الأبد آمين".
_____
(1) التفسير التطبيقي ص 978.
(2) تفسير سفر أخبار الأيام الثاني ص 457.
(3) السنن القويم في أسفار العهد القديم جـ 5 ص 76، 77.
(4) الكتاب المقدَّس الدراسي ص 1076.
(5) تتمة سفر أستير - تتمة سفر دانيال - صلاة منسّى - المزمور 151 ص 127، 128.
(6) المرجع السابق ص 134.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1430.html
تقصير الرابط:
tak.la/zx2tg5c