St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   basil-baptism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب المعمودية: للقديس باسيليوس الكبير - القمص أنجيلوس المقاري

14- الفصل الثامن: هل تنفيذ الوصايا مقبول عند الله إن كان إتمامها يتعارض مع أحد وصايا الله؟

 

محتويات: (إظهار/إخفاء)

التعدي المختص بالمكان
التعدي بالنسبة للشخص
التعدي بالنسبة للأشياء
التعدي بخصوص المعيار
التعدي بخصوص الترتيب
التعدي بالنسبة إلى الدوافع الداخلية
الخاتمة

1- عن هذه المسألة نجد تعليمًا واضحًا في صيغة قانون صالح لكل حالة من هذا النوع في العهد القديم، وهو تصريح خارج من فم الله وفيه يقول "إن أحسنت (في تقديم ذبيحتك) أفلا رفع؟ وإن لم تُحسن فعند الباب خطية رابضة وإليك اشتياقها وأنت (لديك القدرة لأن) تسود عليها" (تك 4: 7). وبذلك ليس فقط الذبيحة التي تُقدّم بطريقة مخالفة للأصول لا يمكن أن تُقبل بل أيضًا ستُحسب عليك خطية إن قدمتها بهذه الطريقة الخاطئة. كذلك يمكننا أن نتعلم من الرسول قانونًا لا يحيد عن التقوى قابل للتطبيق في كل حالة بصفة عامة، ولنأخذ كمثال قوله عن أحد الأمور البشرية والذي يقول فيه "إن كان أحد يجاهد لا يُكلل إن لم يجاهد قانونيًا" (2تي 2: 5). ومن الممكن أيضًا وبمخافة عظيمة أن نستعيد إلى الذاكرة كلمة ربنا يسوع المسيح نفسه الذي أسس هذه القاعدة بقوله "طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا" (مت 24: 46)، وهو يقصد بكلمة "هكذا" أن من لا يتصرف بمثل هذه الطريقة يكون مُستبعدًا من التطويب. ويمكننا أن نفهم هذا تمامًا وعن يقين تام بحسب عدد كبير من الأحداث والأقوال في العهد القديم والجديد والذي لا يتصرف هكذا يقصد به التصرف غير اللائق سواء من ناحية المكان أو التوقيت أو الشخص أو الطقس (النظام والترتيب) أو الدوافع الداخلية.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

التعدي المختص بالمكان

2- من أجل أن نعالج هذه المسألة لننظر أولًا إلى التعدي المنسوب إلى المكان. نحن نعلم أن الرسول قد استخدم الأمور المعتاد عليها ليشرح بطريقة أكثر وضوحًا ما يناسب التقوى ويعين سامعيه (على الفهم بسهولة)، وقد قال "إن الطبيعة نفسها تعلّمكم أن الرجل إن كان يرخي شعره فهو عيب له، وأما المرأة إن كانت ترخي شعرها فهو مجد لها أن تفعل هكذا" (1كو 11: 14-15).

سيصير من المنطقي بعد كل هذا لنا أيضًا أن نستفيد من الترتيبات المقامة في الطبيعة لمتطلبات حياتنا. لذلك فإن الأكل والشرب يعضدان الحياة، لكن أي إنسان عاقل يقبل الأكل والشرب في مكان عام؟ من يقبل أن يلقي البذار على الصخر أو على البحر لكي يفقدها وفي نفس الوقت يفقد الثمار المنتظرة منها؟ وبذلك يمكننا أن نجد أعمالًا كثيرة يكون في تنفيذها انتهاك للمكان وتكون مهلكة أو محل دينونة. لكن لنتذكر أيضًا كلمات الرسول القائلة "هذه الأمور جميعها أصابتهم مثالًا وكتُبت لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور" (1كو 10: 11). ولنرى فيما يختص بالأعمال التي رتبها الله من جهة حياة التقوى هل لها إطار لا يمكن تجاهله أم أن لها أيضًا شيئًا مشتركًا بينها (من جهة مكان إتمامها). فبعض الأعمال كان مقررًا لها أن تتم في أورشليم والذين عبثًا يؤدونها في موضع آخر يعملون بهذا على هلاك نفوسهم، بل أن بعض الأعمال الأخرى كانت مرتبطة جدًا بموضع معين، ففي كل من الهيكل والمذبح (بأورشليم) كانت تتم بعض الطقوس المرتبطة بالخدمة الإلهية، وهي مختلفة عن تلك الأعمال المرتبطة بأورشليم (كمدينة) أو مواضع أخرى. ولم يكن أحد يجرؤ على أداء أعمال مرتبطة بالهيكل والمذبح في مواضع أخرى من أورشليم، ولا الأعمال المحددة لمواضع أخرى كان يُسمح بها أيضًا في الهيكل.

