في هذا الفصل نوضِّح كيف تقوم
الكنيسة برعايتي، وما
هي
العطايا والبركات التي تشملني بها، لكي تُنمِّي مواهبي وتُفعَّل عضويتي فيها
لحفظ إنساني الروحي، حتى إذا ما استوعبتُ كل جوانب هذه الرعاية روحيًا ونفسيًا
وفكريًا أستطيع أن أُقرِّر أن "الرَّبَّ يَرعاني فلا يُعوزني شيءٌ" (مز1:23). ولا شَكّ أن رعاية
الكنيسة لى هنا على الأرض تُقدِّم صورة ورمزًا لرعاية الله المعدة لي في ملكوته
السماوي. لذلك بقدر ما أعيش في حضن
الكنيسة وأتمتَّع برعايتها بقدر ما يقوِّي
رجائي ويزداد يقيني بمواعيد الله بما أعدَّه لي من جوانب رعايتي في السماء، بل
وتزداد اشتياقاتي للانطلاق للتمتع بها. وأهم ما تتعهدني به
الكنيسة:
أولًا: الكنيسة
تُقدِّم لي وسائط النعمة لبناء كياني الروحي:
تتعهدني
الكنيسة روحيًا فتشملني برعايتها بمنحي وسائط النعمة من خلال أسرارها السبعة
المقدسة التي تعينني على خلاص نفسي من بدء وجودي في هذا العالم حتى رحيلي عنه.
1 - فبعد ولادتي الجسدية من اللحم والدم تلدني هي من بطن المعمودية ولادة روحية من الماء والروح. وبهذه الولادة تغسلني من آثام الحبل بي ومن الخطايا التي ولدتني بها أمي (مز51: 5) وتمنحني شرف البنوة لله.
2 - وبعد أن تُصيِّرني ابنًا لله تجعلني هيكلًا لروحه القدوس بإعطائها لي نفخة الروح القدس وبتدشين جميع أجزاء جسدي بمسحة الميرون المقدس تحصينًا لي من اختراق إبليس لكياني الجسدي، ولتؤهلني لنوال جميع حقوق البنوة الإلهية وعطاياها الروحية السماوية.
3 - وبعد أن صرت ابنًا لله وهيكلًا لروحه القدوس في استحقاقات إيماني بالمسيح تُقدِّم لي المسيح لكي أتَّحد به من خلال ذبيحته خلاصًا لي وغفرانًا لخطاياي وحياة أبدية، وقوة ومُعينًا لي لكي أكمل مشيئته وأُنفِّذ وصاياه لأني بدونه لا أقدر أن أفعل شيئًا (يو15: 5).
4 - إذ أتعرَّض للخطية نتيجة ضعف طبيعتي البشرية ومقاومة إبليس لي، أهرع إليها طالبًا الصفح عما اقترفته من خطايا وآثام راجيًا رفع حكم الموت عني. فأجدها تفتح لي ذراعيها مُنتظرة رجوعي بفرح فترد إليَّ سلامي وتُعيد لي حُريتي وتفتح لي باب السماء مرة أخرى بِحَلِّي من رباطات خطاياي.
5 - إذا أصابني مرض في جسمي وطلبتها فإنها بكل حب تسرع إليَّ وأنا في فراشي وترفع من أجلي أمام الله ليس صلاة واحدة بل صلاة أولى وثانية وثالثة ورابعة وخامسة وسادسة وسابعة مُتضرِّعة إليه أن يمد يده ويقيمني من فراش مرضي ويغفر لي خطاياي ويشفيني من أمراضي الروحية التي كثيرًا ما تكون السبب في أمراضي الجسدية.
6 - ولأن العالم ارتد عن الترتيب الصالح الذي سنَّه الله لارتباط الرجل بالمرأة منذ البدء فقد عادت ونَظَّمت لي ارتباطي الزيجي حيث حَوَّلت لي الزواج إلى سر إلهي. فَوَحَّدت بين الزوجين باستدعائها الروح القدس لحلوله عليهما لتجعلهما واحدًا. وبهذا تقدم لي نموذجًا لاتحاد نفسي بإلهها وعربونًا لهذا الاتحاد. لذلك جعلته زواجًا ملوكيًا، حيث زينته بالأكاليل والبرانس والأوشحة وكلها أزياء ملوكية، ورتَّبته في موكب مصحوب بالشموع وصفوف المُرتِّلين بألحان الفرح والتهليل في ثياب بِيض كأنه موكب ملكي.
