إن كلمة مسيا كلمة عبرية تعني ممسوح، وقد كانت تطلق على ثلاثة إشخاص هم الكاهن والملك والنبي.
فنقرأ على سبيل المثال في العهد القديم عن مسح الكهنة، كان أمر الله لموسى أن يمسح الكهنة وليقدسوا وليكرسوا حتى يكهنوا له ويقول الكتاب: "وتلبس هؤون أخاك إياها وبنيه معه وتمسحهم وتملأ أياديهم وتقدسهم ليكهنوا لي... وتأخذ الثياب وتلبس هرون القميص وجبة الرداء والرداء والصدرة وتشده بزنار الرداء... وتأخذ دهن المسحة وتسكبه على رأسه وتمسحه... فيكون لهم كهنوت فريضة أبدية" (خر 28، 29). وكلمة المسيح هي الترجمة اليونانية لنفس كلمة مسيا العبرية، وقد وردت كلمة المسيح 13 مرة في الإنجيل معلمنا متى، وست مرات في إنجيل معلمنا مرقس، ومرتين في إنجيل معلمنا لوقا. ولقد أقر الرب يسوع إنه هو المسيح (مت 16: 16، لو 22: 67).
وكان حجر الزاوية في كرازة بولس الرسول هي أن الرب يسوع هو المسيح وكان يفحم باشتداد اليهود حتى تآمروا لقتله (أع 18: 38).
لقد كانت نبوات العهد القديم كلها تركز على أن المسيح سيأتي من نسل داود... في هذا تنبأ إشعياء النبي "يخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله، ويحل عليه روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، وروح المعرفة ومخافة الرب، ولذته تكون في مخافة الرب فلا يقضى بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه، بل يقضى بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائسى الأرض ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه، ويكون البر متنيه والأمانة منطقة حقويه (أش 10: 1-5).
وأما إرميا النبي فيقول "ها أيام يقول الرب وأقيم لداود غصن بر فيملك ملك وينجح ويجرى حقًا وعدلا في الأرض في أيامه يخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمنا وهذا هو اسمه الذي يدعونه به الرب برنا" (أر 23: 5، 6).
ونجد مثل هذه الآيات في (أر 33: 15-17، 22؛ حز 37: 24؛ هو 3: 5؛ عا 9: 11؛ زك 12: 8).
ولعل أوضح نبوءة كانت على لسان إشعياء النبي عندما قال: لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبًا أبديا رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن إلى الأبد" (أش 9: 6، 7).
وهذه الآية إستخدمها الأنجيل للتأكيد أن النبوءة كانت تشير إلى الرب يسوع الذي تجسد من الروح القدس ومن العذراء مريم.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
لقد انحط فكر اليهود، فبدل أن يفهموا حقيقة المسيا المسيح الآتي من عند الآب لخلاصهم... ظنوا أن الخلاص سياسى أرضى. وأن الأسد الخارج من سبط يهوذا إنما هو المخلص الذي سيدمر النسر الرومانى ولا يقف أمامه مستعمر سواء من مصر أو من أشور أو بابل أو روما أو أية أمة من الأمم التي سبق وإستعمرت أراضيهم.
لقد فسروا جميع نبؤات الأنبياء تفسيرا ماديا، فكانوا يتوقعون من المسيا أن يذل بابل مستندين إلى نبوءة إشعياء "وتصير بابل بهاء الممالك وزينة فخر الكلدانيين كتقليب الله سدوم وعمورة لا تعمر إلى الأبد ولا تسكن إلى دور فدور. ولا يخيم هناك أعرابى ولا يربض هناك رعاة، بل تربض هناك وحوش القفر ويملأ البوم بيوتهم وتسكن هناك بنات العام وترقص هناك معز الوحش وتصيح بنات آوى في قصورهم والذئاب في هياكل التنعم ووقتها قريب المجيء وأيامها لا تطول" (أش 13: 19-22).
وكانوا ينتظرون من البطل المغوار أن يجمع شتات إسرائيل الذي تبدد من الأضطهاد أو السبى أو سعيا وراء الرزق" ويكون في ذلك اليوم أن السيد يعيد يده ثانية ليقتنى بقية شعبه التي بقيت من أشور ومن مصر ومن قتروس ومن كوش ومن عيلام ومن شنعار ومن حماه ومن جزائر البحر، ويرفع راية للأمم ويجمع منفي إسرائيل ويضم مشتتى يهوذا من أربعة أطراف الأرض" (أش 11: 11، 12).