وبالنسبة لنا يوجد أيضًا خطورة كامنة في تنفيذ الوصية في موضع غير لائق خصوصًا إذا كان الأمر يتعلق بتقديس الأسرار الكهنوتية في مواضع دنسة، لأن مثل هذا الفعل يدل على احتقار من يمارسه لكرامة وهيبة السر، فضلًا عن ذلك فإنه سيُعثر الكثيرين بطرق مختلفة فيؤثر على البعض بطريقة والبعض الآخر بطريقة أخرى، لأنه إن كان الناس عمومًا ضعفاء في المعرفة، فهم ضعفاء بدرجات متفاوتة (1كو 8: 7-12).

 

St-Takla.org Image: Moses Receives the Ten Commandments - Moses Receiving the Law (Exodus 31:18) - from "The Book of Books in Pictures", Julius Schnorr von Carolsfeld, Verlag von Georg Wigand, Liepzig: 1908. صورة في موقع الأنبا تكلا: موسى النبي يتلقى الوصايا العشر (الشريعة) (خروج 31: 18) - من كتاب "كتاب الكتب بالصور"، جوليوس شنور فون كارولسفيلد، فيرلاج فون جورج ويجاند، ليبزيج، 1908 م.

St-Takla.org Image: Moses Receives the Ten Commandments - Moses Receiving the Law (Exodus 31:18) - from "The Book of Books in Pictures", Julius Schnorr von Carolsfeld, Verlag von Georg Wigand, Liepzig: 1908.

صورة في موقع الأنبا تكلا: موسى النبي يتلقى الوصايا العشر (الشريعة) (خروج 31: 18) - من كتاب "كتاب الكتب بالصور"، جوليوس شنور فون كارولسفيلد، فيرلاج فون جورج ويجاند، ليبزيج، 1908 م.

3- لكن ربما يتساءل أحدكم لماذا إذن أعلن الرسول قائلًا "أريد أن يصلي الرجال في كل مكان" (1تي 2: 8)؟ بالتأكيد أن الرب يعطي السماح لممارسة الصلاة في كل موضع بقوله "تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب" (يو 4: 21).

وهوذا الإجابة التي يمكن أن تُقدم: إن كلمة "كل" لا تنطوي على الأماكن المخصصة للاستخدامات المألوفة أو النشاطات والأعمال القبيحة، بل تقصد كل الأماكن بدءً من حدود أورشليم إلى كل موضع مأهول في العالم والتي يُشترط فيها أن يكون قد تم تكريسها -بصورة واضحة وبحسب نبوة التقدمة (ملا 1: 1)- باعتناء لكي تتم فيها الطقوس المقدسة للسر العظيم.