7 - ولأنَّ العالم كله قد وُضعَ في الشرير فلم تتركني لكي أتوه في ظلامه لذلك قدَّمت لي من ذاتها من خلال سر الكهنوت أبوة روحية راعية ومفتقدة، مُعلِّمة ومُرشدة، منذرة وناصحة، تُفَصِّل لي كلمة الحق باستقامة لكي تهديني إلى سُبُلِ البِرِّ ولا تفتر عن تعليمي في كل خدماتها حتى تنير لي طريق الحياة، وتُقدِّم عني ذبائح مستمرة أمام الله يشتمها رائحة رضا فيتجدد سلامي وفرحي به.
8 - إن كان يمكن أن تُوصَد أمامي بعض الأبواب التي ألجأ إليها، لكنها هي جعلت أبوابها مفتوحة لي ليلًا ونهارًا، وتسهر على رعايتي في كل ظروف ومراحل حياتي، ولا تغفل عني حتى يوم نهايتي، إلى أن تستقبلني أمام هيكل الله راقدًا في صندوقي الذي سيأويني في مثواي الأخير، وترفع صلواتها من أجلي طالبة لي الرحمة والغفران وأن يفتح لي الله باب ملكوته لكي أشارك جميع قديسيه.
9 - في كل علاقاتها بي خصوصًا في الأحداث الكبرى في حياتي والتي لا تحدث إلا مرة واحدة، مثل ميلادي بالجسد ثم ميلادي بالروح ثم زواجي ثم وفاتي، فإنها في كل منها تعطيني نعمة سماوية تُثبِّت بها عضويتي فيها أي في ملكوت المسيح، وتُقدِّم لي هذه النعمة بصورة علنية وسط جموع المؤمنين، لتؤكِّد انتمائي لهم وانضمامي إلى جماعتهم من جهة، ومن جهة أخرى تعلن لهم انضمام عضو جديد إليهم. ومن الجهتين تؤكد ذاتيتي وتشعرني بوجودي وتُنمي ثقتي بنفسي كعضو في جماعة المؤمنين مملكة المسيح عربونًا لمواطنتي السمائية.
تربطني بالله - تربطني بجماعة المؤمنين الأحياء - تربطني بالمؤمنين المنتقلين
1 - تربطني بالله: حيث في كل قداس إلهي تُقدِّم لي حياة المسيح من ميلاده إلى صلبه إلى قيامته لكي تكون حياة المسيح ماثلة أمامي دائمًا فتملأ كياني وفكري وتربطني به بمحبة أبدية لأنَّ حياته كلها كانت من أجلي، وفي نهاية القداس تُقدِّمه لي لكي أتَّحد به قوتًا سمائيًا لحياة أبدية.
2 - تربطني بجماعة المؤمنين الأحياء: والكنيسة من خلال قداسها الإلهي تربطني أيضًا قلبيًا بالوحدة مع المؤمنين الأحياء أعضاء الكنيسة المجاهدة وذلك:
أ - بمطالبتي بمصالحتهم وإلاَّ لا تقبل قرابيني وعطاياي تطبيقًا لوصية المسيح "إن قدَّمْتَ قُربانكَ إلى المذبح، وهناك تذكَّرْتَ أنَّ لأخِيكَ شيئًا عَليكَ، فاتْرُكْ هُناكَ قُرْبانكَ قُدَّام المذبح، واذهب أوَّلًا اصطلح مع أخيك، وحينئذٍ تَعالَ وقَدِّمْ قُربانكَ" (مت5: 23).
ب - أمرها لي بتقبيلهم قُبْلَة محبة قبل البدء في صلوات القداس عندما يُنادي شماس الهيكل "قبِّلوا بعضكم بعضًا بقُبْلَةٍ مُقدَّسة".
حـ- جعلها عبارات القداس ومردات الشماس الموجَّهة للشعب كلها بصيغة الجمع لكي أُقدِّم صلواتي كواحد بين مجموعة لها طلبات مشتركة. أمَّا احتياجاتي الخاصة فأطلبها أثناء التذكارات التي يُصلِّيها الكاهن سرًا.
د - تشركني مع الجميع في طعام واحد وشراب واحد هُما جسد المسيح ودمه الأقدسين كعامل وحدة يربطني مع بقية المؤمنين جسدًا وروحًا.
هـ - تشركني في احتياجاتها بتقبُّلِها قرابيني وعطاياي ليس فقط لسد احتياجاتها وإنما أيضًا لسد احتياجات المؤمنين المعوزين كإخوة لي في المسيح.
و - تعطيني في آخِر القُدَّاس لقُمة البركة لكي تذكرني بمائدة الأغابي التي كانت تُعدّ للمؤمنين بعد انتهاء القداس لكي تربط قلوبهم معًا بالمحبة والوحدانية.
