1- متعدي الشريعة هو كل من لا يحفظ تمامًا أو حتى من ينتهك الوصية ولو جزئيًا، لأنه عندما يغيب شيء ولو كان صغيرًا جدًا، فسيوجد الكل في خطر. لأن ما تم معظمه لم يُنجز (كله) بعد. وعلى سبيل المثال أن من كان تقريبًا ميتًا، لم يمت بعد كله بل لا يزال حيًا ومن كان تقريبًا حيًا، ليس هي بحي بل لا يزال (كمن هو) حي. ومن هو على وشك الدخول لم يدخل بعد، مثل الخمس العذارى الجاهلات. وبنفس الطريقة من حفظ الوصية تقريبًا كأنه لم يحفظها بل هو متعدي لها. وبالنسبة للمتعدين حتى لو كانوا من الأقارب، فينبغي أن نطيع الرسول الذي قال في أحد المواضع "إن كان أحد مدعوًا أخًا زانيًا أو طماعًا أو عابد وثن أو شتّامًا أو سكيرًا أو خاطفًا أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا" (1كو 5: 11). وهنا ينبغي أن نلاحظ أنه يُفرز من المخالطة تمامًا ليس الأخ الذي له كل هذه الرذائل مجتمعة، بل الذي يقترف أحدها. إنه لم يقل "هذا الإنسان" بل قال "مثل هذا الإنسان" (1كو 5: 11). وقد أعلن في موضع آخر قائلًا "فَأَمِيتُوا أعْضَاءَكُمُ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ: الزِّنَا، النَّجَاسَةَ، الْهَوَى، الشَّهْوَةَ الرَّدِيَّةَ، الطَّمَعَ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ. الأُمُورَ الَّتِي مِنْ اجْلِهَا يَأْتِي غَضَبُ اللهِ عَلَى أبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ" (كو 3: 5-6). وأضاف بطريقة عمومية "على أبناء المعصية" (كو 3: 6). ولا تكونوا شركاءهم (أف 5: 7)، وقال أيضًا "تجبنوا كل أخ يسلك بلا ترتيب وليس حسب التعليم الذي أخذه منا" (2تس 3: 6)، ونفس هذا الأمر يذكره في أماكن عديدة.
2- لكي نعرف بوضوح ما المقصود بعبارة "عدم الاشتراك في الأعمال غير المثمرة" لنفحص أولًا أي أعمال تنطبق عليها صفة "غير المثمرة" فهل هي فقط الأعمال الممنوعة أم أيضًا تلك الأعمال الممدوحة لكن لا تؤدى بدوافع حسنة؟ وهكذا في العهد القديم نجد أن النبي قال عن القديسين مستخدمًا الشجرة كمثال "تعطي ثمارها في حينه" (مز 1: 3)، وسليمان يؤكد "عمل الصديق للحياة. ربح الشرير للخطية" (أم 10: 16)، وهوشع يصرّح "أزرعوا لأنفسكم للبر، اجمعوا ثمرة الحياة" [(هو 10: 12) بحسب النص]، وميخا قال "هوذا الأرض ستهلك مع كل سكانها بسبب ثمر أفعالهم" (مي 7: 13)، وأنبياء آخرون أضافوا آراء أخرى مماثلة. فلتضئ هذه الكلمات كسراج (1بط 1: 19)، لكن النور الحقيقي يقدمه لنا بأكثر وضوح شمس البر (ملا 4: 2) - ربنا يسوع المسيح نفسه بقوله "لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثمارًا ردّية ولا شجرة ردّية أن تصنع أثمارًا جيدة" (مت 7: 18)، ويقوله بكلمات أخرى مشابهة في مواضع أخرى.
ومن حيث أن كلمة "ثمر" تنطبق على أشياء مضادة، لذلك يتبقى لنا أن نفحص أي أنواع من الناس الذين هم أشجار عديمة الثمر، وأي الأعمال - أيضًا تلك التي صرّح الرسول بأنها أعمال غير مثمرة. إن مغزى الأشجار العقيمة يوضحه لنا يوحنا المعمدان الذي قال "اصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة" (مت 3: 8) لمن استحقوا أن ينالوا المعمودية لمغفرة خطاياهم والذين قد تطهروا من كل دنس ثم أضاف بعد ذلك بقليل قوله "كل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطع وتُلقى في النار" (مت 3: 10). إلا أن تعليم الرب يلقي ضوءًا أكثر على هذا الموضوع، فلمن يقفوا عن يمينه سيقول لهم "تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم منذ إنشاء العالم" وهو يُظهر ثمارهم الحسنة في الكلمات التي بعد ذلك. ولمن هم عن يساره، على العكس، يرسلهم "إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته" (مت 25: 41). وهو يوبخهم ليس لكونهم أخطأوا بل لكونهم تغافلوا عن إنتاج أثمار جيدة فقال لهم "لأني جعت فلم تطعموني" (مت 25: 42)، وهذا التغافل يضعهم في مرتبة الخطاة الذي دعاهم الرب ملائكته إبليس.
![]() |
3- حيث أن الفرق بين من هو حامل ثمرًا جيدًا أو رديئًا ومن لا يحمل ثمرًا قد صار هكذا واضحًا، يتبقى لنا أن نعرف أي الأعمال أصلًا قد صرح الرسول بأنها أعمال غير مثمرة (أف 5: 11).