وفي الواقع ليست هذه بحجة كوننا سمعنا من النبي هذه الكلمة القائلة "أما أنتم فتدعون كهنة الرب" (إش 61: 6)، لكي ندّعي لأنفسنا السلطان لممارسة مثل هذه الخدمة الكهنوتية أو الليتورجية، وليس حجة لأن يدّعي المرء لنفسه النعمة المعطاة لآخر، بل ليبقى كل مؤمن في حدود العطية الممنوحة له من الله كما علّمنا الرسول. ومن ناحية أخرى فإنه يوّجه كلامه إلى الجميع قائلًا "فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ. وَلاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ" (رو 12: 1-2). ومن ناحية أخرى فإنه يخاطب كل واحد على حده ويحدد بوضوح الخدمة التي تناسب كل مؤمن ويمنعه من الاقتراب من الخدمة التي ليست له فيقول "فَإِنِّي أَقُولُ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَيْنَكُمْ: أَنْ لاَ يَرْتَئِيَ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَئِيَ بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى التَّعَقُّلِ كَمَا قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَارًا مِنَ الإِيمَانِ" (رو 12: 3). أضف إلى ذلك أنه يستلهم من الترتيب الحسن الذي يثبّت أجزاء جسمنا لتتآلف على بعضها البعض لتضمن لنا أمنًا ومظهرًا حسنًا، فهو -أي الرسول- يقيم بيننا الترتيب الحسن الذي يُسرّ الله في محبة يسوع المسيح والذي ينطبق على علاقاتنا ببعضنا البعض في مختلف مواهبنا فيقول "فَإِنَّهُ كَمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ لَنَا أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ وَلَكِنْ لَيْسَ جَمِيعُ الأَعْضَاءِ لَهَا عَمَلٌ وَاحِدٌ. هَكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ وَأَعْضَاءٌ بَعْضًا لِبَعْضٍ كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ. وَلَكِنْ لَنَا مَوَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ النِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَنَا: أَنُبُوَّةٌ فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الإِيمَانِ. أَمْ خِدْمَةٌ فَفِي الْخِدْمَةِ أَمِ الْمُعَلِّمُ فَفِي التَّعْلِيمِ" (رو 12: 4-7).

 

4- إن كان الذين يسعون سويًا نحو نفس الهدف الذي هو إرضاء الله والذين هم مرتبطون ارتباطًا وثيقًا مع بعضهم البعض غير مسموح لهم أن يتجاوزوا حدود مواهبهم، أفلا ينبغي لنا بالأولى أن نبذل قصارى جهدنا في أن نعزل عن الأماكن المقدسة كل ما من شأنه أن يُستخدم في ممارسة غريبة ومضادة للقداسة؟

ينبغي لنا أن نتعلم -من كل اقتباسات الكتاب المقدس والإثباتات الأخرى من هذا النوع وبالأمثلة التي أُعطيت أعلاه- أن العمل الذي يتم في موضع غير مناسب، له تأثير مضاد لما هو مقرر له أصلًا.

بالنسبة للتعدي المختص بالتوقيت يمكننا أن نسمع كلمات ربنا يسوع المسيح نفسه والتي تقول: "حِينَئِذٍ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ عَشْرَ عَذَارَى أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَخَرَجْنَ لِلِقَاءِ الْعَرِيسِ. وَكَانَ خَمْسٌ مِنْهُنَّ حَكِيمَاتٍ وَخَمْسٌ جَاهِلاَتٍ. أَمَّا الْجَاهِلاَتُ فَأَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَلَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتًا. وَأَمَّا الْحَكِيمَاتُ فَأَخَذْنَ زَيْتًا فِي آنِيَتِهِنَّ مَعَ مَصَابِيحِهِنَّ. وَفِيمَا أَبْطَأَ الْعَرِيسُ نَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ وَنِمْنَ. فَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ صَارَ صُرَاخٌ: هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ! فَقَامَتْ جَمِيعُ أُولَئِكَ الْعَذَارَى وَأَصْلَحْنَ مَصَابِيحَهُنَّ. فَقَالَتِ الْجَاهِلاَتُ لِلْحَكِيمَاتِ: أَعْطِينَنَا مِنْ زَيْتِكُنَّ فَإِنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئُ. فَأَجَابَتِ الْحَكِيمَاتُ: لَعَلَّهُ لاَ يَكْفِي لَنَا وَلَكُنَّ بَلِ اذْهَبْنَ إِلَى الْبَاعَةِ وَابْتَعْنَ لَكُنَّ. وَفِيمَا هُنَّ ذَاهِبَاتٌ لِيَبْتَعْنَ جَاءَ الْعَرِيسُ وَالْمُسْتَعِدَّاتُ دَخَلْنَ مَعَهُ إِلَى الْعُرْسِ وَأُغْلِقَ الْبَابُ. أَخِيرًا جَاءَتْ بَقِيَّةُ الْعَذَارَى أَيْضًا قَائِلاَتٍ: يَا سَيِّدُ يَا سَيِّدُ افْتَحْ لَنَا. فَأَجَابَ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ: إِنِّي مَا أَعْرِفُكُنَّ. فَاسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلاَ السَّاعَةَ (الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ)" (مت 25: 1-13).