3 - تربطني بالمؤمنين المنتقلين: والكنيسة لا تربطني بأعضائها الأحياء الذين على الأرض فقط بل وبالذين رحلوا منهم إلى السماء أيضًا لأن جسد المسيح لا يتجزأ. فتُردِّد على سمعي قائمة أسمائهم ليس فقط في كل قداس بل وفي التسبحة أيضًا بل وتسرد لي سيرة حياتهم واحدًا واحدًا وتُزيِّن بصورهم جدران الكنيسة حتى تجعلهم أمام ناظري دائمًا فتظل صلتي قائمة بهم حتى ألتقي بهم.
1 - فهيَ لا تترك شيئًا فيَّ لا تطلب من أجل تطهيره وتقديسه. فهيَ تطلب من أجل تطهير جسدي ونفسي وروحي وعقلي وقلبي وعيني وفكري وفهمي ونيَّتي.
2 - وتُصلِّي من أجل خلاصي الأبدي عندما تطلب من أجل هداية الضالين وقيام الساقطين وثبات القائمين وطهارة البتوليين وصلاح المتزوجين ورحمة للتائبين.
3 - الكنيسة لا تترك ظرفًا من ظروف حياتي وإلا تطلب من أجلي فيه وذلك في صلاتها من أجل المرضى والمسافرين والمتضايقين والمسجونين والمديونين والفقراء والأيتام والأرامل والضيوف المغتربين والذين في النفي أو السبي والمربوطين برباطات الشياطين والراقدين أيضًا.
1 - ومن أجل حياتي الجسدية ترفع الكنيسة أيضًا صلوات من أجل الزروع والعشب ونبات الحقل واعتدال أهوية السماء وثمرات الأرض ومياه النيل ونجاة البهائم والدواب وتطلب بركة لمخزون البيت من القمح والكرم والزيت.
2 - والكنيسة أيضًا من أجل سلامتي وسلامة جميع المؤمنين معي تطلب من أجل ملوكنا ورؤسائنا أن يتكلم الله في قلبهم بالسلام من جهة كنيسته وتبديد مشورة المعاندين وتطلب الأمان لحدود بلادنا من المداخل والمخارج حماية وصونًا لها من المعتدين وتطلب نجاتنا من الغلاء والوباء والجلاء وسيف الأعداء.
تهتم الكنيسة بأن تعطيني بركة صلواتها في مناسبات خاصة أحتاج فيها لهذه البركة. ومن هذه الصلوات:
خصصت الكنيسة أوشية القرابين لتطلب فيها بركة خاصة لِمَن يُقدِّمون عطية لبيت الله لكي يعوضهم الله عنها في هذا الدهر وفي الدهر الآتي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. كذلك تحليل الكهنة الذي يصليه الكاهن بعد صلاة نصف الليل يطلب فيه من أجل كل من تعب معه قائلًا " اذكر يا رب الذين لهم معنا تعب وشركة والذين أحسنوا إلينا وإلى إخوتنا المساكين بجميع وجوه الحسنات، محبة فيك وإكرامًا لاسمك القدوس، باركهم وعوِّضهم عن الأرضيات بالسمائيات واملأ بيوتهم ومخازنهم بكل الخيرات".
هي صلاة يؤدِّيها الكاهن في السكن الجديد الذي يُقيم فيه الإنسان لأوَّل مرَّة:
طقس الصلاة: يبدأ الكاهن بالصلاة الربية التي يطلُب فيها تقديس اسم الله ومجيء ملكوته وغفران الخطايا وعدم الدخول في التجارب والنجاة من إبليس الشرير. ثم صلاة الشكر لله على سَتْره ومعونته وحفظه وطلب النجاة من الحسد ومؤامرات الأعداء الخفيين والظاهرين عن أهل المكان وعن المكان نفسه. ثم يُصلِّي الكاهن أوشية المرضى لشفاء أهل البيت وحفظهم من الأمراض. ثم أوشية لمباركة حاجات المعيشة اليومية. ثم أواشي سلامة الكنيسة وحفظ البطريرك وخلاص الموضع وهى العناصر المرجعية التي ينتمي إليها الإنسان المسيحي وتحدد هويته من جوانب معينة. ثم يقول الجميع قانون الإيمان ليعلنوا إيمانهم بالله الآب الخالق والابن الوحيد الفادي والروح القدس المُحيي، الثالوث الأقدس الذي به الوجود والحركة والحياة. وكذلك تمسُّكهم بالكنيسة الجامعة الرسولية وانتظار القيامة والحياة الآتية. ثم يُحالل الكاهن الجميع ويختم بالبركة. ثم يرشم الماء ثلاث دفعات بِاسم الثالوث الأقدس ويأخذ منه ويرش جميع حجرات المسكن ومرافقه ومداخله.
