St-Takla.org  >   books  >   fr-salaib-hakim  >   church-heaven
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الكنيسة طريقي إلى السماء - القمص صليب حكيم

10- الفصل الثاني: المنهج التعليمي للكنيسة لإعدادي للمواطنة السماوية

محتويات: (إظهار/إخفاء)

أولًا: الشعور بالغُربة
ثانيًا: مواعيد بحياتنا السماوية
ثالثًا: حقيقة الوطن السَّماوي
1 - الأقوال والشواهد
أ - السماء حقيقة
ب - السماء مُجهَّزة لسُكنَى المؤمنين
جـ- الإعلان عن شروط الداخلين إليها والممنوعين منها
الممنوعون من ملكوت السَّمَواتِ
2 - حقيقة تلامسنا مع سكان السماء ومَنْ عاينوها
رابعًا: الكنيسة تجددني أي تخلقني إنسانًا روحيًا
أ - الحاجة إلى الخليقة الروحية
ب - مراحل التجديد الروحي
جـ- ثمار التجديد الروحي
إلمامة إجمالية

للكنيسة منهج تقودني به روحيًا، ومن خلاله تعلمني أن المواطنة السماوية حقيقة أخروية لابد أن تكون مُستقرَّة في فكري وقلبي حسبما كانت كذلك في فكر وقلب آبائي وجدودي، وحسب ما أعيشه بإيمان حي ورجاء وطيد، وهى تعدني لها.

وبداية تعليمها لي في هذا الإعداد هو توعيتي بحقيقة غُرْبَتي في العالم بشواهد من أقوال الله أتلامس مع صداها فيما أُعانيه وأُعايشه في حياتي. والخطوة الثانية هي توعيتي بكل ما يُضاهي ويُقابل شواهد الغربة من شواهد الاستيطان في السماء كحقيقة وواقع ينتظر تتميمي لسني غُرْبَتِي وبلوغي إليه مواطنًا سمائيًا أحيا هناك إلى الأبد. والخطوة الثالثة توعيتي بشواهد وبراهين تفتح لي طاقة على الأبدية لكي أعاين السماء بعيني رأسي حتى لا يكون لي شك في حقيقة وجودها. أمَّا الخطوة الرابعة فإنها تستعرض أمامي الوطن السماوي حسب رؤية الذين عاينوه كحقيقة واقعة. والخطوة الخامسة قيام الكنيسة باستخدام ما فيها من وسائط نعمة لتشكيلي إنسانًا ملائمًا لسكنى السماء ومستحقًا للمواطنة السماوية.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ونستعرض هذه الخطوات فيما يلي:

أولًا: الشعور بالغُربة

من أجل إدراكي لحقيقة المواطنة السماوية تغذيني الكنيسة بالشعور بغربتي في هذا العالم وذلك بأن تطرح أمامي حقائق أعايشها وأتلامس معها في حياتي ومنها:

الموت - قصر عمري - ضعف جسدي وفساده - زوال هذا العالم - الشرور والمظالم والأمراض والأتعاب - بغضة العالم لأولاد الله

 

1- الموت الذي يُلاحق كل كائن حيّ مهما طال عمره وإلاَّ فأين آباؤنا وجدودنا الذين اختفت أجسادهم من على الأرض ولم يَعُد لهم وجود ظاهر بين الناس. وها تنبيه الكتاب لنا إلى حقيقة الموت في قول داود النبي "أيُّ إنسانٍ يَحيا ولا يَرَى الموت؟ أيٌّ يُنَجِّي نَفْسَهُ من يد الهاويَةِ؟" (مز89: 48). والقانون الإلهي الذي أعلنه الله لآدم "تعود إلى الأرض التي أُخِذْتَ منها. لأنَّكَ تُرابٌ، وإلى تُرَابٍ تَعُودُ" (تك3: 19). وقول الجامعة "يَرْجع التُّراب إلى الأرض كما كان، وترجع الرُّوح إلى الله الذي أعطاها" (جا12: 7). وقول مُعلِّمنا بولس "وُضِعَ للنَّاسِ أنْ يَموتوا مَرَّةً ثم بعد ذلك الدَّينونَةُ" (عب9: 27). هذه شواهد لحقيقة الموت الذي ينهي حياتي من على الأرض، ومن ثم يؤكِّد حقيقة غُربتي.

2 - قِصَر عمري الذي ألاحظه بالذَّات إذا قِسْتُ سِني حياة الإنسان بأعمار كثير من مخلوقات الطبيعة من جبال وأنهار وبحار وأفلاك، بل ومن آثار حضارات قديمة خلت أجدها قائمة منذ مئات وآلاف السنين عكس الإنسان الذي لا يتعدَّى عمره بضع عشرات من السنين وعلى أكثر تقدير مئة عام وقليل من السنين. وقد أكد لنا الكتاب حقيقة قصر عمر الإنسان على الأرض في قول داود النبي "عَرِّفْنِي يا رب نِهايتي ومقدارَ أيَّامي كم هي، فأَعْلَمَ كيف أنا زائِلٌ. هُوَذا قد جَعَلْتَ أيامي أشبارًا، وعُمْري كَلا شيءَ قُدَّامَكَ. إنَّما نَفْخَةً كُلُّ إنسانٍ قد جُعِلَ. إنَّما كخيالٍ يَتمَشَّى الإنسانُ... يَذْخَرُ ذَخائِرَ ولا يَدْرِي مَنْ يَضُمُّهَا" (مز39: 4-6). وفي قول أيوب الصديق "الإنسانُ مولودُ المرأةِ، قليلُ الأيَّامِ وشَبْعانُ تَعَبًا" (أي14: 1). وقول يعقوب الرسول "ما هي حياتكم؟ إنها بُخارٌ، يَظْهَرُ قليلًا ثُمَّ يَضْمَحِلُ" (يع4: 14). أليس قصر عمري شاهد على عدم خلودي في الأرض أي غُربتي عليها؟

3 - ضعف جسدي وفساده الذي نراه في محدودية قوَّة جسمي وسهولة تعرُّضه للمرض والضعف والهزال وشيخوخة خلاياه وضعف مقاومته لظواهر الطبيعة وعجزه عن مقاومة الميكروبات التي لا تُرى بالعين المُجرَّدة وعدم قدرته على مغالبة الوحوش المفترسة والزواحف السامة. وقد أوضح لنا الكتاب حقيقة ضعف الجسد وذبوله واضمحلاله في قول إشعياء النبي "كُلُّ جَسَدِ عُشْبٌ، وكُلُّ جَمَالِهِ كَزَهْرِ الحقل. يَبِسَ العُشْبُ، ذَبُلَ الزَّهْرُ، لأنَّ نَفْخَةَ الرَّبِّ هَبَّتْ عَلَيْهِ" (إش40: 7،6). وكقول أيوب الصديق: "الإنسان... يَخْرُجُ كالزَّهر ثُمَّ يَنْحَسِمُ ويَبْرَحُ كالظِّلِّ ولا يَقِفُ" (أي14: 1، 2). وكما يقول مُعلِّمنا بولس عن فساد جسدنا "إنَّ لَحمًا ودَمًا لا يَقْدِرَانِ أنْ يَرِثا ملكوتَ الله، لأنه لا يَرِثُ الفسادُ عدم الفسادِ. لأنَّ هذا الفاسِدُ لابُدَّ أن يَلْبَسَ عدم فسادٍ، وهذا المائِتَ يَلْبَسُ عدم موتٍ" (1كو15: 53،50).

