محتويات |
"مِنْ حَضْرَتِكَ تَتَزَلْزَلُ الْجِبَالُ" (إش64: 1)، تزلزلت الجبال عندما سلّم السيد المسيح روحه البشرى المتحد باللاهوت على خشبة الصليب "الأَرْضُ تَزَلْزَلَتْ وَالصُّخُورُ تَشَقَّقَتْ" (مت27: 51). وتزلزلت الأرض مرة أخرى عند قيامة السيد المسيح والتي بعدها جاء الملاك ودحرج الحجر عن القبر ليعلن القيامة المجيدة (انظر مت28: 2).
وهل كان هناك حضور للرب الإله يستحق أن تتزلزل له الجبال أهم من حضور الآب في قبول ذبيحة الابن الوحيد بالروح القدس؟!
"كَمَا تُشْعِلُ النَّارُ الْهَشِيمَ" (إش64: 2)، كان ظهور السيد المسيح لموسى في العليقة المشتعلة بالنار ولم تحترق هو رمز واضح عن التجسد الإلهي في بطن العذراء القديسة مريم دون أن يحترق الناسوت لسبب اتحاده باللاهوت وبالتالي دون أن تحترق العذراء مريم (انظر خر 3: 2-16، أع 7: 30-34).
كذلك كانت النار تنزل من السماء وتلتهم الذبائح في العهد القديم ويشم الله رائحة الرضى والسرور كرمز لإصعاد ذبيحة السيد المسيح بالروح القدس الناري. لذلك نقول في لحن "Vai `etafenf فاى إيتاف اينف": {هذا الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة}. ويقول معلمنا بولس الرسول عن ذلك: "الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ بِلاَ عَيْبٍ" (عب9: 14).
وبإتمام الفداء أرسل المسيح موعد الآب بحلول الروح القدس على الكنيسة في يوم الخمسين في هيئة ألسنة من النار، ليمنح عطاياه الإلهية ومواهبه الفائقة للطبيعة، ويقودها ويرشدها ويعلّمها.
"وَتَجْعَلُ النَّارُ الْمِيَاهَ تَغْلِي، لِتُعَرِّفَ أَعْدَاءَكَ اسْمَكَ" (إش64: 2) عندما أكّد السيد المسيح في حديثه مع نيقوديموس أن الميلاد الفوقاني هو بواسطة الماء والروح. فإن معنى ذلك أن الروح القدس الناري سوف يحل في المياه ليمنح الولادة الجديدة بعد التطهير من الخطية الأصلية والخطايا الفعلية.
ولا يمكن أن النار تأتى من فوق المياه فتجعلها تغلي ولكن النار يلزمها أن تخترق المياه لكي تجعلها تغلي. وهذا ما يحدث في مياه المعمودية عندما يحل فيها الروح القدس الناري فإنها تصير لها قوة التطهير؛ مثلما تطهر المياه الساخنة مع الغليان أدوات الجراحة والحقن الطبية قبل استخدامها في التعامل مع الإنسان المحتاج إلى الشفاء. إن نار الروح القدس هي نار روحية وليست مادية. قال يوحنا المعمدان عن معمودية السيد المسيح في العهد الجديد: "هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ" (لو3: 16-17).
هذه العبارة لها معنيان:
* المعنى الأول: هو أن يعرف الوثنيون أن الإله الحقيقي هو إله إبراهيم الذي اسمه "يهوه" وهو الإله الوحيد الخالق الحقيقي.
* والمعنى الثاني: هو أن اسم "يسوع" هو اسم الخلاص (يهوشع = يهوه خلَّص) وقد تساءل كاتب الإصحاح الثلاثين من سفر الأمثال عن الله وقال: "مَا اسْمُهُ وَمَا اسْمُ ابْنِهِ إِنْ عَرَفْتَ؟" (أم30: 4).
وبالطبع لم تعرف الشياطين الاسم الحسن؛ اسم الخلاص إلا على مرحلتين الأولى: عندما قال الملاك "وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ" (مت1: 21). والمرحلة الثانية: عندما أتم يسوع الفداء على الصليب "إذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ (الصليب)" (كو2: 15)، عندما سلم الرب يسوع روحه البشرى في يدي الآب قائلًا "يَا أَبَتَاهُ فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي" (لو 23: 46، انظر مز31: 5)، خرج روحه من الجسد غالبًا ولكي يغلب وسحق الجحيم وقوات الظلمة وداس الموت بموته و"أبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ" (2تي1: 10). وبذلك عرف الشياطين ما هو اسم الرب الذي غلبهم، وصار اسم "يسوع" مرعبًا للشياطين بصورة لا تقاوم. وإن كان الشيطان قد سبق وصرخ أثناء خدمة السيد المسيح "آهِ! مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ! أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ قُدُّوسُ اللَّهِ!" (مر1: 24). ولكن السيد المسيح بتواضعه وإخلائه لذاته، عاد وجعل الشيطان يشك في ألوهيته حينما أبرز بعض خواص بشريته؛ أي صفاته الإنسانية التي لم تتلاشَ لسبب اتحاد الناسوت باللاهوت.