والغاية من هذه الصلاة هي تقديم الشكر لله على السكن الجديد وطلب حلول البركة فيه ومنع الحسد عنه وطرد روح الشر منه وتهيئته لحلول المسيح وملائكته فيه مع سكانه الأتقياء.
هي صلاة حميم للطفل المولود تُصلَّى له في اليوم السابع من ميلاده.
مضمون الصلاة - الغاية من طقس الحميم
مضمون الصلاة: إعلان الفرح بولادة الطفل وظهوره في العالم، والأمجاد السماوية التي تنتظره، والكرامة التي ستكون له وترفعه أعلى من الملائكة بدعوة الله له للبنوة الإلهية، وإعطائه حق السيادة والمُلك. ثم مسئوليته عن الكرازة بالله ومباركة اسمه وتسبيحه. وهذه كلها صورة من الإعلان عن مجد المسيح وكرامته التي ذكرها الإنجيل عنه عند ظهوره في العالم بالجسد، والتي صارت لنا بالإيمان به. لذلك يُقال لحن (جيه بي آت ساركس - لأن غير المتجسد تجسد) وذلك لتمجيد تجسد الابن الكلمة.
ثم يُصلِّي الكاهن طلبة يذكر فيها المجد الذي وهبه الله للإنسان في خلقته ويطلب بركة للطفل وأن يكون مُستحقًّا لنوال سر المعمودية ويكون هيكلًا للروح القدس. وإزاء كل هذه الأمجاد للطفل المولود يُصلِّي الكاهن الهوس الرابع الذي فيه ينادي كل الخلائق لتسبيح الله، والنشيد له من أجل النصرة التي أعطاها لمختاريه على كل أعدائهم. ثم يُرتِّل الشعب المزمور المائة والخمسين الذي فيه يُسبِّحون الله بكل صنوف التسبيح. ثم يرشم الماء بِاسم الثالوث الأقدس ويُحمم الطفل فيه ويختم على الطفل وعلى الجميع بالبركة.
أمَّا الغاية من طقس الحميم: فهي توجيه ذهننا إلى الفرح الروحي بانتقال الطفل من عهد الختان الذي كان يُمارَسُ للطفل في اليوم الثامن من ميلاده إلى تهيئته لمعمودية العهد الجديد التي تعده هيكلًا لروح الله القدوس.
تقوم الكنيسة بتعميدي بالتغطيس بِاسم الثالوث الأقدس. وتعتبر معموديتي ختمًا لإيماني بالمسيح وبابًا لدخولي لملكوته السماوي. وهى سر عظيم لعظمة البركات التي أنالها بواسطتها حيث تطرد من جسمي كل الأرواح المضلة، وتلدني ولادة روحية من فوق تفوق ولادتي الجسدية الترابية، وتمنحني نعمة البنوة الإلهية وتُعَّدني لأن أكون مسكنًا للروح القدس.
ثم يلي معموديتي مباشرة دهني بزيت الميرون سر المسحة المقدسة الذي يُثَبَّت فيَّ نعمة البنوة وموهبة الروح القدس فأصير عضوًا في مملكة المسيح السمائية، وأنتقل من عبودية إبليس إلى حرية مجد أولاد الله. حقًا ما أمجدها من عطايا!
لقد ائتمن المسيح الكنيسة على ذبيحة صليبه ورَسَمَها ليلة آلامه فريضة ربانية، وأوصى رُسُله بعملها مدى الأجيال حتى إلى يوم مجيئه الثاني للدينونة، وقد رَسَمَها لذِكْرِ آلامه المُقدَّسة لكي يحفظنا في ذٍكْرَى دائمة لفدائه الذي صنعه لأجلنا. كما جعلها عهدًا مُقدَّسًا يربطه بشعبه ليكون لهم أبًا وهم يكونون له بنين. لذلك اعتُبِرَتْ أساس العضوية في جسد المسيح الذي هو الكنيسة.
واشتراكي في الذبيحة يمنحني نعمة الحياة بالمسيح حياة أبدية غير قابلة للموت بعد إقامته لي في اليوم الأخير. كما يمنحني نعمة الثبات في المسيح الذي يعني الثبات في شخصه وفي الإيمان به وفي التمسُّك بوصاياه والتصديق بمواعيده والفرح بإعلاناته. كذلك أنال نعمة النمو في الروح أي في القامة الروحية وفي معرفة الله وابنه يسوع المسيح.
