St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   john-chrysostom-virginity
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب البتولية: للقديس يوحنا ذهبي الفم - القمص أنجيلوس المقاري

49- لماذا يريد بولس الرسول تحويل أنظارنا عن ملذات هذه الحياة ليقتادنا نحو البتولية؟

 

1- كيف؟ أتدعوني للجهاد ضد الشياطين "فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم" (أف 6: 12) - أنت تدفعني للصمود أمام الشهوات العنيفة للطبيعة (البشرية) وتحضني وأنا من لحم ودم لممارسة فضائل غير المتجسدين ولا تحدثني إلا عن خيرات أرضية بنجاة من أثقال الزواج!

لماذا لم يقل الرسول: إن تزوجت العذراء لم تخطئ ولكنها سُتحرم من أكاليل محفوظة للبتولية "هدايا جزيلة لا يُعبّر عنها"؟ لماذا لم يعرّفنا بالخيرات التي تنتظرنا في الأبدية؟ كيف عند خروجهن للقاء العريس أخذن مصابيحهن وهن ملتحفات بمجد وثقة للدخول مع الملك إلى خدر العرس؟ كيف يتلألأن بالقرب من عرشه وفي المنازل الملكية؟ولكن بولس الرسول لم يُبدِ أية إشارة عن كل هذا. فمن البداية إلى النهاية لم يتحدث إلا عن الخلو من تعاسات وضيقات جسدية، إذ قال "إنه حسن" وأهمل إضافة عبارة "بسبب الخيرات الآتية" ولكن قال "لسبب الضيق الحاضر"، وأيضًا بعد أن أعلن "إن تزوجت العذراء لم تخطئ" هنا صمت عن المكافآت السمائية التي سُتحرم منها وقال "مثل هؤلاء يكون لهم ضيق في الجسد".

 

2- ولم يكتف بهذا بل استمر إلى النهاية على هذا المنوال. لم ينصح بالبتولية من أجل خيرات المستقبل، ولكن عاد من جديد لنفس الدافع فقال "الوقت منذ الآن مقصّر" وبدلًا من أن يقول "إنني أريدكم أن تتلألئوا كالنجوم في السماء وأن تظهروا بأكثر إشراقًا من المتزوجين، عاد من جديد للأشياء الأرضية وقال: "أريد أن تكونوا بلا هم" (1كو 7: 32).

على نفس النمط أيضًا سنجد هذا في موضع آخر، فعندما يتحدث عن الصبر في الشدائد فهو يتعهد نفس الخط من النصائح، فبعد أن قال "فإن جاع عدوك فأطعمه، وإن عطش فاسقه" (رو 12: 20) وهو إذ يوصينا حينئذ (هناك) بتصرف مثل هذا ويأمرنا (هنا) أن نقاوم متطلبات الطبيعة (البشرية) ونجاهد لكي نطفئ نارًا هي أيضًا غير محتملة، فعند الحديث عن المكافآت لا يذكر شيئًا عن السماء والخيرات السمائية هناك أيضًا، وكل المكافآت (التي ذكرها) هي في الخسارة التي سيلقاها المؤذي (لنا) "لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه" (رو 12: 20).

 

St-Takla.org Image: Paul's Vision: During the night Paul had a vision of a Macedonian man begging him to come. His attribute, the sword, is nearby: "Come over to Macedonia and help us" (Acts 16) - from the book: The Holy Apostles Story and Epistles (Der Heyligen Apostel Geschichte und Episteln), by Johann Christoph Weigel, 1695. صورة في موقع الأنبا تكلا: رؤيا بولس: رأى بولس في الليل رجلا مقدونيا يتوسل إليه أن يأتي: "اعبر إلى مكدونية وأعنا" (أعمال الرسل 16) - من كتاب: قصة الآباء الرسل والرسائل، يوهان كريستوف فيجيل، 1695 م.

St-Takla.org Image: Paul's Vision: During the night Paul had a vision of a Macedonian man begging him to come. His attribute, the sword, is nearby: "Come over to Macedonia and help us" (Acts 16) - from the book: The Holy Apostles Story and Epistles (Der Heyligen Apostel Geschichte und Episteln), by Johann Christoph Weigel, 1695.

