St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   bible-history-edersheim-2
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تاريخ العهد القديم للعلامة ألفريد إدرشيم: الجزء الثاني: الخروج والتيه في البرية - القمص أنجيلوس المقاري

20- الفصل العشرون: تجمع إسرائيل ثانية في قادش - خطية موسى وهارون - بعثة إلى أدوم - موت هارون - انسحاب إسرائيل من حدود أدوم - هجوم ملك عراد الكنعاني (عد20؛ 21: 1-3)

 

الفصل العشرون

تجمع إسرائيل ثانية في قادش - خطية موسى وهارون - بعثة إلى أدوم - موت هارون - انسحاب إسرائيل من حدود أدوم - هجوم ملك عراد الكنعاني (عد20؛ 21: 1-3)

 

في الواقع كان من المناسب جدًا أنه في نهاية السنوات السبع والثلاثين أن يتجمع بني إسرائيل في قادش مرة ثانية. هناك هم تناثروا عند الخبر السيئ الذي جلبه الجواسيس وقادهم إلى عدم الإيمان والعصيان، ومن هناك حمل الجيل القديم كما لو كان حكم الموت الصادر ضده بالعودة إلى البرية حتى فني أثناء تلك السنوات الطويلة والمملة.

والآن كان جيل جديد مرة ثانية في قادش. ومن تلك البقعة حيث انكسر الجيل القديم كان للبداية الجديدة أن تُعمل. لو كان الجيل القديم قد تعوق وفشل فهذا كان يرجع لعدم إيمان الإنسان وعصيانه وليس لقصور من جانب الله، وعندما استأنف الله عمله، كان بالضبط من حيث انكسر الجيل السابق وفقد أهليته. وعلى الإنسان أيضًا الرجوع إلى حيث حاد عن الله وإلى حيث الحكم صدر ضده، قبل أن يدخل رحلته الجديدة إلى أرض الموعد.

لكن أية أفكار مهيبة قد لا يمكن توقعها في هذا الجيل عندما كانوا واقفين مستعدين مرة أخرى لأن يستأنفوا مسيرتهم ورحلتهم من ذات البقعة التي عندها توقف آبائهم. فكما قدس اسمه في قادش بالقصاص، فهل هم سيقدسونه بإيمانهم وطاعتهم التلقائية؟ بجانب يشوع وكالب اللذين نالا وعدًا خاصًا بالدخول إلى الأرض، فقط ثلاثة من الجيل القديم لا يزالوا أحياء. أولئك كانوا مريم وموسى وهارون.

والآن بالضبط مع بدء هذه البداية الجديدة، كما لو كانت تذكرهم بالماضي، مريم التي قادت ترنيمة الشكر والانتصار عند أول دخولهم إلى البرية (خر 15: 21)، قد فاضت روحها وماتت. بقي الآن موسى وهارون فقط وهما نزيلين وغريبين مُنهكين ومُتعبين ليبدأ رحلة جديدة مع غرباء جدد كان لهم أن يتعلموا من جديد معاملات الله.

وهذا يمكن أن يساعدنا على فهم ما حدث في بداية رحلتهم. كان إسرائيل في قادش أو بالأحرى في صحراء صين، واسم قادش ربما يُطبق على المنطقة كلها كما أيضًا على أماكن خاصة في نطاقها. كان هائلًا جدًا عدد الشعب المتجمع في موضع واحد حتى أنه كان من الطبيعي أن يعاني سريعًا من الاحتياج للماء: "َلمْ يَكُنْ مَاءٌ لِلجَمَاعَة" (عد 20: 2). ليتنا نتذكر أيضًا أن ذلك الجيل عرف عجائب الرب أساسًا بسمع الأذن، لكن عن أحكام قصاصه فقد رأوها بالموت الذي اكتسح كل من خرجوا من مصر.