إذًا إن كان جسدي يتقدَّم من يوم إلى يوم نحو الضعف والانحلال فأي بقاء لي على الأرض. إن انتفاء بقائي تأكيدٌ حقًا لغُربتي.

4 - زوال هذا العالم وهى حقيقة مُستقبلية ليس في مقدورنا أن نتكهَّنَ بها لأنها تخرج عن دائرة معرفتنا، إذ هي في عِلْمِ الله وحده. وخصوصًا أن الحياة على الأرض تبدو للبعض أنها مستمرة وأن عناصر الطبيعة قائمة كما هي.كما أن التغيُّرات التي تعتورها إلى الآن بسيطة ومُتكرِّرة ومُتقلِّبة كما وَرَدَ في رَدِ مُعلِّمنا بطرس على الذين يتساءلون عن موعد مجيء الرَّبّ "مِنْ حِينَ رَقَدَ الآبَاءُ كُلُّ شَيءٍ باقٍ هكذا من بَدْءِ الخليقَةِ" (2بط3: 4). ولكن الكتاب يعلن لنا حقيقة زوال العالم ليؤكِّد لنا حقيقة وطننا السماوي فيقول إشعياء النبي "ارْفَعوا إلى السَّمواتِ عُيونَكُم، وانظروا إلى الأرض من تحت. فإنَّ السَّمَواتِ كالدُّخانِ تَضْمَحِلُّ، والأرضَ كالثَّوْبِ تَبْلَى، وسُكَّانها كالبعوض يَموتونَ. أمَّا خلاصِي فإلى الأبدِ يكونُ" (إش51: 6)، وكما يقول مُعلِّمنا بطرس "تَزولُ السَّمَواتُ بضجيجٍ، وتَنْحَلُّ العناصِرُ مُحْتَرِقَةً. وتَحْتَرِقُ الأرض والمصْنوعَاتُ التي فيها" (2بط3: 10) وكما يقول المسيح له المجد "السَّماءُ والأرْضُ تَزولانِ" (مت24: 35) وكما تقول الرسائل "العالم يمضي وشهوته. وهيئة هذا العالم تزول" (1يو2: 17، 1كو7: 31). فهل لي سُكنى في العالم بعد زواله. إذًا غريب أنا على الأرض.

5 - الشرور والمظالم والأمراض والأتعاب التي يُكابدها الإنسان في هذا العالم منذ بدء الخليقة والتي قد دخلت إليه بحسد إبليس ويُعاني منها الأبرار أكثر من الأشرار وهى قائمة ومُستمرَّة بسبب حرب إبليس التي لا تهدأ. ويذكرها الكتاب ليقوِّي رجاء الذين يحتملونها بشُكرٍ من أجل تطلعهم للوطن السماوي كمكان راحة مكافأة احتمالهم وصبرهم. فيقول "العالم كُلَّهُ قد وُضِعَ في الشِّرِّيرِ" (1يو5: 19) وأن أيَّام سِني الإنسان " أفْخَرُها تَعَبٌ وبَلِيَّةٌ" (مز90: 10). وكما يَشهد الجامعة "رَجَعْتُ ورأيتُ كُلَّ المظالم التي تُجْرَى تحت الشَّمس: فَهُوَذا دُمُوعُ المَظلومِينَ ولا مُعَزٍّ لهم، ومن يَدِ ظالميهم قَهْرٌ، أمَّا هُم فَلا مُعَزٍّ لهم. فَغَبَطْتُ أنا الأموات الذين قد ماتوا مُنْذُ زَمانٍ أكثر من الأحياء الذين هُم عائِشونَ بعد" (جا4: 1، 2). وإذ يَئنّ داود النبي قائلًا "قد شَبِعَتْ من المصائِبِ نفسي" (مز88: 3) فإنه يصرخ "خلِّصني يا رب فإن البار قد فنى وقد قلت الأمانة من بَنِي البشر وتكلَّم كل واحدٍ مع قريبه بالأباطيل" (مز11: 2،1 قبطي).أليس ما يُعانيه الإنسان من أتعاب على هذه الأرض يجعله يتطلَّع إلى عدل الله في مكافأته بعالم يَسترد فيه راحته مِمَّا يُؤكِّد حقيقة غُربته على الأرض؟

6- بغضة العالم لأولاد الله: هذه حقائق عامة تؤكِّد لكل بَشَر حقيقة غُربته على الأرض. أمَّا بالنسبة لأولاد الله بالذَّات فإن شعور غربتهم في هذا العالم يجمع مع كل الحقائق السابقة حقيقة عدم تناغم العالم معهم وبغضته لهم وعدم قبولهم كما أعلنها المسيح له المجد بقوله "لو كُنْتُمْ من العالم لكان العالم يُحِبُّ خاصَّتَهُ. ولكن لأنَّكُمْ لَسْتُمْ من العالم، بل أنا اخْتَرْتُكُمْ من العالم، لذلك يبغضكم العالم" (يو15: 19)، لذلك يجب ألا يستغربوا هذه البغضة من العالم "لا تَتَعَجَّبُوا يا إخوتي إن كان العالم يُبْغِضُكُمْ" (1يو3: 13) إذ هي أمر طبيعي لأنه "إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم... بل تأتي ساعَة فيها يَظُنُّ كل مَنْ يَقْتُلُكُم أنه يُقدِّم خدمة لله" (يو15: 20، 16: 2). وسيفعلون بكم هذا كُلَّهُ من أجل اسْمِي، لأنهم لا يعرفون الذي أرسلني. هم لم يعرفوا الآب ولا عرفوني (يو15: 21، 16: 3).

والآن عندما نجمل حقائق الموت وقصر عمر الإنسان وضعف جسده وزواله وزوال هذا العالم والمظالم التي تملأه وبغضته لأبناء الله فإنها كُلّها تؤكِّد حقيقة غُربتهم في هذا العالم ومِنْ ثَمَّ تطلُّعهم إلى وطن سماوي أفضل وانتظارهم إيَّاه. وقيام الكنيسة بتبصير أبنائها بهذه الحقائق ببراهين الشواهد الإنجيلية المؤيدة لها إنما هو بداية خطواتها معهم في إعدادهم للمواطنة السمائية.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ثانيًا: مواعيد بحياتنا السماوية

كذلك من تعليم الكنيسة لأبنائها توعيتهم بأن الله لم يتركنا بلا رجاء في العالم ولم يدعنا رهينة لعوامل الفناء والزوال التي تُحيط بعالمنا الأرضي فهو الذي طمأننا بعالم سنجد فيه تعزيتنا واستقرارنا وراحتنا وسعادتنا وخلودنا. ولذلك كما أوضحت لنا كلمة الله حقيقة تداعيات العالم الأرضي فهي بذاتها أشرقت علينا بنور حقيقة الوطن السماوي؛ وطنًا تتحوَّل فيه كل تداعيات العالم الأرضي إلى صروح وأبنية بديلة ولكنها شامخة تناطح الأبد لأنها تخص عالم ما بعد هذا العالم، وطنًا سماويًا يعلو ويفوق هذا الوطن الأرضي وذلك من خلال مواعيد الله وعهوده وكلها صادقة وأمينة (رؤ21: 5).