لقد أعطى المسيح الكنيسة سُلطانًا على مغفرة الخطايا الذي كان قديمًا مشروطًا بتقديم المعترف ذبيحة لكي ينال الصفح عن خطاياه، وهذه الذبيحة كانت لابد أن تتناسب مع حجم الخطأ الذي ارتكبه الفرد، وكذلك مع مقامه الروحي بين جماعة المؤمنين. إن كان إنسانًا عاديًا أو شماسًا أو كاهنًا أو رئيسًا في شعبه أو رئيس كهنة. وكُلَّما زادت رُتبة الفرد كُلَّما زادت قيمة الذبيحة التي يُقدِّمها إن كانت يمامة أو حمامة أو جديًا أو تيسًا أو حملًا أو عجلًا أو ثورًا.. واليوم في العهد الجديد لم تعد هناك حاجة للمؤمن بالمسيح أن يقدم ذبائح دموية لأنه قد حلَّتْ مَحَلَّها ذبيحة الصليب. ومتى أراد نوال مغفرة خطاياه ليس عليه سوى أن يعترف بها بندامة ونية لعدم الرجوع إليها فينال المغفرة.
فما أعظم بركة هذا السر الذي به أنال مغفرة خطاياي فأنجو من حكم الموت الأبدي وأنال المصالحة مع الله التي بها يكمل سلامي ورجائي في حياة أبدية!
هناك طقسان مُقدَّسان يشترك كل شعب الكنيسة في نوال بركتهما.
أولهما القنديل العام (سر مسحة المرضى) الذي يكون دائمًا في جمعة ختام الصوم بعد رفع بخور باكر. وغالبية المؤمنين يحرصون على حضوره ورشمهم بالزيت المقدس راجين شفاءهم من أمراضهم وليس فقط لمجرد البركة.
وثانيهما اللقان ويكون ثلاث مرات في السنة. الأولى في عيد الغطاس لتذكار عماد المسيح وبالتالي لنذكر نحن معموديتنا فنسلك كأولاد الله. والثانية في خميس العهد تذكار غسل المسيح لأرجل تلاميذه ليلة تسليم ذاته للصليب لنتعلَّم منه الاتضاع وخدمة بعضنا البعض ونمارسهما عمليًا، لينكسر فينا روح الكبرياء التي تسبب هلاكنا ولنتقدَّم للتناول بطهارة. والثالثة في عيد الرسل تذكار خروج الرُّسُل للكرازة بعد يوم الخمسين فامتلأت المسكونة من أقوالهم التي روت النفوس المُتعطِّشة إلى معرفة الله الحقيقي وغسلتهم من خطاياهم وجدَّدت أذهانهم، لذلك نغتسل بماء اللقان بمسح وجوهنا وأيدينا إشارة إلى وجوب تنقيتنا من خطايانا لنتأهَّل للتقرُّب من المائدة الربَّانية الرهيبة.
وعمل اللقان ثلاث مرات في السنة على فترات مُتباعدة يجعل مياه اللقان متوفِّرة في كل بيت مسيحي فلا ينقطع وجودها طول العام. والحكمة في ذلك أنها سلاح للمؤمن ضد كثير من الشرور، فيستخدمها لطرد روح الشر وروح المرض وأرواح الشياطين ولإبطال فعل السحر والأعمال، سواء عن طريق الشرب أو الاستحمام أو الرش في كل أرجاء البيت. وحيث أن الشرور لا تخلو حياتنا من مواجهتها من حين لآخر، لذلك فمياه اللقان بركة كبيرة لكل مسيحي يستخدمها بإيمان.
كثيرًا ما نمر بفترات عصيبة في حياتنا لا تُجدي فيها جهودنا البشرية فلا يكون أمامنا سوى الاستغاثة بالقديسين والشهداء لطلب شفاعتهم عنا أمام الله.
أولًا: لأننا نشعر بعدم استحقاقنا للطلب من أجل أنفسنا بسبب شعورنا بخطايانا وبتقصيرنا في واجباتنا نحو الله.
ثانيًا: لأن معونتنا هي رسالتهم وواجبهم نحونا في السماء أمام الله.
ثالثًا: لأن لهم دالة أمام الله من أجل أنهم جاهدوا وتعبوا وبلغوا إلى الفردوس. وإذ يستجيب الله لشفاعتهم وينقذنا من ضيقاتنا ويحل لنا مشاكلنا نقوم بتمجيدهم وذلك بإهدائهم السلام والبركة وقراءة سيرتهم واسترجاع بعض معجزاتهم وعجائبهم ونُمجِّد اسم الله الذي استجاب لطلباتهم عنا. ويتم هذا عادة بإعداد وليمة شكر لله ولقديسيه، وبعضهم يدعو لها الأقرباء والأحباء والبعض يدعو الفقراء والمعوزين ويدعون عادة معهم الكاهن والشمامسة للقيام بالصلاة وعمل التمجيد وقد يستعيضون عن هذا بعمل التمجيد في الكنيسة أمام أيقونة القديس الشفيع ويضعون عطاياهم في صندوق النذور والتماجيد.