 

5- والآن حيث أنني أدرك أن التعليم المختص بهذا الأمر يجلب قوة أعظم واقتناعًا أكثر عندما يُشرح بتكرار وبطريقة مؤثرة، لذلك سأضيف اقتباسًا على نفس الموضوع من موضع آخر فيه الرب نفسه يقول "إن كثيرين سيطلبون أن يدخلوا ولا يقدرون. من بعدما يكون رب البيت قد قام وأغلق الباب وابتدأتم تقفون خارجًا وتقرعون الباب قائلين يا رب يا رب افتح لنا يجيب ويقول لكم لا أعرفكم من أين أنتم" (لو 13: 24-25). "لذلك أقول لكم كونوا أنتم مستعدين لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان" (مت 24: 44). وتوجد نصوص عديدة بها نفس التوصية.

ومن ناحية أخرى إن كان يجب أن نستدعي أيضًا شهادة الرسول (بولس)، فلنسمعه وهو يسترجع كلمة النبي القائلة "في وقت مقبول سمعتك وفي يوم خلاص أعنتك" (2كو 6: 2)، ثم يضيف الرسول من عنده هذه الكلمات "هوذا الآن وقت مقبول. هوذا الآن يوم خلاص" (2كو 6: 2)، ولنسمعه يقول لنا أيضًا "فإذًا حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع ولاسيما لأهل الإيمان" (غلا 6: 10). وإن كان يلزم أيضًا شهادة أخرى فلنقتبس لداود الذي قال "لهذا يصلي لك كل تقي في وقت (مناسب) يجدك فيه" (مز 32: 6)، ونقتبس لسليمان الذي نطق بهذا المبدأ المختص بالوقت وقال "صنع الكل حسنًا في وقته" (جا 3: 11).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

التعدي بالنسبة للشخص

6- لنعبر الآن إلى التعدي المختص بالشخص. إن العهد القديم يعلّمنا عن هذا الموضوع عن طريق قصة قورح ورفاقه الذين تجرأوا للتقدم إلى الكهنوت دون أن تُمنح لهم هذه الكرامة فسقطوا تحت غضب إلهي مريع سلّمهم للموت ولهلاك مخيف جدًا (انظر عد 16: 1-35)، ومن ناحية أخرى فإن الرب نفسه علّمنا أن نأخذ حذرنا من هذا التعدي بقوله لتلاميذه "لم أُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (مت 15: 24)، وقوله للمرأة (الكنعانية) "ليس حسنًا أن يؤخذ خبز البنين ويُطرح للكلاب" (مت 15: 26).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