مِنْ جِهة الموت - قصر عمر الإنسان - من جهة ضعف الجسد - من جهة زوال هذا العالم - من جهة بغضة العالم لنا - من جهة ضيقات وأتعاب الغُربة

 

1- فمِنْ جِهة الموت كنهاية مُحزنة للإنسان قد وعدنا المسيح أنَّ مَنْ يؤمن به لن يَرَى الموت "مَن آمن بي ولو مات فسيحيا، وكل مَنْ كان حيًّا وآمَنَ بي فلن يموت إلى الأبد" (يو11: 25، 26). وإنْ مات يقيمه في اليوم الأخير "كل مَنْ يَرَى الابن ويُؤمِنُ به... أنا أُقيمهُ في اليوم الأخير" (يو6: 40). والله سيقيمنا بروحه الساكن فينا "الذي أقام المسيح من الأموات سيُحْيي أجسادكم المائتَةَ أيضًا برُوحِهِ السَّاكن فِيكُمْ" (رو8: 11).

2 - أما قصر عمر الإنسان الذي يُسبِّب له بعض الإحباط لتطلعاته وهو على الأرض فتقابله حياة أبدية في السماء لا تنتهي لكل مؤمن بالمسيح الابن كما يقول الإنجيل "الذي يُؤْمِن بالابن لهُ حياةٌ أبديَّةٌ" (يو3: 36). فالحياة الأبدية عطية لنا من الله في ابنه وليس خارجًا عنه إذ أن "الله أعطانا حياةً أبديَّةً، وهذه الحياة هي في ابنِهِ" (1يو5: 11). كما هي تحقيق لوعده المُبارَك "هذا هو الوَعْدُ الذي وعَدَنا هو به: الحياة الأبدية" (1يو2: 25) وكذلك هي مكافأة لكُلِّ مَنْ تَرَكَ شيئًا من أجل المسيح "كُلُّ مَنْ تَرَكَ بُيُوتًا أو إخْوَةً... أوْ أولادًا أوْ حُقولًا من أجل اسْمِي، يأخُذُ مئة ضِعْفٍ ويَرِثُ الحياة الأبدية" (مت19: 29).

- ومن جهة ضعف الجسد التُّرابي وزواله الذي يملأ الإنسان بشعور العجز ومحدودية قوته بل وتفاهة هذه القوَّة فمُعلِّمنا بولس يكشف لنا صورة مجد جسد قيامتنا مقارنًا بجسد موتنا يُزْرَعُ جِسْمًا حيوانيًا في فساد وفي هوان وفي ضعف. ويقام جسمًا روحانيًا في عدم فساد وفي قوة وفي مجد (1كو15: 42-44). كما يُعْلِن لنا أنَّنا "كما لَبِسْنَا صورة التُّرابيِّ، سَنَلْبَسُ أيضًا صورةَ السَّمَاويِّ" (1كو15: 49)، وصورة السماوي هي صورة المسيح الذي "سيُغيِّر شَكلَ جَسَدِ تواضُعِنا ليكونَ على صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ" (في3: 21).

- أمَّا من جهة زوال هذا العالم الذي يُحطِّم كل رجاء فيه فلنا ملكوت سماوي وعَدنا به المسيح "لا تخف، أيُّها القطيع الصَّغير لأنَّ أباكُمْ قد سُرَّ أن يُعطِيَكُمُ الملكوت" (لو12: 32) كما دعانا لنرثه "تعالوا يا مُبارَكي أبي، رِثُوا المَلكُوتَ المُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تأسِيس العالم" (مت25: 34). ونحن نشكر الله عليه لأنه ملكوت لا يتزعزع "ونحن قابلون مَلكوتًا لا يَتَزَعْزَعُ ليَكُن عندنا شُكْرٌ" (عب12: 28) بل إنه ملكوت أبدي لا ينتهي لأن صاحبه "يَمْلِكُ على بَيْتِ يَعْقُوبَ إلى الأبَدِ، ولا يكون لِمُلْكِهِ نهايةٌ" (لو1: 33).

- ومن جهة بغضة العالم لنا كأبناء الله والتي قد تُسبِّب حزننا وكآبتنا فإن وعد المسيح قائم بالتعزيات المكنوزة لنا كما قال "طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات" (مت5: 11، 12). وكما يقول يوحنا الرائي "هؤلاءِ هُمُ الذين أتَوْا من الضِّيقة العظيمة، وقد غَسَّلُوا ثيابهم وبَيَّضُوا ثيابهم في دم الخروف من أجل ذلك هُمْ أمام عَرْش الله... لَنْ يَجوعوا بعد، ولن يَعْطَشوا بعد... لأن الخروف الذي في وسَطِ العَرْشِ يَرْعاهُمْ، ويقتادُهُمْ إلى ينابيع ماءٍ حَيَّةٍ، ويَمْسَحُ الله كُلَّ دَمْعَةٍ من عُيُونِهِمْ" (رؤ7: 14-17).

- ومن جهة ضيقات وأتعاب الغُربة التي تحرمنا أحيانًا من الفرح فلها مكافأتها "لأنَّ خِفَّةَ ضِيقتِنا الوقْتِيَّةَ تُنْشئ لنا أكثر فأكثر ثِقَلَ مجدٍ أبديًا. ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرَى، بَل إلى التي لا تُرَى. لأنَّ التي تُرَى وقَتيَّةٌ، وأمَّا التي لا تُرَى فأبديَّةٌ" (2كو4: 17، 18). بل "إنَّ آلامَ الزَّمانِ الحاضر لا تُقاس بالمجدِ العَتيدِ أنْ يُستعلَنَ فينا" (رو8: 18). وكما قال مُعلِّمنا بطرس "وإلهُ كُلِّ نِعْمَةٍ الذي دَعانا إلى مَجْدِهِ الأبديِّ في المسيح يَسُوعَ، بعد ما تألَّمْتُمْ يَسِيرًا، هو يُكَمِّلُكُمْ، ويُثَبِّتُكُمْ" (1بط5: 10).