وهكذا تشارك الكنيسة أبناءها فرحهم بنجاتهم من الضيقات وتسبيح الله وتمجيد قديسيه لشفاعتهم من أجل هذه النجاة وتفرح معهم لدوام صلة السمائيين بالأرضيين وإسراعهم لنجدتهم.
بعد مُضي ثلاثة أيام من وفاة أحد أفراد الأسرة تحضر الكنيسة إلينا لكي تشدد عزمنا وتختم على أحزاننا وذلك بإقامة صلاة الثالث التي فيها تتجاوب مع مشاعر الحزن التي تغمر نفوسنا وتطلب بلساننا من الله أن يكشف عن عيوننا عجائب من شريعته وأن يصعدنا من هاوية الحزن، ولا يصرف وجهه عنا بل ينظر إلينا بكثرة رأفته. ثم تعلن لنا محبة الله في موت ابنه عنا ومصالحتنا معه بموته. ولكي تزيل عنا صورة الموت القاتمة وتحوله إلى حياة تذكر لنا عودة لعازر إلى الحياة بمجرد سماعه صوت المسيح يأمره بالخروج من القبر. ثم بلساننا أيضًا تُقدِّم الشكر لله على عدله في موتنا بسبب خطيتنا ومحبته في إعادة الحياة لنا مرة أخرى. وتُصلِّي لأجل أن يُعطي المتوفي نصيبًا صالحًا في ملكوته وأن يعولنا نحن ويعزينا. ثم تطلب من الله أن يحلنا من خطايانا التي صدرت منا أثناء حزننا. ثم تختم علينا بالبركة.
وهكذا تسهم الكنيسة في تعزيتنا ومشاركتنا أحزاننا حتى لا تتركنا فريسة لها وذلك بتذكيرنا بأقوال الله التي تجدد رجاءنا وتشجع نفوسنا الخائرة.
إن ما أناله من سر الكهنوت ليس هو السر في ذاته إنما ما يقدمه لي أصحاب هذا السر الذين نظم الرسل درجاتهم بتشكيل نموذجي محكم يضم ثلاث رتب رئيسية متدرجة في سلطتها ومستوى مسئوليتها وهى الأسقفية والقسيسية والشماسية يقومون بقيادة الكنيسة ورعايتها. وكما يخدمون هنا على الأرض كُلٌّ في رتبته فهكذا هم حاليًا في السماء كُلٌّ قائم في رتبته. فالبابا كيرلس السادس عندما دخل إلى السماء استقبلته جماعات من البطاركة والأساقفة والقديسين وكانوا برفقته يصفقون بفرح شديد حتى دخل معهم [خبرات مع الدهر الآتي - القمص تادرس يعقوب]. والأم إيريني رئيسة دير أبي سيفين التي تنيحت في 31/10/2006 فلكي يُقدِّم الله إشارة لرسامتها رئيسة للدير ظهر لها في دفعة واحدة الثلاثة مقارات القديسون يفصلون كرسيًا لها مناسبًا، وفي دفعة ثانية ظهر لها معًا الأنبا أنطونيوس والأنبا شنوده والأنبا باخوميوس يأخذون قنديلًا من يد الرئيسة ويضعونه في يدها [تماف إيريني جوهرة السماء - دير أبي سيفين]. والمتنيح القمص متياس روفائيل كاهن كنيسة مارجرجس - غيط العنب. حكى حلمًا رأى فيه بعضًا من كهنة الإسكندرية المنتقلين جالسين علي مقعد في مكان جميل مملوء بالخضرة. والقديس الأنبا يؤانس القصير عند نياحته رأى خادمه القديسين الأنبا أنطونيوس والأنبا مقار والأنبا باخوميوس وجماعة من القديسين يحيطون به [20 بابه]. والأمثلة غير ذلك كثيرة تشير إلى أن كل صاحب رتبة قائم بين أفراد رتبته. بل إنَّ هذا ما يتأكد من كلام مُعلِّمنا بولس عن قيامة الأموات فقال " ولكِنَّ كُلَّ واحدٍ في رُتْبَتِهِ" (1كو 23:15).
كذلك يوحنا الرائي يذكر قيام خدمة الكهنوت في السماء في قوله "ولما أَخَذَ السِّفْرَ خَرَّت الأربعة الحيوانات والأربعة والعِشرون شيخًا أمام الخروف، ولهم كل واحدٍ قيثاراتٌ وجاماتٌ من ذهبٍ مَملوءةٌ بخورًا هي صلوات القدِّيسينَ. وهم يَترنَّمون ترنيمةً جديدةً" (رؤ 5: 8، 9)، كذلك المسيح له المجد ليلة العشاء السري بعدما ناول تلاميذه جسده ودمه قال لهم "وأقول لكم: إني من الآن لا أشرب من نِتاج الكرْمَةِ هذا إلى ذلك اليوم حينما أشْرَبُهُ مَعَكُمْ جديدًا في ملكوت أبي" (مت 26: 29).