صورة في موقع الأنبا تكلا: رؤيا بولس: رأى بولس في الليل رجلا مقدونيا يتوسل إليه أن يأتي: "اعبر إلى مكدونية وأعنا" (أعمال الرسل 16) - من كتاب: قصة الآباء الرسل والرسائل، يوهان كريستوف فيجيل، 1695 م.

3- لماذا يجري لمثل هذا النوع من التشجيع؟ هذا ليس خطأ من جانبه وهو لا يجهل الطريقة التي بها يكسب من يسمعه ويقنعه بها، ولكن هذا بالتحديد لأنه يملك أكثر من أي شخص هذه الموهبة، أقصد موهبة الإقناع. (ما هو) الدليل؟ كلماته هو. ولكن أيضًا كيف ذلك؟

فهو يتحدث لأهل كورنثوس -نحن نتحدث أولًا قبل عرضه للبتولية (عليهم) - وهو قد قرر في رسالته إلى أهل كورنثوس أنه لا يعرف بينهم شيئًا إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبًا- الذين لم يستطع أن يكلمهم كروحيين، إذ أنه لازال يسقيهم اللبن لأنهم لازالوا جسدانيين، الذين أيضًا عندما كتب إليهم هذه الكلمات وبخهم (قائلًا) "سقيتكم لبنًا لا طعامًا، لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون بل الآن أيضًا لا تستطيعون، لأنكم بعد جسديون وتسلكون بحسب الجسد" (1كو 3: 2-3).

 

4- فهو لأجل هذا يستدعيهم من خلال أشياء أرضية مرئية ومحسوسة لكي يجتذبهم للبتولية ويثنيهم عن الزواج، لأنه يعرف جيدًا أن الرجال الضعفاء يزحفون على التراب وينعطفون للأرضيات وهو لديه طرق كثيرة لكي يجعلهم يستفيقون ويجتذبهم بكلامه لهم عن أمور أرضية.

إنني أتوسل إليك (أن تخبرني) لماذا كثير من الرجال الخشنين والفظين لا يتورعون في الكبيرة والصغيرة عن القسم باسم الله حتى ولو سيحنث بقسمه ولا يغامرون بالقسم على رأس أبنائهم، ومع أن الحنث بالقسم والعقوبة أكثر خطورة في الحالة الأولى عن الثانية، ومع ذلك فهم يترددون كثيرًا في الثانية عن الأولى.

 

5- وأيضًا فيما يتعلق بإغاثة الفقراء، فالكلام عن ملكوت السموات وإن كان قد قيل بصيغ جديدة إلا أنه لم يستنفر همّة سامعيه على أمل امتياز في هذه الحياة لهم أو لأبنائهم، وفي كل حال فإن اللحظة التي يُظهر فيها الناس ذواتهم متأثرين جدًا لهذا النوع من الإعانة وهي عندما يتعافون من مرض طويل أو في نجاتهم من خطر أو الحصول على وظيفة سامية من ولاية وقضاء، وبالاختصار فإن من الممكن التأكد من أن غالبية الناس يتأثرون بكل ما هو تحت أقدامهم (وفي متناول أيديهم).

في السعة والرخاء يُستنفرون بالأحرى، وفي الظروف المعاكسة يختبرون مزيدًا من الخوف لأنهم للتو أكثر حساسية لمثل هذه الظروف - لأجل هذا فقد تحدث الرسول بهذه الأساليب إلى أهل كورنثوس، وأيضًا عاد إلى أن يضع في اعتباره الأمور الحاضرة (الأرضية) ليجذب بها أهل روما للصبر في الشدة.

 

6- فالنفس الضعيفة التي هي ضحية الإهانة لن تتخلى أيضًا بسهولة عن سُم غضبها عندما نحدثها عن ملكوت السموات، إلا عندما ترى النقمة من الذي أهانها ولو على المدى الطويل، وأيضًا من أجل أن ينزع جذر تذكر الإهانات ويلاشي هذا الإحساس فإن بولس الرسول يقدم ما هو أكثر ملائمة ليريح المجني عليه ليس وكأنه يتعمد حرمانه من الكرامات التي تنتظره في الحياة الأخرى، ولكنه يسرع ليقتاده بأية وسيلة كانت لطريق الحكمة ويفتح أمام تلك النفس أبواب المصالحة. لأن الذي يتكلف الكثير في عمل الفضيلة هو الخطوة الأولى التي ما أن تتم حتى لا يتبقى بعد ذلك شيء كثير الصعوبة.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

