St-Takla.org  >   books  >   anba-bishoy  >   christ
 
St-Takla.org  >   books  >   anba-bishoy  >   christ

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي (مع حياة وخدمة يسوع) - الأنبا بيشوي

180- العود الرطب

 

"العود الرطب" (لو23: 31)

في مسيرة السيد المسيح نحو الجلجثة شرح معلمنا لوقا الإنجيلي حوارًا هامًا حدث في الطريق بين السيد المسيح والنسوة اللواتي كن يلطمن وينحن عليه.

 فبعدما توصّل رؤساء اليهود إلى غرضهم في إحراج الوالي واستصدار حكم ظالم ضد السيد المسيح إذ "كانوا يلجون بأصوات عظيمة طالبين أن يصلب. فقويت أصواتهم.. فحكم بيلاطس أن تكون طلبتهم.. وأسلم يسوع لمشيئتهم" (لو23: 23-25). بعد ذلك خرج يسوع وهو حامل صليبه بعدما علا صوت الباطل أمام الوالي.

 "ولما مضوا به أمسكوا سمعان رجلًا قيروانيًا كان آتيًا من الحقل، ووضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع. وتبعه جمهور كثير من الشعب والنساء اللواتي كن يلطمن أيضًا وينحن عليه. فالتفت إليهن يسوع وقال: يا بنات أورشليم لا تبكين عليَّ، بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن. لأنه هوذا أيام تأتي يقولون فيها طوبى للعواقر والبطون التي لم تلد، والثّدِي التي لم تُرضع. حينئذ يبتدئون يقولون للجبال اسقطي علينا وللآكام غطينا. لأنه إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا، فماذا يكون باليابس" (لو23: 26-31).

كان للسيد المسيح شعبية كبيرة سبق أن أزعجت رؤساء اليهود خاصة في يوم أحد الشعانين، حينما استقبلته الجموع في أورشليم كملك "فقال الفريسيون بعضهم لبعض انظروا إنكم لا تنفعون شيئًا. هوذا العالم قد ذهب وراءه" (يو12: 19). وقد امتلأ رؤساء اليهود حسدًا وغيرة، لسبب شعبية السيد المسيح الجارفة.

لذلك دبّروا المؤامرة وقبضوا عليه في الليل خلوًا من جمع، وأجروا المحاكمة اليهودية ليلًا. ثم سلّموه في الصباح الباكر إلى الوالي، وأخذوا معهم جمهورهم الخاص الذي كان يطالب بصلب السيد المسيح..

واستيقظت أورشليم في الصباح، لتجد أن الحكم قد صدر من قبل الحاكم الروماني وانتهى الأمر ولم يعد في استطاعة الجماهير التي أحبت السيد المسيح أن تفعل شيئًا، سوى أن تتبعه في طريق الجلجثة، كما أوضح معلمنا لوقا الإنجيلي "تبعه جمهور كثير من الشعب والنساء اللواتي كن يلطمن أيضًا وينحن عليه" (لو23: 27).

St-Takla.org Image: Jesus Christ carrying the Holy Cross at the road of passion, and we can see Siomon the Cerene, the crying Marys, and St. Veronica the holder of the handkerchief - Modern Coptic icon, painted by the nuns of Saint Demiana Monastery, Egypt صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يسوع في طريق الآلام وهو يحمل الصليب، ونرى في الصورة سمعان القيرواني، والمريمات وهن يبكين، والقديسة فيرونيكا حاملة المنديل - أيقونة قبطية حديثة من رسم راهبات دير الشهيدة دميانة بالبراري، مصر

St-Takla.org Image: Jesus Christ carrying the Holy Cross at the road of passion, and we can see Siomon the Cerene, the crying Marys, and St. Veronica the holder of the handkerchief - Modern Coptic icon, painted by the nuns of Saint Demiana Monastery, Egypt

صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يسوع في طريق الآلام وهو يحمل الصليب، ونرى في الصورة سمعان القيرواني، والمريمات وهن يبكين، والقديسة فيرونيكا حاملة المنديل - أيقونة قبطية حديثة من رسم راهبات دير الشهيدة دميانة بالبراري، مصر

كان من الطبيعي أن تبكي النسوة ويلطمن على السيد المسيح، الذي وقع عليه كل هذا الظلم وهو بريء. وكان من الطبيعي أن تنكسر قلوب الرجال وهم يبصرون ملك إسرائيل وهو يُساق بهذه الصورة المُهينة إلى موت الصليب؛ موت العبيد.. ومع رجلين من القتلة والسارقين المجرمين.