والآن إن كانت تداعيات عالمنا الأرضي واقعًا نرزح تحت ثقله وتدفعنا للتبرم من حياتنا وتثير فينا السخط على وجودنا، والوحي الإلهي يُقرِّر لنا حقيقتها لكي ينبهنا أن الله عالم بها. فهناك تقابلها كما رأينا صروحٌ شامخة شيَّدتها لنا يد القدير وتقرَّرت لنا بمواعيد وعهود سجَّلها الوحي الإلهي أيضًا كحقائق لكي يخلق فينا رجاء في إله ينتظرنا عنده في سمائه لكي يمتعنا بها. هذه المواعيد تُقدِّم لنا عربونًا لوطن سماوي يضم هذه الصروح وإن كنا لا ننظره لكننا ننتظره ونترجاه. كما يقول مُعلِّمنا بولس "إن كُنَّا نَرْجُو ما لَسْنا نَنْظُرُهُ فإنَّنا نَتَوَقَّعُهُ بالصَّبْر" (رو8: 25). نعم إنَّ هذا ما تُعلِّمه لنا الكنيسة وما تسلمناه من آبائِنا وجدودنا الذين رحَّبوا بالموت على هذا الرجاء عينه.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ثالثًا: حقيقة الوطن السَّماوي

تؤكِّد لنا الكنيسة أيضًا في تعاليمها حقيقة الوطن السماوي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فإن كانت قد أوضحت بعض المواعيد الإلهية الخاصة بحياتنا السماوية التي قد تشير إلى وطننا السماوي وتعتبر عربونًا لانتقالنا إليه وتمتعنا به، إلاَّ أن الوطن السماوي حقيقة معلنة وهناك أقوال صريحة تؤكده وواقع حياتي نتلامس فيه معه، كأننا قائمون في ظله على الأرض وننتظر انطلاقنا إليه في السماء، حيث أنه مُعدّ ومُجهَّز مسبقًا لاستقبالنا قبل انتقالنا إليه واستقرارنا فيه.

فإن كان العالم الأرضي الذي هو إلى زوال قد أسَّسه الله وهيأه وأبدع مخلوقاته أيما إبداع في سمائِهِ وأرضه وبحره ونباته وشمسه وقمره ونجومه وحيوانه وطيره وسمكه، فكَمْ بالحريِّ يكون الوطن السماوي مسكن الخلود! هذا الذي لا يُعطلنا عن بلوغنا إليه سوى تغربنا عنه في الجسد. نعم لابد أن يكون مُعدًا لنا تمامًا. وهناك أقوال وشواهد وتلامسات تؤكد لنا هذا، ونبدأ بـ:

1 - الأقوال والشواهد:

أ - السماء حقيقة:

كان الوطن السماوي حقيقة ماثلة أمام عيون آبائنا في الإيمان وكانوا يتطلَّعون إليه كما يقول عنهم بولس الرسول "في الإيمان ماتَ هؤلاءِ أجمعون، وهُم لم ينالوا المواعيد، بل من بَعيدٍ نَظرُوها وصَدَّقوها وحَيَّوْها، وأقَرُّوا بأنهم غُرباءُ ونُزلاءُ على الأرض... إنهم يَطلبونَ... وطنًا أفْضَلَ، أيْ سماويًّا. لذلك لا يَسْتَحي بهم الله أن يُدعَى إلههُمْ، لأنهُ أعدَّ لهم مَدينةً" (عب11: 13- 16).

وإشعياء بروح النبوَّة يَصف ثبات أورشليم الجديدة أمام صانعها "السَّمَوات الجديدة والأرض الجديدة التي أنا صانِعٌ تَثْبُتُ أمامي" (إش66: 22)، ويَصفْ نورها الدائم "لا تكونُ لكِ بَعدُ الشَّمْس نورًا في النهار، ولا القَمَرُ يُنيرُ لَكِ مُضيئًا، بل الرَّبُّ يكونُ لكِ نورًا أبَديًّا وإلهكِ زينَتَكِ... وشَعْبُكِ كُلُّهُمْ أبرارٌ" (إش60: 19، 21).

ويَصف دخول المفديين فيها بفرح "ومَفْدِيُّو الرَّبِّ يَرْجعونَ ويأتونَ إلى صهيونَ بترَنُّمٍ، وفرَحٌ أبدِيٌّ على رُؤوسِهِم. ابْتهاجٌ وفرَحٌ يُدْرِكانِهِمْ. ويَهْرُبُ الحُزْنُ والتَّنَهُّدُ" (إش35: 10). ويَصف فرح الله بشعبه فيها "هأنذا خالِقٌ أورُشَليمَ بَهْجَةً وشعبها فَرَحًا. فأبْتهجُ بأورشليم وأفْرَحُ بشَعبي، ولا يُسْمَعُ بَعدُ فيها صَوْتُ بُكاءٍ ولا صَوْتُ صُرَاخٍ" (إش65: 18-19). هذه بعض أقوال العهد القديم.

ب - السماء مُجهَّزة لسُكنَى المؤمنين:

أمَّا أقوال العهد الجديد فتؤكِّد أن السَّماء مُعدَّة ومُجهزة فعلًا لاستيطاننا فيها. فالمسيح له المجد عندما أراد أن يَنْزع الخوف والقلق من تلاميذه بسبب ما سوف يقابلونه من ضيقات قال لهم "لا تَضْطَربْ قلوبكم. أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بِي. في بَيْتِ أبي منازلُ كثيرَةٌ، وإلاَّ فإنِّي كُنْتُ قد قُلْتُ لكم. أنا أمْضي لأُعِدَّ لَكُم مَكانًا، وإنْ مَضَيْتُ وأعْدَدْتُ لكم مكانًا آتِي أيضًا وآخُذُكُمْ إليَّ، حَتَّى حَيثُ أكونُ أنا تكونونَ أنتم أيضًا" (يو14: 1-3). وعندما أراد أن يطمئنهم على احتياجاتهم الجسدية أخبرهم أنه سيزيدها لهم، لكن عليهم الاهتمام بملكوت الله لأنه سُرَّ أن يعطيه لهم "اطْلُبوا أولًا ملكوت الله، وهذه كُلُّها تُزادُ لكم. لا تَخَفْ، أيُّها القطيع الصَّغير، لأنَّ أباكُمْ قد سُرَّ أنْ يُعْطِيَكُمُ الملكوتَ" (لو12: 32،31). وعندما تكلَّم عن يوم الدينونة قال "يَقولُ المَلِكُ للذينَ عن يَمينهِ: تَعالوا يا مُبارَكي أبي، رِثُوا الملكوتَ المُعَدَّ لكم مُنذُ تأسيس العالم" (مت25: 34). وعندما رجع التلاميذ فرحين لأنَّ الشياطين تخضع لهم قال لهم "لا تفرحوا بهذا: أنَّ الأرواحَ تَخْضَعُ لكم، بل افرحوا بالحريِّ أنَّ أسماءَكُمْ كُتِبَتْ في السَّمواتِ" (لو10: 20).

