المتواضع إنسان وديع، والمتكبر يفقد روح الوداعة الإنسان المتواضع، هو إنسان هادئ وديع يتصرف في كل أمر بهدوء. هدوء في الفكر والقلب، هدوء في الأعصاب، هدوء في التعامل يحل كل مشكلة في هدوء يملك السلام على قلبه وألفاظه.
أما المتكبر فلا يعرف الهدوء ولا الوداعة، بل يظنها لونًا من الضعف. لذلك فتصرفاته تتميز بالعنف ويرى أن العنف مظهر للقوة.. حتى صوته يكون في الغالب صاخبًا أو حادًا.
وبينما يمر عليك الإنسان الوديع كنسيم رقيق عطر، يمر بك الإنسان المتكبر كعاصفة هوجاء تود أن تقتلع كل شيء..
المتواضع طيب القلب، ومتسامح ومسالم. يتحاشى الخصومة مع الناس، ويود أن يحيا مع الكل في سلام.
يكون دائمًا بشوشًا ومبتسما، لا يعبث في وجه أحد. لا يتجهم ولا يقطّب جبينه. له ابتسامة حلوة محببة إلى الكل، وملامح مريحة لمن يتأملها. ولا تسمح له طبيعته الهادئة أن يزجر ويوبخ ولا أن يحتد ويشتد. إنما في وداعة ولطف، يوجه غيره إذا لزم التوجيه، دون أن يخدش شعور إنسان..
المتواضع لا يسرع إلى الغضب. وعلى قدر إمكانه لا يُغضب أحدًا. إنه حليم، واسع الصدر، طويل البال، سهل التفاهم مع الآخرين، يأخذ ويعطي معهم في هدوء.
هو ليس سهل الاستثارة، مهما أراد أحد أن يثيره، يتلقى ذلك في موضوعية، بعيدًا عن التأثر الشخصي، ولا يحتد، ولا يثار لنفسه. إنما يوضّح الأمور بغير انفعال، ويكسب الطرف الآخر. ويضع أمامه قول سليمان الحكيم" الجواب اللين يصرفه الغضب".
أما المتكبر، فهو حساس جدًا لكرامته، يثور لأتفه الأسباب، وقد يثور بلا سبب، سوى ظنه السوء في من يتعامل معه، أنه تصرف بأسلوب لا يليق. لذلك فهو سريع التذمر والضجر.
أما المتواضع فيندر أن يتذمر أو يتضجر أو يشكو.
الإنسان الوديع المتواضع، يتمتع بسلام داخلي، لا ينزعج، ولا يضطرب، ولا يتجسس، مهما كانت الأسباب الخارجية...
إنه يذكرّنا بالجنادل الستة التي في مجرى النيل – التي سُميت خطًا بالشلالات إنه صخور ثابتة قوية، مهما هاج البحر وارتفعت الأمواج وصدمتها، فلن تتأثر بشيء. بعكس السفن التي تهتز وتضطرب أمام الأمواج، وتميل ذات اليمين وذات اليسار...
هكذا الوديع، هو كالصخرة أو الجندل، ثابت لا يتزعزع. كما قال داود النبي في المزمور" إن يحاربني جيش فلن يخاف قلبي. وإن قام عليَّ قتال ففي هذا أنا مطمئن".. إنه الإيمان بالله الذي يحفظ الودعاء، فلا يضطربون. إنما في ثقة يطمئنون إلى معونته..
الإنسان المتواضع سهل التعامل. لا دهاء عنده، ولا مكر, ولا خبث، ولا هو يظهر غير ما يبطن...
إنه بسيط. وكلمة (بسيط) هنا لا تعنى السذاجة. كلا، بل تعنى عدم التعقيد. فهو قد يكون حكيمًا جدًا. ولكنه في حكمته لا يعقد الأمور, ولا يلف ويدور في حديثه، ولا يدبر خططًا ضد أحد. هو صريح ومريح، يمكنك أن تثق به وتطمئن إليه..
بعكس المتكبر الذي لا يكشف خططه أو نواياه، معتقدًا أن بقاءه لغزًا غير مفهوم يضفى عليه شيئًا من المهابة والمخافة. وهو لا يتكلم ببساطة مع أحد، خوفًا أن تكون البساطة ضد الوقار!