وفي صلابة قلوبهم (ورقابهم) بدا الأمر لهم الآن كما لو أن المستقبل أمامهم ميئوس منه وقد تعيّن لهم أن يكابدوا نفس المصير كما آبائهم. شيء من هذا اليأس وعدم الإيمان يظهر في صرختهم: "ليْتَنَا فَنِينَا فَنَاءَ إِخْوَتِنَا أَمَامَ الرَّب" (عد 20: 3)، أي متنا بمقتضى القصاص الإلهي أثناء سنوات التيه هذه.

تذكر الماضي بكل إحباطاته يبدو أنه عبّر عن نفسه في شكواهم (عد 20: 5). إنه كما لو كانوا قارنوا بقاء أمتهم في مصر والآمال التي استيقظت فيهم عند مغادرتها مع خيبة أمل رؤية الأرض الجيدة التي تكاد في متناول قبضتهم ثم يرجعوا للخلف ليموتوا في البرية!

St-Takla.org Image: The death of Aaron (Numbers 20: 28), by Tissot - from "The Bible and its Story" book, authored by Charles Horne, 1909. صورة في موقع الأنبا تكلا: موت هارون (هرون) (العدد 20: 28)، رسم تيسوت- من كتاب "الإنجيل وقصته"، إصدار تشارلز هورن، 1909 م.

St-Takla.org Image: The death of Aaron (Numbers 20: 28), by Tissot - from "The Bible and its Story" book, authored by Charles Horne, 1909.

صورة في موقع الأنبا تكلا: موت هارون (هرون) (العدد 20: 28)، رسم تيسوت- من كتاب "الإنجيل وقصته"، إصدار تشارلز هورن، 1909 م.

وبهذا انفجر الشعب وبات في حالة عصيان ضد موسى وهارون. ويبدو أن مشاعر شبيهة لمشاعرهم قد استولت حتى على موسى وهارون لكن في اتجاه مختلف. الشعب يأس من النجاح (في دخول أرض الموعد) فقاموا على موسى وهارون. ومعهم كقادة هم لن يقتنوا قط أرض الموعد.

ومن الناحية الأخرى فإن موسى وهارون أيضًا يئسا من النجاح وتمردا كما لو كان على الشعب. فمثل هذا الشعب غير المؤمن والمتمرد من البداية ذاتها لن يُسمح له قط بدخول الأرض. شعر الشعب كما لو أن المستقبل أمامهم بلا أمل ولا رجاء وهكذا فعل موسى وهارون ولو على أسس مختلفة. كما قلنا منذ قليل ثار الشعب على موسى وهارون، وموسى وهارون ثارا على الشعب. لكن خلفية سبب اليأس والعصيان هو بالضبط نفس السبب عند كل من الشعب وموسى.

في كلا الحالتين كان السبب فعليًا هو عدم الإيمان بالله. لقد نظر الشعب إلى موسى وليس إلى الله بكونه قائدهم إلى الأرض وهم يئسوا. وموسى تطلع إلى الشعب كما كانوا في أنفسهم بدلًا من التفكر في الله الذي الآن أرسلهم ليتقدموا، واثقًا في وعده الذي هو يقينًا سوف يحققه. هذا سرعان ما ظهر سريعًا في سلوك ولهجة موسى.

بتوجيه من الله كان له أن يقف -على مرأى من الشعب- عند الصخرة التي أمامهم - ومعه العَصَا مِنْ أَمَامِ الرَّبّ، بدون شك هي نفس العصا التي بها صُنعت العجائب في مصر والتي بضربة منها تفجر الماء من قبل من الصخرة في رفيديم (خر 17: 6).

