الذين منحهم الرب مواهب، سمح لهم بالتجارب لتحميهم من الكبرياء.
· لنأخذ بولس الرسول كمثال:
كان صاحب رؤى كثيرة، رأى الرب حينما عاتبه الرب ودعاه وهو في طريق دمشق (أع 9). وظهر له الرب أيضًا في كورنثوس في رؤيا بالليل وقال له "لا تخف، بل تكلم ولا تسكت. لأني أنا معك، ولا يقع بك أحد ليؤذيك. لأن لي شعبًا كثيرًا في هذه المدينة" (أع 18: 9، 10). وظهر له في الله في أورشليم، وقال له "أذهب، فإني سأرسلك بعيدًا إلى الأمم" (أع22: 17، 21). وظهر له الرب مرة أخرى وقال له "ثق يا بولس، لأنك كما شهدت بما لي في أورشليم، هكذا ينبغي أن تشهد في رومية أيضًا" (أع23: 11).
بولس هذا الذي تعب في الخدمة أكثر من جميع الرسل (1كو14: 18)، والذي كان رجل استعلانات، يقول أخيرًا، هذا الذي اختطف إلى السماء الثالثة (2كو 12: 2): "ولئلا ارتفع بفرط الاستعلانات، أُعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع..." (2كو 12: 7).
سمح الله لشيطان أن يضرب بولس بشوكة في الجسد لئلا يرتفع.
واستمرت هذه الشوكة معه في جسده، تشعره بضعفه، حتى لا يرتفع قلبه من فرط ما وصل إليه من مجد روحي. على الرغم من أنه تضرع إلى الله ثلاث مرات ليشفيه. ولكن الرب قال له "تكفيك نعمتي" (2كو 12: 8، 9). لأن قوة الله تظهر كاملة في ضعف هذا الرسول...
* مثال آخر، هو داود النبي:
داود صاحب المزمار والقيثار والعود، الذي له مواهب في الشعر وفي الموسيقي. وهو رجل حرب "جبار بأس" (1صم 16: 18). هو الذي هزم جليات (1صم 17). وقبل ذلك قتل الدب والأسد في شجاعة، ولم يخف منهما (1صم 17: 35، 36). داود هذا، بما له من موهبة النبوة. وقد صار مسيحًا للرب، بعد أن مسحه صموئيل النبي، وحل عليه روح الرب (1صم 16: 13).
داود هذا بكل مواهبه، سمح الله أن يقوم ضده شاول الملك بكل عنف، ويذل حياته. ويطارده من برية، ويدبر المؤامرات لقتله... وعاش ذليلًا أمام شاول، حتى قال عن نفسه إنه برغوث، وكلب ميت (1صم 24: 14).
بل سمح الله أن يسقط داود ويخطئ. فكانت سقطته هذه سبب ذل لنفسه من الداخل، وحياة غارقة في البكاء والدموع، حتى قال "تعبت في تنهدي. في كل ليلة أعوم سريري. بدموعي أبل فراشي" (مز6: 6). وقال للرب:
"خيرٌ لي أنك أذللتني، لكي أتعلم فرائضك" (مز119: 71).
نعم، كان خيرًا له ذلك الذل الذي عاش فيه، الذي يقيم توازنًا في داخله مع مجد النبوة، ورفاهية الملك، وموسيقي الناي والعود...!
إنه درس روحي عميق، نتعلمه من هذا المزمور أن الله قد يسمح بالذل لأحد أبنائه من الأنبياء، لأن ذلك خير له، لكي يتضع قلبه، ولا تحوله الأمجاد المحيطة به إلى الكبرياء.
· مثال ثالث هو أيوب الصديق:
سمح له الرب بذل من نوع الآخر، فيه الفقر والمرض وتحقير أصدقائه له... هذا الذي شهد له الله مرتين إنه كامل ومستقيم (أي 1: 8) (أي 2: 3). وأنه "ليس مثله في الأرض، ويتقي الله ويحيد عن الشر".
وإلي جوار بره، كانت تحيط به العظمة من كل جانب: كان "أعظم كل بني المشرق" (أي 1: 3). وكان محترمًا جدًا من الناس."رآه الغلمان فاختبأوا، والشيوخ قاموا ووقفوا" "الأذن سمعت فطوبته، والعين رأت فشهدت له" (أي 29: 8، 11)." أنقذ المسكين والمستغيث واليتيم ولا معين له"، "كان أبًا للفقراء، وعيونًا للعمي، وأرجلًا للعرج" (أي 29: 12-16).
ولهذا كله سمح الله بتجربة لأيوب. كانت شديدة. ولكنها كانت لازمة له لتنقذه، حتى لا يكون بارًا في عيني نفسه" (أي 32: 1).
إن الله يهمه جدًا سلامة أولاده من الكبرياء المهلكة للنفس، لذلك فهو بالتجارب والضيقات، أو بالآلام والأمراض، يحمي نفوسه حتى لا يضرهم المجد المحيط بهم، أو شعورهم بحياة البر التي يحيونها.
* مثال رابع هو يعقوب أبو الآباء:
هذا الذي أحبه الله قبل أن يولد (رو9: 11-13). والذي قيل له في بركته "كن سيدًا لأخوتك، وليسجد لك بنو أمك"، "ليستعبد لك شعوب، وتسجد لك قبائل" (تك 27: 29)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. يعقوب هذا الذي ظهر له الله في أعلى سلم منصوبة بين السماء والأرض والملائكة صاعدة ونازلة عليها. وباركه الله وقال له: ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب..." (تك 28: 12-15).
يعقوب هذا الذي "جاهد مع الله والناس وقدر" (تك 32: 28)، ومنحه أسمًا جديدًا. وقد نظر الله وجهًا لوجه (تك 32: 30)...
يعقوب هذا -لكي يشعر بضعفه فلا يتكبر- "ضربه الله على حق فخذه"، وخرج من مصارعته مع الله "وهو يخمع على فخذه" (تك 32: 30).
ولعلك تسأل: لماذا يا رب تضرب يعقوب على فخذه، فيعيش كمعوق كل أيام حياته؟ وتكون الإجابة: لأن ذلك نافع له، وأفضل من أن تضربه الكبرياء فيهلك...
ونفس الوضع بالنسبة إلى بولس الرسول: أُعْطِيَ شوكة في الجسد، "لكي لا يرتفع من فرط الإعلانات". وكذلك أيوب الصديق: ضُرب بقرح رديء من باطن قدمه إلى هامته" لكي لا يكون بارًا في عيني نفسه"...
إن الله يهمه بالدرجة الأولي مصير أبنائه في الأبدية. فإن كانت الضربات التي تصيبهم على الأرض نافعة لأبديتهم، إذ توصلهم إلى انسحاق القلب، فلا مانع منها. وفي هذا يقول القديس بولس الرسول:
"لذلك أسر بالضيقات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح. لأني حينما أنا ضعيف، فحينئذ أنا قوي" (2كو 12: 10).
الضعفات والضيقات تمنع الكبرياء، وتوصل إلى تواضع القلب. وأيضًا في هذه الضيقات -إذ يشعر الإنسان بضعفه- يلجأ إلى الله فيأخذ منه قوة. ولهذا قال القديس بولس الرسول:
"أفتخر بالحري في ضعفاتي، لكي تحل عليً قوة المسيح" (2كو 12: 9).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/g499cmf