ورد هذا اللقب في العهد القديم عن إسرائيل التي إعتبرت كرمة الله، التي إنتقاها من العالم لكي تفلح وتخصب وتأتى بالثمر المرجو منها، بعد أن غذاها بالشريعة والناموس والوصايا وأرسل لها الكهنة والانبياء...
يعتبر إشعياء النبي من أكثر أنبياء العهد القديم حديثا ونبوءة وتوبيخا وتشجيعا لإسرائيل كرمة الله.
لنستمع اليه يقول موبخًا إسرائيل على فساده وخيانته:
- "لأنشدن عن حبيبي نشيد محبى لكرمة. كان لحبيبي كرم على أكمة خصبة، فنقبه ونقى حجارته وغرسه كرم سورق وبنى برجا في وسطه، ونقر فيه أيضًا معصرة فإنتظر أن يصنع عنبا، فصنع عنبا ردئيا... والآن يا سكان أورشليم ورجال يهوذا إحكموا بينى وبين كرمى. ماذا يصنع أيضًا لكرمى وأنا لم اصنعه له لماذا إذا أنتظرت أن يصنع عنبا فصنع عنبا رديئا. فالآن أعرفكم ماذا أصنع بكرمى. أنزع سياجه فيصير للرعى، أهدم جدرانه للدوس، وأجعله خرابا لا يقضب ولا ينقب، فيطلع شرك وحسك وأوصى الغيم أن لا يمطر عليه مطرا... إن كرم رب الجنود هو بيت إسرائيل وغرس لذته رجال يهوذا حقًا فإذا سفاك دم وعدلًا فاذا صراخ" (أش 5: 1-7).
إن ما قاله إشعياء بروح النبوة هو ما قاله رب المجد في مثل الكرم والكرامين الأردياء وشبه الكرم بإسرائيل ورعايته لها وتسليمه إياها لرؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين... هؤلاء الذين قتلوا الأنبياء الذين أرسلهم واحدا واحدا، ثم اخيرا عندما ما رأوا الابن الوريث (الرب يسوع) تآمروا عليه لكي يتخلصوا منه... وهكذا نزعت الكرمة من أيديهم إلى الآبد وأعطاها لكرامين جدد. وأما إسرائيل فصارت خرابًا، والامم التي لم تكن تعرف الرب صارت هي إسرائيل الجديدة كنيسة الله والمسيح هو غصن البر فيها.
لم يكن إختيار إسرائيل من الامم نوعا من التعصب الجنسى وأنما كان الهدف أن يأتي منها المسيح إبن داود حسب الجسد حتى وإن زاغت إسرائيل وفسدت الكرمة، فإن الرب الإله يختار بنفسه غصنا من جذع ليس ينبت قدمه كفرخ وكعرق من أرض يابسة (أش 53: 2).
وفي هذا يقول إشعياء النبي:
"ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من اصوله ويحل عليه روح الرب" (أش 11: 1).
وبروح النبوة يؤكد النبي الإنجيلي هذا الأتجاه بقوله "ها أيام تأتي يقول الرب وأقيم لدواد غصن بر فيملك ملك وينجح ويجرى حقًا وعدلا في الأرض، في أيامه يخلص يهوذا، ويسكن إسرائيل آمنًا... وهذا هو اسمه الذي يدعونه به الرب برنا" (أر 23: 5، 6).
وهكذا كل من يؤمن بالابن تكون له حياة أبدية ويصبح عضوا في كنيسة الله الكرمة الحقانية.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
تقول الكنيسة في صلواتها عن العذراء مريم "أنت هي الكرمة الحقيقية الحاملة عنقود الحياة، نسألك أيتها المملوء نعمة مع الرسل من أجل خلاص نفوسنا. مبارك الرب الهنا. مبارك الرب يوما فيوما يهيئ طريقنا لأنه إله خلاصنا".
