بعد الجلد الروماني العنيف، واستكمال المحاكمة، خرج السيد المسيح وهو حامل صليبه من قلب مدينة أورشليم، متجهًا إلى أعلى جبل الجلجثة خارجًا عن أورشليم.
وكان طريق الجلجثة طويلًا ومتصاعدًا، كما كان الصليب ثقيلًا ومتعامدًا.
وقد حمل الرب هذا الصليب الثقيل الذي هو نفسه أداة موته، كما حمل بإرادته خطايانا في جسده وهي سبب موته.
وقع السيد المسيح على الأرض تحت الصليب، وهو صاعد في طريق الجلجثة، وذلك لكي نفهم بوضوح أنه لم يستخدم قدرته الإلهية ليمنع الألم والمعاناة عن جسده. فبالرغم من اتحاد اللاهوت والناسوت معًا في طبيعة واحدة اتحادًا تامًا طبيعيًا وأقنوميًا يفوق العقل والإدراك، إلا أن اللاهوت لم يتغير بسبب الاتحاد من جهة كونه غير متألم، والناسوت لم يتغير بسبب الاتحاد من حيث كونه قابلًا للألم.. ولكن لأن جسد أقنوم الكلمة هو الذي تألم، لأجل هذا ننسب إليه آلام جسده الخاص. فنقول إن كلمة الله قد تألم لأجل خلاصنا.
ولأن جسده قد نزف كمية كبيرة من الدماء في الداخل والخارج.. في الداخل من جراء تمزق الشرايين المحيطة بالقفص الصدري نتيجة الجلد بكرباج من أعصاب البقر، تنتهي أطرافه بقطع معدنية أو أجزاء مدببة من عظام البقر. والكرباج تنغرس نهايته في داخل الجلد مع كل جلدة بسيوره الثلاثية، وتمزق في الداخل الشرايين المحيطة بضلوع القفص الصدري وتُحدِث نزيفًا داخليًا.
وفي الخارج كان الدم ينزف من رأسه المتوج بالشوك، ومن الجراحات السطحية الناتجة عن الجلد العنيف بأعصاب البقر على الطريقة الرومانية (كان الجلد عند الرومان قاصرًا على العبيد حسب القانون الروماني).
ومع هذا النزيف الذي استمر منذ وقت الجلد أثناء المحاكمة، بدأ السيد المسيح يشعر بالإعياء، وعدم القدرة على بذل المجهود المعتاد، فكم بالأولى حمل هذا الصليب الثقيل، وهو يزحف بثقله من خلفه على أرض غير مستوية وصاعدة، تلاحقه كرابيج من العسكر الرومان بغير شفقة ولا رحمة.
لهذه الأسباب إلى جوار الآلام النفسية الناشئة عن إحساسه بالجحود ونكران الجميل من البشرية التي أخطأت في حقه وهو يسعى لأجل خلاصها، ومن الأمة اليهودية التي طالبت بموته بيد الوثنيين، ومن تلميذه الخائن يهوذا الإسخريوطي الذي باعه مقابل ثلاثين من الفضة بعد أن عاش معه في صحبة طويلة، لهذا كله كان السيد المسيح يقع على الأرض، ومن فوقه صليبه الخشبي الثقيل الذي كان يرتطم بجسده المقدس، حتى شعر قائد المئة أنه لا فائدة من تكرار المحاولة للوصول إلى قمة الجلجثة على هذا الوضع.
ففكر قائد المئة في تسخير شخص كان عائدًا من الحقل "هو سمعان القيرواني أبو ألكسندرُس وروفس" (مر15: 21). ليحمل صليب الرب يسوع ويسير معه في موكب الصلب إلى أعلى الجلجثة.
طوباك أنت يا سمعان يا من استحققت أن تحمل صليب فاديك وتسير معه إلى الجلجثة..
يا من أوضحت بمثال مسيرة كل قديس يتبع السيد المسيح حاملًا الصليب، الذي ليس هو سوى صليب السيد المسيح نفسه. كقول معلمنا بولس الرسول: "لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهًا بموته" (فى3: 10).
إن من يتألم من أجل السيد المسيح فله الطوبى.. وهو لا يتشبه بالمسيح فقط، بل يشترك معه في حمل صليبه المحيي.
كثيرون يحملون الصليب للزينة على صدورهم، ولكن ليتهم يحملونه في قلوبهم.. ليتهم يعانقونه.. ليتهم يصعدون مع السيد المسيح إلى الجلجثة، مرددين قول معلمنا بولس الرسول: "إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضًا معه" (رو8: 17).
قد تأتي علينا التجارب والآلام ونظن أن الرب قد تخلى عنا، ولكن هذه الآلام تكون هبة وعطية من الله كقول الكتاب: "لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضًا أن تتألموا لأجله" (فى1: 29).
لقد سخَّروا سمعان القيرواني ليحمل الصليب فأطاع، ونال هذه البركة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. والسيد المسيح نفسه أوصانا قائلًا: "من سخرك ميلًا واحدًا، فاذهب معه اثنين" (مت5: 41). فهل نقبل أن نحمل الصليب الذي يسخرنا الرب نفسه لحمله؟ يا له من شرف عظيم، تغنى به بولس الرسول قائلًا: "كما تكثر آلام المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا" (2كو1: 5).
إن صليبي الذي أحمله يا رب، هو نفسه صليبك أنت، الذي حملته لأجل خلاصي.. أنت حررتني من الهلاك الأبدي بموتك المحيي، وأنا لا يمكنني أن أدفع ثمن خلاصي، لأنه هو دمك الإلهي.. ولكنى على الأقل يمكنني أن أشارك طريق الصليب، وأن أحمل صليبك الذي هو ينبوع خلاصي وفدائي.
إنني حينما أحمل صليبك وأتبعك، فإنني بهذا أكون جزءًا من خطة الله لأجل خلاصي وخلاص الآخرين.. بحسب قول الآباء لي [إن الله الذي خلقك بدونك، لا يخلصك بدونك].
إن إيماني بك بصورة حية، هو أن أقبل صليبك في داخلي، مدفونًا معك بالمعمودية للموت، مسلّمًا إنساني العتيق ليصلب معك، حتى باتحادي بك بشبه موتك، أصير أيضًا بقيامتك. فأعطني يا رب أن أحسب نفسي ميتًا عن الخطية، مجاهدًا في ذلك لكي أحيا لله بك؛ أنت حياتي ومخلصي.
ما أعجب اتضاعك يا إلهي لأنك قبلت أن تقع تحت ثقل الصليب مُظهرًا ضعفًا خارجيًا، لكي تجتذبني إلى مشاركة آلامك، حتى لا تفوتني مشاركة قوة قيامتك.. هكذا يا رب باتضاعك غير الموصوف رسمت لنا طريق الحياة..!!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/cerene.html
تقصير الرابط:
tak.la/3d6qjp2