7- ومع أن ربنا يسوع المسيح لم يسلك بهذه الطريقة عندما تكلم عن البتولية أو الصبر في الشدة، فهو يعرض هنالك الملكوت السمائي: "لأنه يوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات" (مت 19: 2)، ولكن عندما دعا للصلاة من أجل الأعداء - لم يذكر شيئًا بخصوص الضرر الذي يلحق بالمسيئين ولم يذكر "جمر النار" وترك هذه الأساليب لتوجيهها لمن هم صغيري النفوس والبؤساء، ولكنه كان يستثير الهمّة للاعتبارات العالية القدر ليجتذب تلاميذه -فماذا قال؟ "لكي تصيروا مشابهين لأبيكم الذي في السموات" (مت 5: 45). انظر إلى عظم المكافأة! فقد كان سامعيه هم بطرس ويعقوب ويوحنا وبقية الرسل! ولهذا السبب فهو يطلب منهم الانجذاب للمكافآت الروحية، وبولس أيضًا يفعل نفس الشيء عندما يكون حديثه لمستمعين مشابهين (لهؤلاء) ولكن إذ يتحدث إلى أهل كورنثوس البعيدين جدًا عن الكمال- فهو يمنحهم للحال ثمار أعمالهم لكي يضعوا كل قلبهم في ممارسة الفضيلة.

 

8- ولهذا السبب أيضًا فإن الله - تعمد ألا يوعد اليهود بملكوت السموات ومنحهم نعمة الخيرات الزمنية، وكثمن لسوء أفعالهم، لم يهددهم بجهنم ولكن بمصائب الزمن الحاضر من أوبئة ومجاعات وأمراض وحروب وسبي وسائر الشرور المماثلة.

لأنه بالنسبة للجسديين، فإن هذا أحسن رادع وأكثر الإنذارات كفاءة، لكن ما هو ليس أمام أعينهم أو ليس في متناول أيديهم، فهذا لا يعيروه أي اهتمام، ولهذا السبب فإن بولس أيضًا أصرّ بالأكثر على محاورات أكثر قدرة على التعامل مع تثاقلهم، ومن ناحية أخرى فهو أراد أن يُظهر إنه بين كل الفضائل ما يتطلب منا جهود عديدة جسدية وتحفظ كل أثمارها لنا في الحياة الأخرى، بينما البتولية تُسدي لنا مكافآت عظيمة في نفس الوقت الذي نمارسها فيه! إذ تنقذنا من عديد من المتاعب والهموم، وزيادة على ذلك فهي تهيئ لنا تعليمًا ثالثًا - كيف؟ إنه لا ينبغي الاعتقاد بأن هذه الفضيلة صعبة المنال، بل في سهولة باقي الفضائل، وهذا ما فعله بأن أظهر لنا أن متاعب الزواج ومشاكله كريهة بما لا يُقارن؟ وكأنه يقول لمحدثه: أهذا الأمر (البتولية) يبدو لك ثقيل ومتعب؟ بالحق فهذا هو بالضبط الذي لأجله بحسب إدراكي أترجى ضرورة قبولها، لأن سهولتها تتمثل في أنها تسبب لنا ضيقات ومتاعب أقل بكثير جدًا من تلك التي للزواج، ولهذا فهو قال إنه يطلب أن يجنبكم ويمنع عنكم هذه الضيقات أكثر من كونه يريدكم أن تتخلوا عن الزواج.

 

9- من المحتمل أن يقال لي: ولكن أي ضيقات؟ فعلى العكس تمامًا فنحن نجد في الزواج كثير من العذوبة والبهجة، فأولًا نحن نستطيع بكل حرية أن نشبع شهوتنا دون أن نقاوم الحروب الشرسة للطبيعة (الجسدية) والعلاقات الزيجية للزواج ستخفف من ثقل الحياة، ومن ثمَّ فإن الحياة ستجري في حمى من الحزن والغم القاسي وتفيض بالمسرة والضحك والفرح والموائد الفاخرة والملابس الناعمة مع فراش أكثر طراوة وأيضًا حمامات لا تنتهي وعطور وخمور ممتازة وآلاف الأشكال الأخرى من أوجه الإنفاق والخدمات التي توّلد للجسد آلاف البهجات والمسرات.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/john-chrysostom-virginity/from-pleasures-to-repentance.html

تقصير الرابط:
tak.la/wzwb4zp