التعدي بالنسبة للأشياء

وأيضًا في العهد القديم نجد مثالًا لعمل تم تأديته بطريقة غير مناسبة من جهة المادة المعنية، فمع أنه كان قد تم إعطاء وصية بأن تُقدم ذبيحة طاهرة سليمة وبلا عيب. إلا أن التقدمة لم تُقدم بهذه الشروط، وبخصوص الذبيحة التي من هذا النوع قال الله عنها "قرّبه لواليك أفيرضى عليك أو يرفع وجهك؟" ملا 1: 8). وإن نظرنا أيضًا إلى العهد الجديد نجد أن ربنا يسوع المسيح نفسه ذكر نبوة إشعياء ضد اليهود بقوله لهم: "حَسَنًا تَنَبَّأَ إِشَعْيَاءُ عَنْكُمْ أَنْتُمُ الْمُرَائِينَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: هَذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا. وَبَاطِلًا يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ" (مر 7: 6-7). ومن ناحية أخرى فإن الرسول الذي سبق وشهد لصالح ضمير اليهود، إلا أنه مع ذلك دانهم لأن سلوكهم في البر (وغيرتهم لله) لم يكن على الطريق الصحيح وهوذا ما كتبه "لأَنِّي أَشْهَدُ لَهُمْ أَنَّ لَهُمْ غَيْرَةً لِلَّهِ وَلَكِنْ لَيْسَ حَسَبَ الْمَعْرِفَةِ. لأَنَّهُمْ إِذْ كَانُوا يَجْهَلُونَ بِرَّ اللهِ وَيَطْلُبُونَ أَنْ يُثْبِتُوا بِرَّ أَنْفُسِهِمْ لَمْ يُخْضَعُوا لِبِرِّ اللهِ" (رو 10: 2-3). لهذا السبب فإن الرسول باهتمام خالص ليرضي الله، وبعد أن عدّد الأعمال البارة الفائقة التي أتمها بحسب الناموس واصل كلامه فقال "بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ. وَأُوجَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ لِي بِرِّي الَّذِي مِنَ النَّامُوسِ، بَلِ الَّذِي بِإِيمَانِ الْمَسِيحِ، الْبِرُّ الَّذِي مِنَ اللهِ بِالإِيمَانِ. لأَعْرِفَهُ" (في 3: 8-10). وبهذه الكلمات وكلمات شبيهة يعلّمنا الرسول أن نحتاط جدًا بعدم إقحامنا للبرّ البشري في قانون (برّ) ربنا يسوع المسيح الذي هو محل رضى الله.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

التعدي بخصوص المعيار

7- بخصوص التعدي المختص بالمعيار، فإنني اعتقد أنه يكفي أن نقتبس كلمات ربنا يسوع المسيح. فمن أجل أن يشير إلى الفرق بين مقدار المحبة في العهد القديم والتي يحددها الكتاب بقوله "تحب قريبك كنفسك" (لا 19: 18)، أعلن الرب "وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم" (يو 13: 34). "ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو 15: 13). وبصفة عمومية ولكل أعمال البرّ المشابهة يمكننا أن نتعلّم من الرب نفسه الذي ثبّت بنفسه هذا المعيار إذ قال "إن لم يزد برّكم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات" (مت 5: 20).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

التعدي بخصوص الترتيب

يوجد تعدي في ترتيب وتتابع الأشياء عندما يضع الإنسان الأمر الذي له الأولوية في الموضع الثاني أو الثالث، وكذلك عندما تُمنح الأولوية لأشياء محلها الموضع الثالث في الترتيب. فلمُحدثه الذي أجاب بقوله "هذه كلها حفظتها منذ حداثتي" (مر 10: 20)، أمره الرب قائلًا "اذهب بع كل ما لك وأعط الفقراء وتعال اتبعني حاملًا الصليب" (مر 10: 21).

إنه سيكون إخلال بالترتيب أن الشخص الذي لم ينفذ شيئًا مما سبق يُسمح له أن ينفذها ما أتى بعد ذلك فيقال له "اتبعني" وكذلك عندما قال الرب أيضًا "إن كان أحد يأتي إليّ فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (مت 16: 24). فإن وضعنا ترتيب التبعية قبل الترتيبات السابقة فهذا إخلال بالترتيب، وكذلك أيضًا فإن الرب عقب تعليمه المطّول للجمع أضاف هذه الخاتمة "كذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لي تلميذًا" (لو 14: 33). فإن ظن المرء نفسه تلميذًا قبل أن يحفظ التعاليم المعطاة أولًا فهو بهذا يُخلّ بالترتيب وهوذا لهذا السبب، يلزمنا أن نحفظ وصية الرسول القائلة "ليكن كل شيء بلياقة وحسب ترتيب" (1كو 14: 4).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