الاعتقاد العام هو أن خطية موسى والتي شاركه فيها هارون عبارة عن ضربه الصخرة وفعله ذلك مرتين بدلًا من مجرد التكلم إليها فَتُخْرِجُ لهُمْ مَاءً مِنَ الصَّخْرَةِ، وكذلك أيضًا في اللهجة غير اللائقة والمتهورة التي استخدمها في هذه المناسبة: "اسْمَعُوا أَيُّهَا المَرَدَةُ! أَمِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ نُخْرِجُ لكُمْ مَاءً؟»(190).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

لكن يبدو من الصعب قبول وجهة النظر هذه. من ناحية لأنه يكاد لا يمكننا تخيل أن عدم الإيمان له أن يقود موسى لضرب الصخرة بدلًا من التكلم إليها، كما لو أن الضرب سيكون أكثر كفاءة وعملية من التكلم. ومن الناحية الأخرى يبدو من الغريب أن يتم توجيه موسى ليأخذ العصا لو لم يكن له أن يستخدمها، وبالأكثر أن هذه كانت الوسيلة التي قدسها الله في الموقف السابق في رفيديم (خر 17: 6). أخيرًا كيف في تلك الحالة يمكن لهارون أن يتورط في خطية موسى (إذ لم يكن له من دور البتة في الموضوع)؟

بالطبع ضرب الصخرة مرتين، كما نقرأ في (مز 106: 32-33)، يبرهن أنهم ضايقوا موسى وأسخطوه وأنهم أَمَرُّوا رُوحَهُ. هذا أيضًا يبيّن ذاته في لهجته والتي حددها الكتاب هكذا: "فَرَطَ بِشَفَتَيْه" أي تكلم باندفاع وعدم حكمة. لكن من المُلاحظ أن موسى لم يكن محل ملامة في أي موضع في الكتاب لكونه ضرب الصخرة بدلًا من التكلم إليها، بينما يتقرر بصريح العبارة أن الشعب: "أَسْخَطُوهُ عَلَى مَاءِ مَرِيبَةَ حَتَّى تَأَذَّى مُوسَى بِسَبَبِهِم" (مز 106: 32).

الوجه الآخر لخطية موسى ذكره الرب شخصيًا بوضوح فيما بعد عندما أصدر حكمه على موسى وهارون: "لا تُدْخِلانِ هَذِهِ الجَمَاعَةَ إِلى الأَرْضِ التِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا" بناء على هذا السبب: "مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمَا لمْ تُؤْمِنَا بِي حَتَّى تُقَدِّسَانِي أَمَامَ أَعْيُنِ بَنِي إِسْرَائِيل" (عد 20: 12).

لذلك الشعب في عصيانهم وتمردهم على موسى وهارون لم يؤمنوا أن الرب سيأتي بهم إلى الأرض التي وعد أن يعطيها لهم، بينما موسى وهارون في غضبهما من الشعب لم يؤمنا بالله ليقدسوه بقوته ونعمته أَمَامَ أَعْيُنِ بَنِي إِسْرَائِيل. إسرائيل أخفق كشعب لله، وموسى قائدهم أخفق بكونه وسيطهم.

إلى هذا الوقت وتحت كل إسخاط وإثارة من جانب الشعب، كان هو أمينًا كوكيل على المهمة التي كلفه الله بها، فتحاجج مع الله وفاز بما يريد لأنه كان مؤمنًا. أما الآن فللمرة الأولى يخفق موسى -مثلما نخفق جميعًا- بعدم الإيمان إذ تطلع إلى خطية الشعب ومنها استنتج استحالة وراثتهم للمواعيد بدلًا من التطلع إلى نعمة الله وقوته التي تجعل كل شيء ممكنًا، ومن التطلع إلى يقينية الوعد. على عكس إبراهيم في ظروف مشابهة: "هو ارتاب في وعد الله" (انظر رو 4: 20). وإذ قد أخفق كوسيط للشعب بعدم الإيمان، كان لوظيفته أن تتوقف، وقيادة إسرائيل إلى أرض الموعد كان لها أن تؤول لشخص آخر.