أمَّا عن سُكَّان السَّماء الذين سنَحِلّ ضيوفًا عليهم فقد وصفهم مُعلِّمنا بولس "قد أتَيْتُم إلى جَبَلِ صهيون، وإلى مدينةِ الله الحيِّ. أورشليم السماوية، وإلى رَبواتٍ هُمْ مَحفلُ ملائكةٍ، وكنيسةُ أبكارٍ مكتوبينَ في السَّمواتِ، وإلى الله دَيَّانٍ الجميع، وإلى أرواحِ أبرارٍ مُكمَّلينَ، وإلى وسيطِ العهد الجديد، يسوع" (عب12: 22- 24). كما وصَفَ ما أعدَّه الله لنا بأنه يفوق كل إدراك وكل تصوُّر "ما لَمْ تَرَ عَينٌ، ولَمْ تسمع أُذُنٌ، ولَمْ يَخْطُرْ على بالِ إنسانٍ: ما أعدَّهُ الله للذينَ يُحبُّونَهُ" (1كو2: 9). لذلك كان يطلبها كمدينة المستقبل "ليس لنا هُنا مَدينَةٌ باقيَةٌ، لكنَّنا نَطلبُ العتيدة" (عب13: 14). بل يطلبها بثقة وسرور "نَثِقُ ونُسَرُّ بالأوْلى أن نَتَغَرَّبَ عن الجسد ونَسْتَوْطِنَ عند الرب" (2كو5: 8). وهَكذا تطلَّع إليها مُعلِّمنا بطرس كمسكن للبِرِّ "بحسبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سمواتٍ جديدةً، وأرضًا جديدَةً، يَسْكُنُ فيها البِرُّ" (2بط3: 13).

جـ- الإعلان عن شروط الداخلين إليها والممنوعين منها:

وما يؤكِّد حقيقة السَّماء أيضًا هو إعلان الكتاب عن صفات وشروط الذين يدخلونها وأيضًا صفات الممنوعين منها:

- أمَّا الذين يدخلونها فيُحدِّدهُم الكتاب بقوله "لن يَدْخُلَها... إلاَّ المكتوبين في سِفْرِ حياةِ الخروفِ" (رؤ21: 27). ويذكر الكتاب أوصافهم ومنها:

اللابسون لثياب العُرس - الذين يعيشون بمستوى فاعلية سر المعمودية - الحافظون الوصايا فاعلو الرحمة - الأُمناء المُجتهدون - المساكين والفقراء بالرُّوح - الذين لهم بساطة الطفولة - المطرودون من أجل البِرِّ - المشتركون في آلام المسيح - الغالبون لإبليس المُضِّل والمُغوِي للخطية - التائبون

1 - اللابسون لثياب العُرس: وهى ثوب المعمودية التي بها نصادق ونختم على إيماننا بالمسيح فاديًا ومخلصًا بموته وبقيامته من الأموات (رو6: 4،3). هذا الإيمان عينه الذي به نستتر بدم المسيح الذي يُغسِّلنا ويُطهِّرنا من خطايانا (رؤ1: 5، 1يو1: 7). ونصير أبيض من الثلج (مز51: 7). والذي بدونه ليس لنا شركة في العُرس الأبديِّ، بل نُطرح في الظلمة الخارجية. الأمر الذي وضحه المسيح له المجد في تشبيهه ملكوت السَّموات بعُرس ابن الملك (مت22: 2- 14).

2 - الذين يعيشون بمستوى فاعلية سر المعمودية: لأنَّ مَن خرج من المعمودية هو كمَن قام من موت الخطية ليحيا حياة البِرّ (رو6: 4) التي هي حياة الروح التي فيها يكون الإنسان قد صلب الجسد مع الأهواء والشهوات بل قد صار العالم مصلوبًا له وهو مصلوب للعالم. وحياة الروح هي الطريق إلى الملكوت لأن الكتاب يقول "مَنْ يَزْرَعُ لجسدِهِ فَمِنَ الجسَدِ يَحْصُدُ فَسادًا، ومَنْ يَزْرَعُ للرُّوح فمن الرُّوح يَحْصُدُ حياةً أبديةً" (غل6: 8).

3 - الحافظون الوصايا فاعلو الرحمة: كما قال المسيح للرئيس الذي جاء يسأله "ماذا أعْمَلُ لأرِثَ الحياةَ الأبديَّةَ؟" أجابه "أنتَ تَعْرِفُ الوصايا... يُعْوِزُكَ أيضًا شَيْءٌ: بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَوَزِّعْ على الفُقَراءِ... وتعالَ اتبعني" (لو 18: 18 - 22).

4 - الأُمناء المُجتهدون: كما قال المسيح في مَثَل السيِّد الذي سلَّم أمواله لعبيده وسافر ثم حضر ليُحاسبهم قال لِمَن تاجر وربح "نِعِمَّا أيُّها العَبْدُ الصَّالِحُ والأمينُ! كُنتَ أمينًا في القليل فأُقِيمُكَ على الكثير. اُدْخُلْ إلى فَرَحِ سَيِّدِكَ" (مت25: 21).

5 - المساكين والفقراء بالرُّوح: كما قال المسيح "طوبَى للمساكين بالرُّوحِ، لأنَّ لَهُمْ مَلكوتَ السَّمَواتِ" (مت5: 3).

6 - الذين لهم بساطة الطفولة: "دَعُوا الأوْلادَ يأتونَ إليَّ ولا تَمْنَعُوهُمْ، لأنَّ لِمِثْل هؤلاءِ مَلكوتَ الله" (لو18: 16).

7 - المطرودون من أجل البِرِّ: "طوبَى للمَطرودِينَ من أجْلِ البِرِّ، لأنَّ لَهم مَلكوتَ السَّمواتِ" (مت5: 10).

8 - المشتركون في آلام المسيح: "كما اشْتَرَكْتُمْ في آلامِ المسيح، افْرَحوا لكي تَفْرَحوا في اسْتِعْلانِ مَجدِهِ أيْضًا مُبتهجينَ" (1بط4: 13).

9 - الغالبون لإبليس المُضِّل والمُغوِي للخطية: "مَنْ يَغلبُ فذلك سَيَلْبَسُ ثيابًا بِيضًا، ولن أمْحُوَ اسْمَهُ مِنْ سِفْرِ الحياةِ، وسَأعْترِفُ بِاسْمِهِ أمام أبي وأمام ملائكته... سأجْعَلُهُ عمودًا في هيكل إلهي، ولا يَعُودُ يَخْرُجُ إلى خارجٍ، وأكْتُبُ عليهِ اسْمَ إلهي، واسْمَ مَدينةِ إلهي، أورشليم الجديدة النَّازِلَةِ مِنَ السَّمَاءِ من عند إلهي، واسْمي الجديد... ويَرِثْ كُلَّ شَيْءٍ، وأكونُ لَه إلهًا وهو يكونُ لي ابْنًا" (رؤ3: 12،5، 21: 7).

10 - التائبون: قال الأب عن ابنه الضال الذي تاب ورجع إليه "قدِّموا العِجْلَ المُسَمَّنَ واذْبَحُوهُ فنأكُلَ ونَفْرَحَ، لأنَّ ابني هذا كان مَيِّتًا فَعَاشَ، وكان ضَالًا فَوُجِدَ" (لو15: 24).

