أوغسطينوس -صاحب القلب الرقيق الطيب- قضى فترة طويلة بعيدًا عن الله، لأن الصوت الإلهي لم يكون قد وصل إليه واضحًا. فلما وصله صوت الرب، استجاب للتو، بكل القلب وبكل العاطفة... وصار قديسًا...
ومريم القبطية ظلت بعيدة عن الله زمنا، وبعيدة عن صوته. ولكن لما شعرت بصوت الله وهو يناديها عند الأيقونة المقدسة، تغيرت تغيرًا كاملًا، واستجابت للرب، وعاشت بقية عمرها في محبته.
وهكذا بيلاجية، مجرد منظر القديسين أثر فيها، مجرد عظة سمعتها، كان لها قلب رقيق سهل التأثر. وعلى الرغم من زناها وغناها، تابت بسرعة. وكانت استجابتها عجيبة.
عجيب في قصص التوبة، أن الزواني يستجيبون للرب بسرعة.
وفي الواقع ليس هذا بعجيب، لأن غالبية هؤلاء الزواني لم تكن لهم قلوب قاسية. وإنما كانت لهم قلوب عاطفية، تستجيب للحب بسرعة. ولكنها انحرفت في حبها، فاتجهت به نحو الجسد، وغلبها الجسد. ولكنها حالما تجد حبًا حقيقيًا من الله أو من قديسيه، وترجع بسرعة. فالعاطفة موجودة، والحب موجود، ولم يكن ينقصهما سوى التوجيه السليم. بعكس أصحاب القلوب القاسية الذين لا يستجيبون بسرعة، وربما لا يستجيبون على الإطلاق. ولذلك حسنًا قال الرب لبعض هؤلاء القساة من رؤساء اليهود "الحق أقول لكم إن العشارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله" (مت 21: 31).
وعجيب أن كثيرًا من هؤلاء الزناة، وتحولوا من خطاة إلى قديسين.
العاطفة الملتهبة التي لهم، لما تحولت إلى الله، واشتعلت بمحبته، واستطاعت أن تصل إلى حياة القداسة بسرعة. لسنا نذكر فقط أوغسطينوس ومريم القبطية وبيلاجية...
إنما يعوزني الوقت إن تحدثت عن خاطئات أخريات استجبن للرب بسرعة وتحولن إلى قديسات: مثل القديسة بائيسة، والقديسة تاييس، والقديسة مرثا، والقديسة مريم بنت أخي القديس إبراهيم المتوحد، والقديسة أفدوكيا... وغيرهن كثيرات.
ومن أمثلة هؤلاء من الرجال: القديس يعقوب المجاهد، والقديس تيموثاوس السائح، وبدء حياة مار أو غريس.
إنهم جميعًا لم يأخذوا من الله مجهودًا في إرجاعهم إليه.
لم يتركوا الله يلح عليهم، أو يناديهم بلجاجة.
المرأة السامرية، مجرد جلسة واحدة مع المسيح، غيرت حياتها كلية. وتحولت من امرأة خاطئة "لها خمسة أزواج، والذي معها ليس لها "إلى القديسة السامرية... كان لها قلب رقيق يمكن أن يستجيب بسرعة للرب أكثر من الفريسيين العنفاء الذين يتكلمون عن المبادئ العالية ولا ينفذونها.
وداود النبي -بعد خطيئته وزناه- لم يحتمل من ناثان عبارة واحدة هي ط أنت هو الرجل "فصرخ للتو قائلًا "أخطأت إلى الرب". وتاب عجيبة، كان فيها في كل ليلة يعوم سريره، وبدموعه يبل فراشه" (مز 6).
نعم إن القلب الرقيق، قد تكفيه كلمة لتغيير حياته.
عبارة واحدة سمعتها تاييس من القديس بيصاريون، جعلتها تسقط على الأرض، وتنفجر باكية، ثم تخرج معه من مكان الإثم لتحيا كقديسة.
وعبارة واحدة سمعتها بائيسة من القديس يوحنا القصير، جعلتها تتأثر، كما تأثرت ببكائه عليها... وخرجت معه تائبة. وصعدت الملائكة بروحها في تلك الليلة طاهرة كشعاع من نور.
القصص كثيرة، وكلها تدور في فلك واحد، وهو القلب الرقيق الذي يستجيب بسرعة...
وليس هذا فقط في دائرة الزواني الذين تابوا. وإنما في نطاقات أخرى كثيرة نجد قلوبًا رقيقة، سهلة الاستجابة، لا تعاند الرب، بل تسمع له بسرعة، وترجع إليه.