عندما نتساءل إن كان تنفيذ الوصية يلقي قبولًا (من الله) في حالة ما إذا كان تنفيذها يتعارض مع وصية أخرى، فأنا من جهتي بتأملي في هذا الموضوع لم أجد حالة وسط بين من ينفذ الوصية بطريقة مطابقة للشريعة ومقبول لله وبين من يقترف الشر ومن لا يفعل هذا أو ذاك. وبالنسبة لهؤلاء الناس يصرّح الرب بقوله عنهم "إنهم قد استوفوا أجرهم" (مت 6: 5)، وهذا كان حال الخمس عذارى الجاهلات. إن الرب نفسه يشهد عنهن أنهن كن عذارى وأنهن أعددن مصابيحهن وأصلحنها، بمعنى أنهن سلكن بنفس الطريقة مثل العذارى الحكيمات، وخرجن للقاء العريس وأظهرن -في كل شيء- نفس الاجتهاد مثل العذارى الحكيمات، لكن لمجرد نقص الزيت في مصابيحهن، لم يتمكّن من إدراك هدفهن ومنُعن من الدخول إلى موضع العُرس. نفس الأمر يسري على اللتين تطحنان على الرحى فتُترك أحداهما وتؤخذ الأخرى، واللذان على نفس الفراش يؤخذ ويُترك الآخر. إن كان الرب قد صمت عن التفسير (للسبب) في هاتين الحالتين، فربما لكي في حالة أي خلل ولو بسيط -في أي عمل- من جهة ما يليق وخصوصًا فيما يختص بالحب النقي مثلما علّمنا الرسول (1كو 13: 1-3)، نتعلم أن نتعرف على الشيء الذي يمكنه أن يجعل أعمالنا غير مثمرة وأن نكون حريصين للسلوك دون تعدي لأي وصية وبحسب أصول الجهاد الذي يرضي الله (2تي 2: 5)، ونُظهر أنفسنا في كل شيء كخدام الله (2كو 6: 4). ولكي نتحاشى أيضًا أن نشترك في مثل هذه الأعمال سالكين بحسب نصيحة بولس المتكلم فيه المسيح والذي صرّح بتعبيرات محددة قائلًا "لا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة" (أف 5: 11)، ثم أضاف قائلًا "بل بالحري وبخوها" (أف 5: 11)، نكون قد تعلّمنا في نفس الوقت طريقة عدم الاشتراك فيها.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
4- لكن كيف تكون المشاركة؟ كم طريقة تتم بها هذه المشاركة؟ لنفحص إذن هذا السؤال. بالحق عندما تخطر ببالي هذه الدعوة التي في سفر الأمثال والتي تقول "هلم معنا لنكمن للدم" (أم 1: 11)، وهذه الإثباتات للرسول والتي منها "أنتم جميعكم شركائي في النعمة" (في 1: 7)، "أنتم اشتركتم في ضيقتي" (في 4: 14)، "ليشارك الذي يتعلم الكلمة المعلم في جميع الخيرات" (غلا 6: 6)، وعندما استعيد تذكر هذه الآية "إذا رأيت سارقًا وافقته ومع الزناة نصيبك" (مز 49: 18)، وتلك الآية "لا تبغض أخاك في قلبك إنذارًا تنذر صاحبك ولا تحمل لأجله خطية" (لا 19: 17)، وتلك الآية الأخرى "هذه صنعت وسكت. ظننت أني مثلك أوبخك وأصف خطاياك أمام عينيك" (مز 50: 21)... عندما أتذكر هذه النصوص ونصوصًا أخرى مشابهة، فإنني اعتبر أن المشاركة في العمل عبارة عن مساعدة متبادلة للسعي نحو نفس الهدف، وطبقًا لهذا فإن المشاركة بالفكر تتضمن مشاركة وجدانية لمن يتمم العمل والتلذذ معه بهذا العمل. وهناك نوع آخر من المشاركة يفوت على الأغلبية وينكشف بالقراءة المنتبهة للكتاب المقدس. هذا النوع من المشاركة يحدث في غياب المشاركة الفعلية في العمل أو موافقة الفاعل بالنية، بل يحدث عندما يعرف المرء الشر الكامن في فكر من ينفذ لكنه لا يتصرف حيال الأمر ويسعى لإقناعه بالحيدان عن الخطأ ولا يسلك وفق النصوص المقتبسة أعلاه أو لكلمة الرسول إلى أهل كورنثوس التي فيها يقول "لم تنوحوا حتى يُرفع من وسطكم الذي فعل هذا الفعل" (1كو 5: 2)، والتي إليها أضاف بعد قليل قوله "إن خميرة صغيرة تخمر العجين كله" (1كو 5: 6). لنخف إذًا ونتوجع لما يقوله لنا الرسول "نقّوا منكم الخميرة العتيقة لكي تكونوا عجينًا جديدًا" (1كو 5: 7).
لكن من يتعاون مع آخر للخير وبنيّة حسنة دون أن يعرف أن دوافع وأهداف هذا الإنسان سيئة لن يُلام على الدور الذي يقوم به في هذه المشاركة فكونه غريب عن دوافع الآخر، وفي بقائه وفيًا لمبدأ محبة الله ينال بحسب تعبه كما أظهر لنا هذا الأمر بوضوح ربنا يسوع المسيح نفسه في مثل الراقد (مع آخر) على الفراش، والمرأة التي تطحن على الرحى (مع رفيقتها) (لو 17: 34-35).
بالنسبة للفرق (الاختلاف) من ناحية أولئك الذين عهد بهم إلينا وأولئك الذين لم يُعهد بهم، فهو عبارة عن إلزام بالاعتناء والرعاية لمن عُهد بهم إلينا، لكن ليس بالمشاركة في الأخطاء (التي يقترفونها).
ينبغي لنا أن نعطي اهتمامنا الفائق فقط لمن قد أُسند إلينا أمر الاعتناء بهم، أما المشاركة في الشر والأعمال غير المثمرة فهو أمر غير مصرّح به بتاتًا في كل الأحوال.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/basil-baptism/aggressors.html
تقصير الرابط:
tak.la/whwn338