أمَّا الممنوعون من ملكوت السَّمَواتِ:

فيقول المسيح له المجد "مَن لا يَقْبَلُ مَلكُوتَ الله مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ" (لو18: 17). ويقول مُعلِّمنا بولس "أمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ الظَّالمينَ لا يَرِثون ملكوتَ الله؟ لا تَضِلُّوا: لا زُناةٌ ولا عَبَدَةُ أوثانٍ ولا فاسِقون ولا مَأبُونُونَ... ولا سارِقون ولا طَمَّاعُون ولا سِكِّيرُون ولا شَتَّامُون ولا خاطِفُون يَرِثون ملكوتَ الله" (1كو6: 9، 10). ويقول يوحنا الرائي "أمَّا الخائفون وغير المؤمنين والرَّجِسون والقاتلون... والسَّحرَةُ وجميع الكذبة، فنصيبهم في البُحيرة المُتقدةِ بنارٍ وكِبْريتٍ" (رؤ21: 8).

هذه الأقوال التي تعلن عن شروط مَنْ يدخلون السماء، ومَنْ يُحرَمونَ منها كلها شاهدة على حقيقة الوطن السماوي. إلاَّ أن حقيقة السماء تتعدَّى الأقوال والمواعيد إلى كونها حقيقة ملموسة إن لم تكن في ذاتها ففي سكانها والذين عاينوها.

2 - حقيقة تلامسنا مع سكان السماء ومَنْ عاينوها:

إنَّ السماء حقيقة ملموسة لنا ليس فقط من الإعلانات والمواعيد بل من واقع علاقتنا بالذين عاينوها وبسُكَّانها الذين تلامسنا ولازلنا نتلامس معهم. فقد كشف لنا مُعلِّمنا بولس عن واقعة اختطافه للسماء ومُعاينته لأمجادها التي لا توصف "أعْرِفُ إنسانًا في المسيح قبل أربع عشرة سنة. أفي الجسد؟ لستُ أعْلَمُ، أمْ خارج الجسدِ؟ لَستُ أعْلَمُ. الله يَعْلَمُ. اخْتُطِفَ هذا إلى السَّماءِ الثالثة... إنه اخْتُطِفَ إلى الفردوس، وسَمِعَ كلماتٍ لا يُنْطَقُ بها، ولا يَسُوغُ لإنسانٍ أن يَتكلَّمَ بها" (2كو12: 2- 4). كذلك وصفها يوحنا الرائي كما رآها في رؤياه "أنا يُوحنَّا رأيتُ المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مُهيَّأةً كعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لرَجُلِها. وسَمِعْتُ صوتًا عظيمًا من السماء قائلًا: هوذا مسكن الله مع الناس، وهو سَيَسْكُنُ معهم، وهم يكونون له شعبًا، والله نَفْسُهُ يكون مَعَهُمْ إلهًا لهم... والمدينة لا تحتاج إلى الشمس ولا إلى القمر ليُضِيئا فيها، لأنَّ مَجْدَ الله قد أنارها... وأبوابها لن تُغْلَقَ نهارًا، لأنَّ ليلًا لا يكون هناك" (رؤ21: 2، 3، 23، 25).

St-Takla.org Image: Ancient Coptic icon of Saint Mary - from St. Mary El-Azbaweya (the Syrian Monastery center), Cairo, Egypt - October 2011 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة قبطية أثرية للسيدة مريم العذراء - من صور العذراء العزباوية (مقر دير السريان)، القاهرة، مصر - أكتوبر 2011 - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت

St-Takla.org Image: Ancient Coptic icon of Saint Mary - from St. Mary El-Azbaweya (the Syrian Monastery center), Cairo, Egypt - October 2011 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org

صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة قبطية أثرية للسيدة مريم العذراء - من صور العذراء العزباوية (مقر دير السريان)، القاهرة، مصر - أكتوبر 2011 - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت

أمَّا عن سُكَّانها فالرب يسوع الذي يحيا فينا ونحيا به نزل أصلًا من السماء من أجل خلاصنا (يو3: 13). وهو نفسه الذي نزل من السماء صعد أيضًا إلى السماء وسيعود منها ثانية كما قال الملاكان للتلاميذ عند صعوده "إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا إلى السماء" (أع1: 11). وعندما يأتي ثانية من السماء سنلاقيه في الهواء على السحاب "الرَّبّ نفسه بهُتافٍ، بصوتِ رئيس ملائكةٍ وبُوقِ الله، سوف يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ والأمواتُ في المسيح سَيَقومُونَ أوَّلًا. ثُمَّ نحن الأحياء الباقين سَنُخْطَفُ جَميعًا معهم في السُّحُبِ لِمُلاقَاةِ الرَّبِّ في الهواءِ" (1تس4: 16 - 17).

وقد سَبَقَ أن رآهُ ميخا النبي مُتربِّعًا على كُرْسِّيهِ، وكل جُنْدِ السَّمَاءِ وقُوفٌ لَدَيْهِ عن يَمِينِهِ وعن يَسارِهِ (1مل22: 19) كذلك رآه إشعياء النبي جالسًا على كُرْسِيٍّ عالٍ ومُرْتَفِعٍ، وأذْيالُهُ تملأُ الهيكل. والسَّرَافيمُ واقفونَ فَوْقَهُ... وهذا نادى ذاك وقال: قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ رَبُّ الجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كل الأرض (إش6: 1- 3) ورآه حزقيال النبي شبه كمنظر إنسان على شبه العرش على المُقَبَّبِ من فوق منظر شِبْه مجد الرب ولما رآه خَرَّ على وجهه (حز1: 26-28) ورآه دانيال النبي مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقرَّبوه قدامه فَأُعْطِيَ سُلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبَّد له كل الشعوب (دا7: 14،13) ورآه اسطفانوس عندما شخص إلى السماء وقال "ها أنا أنظر السموات مفتوحة وابن الإنسان قائمًا عن يمين الله" (أع7: 56) ورآه يوحنا الحبيب فقال في رؤياه "وللوقتِ صِرتُ في الرُّوح، وإذا عَرْشٌ موضوعٌ في السَّماءِ، وعلى العَرْشِ جَالسٌ... والأرْبَعَةُ الحيوانات... لا تزال نهارًا وليلًا قائلةً: قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، الرب الإله القادر على كل شيءٍ" (رؤ4: 8،2). هذا هو يسوع الجالس على عرش السماء ولكنه في نفس الوقت يرعانا في كل خطواتنا ويُدبِّر كل أمورنا على الأرض.