الإنسان الوديع لا يؤذى أحدًا، بل يحتمل الذي من المخطئين.. وهو مملوء من الحنان والعطف حتى على أشر الخطاة وإن غضب لسبب قهري، فإنه لا يحقد. إنما سرعان ما يصفو ويسامح. فإن رأيت إنسانًا قاسيًا في تعامله، اعلم أنه ليس وديعًا... الوديع يحتمل المخطئ إليه، ولا يدع الحقد يدخل إلى قلبه من جهته. ويجعل مبادرة الصلح تأتى منه هو، فتعود المحبة بينهما أما المتكبر فإنه لا يغفر وإن أخطأ إليه أحد، يقول " لابد أن ألقّنه درسًا لا ينساه، لكي يعرف أقدار الناس.."
المتواضع في طبعه أن يحترم الغير:
المتواضع يحترم من هو أكبر منه سنًا ومن هو أعلى منه مقامًا ومركزًا، ومن هو أكثر منه علمًا وفهمًا، ومن هو أكبر منه من جهة القرابة أيضًا. وليس فقط من هم أكبر منه .. بل المتواضع يحترم الصغار أيضًا، ولا يستصغرهم أو يحتقرهم.
والمتواضع يحترم أيضًا الرأي المعارض له. بينما المتكبر لا يحتمل أن يعارضه أحد. ومن الجائز أن يسفّه كل رأى ضده ! بعكس المتواضع الذي يقبل الرأي المعارض في هدوء، ويتعامل معه برقة. المتكبر يطلب الاحترام لنفسه فقط أما المتواضع فيحترم الآخرين.. المتكبر يطلب لنفسه احترامًا وكرامة وتوقيرًا وتقديرًا، وإعجابًا وإطراءً.. يطلب أن يكبر في نظر الناس ويحترم. وفي نفس الوقت يعادى كل شخص لا يمنحه الاحترام المطلوب.
أما المتواضع، فلا يسعى وراء الإكرام والاحترام. وإن وصله يستحى من ذلك. ولذلك فهو محبوب ومحترم من الكل دون أن يطلب. بينما المتكبر- إن احترمه الناس ظاهريًا خشية منه- فهم في داخلهم لا يحترموه . كما قال أحد الأدباء الروحيين.
"من سعى وراء الكرامة (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)، هربت منه. ومن هرب منها بمعرفة سعت إليه..".
المتواضع يستر عيوب الناس، والمتكبر يكشفهم ويستهزئ بهم.. المتواضع لا يجرح أحدًا ولا يُحرج أحدًا. ولا يقبل أن يُخجل أحدًا. ولا يسأل أحدًا عن أسرار من الحرج أن يبوح بها.
أما المتكبر فيحب أحيانًا أن ينكشف الناس أمامه، لكي يعرف ضعفاتهم، ويقارن بينها وبين قوته! فيصغر الناس في عينيه، ويكبر هو في عيني نفسه!
فمن جهة عيوب الناس: المتواضع يرى كل شيء وكأنه لم ير شيئًا على الإطلاق وإن عرف، فكأنه لا يعرف.
إن كشف الناس، وإحراجهم، والتشهير بهم.. كل ذلك يدل على عدم محبة، وعلى قساوة قلب ويزيد ذلك إذا ما وصل إلى التهكم والاستهزاء. والمتواضع بعيد عن كل هذا.
المتكبر يحب الغلبة والانتصار، وبخاصة فيما يتعلق بالمعرفة هو يتباهى بمعرفته.. وإذا ناقش غيره، يحب أن يهزمه ويُظهر ضعفه، ويفرح بانتصاره عليه. أما المتواضع فيهمه أن يقنع من يحاوره بالحق، دون أن يشعره بالانهزام أمامه. إنما يحاول إيصاله إلى الحقيقة. فإن وصل إليها يمتدحه. لا يهزم مناقشيه، بل يكسبهم.. إن بين المتكبر والمتواضع فروقًا في أسلوب وهدف الحوار: المتكبر يفكر في ذاته: كيف ينتصر وأن يحطم محاوره. بعكس المتواضع الذي يهتم بالموضوع، وكيف يتفق مع محاوره. لذلك فالمتكبر ربما يظهر في مناقشاته روح العجب والاعتداد بالذات، وربما يلجأ إلى الحدة والقسوة. ومعه يتحول الحوار إلى شجار. أما المتواضع فهو مؤدب في حوار، ورقيق. ويتخير في نقاشه الألفاظ المهذبة، ويبعد عن كل لفظ جارح أو خشن أو محرج.
المتواضع لا مانع عنده من أن يستشير، وينتفع بمعرفة غيره أما المتكبر فقد يكتفي بمعرفته ولا يرى أنه في حاجة إلى مزيد من المعرفة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/nfs8d59