ولربما بعد يوم الدينونة وبدء عصر الأبدية في السماء الجديدة والأرض الجديدة سينتظم المؤمنون من كل الشُّعوب والقبائل والألسنة مع منظومة الرُّتب الكنسية ويُمارسون حياتهم وخدمتهم كما رسمها الله لهم في السماء. لأن مُعلِّمنا بطرس يخاطبنا بقوله " وأمَّا أنتم فجِنْسٌ مُختارٌ، وكهنوتٌ مُلوكِيٌّ" (1بط 2: 9) مما يشير إلى أنَّ مجد الكهنوت كمجد الملكية أو أن الكاهن هو بمثابة ملك على رعيته ليس مُلكًا سياسيًا أو متعلِّقًا بمصالح الأرض بل مُلكًا روحيًا لأنَّ المسيح إن كان كاهنًا (عب 7: 17) فهو ملك أيضًا (يو 18: 37)، بل إنه رئيس كهنة (عب 4: 14)، وفي نفس الوقت ملك الملوك (رؤ 19: 16)، وإن كان ملكوت السَّموات هو ملكوته فهو سيملك فيه على القدِّيسين (رؤ 15: 3)، الذين جعلهم ملوكًا وكهنة لله أبيه (رؤ 1: 6)، لذلك يملك عليهم كرئيس كهنة للخيرات العتيدة (عب 9: 11).
وهذا لا يُنافي أن يكون في السماء ملوك كما قال المسيح في مَثَلِ الأمْنَاء للعبد الصَّالِح "لأنَّكَ كُنتَ أمينًا في القليل، فليَكُنْ لك سُلطانٌ على عَشْرِ مُدْنٍ" (لو 19: 17)، وكما ندعو مارجرجس سيِّدي الملك جوارجيوس، لذلك قد تجمع الرعاية في السماء بين الملكي والكهنوت والمسيح هو الراعي الأعظم لأنه إن كان هو يرعانا هنا على الأرض من خلال سر الكهنوت فهو يكون راعينا في السماء كما يقول الرائي " لأنَّ الخروفَ الذي في وسَطِ العَرْشِ يَرْعاهُمْ، ويَقتادُهُمْ إلى يَنابيع ماءٍ حَيَّةٍ" (رؤ 7: 17).
وإذ تعرَّفنا على رُتب الكهنوت واختصاصاتها واتضح بقاء خدمتها لنا في السماء، فيا ليتنا نرتبط بكهنوتنا وبخدمته ونستظل بمظلة رعايته ناظرين من خلاله إلى "رئيس إيماننا ومُكمِّله يسوع" حتى لا نضل طريقنا إلى ملكوته السماوي.
للرُّعاةِ والخُدَّام دور هام في تفعيل العطايا الروحية والخلاصية في حياة المؤمنين. ومن أهم واجباتهم:
يفتقدون الرعية بانتظام خصوصًا البعيدين منهم عن الكنيسة والمرضى والحزانى والأيتام والأرامل والمُسنين والعجزة. ويكون الافتقاد متضمنًا الرعاية الروحية والنظر في الاحتياجات المادية معًا. ويستفيدون من تكنولوجيا العصر لتنظيم الافتقاد وضبطه بتسجيل كل عائلات منطقتهم المسئولين عنهم روحيًا بمختلف بياناتهم على الكمبيوتر، وتسجيل تواريخ زياراتهم لهذه العائلات ومراجعة هذه التواريخ من وقت لآخر لكي لا ينسوا أحدًا منهم أو يتأخروا عنه في زحمة الخدمة، وكذلك استخدام الهاتف للسؤال عنهم بين زيارة وأخرى.
من المهام الرئيسية للكنيسة رعاية الأسرة المسيحية التي تعتبر الكنيسة الصغيرة التي تعد أبناءها للكنيسة الجامعة و التي بدورها تعد جميع المؤمنين للوطن السماوي.
- الإسراع في حَلِّ الخلافات بين الزوجين أو بين الوالدين و أبنائهم لأجل استمرار السلام بينهم و التعرُّف على احتياجاتهم لتقديم المساعدات الممكنة لهم.
- عمل برامج دورية للتوعية الروحية و الأسرية الخاصة بعلاقات التعامل بين الزوجين وتعاملهما مع أبنائهما و الأُسس التربوية لتنشئة البنين والبنات ابتداء من مرحلة الطفولة المبكرة حتى مرحلة الشباب الجامعي.