لقد صار لنا في اسم "يسوع" الملجأ الحصين ضد محاربات الشياطين ونتغنى بهذا الاسم في التسبحة ونقول: [اسمك حلو ومبارك في أفواه قديسيك يا ربي يسوع المسيح مخلصي الصالح" (إبصالية السبت). كذلك يردد المؤمنون عبارات "يا ربي يسوع المسيح خلصني... أعنى... ارحمني" وذلك لقهر محاربات الشياطين.
"لِتَرْتَعِدَ الأُمَمُ مِنْ حَضْرَتِكَ" (إش64: 2)، تنبأ سابقًا إشعياء النبي عن مجيء السيد المسيح محمولًا على يدي العذراء مريم إلى مصر فقال: "هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إلى مِصْرَ فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا" (إش19: 1).
هذا الأمر قد استمر عند صلب السيد المسيح إذ ارتعب الوالي الروماني بنتيوس بيلاطس، وتألمت امرأته في حلم قبل ذلك، وارتعب قائد المئة الذي صلب السيد المسيح وقال: "حَقًّا كَانَ هَذَا الإِنْسَانُ ابْنَ اللَّهِ!" (مر15: 39)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وارتعب الجنود حراس القبر بعد قيامته عندما حدثت الزلزلة "لأَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ. وَكَانَ مَنْظَرُهُ كَالْبَرْقِ وَلِبَاسُهُ أَبْيَضَ كَالثَّلْجِ. فَمِنْ خَوْفِهِ ارْتَعَدَ الْحُرَّاسُ وَصَارُوا كَأَمْوَاتٍ" (مت28: 2-4). واستمر ارتعاد الأمم بعد صعود السيد المسيح بعد حلول الروح القدس وانتشار الكرازة بالإنجيل بقوة الروح.
"حِينَ صَنَعْتَ مَخَاوِفَ لَمْ نَنْتَظِرْهَا نَزَلْتَ. تَزَلْزَلَتِ الْجِبَالُ مِنْ حَضْرَتِكَ" (إش64: 3).. ما هي هذه المخاوف التي فاقت توقع البشر؟ نورد بعضًا من أمثلتها:
* ظهور الملاك لزكريا الكاهن والد يوحنا المعمدان.. والبشارة بمولد أعظم مواليد النساء من الأنبياء..
* ظهور الملاك للقديسة مريم العذراء وبشارته لها بسر التجسد الإلهي.
* ظهور الملاك للرعاة في ليلة ميلاد السيد المسيح وتبشيرهم، وتسابيح جمهور الجند السمائي.
* ظهور النجم السماوي المعجزي في المشرق للمجوس وقيادتهم عبر أورشليم إلى بيت لحم وإلى البيت حيث كان الرب يسوع وهو صبى صغير.
* الظهور الإلهي (الثيئوفانيا) أي ظهور الثالوث عند عماد السيد المسيح من يوحنا في نهر الأردن حيث انفتحت السماء وحل على الرب يسوع الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة.
* إخراج الشياطين من البشر وهو تعليم جديد وظاهرة جديدة لم يفعلها أي قديس أو نبي قبل مجيء السيد المسيح.
* معجزات كثيرة صنعها السيد المسيح مثل صنع عينين للمولود أعمى، وشفاء الأبرص وكثير من المرضى، وانتهار البحر والريح.
* تجلي السيد المسيح على الجبل وظهور موسى وإيليا معه في مجد، والسحابة النيرة وصوت الآب من السماء من المجد الأسنى: "هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي أَنَا سُرِرْتُ بِهِ" (2بط1: 17).
* إقامة لعازر من القبر بعد موته بأربعة أيام.
* عندما حضر اليونانيون وقال السيد المسيح للآب السماوي: "أيُّهَا الآبُ مَجِّدِ اسْمَكَ. فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ: مَجَّدْتُ وَأُمَجِّدُ أَيْضًا" (يو12: 28) وقال الحاضرون قد حدث رعد أو قد كلّمه ملاك.
* وقوع الحراس على الأرض عندما قال لهم السيد المسيح: "أَنَا هُوَ" (يو18: 5) وذلك قبل أن يسلّم لهم نفسه بإرادته وسلطانه.
* الظلمة من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة على الأرض عند صلب السيد المسيح، والزلزلة، وتشقق الصخور وانفتاح القبور عندما سلّم روحه البشرى الطاهر. ففي حضرة الآب والابن والروح القدس تزلزلت الجبال لأن المسيح "برُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ بِلاَ عَيْبٍ" (عب9: 14).
* معجزة القيامة والحجر مختوم والزلزال الذي صاحبها، وظهور الملاك كالبرق للحراس، وجلوسه على الحجر الذي دحرجه. وظهور الملائكة للمريمات داخل القبر. وظهور السيد المسيح لمريم المجدلية ولبطرس ولتلميذيّ عمواس ولجماعة الرسل في العلية والأبواب مغلقة، وفي الأحد التالي للآباء الرسل ومعهم توما الرسول.
* صعود السيد المسيح إلى السماء أمام أعين تلاميذه بعد مباركته لهم.
* حلول الروح القدس المعجزي في يوم الخمسين بصوت ريح عاصف وعلى هيئة ألسنة منقسمة كأنها من نار، حيث بدأوا يتكلمون بألسنة جديدة لينشروا الكرازة بالإنجيل إلى كل الأمم كما أوصاهم السيد المسيح.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/isaiah/fearful.html
تقصير الرابط:
tak.la/7dyfsz4