مُحَاكَمَاتِ السَّيِّدِ الْمَسِيحِ وَصَلْبُهُ
حَسْبَمَا جَاءَتْ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ
مُحَاكَمَةُ السَّيِّدِ الْمَسِيحِ وَصَلْبُهُ وما تبعه من أحداث ونتائج، هو الموضوع الأهم في الإيمان المسيحي، ففيه حمل المسيح عقاب خطايانا فصار الفداء لجنسنا، وبه استوفى العدلُ الإلهي حقَّه.
كان عجيبًا أن يقف رؤساء الكهنة والكهنة، وقادة الدين اليهودي ومعهم العديد من الشعب، يصرخون بأصواتٍ قاصفةٍ يُطالبون بصلب المسيح، بينما الحاكم الروماني الوثني بعدما فحص الأمر ثلاث مرات قال «قَدْ قَدَّمْتُمْ إِلَيَّ هذَا الإِنْسَانَ كَمَنْ يُفْسِدُ الشَّعْبَ. وَهَا أَنَا قَدْ فَحَصْتُ قُدَّامَكُمْ وَلَمْ أَجِدْ فِي هذَا الإِنْسَانِ عِلَّةً مِمَّا تَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. وَلاَ هِيرُودُسُ أَيْضًا» (لُوقَا14:23-15). ومع إعلان الحاكمين الرومانيين اللذين حاكماه ببراءته، خرج المسيح من المحكمة مذنبًا، وأمست هذه المُحاكمة وصمة عارٍ في تاريخ القضاء الروماني.
وقد تم تقسيم هذه الدراسة إلى مدخل وثلاثة أبواب:
أما المدخل: فصَلْبُ المسيح كان تدبيرًا إلهيًا لخلاصنا، كما كان تخطيطًا بشريًا من رؤساء الكهنة اليهود. فقد حاكوا الدسائس لقتله والتخلص منه.
ويشرح الباب الأول: مُحَاكَمَة السيد المسيح على نظامين:
ثلاث محاكمات دينية أمام رَؤساء الْكَهَنَةِ: حنَّان، وقَيَافَا، ثُم مجمع السِنْهِدْرِيم الهيئة القضائية اليهودية العليا برئاسة قَيَافَا، في الصباح الباكر ليجعلوا ما فعلوه ليلًا أمرًا رسميًا. (لو66:22-71). واهتمت بالجانب اللاهوتي حول: يسوع ابن الله، كما اهتمت بالهيكل.
ثُم: ثلاث محاكمات مدنية أمام القضاء الروماني: بيلاطس، وهيرودس، ثم بيلاطس مرة أخرى. واهتمت بالجانب السياسي حول: يسوع ملك اليهود.
أما الباب الثاني: فهو ما حدث خارج المحكمة وأثناء انعقادها، من إنكار مار بطرس لسيده، وانتحار يهوذا. وانتهت المُحاكمات بالْحُكْم بالموت على الرب.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وفي الباب الثالث: إجراءات تنفيذ الحُكْم بالصلب.
وتنوعت آلامُ المسيح لفدائنا. فكان منها آلامٌ جسدية:
كالجَلَد واللْطِم (يوحنا19: 1)، وقد ضفروا إِكْلِيلًا مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ (متى27: 29). بل أَخَذُوا الْقَصَبَةَ وَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ (متى27: 30). وفوق كَتِفيه الدَّامِيَتَيْن حمل الرب صليبًا، لم يستطع حَمْلُه؛ إذ صار فِي حالَة إعياءٍ وألَم؛ فمُنذُ الفِصح لم يذُق شيئًا ولا شَرب. (متى27، يوحنا19: 27). وصلبوه فدقُّوا مسامير في يديه ورجليه (يوحنا18: 19). فسُفِكَ دَمُهُ، المعروف قبل تأسيس العالم (1بطرس1: 19-20)، وقال: أنا عطشان ومع هذا لم يشرب (يوحنا19: 8).