- تنمية الروح الاجتماعية وفكر العضوية الكنسية لجميع أفراد الأسرة عن طريق الأنشطة المختلفة.
- قيام الكنيسة بأعمال محبة رقيقة لاستمرار التواصل بين الكنيسة والأسرة بإرسال نبذات روحية وهدايا رمزية في المناسبات المختلفة لكل فرد من أفراد الأسرة في عيد ميلاده أو تذكار عماده أو للوالديْن في عيد زواجهما أو في عيد الأسرة أو عند مرض أحدهم أو حصوله على ترقية أدبية أو درجة علمية ومواساتهم في حالة حزنهم.
- توفير الخدمة المنزلية للعائلات المحتاجة لرعاية مريض أو مسن أو عاجز أو لمجالسة طفل.
- رعاية المعوقين وذوي العاهات والمدمنين وأصحاب الأمراض الصعبة مثل السرطان و الفشل الكلوي و الوباء الكبدي..
- توفير فساتين الخطوبات و الأكاليل لمن هن في احتياج. وإنشاء قاعات للحفلات المصاحبة لها أو للعزاء أو المناسبات الأخرى.
- إنشاء مشروعات للعمالة و الخدمة أيضًا مثل مستشفيات أو مدارس أو مصانع أو ورش لعلاج مشكلة البطالة. أو بناء وحدات سكنية صغيرة وتمليكها بسعر التكلفة لعلاج مشكلة السكن لدى العاجزين عن توفيره خصوصًا المقبلين على الزواج.
هذه مجرد أمثلة من واجبات الكنيسة نحو الأسرة ورعايتها، والتي تضمنت أنشطة توعوية وتثقيفية وخدمية.
إن الكنيسة ليست مؤسَّسة روحية فقط بل واجتماعية أيضًا والأنشطة ضرورة عملية في اهتمامها بأبنائها من أجل تنمية الفرد من جهة، وتوثيق عضويته الكنسية عربون عضويته في الوطن السماوي من جهة أخرى، حتى لا تكون عضويته منتسبة بل عضوية عاملة. وهذا من صميم الخدمة الرعوية من الكنيسة لأبنائها.
إلا أن الكنيسة فيما توفره من أنشطة فإنها تراعي صالح الكنيسة ككل أو ككيان عضوي له احتياجاته الخدمية من جهة كما توظف أعضاءه القادرين على أداء هذه الخدمات من جهة أخرى.
وإن كانت رسالة الكنيسة هي هدايتنا للملكوت الأبدي، فلابد أن تنبني علاقتنا بها على إرادتنا نحو تحقيق هذا الهدف. وإن كانت علاقة المؤمن بالكنيسة كغصن في كرمة أو كحجر في بناء أو كعضو في جسد، فلكي تحقق هذه العلاقة هدفها عليه أن يكون غصنًا مثمرًا ثمرًا جيدًا. وأن يكون حجرًا حيًا يعمل على تماسك البناء، وأن يكون عضوًا عاملًا يقوم بوظيفته حسب تركيبه في الجسد.
أمَّا الأنشطة التي يُمكن أن يُحقِّق الإنسان عضويته الكنسية من خلالها فهيَ كثيرة ومتنوِّعة وستكون موضَّحة ومُفصَّلة في الكتاب التالي بمشيئة الله.
أولًا: تُقدِّم لي وسائط الخلاص الكائنة في أسرارها السبعة وهى المعمودية لولادتي الروحية والميرون لتقديسي وتثبيتي والاعتراف لمغفرة خطاياي والتناول لحياتي بالمسيح ومسحة المرضى لشفائي روحيًا وجسديًا والزيجة كنموذج لاتحاد نفسي بالله في السماء والكهنوت لرعايتي ومنحي وسائط الخلاص.
ثانيًا: خدمة الليتورجيا وهى الصلاة العامة حول ذبيحة المسيح وفيها.
أ - تربطني عمليًا بالله وبجماعة المؤمنين الأحياء وكذلك الذين رحلوا منهم للسماء.
ب - تُصلِّي من أجل تطهيري وتقديسي وخلاصي الأبدي ومعونتي في الشدائد وخلاصي من الضيقات ومن أجل احتياجاتي الجسدية ومن أجل سلامي الاجتماعي وسلامة وطني الذي أعيش فيه.
هذه النِّعم الإلهية والوسائط الخلاصية التي تشملني بها الكنيسة وكم الصلوات التي ترفعها من أجلِّي ما هي إلا لصيانتي وحفظي في حياة الروح ابنًا مقدسًا مفرزًا لله ولتكويني مواطنًا صالحًا سمائيًا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/church-heaven/care.html
تقصير الرابط:
tak.la/v8n2d73