لقد عاشوا ينتظرون المسيا الذي سيحول خراب أورشليم إلى مجد، وفقر أهلها إلى عز وثراء "إرفعى عينيك حواليك وأنظرى. قد أجتمعوا كلهم. جاءوا إليك. يأتي بنوك من بعيد وتحمل بناتك على الأيدى. حينئذ تنظرين وتنيرين ويخفق قلبك ويتسع لأنه تتحول إليك ثروة البحر ويأتى إليك غنى الأمم. تغطيك كثرة الجمال ذهبا ولبانا وتبشر بتسابيح الرب. كل غنم قيدار تجتمع إليك... لتأتي ببنيك من بعيد وفضتهم وذهبهم معهم لأسم الرب ألهك وقدوس إسرائيل لأنه قد مجدك" (أش 60: 4-9).
لقد كان اليهود في إفتخارهم ينادون إنه إذا كان العالم مثل عين الإنسان، فإسرائيل هي الحدقة، وأورشليم هي إنسان العين وقلب الأمم ومجد الشعوب كلها.
لقد فسروا نبوءة إشعياء تفسيرًا ماديًّا تلك التي تقول. "قومى إستنيرى لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك لأنه ها هي الظلمة تغطي الأرض والظلام الدامس الأمم، أما عليك فيشرق الرب ومجده عليكِ يُرَى، فتسير الأمم في نورك والملوك في ضياء إشراقك" (أش 60: 1-3).
لقد اصطدم اليهود إصطداما عنيفا بالرب يسوع لأنه لم يحقق ما كان في ذهنهم من أفكار أرضية وأطماع بشرية...
نظرة تعتبر الأمم كلابا، وأما اليهود وحدهم فهم الشعب المختار، والمسيا لم يأت إلا إليهم، وإن إتسعت النظرة عند بعض مفكريهم بضمه أمما إلى اليهود، فإنهم كانوا يرون أن هذه الشعوب يجب أن تتهود أولا أي يجب أن تختتن وتحفظ الناموس وشريعة موسى، وتدين بما يدين به رؤساء الكهنة والفريسيون والناموسيون الحرفيون في نظرتهم للشريعة.
أما الرب يسوع فقد جاء إلى كل الأمم، وهو الذي قال بفمه الطاهر "ولى خراف أخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي أن آتى بتلك أيضًا فتسمع صوتى وتكون رعية واحدة وراع واحد" (يو 10: 16).
يقول الكتاب: "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله... أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه. الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله" (يو 1: 12، 13).
لقد تضايق الفريسيون من الرب يسوع لأنه كان يشفي المرأة الكنعانية، وكان يتحدث إلى المرأة السامرية، ويشفي عبد قائد المئة، ويتعامل مع أهل الأمم كما يتعامل معهم دون تعصب طائفي أو تحزب قبلى.
لقد كانت فكرة اليهود عن المسيا أنه سيأتي لتحطيم الخطاة، أما الرب يسوع فقد جاء نقيضا لهذا الاتجاه إذ يقول الكتاب "قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ" (أش 33: 3، مت 12: 20).
لقد أعطى الأمثلة الكثيرة أن الأصحاء لا تحتاج إلى طبيب بل المرضى، وإنه جاء إلى الخراف الضالة وإنه آتى ليخلص ما قد هلك. إنه كان صديق العشارين والخطاة يدخل بيوتهم ويجلس إلى موائدهم مناديا أن الرب يريد رحمة لا ذبيحة. هذه كلها أثارت حفيظة الفريسيين الذين أرادوا أن يمسكوه بكلمة ولكن قلبه الملئ رحمة ومحبة تفجر حنانا على الصليب، وأنفتح الجنب المطعون لتدخل فيه البشرية من كل أمة وقبيلة وعشيرة وشعب ولغة بلا أدنى فريسية أو مظهرية.