والعجيب أن الكنيسة تذكر هذه القطعة في صلوات الساعة الثالثة التي يتحدث فيها الإنجيل من يوحنا البشير عن قول الرب يسوع أنا هو الكرمة بثمر ينقيه ليأتى بثمر أكثر.
وفي مواضع أخرى كثيرة تؤكد الكنيسة في تسابيحها وألحانها وصلواتها عن العذراء أنها هي الكرمة لأنها حملت عنقود الحياة ابن الله الكلمة.
وكما أن كل ما تشبه العذراء تشبه به الكنيسة هكذا تطلق على الكنيسة أنه هي الكرمة الحقيقية، لأن المسيح هو جذعها وأصلها، والمؤمنون هم أعضائها الذين يستمدون عصارة الحياة من هذا الجذع لكي تورق الأغصان وتثمر وتحمل العناقيد المملوءة خيرا وبركة.
فالكنيسة أصبحت من خلال إتحادها بالمسيح وثبوتها في الحق هي الكرمة الحقيقية، وإسرائيل الجديدة والمسيح فيها هو الأصل الذي تسرى منه عصارة الحياة نحو كل الاعضاء (كو 2: 19). وبدون الثبوت في هذا الأصل تنقطع العصارة ويذبل الغصن ويلقى للحريق.
إذا كان المسيح في الكنيسة هو الكرمة التي تحمل الأغصان المثمرة، فإن الآب السماوي هو الكرام، لأن هذا هو عمل الآب... إنه إختارها كما إختار إسرائيل وكما إختار العذراء وكما إختار الكنيسة...
فعمل الثالوث هو هكذا: الآب إختارها، والابن تنازل وتجسد وإتحد بها وحمل أغصانها وثبت نفسه في أغصانها، والروح القدس هو الذي قدسها وطهرها وأعدها لتكون عروسا للمسيح وجسدًا طاهرًا مقدسة للرأس التي تحمل الأعضاء والكنيسة لا تسمى كنيسة إلا إذا كانت ثابتة في النعمة والحق هذين اللذين صارا بالمسيح يسوع... وبدونها لا تصبح كرمة حقيقية تحمل الجوهر والحق الثابت: وإنما تشابه مؤسسات العالم ومنظماته وتجمعاته وكافة هيئاته.
مسئولية المؤمن أن يثبت في المسيح: وأن يثبت المسيح فيه كما يقول الرب في الكتاب "إثبتوا في وأنا فيكم".
ولا يمكن أن يحدث هذا الثبوت إلا من خلال الطبيعة الجديدة التي نلناها بالميلاد الثاني، وبالتناول من سر الأفخارستيا... سر الشركة وسر الأسرار في الكنيسة...
"من يأكل جسدي ويشرب دمى يثبت في وأنا فيه" ويقول الكتاب أيضًا "إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم، مَنْ يأكل جسدي ويشرب دمى فله حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير... من يأكلنى فهو يحيا بي. من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد" (يو 6: 53- 58).
ويؤكد الرب أهمية هذا الثبوتن بقوله: "أثبتوا في وأنا فيكم، كما الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته إن لم يثبت في الكرمة كذلك انتم أيضًا إن لم تثبتوا في" (يو 15: 4).
ويقول أيضًا "بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئا". ان المسيح هو حياتنا كلنا، خلاصنا كلنا، شفاؤنا كلنا، وقيامتنا كلنا"..
كما نشهد للحق ونحيا بالتقوى تنسجم حياتنا مع العصارة المقدسة الآتية من الجذع، وبهذا تدب الحياة في عضويتنا لكي نحيا ولا يقوى علينا موت الخطيئة وتحديات العالم وهجمات إبليس وحروب الذات.
إن كنا أغصانا في كرمة واحدة، وأعضاء في جسد واحد، فإنه يلزمنا أن نحمل نفس العصارة، ونفس الدموية حتى يحدث الإنسجام، ولا يكون ثمة تضارب يؤدى إلى الإنفصال أو الموت...