كذلك ملائكته الذين يخدمونه ويرسلهم ليبلغونا رسالة ما ينزلون من السماء إلينا على الأرض مثلما نزل جبرائيل الملاك ليُفسِّر الرؤيا لدانيال (دا 8: 16) وينبئه بوقت مجيء المسيح إلى العالم (دا9: 24) ونزل ليُبشِّر زكريا بميلاد يوحنا المعمدان (لو1: 19) ويُبشِّر العذراء بميلاد المسيح (لو1: 26) ورافائيل الملاك نزل ليُرَافق طوبيا إلى أرض لا يعرفها (طوبيا5: 4) وميخائيل الرئيس كذلك نَزلَ من السماء ودَحْرَجَ الحجر عن قبر المُخلِّص وبَشَّر النسوة بقيامة المسيح (مت 28: 2)، وعندما أُلقيت الأيدي على الرُّسُل وَوُضِعُوا في حبس العامة نزل ملاك الرب في الليل وفتح أبواب السجن وأخرجهم وقال لهم "اذهبوا قِفوا وكَلِّموا الشعب في الهيكل بجميع كلام هذه الحياة" (أع5: 18-20). وملاك أيضًا نزل من السماء وأيقظ بطرس الرسول ليلًا وأخرجه من السجن (أع12: 7). هذا عن الملائكة سكان السماء ويخدموننا على الأرض.

أمَّا عن آباء الإيمان القائمين في السماء فيذكرهم مُعلِّمنا بولس بدءًا من هابيل الصديق إلى رؤساء الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب إلى يوسف إلى موسى إلى صموئيل ويختم بقوله "إذ لنا سَحَابَةٌ من الشُّهُودِ مِقْدَارُ هذه مُحيطَةٌ بنا، لنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْلٍ، والخطيَّةَ المُحيطة بنا بسهولةٍ، ولنُحَاضِرْ بالصَّبْرِ في الجهادِ الموضوعِ أمامنا" (عب12: 1).

وقد سبق أن أكَّد المسيح حقيقة وجود هؤلاء الآباء في السماء عندما تكلَّم عن رؤساء الآباء أكثر من مرة وذلك في قوله "إنَّ كثيرينَ سيأتونَ مِنَ المشارِقِ والمغارِبِ ويَتَّكِئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوتِ السَّمَواتِ" (مت8: 11). وقوله "أفَمَا قَرَأْتُمْ... أنا إلهُ إبراهيمَ وإلهُ إسحقَ وإلهُ يعقوب؟ لَيسَ الله إلهَ أمْواتٍ بل إلهُ أحياءٍ" (مت22: 31، 32)، وكذلك عندما أحضر موسى وإيليا من السماء يتكلَّمان معه على جبل التَّجلِّي أمام تلاميذه (مت17: 3).

أمَّا ما يفوق هذه الشواهد جميعها ويزيدها يقينًا فهو الحركة الدائمة والمُستمرِّة للصلة والالتحام بين السماء والأرض تحقيقًا لكلمة المسيح "من الآن تَرَوْنَ السماءَ مَفتوحةً، وملائكةَ الله يَصْعَدُونَ ويَنْزِلُونَ على ابن الإنسان" (يو1: 51). فالملائكة والشُّهداء والقدِّيسون وعلى رأسهم القديسة الطاهرة مريم لا يتوانون عن الإسراع في كل لحظة من السماء لنجدتنا كلما طلبنا شفاعتهم عنَّا أمام المسيح، وظهورهم للمؤمنين من وقتٍ لآخر، والملائكة المرافقون لنا والموكَّلُون بحراستنا من ِقبَلِ الله حسب قول المزمور "ملاكُ الرَّبِّ حَالٌّ حَوْلَ خائِفِيهِ، ويُنَجِّيهم" (مز34: 7) والروح القدس نستدعيه كل يوم وكل ساعة من السَّماء ليَحل في الأسرار ليقدسها ويَحل علينا ليُطهِّرنا. والمسيح له المجد نصنع كل يوم وجوده بيننا في كل قداس إلهي بتجسده وآلامه وقيامته. حقًا إن شركتنا مع الله ومع ابنه يسوع المسيح ومع قديسيه وملائكته لهيَ تجسيد لواقع السماء التي ننتظر انطلاقنا إليها.

ولكن السماء بكُلِّ سُكانها هؤلاء تتطلَّب الحياة فيها مُستوى روحيًا يتناسب مع الطبيعة الروحية لهؤلاء السُّكَّان، وكل مَن ينتظر الانضمام إليهم في معيشتهم هناك لابد أن يُعدَّ نفسه لهذا المستوى الفائق الذي يحتاج إلى جهاد من الإنسان ضد طبيعته الهيولية وإلى عمل نعمة الله معه لتغيير هذه الطبيعة وتجديدها. والمُعين الحقيقي له في تجديدها هو الكنيسة.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

رابعًا: الكنيسة تجددني أي تخلقني إنسانًا روحيًا

أ - الحاجة إلى الخليقة الروحية:

إن كان الوطن السماوي حقيقة مؤكَّدة ولا يصح أن نفقده بعد رحيلنا الجبري من العالم الأرضي. فنحن محتاجون لتجديدنا والارتقاء بنا لمستوى السُّكْنَى فيه ومعايشة سُكَّانه. وبعيدًا عن عمل نعمة الله وعطاياه الروحية نظل في حدود إنساننا الطبيعي المولود من اللحم والدم وساكن الأرض والذي أفكاره في حدود هذا العالم ولا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة (1كو2: 14). كما ليس من المستساغ لديه أن يترجَّي من الله عالمًا روحانيًا سماويًا لأنه لا يروقه ولا يستطيع أن يتذوَّق الحياة فيه.

لذلك من أجل إعدادنا للمواطنة السماوية لابُدَّ من تحويل إنساننا الطبيعي الدموي الأرضي إلى إنسان روحاني ذي طبيعة جديدة سماوية يتقبل الحياة في السماء كمواطن سماوي. وليس هناك سوى الكنيسة بما فيها من وسائط نعمة ومواهب روحية ومنابع للمعرفة قادرة على إعداد إنساننا هذا، وذلك بإعادة خلقه من جديد خلقة روحية تصلح للمواطنة السماوية. وهى تقوم بذلك بزرع الفكر الأخروي فيه والذي يشغله باستمرار ويسيطر على اهتمامه وذلك على ثلاث مراحل:

ب - مراحل التجديد الروحي:

أولًا: ولادته عقليًا بتجديد ذهنه بتعليم المسيح الذي ينير بصيرته للإيمان به ويوجه فكره للأمور السماوية ويؤهله لقبول عطايا هذا الإيمان.

ثانيًا: ولادته روحيًا بتغيير شكله من الإنسان الوارث الخطية الحامل الموت في ذاته، المملوء بظلمة الجهل والمستعبد لإبليس إلى إنسان البر والحياة والاستنارة والحرية في الله بالمسيح وإعداده ليكون هيكلًا للروح القدس ليمنحه جميع العطايا والمواهب الروحية لتؤهله للمواطنة السمائية وذلك من خلال نواله نعم وبركات الأسرار السبعة.

ثالثًا: تطبيع حياته سلوكيًا وعمليًا بما يتناسب مع ولادته الجديدة بمعونة الروح القدس الذي وهبها له.

جـ- ثمار التجديد الروحي:

ومن ثمار الخليقة الروحية في الإنسان:

1- إحساسه المتواصل باحتياجه لوصايا الله لتهديه في أرض الغربة مُردِّدًا قول داود النبي "غَريبٌ أنا في الأرض. لا تُخْفِ عنِّي وصاياكَ. اهْدِنِي طريقًا أبديًّا. ثَبِّتْ خُطُواتِي في كَلِمَتِكَ" (مز119: 19، 139: 24، 119: 133).