فقط بهذا المعنى يمكننا قبول المقولة العامة أن خطية موسى كانت خطية رسمية (مهنية) أكثر منها خطية شخصية. لأن كلا الاثنين -الوظيفة أو العمل والشخص- لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض، سواء من جهة المسئولية أو الواجب.

نحن نفكر بالأولى في موسى وهارون بكونهما نزيلين وغريبين أنهكهما السير طويلًا عبر البرية مع تقرح القدمين من خشونة الأرض وأحجارها، وقد خارت قوتهما عندما كان لهما أن يستأنفا الرحلة المملة مرة أخرى، وفي الإرهاق والضجر الذي حل بهما اصطدما بحجر العثرة.

لكن توجد أحداث قليلة تحوي رثاءًا أعمق من هذه الطياشة وعدم الحكمة التي حدثت عند ماء مريبة. ومقابلها الحقيقي لا يوجد في العهد القديم بل الجديد. حقًا إنه في ظروف شبيهة قد يأس إيليا أيضًا من إسرائيل، وتم توجيهه للمضي إلى جبل الله ليتعلم نفس الدرس مثل موسى، سابقه وهو مثله تم عزله عن وظيفته. لكن النظير التام لتجربة موسى تقدمه لنا رواية يوحنا المعمدان، عندما تشكك ليس في شخص المسيا، بل في أسلوب عمله، ويأس -مما رآه وسمعه- من إتمام الوعد في ذلك الوقت وبين ذلك الجيل، فأرسل تلاميذه في تلك البعثة الشهيرة، وبالضبط كما سابقه هو أيضًا عُزل من وظيفته. ليس هذا هو المكان لنستطرد في الموضوع. يكفي أن نشير من ناحية إلى موسى وإيليا ويوحنا المعمدان، ومن الناحية الأخرى يشوع وأليشع وربنا المبارك يسوع كرمز ومرموز إليه يقدمهم الكتاب المقدس لنا.

قبل مغادرة قادش أَرْسَل مُوسَى رُسُلًا مِنْ قَادِشَ إِلى مَلِكِ أَدُومَ، وأيضًا كما نعلم من (قض 11: 17)، أرسل إلى ملك موآب(191)، والذي أملاكه تقع إلى الشمال من أدوم، طالبًا الأذن بالسماح لإسرائيل أن يجتاز في أراضيهما. وبلمحة سريعة إلى الخريطة سيتبين للمرء أن هذا سيكون أكثر طريق مباشر لو كان لهم أن يدخلوا فلسطين من الجانب الآخر من الأردن مقابل أريحا. يقينًا كان هو أسهل طريق لكونه يتحاشى الاحتكاك بمن يسكنون في النقب أو الريف الجنوبي، والذين قبل سبع وثلاثين سنة قابلوا إسرائيل بعداوة ضارية وهزموهم هزيمة منكرة (عد 14: 44-45).

لكن عبثًا حاول موسى أن يستميل ملك أدوم ويؤثر عليه باللجوء إلى القرابة القومية ولمعاناة إسرائيل السابقة في مصر وخلاصهم العجيب وقيادة ملاك الرب لهم. وباطلًا أيضًا قصر هو طلبه بالسماح بالمرور عبر طريق القوافل العام دون أن يحيدوا يمينًا ولا يسارًا مع تعهد بدفع كل استخدام للآبار (عد 20: 14-17). أما أبناء أدوم فليس فقط رفضوا رفضًا باتًا السماح لهم بالعبور، بل أيضًا جمعوا على وجه السرعة جيشًا لمراقبة وحراسة الحدود. وأثناء ذلك بينما كان رسل موآب قد مضوا في بعثتهم، كانت محلة إسرائيل قد تحركت إلى الأمام إلى ما يمكن أن يُوصف بأنه أقصى حدود أدوم (جبل هور).

