الصليب له جاذبية خاصة في الحديث عنه. فقد اختار السيد المسيح أن يعمل في النجارة لارتباط هذا الأمر بالصليب. وهو مصنوع من خشب الشجر لكي يوضّح الرب أن إبليس إذ استخدم الشجرة لخداع البشرية وسقوط الإنسان في الفردوس، فإنه هو أيضًا قد استخدم الشجرة لخلاص البشرية ورجوع الإنسان إلى الفردوس، فكل أنواع الخليقة ينبغي أن تستخدم لتمجيد الله. وعلى الشجرة قال للص اليمين: "اليوم تكون معي في الفردوس".
لقد اختار السيد المسيح مهنة النجارة في حياته قبل الصليب.. وهكذا صنع ابن النجار صليبًا من خشب الشجر ليخلِّص به العالم. كما قال القديس مار أفرام السرياني (مبارك هو ذلك النجار الذي صنع بصليبه قنطرة لعبور المفديين) ويقصد بذلك أن الصليب قد صار واسطة عبورنا من الهلاك إلى الحياة الأبدية، وعبور الذين رقدوا على الرجاء من الجحيم إلى الفردوس.
يتساءل البعض: لماذا دبر الرب في خطة الخلاص أن يتم الفداء بذبيحة الصليب، وليس بموت السيد المسيح بطريقة أخرى؟
ونجيب على ذلك بأن هناك أسبابًا كثيرة يصعب حصرها ونذكر منها على سبيل المثال:
فتعليق السيد المسيح على الصليب ما بين السماء والأرض يذكرنا بسلم يعقوب الذي رآه منصوبًا على الأرض ورأسه يمس السماء والرب واقف عليه والملائكة صاعدة ونازلة عليه. وقد قال الرب عن نفسه "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو14: 6).
لأن السيد المسيح كان فاتحًا ذراعيه على الصليب رافعًا إياهما إلى أعلى. وفي نفس الوقت كان مجروحًا ينزف دمه كذبيحة مقبولة عن خلاص جنسنا. وكما قال أحدهم [هو الكاهن الأعظم صعد إلى المذبح ليصلي، وفيما هو يقدّم نفسه ذبيحة؛ دافع عن البشرية الخاطئة (أي تشفع من أجل الخطاة لينالوا الغفران بالتوبة والمعمودية المقدسة)].
رآه يوحنا في سفر الرؤيا في وسط العرش حملًا قائمًا كأنه مذبوح ولا يمكن أن تكون الذبيحة واقفة وليست منطرحة على الأرض إلا في وضع الصليب.
لأنه "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عب9: 22) فلو مات السيد المسيح مخنوقًا أو غريقًا أو بالحرق بالنار لما أمكن أن يقال عنه "لأن فصحنا أيضًا المسيح قد ذبح لأجلنا" (1كو5: 7).
والسيد المسيح لم تكسر ساقيه على الصليب مثل اللصين اللذين اختنقا عندما تدليا من ذراعيهما. بل سلّم السيد المسيح الروح نتيجة النزيف الحاد من الجراحات الخارجية كالمسامير وإكليل الشوك والجلد، والجراحات الداخلية التي نشأت عن جَلد القفص الصدري بأعصاب البقر المدلاة في أطرافها قطع من المعدن أو العظام التي تمزق الشرايين المحيطة بالقفص الصدري داخليًا تحت الجلد بجوار الضلوع عندما يلتف الكرباج حول الصدر أثناء الجلد على الظهر.
لذلك حينما طعن الجندي السيد المسيح بعد ذلك بالحربة في جنبه كان صدره ممتلئًا من الدماء والماء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. الدم أولًا حيث يترسب الهيموجلوبين، والماء بعد ذلك حيث البلازما، والمياه الناشئة عن الارتشاح (الأوديما).
قال المزمور "الرب قد ملك على خشبة" (مز 96: 10) والخشبة هي خشبة الصليب. ويقول المزمور أيضًا "كرسيك يا الله إلى دهر الدهور، قضيب الاستقامة هو قضيب ملكك" (مز45: 6) إن قضيب ملكه هو أيضًا خشبة الصليب. والسيد المسيح قد قال: "متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو" (يو8: 28)، وقال أيضًا: "أنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليَّ الجميع" (يو12: 32).
الصليب له أربعة أذرع مثل العرش الإلهي الذي تحيط به الأحياء الأربعة غير المتجسدين؛ شبه الإنسان ويرمز إلى التجسد، وشبه العجل ويرمز إلى الذبيحة (الصلب)، وشبه الأسد ويرمز إلى القيامة، وشبه النسر ويرمز إلى الصعود. كما أنها ترمز إلى الأناجيل الأربعة: متى ولوقا ومرقس ويوحنا بنفس الترتيب المذكور عن الأحياء غير المتجسدين.
في الصليب نرى بوضوح الذبيحة ولكننا نرى بعين التأمل التجسد والقيامة والصعود. فالمصلوب هو الرب المتجسد، وهو الرب المذبوح، وهو الرب القائم (لأنه مذبوح وقائم على الصليب)، وهو الرب الصاعد (لأنه معلق بين السماء والأرض).
القيامة والصعود لم يكونا قد حدثا بعد ولكننا نراهما في الصليب بعين التأمل، كما أننا نؤمن بقلوبنا أن المصلوب قد قام وصعد إلى أعلى السماوات.
إن الصليب ذا الأذرع الأربع يشير إلى الخلاص الذي امتد من مشارق الشمس إلى مغاربها ومن الشمال إلى الجنوب. لذلك نقول في صلاة الساعة السادسة (صنعت خلاصًا في وسط الأرض كلها أيها المسيح إلهنا عندما بسطت يديك الطاهرتين على عود الصليب، فلهذا كل الأمم تصرخ قائلة: المجد لك يا رب).
إن الصليب هو ينبوع للتأمل، وعليه حمل الرب لعنة خطايانا ومحاها بالصليب إذ أوفى الدين الذي علينا وقدّم نفسه عوضًا عن الجميع.
فما أجمل أن نضع الصليب أمام أعيننا على الدوام لأنه يذكرنا بحب الله الآب الذي بذل ابنه الوحيد لأجل خلاصنا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/choose.html
تقصير الرابط:
tak.la/xky5yan