الفرح النفساني، هو فرح بشهوات الجسد، كما فرح سليمان بكل متعه وغناه أما فرح الروح فهو الذي يقول عنه الكتاب:
"افرحوا في الرب كل حين..." (في 4: 4).
تقرأ عن فرح سليمان في (جا 2). فلا تجد اسم الرب إطلاقًا...! إنه فرح بالجنات والفراديس، والشجر، والبقر، والذهب، والفضة، والسيدات والمغنيات... وليس بروحه وصلة روحه بالله. إنه مجرد فرح نفساني، باطل وقبض الريح... لهذا نحن نفرق في أمور الفرح بين تعبيرات عديدة مثل اللذة (وهى خاصة بالجسد والحواس)، والسرور، والفرح (وبعضها خاص بالنفس والآخر بالروح).
الفرح بالرب هو فرح روحاني:
تفرح لأنك عرفت الله، تفرح لأن لك صلة بالله وعشرة، تفرح بسكنى روح الله فيك وإرشاده لك. تفرح لأنك نلت مذاقة الملكوت، تفرح لانتصار روحك التي حررها الله (يو 8: 36). تفرح لأنك استطعت أن توصل الناس إلى الله.
وتلاميذ المسيح وقعوا أحيانًا في الفرح النفساني.
إنه فرح من نوع فرح سليمان، بل هو نوع أرقى منه، ولكنه مرفوض أيضًا.
رجع السبعون إلى الرب فرحين، بعد إرساليتهم التبشيرية، وقالوا له "حتى الشياطين يا رب تخضع لنا باسمك" (لو 10: 17) فوبخهم الرب على هذا الفرح النفساني، وقال لهم "لا تفرحوا بهذا، إن الأرواح تخضع لكم. بل افرحوا بالحري أن أسماؤكم قد كتبت في السموات" (لو 10: 20). وهكذا فرق الرب بين نوعين من الفرح: نوع وبخ عليه، ونوع دعا إليه.
مثال آخر وهو فرح البعض بموهبة الألسن وما يشابهها.
إنه فرح بشيء يمجده أمام الناس ويرفع شأنه!! يريد أن يتعظم على حساب مواهب الله... وكان الفضل أن يهتم بنقاوة قلبه وامتلاء القلب بثمار الروح، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وفي ذلك قال الرسول "لو كنت أتكلم بالألسنة الناس والملائكة، وليس له محبة، فقد صرت نحاسًا يطن وصنجًا يرن" (1كو 13).
إذن افرح بثمار الروح، أكثر تفرح بالمواهب.
ثمار الروح التي هي "محبة وفرح وسلام، وطول أناة ولطف وصلاح وإيمان ووداعة وتعفف" (غل 5: 22، 23). وهذه توصلك إلى الملكوت بينما المواهب والآيات والرؤى ربما لا توصل...! يقول السيد الرب:
"كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم "يا رب يا رب، أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة. فحينئذ أصرح لهم: إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم" (متى 7: 22، 23).
قيل عن القديس يوحنا المعمدان، إنه لم يصنع آية واحدة (يو 10: 41). ومع ذلك شهد له الرب إنه أعظم من ولدته النساء (يو 11: 11). وفي التبشير بمولده قيل عنه إنه "من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس" (لو 1: 15). فلا تفرح إذن بالآيات.
القديس بولس الرسول خاف من كثرة الرؤى والاستعلانات.
لأنها خطيرة، ربما ترفع قلبه. ولذلك قال "ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات، أعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني لئلا ارتفع" (2كو 12: 7). وصلى ثلاث مرات أن يرفع الله عنه هذه الضربة، ولم تقبل صلاته في ذلك...
أم يعقوب ويوحنا الرسولين وقعت في الفرح النفساني الباطل.
فجاءت إلى السيد الرب تطلب إليه أن يجلس أحد ابنيها عن يمينه، والآخر عن يساره في ملكوته (متى 20: 20، 21). ولكن الرب لم يشأ أن يكون لها فرح بالعظمة، بل أن يكون لابنيها فرح بالألم. فقال لهما "لستما تعلمان ما تطلبان. أتستطيعان أن تشربًا الكأس التي أشربها، وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها" (متى 20: 22).
واستجاب الرب لطلبة هذه القديسة، فكان ابنها أول الشهداء من الرسل الاثني عشر (أع 12: 2)، وجلس مع الرب عن يمينه...
حقًا إن الفرح بالألم هو جزء من الفرح الروحي.
ولذلك بعدما سجنوا التلاميذ وجلدوهم، يقول الكتاب عنهم "وأما هم فذهبوا فرحين، لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه" (أع 5: 41).
ويقول القديس بولس الرسول "لِذلِكَ أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ وَالاضْطِهَادَاتِ وَالضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِيحِ" (2كو 12: 10)... وهكذا كان سرور الشهداء والمعترفين القديسين بملاقاة العذابات والموت. إنه فرح روحاني.
إن الذي يفرح بأن ينال موهبة المعجزات والآيات، هو ما يزال في مستوى الفرح النفساني. أما الفرح الروحاني، فهو الفرح بالرب وليس بمواهبه، وما تجلبه المواهب من عظمة...
* ولعل من الأمثلة البارزة تلك القديسة العظيمة التي ذبحوا أبناءها الخمسة على حجرها وهي تشجعهم على الاستشهاد، لكي يفرحوا مع الرب في ملكوته. وهي أيضًا فرحت باستشهادهم...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/spiritual/happiness.html
تقصير الرابط:
tak.la/f8x7ygs