مسيرة يوم إلى الشرق من قادش عبر وادي موريا Murreh الواسع، فجأة قام جبل شهير معزول تمامًا وبارز والذي يصفه كانون وليم بكونه متفرد التكوين، وشبهه الراحل الأستاذ روبنسون بقلعة شامخة. اسمه الحاضر موضير يحفظ الاسم الكتابي "موسير"، والذي من مقارنة (عد 20: 22-29 مع تث 10: 6)، نعرف أنه كان مجرد اسم آخر لجبل هور. وفي الحقيقة "جبل هور أو الهور" (جبل أو الجبل) يعني بالضبط "الجبل الشهير".

كان هذا هو الطريق الطبيعي الذي كان لإسرائيل أن تسير فيه لو كانوا يرجون أن يجتازوا أدوم عبر طريق الملك -وحاليًا هو وادي الغوير Ghuweir- والذي سيقودهم عبر طريق موآب بسهولة ومباشرة إلى الجانب الآخر من الأردن. كان من الطبيعي لهم أن يتوقفوا هنا وينتظروا رد ملك أدوم. لأنه بينما كانت موضير تقع على حدودهم بالضبط، لكنها لا تزال خارج أدوم وهي أيضًا عند المدخل المؤدي إلى مختلف الوديان والطرق، والتي منها مفتوح الشرق، الجنوب والجنوب الغربي حتى أنه كان يمكن لبني إسرائيل أن يتخذوا أي طريق بحسب ما تمليه عليهم الظروف.

علاوة على ذلك يمكنهم من قمة جبل موضير أن يلمحوا أي تحرك معادي يمكن أن يكون موجه ضدهم سواء من أدوم في الشرق أو من الشمال والغرب من قبل عماليق والكنعانيين. مما قيل سنخرج بنتيجة أننا نعتبر هذا بكونه جبل هور حيث مات هارون(192). هكذا سريعًا في خلال مسيرة يوم من موضع خطيته، كان للحكم الإلهي الذي صدر ضد هارون أن يُنفذ. يوجد جلال مهيب بخصوص هذه الرواية، يلائم المناسبة ويتوافق مع الموضع. فعلى مرأى من كل الجماعة صعد أولئك الثلاثة موسى وهارون وألعازر إلى الجبل.

سار هارون بكامل ملابسه الكهنوتية إلى موضع دفنه. هو عرف وكذلك عرف كل من كانوا في المحلة والذين الآن للمرة الأخيرة يتطلعون بصمت ووقار للشخص الجليل، لمن خدمهم في المقدسات طوال هذه السنوات الأربعين(193). لم يكن هناك حفل وداع. في ذلك الكهنوت الرمزي كل شيء يعتمد على الاستمرارية المتواصلة للوظيفة وليس على الشخص. ولذا على قمة ذلك الجبل خلع هارون أولًا ملابسه الكهنوتية وتقلدها رسميًا أبنه ألعازار.

هكذا لم يتوقف الكهنوت لحظة بموت هارون. آنذاك انضم هارون إلى قومه ليس ككاهن بل ببساطة كواحد من إسرائيل الله. لكن عما دار بين الثلاثة على الجبل أسدلت يد الله ستارًا من الصمت عليه. وهكذا الكاهن الجديد ألعازار نزل من المشهد المهيب على جبل هور ليخدم وسط جماعة أصابها الرعب والسكون. "فَلمَّا رَأَى كُلُّ الجَمَاعَةِ أَنَّ هَارُونَ قَدْ مَاتَ بَكَى جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيل عَلى هَارُونَ ثَلاثِينَ يَوْمًا" (عد 20: 29).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

أخبار خطيرة كانت آنذاك مدخرة لإسرائيل. عاد الرسل من أدوم ويحملون معهم رفض قاطع لطلب العبور عبر أرضهم. ليس فقط هذا بل أيضًا جيشًا كبيرًا لأدوم كان ينتظر على الحدود بالقرب من محلة إسرائيل. لو بناء على أمر إلهي لا ينبغي مهاجمة أدوم، إذًا يلزم لإسرائيل أن ينسحب بسرعة. والمسار العادي من جبل هور هو أن "ِيَدُورُوا بِأَرْضِ أَدُومَ" (عد 21: 4)، لكي يتقدموا إلى الشمال على الجانب الشرقي من أدوم والذي سيقود إسرائيل مباشرة إلى وادي الغائب Wady El-Jeib وهكذا عبر الجزء الشمالي من العربة.

