فهرس |
يحدثنا مُعلِّمنا بولس الرسول ويقول:
"لأني لستُ أفعَلُ الصّالِحَ الذي أُريدُهُ، بل الشَّرَّ الذي لستُ أُريدُهُ فإيّاهُ أفعَلُ. فإنْ كُنتُ ما لستُ أُريدُهُ إيّاهُ أفعَلُ، فلستُ بَعدُ أفعَلُهُ أنا، بل الخَطيَّةُ السّاكِنَةُ فيَّ. إذًا أجِدُ النّاموسَ لي حينَما أُريدُ أنْ أفعَلَ الحُسنَى أنَّ الشَّرَّ حاضِرٌ عِندي. فإني أُسَرُّ بناموسِ اللهِ بحَسَبِ الإنسانِ الباطِنِ. ولكني أرَى ناموسًا آخَرَ في أعضائي يُحارِبُ ناموسَ ذِهني، ويَسبيني إلَى ناموسِ الخَطيَّةِ الكائنِ في أعضائي. ويحي أنا الإنسانُ الشَّقيُّ! مَنْ يُنقِذُني مِنْ جَسَدِ هذا الموتِ؟" (رو7: 19-24).
فالاهتمام بالجسد أكثر من اللازم ليس مطلوبًا لأنه يسبب ضياعه.. بل علينا أن نعي أن الإفراط في الأكل والشرب لا يفيد شيئًا بل يصبح ضرر جسيم للجسم والروح.
فالصوم يلجم الجسد الجامح الذي يريد أن يشرد بعيدًا عن الطريق الروحي المضبوط الذي نسلك فيه.. وجهادنا الروحي كله مرتبط بالصوم.. وكل ممارسة روحية يجب أن يسبقها الصوم لتقديس هذه الممارسة.
* "كل جهاد ضد الخطية وشهواتنا يجب أن يبتدئ بالصوم، خصوصًا إذا كان الجهاد بسبب خطية داخلية" (القديس مار اسحق).
* "ليس لأن الله الرب وخالق الكون يجد منفعة في قعقعة أمعائنا وخلو معدتنا والتهاب رئتنا، ولكن لأن هذه هي الوسيلة لحفظ العفة" (القديس ﭽيروم).
* "الصوم بالنسبة للشهوات كالماء بالنسبة للنار" (القديس يوحنا الأسيوطي).
فالإنسان مكون من روح وجسد.. فكما نهتم بالجسد ونقوته ونربيه هكذا يجب علينا أن نقوت ونربي الروح بنفس الاهتمام.. فبقدر ما يغلب أحدهما على الآخر هكذا يصبح الإنسان روحانيًا أو جسدانيًا.
* " مُخلِّصنا الصالح حينما أظهر نفسه للعالم عند الأردن ابتدأ من هذه النقطة.. فحينما اعتمد قاده الروح إلى البرية مباشرة، وصام أربعين يومًا وأربعين ليلة، وكل الذين يريدون أن يتبعوا خطواته عليهم أن يضعوا أساس جهادهم على مثال عمله" (القديس مار اسحق).
كل الفضائل التي يسعى الإنسان في جهاده الروحي لكي يكتسبها ويحيا بها يسبقها الصوم، بل يمهد لها.. مثل الأرض التي تستصلح وتمهّد للزراعة.. فحينما تقع البذرة في هذه الأرض الجيدة الممهدة تنمو وتكثر وتأتي بالثمر المطلوب.
لذلك فالصوم يسبق أي عمل روحي.. وكمثال لذلك نجد الصوم يرتبط ارتباط كلى بالصلاة، فهما لا يفترقان.. فالذي يصوم ولا يصلى لا يكتمل عمله الروحي، ولا يتمتع بالصوم الطاهر النقي.
* لذلك نصرخ في قسمة الصوم الكبير ونقول: "الصوم والصلاة هما اللذان عملا بهما الأبرار والصديقون ولباس الصليب، وسكنوا في الجبال والبراري وشقوق الأرض من أجل عِظم محبتهم في الملك المسيح".
* "حينما يبدأ الإنسان بعمل فلاحة البر بذاته، فأول عمل يعمله هو أن يصوم، لأنه بدون النسك جميع فضائل فلاحة الذات مرتخية. فالصلاة لا تكون نقية والأفكار لا تكون متنقية، والذهن لا يصفو والإنسان الخفي لا يتجدد" (القديس مار فيلو كسينوس).
إن السبب الأساسي في سقوط أبوينا الأولين آدم وحواء في كسر وصية الله هو ضعف الإرادة.. "فأكلت بإرادتي وتركت ناموسك عني.. وتكاسلت عن وصاياك.. أنا اختطفت لي قضية الموت" (القداس الغريغوري).