شاول الطرسوسي غيرته عبارة واحدة من الرب.
كان شاول شديدًا جدًا في تنفيذ الشريعة. وكان مضطهدًا للكنيسة. ولكن لم تكن في قلبه قسوة، إنما كانت في قلبه غيرة حسبها مقدسة، وفعل ما فعله بجهل (1تي 1: 13). فلما ظهر له السيد المسيح الذي كان شاول يضطهده، وسمع منه عبارة واحدة... قبل الكلمة بفرح، وتحول إلى العكس... وآمن وتألم لأجل المسيح.
وبطرس الرسول، مجرد أن سمع صياح الديك بكى بكاء مرًا.
لم يكن محتاجًا إلى كثير من التوبيخ. يكفي أنه سمع الديك، حتى قامت ثورة في داخله ضده، عصرت قلبه وعصرت عينيه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). هكذا القلب، يكفيه القليل ليتوب.
زكا العشار تطلع إليه المسيح، وكلمة. فلم يحتمل. وأعلن توبته أمام الجميع (لو 19: 5). وكم كلم المسيح كتبة وفريسيين وكهنة، ولم يستفيدوا. أما زكا، فلم يكن قلبه في التوبة قاسيا مثلهم، على الرغم مما هو معروف العشارين من ظلم.
ومتى العشار، لم يعوزه أيضًا لتغيير حياته، سوى كلمة واحدة من المسيح، هي "اتبعني" (متى 9: 9). فترك كل شيء، وقام وتبعه. وبنفس الوضع فعل بطرس وأندراوس الصيادان حينما قال لهما المسيح "هلما ورائي فأجعلكما صيادي الناس" (مر 1: 17).
القلب الحساس ليس فقط يطيع صوت الله، بل يستجيب لأية إشارة منه ولو من بعيد، يهتز قلبه لها، لأن قلبه متفتح لله باستمرار.
المسألة إذن تتركز في القلب: هل هو قاسٍ أم سهل.
والنوعان يظهران معًا في قصة داود ونابال الكرملي...
نابال الكرملى سمع رجاء من داود أن يعطيه من جراز غنمه، لأنه كان هو وجنده محتاجين إلى الطعام. فلم يستجب نابال لأجل قساوة قلبه. فأنذره داود فلم يرتدع، بسبب قساوة قلبه أيضًا. ما نفع معه الرجاء ولا التهديد.
أما أبيجايل زوجة نابال، فما أن سمعت بقصة داود مع زوجها، حتى تحرك قلبها بسرعة واستجابت. وقابلت داود وقدمت له ما يحتاجه جنده من طعام، واستعطفته. وفي نفس الوقت وبخته في أدب على أنه حاول أن ينتقم لنفسه...
وداود في هذه القصة -مع شدته- يقدم مثالًا للقلب الطيب الذي يقبل التوبيخ بسرعة، ويرجع عن أخطائه. إذ قال لها "مبارك عقلك، ومباركة أنت، لأنك منعتني اليوم من إتيان الدماء وانتقام يدي لنفسي" (1صم 25: 33).
القلب الطيب يقبل التوبيخ. أما القلب القاسي فيثور.
داود قبل التوبيخ من أبيجايل، وهي امرأة... وكذلك القديس الأنبا أنطونيوس قبل التوبيخ من تلك المرأة "لو كنت راهبًا، لكنت تسكن في الجبل".
ولم يقبل الكلمة فقط وينفذ، بل قال في قلبه بالأكثر إن ذلك صوت الله إليه.
بعكس ذلك، شاول الملك. وهو معروف بقساوة القلب - لما كلمه ابنه يوناثان من أجل داود قائلًا "لماذا يقتل؟ ماذا عمل؟" (1صم 20: 32)، حمى غضب شاول على يوناثان ابنه، ووجه رمحه إليه ليقتله، وشتمه بشتائم صعبة، وأخزاه (1صم 20: 30، 34).
إن القلب القاسي، لا يقبل التوجيه ولا النصح، ولا يتحول عن فكره. وإنما تقنعه كبرياؤه بان يثبت حيث هو. لذلك حسنًا قال الكتاب:
الرب يقاوم المستكبرين (يع 4: 6).
لم يقف الرب يومًا ضد العشار المسكين، لكن وقف ضد الفريسي القاسي المتكبر، وضد الكتبة والفريسيين القساة، الذين في قساوتهم يُحَمِّلون الناس أحمالًا عَسِرَة الحِمْل... (متى 23).
هؤلاء القُسَاة يخسرون أنفسهم، ويخسرون الناس، ويخسرون الله.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/9j5h3ha