لكن هذا الطريق حاذى الحدود الغربية لأدوم بالضبط -كما نستنتج من الرواية الكتابية- حيث تجمعت كتائب جيش أدوم. ولتحاشيهم صار من الضروري في المقام الأول أن يرجعوا بخطواتهم ثانية عبر جزء من وادي موريا Wady Murreh لكي من هناك يتخذوا اتجاه جنوب شرقي عبر ما نعرفه الآن بجبال العزيزيميه Azazimeh، المقاطعة القديمة لتيمان أو جبل فاران.

بهذا الدوران سيخترق إسرائيل العربة بعيدًا جدًا عن الجنوب حيث كان جيش أدوم ينتظرهم، مجتازين وديان الجدجود الحديثة وأدبيه Adbeh. ونحن في الواقع نتعلم من (تث 10: 7) أن جدجود ويُطبات كانتا محطتان وصل إليهما إسرائيل بعد انسحابه من جبل هور. لكن بالضبط عند النقطة حيث جماعة إسرائيل سيدورون جنوبًا من وادي موريا، كانوا تقريبًا أيضًا على خط مستقيم أمام منطقة ملك عراد. بالطبع سيتم إخباره أنه رُفض طلب إسرائيل بالعبور في أرض أدوم وإذ وجدهم بجانب أرضه، من الطبيعي أنه يتخيل أنهم ينوون غزو أرضه. لمَّا سَمِعَ الكَنْعَانِيُّ مَلِكُ عَرَادَ(194) السَّاكِنُ فِي الجَنُوبِ أَنَّ إِسْرَائِيل جَاءَ فِي طَرِيقِ أَتَارِيمَ حَارَبَ إِسْرَائِيل وَسَبَى مِنْهُمْ سَبْيًا، ربما سقطوا من مؤخرتهم.

ذُكر الحدث لهذا السبب المضاعف: لإظهار عداوة كنعان الشديدة لإسرائيل وأمانة الله. لأن إسرائيل في ذلك الوقت نَذَرَ نَذْرًا لِلرَّبِّ وَقَال: «إِنْ دَفَعْتَ هَؤُلاءِ القَوْمَ إِلى يَدِي أُحَرِّمُ مُدُنَهُمْ». فَسَمِعَ الرَّبُّ لِقَوْلِ إِسْرَائِيل وَدَفَعَ الكَنْعَانِيِّينَ فَحَرَّمُوهُمْ وَمُدُنَهُمْ. وفيما بعد بسنوات كثيرة أعطى النصر الذي تم الصلاة لأجله عندما اسم حُرمة (قض 1: 17) أو إفناء كلي وتام - أُعطي كسبق نبوي لأمانة الله صار حقيقة واقعة(195).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(190) الربي العظيم ومفسر الكتاب راشي علل ضرب موسى الصخرة مرتين بالافتراض أن موسى مضى إلى الصخرة الخطأ عندما عن الضربة الأولى نزلت فقط قطرات ماء، لكن عند ضرب الثانية فاض ماء غزير. وهو اعتبر أن خطية موسى تكمن في ضربه الصخرة بدلًا من التكلم إليها، حيث أن الشعب في الحالة الأخيرة سيتحاجج مع نفسه قائلًا: لو أن الصخرة التي لا تتكلم ولا تسمع ولا تحتاج لطعام تطيع صوت الله، فكم بالأولى نحن مُلزمين أن نتصرف هكذا. أما ترجوم أورشليم فيقول إنه عند الضربة الأولى خرج دم من الصخرة.