إنها مسئولية الأعضاء أن يحرصوا على وحدانية القلب التي للمحبة، والكنيسة عندما تصلى في اوشيتها عقب حلول الروح القدس على القرابين الموضوعة على المذبح تقول "اجعلنا كلنا يا سيدنا مستحقين ان نتناول من قدساتك طهارة لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا لنكون جسدا واحدا وروحا واحدا وقلبا واحدا.
والرسول يشرح وحدانية الجسد إذ يقول في رسالته إلى كورنثوس عن العصارة الواحدة التي تنتشر في جميع الاغصان "لأنه كما أن الجسد هو واحد وله أعضاء كثيرة وكل أعضاء الجسد الواحد إذا كانت كثيرة هي جسد واحد، كذلك المسيح أيضًا، لأننا جميعنا بروح واحد أيضًا إعتمدنا إلى جسد واحد يهودا كنا أو يونانين عبيدا أم أحرارا، وجميعنا سقينا روحا واحد" (1كو 12: 12-13).. "فإننا نحن الكثيرين خبز واحد جسد واحد لأننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد" (1 كو 10: 17).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
والكنيسة في مطلع صلاة باكر تضع التداريب الروحية التي تحفظ وحدانية الروح.
* أن نسلك كما يحق للدعوة التي دعينا إليها.
* ان يكون لنا رجاء الدعوة الواحد والإيمان الواحد.
* تواضع القلب والوداعة وطول الإناه.
* محتملين بعضنا بعضا في المحبة.
* ومسرعين إلى حفظ وحدانية الروح برباط الصلح الكامل هكذا نحفظ إرتباط جميع الأغصان بالكرمة ووحدة جميع الأعضاء في الجسد الواحد.
يقول الكتاب "كل غصن يأتي بثمر ينقيه ليأتى بثمر أكثر" وهكذا نرث العضوية الحية بقبول التنقية والتهذيب والتأديب، حتى يبقى العصير محتفظا بحيويته، ولا تضيع العصارة في أفرع وزائد لا فائدة منها، فيحدث التشتت وضياع الهدف وعدم وضوح الرؤية.
إن العضو المؤمن لا يرفض تأديب الرب له، لأنه يعلم أن من يحبه الرب يؤدبه، وكما يفعل الكرام بتقليم الكرمة لكي تحافظ على العصارة في الأغصان المثمرة، هكذا يعمل الرب معنا عندما يجدنا أعضاء حية في جسده المقدس، إنه يحرص على إزالة كل ما يعطل نمونا وإتضاعنا وإثمارنا. فالكبرياء والتهالى والإفتخار وحب المديح والسعى وراء إرضاء الذات... هذه كلها يقلمها بالآلام والضيقات والتجارب المرة ليبقى الغصن متدليًا بالعناقيد الممتلئة التي تشرح قلب الآب.
ان علامة ثبوت الغصن وسرعان العصارة اليه، أنه يورق ثم يثمر عنا قيد "ثلاثين وستين ومائة"، أما إذا فقد الثمر وإنقطع سريان العصارة فهذا يعني جفافه ثم سقوطه وألقاؤه في النار لأنه لم يعد يصلح لشئ إلا الحريق. ليمتحن الإنسان فينا نفسه هل هو يحب الصلاة؟ هل هو شغوف بكلمة الله؟ هل يسرى فيه تيار النعمة؟ هل هو يمتلئ دوما من الروح؟ هل يتلهب قلبه بالحب الإلهي ومحبة الأخوة؟ هل له دور في خدمة الكنيسة والجماعة؟ وهل هو ينمو في العمل حسب الموهبة المعطاة له... إن هذه هي معايير الحيوية والفاعلية. ليسكب الرب فينا روحه القدوس لنكون دائما مثمرين ثمرا متكاثرا لحساب مجد الله.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bimen/christ-titles/true-vine.html
تقصير الرابط:
tak.la/wc5r36p