هناك ثلاثة أنواع من العجرفة تصيب المتكبرين...
وهذه هي العجرفة. ويقسمها البعض إلى ثلاثة أنواع:
عجرفة علمانية، وعجرفة رهبانية، وعجرفة في العقيدة واللاهوتيات.
· العجرفة العلمانية هي أن ينتفخ الإنسان من الداخل. وتظهر الكبرياء في نظراته، وفي مشيته وجلوسه، وفي مظهره الخارجي، وفي أسلوب كلامه... يمشي في خيلاء وعظمة، ويتخذ مظهرًا ارستقراطيًّا في كل تعاملاته...
· أما العجرفة الرهبانية، فتظهر في الافتخار بالصمت والوحدة، ولبس الخيش. كل ذلك من الخارج، دون التدرب في الداخل على نقاوة القلب والفكر وممارسة ثمر الروح (غل5: 22، 23). ومثل هذا الراهب يتعالَى على زملائه الرهبان، ويحتقر وينتقد الذين ليسوا في نسكه ووحده.
· أما العجرفة في مجال العقيدة واللاهوتيات، فتظهر في الذين يسعون إلى التكلم بألسنة، ويقولون إنها علامة الملء بالروح... ويتحدثون عن اختباراتهم علنًا ومن فوق المنابر. ويدعون منح الروح القدس بوضع أيديهم على الناس. ويقولون إن الشيطان تحت أقدامهم، يدوسونه بأرجلهم...!
· وقد يدعَّي بعضهم المعرفة اللاهوتية، وأنه يأتي فيها بجديد لم يدركه غيره، فيقع بذلك في البدعة والهرطقة...!
العجيب أن كثيرًا من الذين تكبروا، أو غالبية الذين تكبروا، كانوا من الذين قد أحسن الله إليهم، أو وهبهم إحدى المواهب.
إنسان يمنحه الله ذكاءً، أو لونًا من الفن، فينتفخ بسبب ذكائه أو فنه. وآخر يمنحه الله طاقة أو قدرة على العمل. فتكبًر ذاته بسبب قدرته. وثالث يمنحه الله غِنَى، فينتفخ بسبب غناه، أو يسمح الله لإنسان أن يتولى منصبًا عاليًا أو وظيفة مرموقة، فيرتفع قلبه بسبب مركزه أو وظيفته... وإذا به ينظر إلى الناس من فوق، أو يتجاهل أصدقاءه القُدَامَى.
أمثال هؤلاء لم يحتملوا كرامة المركز والغني، ولا كرامة الذكاء والطاقة. وكما قال القديس أنطونيوس الكبير في ذلك:
هناك مَن يستطيعون أن يحتملوا الإهانة، ولا يحتملون الكرامة. لأن احتمال الكرامة أصعب من احتمال الإهانة.
لأن كثيرين ممن نالوا كرامة، انتفخوا وارتفع قلبهم من الداخل، وفقدوا الاتضاع والوداعة. ومثلهم أيضًا من نالوا مواهب عقلية أو فنية، أو حتى مواهب روحية، دفعهم ذلك إلى الكبرياء أو على الأقل إلى الإعجاب بالنفس! حتى تلاميذ المسيح أنفسهم أدركهم الإعجاب بالنفس، لما خضعت لهم الشياطين بالموهبة التي منحها الرب إياها. وقالوا له وهم فرحون "يا رب، حتى الشياطين تخضع لنا باسمك". فقال لهم "لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم. بل افرحوا بالحري أن أسماءكم قد كُتبت في السموات" (لو10: 17، 20).
ولأجل هذا قال أحد الأدباء:
"إذا منحك الله موهبة، اطلب منه أن يهبك تواضعًا ليحميها. وإلا فليأخذها منك".
وذلك حتى لا يرتفع قلبك بسبب الموهبة، فتسقط...
حقًا إن المتواضعين فقط هم الذين يأتمنهم الرب على مواهبه. كما قيل في الكتاب "أما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (يع 4: 6) (أم 3: 34).
لهذا اختار الرب أكثر العذراوات اتضاعًا لكي يتجسد منها. وتستطيع بتواضعها أن تحتمل هذه الكرامة العظيمة.
هذه التي قالت لها القديسة أليصابات "من أين لي هذا، أن تأتي أم ربي إليً؟!" (لو1: 43)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ومع أنها أم الرب، إلا أنها قالت للملاك المبشر لها "هوذا أنا أمة الرب. ليكن لي كقولك" (لو1: 38). حقًا إن القدير "نظر إلى أتضاع أمته" (لو1: 48).
وهكذا باتضاعها احتملت حلول الروح عليها وعمله فيها، واحتملت أن تحوي جمر اللاهوت داخلها "واحتملت الرؤى وظهور الملائكة وكل المعجزات التي صاحبت ميلاد الرب منها. ولم تتحدث كثيرًا عن كل تلك الأمجاد. بل قيل عنها إنما كانت تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها" (لو2: 51).
وهكذا تلاميذ الرب، اختارهم من بين فئات متواضعة:
فقيل "اختار الله جُهَّال العالم ليخزي الحكماء. واختار ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم والمزدري وغير الموجود، ليبطل الموجود. لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه" (1كو1: 27-29).
واختار موسي "الأغلف الشفتين" (خر6: 30)، العارف بضعفه، الذي قال للرب -حينما دعاه- "لست أنا صاحب كلام، منذ أمس ولا من حين كلمت عبدك. بل أنا ثقيل الفم واللسان" (خر4: 10). هذا العاجز عن الكلام، دعاه لكي يكون كليم الله، وصاحب المعجزات!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/sck5vh7