وآلام نفسية قاسية: فقد احتمل آلام الخيانة المملوءة رِياءً: فرأى تلميذه يخونه (مت26: 15)، وآخَر يُنكره (مت 26: 56)، والباقون يتركونه ويهربون (متى26: 67). بَصَقُوا فِي وَجْهِهِ وَلَكَمُوهُ، وَآخَرُونَ لَطَمُوهُ، قَائِلِينَ: «تَنَبَّأْ لَنَا أَيُّهَا الْمَسِيحُ، مَنْ ضَرَبَكَ؟». اسْتَهْزَأُوا بِهِ، فنَزَعُوا عَنْهُ الرِّدَاءَ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ، لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْمًا وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبَ أُرْجُوَانٍ (يوحنا19: 2،23) ليزدروا به. وصاروا يُعَيِّرونه (متى27: 44) ويَشتمونه، أما هو فلم يَرُد على مُعَيِّريه. صُلِبَ مَعَهُ لِصَّانِ، وَاحِدٌ عَنِ الْيَمِينِ وَوَاحِدٌ عَنِ الْيَسَارِ(متى27: 38)، وكَانَا يُعَيِّرَانِهِ. فأرسل أحدهما للفردوس. وَكَانَ الْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ (متى27: 39).
وعلى الصليب خرج السيد المسيح عن صمته وتكلم سبع كلمات، كان أوَّلُها وآخِرُها مُوَجَّهً إلى الآب، أولها: «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ» (لوقا23: 34)، وآخِرها: «يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي» (لوقا46:23). وبين الأول والآخِر كلمتان موجهتان إلى الآب أيضًا هما الرابعة: «إلهِي، إلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» (مت46:27). والسادسة: «قَدْ أُكْمِلَ» (يوحنا30:19).
وصَرَخَ يَسُوعُ مُمثِّلًا للبشريّة التي سقطت قائلًا: «إلهِي، إلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» (مز1:22).
وهي صرخة نبوية يشهد بها للعهد القديم، أطلقها بالعبرية لتكون واضحة لليهود. يُذَكِّرهم بالمزمور الثاني والعشرين الذي بدأ بهذه الصرخة. مُعلِنًا أن أحداث الصلب، هي بالتدبير الإلهي السماوي، الذي سبق فأعلن عنه بالأنبياء.
وصاحب صلب المسيح أحداث في الطبيعة ذكرتها البشائر الثلاثة ولم يذكُرها مار يوحنا. وأخيرًا صَرَخَ يَسُوعُ أَيْضًا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. وَإذَا حِجَابُ الْهَيْكَلِ قَدِ انْشَقَّ إلَى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إلَى أَسْفَلُ. ليؤكد أن الله هو الذي بدأ المصالحة بذبيحة نفسه [الحاجز المتوسط نقضته والعداوة القديمة هدمتها.][489] وجعل الطريق مفتوحًا أمام الذين يؤمنون به.
ويُختتم البحث بالحديث عن موت الرب ثُم قيامته ورد الاعتراض المستنِد على الآيتين:
· «يَا أَبَتَاهُ، إنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ» (متى39:26).
· «الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ.» (عب5: 7،8). وكان هذا:
أولاً: ليُعلن حقيقة تأنسه، وأنه إنسانيًا يرفض الألم، كما أنه قُدوس يتنافر مع الخطية ولعنتها، لكنه من أجل محبته اللانهائية حمل اللعنة. «لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا» (2كو5: 21).
وثانيًا: إن الكأس في حقيقتها هي الموت. ومعنى: «يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ»؟: أن الآلام التي اجتازها رب المجد، كادت أن تُميتَه قبل أن يَصِلَ إلى الصليب، ولذلك كانت صلاته في البستان تهدف إلى أن اللاهوت يُساند الناسوت؛ فلا يموت قبل الصلب، وقبل أن يقول: «قد أُكْمِل».
ثُم أن الرب صلى نيابة عن البشرية، فعلى الصليب تصارعت الحياة مع الموت، وكانت الغلبة للحياة وقام المسيح، فبالموت داس الموت، وقال مار بولس: «قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ.» (عب5: 7) فقام المسيح منتصرًا، وانتقلت الغلبة إلينا من خلال سر المعمودية، إذ دُفنا معه وأقامنا معه.
وأخيرًا تناول البحث في القسم الأخير منه النتائج، الخاتمة، والتوصيات والمصادر، والمراجع.
_____
[489]الخولاجي المقدس، القداس الإلهي الغريغوري: صلاة الصُلح، طبعة القمص عطاالله أرسانيوس المحرقي، مكتبة المحبة، طبعة أولى 1959م، ص450.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-youhanna-fayez/trials-of-jesus/research-summary.html
تقصير الرابط:
tak.la/htp5q39