لو أتيحت لهم الفرصة أمام الوالي لدافعوا بشدة عن السيد المسيح. ولكن المؤامرة استبعدت الصوت الحقيقي للجماهير، وضخمت صوت الباطل، كما لو كان معبّرًا عن إرادة الجماهير وإرادة الأمة. لقد حشدوا جمهورًا محدودًا أمام الوالي يطالب بصلب السيد المسيح، وتجاهلوا مشيئة الجماهير العريضة من الناس وأرادوا أن يشككوا الشعب في صدق إرسالية السيد المسيح بتطبيق حكم الموت عليه عن طريق التعليق على الخشبة، ليؤكّدوا للشعب الذي أحبه أنه قد صار ملعونًا من الله، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لأنه في سفر التثنية يقول إن "المعلّق ملعون من الله" (تث21: 23).

إلى هذه الدرجة حَبَكَ اليهود المؤامرة حتى أنهم قدموا دليلًا كتابيًا من خلال أحداث الصلب على أن السيد المسيح قد صار في حكم الملعون من الله. وبهذا اهتز وضع السيد المسيح في أنظار الذين لم يفطنوا إلى خطورة المؤامرة اليهودية.

حقيقة أن السيد المسيح قد حمل لعنة خطايانا على الصليب، ولكنه إذ أوفى العدل الإلهي حقه، فقد محا اللعنة إلى الأبد. وكان دليل قبول ذبيحته وزوال اللعنة، هو أن الله قد أقامه ناقضًا أوجاع الموت، إذ لم يكن للموت سلطان عليه، لأنه كان بلا خطية من جانبه شخصيًا.

وقد سبق إشعياء وتنبأ عن هذا الأمر وقال: "نحن حسبناه مصابًا مضروبًا من الله ومذلولًا. وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه، وبحبره شفينا" (إش53: 4، 5).

دخل الشك إلى قلوب البعض.. ولكن ذوي القلوب الأمينة الواثقة لم تهزهم المؤامرة المحبوكة. بل بقيت ثقتهم في قداسة السيد المسيح كما هي، وثقتهم في قبول الرب لذبيحته الطاهرة كما هي..

ومن أمثلة هؤلاء الأشخاص الأمناء المريمات القديسات اللواتي أحضرن الطيب ليضعنه على جسده المبارك في فجر الأحد ووجدنه قد قام.

ومن أمثلتهم أيضًا يوسف الرامي ونيقوديموس، اللذان طلبا جسد الرب يسوع من الوالي ولفاه بأكفان غالية وأحاطاه بالحنوط، ووضعاه في قبر جديد، في بستان منحوت في صخرة لم يوضع فيه أحد قط من الناس. لقد قدّما للسيد المسيح بعدما أسلم الروح على الصليب، أغلى ما عندهما، واستحقا أن يسمعا تسابيح الملائكة، وهما يكفنان جسده المقدس وهي تقول: (قدوس الله، قدوس القوي، قدوس الحي الذي لا يموت).

حينما أبصر السيد المسيح النسوة يلطمن وينحن عليه، أراد أن يوجه أنظارهن إلى الحقيقة الثمينة.. ألا وهي أن خطايا البشر هي السبب الحقيقي لآلامه. وأن مؤامرة اليهود وقساوة الرومان، ما هي إلا أدوات استخدمتها حكمة الله ومشورته، ليتحقق من خلالها إبراز حقيقة الصراع بين الخير والشر، والذي لابد أن ينتهي بانتصار الخير في النهاية.

وقال لهم: "إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا، فماذا يكون باليابس؟!" وقال هذا ليتذكر كل إنسان أن السيد المسيح وهو العود الرطب، قد تألم عوضًا عنا حينما حمل خطايانا في جسده، فما الذي يمكن أن يحدث للإنسان غير التائب حينما يتراءى أمام الله بخطاياه غير المغفورة وغير المغسولة بدم السيد المسيح؟.

إن السيد المسيح قد احتمل ظلم الأشرار، لكي يوبخ خطية الإنسان غير التائب. وسيظل صوته الإلهي يدوي في سَمْع البشرية "إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا، فماذا يكون باليابس..؟!"


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/stick.html

تقصير الرابط:
tak.la/hfb87g6