(191) لم يتم ذكر إجابة ملك موآب في الكتاب، لأنه بعد رفض أدوم حتى سماحه بالمرور لن يكون مُجديًا لأن الطريق إلى موآب يقع عبر أدوم.

(192) الموقع التقليدي لجبل هور هو جبل هارون القريب من بترا عاصمة أدوم. قبول هذا يعني في الحال رفض الافتراض الضمني أن إسرائيل طلبت السماح لها بالاجتياز عبر أدوم، وبعد ذلك بدون الانتظار للرد، ساروا إلى قلب أدوم وعسكروا لمدة ثلاثين يومًا بالقرب من عاصمتها! علاوة على ذلك من العسير أن نفهم ماذا كان هدف مسيرهم إلى أقصى الجنوب، لو كان إسرائيل يأمل -مثلما كانوا يأملون فعلًا في ذلك الوقت- أن يسيروا عبر الوادي الأقرب عمليًا، الطريق الذي قادهم شمالًا عبر أدوم وموآب إلى مخاوض الأردن. في تلك الحالة سيكون جبل هارون بعيدًا جدًا من طريقهم. أخيرًا من المستحيل ترتيب التتابع التاريخي للأحداث مثلما أوردها الكتاب المقدس سوى على الافتراض بأن موضير كانت جبل هور. لأنه لو كانت محلة إسرائيل بالقرب من بترا لا يمكن أن يوجد ما يبرر ملك عراد أن يخشى اقتحامهم لأرضه في طريقهم (عد 21: 1)، بل إنه يبدو من غير المرجح جدًا أنه له أن يسير إلى أقصى الجنوب الشرقي ليصل إلى بترا لمهاجمة إسرائيل. بناء على ذلك المفسرون الذين يعتبرون جبل هارون بكونه جبل هارون مُجبرون على الافتراض أن هجوم ملك عراد قد حدث في وقت مبكر، أي في الوقت الذي يشير إليه (عد 20: 22). بل في تلك الحالة من العسير لنا أن نتخيل كيف أن الملك سمع أن إسرائيل، جاء "في طريق أتاريم" (عد 21: 1)، وهو طريق الجواسيس (انظر عد 13: 21-22)، إذ رأى أنهم اتخذوا بالضبط الاتجاه المعاكس وقد طلبوا منذ قليل السماح بأن يجتازوا عبر أدوم. مقابل كل هذه الأسباب الوجيهة جدًا لدينا فقط سلطان التقليد في صالح جبل هارون. من الناحية الأخرى يصير كل شيء واضح وسهل فهمه لو اعتبرنا موضير بكونها جبل هور، والرواية كلها في تتابعها التاريخي في الكتاب هي بالضبط ما كان يجب لنا أن نتوقعه. القارئ الذي سيرغب في معرفة المزيد من المعلومات نحيله إلى الكتاب الرائع للراحل الموقر إي والتون  E. Wiltonفي كتابه The Negeb, or South Country of Scripture صفحة 126-134 وإلى الخريطة الممتازة الملحقة به.

(193) بحسب (عد 33: 37 إلخ.) مات هارون في اليوم الأول من الشهر الخامس للسنة الأربعين بعد الخروج وفي عمر 123 سنة.

(194) عراد هي تل عراد الحديثة وتبعد حوالي عشرين ميل إلى الجنوب من حبرون. تلتصق الأسماء بالمناطق بشدة في الشرق.

(195) يظن بعض الشراح أنه تحقق حتى في أول انتصار عظيم أحرزه بني إسرائيل على الكنعانيين. لكن الافتراض يتعارض على السواء مع الرواية ومع أجزاء أخرى من الكتاب.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/bible-history-edersheim-2/kadesh.html

تقصير الرابط:
tak.la/fjvh583