فبمجرد أن جاءت الحية إلى أمنا حواء وبدأت في تشكيكها في كلام الله.."وكانَتِ الحَيَّةُ أحيَلَ جميعِ حَيَواناتِ البَريَّةِ التي عَمِلها الرَّبُّ الإلهُ، فقالَتْ للمَرأةِ: أحَقًّا قالَ اللهُ لا تأكُلا مِنْ كُل شَجَرِ الجَنَّةِ؟". فقالَتِ المَرأةُ للحَيَّةِ: مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الجَنَّةِ نأكُلُ، وأمّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ التي في وسطِ الجَنَّةِ فقالَ اللهُ: لا تأكُلا مِنهُ ولا تمَسّاهُ لِئلا تموتا. فقالَتِ الحَيَّةُ للمَرأةِ: لن تموتا!" (تك3: 1–4).
خضعت أمنا حواء لكلام الحية لضعف إرادتنا وعدم رفضها لكلام الحية.. وأكلت بل ما هو أعجب من ذلك ذهبت لأبونا آدم وأقنعته بسهولة جدًا، وأكل دون أن يفكر في عاقبة ما سوف يفعله، ووقع في معصية الله.
انتهت القصة بالحكم عليه هو وامرأته وكل بنيه بالموت الأبدي، وطُرد من أمام وجه الله ومن الجنة، وأصبح حزينًا مطرودًا كئيبًا في حسرة على ما عمله.
* "آدم بينما هو حزين سر الرب أن يرده إلى رئاسته" (ثيؤطوكية يوم الاثنين).
* "وعندما خالفنا وصيتك بغواية الحية.. سقطنا من الحياة الأبدية.. ونفينا من فردوس النعيم" (القداس الباسيلي).
فالصوم يقوى الإرادة الضعيفة.. وخاصة الصوم الإنقطاعي.. يتدرب فيه الإنسان بأن يقول لنفسه أنا سوف لا أكل نهائيًا حتى الساعة.... وأيضًا حينما آكل سوف أمتنع عن كل المأكولات الشهية المحببة لنفسي... فتبدأ ارادة الإنسان الضعيفة تقوى رويدًا رويدًا حتى يصبح الإنسان قوي الإرادة وله شخصية قوية في كل شيء.
* مُعلِّمنا داود النبي يقول: "أذلَلتُ بالصَّوْمِ نَفسي" (مز35: 13).
* ومعلمنا بولس الرسول يقول: "أقمَعُ جَسَدي وأستَعبِدُهُ" (1كو9: 27).
فالصوم من أهم فوائده ه تدريب الإنسان على كيفية تهذيب الجسد، وقمع كل ثوراته التي تقوم ضد الروح.. فالصوم يضعف الجسد نسبيًا فتقوى الروح بقدر ما يضعف الجسد.
لذلك آباءنا القديسين كانوا يقظين في قمعهم لثورة الجسد.. وكانوا يعطون الجسد حاجاته الضرورية فقط، ضابطين شهواتهم بكل دقة وحرص.. بل كانوا يمنعون عن أجسادهم ليس كل ما هو شهي ولذيذ فقط بل أيضًا حتى الخبز والماء بكثرة.
"لقد جرب آباؤنا الصوم كل يوم فوجدوه نافعًا وموافقًا لنقاوة النفس، ونهونا عن امتلاء البطن من أي طعام كان، حتى من الخبز البسيط أو من الماء أيضًا".
* القديسة سارة:
"إن فمًا تمنع عنه الماء لا يطلب خمرًا، وبطنًا تمنع عنها الخبز لا تطلب لحمًا".
* القديس أمبروسيوس أسقف ميلانو:
"إن مَنْ كان بريئًا من كل خطية (السيد المسيح) صام أربعين يومًا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وأنت أيها الخاطئ تكره هذا الصوم وتأباه. ها هوذا طوفان جديد يدوم مدة 40 يومًا لا تزال السماء فيها هاطلة علينا بأمواه النعم الإلهية. وبه تغرق خطايانا وتحفظ قلوبنا الفضائل والقداسة".
"الصوم هو بدء طريق الله المقدس. هو يتقدم كل الفضائل، بداية المعركة، جمال البتولية، حفظ العفة، أبو الصلاة، نبع الهدوء، معلم السكوت، بشير الخيرات".
* القديس غريغوريوس رئيس متوحدي قبرص:
"الكبير البطن أحلامه الرديئة تكدر قلبه، والذي ينقص من أكله يصير في كل وقت منتبهًا، لأن مثلما يظلم الجو من الضباب كذلك يظلم العقل إذا امتلأت البطن من المأكولات".
إلهنا الصالح الذي قدّس الصوم بصومه أربعين يومًا..
قادرًا أن يقدس صومنا، ويجعله صومًا روحانيًا..
نسعى فيه لبناء الروح،
ولضبط شهوات الجسد والفكر والحواس..
لكي تتقدس حواسنا وأرواحنا وتتنقى أفكارنا.
ولربنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/strong.html
تقصير الرابط:
tak.la/fzv87w9