التعدي بالنسبة إلى الدوافع الداخلية

8- بالنسبة إلى التعدي المختص بالدوافع الداخلية، فلنا مثال من الرب، وذلك لما أعلن بخصوص الذين يصنعون الصدقة أو أي عمل بر آخر عن رغبة حارة في إرضاء الناس (غلا 1: 10)، وبغرض أن يروهم الناس فقال "الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم" (مت 6: 5)، وهو لا يزال بصرامة أكثر يفضح إثم من ينفذون الوصايا لهوى بشري وذلك عندما أوضح أنهم ليس فقط سيفقدون مكافآتهم بل أيضًا يستحقون عقوبة إن أتموا الوصية ليس بدافع التقوى بل من أجل إرضاء الناس (غلا 1: 10) أو لأي غرض شهواني أو طمع أو اهتمام زائد بالأشياء... وهذا السلوك وأمثاله يشجبه أيضًا الرسول. والرب نفسه يعلن، وهو يدين بصرامة شديدة مثل هؤلاء الأشخاص فيقول "كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة" (مت 7: 22). "أكلنا قدامك وشربنا وعلّمت في شوارعنا" (لو 13: 26). "فحينئذ أصرّح لهم إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم" (مت 7: 23).

وهكذا كل هذه النصوص ونصوص أخرى شبيهة تُظهر بوضوح أنه حتى لو استغليتم مواهب النعمة حسنًا وأتممتم الوصايا لكن لم تؤدوا هذه الأعمال بالدوافع وللغاية التي وصفها الرب بقوله "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت 5: 16)، وبولس الرسول نفسه المتكلم فيه المسيح (2كو 13: 3) يؤكد (هذه الغاية أيضًا) فيقول "إن كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئًا فافعلوا كل شيء لمجد الله" (1كو 10: 31)، وإلا يصير من الصواب (والشرعية) أن تسمعوا الرد القاسي الذي قاله الرب(38). إن مثل هذا التعليم قد اقتاد الرسول لأن يقول "إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَقَدْ صِرْتُ نُحَاسًا يَطِنُّ أَوْ صَنْجًا يَرِنُّ. وَإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ وَأَعْلَمُ جَمِيعَ الأَسْرَارِ وَكُلَّ عِلْمٍ وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ الإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ الْجِبَالَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلَسْتُ شَيْئًا. وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئًا" (1كو 13: 1-3). وفي موضع آخر يؤكد الرسول بطريقة أكثر شمولية وأكثر قوة فيقول "لو كنت بعد أرضي الناس لم أكن عبدًا للمسيح" (غلا 1: 10).

 

9- وإن طلبتم شهادة أخرى من العهد القديم لكي يطمئن بالكم تمامًا من جهة هذه المسألة، فهوذا موسى يصرّح قائلًا "تحب الرب من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك" (تث 6: 5)، "وتحب قريبك كنفسك" (لا 19: 8)، هذه الكلمات التي عليها علّق الرب وأضاف قوله "بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء" (مت 22: 40)، وعنها أيضًا شهد بولس الرسول بقوله "المحبة هي تكميل الناموس" (رو 13: 10). زيادة على ذلك أن من لم يتمم هاتين الوصيتين وأعمال البرّ الصادرة عنهما ليس فقط لن يظل غير مُعاقب، بل أنه أيضًا سيتعرض للعقوبة الشديدة، وموسى نفسه صرّح بهذه الكلمة "ملعون من لا يقيم كلمات هذا الناموس ليعمل بها" (تث 27: 26)، وداود من جانبه يؤكد "إن راعيت إثمًا في قلبي لا يستمع لي الرب" (مز 66: 18)، وفي موضع آخر يقول أيضًا "هناك خافوا خوفًا ولم يكن خوف لأن الله قد بدد عظام الذين يريدون إرضاء الناس" [(مز 57: 6) بحسب النص].

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الخاتمة

لذلك يلزم مثابرة عظيمة وغيرة ساهرة لكي لا نخرق -بأي طرقة في تنفيذنا للوصية- أحد الشروط السابق ذكرها، الأمر الذي يجعلنا ليس فقط سنفقد مثل هذا الجزاء العظيم والرائع بل أيضًا نتعرض لعقوبات مخيفة جدًا.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(38) "إني لم أعرفكم قط، اذهبوا عني يا فاعلي الإثم" (مت 7: 23).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/basil-baptism/commandments-conflicts.html

تقصير الرابط:
tak.la/cc5w79p