2- امتلاؤه بالفرح بالشعائر والممارسات الدينية فتتحوَّل عنده إلى أغاني وترانيم، تصير سبب تعزية روحية له في غربته كما يقول المزمور "ترنيماتٍ صارتْ لِي فَرائضُكَ في بَيْتِ غُرْبَتي" (مز119: 54) إلاَّ أن اشتياقات الروح تَخلِق فيه التطلُّع أكثر إلى أن يُمارِس تسبيحه لله في وسط صفوف السمائيين في أورشليم السمائية مُردِّدًا "كيف نُسبِّح تَسبحة الرب في أرض غريبة. إن نَسِيتُكِ يا أورشليم أنسى يَميني. ويلتصق لساني بحنكي إن لم أذْكُرْكِ. إن لم أسبق فأُرتِّب أورشليم في ابتداء فرحي" (مز136: 4-5 قبطي).

3- تستيقظ فيه كل مشاعر ومعاني الحنين إلى الوطن السماوي فيئن مُشتاقًا إلى التغرُّب عن الجسد لأجل الاستيطان عند الرب "الله، الذي أعطانا أيضًا عَرْبُونَ الرُّوحِ. فإذًا نحن واثقون... أننا ونحن مستوطنون في الجسد، فنحن مُتَغَرِّبونَ عن الرَّبِّ. لأنَّنا بالإيمانِ نَسْلُكُ لا بالعِيانِ. فَنَثِقُ ونُسَرُّ بالأوْلى أن نتغرَّبَ عن الجسد ونستوطن عند الرب. لذلك نحترص... أن نكون مَرْضِيِّين عنده" (2كو5: 5- 9). بل يَشتهي انطلاقه ليكون مع المسيح "لي اشْتِهاء أن أنْطَلِق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا" (في1: 23) ومن أجل انشغاله بالوطن السماوي يُردِّد مع القائلين "مُنتظرين الرَّجاء المُبارَك وظهور مَجْد الله العظيم ومُخلِّصنا يسوع المسيح" (تي2: 13). وتكون له رغبة شديدة في استعلان ملكوت ربّنا يسوع المسيح الذي يُصلِّي من أجله في كل لحظة "ليأتِ ملكوتُكَ" (مت6: 10). مُدرِكًا قصر زمان هذا العالم "الوَقْتُ مُنذُ الآن مُقَصَّرٌ" (1كو7: 29). مُتذكِّرًا اقتراب مجيء الرب "لأنَّ مَجيء الرَّبِّ قد اقْتَرَبَ" (يع5: 8). بل وسرعة مجيئه "ها أنا آتِي سَرِيعًا" (رؤ22: 7). متشوقًا لنوال أجر عمله "ها أنا آتِي سَرِيعًا وأُجْرَتِي مَعِي لأُجازي كُلَّ واحدٍ كما يَكونُ عَمَلُهُ" (رؤ22: 12). بل إنه عندما يُلاحظ سرعة مرور السنين يشعر أن "الدَّيَّان واقِفٌ قُدَّامَ البابِ" (يع5: 9). ولذلك يحلو له أن يتبادل مع الآخرين عبارة "الرَّبُّ قَرِيبٌ" (في4: 5). ولاشَكَّ أنه ليس أقوى من الحضور الدائم لفكر مَجيء الرب مُدعاة للتعلُّق بالوطن السماوي والاشتياق للرحيل إليه مما يكشف لنا السر وراء تقدم آبائنا أفرادًا وجماعات للاستشهاد بسرور على اسم المسيح.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

إلمامة إجمالية:

يتضمَّن هذا الفصل رسالة الكنيسة نحوي في إعدادي للمواطنة السمائية حيث تقوم بتوعيتي ببعض الأمور الهامة:

حقيقة غُربتي في هذا العالم - تعويضي عن كل تداعيات غُرْبَتي في هذا العالم - حقيقة الوطن السماوي - تأهيلي للمواطنة السمائية

أولها: حقيقة غُربتي في هذا العالم: وذلك من دلائل واضحة مثل قصر عمري الزمني وحتمية مواجهتي للموت، وضعف جسدي الذي يسير من يوم إلى يوم نحو الشيخوخة حتى يضمحل وينفق، ومعاناتي للألم والتعب التي تجعلني أتطلع إلى عالم آخر أستريح فيه، وسيادة الظلم والطمع التي تجعلني أترجَّى عالمًا يسود فيه العدل الإلهي والقناعة، وحقيقة زوال هذا العالم التي تنبأ بها كلمة الله وأخيرًا بغضة العالم لي كإنسان مغاير في طبيعتي لأهل العالم.

ثانيًا: تعويضي عن كل تداعيات غُرْبَتي في هذا العالم: وذلك بالقيامة في اليوم الأخير وإعطائي حياة أبدية وتغيير جسدي إلى صورة جسد مجد المسيح وتوريثي ملكوته الأبدي وتحويل حُزني إلى فرح وتعويضي عن تعبي مجدًا أبديًا. وهذا ما يثبتني في رجاء انتظار السماء كوطن أفضل.

ثالثًا: حقيقة الوطن السماوي: تعلنها لي أقوال صريحة، كما أن واقع حياتي يتلامس معها. أمَّا عن الأقوال فالكتاب يعلن أن آباء الإيمان في العهد القديم كان الوطن السماوي موضع تطلعهم، كما تكلَّم أنبياؤهم عن السموات الجديدة والأرض الجديدة. أمَّا العهد الجديد فيؤكِّد أن السماء مُعدَّة ومُجهزة لاستيطاننا وذلك من أقوال المسيح له المجد ومواعيده للمؤمنين به وأقوال الرسل ثم إعلان الإنجيل عن شروط ومواصفات الذين سيدخلونها والممنوعين منها. وكذلك من شهادات الذين عاينوها مثل مُعلِّمنا بولس ومُعلِّمنا يوحنا الرائي والقديس استفانوس، أو واقع علاقتنا نحن مع سكانها سواء الرب يسوع أو مع القديسة الطاهرة مريم أو الملائكة أو الشهداء أو القديسين الأبرار.

رابعًا: تأهيلي للمواطنة السمائية: تقوم الكنيسة بإعدادي روحيًا للحياة فيها وذلك بتجديد طبيعتي وتحويلي من الإنسان الجسدي التُّرابِي إلى الإنسان الروحي السماوي ووسيلتها في ذلك وعظي وتعليمي ثم تزويدي بوسائط النعمة كعامل مساعد لي لتطبيع حياتي وسلوكي طبقًا لوصايا الرُّوح والخلود.

أمَّا ما هي وسائل الرعاية التي تُقدِّمها لي الكنيسة لحفظ إنساني الروحي السماوي. فهذا ما يمكن أن يوضحه لي الفصل التالي:


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/church-heaven/education.html

تقصير الرابط:
tak.la/vns3y5a