لقد كانت جميع آمالهم تتجه نحو ملك أرضى. يريدون أرضا وإتساعا وإنتقاما من الأعداء. أما يسوع فقد رفض أن يكون ملكًا أرضيًّا إذ يقول الكتاب إنه عندما أرادوا أن يجعلوه ملكًا مضى من وسطهم وأنصرف. وقال "مملكتى ليست من هذا العالم". وعلم أن ملكوت الله في قلوب المؤمنين وعرشه هو أن يتمجد الآب في حياة قديسيه "ها ملكوت الله في داخلكم".
من هذا المنطق نستطيع أن نقول أن اليهود لم يقبلوا المسيح لأنه لم يكن حسب الصورة أو النموذج الذي تخيلوه بكل أبعاده. جاء وديعا، وهم طلبوه جبارا... جاء محبا للخطاة، وهم طلبوه فريسيا... جاء فاتحا ذراعيه لكل الأمم غير منحاز لليهود إنحيازا تعصبيا، وكانوا قمة التعصب الطائفي... نادى بملكوت الله في القلوب، وكانوا يحلمون بالملك الأرضي.
نعم هذا هو لقب الرب الذي دعاه به يوحنا المعمدان "أنا أعمدكم بماء ولكن يأتي من هو أقوى منى... هو سيعمدكم بالروح القدس ونار" (لو 3: 16). وحين آمنت مرثا قالت "أنا قد آمنت أنك أنت المسيح إبن الله الآتي إلى العالم" (يو 11: 27).
وكانت الأنشودة التي رنمتها الجماهير يوم ظفره، يوم دخوله أورشليم مرنمة "مبارك الآتي باسم الرب" (لو 19: 38). "أوصنا لابن داود مبارك الآتي باسم الرب" (مت 21: 9).
ولم يعترض الرب يسوع على تلقيبه بهذا اللقب بل على العكس فإنه في توبيخه لأورشليم قال لهم "الحق أقول لكم إنكم لا تروننى حتى يأتي وقت تقولون فيه مبارك الآتي باسم الرب" (لو 13: 35).
وأما يوحنا المعمدان فقد كان السابق الذي يمهد الطريق أمام الآتي خلاص البشرية (ملا 4: 5، مت 11: 10، مر 1: 2، لو 1: 17، 76).
وحين أرسل يوحنا تلاميذه ليسألوا يسوع هل أنت الآتي -أي المسيا المنتظر- أن ننتظر آخر، لم يجب يسوع بكلمات بل بمعجزات شفاء تخص المسيا شخصيا... "إن العمى يبصرون والعرج يمشون والبرص يطهرون والصم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشرون" (لو 7: 22).
لقد حقق الرب في حياته بالجسد على الأرض جميع النبوءات عن المسيا الذي يعطى سلاما وفرحا "فيأتون ويترنمون في مرتفع صهيون ويجرون إلى جود الرب" (أر 31: 12).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وإشعياء كان ينتظر ذلك اليوم عندما قال "ويأتون إلى صهيون بترنم وفرح أبدى على رؤوسهم، إبتهاج وفرح يدركانهم. ويهرب الحزن والتنهد" (أش 35: 10).
* في شخصه يرى الآب السماوي الإنسان كما كان يشتهيه والنموذج الذي يبتغيه.
* وفي شخصه يرى الإنسان السماوي لأنه قال بفمه الطاهر من رآني فقد رأى الآب.
وقد سبق الرب وأنبأ تلاميذه عن علامات مجيئه الثاني المخوف المملوء مجدا...
* ستقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن وهذه مبتدأ الأوجاع.
* يقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين ويكون المختارون مبغضين من الجميع.
* يأتي الأرتداد ويستعلن إنسان الخطية إبن الهلاك ويجلس في هيكل الله مظهرا نفسه إنه إله ولكن الرب سيبيده بنفخة فمه ويبطله بظهور مجيئه (2 تس 2).
* بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطى ضوءه والنجوم تسقط من السماء وقوات السموات تتزعزع.
* يظهر علامة إبن الإنسان (الصليب) علانية في السماء وتنوح جميع قبائل الأرض ويبصرون إبن الإنسان آتيا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير (مت 24).
* والرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولا وأما الأحياء الباقون فسيخطفون جميعا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء (1 تس 4: 13- 18).
لأجل هذا طلب منا الرب قائلًا "فأسهروا إذا لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها إبن الإنسان" (مت 25: 13).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bimen/christ-titles/messiah.html
تقصير الرابط:
tak.la/qza3x3g